دور الأخصائي الاجتماعي في الحد من ظاهرة التسرب المدرسي

محمد سعيد محمد الخاطري1

1 طالب دكتوراه، قسم علم الاجتماع، كلية العلوم الإنسانية والاجتماعية، جامعة ابن طفيل، المملكة المغربية.

بريد الكتروني: m7alkhatri@gmail.com

HNSJ, 2022, 3(3); https://doi.org/10.53796/hnsj3317

Download

تاريخ النشر: 01/03/2022م تاريخ القبول: 19/02/2022م

المستخلص

لكل مجتمع تنظيماته الخاصة التي من خلالها ينقل معارفه وعلومه ومهارته والكل الثقافي للأبناء أو بعبارة أخرى لنصفه في المستقبل ضمن ما يطلق عليها بالعملية التربوية والتعليمة أو بشكل أوسع بالتنشئة الاجتماعية ويهدف من خلالها المجتمع والدولة الأمة في إيجاد جيل متصالح مع نفسه أولاً وصالح مع الآخر ثانياً، ويحقق التنمية الشاملة واستقرار المجتمع. وتحتل المدرسة رأس الهرم في تلك البنيات والتنظيمات المسؤولة عن التعليم فاهتمت بها الدول والمجتمعات بكل مشاربها ورصدت لها الإمكانيات اللازمة من بنيات تحتية وأطر مؤهلة ومتخصصة بهدف تحصين الطالب بالعلم والمعرفة. إلا أن هناك العديد من التحديات المتداخلة والمتشابكة منها ما تعود للمدرسة كتنظيم ومنها ما يعود للطالب وكل ما يحيط به في حياته في المجالين العام والخاص فتكون النتيجة قصور وظيفي في دور تلك البنية الاجتماعية في نقل الطالب إلى مرحلة التمكين والتدريب ويبرز لنا ذلك القصور في العديد من الظواهر منها التسرب أو الانقطاع المدرسي أو ما يطلق عليه في بعض البلدان العربية بالهدر المدرسي في سن مبكرة. وهنا يأتي دور الأخصائي الاجتماعي في الحد من تلك المتغيرات التي قد يتمخض عنها تلك المعضلة باعتبارها ظاهرة أو مشكلة أسرية واجتماعية معا.

الكلمات المفتاحية: التسرب المدرسي، الأخصائي الاجتماعي.

Research title

The role of the social worker in reducing the phenomenon of school dropout

Mohammed Said Mohammed Alkhatri1

1 PhD student, Department of Sociology, Faculty of Sciences Humanities and Social, Ibn Tufail University, Kingdom of Morocco.

Email: m7alkhatri@gmail.com

HNSJ, 2022, 3(3); https://doi.org/10.53796/hnsj3317

Published at 01/03/2022 Accepted at 19/02/2021

Abstract

Every society has its organizations through which it transfers its knowledge, sciences, skills, and the cultural whole to its children, or in other words to describe it in the future within what is called the educational process and education or, more broadly, socialization, through which society and the nation-state aim at creating a generation that is reconciled with itself first and righteous with the other second. It achieves comprehensive development and community stability. The school occupies the top of the pyramid in those structures and organizations responsible for education, so countries and societies have taken care of it with all its affiliations, and the necessary capabilities of infrastructure and qualified and specialized frameworks have been allocated to them to immunize the student with science and knowledge. However, there are many overlapping and intertwined challenges, some of which belong to the school as an organization, and some belong to the student and everything that surrounds him in his life in the public and private spheres. The result is a functional deficiency in the role of this social structure in transferring the student to the stage of empowerment and training. This shortcoming highlights us in many Phenomena, including dropping out or dropping out of school, or what is called in some Arab countries school wasting at an early age. Here comes the role of the social worker in limiting those variables that may result in this dilemma as a phenomenon or a family and social problem together.

Key Words: school dropout, social worker

مقدمة

على اعتبار إن الشباب نصف الحاضر وكل المستقبل، أخذت الدول على عاتقها اعداد هذه الفئة الاجتماعية إعداداً سليماً لأهميتها في الحفاظ على استقرار المجتمع من جهة، باعتبارها الفئة الطموحة لتحقيق التنمية الشاملة واحد موارد التنمية أو كما يطلق عليها بالموارد البشرية للتنمية ومن جهة أخري، هذه الأخيرة لا يمكن أن تتحقق مالم يكون هناك تكوين للنشء والوصول به لمرحلة يكون أحد الرساميل الاجتماعية القادرة على تحقيق الرساميل الأخرى على رأسها الرأسمال الاقتصادي. ” حيث يعرف تقرير التنمية الإنسانية 2003م مجتمع المعرفة بأنه ذلك المجتمع الذي يقوم أساساً على نشر المعرفة وإنتاجها وتوظيفها بكفاءة في جميع مجالات النشاط المجتمعي وصولاً إلى الارتقاء بالحالة الإنسانية باضطراد، أي إقامة التنمية الإنسانية ” (حجازي، 2005، صفحة 180). وبالتالي حظيت هذه الفئة العمرية باهتمام متزايد من قبل الدول عبر تبني استراتيجيات وخطط تبدأ من الاسرة وتنتهي بالأوراش وتنظيمات كبرى من قبيل التعليم للجميع والزامية التعليم الأساسي والتي تهدف من خلاله الدولة الوصول لجيل متصالح مع نفسه أولاً ومع المجتمع ثانياً. لكل ذلك رصدت الدول ضمن أجهزتها الإدارية والتنفيذية على رأسها وزارة التربية الوطنية والبحث العلمي بالتزامن مع رصد ميزانيات واستراتيجيات وطنية كبرى من شأنها الوصول إلى نشئ سليم. خاصة أن هذه الفئة العمرية فئة حرجة في تكوين الفرد المستقبلي تعتريها الكثير من المشاكل السيكوسوسيولوجية، ومن تلك المشاكل ما أطلق عليه بظاهرة التسرب أو الهدر المدرسي التي أصبحت في الآونة الأخيرة تضغط على النظام التربوي وبشدة وتشكل ظاهرة ونوع من الانيميا بحسب دوركايم تهدد المجتمع وتطوره لما تحمله من مقومات الفشل سواء على المستوى الفردي أو على مستوى المجتمع فتشل حركة المجتمع الطبيعية عائدةً به إلى عتمة الجهل والتخلف والانعزالية بعيدا عن دور التطور و مواكبة لغة العصر في التقدم و الانفتاح، هذه الظاهرة بدأت تطرح نفسها وبقوة على الساحة بفعل العديد من المتغيرات والعوامل متداخله ومركبة في الوقت نفسة منها ما هو ذاتي نفسي ومنها ما هو اجتماعي خارجي، بل وهناك عوامل تنظيمية داخلية تعود للبنية المدرسية بكل مكوناتها البنائية والوظيفية. وعلية يمكننا القول إن تهرب الطالب من الحقل التعليمي والتربوي نفقد معه إنسان متصالح مع نفسه ومع المجتمع أولاً ونفقد رقم تنموي ثانياُ. لذلك تكتسب دراستنا هذه أهميتها في كوننا سننقف بالتحليل لظاهرة التسرب أو الهدر المدرسي، مع الآخذ بدور الاخصائي الاجتماعي في الحد منها باعتباره إحدى الآليات والاستراتيجيات للتخلص أو على الأقل التخفيف منها، وذلك من خلال الإجابة على أشكال مركزي على النحو التالي: ما هي عوامل التسرب المدرسي، وما هو دور واستراتيجيات الاخصائي الاجتماعي للحد من ظاهرة الهدر المدرسي؟

مقاربة مفاهيمية للهدر المدرسي

  1. تعريف التسرب في اللغة: أن كلمة التسرب كلمة تدل على عملية الفعل مثل كلمة التعلم ومصدرها هو الفعل الثلاثي سرب على وزن فعّلَ ومنها سرّبَ، تسّربَ سرّباً. وفي قوله تعالي ” فَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ سَرَبًا “(القرآن الكريم سورة الكف، الآية 61)، أخذت معنى الهروب أو الفقدان ويقصد بالتسرب الدراسي هو خروج الطالب عن سرب أقرانه في التحصيل العلمي والمعرفي فيقال: ” سرب يسربُ سرباً، وسَربْ شيئاً بمعنى أرسلة واحداً وواحداً ” (منظور، 1984، صفحة 1982). وتجد الإشارة بوجود أكثر من كلمة تأخذ نفس المعنى لغويا منها الانقطاع أو الهدر المدرسي هذه الأخيرة مأخوذة من الفعل الثلاث هدر، يهدر، هدراً، واسم الفاعل هادرـ، ومفعولها مهدور، وتأخذ معنى الفقدان والاتلاف للشيء أو أحل مالم يكن كائن. وبهذا المعنى تأخذ كلمة التسرب أو الهدر معنى الترك أو الهروب إلا أن التسرب قد يكون عفوي وغير مقصود بينما الهروب كلمة تدل على قصد الفعل. وبالتالي فكلا من التسرب والهدر المدرسي لهما نفس المعني أو متقاربان لغويا بحسب توجه مقالتنا هذه، يقصد بكليهما ترك الطالب للدراسة تحت أي ظرف والانقطاع عنها بصورة كلية، وبالعادة يكون هذا الترك كرها وليس طواعية، فالطواعية تحمل الانقطاع عن الدراسة بقصد.
  2. التسرب المدرسي اصلاحاً: مهما تعددت الأسماء واختلفت المفاهيم والمصطلحات حول الهدر المدرسي، فإن هذه الظاهرة تحمل مدلولات ومسميات أخرى من عدم التكيف الدراسي، والانقطاع المدرسي، والفشل المدرسي، والتسرب، والتخلف الدراسي…، إلا أن النتيجة والمحصلة النهائية واحدة لشيء واحد، هو ترك أو فقدان الطالب الانخراط في التنظيمات التربوية التعليمية الرسمية والخاصة قبل إنهاء مرحلة معينة لعوامل وأسباب تختلف من مجتمع إلى آخر ومن فرد لأخر ايضاً. وعليه ” فالتسرب المدرسي من المصطلحات الفضفاضة التي يصعب تحديدها لاعتبارات عدة. أولاها تعدد المسميات لنفس المفهوم لاختلاف الكتابات التربوية في المنطلقات الذي يوصل إلى الاختلاف في فهم الظواهر، وبالتالي الاختلاف في توظيف المصطلح وأحيانا نتحدث عن الهدر المدرسي ونعني به التسرب الذي يحصل في مسيرة الطفل الدراسية التي تتوقف في مرحلة معينة دون أن يستكمل دراسته. لكن نفس الظاهرة يرد الحديث عنها في كتابات بعض التربويين بالفشل الدراسي الذي يرتبط لدى أغلبهم بالتعثر الدراسي الموازي إجرائيا للتأخر. كما تتحدث مصادر أخرى عن التخلف واللا تكيف الدراسي وكثير من المفاهيم التي تعمل في سبيل جعل سوسيولوجيا التربية أداة لوضع الملمس على الأسباب الداخلية للمؤسسة التربوية من خلال إنتاجها اللامساواة ” (رشدي، 2015). وفي نفس المجال عرفت اليونسكو التسرب المدرسي اصطلاحاً بعاملين ” فالتسرب المدرسي هو حصيلة عاملين أولهما الانقطاع أو التسرب المبكر الذي يتوقف فيه التلميذ عن الدراسة قبل استكمال التعليم، وثانيهما التكرار حيث يمكث التلميذ في نفس المستوى الدراسي سنتين أو أكثر لأنه لم يتمكن من الحصول على الحد الأدنى من المكتسبات التي تمكنه من اجتياز الاختبار والانتقال إلى المرحلة الموالية ” (بنرحو، 2016، صفحة 162). في حين يمكن الحصول على تعريف اجرائي بحسب ” تعريف لو جندر le Gender للهدر المدرسي بأنه الضياع المادي والزمن الذي يلحق بأنظمة التربية والتكوين خاصة والمجتمع عامة، ويحدث نتيجة مشاكل التكرار أو الانقطاع أثناء الدراسة ” (بنرحو، 2016، صفحة 162).
  3. التسرب المدرسي من منظور سيكوسوسيولوجي: شكلت العملية التربوية أرضية خصبة للدراسين السيكولوجيين والاجتماعية في جميع الاتجاهات والتيارات ومن أهم التيارات السوسيولوجية هو التيار البنائي الوظيفي الذي يعد دوركايم من أهم رواد هذا الاتجاه، ” تنظر الوظيفية إلى المجتمع ومؤسساته ووسائطه المتعددة باعتباره نسقاً اجتماعياً واحداً، كل عنصر فيه يؤدي وظيفة محددة، وتؤكد كذلك على تكامل الأجزاء في إطار الكل، وعليه ترى الوظيفية المجتمع باعتباره نسقاً اجتماعياً متكاملاً يقوم كل عنصر من عناصره بوظيفة معينة للحفاظ على توازن النسق واستقراره، ومن ثم توازن المجتمع واستمراره، ومعالجة الخلل دون المساس بالنظام الاجتماعي القائم، من خلال الاتفاق القائم والتعاقد الاجتماعي والاتفاق على معايير التنظيم الاجتماعي التي يجب الخضوع لها من جميع افراد المجتمع، والالتزام بالقيم الاجتماعية من أجل صيانة المجتمع وترسيخ استقراره واستمراره، لذلك هناك من صنف المدرسة الوظيفية ضمن الاتجاهات الايدلوجية المحافظة ” (محمد، 2018، صفحة 94).وبحسب دراستنا هذه فإن دوركايم لم يهتم بالفرد الفاعل بقدر اهتمامه بالبنيات الكلية من الأسرة والمدرسة ودور العبادة وغيرها معتبراً أي خلل وظيفي في تلك البنيات يؤدي في نهاية المطاف إلى الظواهر الاجتماعي وبالتالي وبحسب البنائية الوظيفية فإن التسرب أو الهدر المدرسي كظاهرة ترجع اسبابها لأنيميا في بنية المدرسة والبنيات المشتركة معها في تلك العملية التربوية ” يمكن القول إن دوركايم- أول عالم اجتماعي فرنسي – تنبه بحس سوسيولوجي نقدي كبير، إلى طبيعة تلك العلاقة النوعية الرابطة بين التربية والنظام الاجتماعي، ومن تم وسم الظاهرة التربوية بمثل ما وصف به الظاهرة السوسيولوجية عموما، واعتبرها واقعة اجتماعية مستقلة عن وعي الأفراد، وبالتالي قابلة للدراسة العلمية الموضوعية، بل يمكن القول إن المشروع السوسيولوجي الدوركايمي في عمقه مشروع تربوي” (محسن، 1984، صفحة 47). وفي هذا الصدد يؤكد دوركايم التربية في كتابه التربية والمجتمع sociologie et Education “على الهوية الاجتماعية للمؤسسات التربوية بقوله في معرض ذلك إن ” الأنظمة التربوية ترتبط ارتباطا عميقاً بالأنظمة الاجتماعية ” (على أسعد وطفه، على جاسم الشهاب، 2003، صفحة 192). بمعني أن التربية وفقاً لهذا المنظور هي عباره عن ظاهرة اجتماعية كلية في بنياتها ووظيفتها وبأنها عبارة عن وظيفة اجتماعية بالذات وأنها الفعل الذي يمارسه جيل الراشدين على جيل أولئك الذين لم ينضجوا بعد للحياة الاجتماعية، والغرض منها أن تثير وتنمي لدى الطفل عددا معينا من الحالات الجسدية والعقلية والأخلاقية يتطلبها منه المجتمع السياسي بمجموعه، والبيئة الخاصة التي أعد لها خصيصا. ويتابع قوله ينتج من التعريف السابق أن التربية عبارة عن تأهيل أو تنشئة اجتماعية منهجية للجيل الفتي. هذه التنشئة وفق المنهج الدوركايمي هي بالأساس عملية تتبع الظواهر التي تعتريها كأشياء والوقوف حول متغيراتها ومسبباتها، وبالعودة لموضوع دراستنا فإن التسرب المدرسي بحسب دوركايم هو ظاهرة كلية لا تقتصر على مجتمع بعين بل هي ظاهرة كلية تقف خلفها معيقات بنائية ووظيفية للبنيات الاجتماعية الكلية، وللتخلص منها علينا الرجوع لأسبابها ومن ثم يمكننا تفسيرها وتحليلها بغية الحد منها أو ابقائها دون في حالة الانيميا وذلك بالحفظ على البنيات من التفكك بحسب الفكر الدوركايمي المحافظ. بالمقابل فالاتجاهات السيكولوجية تناولت التعليم والتعلم من طرق مختلفة فنجد في هذا الصدد المدرسة السلوكية مع بافلوف وواطسون أخدت من في قياس التعليم من المنظور المحسوس، بعبارة أخرى اقتصرت في درستها للسلوك والتعلم من ثلاثة شروط وهما المثير والاستجابة والمعز. وبالتالي فالتسرب المدرسي وفق هذا الاتجاه هو سلوك يوجهه ويثيره المتغيرات الاجتماعية المحيطة ويعززه الإهمال وعدم المتابعة للطالب وعلى الاخصائي الاجتماعي معالجة المثير أولاً مع إيقاف المعززات. وما ينتقد على السلوكية أنها درست السلوك من منظور ظاهري احادي معتبرة أن التغير في السلوك يحركه مثير واحد بمعنى ان التسرب المدرسي يرتبط بمتغير واحد فقط مع إهمال باقي المتغيرات. لهذا ظهرت المدرسة الجشطالتية التي نادت بأنه لا يمكن فهم السلوك ومنطق انبثاقه الا عند الإحاطة بكل ما يرتبط به من متغيرات، ولا يمكن فهم الجزء خارج الكل.
  4. الاخصائي الاجتماعي: يمكن تعريف الأخصائي بشكل عام بأنه الخبير في مجال عمله أو الفرد الذي يمتلك من الرساميل المختلفة ما يمكنه من القيام بدوره بكفاءة ومهنية عالية. فيما يمكن تعريف الأخصائي الاجتماعي في ماهيته على أنه ذلك الدور والمهمة، وتلك الحرفة التي تستلزم امتلاك مجموعة من الآليات والتقنيات والأطر المرجعية في القضايا البحثية المتخصصة والمتعمقة لفهم وتفسير الواقع الاجتماعي. وفي نفس الصدد يعرف الاخصائي الاجتماعي اصطلاحياً بأنه ” ذلك الشخص الذي يسعى عبر مجموعة من البرامج والأنشطة الموجهة لفئة معينة من فئات المجتمع إلى مساعدتهم للتكيف من جديد مع البيئة الخارجية الطبيعية والعمل على توافقهم الاجتماعي مع النظم الاجتماعية السائدة بشكل يمكنهم من المساهمة من جديد في كل ما يتعلق بجوانب الحياة المختلفة في المجتمع ” (القحطاني، 2005، صفحة 8)، ويعرف الأخصائي الاجتماعي ” بأنه فرد في فريق عمل سواء بعمل على مستوى مواجهة المشكلة وقائيا أو علاجيا وهذا الدور مرهون في نجاحه بعملية التنسيق والتكامل لأن المشكلة مرتبطة باختلال الأدوار ارتباطا شديد الوثوق والتداخل ” (السيد، 2000، صفحة 14)، كما يعرف ” بأنه فرد مؤهل مهنيا وأكاديميا بالتعامل مع المشكلات الاجتماعية والقيام بالأدوار المختلفة لحل المشكلات ” (العنزي، 2005، صفحة 27)، وعلى ضوء ما سبق من التعريفات يمكن التوصل لتعريف الأخصائي الاجتماعي إجرائياً بحسب دراستنا هذه بأنه \لك الخبير في مجال التربية والتعليم بشكل عام وتحصيل علمي في مجال علم النفس الاجتماعي على وجه الخصوص، ولدية تدريب وكفاءة على حل مشكلات الطالب اعتماداً على أسس علمية ووفق صلاحيات من التنظيم الرسمي تخول له القيام بتلك العملية الاجتماعية والضبطية في الآن نفسه.

المرجعيات الدولية

على اعتبار أن التعليم حق من حقوق الإنسان الأساسية التي لا يمكن تجزئتها أو اختزالها تحت أي ظرف أو مرجعية دينية، ثقافية، أو سياسية. رجعية أو برجماتية، هذا الحق أهتمت به المرجعيات الدولية على رأسها الأمم المتحدة بكل تنظيماتها لذلك احتل الحق في التعليم الكثير من البنود والمواد الصادرة في أول عقد دولي الصادر عاك 1984 غداه تأسيس الجمعية العمومية للأمم المتحدة وعرف بالإعلان العالمي لحقوق الانسان والذي صادقت عليه معظم الدول الأعضاء بما فيها سلطنة عمان، وفي خضم هذا الزخم الدولي انبثقت العديد التنظيمات الفرعية تحت المظلة الأممية منها على سبيل المثال اليونسكو، ويقع في صلب تفويض اليونسكو تتبع الدول الأعضاء في الحفاظ على التراث العالمي والرفع من مستوى تعليم الشعوب وتقديم الدعم المادي وغيره في سبيل ذلك للدول الأعضاء. وتجدر بنا الإشارة هنا إلى منظمة العالم الإسلامي للتربية والعلوم والثقافة الإيسيسكو المهتمة في نفس مجال المنظمة الأممية السابقة الذكر منظمة دولية وتعتبر سلطنة عمان عضوةً فيها، وهي بالأساس ” غير ربحية، متخصصة في ميادين التربية والعلوم والثقافة، تفرّعت عن منظمة التعاون الإسلامي. وتعتبر الرباط عاصمة المملكة المغربية مقراً رسمياً لها ” (الإيسيسكو، 2014). وكلا المنظمات الدولية والأقلية تتابع مستوى التعليم وتدعم الدول الأعضاء بمشاريع تدريبية في مجال التربية والتعليم وترقب عن كثب مؤشرات جودة التعليم في تقارير سنوية بالشراكة مع الاجهزة التنفيذية في الدول الأعضاء.

أسباب التسرب المدرسي

تكتسي المتغيرات الاقتصادية والاجتماعية أهمية بالغة ودرجة كبيرة داخل الحقل السوسيولوجي، وهو ما تشخصه العديد من الدراسات والأبحاث، خاصة تلك التي تتعلق بسوسيولوجيا التربية، وسوسيولوجيا الثقافة، وسوسيولوجيا الشباب في تفسير التمايزات والفروق القائمة في جودة العملية التعليمة من بحسب تلك المتغيرات السابقة، بل وهناك من الدراسات من انطلق من تلك التغيرات لتفسير ظاهرة تردي العملية التعليمة بشكل عام فالتسرب أو الهدر المرسي قيد درستنا بشكل خاص، وهو ما ينعكس كذلك على المردود العلمي والأكاديمي للطلاب ابتداءً من مرحل التعليم الاولي والمتمثل بالحضانات ورياض الاطفال والتعليم الاساسي وانتهاء بالتعليم الجامعي والمعاهد العليا، وتبين العديد من الدراسات والابحاث إن الوضع الاقتصادي والمحيط الاجتماعي الذي ينتمي أليه الطالب يرتبط مباشرةً بحاجيات التعليم بمراحله المختلفة، ولضمان الشروط الموضوعية للتحصيل العلمي الجيد كان لزاماً من المجتمع الاهتمام بكل من الحاجيات المادية ومستلزمات الحياة الضرورية كالأغذية السليمة والسكن اللائق وشروط التنقل… إلخ، وبالمقابل يمكن القول بأن الظروف السيئة التي يعيش في ظلها الطالب مثل الدخل الضعيف للأسرة الحاضنة أو تردي الأوضاع في المؤسسة التعليمية تخلق ضغوطاً نفسية لدي الطالب عوامل ومتغيرات قد تتشابك مع بعضها البعض و تعمل بشكل فردي لتكون في نهاية المطاف عوامل مستقلة لتفشي ظاهرة التسرب المدرسي. وفي علوم التربية يكثر استخدام جملة الظروف والمؤثرات الاجتماعية المباشرة كالأسرة والمحيط الاجتماعي الذي ينحدر منه الطالب ومدى تأثير هذا الواقع المعيشي على ترك الطالب للفصل الدراسي، على اعتبار أن هذان الاخيران لا يظهران في عزلةٍ عن تلك السياقات الاقتصادية والاجتماعية، ونقصد هنا بالمحيط الاجتماعي الذي ينتمي اليه الطالب في معناه الواسع ذلك الوسط المباشر بكل ما يحمله من التأثيرات الاجتماعية والنفسية والثقافية والتعليمية التي يعيش فيها الطالب ويتأثر بها. وعلية تتعدد أسباب التسرب المدرسي وتتنوع بين أسباب خارجية اجتماعية وثقافية واقتصادية بل وجغرافية، بالإضافة إلى أسباب داخلية تعود للتنظيمات التربوية والاستراتيجيات الوطنية للتعليم بصورتها الكلية، وأخيراً أسباب ذاتية سيكولوجية تعود للخصائص النفسية للطالب نفسه. والشكل التالي يلخص تلك الأسباب.

رسم توضيحي 1 – يوضح الاسباب المؤدية للهدر المدرسي بصورتها الكلية

وما يهمنا هنا هو النوع الثاني من الأسباب السابقة الذكر والمتمثلة بالأسباب الداخلية العائدة للتنظيم التربوي بكل مكوناته المادية غير مادية والمادية. إلا أن معظم تلك الأسباب تتركز في سوء تسيير الأطر للعملية التعليمية التربوية وذلك ليس لقصور في الأطر القانونية بحد ذاتها وإنا لقصور في التكوين أو لعدم قدرتهم على تنزيل استراتيجيات الوزارة المعنية على أرض الواقع والتي يمكن أن نجملها بالتالي:

  1. ضعف قدرة بعض التلاميذ على مواكبة وتيرة الدراسة عدم جاذبية الفضاء المدرسي وقلة الأنشطة المدرسية والترفيهية. مما يتسبب في فقدان الطالب التكيف مع الفضاء المدرسي.
  2. عدم تكيف الطالب مع المحيط المدرسي لأسباب عدة منها عدم امتلاكه الهابيتوس المدرسة بحسب بيير بورديو.
  3. ضعف حلقة التواصل بين المدرسة والحياة المحيطة بها وتعتبر أن عملها ينتهي عند أبواب المدرسة ولا دخل لها بما يحدث للطالب خارجها.
  4. تعدد المستويات الدراسية في القسم الواحد وخاصة في العالم القروي، وكذا الاكتظاظ، الذي يمكن اعتباره ظاهرة عامة بأغلب المؤسسات التعليمية على الصعيد الوطني.
  5. عدم ملاءمة المقررات مع خصوصيات الفئات المستهدفة، وكذا ارتفاع تكلفة التدريس بالنسبة للفئات المعوزة.
  6. سوء العلاقة بين المعلم والمتعلم.
  7. غياب الوسائل البيداغوجية والديالكتيكية.
  8. عدم ملاءمة بعض برامج التكوينات الأساسية للأساتذة والمديرين مع متطلبات المدرسة
    والتلاميذ.
  9. ضعف تغطية المدرسة لحاجيات تمدرس الطفل من الكتب والمعدات المدرسية، عدم توافر
    المطاعم المدرسية بالعديد من المدارس وخاصة بالعالم القروي، عدم وجود دور الطالبة بالقدر الكافي.
  10. ضعف البنيات التحتية المدرسية، وفي هذا الإطار لا تزال العديد من المدارس بالمناطق القروية بالخصوص غير مرتبطة بشبكة الماء الصالح للشرب أو لا تتوفر على مرافق صحية، أو تفتقر للكهرباء. وقليلة هي المؤسسات التعليمية التي تتوفر على سكن مخصص للمدرس، ومن ثم فإن عددا مهما من المدرسين يزاولون عملهم في ظروف غير ملائمة للعملية التربوية.
  11. حالات الغياب المتكررة لدى بعض المدرسين، والتي تعود في الغالب إلى ظروف العمل الصعبة ولاسيما بالوسط القروي (البعد، السكن، النقل، التجهيزات…). كل هذه الأسباب التربوية التي ذكرناها وأسباب أخرى، تلعب دوراً كبيراً في تراجع دور المدرسة لتلاميذ ورسالتها التربوية وتفقدها الثقة في المحيط الاجتماعي والأسري، وتخلق نفوراً في نفوس الذين يغادرون حجراتها وأقسامها دون استكمال دراستهم. وهذه الوضعية المقلقة تسائل دور الدولة والوزارة الوصية على القطاع، وكذا دور الجماعات الترابية في توفير بنيات مدرسية بمواصفات جيدة ولائقة.
  12. افتقار العديد من المؤسسات التعليمية للأخصائيين الاجتماعية المؤهلين تأهيل علمي. مع افتقارها لروية المقاربة التشاركية بين المدرسة والأسرة في العملية التربوية والتعليمية.
  13. اهمال المؤسسات التعليمية لقنوات التواصل مع الفضاء الخارجي للطالب. فأغلقت على نفسها أبوابها واعتبرت كل ما يعترض العملية التعلية للطالب خارج المدرسة لا شأن لها به.
  14. افتقار الأطر التربوية للتكوين المستمر بما يتواكب والواقع الاجتماعي.

نتائج التسرب أو الهدر المدرسي

للهدر المدرسي نتائج جد وخيمة على الفرد الطالب وعلى الاسرة والمجتمع وصولا للدولة الأمة ومن أهم نتائج التسرب المدرسي التالي:

  • زيادة نسبية في عدد الاحداث المنحرفين والمسجلين رسمي ضمن دور الرعاية الاجتماعية.
  • زيادة البطالة في المجتمع، وظهور أفراد في الشارع بدون عمل مما يزيد الضغط على المجتمع والدولة في إدماج هذه الفئة.
  • زيادة الضغط الاقتصادي على الاسرة الحاضنة.
  • زيادة نسبية في اليد العاملة التي تعتمد على العمل اليدوي في سوق العمل مع تراجع نسبة العمال المهنية والفنيين والتقنيين.

آليات تدخل الاخصائي الاجتماعي

تتعدد أليات التدخل للحد من ظاهرة التسرب المدرسي لتبدأ من الأسرة باعتبارها اللبنية الأساسية للمجتمع والمرجعية الأولى للتنشئة الاجتماعية للمجتمع، بل وأحد أدوات الضبط الاجتماعي، تليها المدرسة باعتبارها المسؤول الثاني اجتماعيا عن التنشئة الاجتماعي بتعاقداتها الاجتماعية والسلطات المفوضة لها من قبل المجتمع والدولة الأمة. وبالتالي كان لزاما على هذه البنية أن تقارب في حلها لهذه المعضلة الاجتماعية من منظور علم النفس الاجتماعي وذلك عبر تفويض أطر متخصصة في هذا المجال والذي أطلق عليهم اصطلاحا بالأخصائيين الاجتماعين لهم القدرة والتمكين والتخصص للقيام بهذه الوظيفة التربوية، وتشكيل استراتيجية بيداغوجية عبر مراحل تبدء بالتخطيط ومن ثم التتبع المستمر للطالب بحالة مستمرة وتفادي ظاهرة الهدر قبل وقوعها بالتزامن مع تفعيل استراتيجية الانصات للطلاب لحل مشاكلهم وبطريقة أكثر تفاعلية تسمح بالكشف عن المستور والخفي دون تحفظ او خوف من الطالب” حيث يتم تتبع الفردي للتلميذ ابتداءً من السنة الأولى لتمتد طيلة سنوات التمدرس باعتماد بطاقة التتبع، ثم دعم التلاميذ المتعثرين، دعم مدرسي من خلال استعمال الزمن الأسبوعي للمدرس ” (بنرحو، 2016، صفحة 160)، وفي هذا الخصوص نضيف هنا ملاحظة جد مهمة في عملية التتبع والمواكبة المستمرة للتلميذ دون انقطاع بأن تخصص التنظيمات التربوية أخصائيين اجتماعين بعدد الفصول الدراسية. أي اخصائي اجتماعي لكل مستوى دراسي يبدأ تتبعه للتلاميذ من السنة الأولى لوجهم المؤسسة التعليمية ويظل ثابت بالنسبة لمستوى الطالب وليس لكل مستوى اخصائي، بمعنى أن يكون عدد الأخصائيين الاجتماعيين داخل كل مؤسسة تعليمية بعدد الفصول والشعب الدراسية، بحيث يكون لكل فصل دراسي مختص اجتماعي يبدأ مع الطالب من الصف الأول وينتقل معه إلى مرحلة الثانوية، وبهذه الحالة يكون الاخصائي الاجتماعي لديه سجل متكامل عن حالة الطالب مستمر لعدة سنوات، يستطيع من خلاله تحديد نواحي القصور في سلوكه. مع عدم نقله أو تحويلة تحت إي ظرف أو طائلة، مع اقتراح تنظيم وصياغة قوانين مرنه تنظم هذه العملية التربوية الجد مهمة في استمرارية التتبع والمواكبة للأخصائيين الاجتماعين من جهة، ومن جهة ولأجل تحقيق تلك الرؤية نحو جودة التعليم يجب على الإدارات التربوية تعين أخصائيين اجتماعين يتميزون بخصائص منها ما هو ذاتي ومناه ما هو موضوعي مهني.

خصائص يجب توفرها في الاخصائي الاجتماعي

إن تحقيق الجودة في أي عمل اجتماعي أو خدمة اجتماعية لا يقتصر فقط على امتلاك المعارف بل يتعداه إلى ضرورة امتلاك مهارات لتنزيل واستخدام هذه المعارف، والأمر نفسه وما ينطبق على من يمتلك مها ارت دون معارف، إذ لا تكتمل الصورة إلا باجتماع ما هو معرفي هو مهاري تطبيقي، وهذا ما سنحاول تبيانه من خلال هذا المحور فهناك خصائص ذاتية وموضوعية يجب أن تتوفر في الاخصائي الاجتماعي لكي يحقق الأهداف التربوية بحسب التوجه العام لوزارة التربية الوطنية وهي على النحو التالي:

  1. أن يتمتع الاخصائي الاجتماعي بتأهيل علمي وأكاديمي في نفس المجال.
  2. أن يكون ذو شخصية كاريزمية قيادية قادرة على التنبؤ بالمشكلة قبل وقوعها مع القدرة على الاقناع. ” فينبغــي أن يكــون ذا شخــصية قويــة، يتميــز بالــذكاء والموضــوعية والعــدل والحــزم والحيويــة والتعــاون، وأن يكــون مــسامحا في غــير ضــعف، حازمــا في غير عنـف. ولابـد أن يكـون مثقفـا، واسـع الأفـق، لديـه اهـتمام بـالاطلاع عـلى مـا استجد في طـرق التـدريس ” (أسعد، 2018، صفحة 8).
  3. الشعور بالواجب نحو المجتمع والمساهمة في عمليات الإصلاح الاجتماعي (أسعد، 2018، صفحة 16)
  4. القدرة على التنبؤ وحل الشملات قبل وقوعها من خلال الخبرة والتمكين المستمر ” فكلاً من الادراك الاجتماعي والتفكير الاجتماعي مرتبط بالأخر فالتفكير الاجتماعي ينبثق إلى حد ما من الادراك الاجتماعي، فيكون تفكيرنا أحياناً محدوداً بعادتنا في الانتباه للمعلومات المباشرة، فنحن إنما نُنمي ونُطور مفاهيم دائمة واعتقادات ثابته حول المسائل الاجتماعية، وقد اظهر جوليان هوخبرج “Juliqn Hochberg” أنه في الظروف المحددة في المعمل والفصل المدرسي يمكن التنبؤ بسلوك الانتباه والتحكم فيه بواسطة تناول ومعالجة أنماط وكميات المعلومات المباشرة المتوفرة للعين ” (وليم و. لامبرت، ولاس إ. لامبرت، 1993، صفحة 99).
  5. أن يكون عارفا بكل متطلبات الحقل الذي يشغل عليه مع عدم إهمال أي سبب مهما كان مباشر أو غير مباشر، فإدراك الاخصائي الاجتماعي للدور ومتطلبات الدور الذي يقوم به والوسط الذي ينمتي اليه يمكنه من التفكير، بمعنى على الاخصائي أن يعي ويفهم سلوكيات الطالب من منظور كلي شمولي أخذا في الحسبان كل ما يحيط بالطالب ابتداء كن الأسرة وصولاً لفصل الدراسي ليتسنى له وبطريقه سليمة تحقيق الهدف الذي ينشده ألا وهو الوصول بالطالب لبر الأمان وإدماجه في العملية التعليمية. لذلك اتجه فريق من العلماء وخاصة علماء علم النفس المعرفي بدراسة السمات الشخصية والفسيولوجية ادراكاً منهم بالدور الذي تلعبه سمات الشخصية في التحصيل الدراسي مثل السيطرة والاستقلالية والتوافق الشخصي والاجتماعي وحب الاستطلاع وقوة الانا والثقة بالنفس…، بينما هناك سمات أخرى ترتبط ارتباطاً سالباً بالتحصيل الدراسي مثل الميل الي الشعور بالذنب والقلق والعصبية وعدم توفر الامن النفسي ” (سليمان، 1998، صفحة 336).
  6. ان يكون ذو شخصية كاريزمية تمزج بين القيادة والإدارة بما تتطلبه الوضعية.
  7. مراعاة الخصائص النفسية والسلوكية بحسب المرحلة العمرية للطالب التي هي بالأساس مرحلة حساسة وخاصة مرحلة المراهقة والشباب.
  8. وارتباطاً بموضوع دراستنا تعتبر ألية الانصات باهتمام لهموم الطالب من قبل الاخصائي الاجتماعي أو أن أمكن أن نطلق عليه الطبيب الاجتماعي من أهم الآليات التي تشعر الطالب باهتمام الآخر وتحفزه أولا لطرح مشكلته بكل شفافية، وثانيا تحفزه لاستمرار في الدراسة، كون هذه العملية التواصلية هي أساس التفاعلات الإنسانية التي تؤثر بالفعل الفردي. وهي من أهم الآليات والاستراتيجيات التي يجب على الأخصائي الاجتماعي تتبعها من أجل الوصول إلى الأسباب التي جعلت من الطالب لا يرغب بالذهاب للمدرسة مع الاعتماد على العديد من التقارير ودراسة وضعية الأسرة.

الاخصائي الاجتماعي في المؤسسة التعليمية بسلطنة عمان

يعتبر الأخصائي الاجتماعي أحد الأطر ضمن الوظيفة الرسمية للدولة في المؤسسات التعليمة بسلطنة عمان، ومهمته الأساسية بصورة شموليه ” تقوم على تقديم خدمات وبرامج التوجيه والإرشاد الاجتماعي للطلبة، وتوفير التوعية والرعاية التربوية والاجتماعية لهم ” (وزارة التربية والتعليم بسلطنة عمان، 2015، صفحة 29). وبالتالي هذا الأخصائي تقع عليه عدة مهام واجبات تربوية في سيرورة العملية التربوية والتعليمية. لا يمكن أن يقوم بها الأطر الأخرى والتي عادة ما تكون متخصصة في مواد تعليمية فيما الأخصائي الاجتماعي هو أطار تربوي تلقى تدريب في المجال الاجتماعي لذلك تشترط فيه الوزارة أن يكون أحد خريجي علم الاجتماع، الخدمة الاجتماعية، أو العمل الاجتماعي، وكلها تخصصات تتلقي تكوينها ضمن كلية الآداب في جامعات السلطنة وتتولي الكثير من المهام والواجبات بحسب اللائحة الرسمية لوزارة التربية والتعليم إلا أن أهمها في هذا المقام التالي:

  1. ” يقوم بإعداد وتنفيذ ومتابعة وتقييم خطط وبرامج الرعاية الاجتماعية للطلبة بالتعاون مع الهيئة الإدارية والتدريسية والفنية وأولياء الأمور.
  2. يضع برامج تسهم في غرس القيم وتنمية العمل بروح الفريق وبناء العلاقات المنتجة.
  3. يدرس حالات الطلبة ذوي المشكلات السلوكية والاجتماعيةـ ويقترح الحلول المناسبة بشأنها وتنفيذها وتقومها بالتنسيق مع الهيئة الإدارية والتدريسية وأولياء الأمور.
  4. يقوم بإجراء دراسة الحالة الفردية والجماعية لحالات الطلبة الاجتماعية والسلوكية التي تستدعي ذلك عن طريق استخدام استمارة دراسة الحالة المعدة من الوزارة.
  5. يحافظ على سرية البيانات والمعلومات الخاصة بدراسة الحالة ولا يستخدمها إلا في علاج الحالة.
  6. يدرس حالات تكرار تغيب الطلبة ويحدد مسبباتها، ويقترح طرق علاجها.
  7. يقدم المشورة والتوجيهية والإرشادية الاجتماعية الخاصة بالطلبة للهيئة الإدارية والتدريسية والفنية وأولياء الأمور للاستفادة منها في مجال عملهم وتطوير أداء الطلبة.
  8. ينفذ محاضرات توعوية للعاملين بالمدرسة وأولياء الأمور وفقاً للظواهر التربوية والاجتماعية المختلفة، ويوضح أساليب التعامل مع المشكلات والسلوكيات غير المرغوبة في البيئة المدرسية.
  9. ينظم وينفذ لقاءات دورية مع الطلبة بشكل فردي أو جماعي لمتابعة تقدمهم الدراسي، ويناقش الصعوبات والمشاكل التي تواجههم ويساعدهم على إيجاد الحلول المناسبة لها بالتنسيق مع المعلمين.
  10. يساعد الطلبة على تكوين اتجاهات إيجابية مع أنفسهم ومحيطهم المدرسي والمحلي باستخدام الأساليب الإرشادية التربوية الاجتماعية المناسبة.
  11. يوثق التعاون بين المدرسة والبيت والمجتمع فيما يتعلق بمجال عمله بإشراف إدارة المدرسة.
  12. يلتقي بأولياء أمور الطلبة لمناقشة أوضاع أبنائهم السلوكية ” (وزارة التربية والتعليم بسلطنة عمان، 2015، الصفحات 29-30).

وبناء على ما سبق نجد أن الإخصائي الاجتماعي هو في حقيقة الأمر حلقة الوصل بين البيئة المدرسة والأسرة الحاضنة من جهة، والطلبة من جهة أخرى. وتتركز مهمته في الوصول بالطلبة لبر الأمان ومستقبل زاهر عن طريق الرفع في مستوى تحصيلهم العلمي مع الاهتمام بتربيتهم أخلاقيا بما يحقق الأهداف العامة لوزارة التربية والتعليم التي لا تخرج قيد أنملة عن ثقافة وتمثلات المجتمع وقيمه. لذلك المتفحص للمهام الموكلة للإخصائي الاجتماعي من قبل الوزارة الوصية بالفعل مكنته بصلاحيات عدة منها الحد من تسرب الطلبة ودراسة الأسباب التي قد تولد تلك الظاهرة.

الاليات التدخل المدرسي من منظور إداري

إن التصدي لظاهرة التسرب أو الهدر المدرسي لا تقع على عاتق الأخصائي الاجتماعي فقط وإنما هي عملية متصلة لابد وأن يشترك فيها أولياء الأمور وأجهزة الدولة المختلفة بما فيها وزارة التربية والتعليم بمنتسبيها كلاً بحسب تخصصه والمهام الموكلة قرينها ومنها التالي:

  • مواصلة الجهود الهادفة إلى محاربة التسرب المدرسي وتجفيف منابعهما، واعتماد برامج تشجيعية لتعبئة وتحسيس الاسر بخطورة الانقطاع عن الدراسة في سن مبكرة، وتقوية دور مدرسة الفرصة الثانية في إعادة إدماج اليافعين والشباب إما في التعليم النظامي أو التكوين المهني أو أعدادهم للاندماج السوسيومهني. مع الزامية تعميم تعليم الزامي منصف وذي جودة دون تمييز مجالي وتوفير كل وسائل تحصين تمدرسهم من كل أسباب الانقطاع المبكر والتسرب.
  • يلزم توفير الفضاءات الملائمة للتمدرس في الأوساط القروية النائية في إطار شراكة تعاقدية مع الجماعات الترابية والقطاع الخاص. مع ادماج برامج الدعم التربوي للمتعثرين والمتعثرات في صلب المناهج والبرامج المقررة، وضمن الزمن الدراسي داخل مختلف مؤسسات التربية والتكوين.
  • جعل الطالب شريك في العملية التعليمية لا متلقي وحسب، وإشعاره بانه جزء لا يمكن الاستغناء عنه في الفضاء المدرسي. ” ويقصد بهذا المبـدأ ضرورة إتاحـة الفرصـة للأشـخاص المتعلمـين المشاركة في التعليم مباشرة، وذلك بواسطة تبادل المعلومات والمهـارات أو العمـل عـلى مهام معينة ضمن البرنامج التعليمي؛ حيث إن مبدأ المـشاركة يعكـس عمليـة التفاعـل والمشاركة في طرح الأفكار بـين المعلـم والمتعلمـين، مـع مراعـاة عـدم التركيـز عـلى دور المعلم فقط في تلقينهم المعلومات والمتعلمين مستمعون فقط” (أسعد، 2018، صفحة 12) مما يولد لديهم حب التعليم حافز لعدم التسرب من المدرسة بحسب المدرسة السلوكية.
  • إعطاء الطالب فرصة للتعبير عن آرائه وأفكاره بحرية. مع استخدم المكافأة بشتى أنواعها الممكنة مع الطلاب.
  • التواصل المستمر بين المؤسسة التعليمية والأسرة الحاضنة.
  • استخدام استراتيجية التعليم المتمايز ضمن طرق التدريس كونها من الطرق البيداغوجية الحديثة التي تتماشى مع خصائص الطلاب بحسب احتياجاتهم والفروق الفردية بينهم.
  • التوعية الاجتماعية والأسرية بمخاطر التسرب المدرسي على الأسرة والمجتمع والدولة الأمة وذلك عبر وسائل العلام المرئية والمسموعة وتنظيمات المجتمع المدني والفاعلين الاجتماعين.

خلاصة

إن تحليل التسرب المدرسي كمعضلة التربوية وظاهرة اجتماعية لا يمكن أن يستقيم لها حال دون وضعها في سياقها الاجتماعي، والسياسي، والاقتصادي، والثقافي القيمي العام، الذي يتسم به المجتمع والاسرة العمانية بل ومنظومة التعليم في السلطنة بل وسائر المجتمعات العربية التي تتشابه في بعض القضايا ذات القواسم المشتركة، بل إن مقاربة المسألة التربوية تتطلب الغوص في تحليل مجمل البنيات والانساق الكلية والفرعية لكل من التربية والمجتمع. لنخلص إلى أن التسرب أو الهدر المدرسي إحدى الخصائص الهيكلية التي تطبع النظام التعليمي بل وتقلقه في الآن نفسه، وهذه الظاهرة تعد من أكبر المعيقات التي تعرقل تطور العملية التعليمية بجميع مراحلها، والتي تسببت في نزيف كبير للموارد البشرية، وهي ظاهرة مركبة تشمل مجموعة من العوامل الثقافية والاجتماعية والاقتصادية. وعليه يجب على المدرسة الانتقال من النمط السلبي الذي يحصرها في دورها التقليدي القائم على التلقين المواد الدراسية وفقط لتكون تنظيم حداثي عصري المدرسة وتنفتح على الأسرة في عملية تشاركية مدروسة ومخطط لها عبر برامج تربوية. مع معاملة الطفل كطفل لا كراشد، وأن ميوله وخصائصه وحاجاته الحاضرة ومصالحه يجب أن تكون مركز العملية التربوية لا رغبات وطموحات الكبار. ويحتل الاخصائي الاجتماعي في الفضاء المدرسي قائمة الهرم في الحد من هذه الظاهرة التي تهدد حاضر المجتمع ومستقبله معاً. وللحد من تلك الظاهرة يستلزم تكاتف اجتماعي بالشراكة مع الدولة الأمة وترك استراتيجية التواكل على الآخر. وهنا أولت الحكومة أجهزة الدولة في سلطنة عمان أهمية بالغة بالشباب والرفع من مستوى تمكينهم وتحصيلهم العلمي والحد من التسرب المدرسي فرصدت لذلك الميزانيات والخطط والبرامج، وتأتي وزارة التربية والتعليم في أعلى هرم تلك الأجهزة الرسمية التي لم تتواني للحظة في تسهيل طريق العلم للطلبة بجميع المراحل التعليمية زمن ضمن ذلك الاهتمام والتوجه العام في الحد من التسرب المدرسي للطلبة أحدث ضمن أطرها التعليمية الأخصائيين الاجتماعية وبالفعل تم توزيعهم على المؤسسات التعليمة بالتزامن مع تفعيل صلاحيات واسعة لهم في حل المشكلات التعليمية أو السلوكية التي تعترض الطلبة بالتنسيق مع المحيط الاجتماعي والأجهزة التربوية. يمكن التوصل إلى أن دور الأخصائي الاجتماعي يكم في الفهم والتحليل والتفسير لظاهرة التسرب المدرسي أولاً ومن ثم يمر برحلة اقتراح ووضع الحلول تليها التخطيط والتنفيذ والمتابعة والتقويم لتلك العملية العلاجية الاستباقية قبل وقوعها أو على الأقل للحد منها نطرح عدة توصيات على النحو التالي:

  1. نوصي كلا من وزارة التربية والتعليم، الشباب والرياضة، وزارة الإعلام، والوزارة المهتمة بشأن الأسرة بإحداث اندية وورش وندوات تهدف بالأساس إلى توعية الأسرة بركنيها وبالأخص الأم بأهمية تمدرس الأبناء وأساليب التنشئة الاجتماعية السليمة بشكل عام.
  2. ويوصي الباحث بتفعيل دور الاخصائي الاجتماعي في المؤسسات التربوية والتعليمية المختلفة. ويري أن يكون عددهم داخل كل مؤسسة تعليمية بعدد الفصول والشعب الدراسية، بحيث يكون لكل فصل دراسي مختص اجتماعي يبدأ مع الطالب من الصف الأول وينتقل معه إلى مرحلة الثانوية، وبهذه الحالة يكون الاخصائي الاجتماعي لديه سجل متكامل عن حالة الطالب مستمر لعدة سنوات، يستطيع من خلاله تحديد نواحي القصور في سلوكه. مع بإعطاء صلاحيات للأخصائي الاجتماعي ليس فقط بمتابعة الطلاب بل وتقيم وتوجيه الأطر التربوية داخل المؤسسة التعليمية بما يسمح به القانون المنظم للعملية التعليمة والمهام الموكلة له وبالتعاون مع أجهزة التوجيه التربوي.
  3. نوصي بإدراج مادة أساسية في التعليم الالزامي خاصة بسلوك الأطفال يتولى متابعتها وتقويمها كلا من الاخصائي الاجتماعي في المدرسة بالإضافة إلى الأسرة والمجتمع. على أن تتولى وزارة التربية والتعليم إعداد وتطوير مما يجعلها في نهاية المطاف مسايرة للتغيرات العالمية وبما تتماشى مع ثقافة مجتمعنا وتطلعاته واحتياجاته، لا أن يتم استيراد تلك المناهج كما هي بكل ما تحمله من متناقضات.

المراجع

  1. القرآن الكريم
  2. أحمد عمر سليمان. (1998). الدوغمائية وعلا قتها بالتحصيل الدراسي وعادت الاستذكار والاتجاهات نحو الدراسة لدى طلاب المرحلة الثانوية بدولة قطر،. الدوحة: مركز البحوث للترجمة جامعة قطر.
  3. الإيسيسكو. (13 2, 2014). الصفحة الرسمية للإيسيسكو. تاريخ الاسترداد 1 2, 2022، من https://www.icesco.org/%d8%b9%d9%86-%d8%a7%ef%bb%b9%d9%8a%d8%b3%d9%8a%d8%b3%d9%83%d9%88/
  4. عبدالرحمن ابن منظور. (1984). لسان العرب. القاهرة: دار المعارف للطباعة والنشر.
  5. عبدالعزيز رشدي. (17 1, 2015). الهدر المدرسي التعريف والاسباب والحلول. تاريخ الاسترداد 2 2, 2022، من https://cmdi.ma/%d8%b8%d8%a7%d9%87%d8%b1%d8%a9-%d8%a7%d9%84%d9%87%d8%af%d8%b1-%d8%a7%d9%84%d9%85%d8%af%d8%b1%d8%b3%d9%8a-%d8%a7%d9%84%d8%a3%d8%b3%d8%a8%d8%a7%d8%a8-%d9%88%d8%a7%d9%84%d8%ad%d9%84%d9%88%d9%84/
  6. عبدالله حمود العنزي. (2005). دور الأخصائيين الاجتماعيين في التعامل مع المشكلات الاجتماعية للمسجونين في سجون مدينتي الرياض وجدة. دراسة لنيل درجة الماستر في العلوم الاجتماعية، كلية الدراسات العليا، قسم العلوم الاجتماعية، جامعة نايف العربية للعلوم الأمنية. تاريخ الاسترداد 10 2, 2022
  7. عبدالله محمد. (2018). العوامل المؤثرة في التحصيل الاكاديمي للطالب الأجنبي، دراسة لنيل درجة الماستر، كلية الآداب، جامعة ابن طفيل. القنيطرة، المملكة المغربية.
  8. على أسعد وطفه، على جاسم الشهاب. (2003). علم الاجتماع المدرسي – بنيوية الظاهرة المدرسية ووظيفتها الاجتماعية (الإصدار الأول). المنامة، الكويت: كلية التربية.
  9. فرح أيمن أسعد. (2018). المعلم الناجح في التربية والتدريس (الإصدار الأول). عمان، الأردن: دار ابن النفيس للنشر والتوزيع.
  10. فهد سالم القحطاني. (2005). تقييم دور الأخصائي الاجتماعي في المؤسسات الاصلاحية. الرياض، المملكة العربية السعودية: دراسةميدانية على دار الملاحظة الاجتماعية لنيل درجة الماستر، كلية الدراسات، جامعة نايف العربية للعلوم الأمنية. تاريخ الاسترداد 6 2, 2022
  11. فهمي محمد السيد. (2000). محاضرات في الدفاع الاجتماعي (المجلد بدون). القاهرة، مصر: الكتبة الجامعية.
  12. مصطفى حجازي. (2005). الإنسان المهدور (الإصدار الأول). بيروت، لبنان: منشورات المركز العربي للثقافة.
  13. مصطفى محسن. (1984). الاتجاهات النظرية في سوسيولوجية التربية. مجلة الدراسات النفسية.
  14. نوال بنرحو. (2016). المواكبة التربوية ودورها في تجويد التعليم ومحاربة الهدر المدرسي. مجلة التدريس، أصدرا كلية علوم التربية، جامعة محمد الخامس، الرباط، المملكة المغربية(العدد8).
  15. وزارة التربية والتعليم بسلطنة عمان. (2015). دليل مهام الوظائف المدرسية والأنصبة المعتمدة لها. وزارة التربية والتعليم.
  16. وليم و. لامبرت، ولاس إ. لامبرت. (1993). علم النفس الاجتماعي. (سلوى الملا، المترجمون) القاهرة، مصر: دار الشروق للنشر والتوزيع.