المقاربة القانونية للتجارب الدولية المقارنة لوسيلة التفويض الإداري مع التجربة القطرية والدروس المستفادة

عبد الرحمن يوسف عبد الرحمن محمود1

1 كليه العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية الرباط، السويسي، جامعة محمد الخامس المملكة المغربية

HNSJ, 2022, 3(12); https://doi.org/10.53796/hnsj31238

Download

تاريخ النشر: 01/12/2022م تاريخ القبول: 20/11/2022م

المستخلص

قديماً، كانت السلطة العامة تتجسد في أيدي أفراد قلائل، هم الذين يمارسونها ويملكون إصدار القرارات واحتكار المهام، وكانت طاقة الإنسان محدودة، فمن غير المنطق وقف هذا النشاط المتزايد أو الحد منه، بل أصبح من الضروري توسيع نطاق الخدمات وتشعبها، وتوزيع السلطة بين عدد أكبر من الأفراد القائمين بشؤون الهيئات والمنظمات العامة حتى يتسنى لهم تلبية الحاجات المتجددة باستمرار.

ولعل، الزيادة في أوجه النشاط العام للدولة، وكبر حجم المهام ضمن الهياكل العامة للمؤسسات العمومية، والمطالبة المستمرة من المجتمعات بتقديم الخدمات بكفاءة، كان لابد من البحث عن وسائل إدارية معاصرة، الأمر الذي جعل من التفويض الإداري من بين الآليات الضرورية لإنجاز الأعمال الإدارية، ذلك أن تركيز السلطة في المستويات العليا قد يتناسب مع مفهوم الدولة “الحارسة”، ولكنه لا يناسب دولة “الخدمات” التي ترى من واجبها القيام بكل نشاط يحقق الخير العام، ولو خرج عن المجالات التقليدية للإدارة العامة.

التعرض لموضوع التفويض في الأنظمة المقارنة للتعرف على أساسه وتنظيماته القانونية، وكذا من أجل التعرف على تلك التجارب لبعض تلك الدول والأنظمة، وكذا بعض الأحكام القضائية المتعلقة به.، في النظام اللاتيني والأنجلوساكسوني باعتبارهما نظامين فرضا ذاتهما على قوانين وتشريعات معظم الدول لما توافر لهما من مناخ وتطور لم يتوفر للدول التي أخذت وتأثرت بإحداهما.

والتطرق للتفويض في التجربة القطرية، إدراكا منا أن الفارق والاختلاف في النظام سيكون له أثره لا محالة على الظروف والموضوعات الإدارية بصفة عامة، وعلى أحكام وقواعد التفويض بصفة خاصة في كل بلد.

وبناء، على ما سبق فإن الإشكالية المحورية للموضوع حول أهمية الاعتماد على وسيلة التفويض الإداري في دولة قطر بالمقارنة مع التجارب الدولية المتقدمة والاستفادة منها؟ ولمعالجة الإشكالية سيتم تقسيم الموضوع إلى مطلبين.

المطلب الأول: التجارب الدولية المتقدمة في التفويض الإداري

المطلب الثاني: التجربة القطرية والدروس المستفادة

المطلب الأولى: التجارب الدولية المتقدمة في التفويض الإداري

سوف يتم الاستعراض لتجربة التفويض الإداري في كل من النظام اللاتيني والانجلوساكسوني، في فرنسا والولايات المتحدة الأمريكية على اعتبار أنهما اهتما بالتفويض اهتماما ملحوظا إدراكا منهما لأهميته.

هذا بالإضافة إلى كون كل الدول اللاتينية تتشابه إلى حد بعيد في قوانين التفويض مع تلك التي أنشأتها فرنسا، دون إغفال مسألة مهمة تتجلى في أن القانون الفرنسي كان ولا يزال المرجع الذي يستمد الكثير من الدول.

فالنظام القانوني الفرنسي عرف القانون الإداري منذ إنشاء مجلس الدولة الفرنسي عقب قيام الثورة الفرنسية بالمادة 52 من دستور السنة الثامنة للجمهورية. وطبقا لقواعد هذا القانون تتمتع الإدارة العامة بسلطات وامتيازات واسعة في عملها، وفي مواجهة الأفراد، كما تخضع لقيود معينة في ممارستها لسلطاتها، كل ذلك من أجل تحقيق المصلحة العامة.

والقانون الإداري بهذا المفهوم ليس له وجود في الولايات المتحدة الأمريكية ودول النظام الانجلوساکسوني، لأن الإدارة فيها تخضع للشريعة العامة للبلاد، دون أن يكون لها أية امتيازات أو سلطات استثنائية تختص بهما. ويرجع ذلك في الحقيقة إلى الظروف التاريخية للشعب الأمريكي التي أدت إلى كراهية السلطة العامة والدفاع عن الحرية والمذهب الفردي على إطلاقه. لهذا لم ينشأ قانون إداري بالمفهوم الذي وجد به في فرنسا ودول النظام اللاتيني الأخرى، وإنما نشأت الإدارة العامة كعلم مستقل متضمنا جميع القواعد القانونية والتنظيمية والمالية المتعلقة بالإدارة الحكومية.

والذي يعنينا من إبراز هذا الفارق هو أن قواعد وأحكام التفويض ستختلف بالضرورة عن مثيلتها في الولايات المتحدة الأمريكية، نظرا لاختلاف الظروف والأوضاع الإدارية في الدولتين. ومع ذلك، فإن هذا الاختلاف لم يمنع من وجود قواعد مشتركة تحكم التفويض في كلا النظامين.

الأمر سيسوقنا إلى التعرف على هذا التفاوت بين التجارب المتقدمة في الدول الغربية من خلال الوقوف أمام التجربة الفرنسية في (الفرع الأول)، والتجربة الأمريكية في (الفرع الثاني).

الفرع الأول: التفويض في الأنظمة اللاتينية – النظام الفرنسي

القاعدة العامة في فرنسا هي ممارسة كل رئيس إداري لجميع الاختصاصات المعهودة إليه بالقانون ومباشرتها بنفسه، بحيث لا يحق له أن يقوم بالتفويض في جزء من اختصاصاته من تلقاء نفسه وإنما لا بد أن يكون مستندا إلى نص محيز لهذا التفويض. [1]

ولقد ظهر التفويض الإداري في القانون الفرنسي منذ سنوات عديدة، فبعض نصوصه ترجع إلى الثمانينات، وأصبح مبدءا مستقرا من مبادئ القانون الإداري بعد الإلمام بمدى أهميته في إصلاح الجهاز الإداري. [2]

ولقد ذهب الفقه الفرنسي[3] إلى أن التفويض في الاختصاص يعد خروجا على قواعد توزيع الاختصاص، إلا إذا صرحت به السلطة مانحة الاختصاص وذلك اعتبارا إلى أن الاختصاصات الممنوحة لسلطة أو هيئة معينة لا تعتبر حقوقا شخصية يمكنها أن تتنازل عنها كما يتنازل الأفراد عن حقوقهم المالية، بل هي اختصاصات تلتزم بممارستها كما تلتزم بالنصوص المانحة لها أصلا. ومن ثم فإن أي تنازل عن ممارسة هذه الاختصاصات يعد خروجا عن هذا الالتزام وانتهاكا له، الأمر الذي يؤدي إلى إحداث تعديل غير قانوني في النظام القانوني للاختصاص. ويترتب على ذلك نتيجة رئيسية، وهي أن التفويض في الاختصاص لا يعتبر، لكونه يمثل تعديلا على قواعد الاختصاص، مشروعا وجائزا إلا إذا كان مستندا إلى نص صريح.

ومن أمثلة التفويض الذي تم على هذا الأساس[4]، المرسوم بقانون الصادر في 23 يناير 1947 والمعدل بالمرسوم بقانون الصادر في 19 يوليو 1968، الذي منح الوزراء الحق في تفويض توقيعا تم بواسطة قرارات منهم في حالات معينة إلى معاونيهم.

والمرسوم الصادر في 23 يونيو 1950 الذي منح المدير حق التفويض في ممارسة اختصاصاته للسكرتير العام، ومدير الإدارة ورئيس المكتب. ثم جاء مرسوم 26 شتنبر 1953 الذي منع التفويض من جانب الوزراء في دائرة المحافظة لغير المحافظ، إذ نص

على أنه لا يجوز للوزراء أن يفوضوا اختصاصاتهم مباشرة إلى موظفي وزاراتهم في الأقاليم، ولكن يجب أن يتم هذا التفويض إلى مدير المحافظة أولا، ثم يقوم هذا الأخير بالتفويض إلى موظفي الوزارات المختصين في محافظته .[5]

لذلك قضى مجلس الدولة الفرنسي بأنه لا يجوز بغير نص لوزير أن يفوض اختصاصه إلى محافظ[6]، ولا يجوز لحاكم عام الجزائر (قبل استقلالها ) تفويض اختصاصه إلى محافظ منتدب في مهمة هناك. [7] وطبق المجلس المبدأ ذاته على تفويض التوقيع في العديد من أحكامه.

ويتميز معظم فقهاء القانون العام في فرنسا بين نوعين من التفويض:

التفويض في الاختصاص ” Delegation de competence” والتفويض في التوقيع ” • Délégation de signature”

ولقد ذهب المنشور الصادر في 04 فبراير 1964 في فرنسا [8]إلى أن التفويض في  الاختصاص، لكونه يرتب نقل اختصاص معين، لا يكون ممكنا إلا إذا استند إلى نص قانوني من نفس مرتبة النص القانوني الذي أنشأ الاختصاص بداعة. وقد برر رئيس الوزراء الفرنسي ذلك بأن التفويض يترتب عليه تعديل في نظام الاختصاص، وبالتالي يتعين الالتزام بذلك بالنسبة للتفويضات في الاختصاص داخل النظام القانوني لأية دولة.

أما بالنسبة للتفويض في التوقيع فيكفي أن يكون مصرحا به بواسطة السلطة التي تتولى تنظيم المرفق العام، حيث استقر الفقه التقليدي على أن التفويض في التوقيع يعتبر أحد إجراءات التنظيم الداخلي للمرفق والتي لا يترتب عليها على الإطلاق أي تعديل في قواعد توزيع الاختصاص.[9]

ويختلف الحكم بالنسبة إلى كل نوع من نوعي التفويض في مدى سلطة المفوض بالنسبة للمسائل المفوضة، ومرتبة القرارات التي يصدرها المفوض إليه بشأن السلطات المفوضة، ومدى الطابع الشخصي للتفويض:

وخلاصة ما سبق أن المفوض إليه يعتبر الفاعل الحقيقي L’auteur Reel للتصرف الذي صدر منه بشأن الاختصاص المفوض في التفويض بالاختصاص، في حين يحتفظ المفوض بدور الفاعل الحقيقي للتصرف في التفويض بالتوقيع. [10]

وتنسب القرارات الصادرة من المفوض إليه في تفويض الاختصاص إليه، لأنه أصدرها بما له من سلطة بشأن الاختصاص المفوض إليه. ولهذا فإن هذه القرارات تأخذ نفس مرتبة القرارات التي يصدرها بحكم مركزه في الهرم الوظيفي للإدارة، ولا تأخذ مرتبة قرارات المفوض. [11] كذلك يرفع الطعن في القرار اتجاه المفوض إليه وحده، كما أن هذا الأخير يسأل عنه مدنيا- في حالة الخطأ الشخصي – وليس الأصيل.

أما بالنسبة لتفويض التوقيع، فإن القرار الصادر من المفوض إليه ينسب إلى المفوض نفسه، ويأخذ قوة القرارات الصادرة عن هذا الأخير.[12] وتبرير ذلك أنه باعتبار تفويض التوقيع لا يعدل في توزيع الاختصاصات بين الأصيل والمفوض إليه، كما يفترض في قرار هذا الأخير أنه قد صدر عن الأصيل نفسه وباسمه ولحسابه، لذلك تتحدد مرتبة هذا القرار مرتبة الأصيل وليس بمرتبة المفوض إليه، فإذا فوض الوزير توقيعه في موضوع إلى مدير مكتبه، كان قرارا وزاريا مع ما يترتب على ذلك من آثار، ويوجه الطعن بالإلغاء في قرار مدير المكتب ضد الوزير. ويسأل الوزير مدنيا تجاه الغير إذا ظهر خطأ في تصرف مدير مكتبه. وتسري كل هذه الأحكام على كل تفويض توقيع أيا كان الأصيل فيه، وزيرا أو غير وزير.

كما أن الأصيل يملك دائما إلغاء التفويض، كما أنه يحتفظ اتجاه المفوض إليه بسلطته التأديبية، شأن تفويض التوقيع في ذلك شأن تفويض الاختصاص.[13]

وفي إحدى القضايا رأى مجلس الدولة الفرنسي أن قرار التفويض قائم رغم صدوره في سنة 1927، ورغم أن العمل الذي استند إليه صدر سنة 1948، ولم ير المجلس ضرورة التجديد التفويض عند كل تغيير طرأ على أشخاص أطرافه خلال هذه المدة الطويلة، ما دام لم يظهر من صياغة النص الأذن أو من موضوع التفويض أن له طابعا شخصيا. [14]

ويعتبر ذلك من مزايا التفويض في الاختصاص[15]، حيث يظل ساري المفعول، وصحيحا من الناحية القانونية لمدة طويلة رغم التغيير الذي قد يحدث في أطرافه. فهو لا ينتهي بتغير أحد أطرافه، وإنما ينتهي إما بإلغائه بقرار صريح يكون من ذات مرتبة قرار التفويض، أو بانتهاء أجله إذا كان قد صدر موقوتا بمدة معينة، أو بانتهاء الظرف الذي صدر لمواجهة حالة غياب الأصيل، أو لمواجهة حالة الحرب. وينتهي بزوال الجهة المفوض إليها زوالا نهائيا، أي بتصفية الجهة التي تم التفويض إليها، أما إذا ألغيت هذه الجهة المفوض إليها مع بقاء اختصاصاتها وأيلولتها إلى جهة أخرى، فإن هذه الجهة” الوارثة” تستفيد من قرار التفويض الذي صدر لسالفتها دون حاجة إلى تحديد التفويض[16]، كذلك لا ينتهي التفويض إذا تم الموظف مدني يمارس الاختصاص موضوع التفويض بصفته العسكرية، ثم صار يمارسه – بناء على تعديل تشريعي- بصفته المدنية”. [17]

وعلى العكس من ذلك، فإن الطابع الشخصي يبرز بوضوح في التفويض بالتوقيع إذ أن التفويض ينتقل إلى المفوض إليه بصفته الشخصية وليس بصفته الوظيفية كما هو الشأن في تفويض الاختصاص، ويترتب على ذلك التفويض بالتوقيع إذا وقع تغيير في شخص المفوض أو المفوض إليه.[18]

بالإضافة إلى الأصل العام في التفويض في النظام الفرنسي، وهو تأسيسه على نص تشريعي أو تنظيمي، وتقسيمه إلى نوعين: تفويض الاختصاص وتفويض التوقيع مع وضع أحكام خاصة بكل نوع كما رأينا سابقا، توجد أحكام عامة لحكم التفويض بصفة عامة أيا كان نوعه

الفرع الثاني: أساسي التفويض الإداري في النظام الأمريكي

لقد اتجه معظم فقهاء القانون الإداري في شأن أساس نظرية التفويض في الولايات المتحدة الأمريكية اتجاهين [19]:

الاتجاه الأول: يذهب هذا الاتجاه إلى أن الأصل في الولايات المتحدة الأمريكية هو التفويض، وأن عدم إجازته أو منعه هو استثناء من ذلك الأصل العام، وأساس ذلك هو وجود النظام الرأسمالي أو الفردي الذي يوسع من نطاق الإدارة الخاصة ويضفي على دورها أهمية كبيرة، الأمر الذي يؤدي إلى عدم إخضاعها إلى قيود متشددة من جانب الدولة التي تلعب دور الحارس لا المتدخل احتراما لمبدأ الحرية الاقتصادية والمهنية.

إذن فالنظام الرأسمالي الذي يحول أساسا دون تدخل الدولة في شؤون المشروعات الفردية لإفساح المجال لها لإشباع الحاجات العامة للجمهور، جعل من الإدارة الخاصة أساس النظام الإداري في الولايات المتحدة الأمريكية.

ولما كانت الاختصاصات والسلطات في نطاق الإدارة الخاصة تتركز أساسا في مدير المنظمة، ثم تتوزع بعد ذلك داخلها بتفويضات منه، فقد رأى هذا الجانب من الفقهاء أن هذا المفهوم، أي مفهوم التفويض، قد انتقل من الإدارة الخاصة إلى الإدارة العامة.

وعلى هذا الأساس اعتبر هذا الجانب من الفقه أن التفويض هو الأصل، بل هو مصدر اختصاصات المرؤوسين وليس القانون.

الاتجاه الثاني: يتفق هذا الاتجاه مع الاتجاه الأول في أن الأصل في الولايات المتحدة الأمريكية هو التفويض، وأن هذا المفهوم انتقل من الإدارة الخاصة إلى الإدارة العامة، إلا أنه أضاف أن مصدر السلطة في الإدارة الخاصة هو نظام الملكية الخاصة وما ترتبه من حقوق، أما مصدر السلطة في الإدارة العامة فهو المجتمع الذي أعطى هذه السلطة إلى الحكومة من خلال الدستور والقوانين.

ويترتب على ما تقدم أن يكون مصدر التفويض في الإدارة الخاصة هو الملكية الخاصة وما ترتبه من حقوق، أما مصدره في الإدارة العامة فأساسه الدستور والقوانين.[20]

هذا ما ذهب إليه الفقهاء باتجاهيهم بخصوص أساس نظرية التفويض في الولايات المتحدة الأمريكية، لكن ما هو موقف الفقه والقضاء الأمريكيين من التفويض الإداري؟

والأصل في الولايات المتحدة الأمريكية هو تركز السلطة في يد رئيس الجمهورية أو “المنفذ الأول” كما يطلق عليه، باعتباره رئيس المنظمة الأم التي تفرع عنها كافة الوحدات الإدارية العامة الأخرى.[21]

بمعنى أن الاختصاص والسلطة والمسؤولية لم تحول إلا لشخص بذاته، وذلك بحكم منصبه أو وظيفته، وهو رئيس الجمهورية الذي يستمد سلطته من الدستور والقوانين.[22]

ورؤساء الوحدات الإدارية العامة يتمتعون بسلطتهم بتفويض من رئيس الجمهورية وذلك أيا كان شكل الوحدة التي يتولون رئاستها، وزارة أو غيرها.

ولما كانت اختصاصات الرئيس الأمريكي مستمدة إما من الدستور أو من القوانين فإن إمكانية التفويض لديه كانت تختلف حسب مصدر اختصاصاته، فوظائف الرئيس المستمدة من الدستور تنقسم إلى مجموعتين: [23]

1- اختصاصات مستمدة من الدستور مباشرة لا يجوز إطلاقا تفويضها.

2- اختصاصات مستمدة كذلك من الدستور مباشرة لا يجوز في الأصل تفويضها،

ولكن نظرا لاعتبارات عملية عديدة تتمثل في اتساع نشاط الدولة وكثرة الأعمال الملقاة على عاتق الرئيس، أقر القضاء إمكانية تفويضها دون إخلاء مسؤولية الرئيس منها.

ولتسهيل عملية التفويض من جانب رئيس الجمهورية، أصدر الكونغرس في1950/8/8 (قانون ماك كور ماك) الذي يصرح الرئيس الجمهورية بأن يفوض الاختصاصات المخولة له بمقتضى القوانين إلى الوزراء وغيرهم من رؤساء المنظمات الأخرى، أو لأي موظف آخر يكون مجلس الشيوخ قد وافق على تعيينه مع مراعاة الشروط التي قد ترد في تلك القوانين، كمنع الرئيس من التفويض في بعض الاختصاصات المحددة أو تعيين بعض الأشخاص الذين يمكن التفويض إليهم دون غيرهم.

ومنذ صدور هذا القانون سنة 1950، أصدر رؤساء الولايات المتحدة الأمريكية ما

يزيد عن ستين قرارا بالتفويض في موضوعات مختلفة، وكذلك داخل الوزارة الواحدة، فإن كافة الموظفين يستمدون سلطاتهم من الوزير بتفويض منه، سواء في ذلك الموظفون الذين يزاولون عملهم في العاصمة أو في الفروع .[24]

إذن فالرئيس يمكنه أن يعهد لمساعديه بما يراه من تفويضات تتفق مع المهام المسندة إليهم، لكن دون أن يتخلى عن مسؤولياته فيما فوض فيه.[25]

وذهب القضاء في الولايات المتحدة الأمريكية إلى أن الأصل هو عدم التفويض والاستثناء هو التفويض إذا أذنت أحد النصوص الدستورية أو القانونية بذلك.

ولقد استناد القضاء الأمريكي في هذا الشأن إلى كون جميع الاختصاصات التنفيذية تتركز أصلا في بلد رئيس الدولة، وأن عليه ممارستها بنفسه، لكن كثرة هذه الاختصاصات وتفرعها هو الذي يستدعي وجود مساعدين بجانبه يقومون بممارسة بعضها عن طريق التفويض.

وإذا استعرضنا بعض الأحكام القضائية المتعلقة بالتعويضات الرئاسية، ترى أنها ذهبت في شأن إمكان قيام الرئيس الأمريكي بالتفويض أو عدم إمكانه القيام به إلى حالتين[26]:

الحالة الأولى: إذا تطرقت النصوص الدستورية أو القانونية إلى التفويض صراحة سواء منعه أو إجازته، فإن القضاء الأمريكي في هذه الحالة لا يمكنه أن يقر خلاف ذلك سواء في المسائل المهمة أو الثانوية نظرا لصراحة النص.

الحالة الثانية: إذا سكتت النصوص الدستورية أو القانونية عن ذكر التفويض سواء

منعه أو إجازته، فإن القضاء الأمريكي في هذه الحالة يقر صحة التفويضات التي يقوم بها الرئيس. مما يعني عدم اشتراط وجود نص قانوني يجيز التفويض في النظام الأمريكي.

ففي سنة 1839 قررت المحكمة العليا الأمريكية أن سلطة الرئيس في التفويض يمكن أن تفهم ضمنا، وقرار المحكمة هذا يعني أنه يمكن للرئيس الأمريكي تفويض بعض اختصاصاته في حالة سكوت النص.

وفي سنة 1842، قررت المحكمة العليا الأمريكية أنه يمكن للرئيس تفويض بعض اختصاصاته التي يباشرها بوصفه القائد الأعلى للقوات المسلحة، خاصة في حالة الطوارئ.

وفي سنة 1887 أكدت المحكمة العليا الأمريكية في حكم لها أنه إذا خول القانون أداء اختصاصات معينة بمفرده، فإنه يمكن له ممارستها بواسطة رؤساء الأجهزة التنفيذية بحيث تصبح قراراتهم إذا نفذت وفقا للقانون كما لو صدرت من الرئيس نفسه .[27]

وفي سنة 1926 ذهبت المحكمة العليا الأمريكية إلى أن جميع الاختصاصات التنفيذية تتركز أصلا في يد رئيس الدولة، وأن النصوص الدستورية أو القانونية توجب عليه ممارستها بنفسه، لكن لما كان من الصعب بل من المستحيل أن يقوم بها بنفسه نظرا لتعددها وتنوعها، أقرت قيام الرئيس بتفويض البعض منها إلى مساعديه، وكذا يكون القضاء الأمريكي قد توافق مع ما ذهب إليه جانب كبير من الفقه من حيث الأسس والنتائج.

ومما تجدر الإشارة إليه أن هناك مجموعة من الضوابط التي تحكم التفويض الإداري في الولايات المتحدة الأمريكية، يمكن تناولها كما يلي:

1- التفويض يمكن أن يكون كتابيا، وهذا هو الغالب، ويمكن أن يكون شفهيا، وهو أيضا يمكن أن يكون صريحا ويمكن أن يكون ضمنيا احتراما لتقاليد العمل المستقرة، كما أن التفويض يمكن أن يكون مطلقا من حيث المدة ويمكن أن يكون مقيدا بزمن معين، غير أنه لا يمكن أن يكون بأي حال من الأحوال كليا أي شاملا لجميع اختصاصات الرئيس الإداري.[28]

2- يتخذ التفويض في الولايات المتحدة الأمريكية عمليا عدة صور، فقد يأخذ التفويض شكل تفويض کامل في السلطة، أي بدون فرض أية قيود على سلطة المرؤوس المفوض إليه، وإعطائه الفرصة لتحقيق هدف محدد من قبل.[29]

3- يجري التفويض على أساس تحليل كامل للوظيفة ينظم تدفق العمل، ويمكن من

معرفة الموضع الذي ينبغي أن توضع فيه السلطة والمسؤولية، والمقدار المناسب منها، إذ يجب أن يتكافأ مقدار السلطة مع مقدار المسؤولية التي ترتبط بها.[30]

4- لا يتخلي الرئيس الإداري عن سلطاته ومسؤولياته عندما يفوض، لأن المسؤولية لاتفوض باعتبار أن التفويض لا يعدو أن يكون مجرد أسلوب لتنظيم العمل ولا يعني تنازل الرئيس عن سلطاته ومسؤولياته التي منحه إياها القانون، وهذا ما جعل بعض الفقهاء يقولون أن التفويض في الولايات المتحدة الأمريكية هو تفويض للأعمال وليس الاختصاصات.[31]

5- يجب على المفوض إليه أن يكون متفهما لجميع السلطات التي انتقلت به بالتفويض، مع منحه حرية كافية لإثبات مدى قدرته على الأداء.

6- يجب على الرئيس المفوض أن يقوم بمراقبة نشاط مرؤوسيه ليتأكد من أن التنفيذ يجري على أحسن ما يرام ووفق الخطة العامة للمنظمة .[32]

7- يجوز إنماء التفويض كله أو بعضه في أي وقت، وقد يقتضي الأمر إنهاء التفويضات كلها وبناءها من جديد، ويظهر ذلك عندما يعيد المدير الأعلى تنظيم الوحدة الإدارية التابعة له. فمثلا قد يكون التفويض في التنظيم السابق يأخذ شكلا معينا هو الذي تم على أساسه توزيع السلطات بين مختلف المديرين، وإعادة التنظيم تؤدي إلى عودة كافة السلطات مرة أخرى إلى بؤرتها الأولى تم انطلاقها منها من جديد وفقا لأوضاع التنظيم المقترح. وقد يتمتع أحد المديرين بعد ذلك بسلطات أكبر أو أقل من تلك التي كان يتمتع بها من قبل، بل وقد يترتب على إعادة التنظيم تحريده من كل سلطة إذا ما تغيرت طبيعة وظيفته، كأن يتحول من جهاز تنفيذي إلى جهاز استشاري.[33]

المطلب الثاني: التجربة القطرية والدروس المستفادة

لما كان كل من التفويض الإداري والتشريعي على حد سواء يحظى بأهمية كبيرة، ليس فقط في الدول الأنجلوساكسونية واللاتينية، ولكن أيضا في معظم الدول العربية في الوقت الحاضر، إدراكا منها لأهميته في إنجاز الأعمال وتنفيذ الاختصاصات بسرعة وكفاءة في مختلف الظروف التي قد تواجهها الدولة، فقد آثرنا أن نتناول التجربة في دولة قطر والاستفادة من تلك التجارب الدولية الأجنبية للنهوض بالتجربة القطرية.

فكل الدول تمثل نظاما مختلفا عن الآخر، وأساس ذلك أن مثلا في المنطقة العربية أن مصر وقطر والمغرب يغلب على معظم تشريعاتها – وخاصة تلك التي تتصل بالنواحي الإدارية، طابع النظام الفرنسي وقد تأثرت بطابع النظام الأنجلوساكسوني، وإن أصبحت الآن تدمج بين هذين النظامين. ومعروف أن تأثر كل دولة من هذه الدول بنظام معين، يعود في الحقيقة إلى أسباب تاريخية لا يمكن إنكارها.

ونحن لا نجانب الحقيقة إذا قلنا إن التجربة القطرية كغيرها من التجارب العربية، والتي تعمل على مسايرة التقدم والتطور الهائل الذي وصلت إليه الدول الأخرى، وقد أولت الموضوع التفويض اهتماما خاصا في مراحل زمنية متعددة ومتصلة إلا أنها لم تبلغ الصورة التي وصلت له تلك الدول المقارنة باعتبار التفويض يحمل قانونا خاصا به في تلك الدول.

ولأجل الإلمام بقواعد وضوابط التفويض في قطر بالمقارنة مع تلك الدول المتقدمة، ارتأينا تقسيم هذا المطلب إلى فرعين، نتناول في (الفرع الأول) التفويض الإداري في دولة قطر على أساس أن نتطرق في(الفرع الثاني) الدروس المستفادة من التجارب الدولية المقارنة.

الفرع الأول: التفويض الإداري في دولة قطر 

يحظى التفويض في القانون الإداري القطري بأهمية، لأن تحديد الاختصاصات لرجال الدولة أو الوظيفة العمومية بالدولة هي نتيجة من نتائج الفصل بين السلطات، والذي يتطلب أن تباشر كل سلطة اختصاصاتها، ولكن المشرع القطري ومن خلال النصوص القانونية أعطي للمصلحة العامة أولوية مما جعله أمام وضع نصوص وتشريعات تتعلق بالتفويض وبالأخص منه تفويض الاختصاص، لضمان تسريع تنفيذ المهام للحفاظ على استمرارية الخدمات بما يعزز المصلحة العامة.

القاعدة العامة في دولة قطر لا تختلف عن نفس القاعدة في الكثير من الدول وهي “الأصل أن يمارس صاحب الاختصاص اختصاصه بنفسه، ذلك أن الاختصاصات التي تتقرر للسلطات الإدارية هي وظيفة يعهد بما إليها لتباشرها بنفسها، وليست حقا لها تتصرف فيه كما تشاء، وبالتالي فلا يجوز لها أن تتنازل عن هذه الاختصاصات، كما لا يمكنها التفويض فيها أصلا إلا بإذن”

وحتى يكون التفويض صحيا باعتباره استثناء على القاعدة العامة، أكد المشرع القطري على إخضاعه على حدود وشروط وضوابط يمارس من خلالها وفي نطاقها، كأي نظام قانوني أخر، ما يسهل مهمة تنفيذ ذلك الأجراء ومشروعيته من جهة، وكذلك تسهيل مهمة الرقابة علية من مختلف الجهات من جهة أخرى.

وقد أكد المشرع القطري على عدد من الشروط أبرزها ما يلي:

1ـ وجود نص قانوني يشرعه

حتى يكون التفويض صحيحا يلزم أن يستند في وجوده على نص يشرعه ويجعله ساري المفعول وبالتالي أكد المشرع القطري على ذلك في أحكام قانون الموارد البشرية القطري رقم (15) لسنة 2016 على أن تفويض الاختصاص المحدد بنص قانوني يجب أن يكون بنفس مستوى النص القانوني الذي أسند الاختصاص المفوض، حيث نصت أحدى المواد[34] من قانون الموارد البشرية القطري رقم (15) لسنة 2016 على أنه ” يجوز للرئيس والرئيس التنفيذي والوكلاء المساعدين ومديري الإدارات تفويض بعض اختصاصاتهم أو مهامهم المخولة إليهم بموجب أحكام هذا القانون لمن يليهم في الدرجة مباشرة، وذلك وفقا لما يقتضيه صالح العمل”.

وحرصا من المشرع القطري منه والذهاب إلى الحرص على المصلحة العامة أكد وبصورة غير مباشرة على استمرارية تنفيذ المهام وعدم التحجج بعد تطبيق التفويض في حاله الغياب أكدت المادة (122) من نفس القانون على “عند غياب شاغل وظيفة من الوظائف الأشرفية، يحل محله في مباشرة واجبات ومسؤوليات وظيفته من يليه مباشرة في ترتيب الأقدمية، ما لم يحدد الرئيس من يحل محله على أن يكون من ذات درجته الوظيفية أو الدرجة الأدنى مباشرة.”

وفي نفس السياق أجاز قانون حماية المستهلك القطري ضمن أحكامه للوزير أو من يفوضه سلطة التصالح في أي من الجرائم المنصوص عليها في قانون حماية المستهلك، حيث وردد على أنه” يجوز للوزير أو من يفوضه التصالح في أي من الجرائم المنصوص عليها في هذا القانون قبل تحريك الدعوى الجنائية أو أثناء نظرها وقبل الفصل فيها بحكم نهائي، وذلك مقابل أداء مبلغ لا يقل عن مثلي الحد الأدنى للغرامة ولا يجوز مثلي الحد الأقصى، ويترتب على التصالح انقضاء الدعوى الجنائية[35]“.

2ـ أن يكون التفويض مكتوبا

نظرا للأثار الخطيرة التي تنتج عن التفويض، ولاستقرار المراكز القانونية التي تترتب على القرارات الصادرة والمهام المنجزة وفقا للتفويض أكد المشرع القطري على استكمال عنصر الكتابة بالتفويض حيث قضت محكمة التمييز القطرية بالدائرة الجنائية بأنه” وجوب تحقق المحكمة من تفويض وزير الاقتصاد والتجارة لمدير إدارة حماية المستهلك في تحريك الدعوى الجنائية عن الجريمة محل الطعن إعمالا لما توجبه المادة (22) من القانون رقم (8) لسنة 2008 لما ورد ذكره ردا على الدفع بعدم جواز نظر الدعوى الجنائية لعدم صدور إذن كتابي بذلك من الوزير المختص، وهو ما كان يوجب على محكمة الإعادة أن تلتزم بتلك المسألة التي فصلت فيها محكمة التمييز، وأن تمضي في تحقيق كان عليها أن تسلكه بلوغا إلى غاية الأمر فيه لا أن تعيد تأييد الحكم المستأنف الذي تجاهل هذا الدفع وسكت عنه ولم يرد عليه مخالفا بذلك أحكام القانون، ولا يغير من ذلك النظر أو يقدح فيه أو يؤثر في سلامته ما تذرع به الحكم المطعون فيه بما أضافه في أسبابه المكملة من أن تفويض وزير الاقتصاد والتجارة لمرؤوسيه من ذوي الاختصاص هو تفويض افتراضي باعتبار أن ولايته ولاية عامة، وهو ما لا يصلح ردا على دفع كهذا يؤثر على مسار الدعوى الجنائية فيما يتصل بقبولها من عدمه ولا مجال لافتراض وجود تفويض”[36].

3ـ أن يكون التفويض جزئياً

الأصل اقتصار التفويض على جزا من المهام وليس شاملا لها جميعا والا تعارض الأمر مع الفصل في السلطات وهو نزول عن السلطة المكونة بنص قانوني ومراكز مسؤولية.

4ـ أن يكون التفويض لفترة مؤقتة

هذا ما أكده المشرع القطري كغيرة من التشريعات بضرورة أن يكون التفويض مؤقت المدة وليس على سبيل الدوام وهذه المدة مقرونة بمدة سريان التفويض أو بتحقيق غرض معين ومحدد.

5ــ ضرورة أن يكون التفويض في الاختصاصات الاصلية.

6ــ الا يقع التفويض على الاختصاصات الشخصية أو المحجوزة.

إلا أن المشرع القطري أجاز عكس ذلك شريطة أن لا يخالف أحكام الدستور ، ومن ذلك ما نصت عليه أحدى مواد الدستور القطري لعام 2004 من أن ” للأمير أن يستفتي الشعب في القضايا المهمة التي تتصل بمصالح البلاد، ويعتبر موضوع الاستفتاء موافقا عليه إذا أقرته أغلبية من أدوا بأصواتهم، وتكون نتيجة الاستفتاء ملزمة ونافذة من تاريخ إعلانها، وتنشر في الجريدة الرسمية[37]“.

الفرع الثاني الدروس المستفادة من المقاربة القانونية بين التفويض في قطر والدول المتقدمة

يمكن لدولة قطر الاستفادة من التجارب الدولية من خلال تبنى فكر التطوير الشامل للتفويض وتطوير ممارسته في الإدارة العمومية وذلك عن طريق دراسة تلك التجارب والأثار الناتجة على تطوير الأداء العام عند الاعتماد على وسيلة التفويض الإداري، وباعتباره ثقافه أداريه ووسيلة حديثة من وسائل الإدارة العمومية المعاصرة.

فكما لاحظنا أنه إذا كانت مختلف الأنظمة تستعمل آلية التفويض لتحقيق نفس الأهداف المتمثلة في تخفيف العبء عن الرؤساء، وتحقيق السرعة والفاعلية والإشراك في إنجاز الأعمال، فإن هذا لا يعني أن التفويض له نفس القواعد والشروط في مختلف الدول، بل تختلف من نظام الأخر تبعا لاختلاف الظروف والأوضاع الإدارية. فإذا كان التفويض في فرنسا مثلا يجرد الأصيل من ممارسة الاختصاصات التي قام بتفويضها طوال مدة سريان التفويض، فإن المبدأ السائد في قطر مثلا، كما رأينا سابقا، هو عدم تجريد الأصيل من اختصاصه رغم التفويض فيه، وهذا بدوره يعد عباً ومشكل سيعمل على الحد من ممارسته عمليا، وسيضع المفوض دائما صوب عينه الخوف من تقصير المفوض له، وبالتالي سيكون أكثر حذرا ويفضل ممارسة كافة الصلاحيات المخولة له ولو على حساب التأخير العام لتنفيذ المهام.

وكذلك يمكن الاستفادة من التجربة الأمريكية حيث إن النظام الأمريكي يذهب أكثر من ذلك حينما لا يشترط الكتابة والصراحة في التفويض، وبناء على ذلك فهو لا يشترط وجود نص قانوني يبيح التفويض، ففي حالة سکوت النصوص الدستورية أو القانونية عن ذكر التفويض سواء بإجازته أو منعه، فإن القضاء الأمريكي هو الذي يقر بصحة التفويضات التي تجرى دون نص يأذن بما.

إلا أن هذا الاختلاف لم يمنع من وجود قواعد مشتركة بين النظام القطري والأنظمة المقارنة، مثل جزئية التفويض، وأصلية الاختصاص المفوض، وعدم تفويض المسؤولية، والتزام المفوض إليه بتنفيذ الأعمال المفوضة شخصيا ودون الخروج النطاق العضوي والموضوعي للتفويض الذي عهد إليه به.

كما أن التجارب الدولية المقارنة يمكن الاستفادة منها من خلال ما لمسناه من تعامل القضاء مع هذا الأجراء الإداري وتطوير أدوات حماية كافة الأطراف، ومنحة صلاحيات النظر في تنفيذ المصالح العامة في حالة الاعتماد على التفويض كوسيله، وبالتالي يفسح المجال للقضاء في قطر في التحول نحو تشجيع مثل تلك الوسائل الإدارية التي تخدم المصلحة العامة.

خاتمة

إن واقع الجهات الحكومية عرف تحولا منذ بداية القرن الواحد والعشرين في الكثير من الدول، وصاحبها تطورات هامة، حيث أصبح السياق الحالي يفرض إعادة التفكير فيها، كجهاز وكنظام، فهي كجهاز ينبغي تقويم وسائل العمل الإداري فيه بما يضمن تطويره وتطوير موظفيه، وكنظام يجب مراجعة المبادئ التي يقوم عليها ويستمد منها مشروعيته، ومنطق سيره وضبط العلاقات الوظيفية والتنظيمية بداخله.

الاعتماد على وسيلة التفويض في دولة قطر لا زال يعاني من اعطاب واختلالات متنوعة وعلى مستويات عدة، لذا فمطلب الإصلاح والاعتماد على وسيلة التفويض الإداري في مختلف المستويات الإدارية أصبح ملحا في ظل الظروف الحالية، والمطالبات المستمرة من طرف المواطنين والمستفيدين من خدمات الدولة عبر أجهزتها الرسمية في تجويد وسائل وأليات التنفيذ لإجراءاتها ومهامها الوظيفية، وسهولة تسييرها، وسرعة الإنجاز بما يخدم خصوصية وظروف مصالح المنتفعين من خدماتها.

من خلال المقاربة القانونية للتجارب الدولية نوصي للسعي في مصافي تلك الدولة وبالأخص بما يتعلق بتجاربهم في موضوع التفويض الإداري، وتطويره في دولة قطر العمل على:

  • إن تطوير وتنظيم وسيلة التفويض في كيانات الجهاز الإداري القطري قد قطع أشواطا هامة، ومع ذلك فإن الحاجة لا تزال قائمة لبذل المزيد من الجهود المسترسلة والمستمرة من أجل تبني تلك الوسيلة الإدارية في تنفيذ المهام كأحدي الوسائل الحديثة.
  • المراجعة القانونية لقواعد التفويض ونصوصه المنظمة ومراجعة أليات الاعتماد عليه والتطبيق العملي له في سياق تمكين الموظفين في الشراكة في اتخاذ القرارات، والرفع من قدراتهم الإبداعية والابتكارية وتحمل المسؤولية.
  • الانفتاح مع التجارب الدولية المقارنة، والتي قطعت شوطا كبيرا في مجال الاعتماد على وسيلة التفويض في تحقيق نتائج على المستوى الوظيفي والمؤسسي، وإفساح المجال للقضاء القطري لأبدى رايه.

Margins:

  1. Georges Vedel ; Droit Administratif .P.U.F Paris.; 1976p 191
  2. عبد الحميد أبو زيد، أثر التفويض في الإصلاح الإداري، دراسة مقارنة، 1977، دار النهضة العربية للطباعة والنشر، ص 60
  3. André de laubadére ; traité de droit Administratif ; 9eme édition 1984.p.330 ; et ; s
  4. ظهر التفويض الإداري في القانون الفرنسي منذ سنوات عديدة، فبعض نصوصه ترجع إلى سنة 1854 حيث صدر المرسوم المؤرخ في 1854/12/29 والذي كان يرخص للمحافظ في أن يفوض توقيعه في بعض اختصاصاته إلى سكرتير عام المحافظة. وفي حكم صدر في 1949/05/13 رأى مجلس الدولة الفرنسي أن هذا المرسوم لا يزال قائما فيما عدا نصة الذي كان يخضع نفاذ قرار التفويض لتصديق وزير الداخلية. هذا بالإضافة إلى مجموعة النصوص المتفرقة المتعلقة بالتفويض. لكن يبقى أهمها المرسومان الصادران في 1947/01/23 و1950/06/24 .
  5. عبد الغني بسيون، التفويض في السلطة الإدارية، الدار الجامعية، القاهرة، 1986، ص 127
  6. C.E. ;30.10.1953 ; Sieur Desmeroux; R.p.398. 5-C.E.: 30.10.1953; Société coopérative agricole des argumes; fruits et légumes de la Mitijda; R.p.400
  7. C.E.; 17.6.1955; Adjmian; R.p.334
  8. Circulaire du 04 Fève 1964 (Première ministre n 3199) relative aux délégation de signature et de pouvoir. « …parcequ’elle opere un transfert de compétence; la délégation de pouvoir n’est possible que par un texte ayant la même valeur juridique que celui qui a crée la compétence.. >>
  9. فؤاد عمرو بركات، التفويض في القانون العام: دراسة مقارنة، القاهرة 1989، ص13و14
  10. André de laubadére.op.cit.p.333
  11. عبد الغني بسيوني، التفويض في السلطة الإدارية، مرجع سابق، ص 132
  12. حسن عبد الفتاح، التفويض في القانون الإداري وعلم الإمارة، دار النهضة العربية،1980 ـ 1981.، ص 158 و 159 و 160
  13. انظر حکم مجلس الدولة الفرنسي في هذا الشأن:

C.E.28.6.1957 ;Société x…. ;R.D.p.1957;p.1072 (considérant qu’il résulte des termes mêmes du texte précité que ses auteurs ont entendu non que la délégation ainsi autorisée soit et de l’objet faite en raison de la personne du délégataire mais que puissent être confères au chef du service des contributions directes dans le département les pouvoirs normalement dévolus au préfet pour la mise en recouvrement des rôles : que cette délégation a ; dés lors ; un caractère permanent et ; tant qu’il n’y

l’abrogeant : ne se trouve pas affectée par les changements est pas mis fin par une décision intervenus dans la personne des titulaires des fonctions soit de directeur départemental des contribution directes..)

  1. حسن عبد الفتاح، مرجع سابق، ص 154.
  2. C.E.26.7.1950 ; Syndicat des industriels laitiers d’Ille-et-Vilaine ; R.p.462
  3. C.E.3.1.1947 :cons de tricornet ; Rp9
  4. – Vedel : Droit Administratif; p.192
  5. André de laubadére: op.cit:p :333
  6. حسن عبد الفتاح، نفس المرجع السابق ص 91 و 92.
  7. بشار عبد الهادي، الجوانب التطبيقية لتفويض الاختصاصات التشريعية والإدارية في مصر والأردن، دار الفرقان للنشر والتوزيع، الطبعة الأولى 1982، ص 9 و92
  8. عبد الفتاح حسن، التنوع في القانون الإداري وعلم الإدارة، مرجع سابق، ص 178
  9. بشار عبد الهادي، نفس المرجع السابق، ص 93
  10. بشار عبد الهادي، مرجع سابق، ص 96.
  11. عبد الفتاح حسن، مرجع سابق، ص 179
  12. يوسف الثلب، التفويض الإداري بين الشريعة والقانون، منشورات كلية الدعوة الإسلامية الجماهيرية الليبية، طرابلس، الطبعة الأولي، 1992م – 1401ه.، ص 41
  13. بشار عبد الهادي، مرجع سابق، ص 100 و 101.
  14. بشار عبد الهادي، نفس المرجع السابق، ص 102.
  15. إبراهيم عبد العزيز شبحا، أصول الإدارة العامة، المكتبة القانونية الدار المطبوعات الجامعية، 1993، ص 266.
  16. سليمان محمود اللاوي، مبادئ علم القانون الإداري، دراسة مقارنة، الكتاب الأول، 1973، ص 101.
  17. عبد الغني بسيوني عبد الله، مرجع سابق، في 122
  18. محمد عبد الحميد أبو زيد، مرجع سابق، في 125
  19. عبد الغني بسيوني عبد الله، مرجع سابق، في 123
  20. عبد الفتاح حسن، مرجع سابق، في 180
  21. المادة رقم (121) من قانون الموارد البشرية القطري رقم (15) لسنة 2016.
  22. المادة رقم (22) من قانون حماية المستهلك القطري رقم (8) لسنة 2008، المعدل بموجب مرسوم صادر بقانون رقم (14) لسنة 2011.
  23. حكم محكمة التمييز القطرية رقم (275/ 2013)، جلسة 20/1/2014.
  24. المادة رقم (75) من الدستور القطرى المصوت عليه في سنة 2004.