الهمزة بين الدرس الصوتي القديم والحديث

د. إبراهيم مفتاح علي جلاح1

1 قسم اللغة العربية، كلية التربية، جامعة بني وليد، ليبيا.

بريد الكتروني: ebraheemjlah44@gmail.com

HNSJ, 2022, 3(12); https://doi.org/10.53796/hnsj31250

Download

تاريخ النشر: 01/12/2022م تاريخ القبول: 20/11/2022م

المستخلص

تناول هذا البحث دراسة صوت من أصوات اللغة العربية وتحليلها في ضوء علم اللغة الحديث، ولعل ما يعنينا من الأصوات العربية هو دراسة الهمزة وبيان مخرجها الصوتي بين القدامى والمحدثين، وأسباب الخلاف المخرجي والوصفي لهذا الحرف ، فقد أضاف التطور التكنولوجي في العصر الحديث إضافات علمية في علم الأصوات ، مكنته من بيان مخارج الأصوات وتحديد صفاتها ، الأمر الذي أدى وجود بعض الخلافات بين القدامى والمحدثين في بعض أصوات اللغة العربية ، والهمزة إحدى هذه الأصوات التي اختلف فيها لاسيما من حيث المخرج والصفة .

Research title

Hamza between the ancient and modern audio lesson

Dr. Ibrahim Miftah Ali Jlah

1 Department of Arabic Language, College of Education, Bani Walid University, Libya.

Email: ebraheemjlah44@gmail.com

HNSJ, 2022, 3(12); https://doi.org/10.53796/hnsj31250

Published at 01/12/2022 Accepted at 20/11/2021

Abstract

This research deals with the study of one of the sounds of the Arabic language and its analysis in the light of modern linguistics. It enabled him to clarify the sound’s exits and determine their characteristics, which led to the existence of some disputes between the ancients and the moderns in some of the Arabic language’s mistakes, and the hamza is one of these sounds in which they differ, especially in terms of the exit and the adjective.

مقدمة

لا شك أن القدامى اعتنوا بالظواهر الصوتية منذ نشأة العلوم اللغوية ، ووصفوها بكل دقة وفق ما أتاحته لهم طرق ملاحظاتهم ، وظلت هذه الدراسات مرجعا للدرس اللغوي إلى زماننا هذا حيث مد التطور التكنولوجي في العصر الحديث هذا النوع من الدروس بوسائل علمية حديثة ، مكنته من دراسة الظواهر الصوتية بدقة وبينت الجزئيات المتصلة بالأصوات وحددت صفاتها ، الأمر الذي تسبب في تعميق الاختلاف بين القدامى والمحدثين في بعض الأصوات اللغوية ، والهمزة إحدى هذه الظواهر .

وعند الحديث عن الهمزة ينبغي أن نعرف العلاقة بين الهمزة والألف ، فالعلاقة جدلية بين القدامى والمحدثين ، والهمزة من المسائل الصوتية المهمة ، لما لها من علاقة وثيقة بالقراءات القرآنية ، واللهجات العربية ، فمن العرب من يذهب إلى تحقيق الهمزة ، ومنهم من يسهلها ، فتحقيق الهمزة صفة لهجية عند القبائل البدوية ، وتسهيلها صفة لهجية عند الحضر .

وسنحاول في هذا البحث مقاربة الهمزة في الدرس الصوتي القديم وفق ما طرح القدماء كالخليل وسيبويه وابن يعيش وغيرهم وفي الدرس الصوتي الحديث كإبراهيم أنيس وكمال بشر ومحمد منصف وغيرهم .

وقد قسمت هذه الدراسة على النحو الآتي :

أولا: التمهيد

المطلب الأول : مخرج الهمزة

المطلب الثاني : صفات الهمزة

أولا: التمهيد ويشمل الآتي :

1ـ علاقة علم الأصوات بعلوم اللغة

إن دراسات علم الأصوات ليست جديدة على اللغة العربية ، فقد عرفتها اللغة العربية في وقت مبكر ، والحق أن علوم العربية كالنحو ، والبلاغة ، والدراسات الصوتية ، إنما نشأت في ظل القرآن الكريم ، فهو نواة اللغة العربية([1]).

والدراسات الصوتية القرآنية ، ما هي إلا بحوث علماء القراءات والتجويد والرسم والضبط في القرآن الكريم من الناحية الصوتية ، وكتب القراءات أكثر إلماما بالدراسات الصوتية ، لتناولها كلمات القرآن بدقة (( إن هذه العلوم [القراءة ، والتجويد ، والرسم والضبط] انفردت بالدرس الصوتي وأثْرته))([2]).

وقد ظهرت بعض المصطلحات المعاصرة في هذا المجال ،كمصطلح الصوامت والصوائت ، فالصامت مصطلح لغوي معاصر وضع ليقابل المصطلح الانجليزي (consonant) ، وهو ما يعرف بالحروف عند علماء العربية ، فهو صوت أنتج بسد أو إعاقة مجرى الهواء في أحد المخارج بجهاز النطق ([3]).

وعرف مجمع اللغة العربية الصامت بأنه : ((صوت يضيق عند صدوره مجرى الهواء ، فيسمع له صفير أو حفيف أو ينحبس لحظة فيسمع له انفجار مثل ص ف ومثل ب ك ))([4]).

2 ـ العلاقة بين الأصوات واللهجات

إن الاختلاف في الأصوات والقراءات يرجع سببه إلى اختلاف اللغات ، وتعدد اللهجات ، وهناك بعض القراءات لا يرجع إلى اختلاف اللهجات ، بل تجري في الفصيح من الكلام ، وإردة في كلام العرب ، فلا نرى بأسا في إيراد اللفظ على وجهين ، أو وجوه ، مادام المعنى باقيا في نظمه ، ومأخوذا من جميع أطرافه ، وفي هذا توسعة على القارئ (3).

ومعلوم أن قواعد العرب منبثقة من القرآن الكريم ، فهو الذي حفظ اللغة العربية بلهجاتها العديدة ، فينبغي أن تقاس قواعد اللغة العربية على ما جاء به القرآن الكريم بقراءاته القرآنية ، فقد ناقش بعض النحاة القراءات وردوا ما كان منها مخالفا لما ألفوه من مذاهب البصريين والكوفيين ، وهذا لا يجوز، قال عبد الوهاب حمودة : ((فليصحح النحاة قواعدهم ، وليصوغوها كما صاغها القرآن الكريم ؛ فإنه النص الوحيد ، المقطوع بصحته ، المتواتر في روايته)) ([5]).

و قال إبراهيم أنيس : ((فالمسلم أيا كانت لهجته ، وأيا كانت بيئته ، وأيا كانت تلك الصفات الكلامية التي تنشأ عليها وتعودها ولم يقدر إلا عليها ، يستطيع أن يقرأ القرآن بالقدر الذي تعودته عضلات صوته في نطقه بلهجته أو لغته ، ويجب ألا ننكر عليه ، أو نهزأ من قراءته ، فقد حاول وبذل الجهد فله أجر اجتهاده ))([6]).

3 _ العلاقة بين الهمزة والألف

عند الحديث عن الهمزة والألف لاشك أننا نتكلم عن حروف العربية من حيث عددها ، فإذا اعتبرنا الهمزة حرفا ، والألف حرفا فإن حروف اللغة العربية تصبح تسعا وعشرون حرفا ، وهذا ما صرح به سيبويه بقوله: ((فأصل حروف العربية تسعة وعشرون حرفا: الهمزة، والألف، والهاء، والعين، والحاء، والغين، والخاء، والكاف، والقاف، والضاد، والجيم، والشين، والياء، واللام، والراء، والنون، والطاء والدال، والتاء، والصاد، والزاي، والسين، والطاء، والذال، والثاء، والفاء، والباء، والميم، والواو))([7]).

وأشار ابن جني إلى ذلك عند حديثه عن الحروف وترتيبها بقوله : ((وهي: الهمزة، والألف، والهاء، والعين، والحاء، والغين، والخاء، والقاف، والكاف، والجيم، والشين، والياء، والضاد، واللام، والراء، والنون، والطاء، والدال، والتاء، والصاد، والزاي، والسين، والظاء، والذال، والثاء، والفاء، والباء، والميم، والواو))([8]).

وذكرها ابن سنان الحلبي بقوله: ((فحروف العربية تسعة وعشرون حرفا وهي: الهمزة والألف والهاء والعين والحاء والغين والخاء والقاف والكاف والضاد والجيم والشين والياء واللام والراء والنون والطاء والدال والتاء والصاد والزاي والسين والظاء والذال والثاء والفاء والباء والميم والواو فهذا ترتيبها على المخارج))([9]).

ويبدو لنا مما سبق أن للألف مدلولين مختلفين أحدهما الهمزة، والثاني ما يراد به ألف وما يطلق عليه في العرف الحديث الفتحة الطويلة، وهي بالاعتبار الأول جزء من نظام الأصوات الصامتة consonants، ولكنها من الحركات vowels من وجهة النظر الثانية، والتي يطلق عليها الصوائت([10]).

وتعتبر ألف المد المسمى الثاني للمصطلح العام (ألف) وهي المشهورة في الدرس الصوتي التقليدي عند العرب ، فتسمى بألف المد واللين أو بالألف اللينة ، التي تقابل الألف (اليابسة) التي يعنون بها الهمزة ، ((أما في العرف الصوتي الحديث فألف المد تسمى الحركة، ونعني بها الفتحة الطويلة، التي تصور في الكتابة الصوتية Phonetic transcription تصويرا عاما هكذا: “a” أو “aa”، على أساس أن تكرار الرمز يعني طول الحركة، كما في نحو قال: qaal بالفتحة الطويلة “= ألف المد” في مقابل نحو كتب: kataba بالفتحة القصيرة))([11]).

المطلب الأول: مخرج الهمزة

يعرف المخرج بأنه موضع ينحبس عنده الهواء أو يضيق مجراه عند النطق بالصوت ، مثل : الشفتين ينحبس الهواء بانطباقهما عند النطق بالباء ، فحيثما التقى ناطق متحرك بناطق آخر ثابت ، وحبسا تيار الهواء أو أعاقاه كان ذلك مخرج الصوت ، فيكون هناك عائق إيجابي يتحرك تجاه عائق سلبي يعوق اندفاع الهواء كليا أو جزئيا([12]).

وهذه الكيفية تشبه إلى حد بعيد العزف على آلة نفخ موسيقية كالناي مثلا ، فاعتراض تيار الهواء في مواضع معينة من ثقوب هذه الآلة يؤدي إلى إصدار نغمات متباينة فهذا هو ما يحدث عند إصدار الصوت اللغوي([13]) .

وعند الحديث عن مخارج الحروف في الجهاز النطقي نجدها تصل إلى ستة عشر مخرجا ، والهمزة تكون في الحلق ، وهو الذي يهمنا في هذه الدراسة ، فعرفه ابن سيناء بأنه :((الفضاء الذي فيه مجريا النفس والغذاء ))([14]) وهو تعريف شامل لا يحدد الحلق بدقة . ويعرفه إبراهيم أنيس بأنه ((الفراغ الواقع بين الحنجرة والفم ))([15]). وقيل: ((هو الفراغ الواقع بين أقصى اللسان وبين الجدار الخلفي للحلق ))([16]).

ولم يهتم علماء التجويد بتحديد الحلق بقدر اهتمامهم بأقسامه ، فقد قسموا الحلق إلى ثلاثة مخارج رئيسة وهي ([17]):

  1. المخرج الأول : أقصى الحلق وهو أول الحلق مما يلي الصدر وهو مخرج الهمزة والهاء.
  2. المخرج الثاني : وسط الحلق وهو مخرج العين والحاء .
  3. المخرج الثالث : أدنى الحلق وهو آخر الحلق مما يلي الفم وهو مخرج الغين والخاء.

والشكل الآتي يوضح مخارج الحروف الحلقية :

وتعتبر الهمزة أول حرف في ترتيب الحروف العربية على النظامين الألف بائي والأبجدي ، ورتبها ابن جني وسيبويه حسب المخرج فبدأ كلاهما بالهمزة لكونها أقصى الحلق ، ويعتبر ابن جني أول من ميز الصوت عن الحرف عندما عرف اللغة بقوله :((أما حدُّها : فإنها أصوات يعبر بها كلُّ قوم عن أغراضهم ))([18]).

أما عن سبب تسميتها بهذا الاسم ؛ فلأنها تهمز فتهت فتنهمز عن مخرجها، يقال: هو يهتّ هتا إذا تكلَّم بالهمز([19]).

وعند الحديث عن الهمزة عند علماء العربية ، نجد أن القدامى والمحدثين اختلفوا في تحديد مخرجها مما أدى إلى الاختلاف في تحديد صفاتها الصوتية ، فعند البحث في كتب العربية عند القدامى والمحدثين نجد خلافا في تحديد مخرج الهمزة وذلك فيما يلي :

  1. مخرج الهمزة عند القدامى

الهمزة هي صوت من أصوات العربية أجمع العلماء على مخرجه من الحلق ، فهي من أعمق الأصوات نطقا ، فمن الثابت عند علماء الأصوات قديما أن صوت الهمزة هو أعمق أصوات العربية في جهاز النطق ، فقد قسوا الحلق إلى ثلاث مناطق رئيسة وهي : أقصى الحلق ، ووسطه ، وأدناه من الفم ، وقد وصفها الخليل بأنها هوائية مخرجها الجوف ، ووضعها وأحرف المد في مرتبة واحدة فوصفها بقوله : (( هاويه في الهواء فلم يكن لها حيز تُنسب إليه إلا الجوف))([20])، كما وصف أحرف المد بذلك حيث قال: ((الألف اللّينة والواو والياء هوائية أي أنها في الهواء)) وقال أيضا : ((وأمّا الهمزة فمخرجها من أقصى الحلق مهتوتة مضغوطة فإذا رُفِّه عنها لانت))([21])، وبالرغم من أن الخليل جعل الهمزة من أقصى الحلق إلا أنه أسقطها من الحروف الحلقية فرتبها (ع ح ه خ غ) ، وقال : (( في العربية تسعة وعشرون حرفا: منها خمسة وعشرون حرفا صحاحا لها .. مدارج ، وأربعة أحرف جُوْف وهي : الواو والياء والألف اللَّينَة والهمزة، وسمّيت جوفا لأنها تخرج من الجوف فلا تقع في مدرجة من مدارج الَّلسان، ولا من مدارِج الحلق، ولا من مدرج اللهاة، إنّما هي هاوية في الهواء فلم يكن لها حيز تنسب إليه إلا الجوف))([22]) ، ويبدو أن قول الخليل فيه اضطراب إذ يرى أن الهمزة مخرجها من أقصى الحلق ، وأحيانا يرى أنها من الجوف فكأنه بذلك خالف نفسه ، ولعل تعليل ذلك ما نقله السيوطي بقوله : ((وقال ابن كيسان: سمعت من يذكر عن الخليل أنه قال: لم أبدأ بالهمزة لأنها يلحقها النقص والتغيير والحذف ، ولا بالألف لأنها لا تكون في ابتداء كلمة ،ولا في اسم ولا فعل إلا زائدة ، أو مبدلة ولا بالهاء لأنها مهموسة خفيّة لا صوت لها، فنزلت إلى الحيّز الثاني وفيه العين والحاء فوجدت العين أنصع الحرفين فابتدأت به))([23]).

وعلل كمال بشر هذا الاضطراب في قول الخليل بأنه ((حين نطقها لمعرفة طبيعتها لم ينطقها وحدها وإنما نطقها متلوة بحركة ، فبدأت كما لو كان هواؤها حرا طليقا على حين أن حرية الهواء إنما تنسب إلى الحركة المصاحبة للهمزة لا إلى الهمزة ذاتها ، وهذا التعليل الذي نقدمه هنا ليس مجرد افتراض وهمي ، وإنما هو في حقيقة الأمر يستند إلى طريقة الخليل نفسه في ذوق الحروف ))([24]).

وحدد سيبويه مخرج الهمزة بقوله : (( فللحلق منها ثلاثةٌ، فأقصاها مخرجا: الهمزة والهاء والألف، ومن أوسط الحلق مخرج العين والحاء، وأدناها مخرجاً من الفم: الغين والخاء))([25]) فقد بين مخرجها من أقصى الحلق وعلى هذا القول جمهور العلماء .

وقال المبرد : ((اعلم أنّ الهمزة حرف يتباعد مخرجه عن مخارج الحروف ولا يشركه في مخرجه شيء ولا يدانيه إلاّ الهاء والألف))([26]).وهو قول الداني حيث قال : (( فالهمزة في أول الصدر وآخر الحلق ثم الألف تليها))([27]).

وأشار ابن جني إلى أن تحديد نقطة المخرج ربما لا تكون دقيقة بالمعنى فلهذا شبه بعضهم ((الحلق والفم بالناي فإن الصوت يخرج فيه مستطيلا أملس ساذجا، كما يجري الصوت في الألف غفلا بغير صنعة، فإذا وضع الزامر أنامله على خروق الناي المنسوقة، وراوح بين أنامله، اختلفت الأصوات، وسمع لكل خرق منها صوت لا يشبه صاحبه، فكذلك إذا قطع الصوت في الحلق والفم، باعتماد على جهات مختلفة، كان سبب استماعنا هذه الأصوات المختلفة))([28]).

وشبهه ابن جني بالعود حيث قال : ((ونظير ذلك أيضا وتر العود، فإن الضارب إذا ضربه وهو مرسل، سمعت له صوتا، فإن حصر آخر الوتر ببعض أصابع يسراه، أدى صوتا آخر، فإن أدناها قليلا، سمعت غير الاثنين، ثم كذلك كلما أدنى أصبعه من أول الوتر تشكلت لك أصداء مختلفة، إلا أن الصوت الذي يؤديه الوتر غفلا غير محصور، تجده بالإضافة إلى ما أداه وهو مضغوط محصور، أملس مهتزا ، ويختلف ذلك بقدر قوة الوتر وصلابته، وضعفه ورخاوته، فالوتر في هذا التمثيل كالحلق، والخفقة بالمضراب عليه كأول الصوت من أقصى الحلق، وجريان الصوت فيه غفلا غير محصور كجريان الصوت في الألف الساكنة، وما يعترضه من الضغط والحصر بالأصابع كالذي يعرض للصوت في مخارج الحروف من المقاطع، واختلاف الأصوات هناك كاختلافها هنا))([29]).

وعند الكلام عن صفة الهمزة عند القدامى نجد أنها وصفت بالجهر والشدة ، يقول سيبويه : ((فأما المجهورة فالهمزة، والألف، العين، والغين، والقاف، والجيم، والياء، والضاد، واللام، والنون، والراء، والطاء، والدال، والزاي، والظاء، والذال، والباء، والميم، والواو. فذلك تسعة عشر حرفا))([30]).

ومن خلال الآراء السابقة للقدامى التي اقتفيناها من آثار الخليل من جهة ، ومخالفة لآرائه من جهة أخرى ، والتي انتهجها سيبويه وغيره ، يمكن أن نقرب آراءهم عن الهمزة بأنها صوت مجهور نسبته إلى أقصى الحلق في الجوف .

2- مخرج الهمزة عن المحدثين

عند الحديث عن مخرج صوت الهمزة عند المحدثين نجده يختلف عما قرره القدماء ، فيقول رمضان عبدالتواب : ((غير أن الدراسات الصوتية الحديثة، أثبتت أن الهمزة والهاء يخرجان من الحنجرة ، والغين والخاء من الطبق (وهو سقف الحنك الرخو)، وأن الذي يخرج من الحلق هو العين والحاء لا غير))([31]).

ويرى كمال بشر خلاف ما ذهب إليه سيبويه ومن تابعه من العلماء ، فالهمزة عنده ليست من الحلق إنما من الحنجرة ، فيقول : ((الهمزة – في رأينا- صوت صامت حنجري ، وقفة انفجارية، ويطلق عليه في الإنجليزية glottal stop أو glottal catch والفرنسية Coup de glotte))([32]) فالهمزة عنده حنجرية إنفجارية .

وذهب الدكتور محمد منصف إلى ذلك بقوله : ((في الحنجرة قد يغلق الحبلان الصوتيان مجرى الهواء ، فينقطع النفس فيها يشبه الشهقة والعبرة ، غير مصحوب برنين الجهر فينتج صوت الهمزة))([33]).

وذهب الدكتور إبراهيم أنيس إلى أن مخرج الهمزة من المزمار نفسه فيقول : ((وأما مخرج الهمزة المحققة فهو المزمار نفسه ، إذ عند النطق بالهمزة تنطبق فتحة المزمار انطباقا تاما فلا يسمح بمرور الهواء إلى الحلق ، ثم تنفرج فتحة المزمار فيسمع صوت انفجاري هو ما نعبر عنه بالهمزة))([34]).

ويبدو من خلال ما سبق أن سيبويه قرب مخرج الهمزة من الحنجرة التي لم تكن معلومة من قبل ؛ لأنه قسم الحلق على ثلاثة مخارج : أقصى الحلق ، ووسط الحلق ، وأدنى الحلق ، فأطلق لفظة الحلق على منطقة واسعة من جهاز النطق تشمل الحنجرة وتكون الحنجرة هي المقصودة )بأقصى الحلق ( إلا أنه لم يصرح بلفظ الحنجرة ، ولعل هذا يكون راجعا لعدم معرفة القدامى بمصطلح الحنجرة .

ولعل هذا الخلط راجع إلى افتقار علماء العربية القدامى إلى التقنيات المعاصرة المتمثلة في المعامل والآلات والأجهزة الدقيقة والمختبرات المختصة ، التي تمكنهم من الوقوف على النقطة التي يخرج منها الحرف ، فإن المحدثين من علماء العربية يعترفون بفضل القدامى ، و يلتمسون لهم العذر لعدم معرفتهم بالحنجرة واعتمادهم على الملاحظة لا على التجربة المعتمدة على التشريح ؛ إلا أنهم يرون أن ابن سينا ) ت 438 ه ( سبقهم بمعرفة الحنجرة ووظيفتها في عملية النطق ، وهذا راجع لتخصصه كونه مختصا في الجانب الطبي .

وعند التحليل والدراسة نجد أن كمال بشر لخص هذا الخلاف بقوله : ((وخلاصة ما تقدم أن معظم علماء العربية اتفقوا مع البحث الحديث في نقطة مهمة، هي أن الهمزة تخرج من أول مواضع النطق، غير أنهم سموا هذا الموضع أقصى الحلق وسماه البحث الحديث بالحنجرة، يدل على إدراكهم لهذه الحقيقة))([35]). فهم بذلك اتفقوا على أن الهمزة تخرج من بداية أعضاء النطق من جهة الحلق.

المطلب الثاني: صفات الهمزة

بعد أن تعرفنا على مخرج الهمزة نتعرف على صفاتها الصوتية ، فقد اختلف القدماء والمحدثون في تحديد صفات الهمزة على النحو التالي :

1 : صفات الهمزة عند القدامى

اتفق علماء العربية القدامى على أن الهمزة صوت شديد مجهور ، وهذا ما جاء في كتب اللغة والقراءات القرآنية ([36]) ، والجهر هو (( إشباع الاعتماد من مخرج الحرف ومنع النفس أن يجري معه، والهمس بخلافة))([37]) ، والشدة هي ((أن يحصر صوت الحرف في مخرجه فلا يجري))([38]).

2 – صفات الهمزة عند المحدثين

أما المحدثون فقد اختلفوا فيما بينهم في تحديد صفات الهمزة على فريقين :

الفريق الأول: يصفها بأنها صوت شديد مهموس ينطق بإغلاق الأوتار الصوتية إغلاقا تاما، يمنع مرور الهواء، فيحتبس خلفهما ثم تفتح فجأة، فينطلق الهواء متفجرا ([39])، فيصفها رمضان عبدالتواب بأنها ((صوت شديد مهموس مرقق، ينطق بإغلاق الأوتار الصوتية إغلاقا تاما، يمنع مرور الهواء، فيحتبس خلفهما ثم تفتح فجأة، فينطلق الهواء متفجرا ))([40]) ، ويعلل تمام حسان ذلك بقوله : ((وتأتي جهة الهمس في هذا الصوت من أن إقفال الأوتار الصوتية معه، لا يسمح بوجود الجهر في النطق، ولكن النحاة والقراء أخطؤوا، فعدوا هذا الصوت مجهورا، وهو أمر مستحيل استحالة مادية، ما دامت الأوتار الصوتية مقفلة في أثناء نقطه ))([41]).

والفريق الثاني : وصفها بأنها صوت لا هو بالمجهور ولا هو بالمهموس وعلى رأس هذا الفريق إبراهيم أنيس ، وكمال بشر ، فحجة إبراهيم أنيس أن (( فتحة المزمار معها مغلقة إغلاقا تاما ، فلا نسمع لهذا ذبذبة الوترين الصوتيين ، ولا يسمح للهواء بالمرور إلى الحلق إلا حين تنفرج فتحة المزمار ، ذلك الانفراج الفجائي الذي ينتج الهمزة ))([42]).

وعلل الدكتور كمال بشر ذلك بقوله : ((والقول بأن الهمزة صوت لا بالمهموس ولا بالمجهور هو الرأي الراجح إذ إن وضع الأوتار الصوتية حال النطق بها لا يسمح بالقول بوجود ما يسمى بالجهر أو ما يسمى بالهمس))([43]).

الخاتمة

اتضح لنا من خلال هذه الدراسة ما يلي :

1 – إن ما طرحه المحدثون عن الهمزة يختلف عن القدماء ، فالقدماء يرون مخرج الهمزة من أقصى الحلق ، بينما المحدثون يرونه من الحنجرة والمزمار .

  1. اختلف المحدثون عن القدماء في صفة الهمزة ، فالقدماء يصفون الهمزة بأنها صوت شديد مجهور، وأما المحدثون فقد اختلفوا على فريقين : الأول :يصفها بأنها صوت شديد مهموس ، والثاني : يصفها بأنها صوت لا هو بالمجهور ولا هو بالمهموس.
  2. إن ما قدمه القدامى يعتبر النواة الأولى لعلم الأصوات الحديث ، فقد بدأ المحدثون من حيث توقفوا ، وإن كان هناك خلاف بينهم في المخرج والصفة فذلك مرجعه إلى افتقار علماء العربية القدامى إلى التقنيات المعاصرة المتمثلة في المعامل والآلات والأجهزة الدقيقة والمختبرات المختصة ، التي تمكنهم من الوقوف على النقطة التي يخرج منها الحرف .
  3. إن علماء العربية القدامى والمحدثين اتفقوا على أن الهمزة تخرج من أول مواضع النطق ، وخلافهم في تسمية هذه المنطقة ، فالقدامى أطلقوا عليه أقصى الحلق ، والمحدثون أطلقوا عليه الحنجرة .

المصادر والمراجع

  1. الأصوات ووظائفها ، محمد منصف القماطي ، دار الوليد ، طرابلس : ليبيا ، 2003 ف ، ص99.
  2. الأصوات اللغوية ، إبراهيم أنيس ،مكتبة نهضة مصر ،
  3. التحديد في الإتقان والتجويد ، عثمان بن سعيد بن عثمان بن عمر أبو عمرو الداني (المتوفى: 444هـ) المحقق: الدكتور غانم قدوري حمد الناشر: مكتبة دار الأنبار – بغداد / الطبعة: الأولى 1407 هـ – 1988 م.
  4. الخصائص ، أبو الفتح عثمان بن جني الموصلي (المتوفى: 392هـ) عدد الأجزاء: 3 ،الناشر: الهيئة المصرية العامة للكتاب الطبعة: الرابعة.
  5. دراسات في علم اللغة ، كمال ، الناشر: دار غريب للطباعة والنشر والتوزيع.
  6. سر صناعة الإعراب ، أبو الفتح عثمان بن جني الموصلي (المتوفى: 392هـ) عدد الأجزاء: 2 ، الناشر: دار الكتب العلمية بيروت-لبنان الطبعة: الأولي 1421هـ- 2000م
  7. سر الفصاحة ، أبو محمد عبد الله بن محمد بن سعيد بن سنان الخفاجي الحلبي (المتوفى: 466هـ) ، الناشر: دار الكتب العلمية ، الطبعة الأولى 1402هـ_1982م
  8. علم اللغة العام (الأصوات ) ، كمال بشر ، دار المعارف ، مصر1975م.
  9. علم اللغة مقدمة للقارئ العربي ، محمود السعران ، الناشر: دار الفكر العربي ، الطبعة 2 – القاهرة 1997
  10. العين ، أبو عبد الرحمن الخليل بن أحمد بن عمرو بن تميم الفراهيدي البصري (المتوفى: 170هـ) ،المحقق: مهدي المخزومي، إبراهيم السامرائي ، عدد الأجزاء: 8 ، الناشر: دار ومكتبة الهلال.
  11. في اللهجات العربية ، إبراهيم أنيس ، مكتبة الأنجلو المصرية ، القاهرة : مصر، مطبعة أبناء وهبه ، 2003ف ، ص:49 .
  12. القانون في الطب ، الحسين بن عبد الله بن سينا، أبو علي، (المتوفى: 428هـ) عدد الأجزاء: 3 ،المحقق: وضع حواشيه محمد أمين الضناوي .
  13. القراءات واللهجات ، عبد الوهاب حمودة ، مكتبة النهضة المصرية ، القاهرة : مصر، ط1 ، 1948ف ، ص121 .
  14. الكتاب ، عمرو بن عثمان بن قنبر الحارثي بالولاء، أبو بشر، الملقب سيبويه (المتوفى: 180هـ) ،المحقق: عبد السلام محمد هارون عدد الأجزاء: 4 ، الناشر: مكتبة الخانجي، القاهرة الطبعة: الثالثة، 1408 هـ – 1988 م
  15. لسان العرب ، محمد بن مكرم بن على، أبو الفضل، جمال الدين ابن منظور الأنصاري الرويفعى الإفريقى (المتوفى: 711هـ) ، الناشر: دار صادر – بيروت ، عدد الأجزاء: 15 الطبعة: الثالثة – 1414 هـ
  16. مجمع اللغة العربية ، مصطلحات في علمي الأصوات واللغة ، ج 16 ، 1963.
  17. المفصل في صنعة الإعراب ، أبو القاسم محمود بن عمرو بن أحمد، الزمخشري جار الله ، المحقق: علي بو ملحم الطبعة: الأولى1993 ، الناشر: مكتبة الهلال – بيروت.
  18. المزهر في علوم اللغة وأنواعها المؤلف: عبد الرحمن بن أبي بكر، جلال الدين السيوطي (المتوفى: 911هـ) المحقق: فؤاد علي منصور عدد الأجزاء: 2 ، الناشر: دار الكتب العلمية – بيروت الطبعة: الأولى، 1418هـ 1998م.
  19. المدخل إلى علم اللغة ومناهج البحث اللغوي ، رمضان عبد التواب ،الناشر: مكتبة الخانجي بالقاهرة الطبعة: الثالثة 1417هـ – 1997.
  20. المقتضب ، محمد بن يزيد بن عبد الأكبر الثمالى الأزدي، أبو العباس، المعروف بالمبرد (المتوفى: 285هـ) ،المحقق: محمد عبد الخالق عظيمة عدد الأجزاء: 4 الناشر: عالم الكتب. – بيروت .
  21. مناهج البحث في اللغة ، تمام حسان الناشر: مكتبة الأنجلو المصرية.
  22. النشر في القراءات العشر ، شمس الدين أبو الخير ابن الجزري، محمد بن محمد بن يوسف (المتوفى : 833 هـ) ،المحقق : علي محمد الضباع ،عدد الأجزاء : 2، الناشر : المطبعة التجارية الكبرى دار الكتاب العلمية.

Margins:

  1. – الأصوات ووظائفها ، محمد منصف القماطي ، دار الوليد ، طرابلس : ليبيا ، 2003 ف ، ص99.
  2. – الأصوات ووظائفها ، 100.
  3. – الاصوات ووظائفها ص50
  4. – مجمع اللغة العربية ، مصطلحات في علمي الأصوات واللغة ، ج 16 ، 1963، ص 211 / الأصوات ووظائفها 51
  5. – القراءات واللهجات ، عبد الوهاب حمودة ، مكتبة النهضة المصرية ، القاهرة : مصر، ط1 ، 1948ف ، ص121 .
  6. – في اللهجات العربية ، إبراهيم أنيس ، مكتبة الأنجلو المصرية ، القاهرة : مصر، مطبعة أبناء وهبه ، 2003ف ، ص:49 .
  7. – الكتاب لسيبويه (4/ 431)
  8. – سر صناعة الإعراب (1/ 59)
  9. – سر الفصاحة ، ابن سنان (ص: 26)
  10. – دراسات في علم اللغة (ص: 57)
  11. – دراسات في علم اللغة (ص: 84)
  12. – الأصوات ووظائفها 46
  13. – الأصوات ووظائفها 45
  14. – القانون في الطب ، ابن سيناء (2/285)
  15. – الأصوات اللغوية ، إبراهيم أنيس ،ص18
  16. – علم اللغة مقدمة للقارئ العربي ، السعران (ص: 113)
  17. – الكتاب لسيبويه (4/ 433) المفصل في صنعة الإعراب (ص: 546) (النشر في القراءات العشر ، ابن الجزري (1/198))
  18. – الخصائص (1/ 34).
  19. – لسان العرب (5/ 427)
  20. – العين (1/57)
  21. – العين (1/ 52)
  22. – العين (1/57)
  23. – المزهر في علوم اللغة وأنواعها ، السيوطي (1/ 70)
  24. – علم اللغة العام ) الأصوات ( د : كمال بشر ، دار المعارف ، مصر1975مص113 .
  25. – الكتاب لسيبويه (4/ 433)
  26. – المقتضب المبرد (1/ 155)
  27. – التحديد في الإتقان والتجويد لأبي عمرو الداني (ص: 104)
  28. – سر صناعة الإعراب (1/ 21 ، 22)
  29. – سر صناعة الإعراب (1/ 22)
  30. – الكتاب لسيبويه (4/ 434)
  31. – المدخل إلى علم اللغة ومناهج البحث اللغوي ، رمضان عبدالتواب (ص: 223)
  32. – دراسات في علم اللغة ، كمال بشر (ص: 57)
  33. – الأصوات ووظائفها ، محمد منصف 51 .
  34. – الأصوات اللغوية ، إبراهيم أنيس ص77.
  35. – دراسات في علم اللغة ، كمال بشر (ص: 67)
  36. – (الكتاب4/435) سر صناعة الإعراب ، ابن جني (1/ 75) النشر في القراءات العشر (1/203)
  37. – المفصل في صنعة الإعراب (ص: 547)
  38. – المفصل في صنعة الإعراب (ص: 547)
  39. – المدخل إلى علم اللغة ومناهج البحث اللغوي ، رمضان عبدالتواب (ص: 56) مناهج البحث في اللغة تمام حسان ص97
  40. – المدخل إلى علم اللغة ومناهج البحث اللغوي ، رمضان عبدالتواب (ص: 56)
  41. – مناهج البحث في اللغة ، تمام حسان (ص: 97)
  42. – الأصوات اللغوية ، إبراهيم أنيس ص77.
  43. – دراسات في علم اللغة ، كمال بشر (ص: 59)