دور الحرف والصناعات التقليدية بالضفة الغربية للنيل باقليم شندي في ترسيخ الهوية الوطنية

د. ندى بابكر محمد إبراهيم1

1 استاذ مشارك بقسم الآثار، جامعة شندي، كلية السياحة ولآثار، السودان

بريد الكتروني: nada_taha_2007@hotmail.com

HNSJ, 2022, 3(6); https://doi.org/10.53796/hnsj3618

Download

تاريخ النشر: 01/06/2022م تاريخ القبول: 20/05/2022م

المستخلص

تهدف الورقة إلى تسليط الضوء على الحرف والصناعات التقليدية بالضفة الغربية للنيل بإقليم شندي (المتمة-قوز برة)، والتي تعتبر الوسيلة الوحيدة للتعبير عن ثقافة المجتمع واصالته، فهي حلقة الوصل بين أجيال الأجداد والأبناء. اتبعت الدراسة المنهج التاريخي الوصفي التحليلي، توصلت الدراسة إلى أهمية الحرف اليدوية بالمنطقة، وأهمية الحفاظ عليها من الاندثار، والتي يمكن أن تلعب دورا مهما في تنمية السياحة وزيادة الدخل القومي.

الكلمات المفتاحية: حرف –تقليدية-غرب شندي.

Research title

The role of traditional crafts and industries in the West Bank of the Nile, Shendi region, in consolidating national identity

Dr. Nada Babiker Mohamed Ibrahim1

1 Associate Professor, Department of Archeology, Shendi University, Faculty of Tourism and Archeology, Sudan.

Email: nada_taha_2007@hotmail.com

HNSJ, 2022, 3(6); https://doi.org/10.53796/hnsj3618

Published at 01/06/2022 Accepted at 20/05/2021

Abstract

The paper aims to shed light on the traditional crafts and industries in the West Bank of the Nile in the Shendi region (Al Matamma – Qoz Buora). which is the only way to express the culture and authenticity of the community, as it is the link between the generations of grandparents and children. The historical descriptive analytical method has been employed. The results showed that the importance of handicrafts in the region, and the importance of preserving them from extinction, which can play an important role in the development of tourism and the increase of national income.

Key Words: Crafts-traditional-west shendi.

مقدمة:

تقع مدينة شندي في شمال السودان علي الضفة الشرقية للنيل ,شمال شرق الخرطوم ,وحوالي 45 كيلومتر جنوب غرب المدينة الملكية في مروي القديمة (البجراوية) كانت تمر بها أهم الطرق التجارية البرية. القرية التي تضاهي شندي علي الضفة الغربية, هي قرية المتمة. هنالك طريق تجاري قديم يعبر صحراء بيوضة يربط المتمه بمروي ونبتة الواقعتين شمال غرب .(Nada, 2018, p.1) شندي

الحرف اليدوية هي ما يقوم به الإنسان من عمل يدية ولا يلجأ الى استخدام الآلة الا للضرورة، وتعتبر الوسيلة الفعالة للتعبير عن ثقافة المجتمعات كما تمثل مصدر للعيش لكثير من أفراد المجتمع. تحتاج الحرف والصناعات اليدوية إلى مهارة عالية، فهي إنتاج حضاري ناتج عن التفاعل بين المجتمعات المحلية بما تحمله من رؤى وقيم حضارية وبين بيئتها الطبيعية وبينها وبين المجتمعات الأخرى، فهي مكون اصيل للذاكرة الحضارية خاصة فى الجانب التقني- وتراكم للخبرات الحياتية والامكانات الإنتاجية الذاتية المتاحة داخل كل مجتمع محلى. في الضفة الغربية للنيل باقليم شندي هناك استمرارية للعديد من الحرف والصناعات التقليدية اهمها: صناعة الحديد، الفخار، الغزل والنسيج والتي توارثها الابناء عن الأجداد حتى اليوم ,ورثوا منهم الإتقان والبراعة، مواكبة التطور والحداثة وتغير نظرة المجتمع يمكن ان تودى لاندثار هذه الحرف ،والتي تعتبر نتاجا حضاريا يعود لفترات بعيدة.

هدفت الدراسة لتسليط الضوء على أهم الحرف والصتاعات التقليدية والتي لازالت مستمرة بمنطقة المتمة والقرى شمالها على الضفة الغربية للنيل, اتبعت الدراسة المنهج التاريخي الوصفي التحليلي، مستعينة بالمقابلات الشخصية، ودراسات بعثة غرب شندي للعمل الآثاري (المشروع القطري السوداني للآثار) .

الدراسات السابقة:

لم تُحظى المنطقة بدراسات كثيرة في هذا المجال، ففي عام2014م بدأت بعثة جامعة شندي للعمل الأثري والتي تعمل تحت مظلة المشروع القطري السوداني للآثار بجمع معلومات واجراء مقابلات مع الحرفيين التقليديين ببعض القرى شمال المتمة، ندى بابكر،2018، آثار الضفة الغربية للنيل بإقليم شندي (حضارة وجذور ضاربة في القدم) .كذلك بعض بحوث التخرج لطلاب الآثار تناولت بعض الحرف (دراسات اثنوغرافية، واثنواركيولوجية). تعتبر دراسة بعثة غرب شندي تحت إدارة كاتبة الورقة والتابعة لجامعة شندي بداية العمل الأثري المنتظم بالمنطقة.

صناعة الحديد بقرية قوز بدر شمال المتمة: وفقا لافادة صانع الحديد بدر عوض الكريم انهم ينتسبون الى علوبة وهو اول من قام بصناعة الحديد في المنطقة (قرية الحداحيد)، حيث ينقسم الحداحيد الى أربعة أفرع ويقطنون مناطق عدة :قوزبدر، الحصاحيصا، الدامر، والكمير.

مراحل صناعة الحديد: يتم شراء المادة الخام(الحديد الخردة) من مدينتي شندي وام درمان ،بعد ذلك يتم تقطيعه إلى قطع صغيرة بواسطة السندان (يتم فيه إعداد الحديد الى قطع صغيرة) بواسطة المطرقة (عبارة عن شاكوش يضرب به قطع الحديد لتصبح جاهزة للصناعة).

E:\تخزين صور\الموسم الثالث\د.نهى\حداحيد قوز بدر\القالب.JPG E:\phto\DSC_0405.JPG

E:\تخزين صور\الموسم الثالث\د.نهى\حداحيد قوز بدر\الظهرة.JPG E:\تخزين صور\الموسم الثالث\د.نهى\حداحيد قوز بدر\أجنة (2).JPG

صور(1-4) بعض ادوات تجهيز المادة الخام (الشاكوش، القالب، الأجنة والظهرة).

يستخدم الفحم الحجري الذي يجلب من مدينة شندي لحرق قطع الحديد لتصبح سهلة التشكيل، يتم الحرق بالكير الذي يصنع من جلود الماعز لجلب الهواء للنار ومكوناته (الطابات عبارة عن مقابض يمسك بها نافخ الكير، الركة تصنع من خشب الحراز وتكون ملتصقة مع الجلد لمرور الهواء الى المواسير، والبوطة مهمتها تجميع الهواء للمواسير (بدر عوض الكريم،2017 م).

E:\phto\DSC_0464.JPG

صورة رقم 5 فحم نباتي

E:\صور للكتيب\_MG_6751.JPG E:\phto\DSC_0460.JPG

صور (6 -7) اجزاء الكير

E:\صور للكتيب\_MG_6698.JPG

صورة رقم 8 جانب من تشكيل قطعة حديد خام

الزخرفة:

تتم الزخرفة بواسطة أدوات مختلفة مثل السكين وذلك باستخدامها كحافر للزخرفة ،الأزميل لتشكيل الزخارف على الادوات المصنعة ،كذلك يستخدم قرن الماعز كازميل للزخرفة.

الادوات التي يتم تصنيعها:

الأدوات الزراعية بمختلف مسمياتها مثل: الطوارى، الواسوق، المحراث. ايضا من الأدوات مسامير المراكب وغيرها من الأدوات كالكلابة، اللقطة، مقابض الحديد، والمناجل وغيرها.

E:\تخزين صور\الموسم الثالث\د.نهى\حداحيد قوز بدر\طورية القلع.JPG E:\تخزين صور\الموسم الثالث\د.نهى\حداحيد قوز بدر\الكلابة.JPG

صور(9-10) نماذج للصناعة(كلابة،وطورية قلع).

التسويق: يتم تسويق الادوات المصنعة محليا وفي مدينة شندي، وغرب السودان(كردفان)، اهم الادوات المطلوبة في غرب السودان الملود).

صناعة الفخار بقرية الكمير:

تقع قرية الكمير شمال المتمة، في هذه المنطقة يعمل الرجال بصناعة الفخار اليدوى بالطرق التقليدية وفقا لافادة إبراهيم أحمد عبدالله، الذى ورث هذه الصناعة عن أخية الاكبر عوض الكريم أحمد عبدالله الذى ورثها عن ابية في ثلاثينات القرن العشرين، كما يعمل إبراهيم بها منذ سبعينات القرن العشرين.

E:\تخزين صور\الموسم الثالث\د.نهى\الأزيار الكمير\DSC_0315.JPG

صورة رقم11 مقابلة مع الفاخوري إبراهيم بواسطة بعثة غرب شندي للعمل الأثري.

المادة الخام وتجهيزها:

يتم إحضار المادة الخام من نهر النيل (الطمي) من الاراضي الزراعية على بعد ثلاثة كليومتر، بعد نظافتها من الشوائب وإضافة بعض المواد العضوية التي تمثلت في روث الحيونات (حمير-وابقار)، تكون نسبة الطين اكثر، تخلط مع بعضها البعض بإضافة الماء حتى تتماسك العجينة وتركها ما يقارب يومين او ثلاثة لتخميرها-لان البكتريا تحلل المواد وتصبح سهلة الصنع.

E:\تخزين صور\الموسم الثالث\د.نهى\الأزيار الكمير\DSC_0318 (2).JPG

صورة رقم12 جانب من تحضير المادة الخام.

التشكيل: بعد تجهيز العجينة يبدأ التشكيل بالفوهة (الرقبة)، تترك في حفرة صغيرة لمدة يومين او ثلاثة، بعد ذلك يتم تشكيل بقية الاناء عن طريق اللفائف الحبلية من الطين ومن ثم يتم صقلها بأداة تسمى المحارة، الصقل يكون من الخارج، بعد ذلك تتم الزخرفة وهو لين بالسلك ويترك لمدة يومين تحت أشعة الشمس المباشرة ليجف.

E:\تخزين صور\الموسم الثالث\د.نهى\الأزيار الكمير\DSC_0349 (2).JPG

صورة رقم13 جانب من تشكيل الاناء.

E:\تخزين صور\الموسم الثالث\د.نهى\الأزيار الكمير\المحارة الصغيرة من الخارج.JPG E:\تخزين صور\الموسم الثالث\د.نهى\الأزيار الكمير\المحارة الكبيرة من الخارج.JPG

المحارة الصغيرة والكبيرة من الخارج).(14-15)صور

الحريق

تتم عملية الحريق في الافران المفتوحة بعد وضع الحطب بعده يوضع الفخار ثم يوضع قش، بعده حطب وقش وحديد، يوضع فوقه طين، ويدخل التبس والسنمكة (لان بهما دخان كثيف يجعل الآنية لونه اسود، يترك لمدة اسبوع.

E:\تخزين صور\الموسم الثالث\د.نهى\الأزيار الكمير\تقسيم الطين- المديدة حول الترس.JPG E:\تخزين صور\الموسم الثالث\د.نهى\الأزيار الكمير\رص الحديد.JPG E:\تخزين صور\الموسم الثالث\د.نهى\الأزيار الكمير\رص الازيار داخل الترس.JPG

E:\تخزين صور\الموسم الثالث\د.نهى\الأزيار الكمير\فتح الترس بعد الحريق من اعلى.JPG E:\تخزين صور\الموسم الثالث\د.نهى\الأزيار الكمير\تغطية الترس بالطين - المديدة.JPG

صور(16-20) مراحل قبل وبعد الحرق.

المنتجات:

يتم انتاج الأوانى الكبيرة مثل: الأزيار والجرار الصغيرة والقواديس التى تستخدم في الساقية سابقا، الأوانى التى تستخدم في الدلوكة. ( إبراهيم أحمد،2017).

صناعة الغزل والنسيج:

أفادنا إبراهيم فضل السيد محمد شاع الدين بان صناعة النسيج بدأت بقرية بالمغاوير شمال المتمة منذ عام 1801م ،وقد امتهن هذه المهنة جده شاع الدين محمد خير، حيث كانت البداية يدوية تطورت بعد ذلك الى استخدام النول (إبراهيم فضل السيد،2017م). بالاضافة لمنطقة المغاوير ايضا امتهنت هذه المهنة بقرية الجبلاب شمال المتمة.

C:\Users\007\Desktop\مقابلات\DSC_0364.JPG

صور رقم 21 إبراهيم فضل السيد صاحب منسج المغاوير

العمل في منسج المغاوير مشترك بين النساء والرجال، تتوفر لديهم خيوط محلية تصنع بواسطة النساء بالمغزل اليدوى (مترار)، كذلك تجلب الخيوط من الحاج عبدالله بود مدني والحصاحيصا، بالإضافة للخيوط المستوردة ،تتوفر من الخيوط الالوان: الابيض (للرجال)، الاصفر، والاخضر (للثياب النسائية).

C:\Users\007\Desktop\مقابلات\DSC_0378.JPG C:\Users\007\Desktop\مقابلات\DSC_0369.JPG

صور (22-23) صناعة الخيوط المحلية بالمترار بالمغاوير

اجزاء النول:

مطواة السداء: عبارة عن أسطوانة تستخدم في تثبيت وتنظيم خيوط السداء الخاصة بالنسيج وذلك بلف الخيوط عليها من البكر وبعد ذلك تمر الخيوط على اسطوانة او مسند لتساعد في حفظ الخيوط في وضع افقي وتوجد مطواة السداء في المؤخرة.

الدرأ: عبارة عن برواز يحتوى على عدد من النيرات ويستخدم في رفع وخفض خيوط السداء لتكوين النفس حيث يمر خيوط اللحمة وبذلك يتم الترابط المطلوب بين خيوط السداء واللحمة.

النيرة: عبارة عن سلك من الصلب يتوسطه ثقب لإدخال خيط السداء وتستخدم النيرة في تنظيم حركة السداء وعادة ما يتعادل عدد خيوط السداء في النسيج مع عدد النيرات الموجودة في الدرأ.

المشط أو الدف: عبارة عن برواز من الصلب بداخله عدد من أسلاك معدنية صلبة متراصة بجوار بعضها البعض في شكل راسي وتعرف هذه الأسلاك بالبشرة وتعرف المسافة بين كل بشرتين بالباب يمر خيط السداء في أبواب المشط الى الامام والخلف لضم خيوط اللحمة عقب إدخالها في النفس بعضها الى جانب بعض.

المكواك: يشبه القارب في الشكل ويقوم بإدخال الخيط في النفس بعرض القماش ذهابا وإيابا.

مسند الصدارة الأمامي: عبارة عن اسطوانة يمر القماش الذي تم نسجه عليها.

مطواة القماش: هي أسطوانة الغرض منها لف وتثبيت المنسوجات وتوجد في مقدمة النول (أمير إبراهيم،2017م).

E:\صور للكتيب\DSC_0082.JPG C:\Users\007\Desktop\مقابلات\DSC_0383.JPG

صور(24-25) أجزاء النول بمنسج إبراهيم بالمغاوير

خاتمة:

من خلال ماتقدم يمكن القول بان الحرف اليدوية تُنمي الجسم والعقل معا، فتمد الجسم بالطاقة والقوة من خلال الجهد المبذول في العمل، كما تمد العقل بالقدرة على التفكير والابتكار مما يزيد من ثقة الفرد بنفسه. ايضا الاهتمام بها يساعد على القضاء على البطالة وايجاد فرص عمل.

الضفة الغربية للنيل بمنطقة المتمة والقرى شمالها مازالت تهتم بالحرف اليدوية والتي تعتمد على المواد الخام الموجودة في البيئة الطبيعية، فالمحافظة عليها واستمراريتها تعنى ترسيخ الهوية وحفظ التراث، كذلك الاهتمام بالحرف اليدوية يمكن ان يسهم في تنمية السياحة وزبادة الدخل القومي.

قائمة المراجع

Adams W. Y, 1977, Nubia Corridor to Africa, London.

Babiker Nada Mohammed .2013.Archaeological Survey in El-Metemma area.Sudan and Nubia.Bulletin17.

……………….. : 2018 A booklet entitled” The Deep-rooted Western Bank of the Nile of Shendi Regio,khartoum

المقابلات الشخصية :

  • إبراهيم أحمد عبدالله،2017م، فاخورى، 65 سنة، الكمير
  • إبراهيم فضل السيد محمد،2017م، نساج، 65 سنة، المغاوير
  • أمير إبراهيم فضل السيد،2017م ، نساج،35،المغاوير
  • بدر عوض الكريم محمد،2017م، حداد، 52 سنة، قوز بدر

التقارير غير المنشورة :

نهى عبد الحافظ عبدالعزيز،2017، دراسة اثنوغرافية للحرف التقليدية شمال المتمة، بعثة جامعة شندي للعمل الأثري، تقرير مبدئي غبر منشور.