الدور العماني في نشر الحضارة الإسلامية بعالم الملايو

د. ادم محمد حسن1 أ ‌. حبيب مرهون الهادي2

1 استاذ مشارك في التاريخ الحديث جامعة نيالا_ السودان

بريد الكتروني: kabas14@gmail.com

2 طالب دكتوراة في التاريخ، وزارة التربية والتعليم / سلطنة عمان

HNSJ, 2022, 3(12); https://doi.org/10.53796/hnsj3129

Download

تاريخ النشر: 01/12/2022م تاريخ القبول: 06/11/2022م

المستخلص

لقد هيأ الله لدينه عباداً مخلصين رفعوا راية الدعوة إلى الله في بقاع شتى، وكان من هؤلاء الدعاة إلى الحق أهل عمان إذ قاموا بجهود دعوية عظيمة في سبيل نصرة الإسلام وحضارته التي شع نورها أرجاء الأرض، فكان حظ عالم الملايو من هذه الدعوة أن أنتشر الإسلام بين شعوبها لتصبح من أكبر المناطق بالعالم التي تضم نسبة عالية من المسلمين وهي شاسعة المسافاة عن موطن الإسلام الأول بجزيرة العرب.

تهدف هذه الورقة البحثية إلى إلقاء الضوء على جهود العمانيين في نشر الحضارة الإسلامية بعالم الملايو، وتعتمد هذه الدراسة على المنهج الوصفي التحليلي، حيث يمهد للحديث عن مكانة عمان التاريخية وأهميتها التجارية واهتمام العمانيين بنشر الدعوة الإسلامية في مناطق واسعة من المحيط الهندي عامة وعالم الملايو خاصة، ويتوقع الباحث أن تخرج هذه الدراسة بصورة شاملة عن الجهود العمانية في نشر الإسلام بعالم الملايو والمؤثرات الثقافية والاجتماعية الأخرى.

الكلمات المفتاحية: عمان، عالم الملايو، الدعوة الإسلامية، ملقا

Research title

The Omani role in spreading Islamic civilization in the Malay world

Dr. Adam Mohammed Hassan 1 Habib Marhoon Al-Hadi 2

1 Associate Professor of Modern History, Nyala University, Sudan

Email: kabas14@gmail.com

2 PhD student in history, Ministry of Education / Sultanate of Oman

HNSJ, 2022, 3(12); https://doi.org/10.53796/hnsj3129

Published at 01/12/2022 Accepted at 06/11/2021

Abstract

God has prepared for his religion faithful servants who raised the banner of calling to God in various places, and among these callers to the truth were the people of Oman, as they made great advocacy efforts in order to support Islam and its civilization, whose light shone throughout the earth. Its peoples to become one of the largest areas in the world that includes a high percentage of Muslims and is a vast distance from the first home of Islam in the Arabian Peninsula.

This research paper aims to shed light on the efforts of the Omanis in spreading the Islamic call in the Malay Archipelago. This study relies on the descriptive-analytical approach, as it paves the way to talk about Oman’s historical position and commercial importance, and the Omanis’ interest in spreading the Islamic call in large areas of the Indian Ocean in general and the Malay Archipelago in particular. The researcher expects this study to come out comprehensively on the Omani efforts in spreading Islam in the Malay Archipelago and other cultural and social influences.

Key Words: Oman, the Malay Archipelago, the Islamic call, Malacca.

مقدمة:

تتناول الدراسة الدور الحضاري للعمانيين وجهودهم في نشر الدعوة الإسلامية بالملايو في العصور الإسلامية الأولى؛ فقد وصلوا بسفنهم إلى سواحل المحيط الهندي الغربية منها والشرقية حاملين تجارتهم وفي الوقت نفسه كانوا طلائع حملة الإسلام وحضارته من لغة وعادات وتقاليد حميدة وقيم إنسانية نبيلة، فعمّ الإسلام معظم سواحل المحيط الهندي، فكانوا دعاة خير وسلم ومحبة نشروا الدعوة الإسلامية من خلالها أصقاعًا مختلفة، وأرشدوا أقوامًا حائرة، فقد وصل التجار والدعاة المسلمين عامة والعمانيين خاصة إلى والملايو وما جاورها منذ فترة مبكرة من التاريخ وذلك لخبراتهم ومهاراتهم الملاحية والجغرافية ونشاطاتهم التجارية، وقد قيل بأن معظم ملاحي العرب الكبار هم أزديون من عمان، وسجل الشعر ذلك حينما قال:

إذا أزدية ولدت غلاما فبشرها بملاح مجيد

يمكننا القول أنه بحلول القرن الثاني الهجري أصبح العمانيون سادة المحيط الهندي ملاحيًا وتجاريًا بل إنهم حولوا المحيط الهندي إلى بحيرة عربية وبما أن العمانيين كانوا هم ربابنة البحر في فترة العصور الإسلامية الأولى فقد كان لهم الإسهام الأبرز، والحظ الأوفر في ذلك التواصل الحضاري مع شعوب سواحل الملايو (ماليزيا، اندونيسيا، بروناي، سنغافورة) ، فكانت لأخلاقهم السمحة، ومعاملاتهم الطيبة مع سكان تلك المناطق الأثر الكبير في نشر الإسلام بتلك الأرجاء، وإلى اليوم نجد الإسلام منتشرا في الأماكن التي كان التجار العمانيين تاجروا معها بل واستقروا فيها، ويعدُّ الملاح العماني الشيخ أبو عبيدة عبد الله بن القاسم من أوائل التجار الدعاة العمانيين الذين عملوا بالتجارة ونشر الإسلام في تلك السواحل.

اهداف الدراسة:

1- التعرف على جهود العمانيين في الملايو.

2- ابراز دور التجار العمانيين في نشر الاسلام بالملايو.

3- التعرف على جهود العمانيين في التواصل الحضاري مع جنوب شرق اسيا.

4- الاضافة العلمية للمكتبات العربية والافريقية.

ادوات الدراسة:

تشمل المصادر والمراجع والرسائل الجامعية والدوريات وغيرها من المراجع.

اسئلة الدراسة:

1- ماهي جهود العمانيين في نشر الاسلام في الملايو.

2- هل للتجار دور في تشر الإسلام.

3- ماهي الوسائل والطرق لنشر الاسلام.

4- هل هناك عوائق واجهة العمانيين.

فروض الدراسة:

1- للعمانيين دور عظيم في نشر الاسلام في الملايو.

2- للتجار القدح المعلى في نشر الإسلام.

3- اتخذ العمانيين وسائل الدعوة والقيم الاخلاقية.

4- هناك عوائق كثيرة لكن بالعزيمة والاصرار تجاوزها العمانيين.

حدود الدراسة:

للدراسة حدود مكانية وهي موقع الدراسة، اما الزمانية هي الفترة التي وقعت فيها الدراسة.

منهجية الدراسة:

تعتمد هذه الدراسة على المنهج التاريخي التحليلي حيث نعطي وصفا شاملا وتنظيرا عاما حول جهود العمانيين في نشر الدعوة الإسلامية في عالم الملايو، مع إبراز أهم الرسومات والخرائط التي تعطي مؤشرا مهما لتحليل الأحداث وتفسيرها، ثم إبراز النتائج، فهذه الدراسة ذات شكل نوعي أساسي، حيث تم اختيار هذا النوع من الدراسة لأن البيانات التي تم جمعها ركزت فقط على البيانات الثانوية. وفقًا لـطبيعة الدراسة، ولجمع هذه البيانات الثانوية تم اختيار طريقة دراسة الخرائط التي تتزامن مع هذه الدراسة لأن البيانات التي تم جمعها لهذه الدراسة مكتوبة بطبيعتها مثل الرسائل والمقالات الصحفية والكتب والأوراق والصحف والمجلات. وفقًا لـ منهجية هذه الدراسة في تحليل البيانات، فإن الطريقة المستخدمة والملائمة لهذه الدراسة هي طريقة تحليل المحتوى. وفقًا لـتحليل الرسوم الواردة والخرائط المصاحبة أيضا، وهذه الطريقة قادرة على تحليل موضوعي ومنهجي لهذه الدراسة.

يضم عالم الملايو شبه جزيرة الملايو والأرخبيل الاندونيسي، وتمثله اليوم كلا من: واندويسيا، وماليزيا، وسنغافورة، وبروناي، والتي تضم قرابة (300) مليون نسمة غالبيتهم من المسلمين، ولقد كان لموقع عمان الإستراتيجي أهمية كبرى من الناحية التجارية والعسكرية والجيوسياسية، إذ مكنت العمانيين من الإسهام في نشر رسالة الإسلام إلى إفريقيا الشرقية وبلاد الهند والملايو والأرخبيلين الإندونيسي والفلبيني والصين، فعمان التاريخية إقليم جغرافي واسع شاسع مستقل بذاته يمتد على طول ساحل بحري يزيد على ألفي ميل بحري تقريبا يتصل من الشمال بالبحرين، ومن الجنوب باليمن (البكري،1992) وقد هيأ له هذا الاتساع جانب من الأهمية الحضارية والسياسية الإقليمية منها والعالمية، وما كان للعمانيين أن يحققوا كل هذه الإنجازات في نشر الإسلام إلا بتوفيق من الله وفضل منه، ثم توفر جملة من الأسباب والظرف التي هيأت لهم سبل النجاح، ومهدت طريق الدعوة إلى الله، ولقد أسهمت العديد من المقومات والعوامل في إنجاح الدور العماني في نشر الحضارة الإسلامية في هذه المناطق، ومن أهمها:

1 العوامل الطبيعية:

شكل امتداد الساحل على مياه المحيط الهندي ومدخل الخليج العربي، عاملا أساسيا في ظهور موانئ عديدة، وارتباطه بداخلية عمان وبقية مناطقها التي تعد ظهيرا مهما لتلك الموانئ، فكان لهذا الامتداد الساحلي لعمان دورًا في التواصل الفعال مع شعوب المحيط الهندي خاصة وبقية مناطق العالم المختلفة، والسواحل العمانية تشكل ما أكثر من نصف الساحل الغربي للخليج العربي، ومعظم نصف الساحل الجنوبي، مما هيئها لتحتل مكانة وسطا بين شرق افريقيا والسواحل الشرقية للمحيط الهندي (رجب، 1983). واشتهرت موانئ بحرية كثيرة في عمان على مختلف الفترات التاريخية كموانئ قلهات ودبا ودما ومسقط وصور ومرباط وريسوت وسمهرم وصحار وهي من المدن الكبيرة على الساحل العماني ومركز التجارة فيه، حيث تزدحم في ميناءها السفن القادمة من البصرة واليمن وافريقية وسفن الهند والملايو والصين، ولهذا اكتسبت شهرة واسعة في التجارة بين الشرق والغرب وصارت أغنى مدن الخليج (فراس، 2011).

كما أن عمان امتلكت عناصر مهمة للإنتاج من أراضيها سواء في الماد الخام كالنحاس والمنتجات الزراعية والسمكية أو المواد المصنعة، وهو ما وفر لسكانها سبل الاستقرار. وكان لثراء مناطق سواحل المحيط الهندي ومنها مناطق عالم الملايو بالغطاء النباتي والغابي والزراعي والصناعي فضلا عن تنوع النشاط الإنتاجي لبلدان المحيط الهندي واختلافه من منطقة لأخرى، سببًا مهما في نشاط التجارة بين البلاد العربية والشرق.

2– العوامل السياسية:

كان للاستقرار السياسي الذي شهدته عمان، مقارنة بغيرها، دور مهم في التواصل بين شعوب وحضارات المنطقة عبر العصور التاريخية، فقد أدت ظروف شرقي إفريقيا وأوضاع منطقة شمال الخليج العربية والهند إلى الاعتماد بصورة كبيرة على الدور العماني. وتظهر الوثائق الصينية بأن سفن ومراكب غرب المحيط الهندي كانت تشاهد في ميناء كانتون منذ عام (671م )، وبحلول عام (720م ) كان مشاهدة هذه المراكب أمرا مألوفا في تلك المياه، حيث عادت من جديد إلى مزاولة التجارة وخاصة تجارة الحرير، إضافة إلى ظهور الإمامة الإباضية الأولى والثانية في الفترة ( 132- 280هـ ) واهتمام الأئمة بالأمن والعدل والاستقرار السياسي والأمني والاقتصادي والاجتماعي، وحري بالذكر الإنجاز الذي الذي حققه الإمام غسان بن عبدالله (192- 207هـ /208-822 م) حينما انتشرت سفن القراصنة من الهنود والفرس في المحيط الهندي، والخليج العربي، وق ام بعضها بالرسو في أطراف السواحل العمانية (هديل، 2011)؛ لتترقب وتترصد للسفن الأخرى في سواحل الشميلية من عمان كموانئ دبا وجلفار (السيابي، 2011) لتستولي عليها. فقام الإمام ببناء سفن حربية صغيرة وسريعة عرفت بالشذاءات (السالمي، 1995) لتتعقب سفن القراصنة، وكان قد أوجد حامية في دما (السيب حاليًا) لمكافحة القرصنة في الخليج العربي وخليج عمان وبحر العرب حتى السواحل الهندية، وفي عهد الإمام المهنا بن جيفر الذي طور الأسطول العماني وزوده بسفن كثيرة.

4- العوامل الاقتصادية

أسهمت السفن العمانية في إحداث ثورة في نقل السلع التجارية وتبادلها بين سواحل المحيط الهندي من جهة وبين الموانئ العمانية وبين غيرها من المناطق الأخرى. وأصبحت سواحل المحيط الهندي تنعم بسلع وتجارات بقية سواحل المحيط. وكان للعمانيين الدور الأكبر في نقل محاصيل آسيا الزراعية إلى سواحل المحيط وبقية أرجاء الشرق الأدنى. وأسهمت السفن العمانية في نقل متطلبات موانئ المحيط الهندي من الحديد والذهب والنحاس والعاج، وكان لذلك كله أثر كبير في ازدهار موانئ المحيط الهندي.

وهكذا كان للدور العماني المتجدد تاريخياً والمؤثر حضاريًا أثر كبير في إرساء الحضارة الإسلامية ونشر مبادئها وقيمها على سواحل المحيط الهندي عامة وسواحل منطقة الملايو خاصة حتى أصبح هذا المحيط محيطا إسلاميا، وغلب على سكانه الطابع الحضاري الإسلامي، وذلك بفضل جهود التجار العمانيين وحسن أخلاقهم وطيب تعاملهم مع الشعوب الأخرى.

الدور التجاري العماني وأثره في انتشار الإسلام:

يمكن القول بأنه ووفق المعطيات التاريخية وان كانت شحيحة أن لأهل عمان قصب السبق والريادة في نشر الدعوة الإسلامية في منطقة المحيط الهندي قاطبة وعالم الملايو بشكل خاص، فمعظم الإشارات الواردة عن الرحالة والمؤرخين المسلمين في الفترة ما بين القرن الثاني والسابع الهجري تؤكد بأن البحارة العمانيين كانوا أصحاب الريادة والسيادة على تجارة المحيط الهندي والنشاطات المصاحبة كالتواصل الحضاري والاجتماعي مع شعوب المحيط الهندي المختلفة، وبعد الفتوحات الإسلامية في بلاد فارس والهند، وظهور الدولة العباسية والتي كانت عاصمتها بغداد المتحضرة والتي تحتاج إلى سلع العالم وبضائعه، وهنا نشير إلى ما قاله أبو جعفر المنصور ” هذه دجلة ليس بيننا وبين الصين شيء، يأتينا فيها كل ما في البحر” (الحخاني، 1980)، ويؤكد الباحث بوتشيش حقيقة الأدوار الحضارية التي قدمها العمانيون فيقول في معرض حديثة عن الجاليات العمانية في الهند” بحكم اعتناقها للمذهب الإباضي أنها كانت تتمتع بمستوى عال من الأخلاق والسلوكات الحسنة، خاصة أن هذا المذهب يحث على السلم والتعامل المثالي، وكان التجار والعلماء والدعاة العُمانيون أفضل سفراء الفكر الإباضي خارج بلادهم، لذلك وجدت شعوب منطقة الملايو في العُمانيين الذين أقاموا بين ظهرانيهم (مواطنين) من طراز أخلاقي رفيع (بوتشيش، 2011)، وحيث يشير المسعودي (ت 346 هــ) – ممن عاصر تلك الفترة – إلى ذلك قائلًا ” وقد ذهب كث ير من نواخذة هذا البحر – وهم أرباب المراكب، من السيرافيين والعمانيين ممن يقطعون هذا البحر..” (المسعودي، 1973) فالمسعودي أشار إلى أن العمانيين من أهم الشعوب العربية التي كان لها تواصل حضاري مع شعوب المحيط الهندي، وقال: «هؤلاء القوم الذين يركبون هذا البحر من أهل عُمان عرب من الأزد» (المسعودي،1973) كما ذكر ملاحي أهل عمان وهم يصدرون السلع إلى سواحل المحيط الهندي الشرقية وكذلك المحيط الهادي موضحًا انه لولا قيام أهل عمان بتصدير العاج إلى الهند والصين لكان سعره رخيصا في بلاد الإسلام، وكان من بين أولئك الكتاب القصصيين الذين أبرزوا دور بحارة عمان في المحيط الهندي صاحب كتاب عجائب الهند بزرك بن شهريار (ت: ق 4 هـ) إذ يؤكد نقلا عن أحد التجار والملاحين العمانيين ويسمى إسماعيلويه بن إبراهيم بن مرداس الناخوذة العماني “بأنه أقلع من ” كله بار ” – ميناء بالملايو فقد كان أهل عمان يترددون عليها، كما يورد المسعودي ذلك أثناء وجوده بها سمي فيما بعد بملقا– فأنطلق الناخوذة إلى عمان سنة 317 هـ في إحدى وأربعين يوما، وأن أمير عمان أخذ ستمائة ألف دينار عشورًا، وأعفى بقية التجار الذين كانوا معه في مائة ألف دينار” (الرامهرمزي،2000)، ويؤكد المقدسي (ت 375هــ) على دور صحار العالمي في التجارة إذ يقول “أنه” ليس على بحر الصين بلد أجل منه .. مدخل ، وخزانة العراق، ومغوثة اليمن” (المقدسي، 1991) ، وأشار لإدريسي (ت 560هــ) عن أهمية صحار مبينًا دورها في جذب الاستثمارات والتجار من مختلف مناطق العالم في تلك الفترة فقال “فتقاطر عليها التجار بإعداد هائلة” (الإدريسي، 2002).

وهنا جملة من الحقائق والوقائع التي تؤكد على الدور العماني في هذا العمل الإسلامي والإنساني الحضاري لنشر سماحة الإسلام ودعوته الغراء في ارجاء من سواحل المحيط الهندي الشرقية: سفينة شراعية عمانية (جوهرة مسقط) انطلقت عام 2010 من عمان إلى سنغافورة بمنطقة الملايو.

البعد التاريخي للدور العماني في سواحل شرق المحيط الهندي.

ورد في كتاب هاو هان شو الصيني ان الصينيين هم الذين فتحوا الطريق برا من شرق اسيا إلى غربها، وفي الوقت نفسه كان العمانيون خاصة قد فتحوا الطريق بحرا من سواحل الجزيرة والخليج عبر شبه الجزيرة الهندية، وشبه جزيرة الملايو إلى جنوب الصين، كما جاءت بعثات صينية إلى غرب آسيا لتجد أن تكنولوجية بناء السفن في عمان كانت مشهورة في العصور القديمة (دانج، 1980)، وفي العصور الإسلامية يذكر (المسعودي، 1973) أن طائفة من العمانيين سكنوا الهند في مدينة ساحلية تدعى (صيمور) وأنهم تزوجوا من الهند وأنجبوا أطفالا، ففي ساحل الهند الغربي والمسمى بالمليبار فقد دخله ‏الإسلام عن طريق جماعة من التجار يقال أنهم من عمان عام (200هـ ) تقريبا ، ومن هناك واصلوا الدعوة إلى الملايو، ، كما يذكر ابن بطوطة أنه حين زار مدينة “فندرينا” الواقعة في غرب الهند عام (742هـ) وجد بها الكثير من المسلمين وعدد من المساجد، يقدمها جامع كبير على ساحل البحر، وكان خطيب هذا الجامع من أهل عمان، وليس هذا فحسب بل إن قاضي هذه المدينة كان عمانيا، وأشار إلى أن مدينة منجرور (منجلور) تضم العديد من الجاليات الإسلامية بلغت أربعة آلاف مسلم وهؤلاء لا يستبعد أن أغلبهم من التجار والدعاة العمانيين الذين يتوافدوا على مناطق الهند بأعداد كثيرة طلبًا للرزق وتبليغًا للدعوة (ابن بطوطة، 2014)، وقد كانوا لهم أدوارا في نشر الإسلام لاحقا في منطقة الملايو.

من هنا كان استقرار كثير من التجار العمانيين في مناطق الملايو مدعاة إلى الدعاية إلى الإسلام بين أهلها، إضافة إلى أولئك الدعاة الذين كانوا يتوافدون من حين إلى آخر لغرض التجارة، أو لغرض الدعوة نفسها وكان بعضهم يستقر فيها نهائياً حيث يتزوجون من أهالي تلك المناطق، ويتخذون لغتهم وكثيراً من عاداتهم وتقاليدهم التي لا تتنافى مع الإسلام، وبذلك كانوا مؤهلين تماماً كدعاة لنشر الإسلام في هذه البلاد وخصوصاً بين النساء اللاتي تزوجن من هؤلاء الوافدين، وأيضاً بين سكان الذين ارتبطوا معهم بعلاقات تجارية، حيث يؤكد الرحالة الإيطالي ماركوابولو (1292م) وجود ممالك إسلامية دخلت الإسلام بفعل العلاقات مع التجار العرب وأسلوبهم الدعوي الناجح في الدعوة إلى الله بالحسنى، ففي الساحل الشمالي من جزيرة سومطرة حيث ممر الطريق البحري وجد هناك مملكة مسلمة تسمى بـ (برلاك) وحسب ما يقول بأن التجار العرب في القرن الثامن الميلادي (الثاني الهجري) كانوا يترددون عليها (أيوب، 2018)

الطرق البحرية التي سلكها العمانيون للوصول إلى الملايو والصين.

دور العمانيين المباشر في نشر الإسلام بعالم الملايو

تورد بعض المصادر التاريخية إشارات حول وصول الإسلام إلى منطقة الملايو في القرن الهجري الأول، حيث التجار المسلمين بشكل عام والعمانيون بشكل خاص قد طرقوا أبواب منطقة جنوب شرقي آسيا عامة ومنطقة الملايو عامة منذ القرن الأول الهجري، حاملين التجارة من البلاد العربية إلى الشرق، حيث أسس التجار العمانيين مراكز تجارية وجاليات استقرت في الموانئ الرئيسة بمنطقة الملايو. ولم يقتصر تواصل العمانيين في جنوب شرقي آسيا مع الملايو فحسب بل توغلوا إلى أبعد من ذلك كما تروي لنا المصادر القديمة كالمسعودي، وسليمان التاجر، والبلاذري، والمقدسي فقد أكدوا على أن التجار العمانيين وصلوا إلى الأرخبيل الاندونيسي كجزر سومطرة وجاوة حاليا، وجزر نيكوبار وأندمان ويقال إن إسلام مملكة (سوكدنه) كان على أيدي العرب وإن هؤلاء العرب أتوا من سومطرة ، ولما كان العمانيون يشكلون أغلبية العرب الذين كانوا يعملون بالملاحة والتجارة في هذه الجهات ، فإن المرجح أن التجار العمانيين هم الذين كان لهم فضل تحويل مملكة سوكدنه إلى الإسلام ، كما أدخلوه إلى جزيرة ملوكس التي كانوا يجلبون منها الفلفل الذي يوجد في أراضيها، وخصوصا في جزيرة (ترنات) التي اعتنق أهلها الإسلام، وكان سلطان هذه الجزيرة كما يحكي البرتغاليون أول زعماء ملكوس دخولا في الإسلام على يد أحد التجار المسلمين (السهيل، 1998).

من الأدلة أيضا التي تؤيد دور العمانيين في نشر الإسلام في هذه المنطقة وجود إشارات تدل على تأثر (جاوة) بالتجار العمانيين، حيث عثر على مساجد أثرية قديمة كثيرة العدد بغير زخارف، مما يدل على أنها من بناء التجار العمانيين، أو على الأقل متأثرة بالطابع العماني في بناء المساجد وهو طابع معروف ببساطته، كما تم العثور في جزيرة جاوه على مقابر كثيرة تظهر عليها نقوش عربية، تعود إلى عام (475هـ/ 1082م)، فلا يستبعد أن يكون بعضها للتجار العمانيين (ناصر، 2015).

قد امتدت الجاليات العمانية على طول السواحل الشرقية للمحيط الهندي خاصة المراكز التجارية والموانئ المهمة لتشكل الجالية العربية الأكثر في تلك المناطق في العصور الإسلامية الأولى، فاستوطن العمانيون في شبه جزيرة الملايو حيث ميناء كله بار، وامتدوا إلى جزيرة سومطرة وجاوة الاندونيسيتين، ومناطق مجاورة أخرى التي تقع على طرق التجارة بين عمان والصين. ويؤكد المستشرق البريطاني تومس أرنولد ذلك بقوله ” أنهم لا بد أن يكونوا قد أسسوا مستعمراتهم التجارية في بعض جزائر أرخبيل الملايو” (أيوب،2018)

عمت الدعوة الإسلامية بفضل نشاط العمانيين حتى بلغ جزر الفلبين، وهذا يدل على أن العمانيين لم يكونوا تجاراً وحسب، وإنما جاؤوا دعاة للدين الإسلامي قولا وفعلا، وكانوا أصحاب الدور الأكبر في إيقاد شعلة الدعوة الإسلامية بتلك المناطق، وانتشار الإسلام بتلك البقاع النائية حيث الغابات الاستوائية والامطار الغزيرة الدائمة والشعوب الوثنية التي تحولت بالملايين من الوثنية إلى الإسلام شاهدا على معجزة الإسلام فلم ينتشر بسيف ولا رمح ولا بندقية، فلم يكن كرها ولا غصبا بل كان طوعا وسلما،

بدأ انتشار الإسلام في منطقة الملايو بالجزر الإندونيسية وشبه جزيرة الملايو، والفلبيـن وفــي مناطــق مختلفـة مــن جنوب شرق آسيا في القرون الإسلامية الأولى، وظهرت الإنجازات الحضارية الإسلامية في صور متعددة، من خلال الآثار المادية والغير مادية، فازدهرت علوم الشريعة الإسلامية والعلوم المرتبطة بها في منطقة جنوب آسيا، وعمرت المساجد التي قامت بدور المدارس الدينية الناشرة للعلم والوعي بين السكان، ولم يكن أمر الدعوة إلى الله مقتصرا على التجار والبحارة العُمانيين فحسب بل كان لأئمة عُمان دور ملموس في نشر الإسلام بالسواحل الآسيوية المختلفة، وذلك من خلال الدعم والتشجيع وإرسال العلماء، ففي عهد الإمام الصلت بن مالك (235-273هـ) انبرى العلامة محمد بن محبوب الرحيلي الصحاري (ت260هـ) – وهو أحد أقطاب العلم في عُمان- إلى نشر الإسلام في أوساط التجار القادمين من الشرق ومنهم تجار الملايو إلى صحار للتجارة، حيث جاءت روايات في بيان الشرع تبين كيفية دخول المشركين إلى الإسلام فأشار في معرض حديثه عن طريقة ابن محبوب في تعليمهم الإسلام، وبعد أن يلقنهم الشهادتين وفرائض الإسلام يطلق عليهم أسماء عربية إسلامية مثل ” منيب وصالح وصلاح…”

طريق اللبان العماني

يطلق عليه أيضا طريق الحرير فقد كانت رحلات التجار العرب من العمانيين وجنوب الجزيرة العربية وغيرهم عبر طريق الحرير البحري منذ آلاف السنين وقد أرجعها المؤرخون إلى القرن التاسع قبل الميلاد، وقد ازدادت نشاطًا تلك الرحلات البحرية العمانية في العصور الإسلامية الأولى ولا غرو في ذلك فالدين الإسلامي يشجع على العمل والتجارة، كما أن سقوط الأمبراطورية الفارسية تحت وقع الفتوحات الإسلامية، ودخول الفتوحات الشمال الهندي، وحاجات السوق الإسلامية المتحضرة من خلال قيام الدولة العباسية لمقتنيات الشرق، واستتباب الأمن والاستقرار ربوع البلاد الإسلامية كان لها الأثر الكبير على ازدهار التجارة العمانية مع سواحل المحيط الهندي الشرقية ففي العام 1077 بلغت كمية البخور التي وصلت إلى ميناء كانتون 174 طنا جاء معظمها من ظفار العمانية التي كانت تُلقب بشاطئ العطور ولذلك سمى الطريق البحري بين عمان وجنوب الصين إضافة إلى طريق الحرير “طريق البخور” (مجلة الصين، 2001).

حيث تنطلق السفن العمانية من موانئ صحار أو ظَفار مباشرة والتي كانت تسمى بالتريماهية وهي سفن كبيرة وقوية قادرة على السير في أعالي البحار والمحيطات ولمسافات طويلة، حيث تعبر المحيط الهندي إلى (كولم ملي) على ساحل المليبار في جنوب الساحل الغربي للهند، ثم إلى جزيرة سرنديب (سيلان) ثم إلى لنجبالوس (جزر النيكوبار) عبر خليج البنغال، ثم إلى كله بار على ساحل الملايو الغربي، ثم إلى جزيرة تيومه (سومطره) إلى الجنوب الغربي من ملقا، لتمُرَّ بمضيق ملقا ثم بحر الصين الجنوبي حيث سواحل الصين الجنوبية لتصل في النهاية إلى ميناء كانتون (خانفوا) الصيني.

من أهم موانئ الملايو:

– ميناء كله بار: ميناء يقع في ملقا (ماليزيا اليوم) وهو على منتصف الطريق بين موانئ ظَفار وموانئ الصين، ويعدُّ من أهم موانئ عالم الملايو وهو ملتقى التجار العرب والفرس والهنود والصينيين وغيرهم، فقال عنه المسعودي ” أن الملاحين العُمانيين كانوا يختلفون إلى بلاد كله والزابج (سومطرة) “

– ميناء الزابج: يقع حاليا في جزيرة سومطرة الاندونيسية

نماذج للتجار والبحارة العمانيين في السواحل الشرقية للمحيط الهندي.

مما لا ريب أن هناك عددًا كبيرًا من التجار العمانيين كانوا قد ذاع صيتهم في قيادة الأساطيل التجارية البحرية من موانئ عمان المختلفة نحو سواحل المحيط الهندي بداية من السواحل الهندي وجزيرة سيلان ثم إلى مناطق جنوب شرقي آسيا وحتى بلاد الصين، حيث وصل العمانيون بمتاجرتهم إلى أقصى شمال الصين، إلى مدينة قانصوا وبلاد الشيلا التي يعتقد أنها بلاد كوريا ، وإلى جزر الواق واق والت يعتقد أنها اليابان، فكانوا هم الذين قاموا بمعظم النشاط التجاري مع بلاد الشرق في القرن الثالث الهجري بصفة خاصة.

من أشهر أولئك التجار والدعاة العمانيين:

1- أبو عبيدة عبد الله بن القاسم البسيوي البهلوي العماني :

من أشهر التجار العمانيين الذين كانت لهم علاقات مميزة مع السواحل الآسيوية ومنها سواحل الملايو أبو عبيدة بن عبدالله بن القاسم والذي وصل إلى الصين في عام 750م ليشتري الصبار والأخشاب، والعود، وقد تم افتتاح قاعة للصلاة باسمه في مدينة تشوانجيو بمقاطعة فوجيان الصينية تخليدا للدور الذي قام به في نشر الإسلام في الصين، فما بالنا بحالهم في بلاد والملايو وجزائر المحيط الهندي الأخرى التي تعد أقرب بكثير من الوصول إلى الصين، كما أن الملايو وسواحل المحيط الهندي الشرقية لا تقل عطاء وثروة من الصين، فكان التبادل التجاري بين العمانيين وشعوب الملايو نشطا وفعالا بشكل ملفت.

2- الشيخ عبدالله الصحاري :يسمى في بلاد الصين وأروقتها الرسمية في تلك الفترة ب”كين ياتيو” (دانج، 1980) وأنه كان مندوبا رسميا عن صحار حسب تلك الوثائق الصينية عاش لعشرات السنين في ميناء كانتون، فكان الشيخ عبدالله رئيس حي الأجانب في كانتون، وأعجب به امبراطور أسرة سونج وعينه ضابطا للهجرة، ومن خلال كتاب السجل المختصر … الذي كتبه سوزاي (أديب صيني) من عهد أسرة سون، بأن الشيخ عبدالله قضى في مدينة (قوانتشو) عشرات السنين كانت له ممتلكات وافرة حتى لقد بلغ قيمتها عدة ملايين (مين)، ومن أجل أن يفهم مقدار ثروته نقوم بمقارنة في الفترة التي بلغت فيها التجارة الخارجية لحكومة أسرة (شون) قمة إزدهارها ، فإن الدخل السنوي للحكومة كان لا يتجاوز مليونين (مين) ، وهذا يعني أن ممتلكات الشيخ عبدالله الشخصية قد تجاوزت دخل التجارة الخارجية السنوية لحكومة أسرة (سون) لدرجة أنه أصبح عميد التجار العرب وكذلك الأجانب في المدينة، وكان يعد من أثرياء كانتون، وتم منحه من قبل الإمبراطور الصيني لقب جنرال الأخلاق الطيبة (الشعيلي، 2010).

3- النضر بن ميمون:

الذي كانت لها عدة رحلات إلى الصين، وكان من أبرز التجار الدعاة إلى المذهب الإباضي. وفي القرن (4هـ/10م) اشتهر التاجر والبحارة العماني وهناك تاجر آخر وهو النضر بن ميمون الذي يورد عنه الشماخي في السير بأنه من تجار الصين (الشماخي، 1987) وقد سافر من البصرة إلى الصين (ربما في أواخر القرن الثامن الميلادي)،

4- محمد بن بلشاد بن حرام:

الذي كان يقود سفينته إلى جزيرة سومطره عبر سواحل شرق وغرب الهند، ثم يكر بها راجعا إلى ميناء ريسوت على الساحل العماني الجنوبي.

5- الناخوذة حسن:

تاجر وملاح عماني ثري استوطن ميناء صندابور على ساحل المليبار، ومن أعماله المهمة في خدمة الإسلام بناءه لمسجد بهذه المدينة، مما يسهم ذلك المسجد كمركز لنشر الإسلام والتعريف به للسكان المحليين من الهنود، كما قام الناخوذة حسن ببناء مسجدًا كبيرًا بجزيرة تندابور (رجب، 1983).

6- إسماعيلويه بن إبراهيم بن مرداس:

الناخوذة العماني والذي نقل عنه بزرك بن شهريار صاحب كتاب عجائب الهند “بأنه أقلع من ” كله بار ” – ميناء بالملايو سمي فيما بعد ملقا– فأنطلق الناخوذة إلى عمان سنة 317 هـ في إحدى وأربعين يوما، وأن أمير عمان أخذ ستمائة ألف دينار عشورا، وأعفى بقية التجار الذين كانوا معه في مائة ألف دينار” (الرامهرمزي،2000).

7- حواشير بن يوسف الأزكوي:

ملاح عماني كان يجوب المحيط الهندي في بدايات القرن الخامس الهجري الحادي عشر الميلادي، وقد أشارت بعض الروايات التاريخية إلى أنه كان ذا تواصل مع ملاحي الهند حتى ركب مركبًا هنديا يدعى دبوكره (رجب، 1983).

8- عبدالعزيز العماني

كما يوجد بملقا بشبه جزيرة الملايو جامعًا ومركزًا للدعوة الإسلامية بناه الداعية والتاجر العماني عبد العزيز الملكاوي العماني الذي هاجر من سومطرة بإندونيسيا إلى ملقا واستقر بها عام 1414م، وقد وصل إلى بلاط حكام سلطنة ملقا والذين تحولوا في الإسلام هم وشعوبهم ومن الأدلة التي تؤكد على دور العمانيين في نشر الإسلام في هذه المنطقة كما وفي الملايو إلى يومنا هذا يوجد مسجد يسمى بالمسجد العماني ويقع في ملقا بماليزيا حاليا، وقد بناه التاجر والداعية العماني عبد العزيز الملكاوي نسبة الى ملقا التي عاش فيها داعيا إلى الإسلام، حيث يشير المؤرخ العماني الشيخ أحمد بن سعود السيابي بأنه إلتقى بأحد الدعاة العلماء المسلمين في مدينة ملقا في ثمانينيات القرن العشرين وأخبره بأن هذا المسجد معروف بمسجد عبدالعزيز العماني الذي قام بنشر الإسلام وبنى مسجدا وكان من أهل الدعوة إلى الله في تلك المنطقة، وإلى اليوم يوجد بمتحف ملقا ذكرا لهذه الداعية العماني العظيم.

النتاج الحضاري العماني في عالم الملايو:

قد أدى هذا الاتصال التجاري البحري والحضاري إلى عدة تأثيرات من بينها:

1- انتشار الإسلام:

إن التجار المسلمين بشكل عام والعمانيون بشكل خاص قد وطئوا منطقة الملايو منذ القرون الإسلامية الأولى، وإن كان الإسلام لم ينتشر بشكل واسع خلال تلك الفترة المبكرة من التاريخ الإسلامي إلا إننا نستطيع أن نؤكد وجود النواة الأولى لإنتشار الإسلام فيما بعد بفضل جهود دعوية عديدة من ضمنها جهود الذين هاجروا إلى تلك البقاع بأعداد كبيرة بعد القرن السابع الميلادي بحثًا عن الرزق، شاهدة على معجزة انتشار الإسلام إلى تلك الأقطار البعيدة دون خيل أو سيف أو رُمح أو إجبار أو قهر، ونتيجة للجهود الدعوية للعمانيين وغيرهم من مسلمي الجزيرة العربية أو القارة الهندية أو بلاد فارس فقد ظهرت عدة دول مسلمة في الملايو كان لها أثرا كبيرا في نشر الإسلام في مناطق شاسعة ونائية من المنطقة، ومن أشهر تلك الدول التي ظهرت في سومطرة و”جاوة وآتشيه وبالي كمملكة برلاك، ومملكة سوكدنه، مملكة آرو، سلطنة بروناي، سلطنة سولو، سلطنة ديماك، سلطنة آتشيه، سلطنة جوهور، سلطنة ملقا، وغيرها من الممالك.

سلطنة ملقا الإسلامية:

نشأة مدينة ملقا في القرن التاسع الهجري الخامس عشر عندما هاجر إليها الأمير (أرامسفارا) – ذات أصول سومطرية- فارا من هزيمة على يد الجاويين وذلك عام (1400م)، وقد بدأت تتوسع هذه المدينة على حساب المراكز التجارية الأقدم في شبه جزيرة الملايو وسومطرة وجاوة لتتحول من مدينة صغيرة إلى إمبراطورية تجارية كبيرة في فترة تاريخية وجيزة (سليمان، 2022) وقد ساعد موقعها على مدخل المضيق – سمي المضيق لاحقا باسم هذه المدينة لشهرتها – الرابط بين الصين شرقا وبقية مناطق الغرب ازدهاراها.

خريطة: توضح مدينة ملقا ومضيقها وأهم المدن بعالم الملايو (AL-HIND, P30)

وقد شجع أمراءها التجار المسلمين على التجارة معها حيث بنوا المساجد وسهلوا أمر العبادة، وما لبث أن أسلم حكامها، وقد كان للتاجر عبدالعزيز العماني دورا محوريا في دخول حكام هذه السلطنة الناشئة إلى الإسلام وذلك عام (1414م) (السيابي، 2020) حيث كان حاكم ملقا باراميسفارا والذي سمي بإسكندر شاه قد رأى النبي محمد عليه الصلاة والسلام في رؤيا، ما لبث أن جاء هذا التاجر العماني والتقى بالحاكم الثاني لملقا وبالتالي دخول شعبها أيضا للإسلام، ولم يقتصر الأمر على هذا بل قام حكام السلطنة بنشر الدعوة إلى مناطق واسعة من عالم الملايو.

مدينة ملقا وبداية توافد إليها

2- اللغة العربية:

عكست اللغة العربية ما تتميز به من قدرة وجمال فأثرت في لغات الهند فالسندية والأوردية والجوجراتية والتميلية وغيرها أدى إلى تأثر كتابها باللغة العربية ومن أجل هذا اتخذت السندية الخط العربي رسما لها حتى ظهرت لغة خاصة مزيج بين اللغة العربية والهندية على غرار تلك التي ظهرت في السواحل الشرقية لإفريقيا وعرفت باللغو السواحيلية، فقد عرفت هذه باللسان السندي والعربي (ابن حوقل، 1979)، كما أخذ بعض الألفاظ الهندية طريقه إلى اللغة العربية (الإدريسي، 2000)، وإلى وقت قريب كانت لغة الباهاسا مالايو تكتب بحروف عربية إلى أن جاء المستعمر الغربي فاستطاعوا ادخال الحروف اللاتينية على تلك اللغات لتستبدل بالحروف العربية التي ظلت تكتب بها تلك اللغات قرونا من الزمن، وتوجد بها (3000) كلمة عربية.

فقد كان للغة العربية حضور مميز في منطقة جنوب شرق آسيا منذ وصول الإسلام لتلك البقاع، حيث تكتب بعض لغات منطقة جنوب آسيا بالحروف العربية كاللغة (الجاوية) بالملايو و (الاتشهينيزية) في سومطرة باندونيسيا قبل أن تتدخل أيادي الاستعمار والتغريب لاستبدال الحروف العربية بالحروف اللاتينية. فقد كانت أول مساهمة إسلامية مهمة فى الثقافة الأدبية الملايوية هي الكتابة بالخط العربي وهذه الكتابة معروفة عند الملايويين باسم كتابة (جاوية) وكانت الأعمال الأدبية القديمة مكتوبة بهذا الخط حيث يعود الفضل في تعريب هذه الحروف إلى الثقافة الملايوية إلي التجار العرب الذين كانوا تجاراً ودعاة في الوقت نفسه كما كانوا يجلبون معهم المخطوطات الإسلامية المكتوبة باللغة العربية كما وجد عدد كبير من شواهد القبور التي كتبت باللغة العربية ففي جوهور بماليزيا حاليا عثر على (3) شواهد للقبور كتبت في الفترة بين القرنين (14-19م) وفي بروناي عثر على (8) شواهد قبور، وفي اندونيسيا عثر على (25) شاهد قبر (عبدالكريم والسواحلي، 2021) وإلى اليوم ظلت المؤثرات اللغوية العربية حاضرة في اللغة الجاوية والملايوية، فيقال عند التحية السلام عليكم ثم يعقبها ب تحية قريبة من تحية العمانيين لبعضهم البعض، وهو ما يسمى بالمناشدة فيقولوا ( آبا خبر) أي ما هي الأخبار أو أريد خبر فيكون الرد بـ(الحمد لله) وحتى الأشهر الهجرية وأسماء أيام الأسبوع أيضا مطابقة تماما عند اللغة العربية، وعندما نجحوا في نشر الإسلام لم يتوقفوا عند هذا الحد بل توجهوا نحو تثقيف تلك الشعوب بثقافة إسلامية، وتعليمهم أمور دينهم (الهادي، 2021).

3- العمارة:

أسهم العمانيون في تحقيق نهضة عمرانية من خلالها تم بناء مدن جديدة، وتعمير أخرى كانت قائمة، كما بنوا المساجد في مختلف المراكز التجارية الهندية وحتى في بلاد الملايو والصين، كما توجد بسومطرة مساجد قديمة خالية من الزخارف والنقوشات مشابهة لتلك المساجد التي بنيت في عمان منذ صدر الإسلام حيث عثر في جزيرة جاوه على مقابر كثيرة تظهر عليها نقوش عربية، تعود إلى عام (475هـ/ 1082م)، فلا يستبعد أن يكون بعضها لتجار عمانيين يقول المقدسي في معرض حديثه عن أثر العمارة العمانية في الهند مشيرًا إلى جامع المنصورة ” والجامع من حجر وآجر كبير مثل جامع عُمان” (المقدسي، 1991) ويمكن القول بأن منطقة جنوب شرقي آسيا وخاصة المراكز التجارية فيها، خاصة في الملايو وسومطرة التي يوجد بها مستوطنات للتجار العمانيين كجاليات مستقرة على طريق الحركة التجارية بين عمان والصين، خاصة بعد حدوث الإنقلاب على أسرة تانج الحاكمة بالصين، مما أحدث قلاقل ومذابح ضد السكان الأجانب، وفرض عليهم المزيد من الضرائب، فمن المحتمل بأن الكثير من الجاليات العمانية قد انتقلت إلى الملايو واستوطنوا فيها، ليسهل عليها إدارة تجارتها القائمة على التبادل التجاري مع الملايو والصين، وتجمع المصادر التاريخية بأن مدينة ملقا (كله بار) أصبحت هي ملتقى التجار العمانيين والصينين في تلك الفترة( الرحبي والهادي، 2015)

رسمه: لمدينة ملقا عام 1515م (V. Hooker.1946.P74)

حيث يظهر المنطقة السكنية على اليسار والطبقة الحاكمة وحاشيتها وكبار التجار على اليمين والنهر فاصلا بينهما.

4- الحياة الإجتماعية:

امتزج التجار العمانيين مع شعوب سواحل المحيط الهندي الشرقية واختلطوا معهم فتزاوجوا ونقلوا الكثير من العادات والتقاليد العربية الإسلامية الحميدة، كما كان التأثير في المأكل والملبس حاضرًا بين العمانيين وشتلك الشعوب الآسيوية، وظهرت الجاليات العمانية في مدن الساحل الهندي والملاوي والصيني بشكل ملفت مما حدا بالرحالة العرب أن يفردوا مساحة واسعة للوجود العماني في مؤلفاتهم المختلفة كالمسعودي والسيرافي وابن بطوطة وغيرهم. وكان بعضهم يستقر فيها طول حياتهم، حيث يتزوجون من أهالي الهند ، ويتخذون لغتهم ويمارسون عاداتهم وتقاليدهم التي لا تتنافى مع الإسلام، ويتزوجوا من سكان مجتمعات الملايو.

الخاتمة:

من خلال التطواف في ربوع الشواطئ الشرقية للمحيط الهندي في العصور الاسلامية اتضح الدور الكبير للملاحة العمانية في التواصل الحضاري مع تلك المناطق كما كان لهم الباع الطويل في نشر الاسلام وحضارته في عالم الملايو مع إخوانهم المسلمين سواء من العرب أو الفرس أو الهنود، ولكن المنطقة بحاجة إلى مزيد من البحث والتقصي حول كيفية دخول هذه الملايين من البشر في الإسلام بدون حرب ولا صراع وإنما بالرحمة والمودة ” فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللَّهِ لِنتَ لَهُمْ ۖ وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ ۖ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ ۖ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ ۚ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ (159).

نتائج الدراسة:

– للعمانيين القدح المعلى في معرفة البحار

– للعمانيين الفضل في اكتشاف البحار والسفن منذ القدم.

– من خلال الدراسة تاكد ان للتجار الاثر الكبير في نشر الاسلام بالملايو.

توصيات الدراسة:

– توصي الدراسة بدعم الجهود الدعوية اليوم في عالم الملايو للتمسك بالدين والقيم الأخلاقية في ضوء تيارات فكرية وإلحادية تسعى لزعزعة القيم والأخلاق والفضائل الإسلامية حفاظا على هذه المكتسبات العظيمة.

– على الباحثين الاهتمام بتاريخ الملايو لما له من أهمية ثقافية وتاريخية.

– على وزارة الثقافة والاثار تشجيع الكتاب في الموضوعات التاريخية.

المصادر والمراجع:

  1. ابن بطوطة، محمد بن عبدالله الطنجي، تحفة النظار في غرائب الأمصار، وعجائب

الأسفار (رحلة ابن بطوطة)، تحقيق: طلال حرب، دار الكتب العلمية، بيروت،ص87.

  1. ابن حوقل، محمد بن علي الموصلي، 1979صورة الأرض، مكتبة الحياة،

بيروت،ـ122.

  1. البكري، عبد الله بن عبد العزيز بن محمد البكري الأندلسي. 1992المسالك والممالك، دار الغرب الإسلامي، ص25.
  2. البلاذري، أحمد بن يحيى، 1987 فتوح البلدان، تحقيق: عبدالله أنيس وعمر أنيس،

مؤسسة المعارف، بيروت،ص44.

  1. الإدريسي، محمد بن عبدالله،2000، نزهة المشتاق في اختراق الآفاق، ط1، مركز زايد، الامارات العربية المتحدة،ص95.

6- أيوب، محمد شعبان، 2018، الجزيرة نت، https://www.aljazeera.net

  1. بوتشيش، ابراهيم القادري، 2011م، الجاليات العمانية في بلاد الهند خلال العصر

الإسلامي، الندوة الدولية. (عمان والهند.. آفاق وحضارة،س122.

8- بزرك، ابن شهريار الرامهرمزي،2000م، عجائب الهند برها وبحرها وجزائرها، المجمع الثقافي،ص11.

9- حوراني، جورج فضلو، العرب والملاحة في المحيط الهندي، تحقيق: يعقوب بكر،

القاهرة،ص76.

10- دانج هو.1980، المعاملات بين الصين والعرب في العصر الوسيط، بحث مقدم

لحصاد ندوة الدراسات العمانية، ج6، مسقط،ص90.

11- الرحبي، خالد، حبيب الهادي، دور العمانيين في نشر الحضارة الإسلامية في منطقة

جنوب شرقي آسيا من القرن الأول حتى الرابع الهجريين. بحث مقدم لمؤتمر الدور

العماني في وحدة الأمة،2014م،ص213.

12- رجب، عبدالحليم، 1983م العمانيون والملاحة البحرية والتجارة ونشر الإسلام منذ ظهوره

إلى قدوم البرتغاليين، مكتبة العلوم، مسقط،ص76.

13- السالمي، عبدالله بن حميد، 1995تحفة الأعيان في سيرة أهل عمان، مكتبة نور الدين

السالمي، مسقط،ص56.

14- سليمان، إبراهيم محمد حامد (2022) سلطنة ملقا الإسلامية. دراسة في النشأة

والأوضاع السياسية والاقتصادية، مجلة كلية الآداب بقنا، العدد 54، ص485- 678.

15- السهيل، نايف عيد، الاباضية في الخليج العربي في القرنين الثالث والرابع الهجريين،

مكتبة الاستقامة، مسقط، ط2، 1998م،ص97.

16- السيابي، أحمد بن سعود، عبدالعزيز العماني، محاضرة في ندوة الدور العماني في وحدة

الأمة بماليزيا، ذاكرة عمان، 2014م،ص44.

17- السيابي، سالم بن حمود. عمان عبر التاريخ، المطبعة الشرقية، مسقط،2001م

18- الشعيلي، محمد بن حمد، 2010م مقال بعنوان تاريخيات من مسقط إلى كانتون، جريدة

الوطن العمانية، العدد ( 9798)،ص69

19- الشماخي، أحمد بن سعيد، 1987م كتاب السير، تحقيق: أحمد بن سعود

السيابي،1407هـ-.ص212.

20- عبدالكريم، نور حياتي، السواحلي، مصطفى محمد (2021) آثار الشعر العربي في

عالم الملايو: شواهد القبور نموذجا، مجلة لسانيات اللغة العربية وآدابها، كلية اللغة العربية،

جامعة السلطان الشريف علي الإسلامية، العدد5، ص15- 37

21- فراس سليم حياوي، ماجد عبد زيد احمد الخزرجي،(2011) الصلات التجارية بين

العراق وساحل عمان والبحرين (132ـ656هـ)،ص224.

22- المقدسي، شمس الدين البشاري، 1991أحسن التقاسيم في معرفة الأقاليم، ط3، مكتبة

مدبولي، القاهرة،ص55.

23- مجلة الصين، العلاقات الصينية العمانية.. من تاريخ زاهر إلى مستقبل باهر،

2002،ص125.

24- المسعودي، علي بن الحسين، 1973مروج الذهب ومعادن الجوهر، تحقيق محمد محي

الدين، ط4،دار الفكر بيروت،212،ص79.

25- ناصر، محمد صالح، 2005، منهج الدعوة عند الإباضية، ط2، مكتبة الاستقامة

،ص43.

26- الهادي، حبيب بن مرهون، 2021م، التواصل الحضاري بين عمان والسواحل الآسيوية،

جامعة السلطان قابوس، سلطنة عمان،ص 88.

27- هديصل، طه حسين عوض أحمد. 2011م دور حكام عمان في حماية المحيط الهندي

من القرصنة البحرية في العصر الإسلامي، بحث مقدم للندوة الدولية عمان والهند آفاق

وحضارة، مسقط.ص65.

28- ANDRE WINK, 2002, AL-HIND, A.WINK, THE MAKING OF THE INDO- ISLAMIC WORLD,BRELL ACADEMIC PUBLISHERS, BOSTON.

29- V. Hooker.1946. A short history of Malaysia, Allen and Unwin. Australia