تطبيقات علم الدلالة عند العرب

سويفي فتحي1

1 محاضر بجامعة 19 مايو ــ تركيا

بريد الكتروني: suwayfi.fathi@gmail.com

HNSJ, 2022, 3(2); https://doi.org/10.53796/hnsj326

Download

تاريخ النشر: 01/02/2022م تاريخ القبول: 07/01/2022م

المستخلص

لعلماء العرب جهود جليلة في البحث اللساني، ومنه البحث الدلالي، قدم فيه علماؤنا جهودا؛ مهدت الطريق لنضج هذا العلم إلى ما صار إليه الآن، ويقدم البحث تطبيقات عملية في علم الدلالة، توضح بجلاء ما أحرزه العلماء في الحضارة الإسلامية، من تقدم ومعرفة بهذا العلم، بداية من القرن الثالث إلى ما بعده، مما يعني نضجا وسبقا أحرزته العربية وأصله علماؤها.

ويسلط مبحث تطبيقات علم الدلالة عند العرب، الضوء على تلك الجهود، وعلى أصالة هذا العلم لدى علمائنا في مختلف التخصصات، التي يرتبط بها البحث الدلالي؛ فتناول البحث تطبيقات العلماء في الفقه والأصول، واللغة والأدب، والفلسفة والاجتماع؛ مما يبين بما لا يدع مجالا للشك، رسوخ قدمهم فيه، وتأصيلهم قواعده، وإن اختلفت المسميات الحديثة الآن، إلا أنها تتفق في المنهجية والأساس، على نحو ما أصله العلماء العرب.

منهجية البحث

اعتمد البحث على المنهج الوصفي الاستقرائي

أهم نتائج البحث:

  1. سبق العلماء المسلمين الغرب في التأصيل لعلم الدلالة وبيان أسسه.
  2. ذكر تطبيقات عملية في علم الدلالة لدى علمائنا المسلمين في علوم اللغة والشريعة والفلسفة.
  3. بيان ارتباط علم الدلالة بكافة العلوم اللغوية والشرعية وعدم انفكاكه عنها.

أهم التوصيات:

  1. نوصي بمزيد من الأبحاث حول تطبيقات علم الدلالة لدى علمائنا وبيان منهجيتهم.
  2. تخصيص بعض الدراسات حول أحد العلماء وبيان منهجيته وتوجهه الفكري في علم الدلالة.
  3. ربط الدرس اللغوي الحديث بما ذكره العلماء السابقين من خلال دراسات مقارنة.

Research title

Arab applications of Semantics

SAWAFY FATHY AHMAD1

1 Lecturer at Istanbul 19 mayis university. Turkey

Email: suwayfi.fathi@gmail.com

HNSJ, 2022, 3(2); https://doi.org/10.53796/hnsj326

Published at 01/02/2022 Accepted at 07/01/2021

Abstract

Arab scholars have made great efforts in linguistic research, Including the semantic research in which our scholars made efforts that paved the way for the maturity of this science to what it has now become. The research provides practical applications in semantics, clearly illustrating the progress and knowledge of islamic civilization by scholars, from the third century onwards, which means maturity and precedence achieved by Arab scholars.

The study of Arab applications of Semantics sheds light on these efforts, and on the originality of this science among our scholars in the various disciplines to which the semantic research is related; The research dealt with the applications of scholars in jurisprudence, principles, language, literature, philosophy and sociology; Which shows, beyond any doubt, the firmness of their feet in it, and their rooting of its rules. Although modern nomenclatures differ now, it agrees on the methodology and foundation, as established by Arab scholars.;

Research methodology

The research was based on the inductive descriptive approach.

Top research results:

  1. Muslim scholars preceded the West in rooting for semantics and explaining its foundations.
  2. Mentioning practical applications in semantics among our Muslim scholars in linguistics, sharia and philosophy.
  3. Showing the link between semantics and all linguistic sciences and legitimacy.

Top recommendations:

  1. We recommend further research on the applications of semantics in our scholars’ contributions and on their methodology.
  2. Allocate some studies about a scholar and show his methodology and his intellectual orientation in semantics.
  3. Link the modern linguistic lesson to what previous scholars have said through comparative studies.

توطئة

ارتبط الدرس الدلالي في التراث العربي بالدراسات القرآنية، من خلال محاولة علماء التراث دراسة اللغة خدمة للقرآن الكريم، ومحاولة فهم معانيه، واستقراء الأحكام الشرعية واستنباطها، وتنوعت الدراسات بتعدد مرجعيات علمائنا الفكرية والعلمية، فارتبطت الدلالة بالدرس الفقهي عند علماء الأصول، وبالمنطق عند الفلاسفة، وباللغة عند النحاة. وكان لهذا التنوع أثره في ثراء الموروث العربي بالمسائل الدلالية التي تتقاطع في جانب كبير مع مباحث علم الدلالة الحديث.[1]

وقدمت دراسة الداية البرهان على أصالة علم الدلالة العربي عند الباحثين العرب من اللغويين والفلاسفة والأدباء والأصوليين والفقهاء والنقاد؛ ذلك أننا درسنا معالم هذا العلم كما يبحثه العلماء في اللغات المعاصرة؛ الفرنسية والإنجليزية والألمانية، وفتشنا عما يقابله من الكتابات العربية، فوجدنا أعمالا أصيلة ودقيقة نظمناها وأعطيناها نسقا له تكامله؛ فتشكلت بنيانا متماسكا قادرا على النماء والتفاعل في مجالات العلم والأدب والحياة العامة.

وتمتد البحوث الدلالية العربية من القرن الثالث والرابع والخامس الهجري إلى سائر القرون التالية لها، وهذا التأريخ المبكر لها، إنما يعني نضجا أحرزته العربية، وأصله الدارسون في جوانبها.[2]

وظاهر في الدراسات الدلالية الحديثة أنها أغفلت جهود الدلاليين العرب القدامى؛ فلم تأت على ذكرهم في سلسلة تطور الاهتمام الدلالي القديم!

ولولا هذه الغفلة أو الثغرة – كما يسميها الدكتور عبد السلام المسدي- “لكانت اللسانيات المعاصرة على غير ما هي عليه اليوم، بل لعلها تكون قد أدركت ما قد لا تدركه إلا بعد أمد.[3]

ويعد عامل الدين من أسباب هذه الغفلة، ومنها أيضا أن نظرية العرب اللغوية لم تكن واضحة المعالم بدقة، وإنما وردت موزعة ومبثوثة في ثنايا التراث الحضاري العربي بمختلف أصنافه ومشاربه. وإذا كان مؤرخو اللسانيات قد أغفلوا جهود العرب الجليلة في البحث اللساني، ومنه البحث الدلالي، فإن التاريخ على العموم حفظ بأمانة تلك الجهود التي كان لبعضها السبق في مجال اللسانيات، فكم من رأي قال به أحد القدماء العرب؛ لا نجده في نظريات العالم الغربي إلا في العصر الحديث.[4]

وأحاول من خلال هذا البحث ( تطبيقات علم الدلالة عند العرب) أن أسلط الضوء على جهود العرب، في التأصيل لعلم الدلالة، وبيان تطبيقاتهم، وجاء البحث في مقدمة وأربعة مباحث وخاتمة على النحو الآتي:

ــ مقدمة لبيان أهمية علم الدلالة

1.تطبيقات علم الدلالة عند اللغويين.

1ـ1أبو الفتح عثمان بن جني(320هـ-392هـ): وتطبيقاته في كتاب الخصائص

2ــ1. الشريف الجرجاني(ت 816هـ): وتطبيقاته في كتاب التعريفات

3ــ1 .الشريف الرضي (ت 406 هـ) وتطبيقاته في كتاب المجازات النبوية

2. تطبيقات علم الدلالة عند الأدباء.

1ــ2 .تطبيقات علم الدلالة عند الجاحظ (160هـ-255هـ):

2ــ2 .تطبيقات علم الدلالة عند عبد القاهر الجرجاني (ت 471 هـ) في دلائل الإعجاز

3ـــــ 2 .تطبيقات علم الدلالة عند الحسن بن بشر الآمدي (ت370 هـ): في الموازنة

.3 تطبيقات علم الدلالة عند الفقهاء والأصوليين.

1ــ3. تطبيقات الإمام الشافعي ( ت179هـ) في الرسالة

2ـــ3. تطبيقات علم الدلالة عند الآمدي (ت631 هـ) (الإحكام في أصول الأحكام)

4.تطبيقات علم الدلالة عند الفلاسفة والمفكرين.

1ــ4. تطبيقات علم الدلالة عند الفارابي (ت339هـ): في إحصاء العلوم.

2ــ4. تطبيقات علم الدلالة عند أبي حامد الغزالي المتوفى (505هـ) في كتاب المستصفى من علم الأصول

3ــ4. تطبيقات علم الدلالة عند ابن خلدون: (ت808هـ) في المقدمة

الخاتمة: نتائج البحث وقائمة المراجع.

ــــ مقدمة البحث

لم ينفك علم الدلالة عن المعنى اللغوي لحظة واحدة؛ فهو قرينه في إيصال المعنى، والتطبيقات هنا بيان لأمثلة تقعيده كعلم له قواعد وأصول، لا كميلاد لاستخدام جديد، فالعرب قبل الإسلام كانوا على علم بموضع الكلمة وسياقها وما تهدف إليه؛ وإلا لما صبروا على مقارعة السيوف مقابل أن يقولوا كلمة التوحيد وينجوا من هذه المعارك الضارية؛ ذلك أنهم أيقنوا من لازم الكلمة ومتطلباتها.

ولذلك لما نزل قوله تعالى” الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم أولئك لهم الأمن وهم مهتدون” (الأنعام 82)

شق ذلك على المسلمين؛ فقالوا: يا رسول الله وأينا لا يظلم نفسه؟ قال: ليس ذلك، إنما هو الشرك، ألم تسمعوا ما قال لقمان لابنه: ” يا بني إن الشرك لظلم عظيم” ( لقمان 13).[5]

فهنا نرى دلالة الآية بمفهومها العام، وهو أن النكرة وهي كلمة (ظلم) في سياق النفي تفيد العموم؛ عندئذ شعر الصحابة بالمشقة، وذهبوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم مستفسرين، وأي إنسان لا يظلم نفسه، أو ينفك عن معصية ما؟! فيحيلهم النبي إلى تخصيص هذا المعنى العام إلى معنى الشرك.

ومن الأمثلة التي تدل دلالة ظاهرة على بيان المعاني السياقية في تطبيق دلالي ظاهر، ما وقع من الصحابة رضي الله عنهم عندما قال لهم النبي صلى الله عليه وسلم:” لا يصلين أحدكم العصر إلا في بني قريظة”؛ فصلى بعضهم العصر في طريقه، وبعضهم أدركها عشاء؛ فالجماعة الأولى فهموا أن المقصود الإسراع، ليجمعوا بين هذا الأمر وبين أمر المحافظة على الصلاة في وقتها؛ لقوله تعالى”حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى”(البقرة 238)، وفهمت الجماعة الأخرى أن الأمر على ظاهره؛ ولذلك صلوها في وقت العشاء، وما كان ذلك كذلك إلا لاختلاف مفهوم الدلالة من اللفظ وتأويله.

ونجد عبد الله بن مسعود، يطبق مفهوم دلالة المخالفة في فهم المعنى، فيقول: “خصلتان يعني إحداهما سمعتهما من رسول الله صلى الله عليه وسلم والأخرى في نفسي: من مات وهو يجعل لله ندا دخل النار، وأنا أقول: من مات وهو لا يجعل لله ندا، ولا يشرك به شيئا دخل الجنة”.

فهذا إشارة واضحة إلى دلالة مفهوم المخالفة، الذي عبر عنه الخطيب البغدادي بعد سوق الحديث بقوله: ولم يقل عبدالله هذا إلا من ناحية دليل الخطاب.[6]

1ـ تطبيقات علم الدلالة لدى اللغويين

1ـ1أبو الفتح عثمان بن جني(320هـ-392هـ): في كتاب الخصائص

فتح ابن جني أبوابا بديعة في العربية في الخصائص لا عهد للناس بها قبله؛ كوضعه لأصول الاشتقاق بأقسامه، ومناسبة الألفاظ للمعاني، وأهم المسائل الدلالية التي تناولها؛ نشأة اللغة، وعلاقة اللفظ بالمعنى، وقد تناول مسألة العلاقة بين اللفظ والمعنى من ثلاثة جوانب:

أ- تلاقي المعاني على اختلاف الأصول والمباني، يقول:”هذا فصل من العربية كثير المنفعة، قوي الدلالة على شرف هذه اللغة، وذلك أن نجد للمعنى الواحد أسماء كثيرة، فتبحث عن أصل كل اسم منها؛ فتجده مفضي المعنى إلى معنى صاحبه ” وفي هذا القول إشارة إلى وجود الترادف في اللغة من وجهة نظره التي تبناها.

ب- تصاقب الألفاظ لتصاقب المعاني: وفي هذا الباب بين تقارب الدلالات لتقارب حروف الألفاظ من حيث المخارج، ومثاله شرحه للفظ “أزا” الوارد ذكره في قوله تعالى:﴿ألم تر أنا أرسلنا الشياطين على الكافرين تؤزهم أزا﴾ (مريم83) يقول أبو الفتح: “أي: تزعجهم وتقلقهم فهذا في معنى تهزهم هزا، والهمزة أخت الهاء، فتقارب اللفظان لتقارب المعنيين. وكأنهم خصوا هذا المعنى بالهمزة لأنها أقوى من الهاء، وهذا المعنى أعظم في النفوس من الهز؛ لأنك قد تهز ما لا بال له، كالجذع وساق الشجرة، ونحو ذلك.”[7]

وقد وضح ابن جني هذه الجوانب بكثير من الشواهد، وأظهر من خلالها القيمة التعبيرية لأصوات العربية وأبنيتها.

ج- باب إمساس الألفاظ أشباه المعاني: في هذا الباب أشار إلى العلاقة الطبيعية بين الأصوات ومدلولاتها، وكذا أبنية الكلمات وما تتحمله من دلالة طبيعية، يقول: “اعلم أن هذا موضع شريف لطيف، وقد نبه عليه الخليل وسيبويه وتلقته الجماعة بالقبول له والاعتراف بصحته. قال الخليل: كأنهم توهموا في صوت الجندب استطالة ومدا فقالوا: صر، وتوهموا في صوت البازي تقطيعا فقالوا: صرصر. وقال سيبويه في المصادر التي جاءت على الفعلان: إنها تأتي للاضطراب والحركة، نحو: النقزان والغلبان والغثيان، فقابلوا بتوالي حركات المثال توالي حركات الأفعال.[8]

– وقد قسم ابن جني أنواع الدلالة إلى ثلاثة أنواع، تحت ما سماه دلالة الفعل، الأول: الدلالة اللفظية: ويجمع هذا النوع بين ما يصطلح عليه في الدرس الدلالي الحديث بالدلالة الصوتية والدلالة المعجمية. الثاني: الدلالة الصناعية و يقصد به الدلالة الصرفية. أما النوع الثالث فهو الدلالة المعنوية ويقابلها حديثا الدلالة النحوية.

وقد تحدث ابن جني كذلك عن الحقيقة والمجاز، وفرق بين الحقيقة والمجاز في الباب الأول على أساس الوضع، وبين دواعي الانتقال من الحقيقة إلى المجاز، يقول:” الحقيقة: ما أقر في الاستعمال على أصل وضعه في اللغة والمجاز: ما كان بضد ذلك، وإنما يقع المجاز ويعدل إليه عن الحقيقة لمعان ثلاثة وهي: الاتساع والتوكيد والتشبيه، فإن عدم هذه الأوصاف كانت الحقيقة البتة.”

مما سبق يمكن القول إن مصنفات ابن جني كانت ثرية بالدرس الدلالي، فقد تقاطعت المسائل التي تناولها بمباحث علم الدلالة، لذلك يمكننا القول إن لنا في التراث العربي نظرية دلالية لا تحتاج سوى إلى إعادة ترتيب العناصر وتصنيفها في مجال محدد، ولعل ثراء مؤلفات ابن جني يعود إلى اعتماده على جهود سابقيه، وكأن ابن جني- إن صح التعبير- قام باستثمار كل ما ثبت عن هذه اللغة من خصائص، وجمعه وشرحه وفصله في كتابيه الخصائص، وسر صناعة الإعراب.[9]

2ــ1. تطبيقات الشريف الجرجاني(ت 816هـ): في كتاب التعريفات

يقول الجرجاني في كتاب التعريفات عند الحديث عن تعريف الدلالة من منطلق الثقافة الأصولية: هي كون الشيء بحاله يلزم من العلم به العلم بشيء آخر، والشيء الأول هو الدال والثاني هو المدلول، وكيفية دلالة اللفظ على المعنى باصطلاح علماء الأصول محصورة في عبارة النص وإشارة النص واقتضاء النص.”[10] وعلى هذا فهو يقسمها إلى قسمين: الدلالة اللفظية والدلالة غير اللفظية.[11]

وقد قام عدة باحثين في العصر الحديث بإجراء مقاربة علمية بين ما توصل إليه الجرجاني في تقسيماته للدلالة، وما توصل إليه علماء الدلالة في العصر الحديث، ومنهم العالم الأمريكي (بيرس).

من خلال طبيعة العلاقة بين الدال والمدلول، أحصى الجرجاني منها ثلاثة مستويات صورية تنتج عنها ثلاث دلالات:

1- دلالة العبارة 2ـــ دلالة الإشارة 3- دلالة الاقتضاء.

أما دلالة العبارة فالمقصود بها: “المعنى الذي يتبادر إلى الذهن من صيغة النص، وهو الذي قصده الشارع من وضع النص؛ لأن المشرع حين يضع النص يختار له من الألفاظ والعبارات ما يدل دلالة واضحة على غرضه، ثم يصوغه بعد ذلك، بحيث يتبادر المعنى المقصود من النص إلى ذهن المطلع بمجرد الاطلاع عليه” ومجمل القول: إن الدلالة في العصر الحديث تتضح عند الجرجاني بكونها العلاقة بين المحتوى الفكري واللفظ، ويكون الاعتماد على قرائن لغوية في تحديد الدلالة المقصودة.[12]

ويقول أيضا في سياق دلالة اللفظ على المعنى:

الحكم المستفاد من النظم إما أن يكون ثابتا بنفس النظم أو لا، والأول: إن كان النظم مسوقا له، فهو العبارة، وإلا فالإشارة، والثاني: إن كان الحكم مفهوما من اللفظ لغة فهو الدلالة، أو شرعا فهو الاقتضاءـ فدلالة النص عبارة عما ثبت بمعنى النص لغة لا اجتهادا، فقوله: لغة أي يعرفه كل من يعرف هذا اللسان بمجرد سماع اللفظ من غير تأمل؛ كالنهي عن التأفيف في قوله تعالى” فلا تقل لهما أف” (الإسراء:23) يوقف به على حرمة الضرب وغيره مما فيه نوع من الأذى بدون الاجتهاد.

والدلالة اللفظية الوضعية: هي كون اللفظ بحيث متى أطلق أو تخيل فهم منه معناه للعلم بوضعه، وهي المنقسمة إلى المطابقة والتضمن والالتزام، لأن اللفظ الدال بالوضع يدل على تمام ما وضع له بالمطابقة، وعلى جزئه بالتضمن، وعلى ما يلازمه في الذهن بالالتزام كالإنسان؛ فإنه يدل على تمام الحيوان الناطق بالمطابقة، وعلى جزئه بالتضمن، وعلى قابل العلم بالالتزام.[13]

3ــ1 . تطبيقات الشريف الرضي (ت 406 هـ) في المجازات النبوية

كتب الشريف الرضي كتابا كاملا في المجازات النبوية، تناول فيه الأحاديث الشريفة التي وردت فيها دلالات خرجت عن معناها الظاهر إلى معان مجازية، أو سياقية باعتبار البيئة الثقافية آنذاك، وقام بتأويلها وربط دلالة هذه الألفاظ بأصل وضعها في اللغة والعلاقة بين المعاني التطورية والمعاني الأصلية.

ومن ذلك قوله في حديث النبي صلى الله عليه وسلم للمغيرة بن شعبة وقد خطب امرأة ليتزوجها: ” لو نظرت إليها؛ فإنه أحرى أن يؤدم بينكما “وفي هذا اللفظ مجاز على التأويلين جميعا: فأحدهما أن يكون قوله صلى الله عليه وسلم “أحرى أن يؤدم بينكما”، مأخوذ من الطعام المأدوم، لأن طيبه وصلاحه إنما يكون بالإدام، كالزيت والإهالة، وما يكون في معناهما، فكأنه عليه الصلاة والسلام أراد أن ذلك أحرى أن يتوافقا، كما يوافق الطعام إدامه، أو كما يوافق الإدام خبزه.

قال الكسائي:” أدام الله بينهما: على مثال فعل، إذا ألقى بينهما المحبة والاتفاق”

وأقول: إن هذا يشبه دعاء الباني على أهله؛ وهو قوله: “بالرفاء والبنين” كأنه دعا بأن يلائم الله بينهما، كما يلائم الرافي بين شقق الثوب المرفوء.

وأما التأويل الآخر في أصل الخبر، فهو أن يكون بمعنى: ذلك أحرى أن يصلح الله بينكما، من قولهم “عنان مؤدم” إذا كان مصلحا محكما، قال الراجز:

في صلب من العنان المؤدم

ويقال أديم مؤدم، إذا ظهرت أدمته، وهو مأوى اللحم منه، وأديم مبشر، إذا ظهرت بشرته، وهو مأوى الشعر منه، ويقال: رجل مؤدم، إذا كان محبوبا، قال الراجز:

والبيض لا يؤدمن إلا مؤدما، أي لا يحببن إلا محبوبا

ويقول في موضع آخر: ” ومن ذلك قوله صلى الله عليه وسلم للضحاك بن يوسف الكلاب، وقد بعثه مصدقا: “خذ من حواشي أموالهم”.

وهذه استعارة على أصل وضعها في كلام العرب؛ لأنهم يسمون صغار الإبل حشوا أو حاشية، كأنهم يشبهونها بحشو الشيء الذي يتأتى ذلك فيه، كالمرفقة، والحشية، لأنها غير معتد بها، كما أن الحشو غير معتد بما هو في ضمنه، ومن هذا الموضع سمو الرذال والطغام من الناس حشوا”.

وقد يجوز أن يكون إنما سموها بذلك تشبيها بحشوة الإنسان التي هي حوايا جوفه، وأمعاء بطنه، يقولون: “طعنه فانتثرت حشوته” أو “ضربه فخرجت حشوته” وإنما قيل لها: “حشوة” حطا لها عن منزلة ما هو أعلى قدرا منها من كرائم أعضاء الإنسان التي يشتمل عليها جوفه، كالقلب، والنياط، والكبد، والفؤاد.

وقد يجوز أن يكون إنما سموها بذلك تشبيها لها بحواشي الثوب؛ فهي كالتبع له، وغير قائمة بذاتها دونه، وكذلك صغار الإبل، تابعة لكبارها، وغير قائمة بنفسها، وعلى مثل هذا المعنى تسميتهم رديء المال ورذاله من الإبل وما في معناهما” شوى” تشبيها لها بشوى الإنسان والفرس وغيره من الحيوان ذي الأربع؛ وهو الأطراف دون كرائم الأعضاء، وشرائف الأحناء، قال الشاعر:

أكلنا الشوى حتى إذا لم نجد شوى أشرنا إلى خيراتها بالأصابع

أي أكلنا رذال إبلنا، فلما أنفدناها عطفنا على خيارها، وأشرنا إلى خيارها.

فكأنه عليه الصلاة والسلام نهى أن يأخذ المصدق من كرائم الإبل وعقائلها، وأمره بالعدول إلى حشوها وأراذلها؛ رفقا بأصحابها، وحنوا على أربابها.[14]

  • 2. تطبيقات علم الدلالة عند الأدباء:

1ــ2 .تطبيقات علم الدلالة عند الجاحظ (160هـ-255هـ): في (البيان والتبيين، والحيوان)

نستطيع أن نقف على كثير من التطبيقات المتنوعة في قضايا علم الدلالة لدى الجاحظ ؛ فقد قسم العلامة إلى أصناف تقسيما دقيقا، في عرضه لأدوات البيان، قائلا:

اعلم- حفظك الله- أن حكم المعاني خلاف حكم الألفاظ، لأن المعاني مبسوطة إلى غير غاية، وممتدة إلى غير نهاية، وأسماء المعاني مقصورة معدودة، ومحصلة محدودة ـــ أدوات البيان الخمس ـــ وجميع أصناف الدلالات على المعاني من لفظ وغير لفظ، خمسة أشياء لا تنقص ولا تزيد: أولها اللفظ، ثم الإشارة، ثم العقد، ثم الخط، ثم الحال التي تسمى نصبة. والنصبة هي الحال الدالة، التي تقوم مقام تلك الأصناف، ولا تقصر عن تلك الدلالات، ولكل واحدة من هذه الخمسة صورة بائنة من صورة صاحبتها، وحلية مخالفة لحلية أختها، وهي التي تكشف لك عن أعيان المعاني في الجملة، ثم عن حقائقها في التفسير، وعن أجناسها وأقدارها، وعن خاصها وعامها، وعن طبقاتها في السار والضار، وعما يكون منها لغوا بهرجا، وساقطا مطرحا.

واللفظ هو اللفظ اللغوي، أما الخط فيقصد به الكتابة، وأما الإشارة فهي بالتعبير الحديث “العلامة غير اللغوية”؛ كلغة الجسد، يقول الجاحظ في شرحها:” فأما الإشارة فباليد، وبالرأس، وبالعين والحاجب والمنكب، إذا تباعد الشخصان، وبالثوب وبالسيف. وقد يتهدد رافع السيف والسوط، فيكون ذلك زاجرا، ومانعا رادعا، ويكون وعيدا وتحذيرا” .

أما الحال أو النصبة فيقصد بها العوالم المادية المحسوسة، يقول: النصبة فهي الحال الناطقة بغير اللفظ، والمشيرة بغير اليد. وذلك ظاهر في خلق السموات والأرض، وفي كل صامت وناطق، وجامد ونام، ومقيم وظاعن، وزائد وناقص. فالدلالة التي في الموات الجامد، كالدلالة التي في الحيوان الناطق. فالصامت ناطق من جهة الدلالة، والعجماء معربة من جهة البرهان. ولذلك قال الأول: «سل الأرض فقل: من شق أنهارك، وغرس أشجارك، وجنى ثمارك؟ فإن لم تجبك حوارا، أجابتك اعتبارا.»[15]

وقد تناول الجاحظ أيضا في البيان والحيوان قضايا ترتبط بعلم الدلالة منها: وظائف الكلام ، والدلالة السياقية.

يقول الجاحظ في حاجة الإنسان إلى البيان: لا يعرف الإنسان ضمير صاحبه، ولا حاجة أخيه وخليطه، ولا معنى شريكه والمعاون له على أموره، وعلى ما لا يبلغه من حاجات نفسه إلا بغيره.

من وظائف البيان التعبير عما في النفس، على اختلاف ما فيها أي معارف أو عواطف… “وهذا ما يكاد يعنيه(جاكبسون)، من الوظيفتين المرجعية (Referentielle) والوظيفة التعبيرية أو الانفعالية (Emotive) إذ الأولى تعني التخاطب بهدف الإشارة إلى محتوى معين نرغب في إيصاله إلى الآخرين، وتبادل الآراء معهم، أما الثانية فهي تتمحور حول إبراز موقف المتكلم-خاصة- من مختلف القضايا موضوع حديثه”.[16]

وحول الدلالة السياقية يقول الجاحظ كاشفا عن الدلالة المقامية: إنه ينبغي للمتكلم أن يعرف أقدار المعاني، و يوازن بينها وبين أقدار المستعمين وحالاتهم، فيجعل لكل طبقة منهم كلاما يخصهم به حتى يقسم بالتساوي أقدار الكلام على أقدار المعاني، ويقسم المعاني على أقدار المقامات التي هم عليها المستمعون وحالتهم” .

من خلال ما سبق يمكننا أن نقول: إن جل مباحث الدرس الدلالي الحديث ــــ علاقة اللفظ بالمعنى، أقسام العلامة، وظائف الكلام، الدلالة السياقية…إلخ ـــ تناولها الجاحظ في سياق تأسيسه لعلم البيان .

ونجد العلاقة التلازمية بين اللفظ والمعنى، ودورهما في تشكيل كل أنواع الخطاب التواصلية بما في ذلك النصوص الإبداعية، محور اهتمام البلاغيين والنقاد، خاصة فيما يتعلق بمسألة التفاضل بين اللفظ والمعنى، ولعل أشهر ما قيل في ذلك ما جاء عن الجاحظ: “والمعاني مطروحة في الطريق يعرفها العجمي والعربي والقروي والبدوي، وإنما الشأن في إقامة الوزن، وتخير اللفظ وسهولة المخرج، وصحة الطبع، وكثرة الماء، وجودة السبك، وإنما الشعر صياغة وضرب من التصوير.”[17]

2ــ2 .تطبيقات علم الدلالة عند عبد القاهر الجرجاني (ت 471 هـ) دلائل الإعجاز

يعد عبد القاهر شيخ البلاغيين؛ بما قام به من جهد كبير في تأصيل لعلم البلاغة في كتابيه دلائل الإعجاز وأسرار البلاغة، ومؤسس لنظرية النظم في كتابه العظيم دلائل الإعجاز، يقول مبينا أثر الدلالة النحوية وتأثيرها في المعنى طبقا لنظرية النظم: “و اعلم أنه إذا كان بينا في الشي‌ء أنه لا يحتمل إلا الوجه الذي هو عليه حتى لا يشكل، وحتى لا يحتاج في العلم بأن ذلك حقه وأنه الصواب، إلى فكر وروية فلا مزية، وإنما تكون المزية ويجب الفضل إذا احتمل في ظاهر الحال غير الوجه الذي جاء عليه وجها آخر، ثم رأيت النفس تنبو عن ذلك الوجه الآخر، ورأيت للذي جاء عليه حسنا و قبولا، تعدمهما إذا أنت تركته إلى الثاني.

ومثال ذلك قوله تعالى: “وجعلوا لله شركاء الجن‌” [الأنعام: 100]، ليس بخاف أن لتقديم «الشركاء» حسنا وروعة ومأخذا من القلوب، أنت لا تجد شيئا منه إن أنت أخرت فقلت: «وجعلوا الجن شركاء لله»، وأنك ترى حالك حال من نقل عن‌ الصورة المبهجة والمنظر الرائق والحسن الباهر، إلى الشي‌ء الغفل الذي لا تحلى منه بكثير طائل، و لا تصير النفس به إلى حاصل. والسبب في أن كان ذلك كذلك، هو أن للتقديم فائدة شريفة ومعنى جليلا لا سبيل إليه مع التأخير.

وبيانه: أنا وإن كنا نرى جملة المعنى ومحصوله أنهم جعلوا الجن شركاء وعبدوهم مع الله تعالى، وكان هذا المعنى يحصل مع التأخير حصوله مع التقديم، فإن تقديم «الشركاء» يفيد هذا المعنى ويفيد معه معنى آخر، وهو أنه ما كان ينبغي أن يكون لله شريك، لا من الجن ولا غير الجن.

و إذا أخر فقيل: «جعلوا الجن شركاء لله»، لم يفد ذلك، و لم يكن فيه شي‌ء أكثر من الإخبار عنهم بأنهم عبدوا الجن مع الله تعالى، فأما إنكار أن يعبد مع الله غيره، وأن يكون له شريك من الجن وغير الجن، فلا يكون في اللفظ مع تأخير «الشركاء» دليل عليه. وذلك أن التقدير يكون مع التقديم: أن «شركاء» مفعول أول لجعل، و«لله» في موضع المفعول الثاني، ويكون «الجن» على كلام ثان، وعلى تقدير أنه كأنه قيل: «فمن جعلوا شركاء لله تعالى؟»، فقيل: «الجن». وإذا كان التقدير في «شركاء» أنه مفعول أول، و«لله» في موضع المفعول الثاني، وقع الإنكار على كون شركاء لله تعالى على الإطلاق، من غير اختصاص شي‌ء دون شي‌ء. وحصل من ذلك أن اتخاذ الشريك من غير الجن قد دخل في الإنكار دخول اتخاذه من الجن، لأن الصفة إذا ذكرت مجردة غير مجراة على شي‌ء، كان الذي تعلق بها من النفي عاما في كل ما يجوز أن تكون له تلك الصفة.

فإذا قلت: «ما في الدار كريم»، كنت نفيت الكينونة في الدار عن كل من يكون الكرم صفة له. وحكم الإنكار أبدا حكم النفي. وإذا أخر فقيل: «وجعلوا الجن شركاء لله»، كان «الجن» مفعولا أول، و«الشركاء» مفعولا ثانيا. وإذا كان كذلك، كان «الشركاء» مخصوصا غير مطلق، من حيث كان محالا أن يجرى خبرا على الجن، ثم يكون عاما فيهم وفي غيرهم. وإذا كان كذلك، احتمل أن يكون القصد بالإنكار إلى «الجن» خصوصا، أن يكونوا «شركاء» دون غيرهم، جل الله تعالى عن أن يكون له شريك وشبيه بحال.

فانظر الآن إلى شرف ما حصل من المعنى بأن قدم «الشركاء»، واعتبره فإنه ينبهك لكثير من الأمور، ويدلك على عظم شأن «النظم»، وتعلم به كيف يكون الإيجاز به و ما صورته؟ و كيف يزاد في المعنى من غير أن يزاد في اللفظ، إذ قد ترى أن ليس إلا تقديم وتأخير، وأنه قد حصل لك بذلك من زيادة المعنى، ما إن حاولته مع تركه لم يحصل لك، واحتجت إلى أن تستأنف له كلاما، نحو أن تقول: «وجعلوا الجن شركاء لله، وما ينبغي أن يكون لله شريك لا من الجن ولا من غيرهم»، ثم لا يكون له إذا عقل من كلامين من الشرف و الفخامة، ومن كرم الموقع في النفس، ما تجده له الآن، وقد عقل من هذا الكلام الواحد.[18]

3ـــــ 2 .تطبيقات علم الدلالة عند الحسن بن بشر الآمدي (ت370 هـ): في الموازنة

تحت عنوان ( ما أخطأ فيه البحتري من المعاني) في كتابه الموازنة بين شعر أبي تمام والبحتري تحدث الآمدي عن تطبيقات عملية في علم الدلالة في تأثير اختيار اللفظ الصحيح المرتبط بالمعنى، وعرض في هذا الباب بعضا مما وقع فيه البحتري من أغلاط في المعاني، ومن ذلك:

ذنب كما سحب الرداء يذب عن *** عرف وعرف كالقناع المسبل

قال الآمدي: فهذا خطأ من الوصف؛ لأن ذنب الفرس ـ إذا مس الأرض ــ كان عيبا، فكيف إذا سحبه، وإنما الممدوح من الأذناب ما قرب من الأرض ولم يمسها كما قال امرؤ القيس:

بضاف فويق الأرض ليس بأغزل

ومن الأخطاء المعجمية المرتبطة بالمعاني ما أخذه على البحتري أيضا في قوله:

تشق عليه الريح كل عشية جيوب الغمام بين بكر وأيم

قال الآمدي وهذا أيضا غلط؛ لأنه ظن أن الأيم هي الثيب، وقد غلط في مثله أبو تمام أيضا، وظن البحتري أن الأيم هي الثيب فجعلها ضد البكر، والأيم هي التي لا زوج لها، بكرا كانت أو ثيبا، قال تعالى:” وانكحوا الأيامى منكم” ( النور32) أراد جل ثناؤه اللواتي لا أزواج لهن، والثيب والبكر جميعا داخلتان تحت الأيم فتكون بكرا وتكون ثيبا.[19]

ومن هذه الإشارات الضاربة بعمق في معاني الدلالة ما ذكره في شعر أبي تمام عند قوله:

دعا شوقه يا ناصر الشوق دعوة … فلباه طل الدمع يجري ووابله

بيوم تريك الموت في صورة النوى … أواخره من حسرة وأوائله

أراد أن الشوق دعا ناصرا ينصره فلباه الدمع، بمعنى أنه يخف لاعج الشوق، ويطفي حرارته، وهذا إنما هو نصرة للمشتاق على الشوق، والدمع إنما هو حرب للشوق؛ لأنه يثلمه ويتخونه، ويكسر حده، ولو كان ناصرا له كان يقويه، ويزيد فيه، ألا ترى أنك تقول: قد ذبحني الشوق إليك. فالشوق عدو المشتاق وحربه، والدمع سلمه؛ لتخفيفه عنه، وهو حرب للشوق، وليس بهذا الخطأ خفاء على أحد.[20]

ثم ذكر أيضا خطأ يرجع معناه إلى التوصيف الدلالي في سياقه الصحيح، فحكى أن أبا العباس أنكر على أبي تمام قوله:

رقيق حواشي الحلم لو أن حلمه **** بكفيك ما ماريت في أنه برد

قال أبو العباس: هذا الذي أضحك الناس منذ سمعوه إلى هذا الوقت، قال: والخطأ في هذا البيت ظاهر؛ لأني ما علمت أحدا من شعراء الجاهلية والإسلام وصف الحلم بالرقة، وإنما يوصف بالعظم والرجحان والثقل والرزانة ونحو ذلك.[21]

ونلحظ هنا ما فعله أبو العباس من الإنكار على أبي تمام من استخدام هذا اللفظ المخالف للسياق، لكنه لم يبين السبب في ضحك الناس وبينه الآمدي، وهذا شائع بكثرة لدى القدماء؛ إذ إنهم بسليقتهم العربية يدركون موضع الخطأ والزلل، ويشيرون له إشارة عابرة يحيلون بها على ذكاء المتلقي ومعرفته اللغوية، وهذا يجعلنا نعلم أن الدرس الدلالي لم ينفصل يوما عن الجانب اللغوي فهو مرآة عاكسة له استخداما واستعمالا.

4ـــ2 . تطبيقات علم الدلالة عند ابن الأثير (ت558هـ) المثل السائر في أدب الكاتب والشاعر:

كان لابن الأثير في كتابه الرائق المثل السائر في أدب الكاتب والشاعر حظا وافرا من التطرق لعلم الدلالة في أثناء نقده؛ لما يورده سياق حديثه عن الأدب والشعر، يقول في بيان أثر اللفظ على جودة السبك وصحة المعنى:

“اعلم أن العرب كما كانت تعتني بالألفاظ فتصلحها وتهذبها، فإن المعاني أقوى عندها وأكرم عليها وأشرف قدرا في نفوسها، فأول ذلك عنايتها بألفاظها؛ لأنها لما كانت عنوان معانيها وطريقها إلى إظهار أغراضها؛ أصلحوها وزينوها وبالغوا في تحسينها، ليكون ذلك أوقع لها في النفس وأذهب بها في الدلالة على القصد.

ألا ترى أن الكلام إذا كان مسجوعا لذ لسامعه فحفظه، وإذا لم يكن مسجوعا لم يأنس به أنسه في حالة السجع، فإذا رأيت العرب قد أصلحوا ألفاظهم وحسنوها، ورققوا حواشيها وصقلوا أطرافها؛ فلا تظن أن العناية إذ ذاك إنما هي بألفاظ فقط؛ بل هي خدمة منهم للمعاني. ونظير ذلك إبراز صورة الحسناء في الحلل الموشية والأثواب المحبرة، فإنا قد نجد من المعاني الفاخرة ما يشوه من حسنه بذاءة لفظه وسوء العبارة عنه.

فإن قيل: إنا نرى من ألفاظ العرب ما قد حسنوه وزخرفوه، ولسنا نرى تحته مع ذلك معنى شريفا، فمما جاء منه قول بعضهم:

ولما قضينا من منى كل حاجة *** ومسح بالأركان من هو ماسح

أخذنا بأطراف الأحاديث بيننا *** وسالت بأعناق المطي الأباطح

ألا ترى إلى حسن هذا اللفظ وصقالته وتدبيج أجزائه ومعناه؟ ومع ذلك ليس مدانيا له ولا مقاربا، فإنه إنما هو لما فرغنا من الحج ركبنا الطريق راجعين، وتحدثنا على ظهور الإبل… ولهذا نظائر شريفة الألفاظ خسيسة المعاني؟

فالجواب عن ذلك أنا نقول: هذا الموضع قد سبق إلى التشبث به من لم ينعم النظر فيه ولا رأى ما رآه القوم، وإنما ذلك لجفاء طبع الناظر وعدم معرفته، وهو أن في قول هذا الشاعر كل حاجة مما يستفيد منه أهل النسيب والرقة والأهواء والمقة، ما لا يستفيد غيرهم ولا يشاركهم فيه من ليس منهم، ألا ترى أن حوائج منى أشياء كثيرة، فمنها التلاقي ومنها التشاكي ومنها التخلي للاجتماع… إلى غير ذلك مما هو تال له ومعقود الكون به.

فكأن الشاعر صانع عن هذا الموضع الذي أومأ له، وعقد غرضه عليه بقوله في آخر البيت “ومسح بالأركان ما هو ماسح” أي إنما كانت حوائجنا التي قضيناها، وآرابنا التي بلغناها من هذا النحو الذي هو مسح الأركان، وما هو لاحق به وجار في القربة من الله مجراه، أي لم نتعد هذا القدر المذكور إلى ما يحتمله أول البيت من التعريض الجاري مجرى التصريح.

وأما البيت الثاني فإن فيه أخذنا بأطراف الأحاديث بيننا، وفي هذا ما نذكره لتعجب به وبمن عجب منه، ووضع من معناه، وذلك أنه لو قال: أخذنا في أحاديثنا أو نحو ذلك؛ لكان فيه ما يكبره أهل النسيب؛ فإنه قد شاع عنهم واتسع في محاوراتهم علو قدر الحديث بين الإلفين والجذل بجمع شمل المتواصلين.

فإذا كان قدر الحديث عندهم على ما ترى، فكيف به إذا قيده بقوله: “أخذنا بأطراف الأحاديث”؟! فإن في ذلك وحيا خفيا ورمزا حلوا.

ألا ترى أنه قد يريد بأطرافها ما يتعاطاه المحبون، ويتفاوضه ذوو الصبابة من التعريض والتلويح والإيماء دون التصريح، وذلك أحلى وأطيب وأغزل وأنسب من أن يكون كشفا ومصارحة وجهرا، وإن كان الأمر كذلك فمعنى هذين البيتين أعلى عندهم وأشد تقدما في نفوسهم من لفظهما، وإن عذب ولذ مستمعه. نعم، في قول الشاعر: “وسالت بأعناق المطي الأباطح” من لطافة المعنى وحسنه ما لا خفاء به، وسأنبه على ذلك، فأقول: إن هؤلاء القوم لما تحدثوا وهم سائرون على المطايا شغلتهم لذة الحديث عن إمساك الأزمة، فاسترخت عن أيديهم، وكذلك شأن من يشره وتغلبه الشهوة في أمر من الأمور، ولما كان الأمر كذلك وارتخت الأزمة عن الأيدي؛ أسرعت المطايا في المسير، فشبهت أعناقها بمرور السيل على وجه الأرض في سرعته، وهذا موضع كريم حسن لا مزيد على حسنه، والذي لا ينعم نظره فيه لا يعلم ما اشتمل عليه من المعنى، فالعرب إنما تحسن ألفاظها وتزخرفها عناية منها بالمعاني التي تحتها، فالألفاظ إذا خدم المعاني، والمخدوم لا شك أشرف من الخادم. فاعرف ذلك وقس عليه.”[22]

ونرى من البيان والتبيان لمعاني هذين البيتين وشرحهما ما لا مزيد عليه؛ توضيحا وحسن بيان، مما يدعو إلى التأمل في المعنى الضمني، وسبر غور الألفاظ مع سياق الحال، وربطه بالجانب النفسي، ودلالة الحال في ذلك الموقف.

  • 3.تطبيقات علم الدلالة عند الفقهاء والأصوليين:

1ــ3. الإمام الشافعي ( ت179هـ) الرسالة

يعد الشافعي مؤسس علم أصول الفقه، ويظهر التطبيق الدلالي فيما كتبه الإمام الشافعي في كتابه العظيم الرسالة، والذي برز فيه بوضوح تناول أبواب علم الدلالة وتطبيقاتها، من خلال محاولة لفهم القواعد الأصولية المفسرة لما ورد في القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة.

فقد أشار إلى ضرورة تسييق اللفظ؛ من أجل تحديد دلالته، وهذا ما نادت به النظرية السياقية؛ حيث استقر لدى أصحابها من علماء الدلالة أن ليس للفظ من دلالة إلا دلالته السياقية، يقول في إشارته لمعنى اللفظ السياقي عند العرب في كلامها: فإنما خاطب الله بكتابه العرب بلسانها ، على ما تعرف من معانيها ، وكان مما تعرف من معانيها اتساع لسانها، وأن فطرته أن يخاطب بالشيء منه عاما ظاهرا يراد به العام الظاهر، ويستغني بأول هذا منه عن آخره، وعاما ظاهرا يراد به العام ويدخله الخاص، فيستدل على هذا ببعض ما خوطب به فيه، وعاما ظاهرا يراد به الخاص، وظاهرا يعرف في سياقه أنه يراد به غير ظاهره، فكل هذا موجود علمه في أول الكلام أو وسطه أو آخره، وتبتدئ الشيء من كلامها يبين أول لفظها فيه عن آخره، وتبتدئ الشيء يبين آخر لفظها منه عن أوله، وتكلم بالشيء تعرفه بالمعنى دون الإيضاح باللفظ، كما تعرف الإشارة، ثم يكون هذا عندها من أعلى كلامها؛ لانفراد أهل علمها به دون أهل جهالتها، وتسمي الشيء الواحد بالأسماء الكثيرة، وتسمي بالاسم الواحد المعاني الكثيرة .[23]

وتأكيدا لذلك وضع الإمام الشافعي عنوانا لباب سماه: الصنف الذي يبين سياقه معناه.

ويمكن أن نلمس نظرية الشافعي المعرفية بعرض السبل التي يدرك بها الإنسان معنى السياق، وقد حصرها الإمام في النصوص الدينية، وفي اللغة العربية وسنن العرب في كلامها، فضلا عن الحس السليم في تمييز الخاص والعام، والظاهر الدلالة والخفي الدلالة.

كما تناول مسألة الترادف في اللغة، وقد أثبته في معرض بحثه عن دلالة لفظ “شطر” الوارد ذكره في قوله تعالى مخاطبا نبيه -عليه الصلاة والسلام-: “ومن حيث خرجت فول وجهك شطر المسجد الحرام” ( البقرة149) لقد أحصى الشافعي ألفاظا تناظر لفظ “شطر” في الدلالة منها: (وجهة ــــ قصد ــــ تلقاء) ثم قال: “وكلها بمعنى واحد وإن كانت بألفاظ مختلفة” وموضوع الترادف يعد من مباحث الدرس الدلالي الحديث.

وتناول مسألة المشترك اللفظي، أحد مباحث علم الدلالة؛ ففي تفسيره لقوله تعالى في حق نبيه الكريم: “وأزواجه أمهاتهم” ( الأحزاب 6) يقول: “مثل ما وصفت من اتساع لسان العرب وأن الكلمة الواحدة تجمع معان مختلفة.

وهو هنا يعتمد على تفسير المعاني من خلال ما فهمه من اللغة في سياق القرائن المرجحة للمعنى.[24]

ويعد الإمام الشافعي مؤسس علم أصول الفقه؛ الذي تبنى عليه الأحكام الفقهية من خلال كتابه الرسالة.

وقد نوه بهاء الدين السبكي للصلة الوثيقة بين علم المعاني وأصول الفقه قائلا: اعلمْ أن علميْ أصول الفقه والمعاني في غاية التداخُل؛ فإن الخبر والإنشاء اللذين يتكلم فيهما المعاني هما موضوع غالب الأصول، وإن كل ما يتكلم عليه الأصولي من كون الأمر للوجوب، والنهي للتحريم، ومسائل الإخبار، والعموم والخصوص، والإطلاق والتقييد، والإجمال والتفصيل، والترجيح، كلها ترجعُ إلى موضوع علم المعاني، وليس في أصول الفقه ما ينفردُ به كلام الشارع عن غيره إلا الحُكم الشرعي، والقياس، وأشياء يسيرة. [25]

2ـــ3. تطبيقات علم الدلالة عند الآمدي (ت631 هـ) في (الإحكام في أصول الأحكام)

الآمدي أحد علماء أصول الفقه الكبار وقد تناول مسائل كثيرة في كتابه الإحكام في أصول الأحكام، مما تندرج تحت علم الدلالة: يقول في بيان في أقسام اللفظ ودلالته:

وهو إما أن تكون دلالته لفظية أو غير لفظية، واللفظية إما أن تعتبر بالنسبة إلى كمال المعنى الموضوع له اللفظ، أو إلى بعضه، فالأول: دلالة المطابقة؛ كدلالة لفظ الإنسان على معناه.

والثاني: دلالة التضمن ؛كدلالة لفظ الإنسان على ما في معناه من الحيوان أو الناطق، والمطابقة أعم من التضمن، لجواز أن يكون المدلول بسيطا لا جزء له.

وأما غير اللفظية فهي دلالة الالتزام، وهي أن يكون اللفظ له معنى، وذلك المعنى له لازم من خارج، فعند فهم مدلول اللفظ من اللفظ؛ ينتقل الذهن من مدلول اللفظ إلى لازمه، ولو قدر عدم هذا الانتقال الذهني، لما كان ذلك اللازم مفهوما ودلالة الالتزام وإن شاركت دلالة التضمن في افتقارهما إلى نظر عقلي يعرف اللازم في الالتزام، والجزء في دلالة التضمن، غير أنه في التضمن لتعريف كون الجزء داخلا في مدلول اللفظ، وفي الالتزام لتعريف كونه خارجا عن مدلول اللفظ؛ فلذلك كانت دلالة التضمن لفظية بخلاف دلالة الالتزام، ودلالة الالتزام مساوية لدلالة المطابقة، ضرورة امتناع خلو مدلول اللفظ المطابق عن لازم وأعم من دلالة التضمن، لجواز أن يكون اللازم لما لا جزء له.[26]

وفي معرض حديثه عن المشترك اللفظي يقول مقررا إثباته:

اختلف الناس في اللفظ المشترك، هل له وجود في اللغة؟ فأثبته قوم، ونفاه آخرون، والمختار جوازه ووقوعه.

أما الجواز العقلي؛ فهو أنه لا يمتنع عقلا أن يضع واحد من أهل اللغة لفظا واحدا على معنيين مختلفين بالوضع الأول على طريق البدل، ويوافقه عليه الباقون أو أن يتفق وضع إحدى القبيلتين للاسم على معنى حقيقة، ووضع الأخرى له بمقابل معنى آخر، من غير شعور لكل واحدة بما وضعته الأخرى، ثم يشتهر الوضعان ويخفى سببه، وهو الأشبه، ولو قدر ذلك لما لزم من فرض وقوعه محال عقلا.

كيف وإن وضع اللفظ تابع لغرض الواضع، والواضع كما أنه قد يقصد تعريف الشيء لغيره مفصلا، فقد يقصد تعريفه مجملا غير مفصل؛ إما لأنه علمه كذلك ولم يعلمه مفصلا، أو لمحذور يتعلق بالتفصيل دون الإجمال، فلا يبعد لهذه الفائدة منهم وضع لفظ يدل عليه من غير تفصيل.

وأما بيان الوقوع فقد قال قوم إنه لو لم تكن الألفاظ المشتركة واقعة في اللغة مع أن المسميات غير متناهية والأسماء متناهية ضرورة تركبها من الحروف المتناهية؛ لخلت أكثر المسميات عن الألفاظ الدالة عليها مع الحاجة إليها، وهو ممتنع وغير سديد من حيث إن الأسماء وإن كانت مركبة من الحروف المتناهية؛ فلا يلزم أن تكون متناهية إلا أن يكون ما يحصل من تضاعيف التركيبات متناهية، وهو غير مسلم، وإن كانت الأسماء متناهية؛ فلا نسلم أن المسميات المتضادة والمختلفة وهي التي يكون اللفظ مشتركا بالنسبة إليها غير متناهية وإن كانت غير متناهية، غير أن وضع الأسماء على مسمياتها مشروط بكون كل واحد من المسميات مقصودا بالوضع وما لا نهاية له، مما يستحيل فيه ذلك، ولئن سلمنا أنه غير ممتنع، ولكن لا يلزم من ذلك الوضع، ولهذا فإن كثيرا من المعاني لم تضع العرب بمقابلها ألفاظا تدل عليها، لا بطريق الاشتراك، ولا التفصيل؛ كأنواع الروائح وكثير من الصفات، وقال أبو الحسين البصري: أطلق أهل اللغة اسم القرء على الطهر والحيض، وهما ضدان فدل على وقوع الاسم المشترك في اللغة.

ولقائل أن يقول: القول بكونه مشتركا غير منقول عن أهل الوضع، بل غاية المنقول اتحاد الاسم وتعدد المسمى، ولعله أطلق عليهما باعتبار معنى واحد مشترك بينهما، لا باعتبار اختلاف حقيقتهما، أو أنه حقيقة في أحدهما مجاز في الآخر، وإن خفي موضع الحقيقة والمجاز، وهذا هو الأولى.

أما بالنظر إلى الاحتمال الأول؛ فلما فيه من نفي التجوز والاشتراك، وأما بالنظر إلى الاحتمال الثاني فلأن التجوز أولى من الاشتراك.[27]

  • 4.تطبيقات علم الدلالة لدى الفلاسفة والمفكرين

1ــ4. تطبيقات علم الدلالة عند الفارابي (ت339هـ): في إحصاء العلوم.

كان الفارابي يرى ضرورة الأخذ بالعلوم العربية وقوانينها وسننها في التعبير والخطاب؛ لأن لها أهمية بالغة في البحث المنطقي والفلسفي، ويعدها من الأدوات الأساسية في البحث المنطقي والفلسفي، ومن أهم المسائل الدلالية التي بحثها في كتابه إحصاء العلوم:

أ- أقسام الألفاظ باعتبار دلالتها: حيث اهتم بالألفاظ وصنفها إلى تصنيفات عدة، ووضع لها علما خاصا سماه “علم الألفاظ”، وعده من علوم اللسان وقسمها إلى سبعة أقسام وهي: علم الألفاظ المفردة، وعلم الألفاظ المركبة، وعلم قوانين الألفاظ عندما تكون مفردة، وقوانين الألفاظ عندما تركب، وقوانين تصحيح الكتابة، وقوانين تصحيح القراءة، وقوانين الشعر.[28]

بما يقوم به مقام اللفظ المفرد من الأدوات الدالة: فالحروف ليست لها دلالة في ذاتها وإنما قيمتها الدلالية فيما تشير إليه، وقد شرح الفارابي هذه المسألة في كتابه “الحروف” قائلا: “تستعمل [ما] في السؤال عن شيء ما مفرد، وقد يقرن باللفظ المفرد للدلالة عليه أولا وهو الشيء الذي جعل ذلك اللفظ دالا عليه، فالحروف ليست لها دلالة في ذاتها، إنما قيمتها الدلالية فيما تشير إليه، واللفظ لا يدل على ذاته، إنما يدل على المحتوى الفكري الذي في الذهن، وفي هذا الإطار يشرح الفارابي استعمالات لفظ موجود فيقول: الموجود لفظ مشترك يقال على جميع المقولات، والأفضل أن يقال إنه اسم لجنس من الأجناس العالية على أنه ليست له دلالة في ذاته.

ومن هنا نجد أن تناول الفارابي للألفاظ لا يتم تصورها بمعزل عن علم الدلالة، فلا وجود لألفاظ فارغة في علمي المنطق والفلسفة، إنما الألفاظ ودلالتها وجهان لعملة واحدة، يدل أحدهما على الآخر.

ج ــ الدلالة محتواها في النفس: فالعلاقة التي تربط الدال بمدلوله في علم المنطق، لا يمكن أن تترك دون قواعد أو قوانين، لأن علم المنطق يهدف إلى عقلنة الأفكار بإخضاعها إلى قوانين تنتظم في فلكها؛ ولهذا يطلق الفارابي على المعاني والدلالات مصطلح منطقي وهو ” المعقولات” التي يكون محلها النفس التي يتم فيها تصحيح المفاهيم برؤية منطقية.

فالنظرية الدلالية عند الفارابي لا تخرج عن إطار علاقة الألفاظ بالمعاني ضمن القوانين المنطقية، ويمكن أن نجمل تعريف الفارابي لعلم الدلالة؛ أنه الدراسة التي تنتظم وتتناول الألفاظ ومدلولاتها، وتتبع سنن الخطاب والتعبير لتقنينه وتقعيده.[29]

2ــ4. تطبيقات علم الدلالة عند أبي حامد الغزالي المتوفى (505هـ) في كتاب المستصفى من علم الأصول

أورد أبو حامد الغزالي في كتابه” المستصفى من علم الأصول” كثيرا من المسائل المرتبطة ارتباطا وثيقا بعلم الدلالة، لكن ينبغي أن ينظر مفهوم الدلالة عند الغزالي من زاوية الثقافة الأصولية؛ ذلك أن الأحكام التي استنبطها من القرآن الكريم- خاصةــــ استند فيها على أسس نظرية، نجدها بشكل واضح في كتاب “المستصفى من علم الأصول”، وتعود هذه الأسس أصلا إلى فهم عميق للدلالة، وإن كانت وضعت لتطبق في فهم النصوص الشرعية، ولكنها تطبق أيضا في معاني أي نص غير شرعي ما دام مصوغا في لغة عربية.[30]

والتفسير الدلالي الذي توصل إليه الغزالي، يدل على أن هذا العالم الفيلسوف قد تجاوز البحث عن ماهية الدلالة إلى البحث عن جوهر الدلالة وفروعها، فبنظرة إلى كتاب المستصفى من علم الأصول، نجده يذكر أصنافا لمعان قد حددها علماء الدلالة المحدثون كالمعنى الإرشادي أو الإيمائي، والمعنى الاتساعي، والمعنى السياقي، لكن الغزالي يسميها بمصطلحات أصولية وهي على الترتيب دلالة الإشارة، ودلالة الاقتضاء، وفحوى الخطاب، وكل دلالة عند الغزالي قد تنقسم إلى دلالات فرعية يقول معرفا دلالة الاقتضاء، بأنها هي التي لا يدل عليها اللفظ ولا يكون منطوقا بها ولكن تكون من ضرورة اللفظ.

وكيف تكون دلالة الاقتضاء من ضرورة اللفظ يا ترى؟ يوضح ذلك الغزالي بقوله: أما من حيث لا يمكن كون المتكلم صادقا إلا به، أو من حيث يمتنع وجود الملفوظ شرعا إلا به أو من حيث يمتنع ثبوته عقلا إلا به.

إن إدراك دلالة الاقتضاء تتم إما باعتبار طبيعة حال المتكلم فهي بناء على ذلك طبيعية لا يكون المتكلم عندها إلا صادقا وإما باعتبار طريق العقل فالدلالة إذن عقلية منطقية.[31]

ويشير الغزالي أيضا إلى ما يمكن أن يصحب العملية التواصلية من حركة وإيماء وإشارة من قبل المتكلم فتنصرف الدلالة من المعنى الرئيسي، إلى المعنى الإيمائي أو ما يسمى في علم الدلالة الحديث “بالقيم الحافة” وهي تعني جملة القيم الثقافية والاجتماعية وغيرها التي تصحب عملية التواصل أو الإبلاغ فلكي نؤدي دلالة معينة، لا نعتمد فحسب على الألفاظ أو الرموز، إنما يقتضي ذلك تضافر عدة أنظمة إبلاغية “إذا كان النظام الكلامي أهمها فإن سائرها يواكبه مكملا إياه” ومن ذلك النظام الإشاري، والنظام النبري “فوق المقطعي”، والنظام الإيحائي، والنظام السياقي، ونظام المقام أو الحال.[32]

يقول الغزالي محددا بعض هذه الأنظمة الدلالية في سياق تعريفه لدلالة الإشارة: “وهي ــــ أي دلالة الإشارةـــ ما يؤخذ من إشارة اللفظ لا من اللفظ ونعني به ما يتبع اللفظ من غير تجريد قصد إليه، فكما أن المتكلم قد يفهم بإشارته وحركته في أثناء كلامه ما لا يدل عليه نفس اللفظ فيسمى إشارة، فكذلك قد يتبع اللفظ ما لم يقصد به، ويبنى عليه وهذا ما قد يسمى إيماء وإشارة.”

أما النظام السياقي الذي يشرف على تحميل الصيغة دلالات إضافية، عدها الدرس الدلالي الحديث دلالات أساسية، يقدمه الغزالي بقوله أنه فهم غير المنطوق به من المنطوق بدلالة سياق الكلام ومقصوده.[33]

كما قسم الغزالي الألفاظ باعتبار نسبتها إلى المعاني، إلى أربعة أنواع يقول:

“إن الألفاظ المتعددة بالإضافة إلى المسميات المتعددة على أربعة منازل ولنخترع لها أربعة ألفاظ وهي: المترادفة، والمتباينة، والمتواطئة، والمشتركة. أما المترادفة: فنعني بها الألفاظ المختلفة: والصيغ المتواردة على مسمى واحد، كالخمر، والعقار والليث والأسد، والسهم، والنشاب، وبالجملة: كل اسمين لمسمى واحد يتناوله أحدهما من حيث يتناوله الآخر، من غير فرق. وأما المتباينة: فنعني بها الأسامي المختلفة للمعاني المختلفة كالسواد والقدرة والأسد والمفتاح والسماء والأرض وسائر الأسامي، وهي الأكثر. وأما المتواطئة: فهي التي تطلق على أشياء متغايرة بالعدد، ولكنها متفقة بالمعنى الذي وضع الاسم عليها، كاسم الرجل، فإنه يطلق على زيد وعمرو وبكر وخالد، واسم الجسم يطلق على السماء والأرض والانسان، لاشتراك هذه الأعيان في معنى الجسمية التي وضع الاسم بإزائها، وكل اسم مطلق ليس بمعين، كما سبق، فإنه يطلق على آحاد مسمياته الكثيرة بطريق التواطؤ، كاسم اللون، للسواد والبياض والحمرة، فإنها متفقة في المعنى الذي به سمي اللون لونا، وليس بطريق الاشتراك البتة. وأما المشتركة فهي: الأسامي التي تطلق على مسميات مختلفة لا تشترك في الحد والحقيقة البتة، كاسم العين للعضو الباصر، وللميزان، وللموضع الذي يتفجر منه الماء، وهي العين الفوارة، وللذهب، وللشمس، وكاسم المشتري لقابل عقد البيع وللكوكب المعروف، ولقد ثار من ارتباك المشتركة بالمتواطئة غلط كثير في العقليات، حتى ظن من ضعفاء العقول أن السواد لا يشارك البياض في اللونية إلا من حيث الاسم، وإن ذلك كمشاركة الذهب للمحدقة الباصرة في اسم العين، وكمشاركة قابل عقد البيع للكوكب في المشتري، وبالجملة: الاهتمام بتمييز المشتركة عن المتواطئة مهم، فلنرد له شرحا فنقول: الاسم المشترك قد يدل على المختلفين كما ذكرناه، وقد يدل على المتضادين، كالجلل للحقير والخطير، والناهل للعطشان والريان، والجون للسواد والبياض، والقرء للطهر والحيض، واعلم أن المشترك قد يكون مشكلا قريب الشبه من المتواطئ ويعسر على الذهن، وإن كان في غاية الصفاء الفرق، ولنسم ذلك متشابها، وذلك مثل اسم النور الواقع على الضوء المبصر.[34]

فوضح الغزالي العلاقة بين الصور الذهنية للمدلولات المادية والمجردة، و ما يدل عليها من ألفاظ أو خطوط، فالكتابة والألفاظ عنده دال، والصور الذهنية والأمور الخارجية مدلول، كما بحث الغزالي قسم الألفاظ من حيث إفرادها وتركيبها وأحصى في ذلك ثلاثة أقسام: ألفاظ مفردة وألفاظ مركبة ناقصة، وألفاظ مركبة تامة، فاللفظ المفرد عند الغزالي، لا يخرج عن تصور من سبقه من العلماء، يقول الغزالي: “المفرد وهو الذي لا يراد بالجزء منه دلالة على شيء أصلا حين هو جزؤه كقولك عيسى وإنسان، فإن جزئي عيسى وهما “عي وسا” وجزئي إنسان وهما “إن وسان” ما يراد بشيء منهما الدلالة على شيء أصلا. أما المركب فهو الذي يدل كل جزء فيه على معنى، والمجموع يدل دلالة تامة بحيث يصح السكوت عليه من ذلك قولهم: زيد يمشي والناطق حيوان أما قولهم: في الدار أو الإنسان في، مركب ناقص لأنه مركب من اسم وأداة. وما يلاحظ في تقسيمات الفارابي وابن سينا والغزالي للألفاظ باعتبار الإفراد والتركيب، هو إسنادهم في ذلك كله على القصد والإرادة، فإن أريد بمركب اسمي أو فعلي دلالة مفردة، كانت تلك الدلالة، وإن أريد بهما غير تلك الدلالة لم تكن.[35].

إن تلك الإشارات العابرة، إلى ما قدمه الإمام الغزالي في مجال التأسيس النظري للدلالة، يبرز ما مدى ثراء تراثنا المعرفي الذي اتخذ من النص القرآني كمعطى مثالي من أجل وضع أسس لنظرية معرفية شاملة خاصة إذا علمنا أن العلماء القدامى قد امتلكوا الأدوات المختلفة اللغوية والمنطقية والفلسفية؛ من أجل إبراز كل الجوانب الهامة في النص المقدس، وإن الحيطة التي أخذوها في التعامل مع أحكام القرآن زادت من منطقية معارفهم وصدق مفاهيمهم، والغزالي يعد المازج الحقيقي للمنطق الأرسططاليسي بعلوم المسلمين، وظاهر ذلك من المقدمة المنطقية التي ذكرها في كتابه “المستصفى” وذكر فيها أن من لا يحيط بالمنطق ومعاني اللغة وأسرارها؛ لا ثقة بعلومه قطعا.[36]

3ــ4. تطبيقات علم الدلالة عند ابن خلدون: (ت808هـ) في المقدمة

باستقراء نصوص “مقدمة ابن خلدون” نجد دراسات في الدلالة قد تجاوزت- بلا شك- الماهية إلى البحث العميق عن جوهر الدلالة وطرق تأديتها، واضحة من غير لبس يقول موضحا ذلك وشارحا: “واعلم بأن الخط بيان عن القول والكلام، كما أن القول والكلام بيان عما في النفس والضمير من المعاني، فلا بد لكل منهما أن يكون واضح الدلالة. [37]

ويبين ابن خلدون العلاقة القائمة بين المعنى المحفوظ في النفس والكتابة والألفاظ، ويقسمها إلى ثلاثة أنواع:

أ- الكتابة الدالة على اللفظ.

ب- اللفظ الدال على المعاني التي في النفس والضمير ــ الصورة الذهنيةـــ وهذه المعاني إن لم تكن مجردة فإنها تدل على موجود في الأعيان.

ج- المعاني الدالة على الأمور الخارجية.

ويعطي ابن خلدون للخط والكتابة أبعادا مهمة في العملية التواصلية، باعتبارها أداتين مهمتين من أدوات التعليم والتعلم الشيء الذي كان يشغل فكر ابن خلدون كثيرا يقول معرفا “الخط” وأداءه للدلالة: الخط وهو رسوم وأشكال حرفية تدل على الكلمات المسموعة الدالة على ما في النفس، فهو ثاني رتبة عن الدلالة اللغوية.

فابن خلدون يصنف الخط في المرتبة الثانية، وذلك في تأديته للدلالة اللغوية بعد الألفاظ، فالخط دال على الألفاظ والألفاظ دالة على المعاني. ويوضح ابن خلدون هذه المسألة التي تخص أصناف الدوال فيقول: “إن في الكتابة انتقالا من صور الحروف الخطية إلى الكلمات اللفظية في الخيال، ومن الكلمات اللفظية في الخيال إلى المعاني التي في النفس فهو ينتقل أبدا من دليل إلى دليل ما دام ملتبسا بالكتابة، وتتعود النفس ذلك؛ فيحصل لها ملكة الانتقال من الأدلة إلى المدلولات.[38]

يقول المنقور: بهذا التعريف للدلالة اللفظية يكون ابن خلدون قد أشار إلى ما سماه “مارتيني” (double articulation) واشتهر ذلك المصطلح بالتلفظ المزدوج في الألسنية الحديثة. إن التلفظ الأول هو الطريقة التي تترتب فيها الخبرة اللغوية المشتركة بين جميع أعضاء بيئة معينة، وتقوم كل وحدة من وحدات التلفظ الأول على دلالة وعلى صورة صوتية ولا يمكن تحليلها إلى وحدات أصغر ذات معنى، أما التلفظ الثاني فهو إمكانية تحليل الصورة الصوتية إلى وحدات صوتية مميزة تحتوي هذه الوحدات على شكل صوتي ولا تحمل بذاتها أية دلالة.

إذا نجد أن صور الحروف الخطية- عند ابن خلدون- هي التي تمثل التلفظ الثاني وهو تقسيم الكلمة (المورفيم) إلى وحدات صوتية (فونيم) لا تحمل بذاتها أية دلالة، فضلا عن ذلك يرسم ابن خلدون العملية التواصلية أو الإبلاغية رسما بينا، فالخط يدل على الكلمات اللفظية التي في الخيال، والكلمات هذه تدل على المعاني التي في النفس، والكلمات اللفظية التي في الخيال هو اختصار للعلاقة القائمة بين اللفظ ومعناه، فابن خلدون ينظر إلى هذين الطرفين (اللفظ والمعنى ) باعتبارهما طرفا واحدا، ذلك أن اللفظ قد ارتبط بتصور في الخيال وإلى هذا أشار ابن سينا في تعريفه للدلالة بقوله: “معنى دلالة اللفظ أن يكون إذا ارتسم في الخيال مسموع، ارتسم في النفس معناه فتعرف النفس أن هذا المسموع لهذا المفهوم فكلما أورده الحس على النفس التفتت النفس إلى معناه، وهو معنى الدلالة[39].

ـــ الخاتمة

ـــ من خلال العرض السابق يتبين لنا تأصيلات علم الدلالة لدى علماء العرب، وتطبيقاتهم العملية؛ ذلك أن علم الدلالة هو علم المعنى، وقضية اللفظ والمعنى أخذت جانبا كبيرا لدى العلماء جميعا، وخاصة علماء الشريعة؛ لأنها تمثل لديهم تشريعات تبنى في ضوئها الأحكام الشريعة، فكان لابد لابد من النظر في وجوه اللفظ، وبيان ما يتحمله من معنى في ضوء السياق، ولذك نرى علوما نشأت من أجل ذلك؛ كأصول الفقه؛ للوصول إلى بيان الأحكام من أدلتها التفصيلية، وأسباب النزول للوقوف على ملابسات المعنى ومعرفة الخاص والعام.

ـــ علم الدلالة كبقية العلوم، لها تطبيقات ووجود سابق على التقعيد والوصول إلى مرحلة الاستقلال، فالتطور لأي علم ووصوله لمرحلة النضج والكمال يمر بدرجات متتابعة، لكن هذا لا يعني أنه لم يكن له جذور وأصول وتطبيقات لفنونه وأقسامه؛ فالتطببيق سابق للتنظير والتأطير.

ـــ نستطيع أن ندرك من خلال التطبيقات السابقة مدى الصلة في علم أصول الفقه بعلم الدلالة والاهتمام بالمعاني المعجمية والسياقية، وكذلك ارتباط النقد الأدبي بعلم الدلالة؛ حيق تفضيل معنى على آخر، وشاعر على غيره؛ راجع بالأساس للتذوق الأدبي للبيان وقوتها في الدلالة على المعنى المقصود.

قائمة المراجع:

  1. الآمدي، أبو القاسم الحسن بن بشر، الموازنة بين شعر أبي تمام والبحتري، دار المعارف، الطبعة الرابعة، 1992م.
  2. ابن الأثير، ضياء الدين، نصر الله بن محمد، المثل السائر في أدب الكاتب والشاعر، دار نهضة مصر.

ابن العماد، شهاب الدين، شذرات الذهب في أخبار من ذهب، دار ابن كثير، دمشق، الطبعة الأولى، 1986م

  1. ابن خلدون، عبر الرحمن بن محمد، المقدمة، دار يعرب الطبعة الأولى2004.
  2. الجاحظ عمر بن بحر، الحيوان، دار إحياء التراث العربي، بيروت، الطبعة الثالثة، 1969م، ج1.
  3. الجرجاني، عبد القاهر بن عبد الرحمن، دلائل الإعجاز، مكتبة الخانجي، الطبعة الأولى، 1984م.
  4. الجرجاني، علي بن محمد بن علي، معجم التعريفات، دار الكتب العلمية، لبنان، بيروت. الطبعة الأولى 1983م.

المسدي، عبد السلام، اللسانيات وأسسها المعرفية، الدار التونسية للنشر، الجزائر، الطبعة الأولى 1986م.

  1. الشافعي، محمد بن إدريس، الرسالة في أصول الفقه، دار الحلبي، القاهرة 1940م ج1 ص52
  2. الشريف الرضي، محمد بن حسين، المجازات النبوية، دار الحديث، الطبعة الأولى.
  3. العويد، عبد العزيز بن محمد، أصول الفقه عند الصحابة، الوعي الإسلامي، الكويت، 2011م.
  4. الغزالي، محمد بن محمد الطوسي، المستصفى من علم الأصول، المكتبة العصرية، القاهرة، الطبعة الأولى، 1993م.
  5. الفارابي، محمد بن طرخان، كتاب في المنطق العبارة، الهيئة المصرية العامة للكتاب، الطبعة الأولى 1976ام.
  6. النشار، محمود سامي ، منهج البحث عند مفكري الإسلام، دار الفكر العربية الطبعة الأولى، 1947م.
  7. النووي، أبو زكريا محي الدين، المنهاج في شرح صحيح مسلم بن الحجاج، دار إحياء التراث العربي، بيروت، الطبعة الثانية، 1971م
  8. بو غازي فاطمة، محاضرات في علم الدلالة، منشورات الشابكة
  9. عبد الجليل، منقور، علم الدلالة أصوله ومباحثه في التراث العربي، منشورات اتحاد الكتاب العرب، دمشق الطبعة الأولى. 2001م.

Margins:

  1. . بو غازي فاطمة محاضرات في مقياس علم الدلالة.
  2. . الداية، فايز، علم الدلالة العربي. دار الفكر العربي المعاصر، بيروت، 1996، الطبعة الثانية،ص5
  3. 3. المسدي عبد السلام، التفكير اللساني في الحضارة العربية، الدار العربية للكتاب، الطبعة الثانية، 1986،ص23
  4. 4. علم الدلالة تعريفه وتاريخه، شبكة الألوكة.
  5. .النووي، المنهاج في شرح صحيح مسلم بن الحجاج، (2/342).
  6. . العويد، عبد العزيز بن محمد، أصول الفقه عند الصحابة، الوعي الإسلامي، الكويت، 2011 ص126
  7. . ابن جني ، أبو الفتح عثمان، الخصائص، دار الكتب العلمية، بيروت ص148
  8. . الخصائص ص149
  9. . بو غازي، فاطمة، محاضرات في مقياس علم الدلالة، منشورات الشابكة
  10. . الجرجاني، علي بن محمد، معجم التعريفات، دار الفضيلة، 2004، الطبعة الأولى، ص91
  11. . عبد الجليل، منقور، علم الدلالة أصوله ومباحثه في التراث العربي، منشورات اتحاد الكتاب العرب، دمشق ص39
  12. بو غازي، فاطمة، محاضرات في مقياس علم الدلالة، منشورات الشابكة..
  13. . الجرجاني، علي بن محمد، معجم التعريفات، دار الفضيلة، 2004 الطبعة الأولى، ص92
  14. . الشريف الرضي، محمد بن حسين، المجازات النبوية، دار الحديث، الطبعة الأولى، ص120
  15. الجاحظ عمر بن بحر، الحيوان، دار إحياء التراث العربي، بيروت، الطبعة الثالثة، 1969م، ج1 ص 82
  16. . بو غازي، فاطمة، محاضرات في علم الدلالة، منشورات الشابكة
  17. . الجاحظ عمر بن بحر، الحيوان، دار إحياء التراث العربي، بيروت، الطبعة الثالثة، 1969م، ج3 ص132
  18. . الجرجاني، عبد القاهر بن عبد الرحمن، دلائل الإعجاز، مكتبة الخانجي، الطبعة الأولى، 1984م، ص288
  19. . الآمدي، أبو القاسم الحسن بن بشر، الموازنة بين شعر أبي تمام والبحتري، دار المعارف، الطبعة الرابعة ص 376
  20. . الآمدي ج2 ص23
  21. .السابق
  22. . ابن الأثير، ضياء الدين، نصر الله بن محمد، المثل السائر في أدب الكاتب والشاعر، دار نهضة مصر ج1، ص 340
  23. . الشافعي، محمد بن إدريس، الرسالة في أصول الفقه، دار الحلبي، القاهرة 1940م ج1 ص52
  24. بو غازي فاطمة، محاضرات في علم الدلالة، منشور على الشابكة
  25. شذرات الذهب في أخبار من ذهب، ابن العماد، شهاب الدين، دار ابن كثير، دمشق، الطبعة الأولى 1986م
  26. . الآمدي، علي بن محمد، الإحكام في أصول الأحكام، دار الصميعي، 2003 ج1 ص32
  27. . السابق ص37
  28. . الفارابي، محمد بن طرخان، إحصاء العلوم، دار الفكر العربي، ص159
  29. . عبد الجليل، منقور، علم الدلالة أصوله ومباحثه في التراث العربي، منشورات اتحاد الكتاب العرب، دمشق 2001م ص30
  30. . عودة، عبد القادر، التشريع الجنائي الإسلامي، ج1، ص156 نقلا عن عبد الجليل منقور
  31. . الغزالي، محمد بن محمد الطوسي، المستصفى من علم الأصول المكتبة العصرية ص187
  32. . المسدي، عبد السلام، اللسانيات وأسسها المعرفية، الدار التنوسية للنشر، الجزائر، الطبعة الأولى 1986 ج1
  33. . عبد الجليل، منقور، علم الدلالة أصوله ومباحثه في التراث العربي، منشورات اتحاد الكتاب العرب، دمشق 2001م ص32
  34. . الغزالي، محمد بن محمد الطوسي، المستصفى من علم الأصول، المكتبة العصرية، ص26
  35. . الغزالي، محمد بن محمد الطوسي، معيار العلم في المنطق، دار الكتب العلمية 1990م، ص42
  36. . النشار، محمود سامي ، منهج البحث عند مفكري الإسلام، دار الفكر العربية الطبعة الأولى 1947م، ص90
  37. . ابن خلدون، عبر الرحمن بن محمد، المقدمة، دار يعرب الطبعة الأولى2004 ج2 ص209 نقلا عن علم الدلالة أصوله ومباحثه.
  38. . السابق ص518
  39. . عبد الجليل، منقور، علم الدلالة أصوله ومباحثه في التراث العربي. منشورات اتحاد الكتاب العرب. دمشق الطبعة الأولى ص37