د. بن لعلام سمهان1 د. بنان كريمة2
1 أستاذة محاضرة “أ” بكلية علوم الاعلام والاتصال
بريد الكتروني:benlalam.semhane@univ.alger3.dz
2 أستاذة محاضرة “أ” بكلية علوم الاعلام والاتصال، جامعة الجزائر3 ببريد الكتروني: benane.karima@univ-alger3.dz
HNSJ, 2022, 3(6); https://doi.org/10.53796/hnsj367
تاريخ النشر: 01/06/2022م تاريخ القبول: 10/05/2022م
المستخلص
عرف الاهتمام بقضايا البيئة مشكلاتها إتجاها متناميًا في السنوات الأخيرة، حيث أصبحت محورا للنقاش واللقاءات السياسية والاقتصادية والتربوية على أعلى المستويات المحلية والدولية ويرجع سبب ذلك إلى المشاكل البيئة الخطيرة التي تهدد حياة وأمن الإنسان والكائنات الحية الأخرى خاصة مع تعاظم الضغوطات المفروضة على البيئة وعناصرها خاصة مع نهاية القرن العشرين، حيث أدى التقدم العلمي الكبير الذي حققه الإنسان في مجال التكنولوجيا إلى تعاظم مظاهر الاختلال البيئي الذي نتج عنه تدهور كبير في مكونات البيئة.. فبدأنا نسمع عن مشاكل البيئة لا تستطيع تجديد مواردها ومشكلة التلوث والغذاء وهي كلها مرتبطة بالناشطات البشرية المخلة بالبيئة وفيها تهديد واضح لمستقبل الأجيال الحاضرة والقادمة.
وعليه إتجهت مساعي دول العالم إلى الاهتمام بالتربية البيئة كأسلوب فعال لحماية البيئة وبالتالي حماية الإنسان ومقدراته لضمان إستمراريته ولن يتحقق ذلك دون إكتساب الفرد للوعي والمهارات الضرورية لفهم علاقة بالبيئة التي ينتمي إليها ويأتي هذا الطرح من منطلق أن الإنسان والبيئة هما الطرفان الفاعلان في إنجاح التربية البيئة.
جاءت هذه الدراسة لتتناول إشكالية التربية البيئية وأهميتها في تفعيل العلاقة الإيجابية بين الإنسان والبيئة بخلق حالة التوافق بينهما. وتصنف هذه الدراسة ضمن الدراسات النظرية من خلال إستخدام منهج الوصف التحليلي في تناول موضوع الدراسة.
الكلمات المفتاحية: الإختلال البيئي ;البيئة ;التربية البيئية ;العلاقة ;الوعي البيئي
Environmental education and human, a comprehensive theoretical approach to the dialectic of relationship and influence
Dr. Bin Allam Samhan 1 Dr. Banan Karima 2
1 Professor of Lecture “A” at the Faculty of Media and Communication Sciences
Email: benllam.semhane@univ.alger3.dz
2 Professor of Lecture “A” at the Faculty of Information and Communication Sciences, University of Algiers 3 Email: benane.karima@univ-alger3.dz
HNSJ, 2022, 3(6); https://doi.org/10.53796/hnsj367
Published at 01/06/2022 Accepted at 10/05/2021
Abstract
During the latest years, the concern of ecological problems witnessed a rising trend and it became not only political and economic but also educational debates at higher levels: local and international levels and all that was due to serious ecological problems that threaten life and safety of Man and other species mainly with the constraints inipssedon the environment especially by the end of the 20th century. In this context, it is worthmentioning that the huge technological progress made by man led to the Eco-system disorder cohich will result into the environment components deterioration.
Consequently pollution, food and ecological sources problems raised and the three factors are manmade and they represent a menace for the current and future generations .This is why the first target of all countries of the world was their concern on ecological education as an effective act in orger to protect not only the environment but also man and his perseverance but this latter can be realized unless the individual acquires necessary awareness and capacities in order to understand his relationship with the environment he belongs to. The subject under study deals with the problematic of ecological education and it importance in activating the relationship between Man and him environment in order to crate a certain agreement between them.
Key Words: Eco-system discorder; Environment; Ecological education; relationship; Ecological awareness
1مقدمة:
تعتبر التربية البيئية إحدى المقومات الأساسية في الحفاظ على البيئة وحمايتها ونشر المفاهيم والسلوكيات السليمة التي من شأنها ترسيخ القيم الصحيحة للحفاظ على البيئة خاصة مع زيادة الضغوطات المفروضة على البيئة وعناصرها مع نهاية القرن العشرين والتي أدت إلى تزايد تعاظم حجم المشكلات البيئية التي تهدد حياة الإنسان ومستقبله، فدفع ثمنا باهظا تمثل في إستزاف الموارد الطبيعية التي تحولت إلى مصنوعات تراكمت نفاياتها وملوثاتها في البر والبحر والجو، فأدى ذلك إلى إختفاء الكثير من المظاهر البيئة السوية ليحل محلها الاختلال البيئي المهدد للحياة الإنسانية بأكملها
ومن الغريب أن نجد أن الانسان الذي يستفيد من كل خيرات البيئة هو أحد أبرز أسباب مشاكلها، فمشكلات البيئة هي نتيجة لممارسة وسلوكيات الانسان الخاطئة إتجاهها، فلابد من إيقاف الأنشطة البشرية الهدامة وتحويلها إلى أنشطة صديقة للبيئة والحياة.
إن حماية البيئة مهمة ترتبط بوعي الإنسان وثقافته وفي هذا المجال تلعب التربية البيئية دورا هاما في خلق الوعي والثقافة البيئية التي تعلم الإنسان كيفية التكامل والتكيف الإيجابي مع بيئته مما يسهم في إيجاد الحلول للكثير من المشكلات البيئية المرتبطة أساسا بالإنسان.
هذا الطرح تبنته الهيئات الإقليمية والدولية وفي مقدمتها منظمة الأمم المتحدة واليونسكو التي دعت إلى حماية البيئة ونشر التربية البيئية كمفهوم إستراتيجي هام لتعديل سلوك الإنسان إتجاه البيئة لأن معظم المعارك التي خاضها الانسان من أجل التقدم والتطور كانت مضرة بالبيئة ومثلت تهديدا لها ولكن في الوقت نفسه شكلت تهديدا لحياته ولمستقبل الأجيال القادمة. ويأتي هذا الطرح للتأكيد على أهمية العلاقة المتوازنة بين الإنسان والبيئة كطرفان فاعلان في إنجاح التربية البيئية وتحقيق التقدم والحفاظ على البيئة والإنسان معًا من كل المشاكل والمخاطر المهددة لهما. وإنطلاقا مما سبق تناوله نطرح الإشكالية التالية:
ماهي طبيعة العلاقة بين التربية البيئية والإنسان ؟
وتتفرع عن هذه الإشكالية مجموعة من التساؤلات تسعى هذه الدراسة للإجابة عليها.
1)- ماذا نقصد بالتربية البيئية ؟
2)- ماهي الاتجاهات المفسرة لعلاقة الإنسان مع البيئة ؟
3)- هل نجحت التربية البيئية في تغيير سلوكيات الفرد إتجاه البيئة ؟
2 التربية البيئية وإطارها التاريخي:
2-1 تعريف البيئة: تعدّدت تعاريف البيئة وفق التخصصات والمجالات التي تستخدم هذا المفهوم، ففي اللغة الإنجليزية فالبيئة تعني مجموعة الظروف والمؤثرات الخارجية التي لها تأثير في حياة الكائنات الحية ([1]). وفي اللغة العربية، فالبيئة مأخوذة من الفعل ” بوأ ” ونقول ” بوأتك بيتا ” بمعنى إتخذت لك بيتا، فالبيئة تعبر عن المكان والمحيط الذي يعيش فيه الكائن الحي ([2]).
أمّا في اللغة الفرنسية، فإن البيئة ” Environnement ” فهي مجموعة الظروف المحيطة والمؤثرة في التنمية وتشمل عناصر الطبيعة أيضا ([3]).
والبيئة هي ذلك الحيز الذي يمارس فيه البشر مختلف أنشطة حياتهم وتشمل ضمن هذا
الإطار كافة الكائنات الحية من حيوان ونبات والتي يتعايش معها الإنسان ويشكلون سويًا سلسلة متصلة فيما بينهم ([4]).
وعرف مؤتمر ستوكهولم في (1972) البيئة بأنها كل شيء يحيط بالإنسان، وقد يتسع هذا المفهوم فيشمل كل ما هو موجود في البيئة الخارجية وهي المحيط الذي يعيش فيه الكائن الحي ويشمل أيضا البيئة الداخلية وهي كل ما بداخل الإنسان من مشاعر وتفاعلات وإحساسات ([5]).
وتُعرف البيئة بمنظورها العالمي الشامل أيضا على أنها جميع العناصر التي تكون هذا الكون وتؤثر فيه، فالبيئة هي التكوين الطبيعي للأرض بكل ما تحتويه في باطنها أو على سطحها، من
مياه جوفية أو سطحية وما ينمو فيها من حياة بشرية وحيوانية ونباتية، فالكلام عن البيئة هو الكلام عن الحياة نفسها التي تتأثر بفعل الطبيعة من ناحية وبفعل الإنسان الذي يعيش هذه الحياة من
ناحية أخرى.
وتتفاوت تأثيرات كل منها على البيئة من الواضح أنّ البيئة هي كل مكونات المحيط
الذي يتواجد فيه الإنسان ويتفاعل معه لضمان وجوده الذي يتوقف على مدى تعايشه مع البيئة الطبيعية التي تعتبر ميراث لكل الأجيال والمحافظة عليها وعلى مواردها يعتبر ضروريًا حتى تواصل دورها في الحياة ([6]).
إنّ المحافظة على البيئة هو تحسين لنوعية حياة الفرد ضمن تكامل جميع العناصر والمكونات المختلفة للبيئة بدرجة متوافقة مما يؤدي إلى التوازن البيئي ضمن نظام بيئي متوازن أيضا ولن يتحقق ذلك دون تربية بيئية.
2-2- تعريف التربية البيئية:
التربية البيئية هي عبارة عملية تعلم مستمرة تهدف إلى تنمية الوعي بالبيئة وتدريب الأفراد على تحمل المسؤولية والالتزام بها لإتخاذ القرارات المناسبة إتجاه بيئته والمحيط الذي يعيش فيه.
تعرف التربية البيئية بأنّها تلك الجهود التي تبذلها الهيئات والمؤسسات الرسمية وغير الرسمية في توفير قدر من الوعي البيئي لكافة المواطنين، بحيث يكون هذا الوعي إسهامًا مباشرًا في
توجيه سلوك الأفراد نحو المحافظة على بيئتهم الطبيعية والمشيدة بشتى الوسائل والأساليب التي
تمكنهم من ذلك ([7]).
وتعرف التربية البيئية أيضًا بأنّها عملية الحساب المتلقي مهارات ضرورية لفهم العلاقة
المنظمة مع محيطه ([8]) والتربية البيئية هي إحدى وسائل تحقيق أهداف حماية البيئة ([9]).
من الواضح أن التربية البيئية تزود الفرد بالمهارات والقيم والاتجاهات اللازمة للمحافظة على بيئته وحمايتها وحل مشاكلها و تحقيق ذلك مرتبط بوعي الإنسان وثقافته البيئية حيث تلعب التربية البيئية دورًا هامًا في خلق هذا الوعي الذي يؤدي إلى حماية البيئة وتطورها.
-مراحل تطور التربية البيئية:
تبلور مفهوم التربية البيئية في سبعينات القرن الماضي بعد إنعقاد مؤتمر ستوكهولم سنة (1972) بحضور كل الدول الأعضاء في الأمم المتحدة حيث إعترف العالم بالدور المهم للتربية البيئية في حماية البيئة والمحافظة عليها وعلى مواردها ([10]).
وخرج المؤتمر بأكثر من (109) توصية وأبرزها توصية رقم (96) التي تدعو من خلالها منظمة اليونسكو والأمم المتحدة لتبني برنامج جامع لعدة فروع علمية للتربية البيئية سواء داخل المدرسة أو خارجها، على أن يُعمم هذا البرنامج على كل مراحل التعليم في كل الدول بهدف المحافظة على البيئة وصيانة مواردها إذن التربية البيئية هو تفاعل بين التربية البيئة، وقد تطور ليتضمن النواحي الاقتصادية والإجتماعية ([11]).
وبعدها جاء مؤتمر بلغ راد المنعقد في (1975) والذي أكد على ضرورة الاهتمام بالتربية البيئية وتكوين جيل واع مهتم بالبيئة وبالمشاكل المرتبطة بها وأن يساهم في حلها ([12]).
أما مؤتمر تبيليسي بالاتحاد السوفياتي سابقًا المنعقد بتاريخ (1977) فقد أكد على دور التربية البيئية محليًا ودوليًا في توجيه الأنظمة التربوية نحو المزيد من الفاعلية والواقعية لتحقيق تفاعل أفضل بين البيئة الطبيعية والمشيدة كما أوصى بضرورة التعامل بعقلانية مع مشاكل البيئة والإرتقاء بها([13]).
وفي (1992) جاء مؤتمر ريو دي جانيرو في البرازيل والمعروف إعلاميًا بقمة الأرض ليؤكد على أن العالم سيكون موطئًا أكثر عدلا وأمنًا ورفاهية لكل البشر مع التأكيد مرة أخرى على ضرورة السلام والتنمية وحماية البيئة وهي كلها أمور متداخلة مع بعضها البعض([14]).
وبعدها وفي (2002) عقد مؤتمر جوهانسبورغ مؤكدا على ضرورة تنفيذ أجندة القرن الحادي والعشرين وتحقيق الأهداف التي أقرتها الأمم المتحدة في (2000) إضافة إلى حماية البيئة ومكوناتها عبر آليات التربية البيئة.
وتوالت بعدها المؤتمرات العالمية الخاصة بالبيئة في (2016) و (2020) في باريس
بهدف تنمية الوعي الدولي البيئي خاصة لدى صناع القرار في العالم هؤلاء الذين تُحركهم أيضا المصالح الاقتصادية بالدرجة الأولى.
وتبقى حماية البيئة والمحافظة عليها مرتبطة إرتباطًا وثيقًا بوعي الإنسان المرتبط بالتربية البيئية القادرة على تحسين سلوكات الفرد إتجاه بيئته فيصبح في علاقة تفاعل إيجابي معها مما يؤدي إلى حل للمشاكل البيئية المهددة لحياة وفي مقدمتها التلوث البيئي وإستنزاف الموارد الطبيعية.
3: الإنسان محور التربية البيئية:
3-1علاقة الإنسان بالبيئة الاتجاهات العلمية المفسرة لها:
إنّ العلاقة بين الإنسان والبيئة علاقة قديمة لأنّ البيئة تمثل بعدًا أساسيًا في حياة الإنسان
ولا يستطيع الاستغناء عنه، فحياة الإنسان ماهي إلا تفاعل متواصل مع البيئة وأية محاولة للفصل بينهما هي محاولة فاضلة، فعلاقة الإنسان والبيئة علاقة متجذرة منذ بدء الكون.
وعند دراسة تطور العلاقة والتفاعل بين الانسان والوسط البيئي الذي يعيش فيه نجد
أن هذا التطور مر بمراحل متعددة تعبر في الحقيقة عن دورته الحياتية في هذا الكون ويمكن تلخيصها فيما يلي:
⮲- المرحلة الأولى: وهي المرحلة التي كان يتعامل فيها الإنسان مع بيئته بشكل بسيط وعفوي دون التأثير على مكونات البيئة أو في التوازن البيئي حيث إستطاع الإنسان أن يكتسب الخبرة في تحسين ظروفه الحياتية دون المساس بالبيئة ([15]).
⮲- المرحلة الثانية: وهي التي تميزت بإزدياد النشاط الإنساني وزيادة متطلبات الإنسان فإنتقل إلى ممارسة الزراعة وإستصلاح الأراضي وصيد الحيوانات، فبدأ الإنسان يكتسب القدرة على التأثير على البيئة ولكن هذا التأثر كان محددًا دون الإضرار بها.
⮲- المرحلة الثالثة: وهي مرحلة الاستقرار والتطور أكثر في الزراعة واستغلال مياه الأنهار وتطوير أساليب الزراعة والحرث والري، فبدأت النفايات الطبيعية المرتبطة بالنشاط البشري في الظهور وبالتالي الإضرار بالبيئة ومقدراتها ([16]).
⮲- المرحلة الرابعة: و هي مرحلة الثورة الصناعية التي شهدتها أوروبا الغربية حيث أخذت التجمعات السكانية تنمو تدريجيًا خاصة في المدن الكبرى حيث المصانع فبدأ من مرحلة تحويل الموارد الطبيعية إلى سلع وخدمت وصاحب ذلك إنتشار مواد ونفايات غريبة عن النظام البيئي الطبيعي ما نتج عنه تغيرات كبيرة في بنية البيئة ومكوناتها ومازال العالم يعيش هذه المرحلة في ظل الثورة التكنولوجية التي أحرزها الإنسان والتي تتميز التوسع في استخدام الأدوات الالكترونية المختلفة والتوسع في إستخدام مصادر الطاقة الشمسية والرياح، فأزدادت مشاكل البيئة التي تهدد الكرة الأرضية ([17]).
نستخلص أنّ الإنسان بدأ حياته على الأرض وإنشغاله الأكبر يتلخص في حماية نفسه
من الطبيعية خاصة ما يتعلق بالحيوانات المفترسة، غير أن هذه العلاقة تطورت في إتجاه مغاير تمامًا ويعبر عن الأخطار المهددة للبيئة التي لم تعد قادرة على تجديد مواردها الطبيعية، ما يوحي بوجود إختلال خطير في التوازن البيئي ومسؤولية ذلك تقع على الانسان الذي أصبح يهدد البيئة وتوازن نظامها.
3-2 الإتجاهات المفسرة لعلاقة الإنسان بالبيئة:
تمثل البيئة بعدًا أساسيًا في حياة الإنسان وهو يحاول منذ بدء الخليقة التفاعل مع البيئة والتعامل مع مكوناتها الأساسية على الرغم من كون هذه العلاقة تحكمها تباينات وتناقضات كثيرة لها علاقة بطبيعة البيئة من ناحية ومتطلبات الإنسان من ناحية أخرى.
عمومًا هناك إتجاهات فكرية حاول تفسير هذه العلاقة، نوجزها فيما يلي:
⇦- الإتجاه البيئي: يعطي هذا الاتجاه للطبيعة الوزن الأهم في علاقة البيئة مع الإنسان الذي ينظر إليه ككائن سلبي إتجاه قوى الطبيعة والإنسان يتواجد في بيئته التي تؤثر فيه ويذهب الاتجاه البيئي إلى التأكيد على أنّ المنظومة البيئية هي العامل الوحيد في نشأة وتشكيل الثقافة والنظم الاجتماعية وأن الاختلافات الموجودة بين المجتمعات الإنسانية تعود إلى الإختلافات البيئية التي تحدد النظام الثقافي والإجتماعي وفقا للبيئة الفيزيقية ([18]).
وعمومًا يقوم الفكر البيئي على مبدأ أساسي وهو أنّ الإنسان يعيش في بيئة تسيطر عليه مفروض عليه أن يتكيف مع بيئته لكي يتمكن من العيش.
من الواضح أنّ الفكر البيئي أو كما يسميه البعض بالفكر الحتمي هو فكر لا يعترف بقدرة الإنسان على التفكير الإيجابي فيجعل منه إنسان تابع ومسير بالدرجة الأولى وهذا الطرح أكده أحد مؤيدي الاتجاه البيئي وهو فيكتور كزن ” Victor Katze ” الذي قال قولته الشهيرة: ” أعطي خريطة لبيئة ما ومعلومات كافية عن موقعها وماخها ومواردها الطبيعية وبإمكاني على ضوء ذلك أن أحدد لك أي نوع من الإنسان يمكن أن يعيش في هذه البيئة وماهي نشاطاته الاقتصادية ([19]).
وعمومًا لقد تعرض الاتجاه البيئي للكثير من الانتقادات التي يؤكد أصحابها على أنّ البيئة تعتبر من العوامل الهامة المؤثرة على الانسان ولكنها ليست العامل الأوحد فهناك العوامل الاجتماعية والاقتصادية والتاريخية التي لها دورها أيضا ويضاف إلى هذا التطورات التكنولوجية التي أحرزها الإنسان ومكنته من السيطرة على العوائق البيئية كمثلا بعض الدول التي فرض عليها موقعها أو حتى مناخها العزلة كسرت هذه العزلة بفضل تقدم وسائل الإتصال والمواصلات.
⇦- الإتجاه الإمكاني (الإمكانية): يرى إنصار هذا الاتجاه الذي توهج في النصف الثاني من القرن العشرين أن الإنسان ليس مجرد كائن سلبي يتأثر فقط بالعوامل البيئة الطبيعية بطريقة حتمية ولكنه قوة إيجابية وفعالة وذكية قادرة على التأثير والتغيير والتنشيط وعلى البيئة لأنه هو الذي يختار كيفية إستغلاله لموارد ومكونات بيئته.
وبالتالي فهو سيد إختياراته، فقدرات الإنسان هي المحدد الرئيسي لعلاقته وتعامله مع بيئته قصد تطويع مكونات البيئة الطبيعية بما يحقق أهدافه وإحتياجاته وطموحاته ويظهر تأثير الإنسان ككائن إيجابي في البيئات الصحراوية الجافة التي تعاني من ندرة المياه وملوحة التربة فنجح في التغلب على العراقيل الطبيعية بإكتشاف المياه الجوفية والإستفادة منها في الزراعة والعمران، كما أبدع الإنسان في مواجهة الحرارة بإكتشاف أجهزة التبريد والتدفئة مما مكنه من السيطرة على بيئته بكفاءة عالية.
غير أن هذه الإنجازات التي حققها الإنسان نتج عنها مشاكل خطيرة تبدو ملامحها واضحة في إختلال التوازن البيئي وإستنزاف البيئة التي لم تعد قادرة على تجديد مواردها الطبيعية الأمر الذي ينذر بإنهيار حضارة بأكملها بفعل سوء إستخدامها لبيئتها.
⇦- الإتجاه التوافقي: حاول هذه الإتجاه التوفيق بين الاتجاهين السابقين دون مغالاة
أو تعصب حيث يرى أن العلاقة بين الإنسان والبيئة علاقة متباينة يبرز فيها دور الطبيعة تارة ودور الإنسان تارة أخرى ومن ثم فهناك علاقة متوازنة بينها وعليه فإنّ الحتمية المطلقة والإمكانية المطلقة أمر مرفوض من خلال الواقع الفعلي ([20]).
من الواضح أن علاقة الإنسان بالبيئة قديمة قدم ظهور الجنس البشري على وجه الأرض وعليه تقع مسؤولية حماية البيئة وفق أساس علمي معرفي قائم على إدراك أهمية العلاقة بين الإنسان والبيئة ومحاولة دراسة هذه العلاقة الحيوية على إعتبارات الإنسان هو عنصر مُكمل لعناصر البيئة ولكنه نسي أو تناسى هه الحقيقة حينما أعتبر البيئة مخزنًا ضخمًا للثروة، فأطلق لقدراته العنان لاستغلال إمكاناتها والسيطرة عليها وقد أدى هذا الخلل إلى العديد من المشاكل البيئية وإخلال التوازن وهو ما يهدد حياة الإنسان ([21]).
3-3- التربية البيئية كمدخل أساسي لحماية البيئة:
لقد أصبح هناك قناعة شبه كاملة من أنّ إدارة البيئة بشكل متوازن وسليم يتوقف بدرجة
كبيرة على الإنسان الذي يستفيد من كل خيرات وموارد البيئة مع ذلك فهو أحد أهم أسباب مشاكلها،
كمشاكل البيئة هي نتيجة لسلكت الإنسان الخاطئة إتجاهها وعليه لابد من إيقاف الأنشطة البشرية الهادمة والمضرة وتحويلها إلى أنشطة صديقة للبيئة والإنسان.
إن حماية البيئة مهمة ترتبط بوعي الإنسان وثقافته وفي هذا المجال تلعب التربية البيئية دور هام في خلق الوعي والثقافة البيئية التي تعلم الإنسان كيفية التكيف الإيجابي مع بيئته، الأمر الذي يُسهم في إيجاد الحلول للكثير من المشاكل البيئية خاصة إذا إنطلقنا من فكرة أساسية مفادها أن مسؤولية حماية البيئة هي مسؤولية فردية وجماعية يشترك فيها كل المجتمع بأفراده ومؤسساته المختلفة.
هذا الطرح أكدته الهيئات الدولية وفي مقدمتها اليونسكو التي دعت إلى حماية البيئة ونشر التربية البيئية التي تعد مسؤولية كل مؤسسات المجتمع ([22]) وسبقتها بسنوات الأمم المتحدة من خلال مؤتمراتها بداية بمؤتمر ستوكهولم الذي إنعقد 1972 مرورا بمؤتمر تبيليسي في 1977 إلى مؤتمر بلغراد ووصولا إلى قمة الأرض بجنوب إفريقيا وكلها دعت إلى ضرورة تبني الوسيلة الرئيسية الفعالة لتنمية الوعي البيئي وإكتساب القيم البيئية السلوك البيئي السليم وهذا بإدراج وإدخال التربية البيئية التي أصبحت حتمية ضمن مؤسسات المجتمع وفي مقدمتها المدرسة ولمناهج التعليمية قصد تحقيق الأهداف التالية ضمن التربية البيئية وهي:
– الوعي: مساعدة الأفراد على إكتساب الوعي البيئي والإحساس بمشاكل البيئة والتفاعل
معها إيجابًا.
– الاتجاهات: المساهمة في مساعدة الأفراد على إكتساب إتجاهات إيجابية وفاعلة لتحسين علاقتهم بالبيئة وحمايتها.
– المعارف وتتمثل في تزويد الأفراد بالأدوات والمؤهلات اللازمة لحل مشاكل البيئة.
– المساهمة في توفير الفرص للأفراد والجماعات الاجتماعية لإكتساب المعرفة الضرورية لصنع القرار وحل مشاكل البيئة بوصفهم مواطنين مسؤولين ([23]).
يظهر التربية البيئة هي عملية تكوين المهارات والاتجاهات والقيم اللازمة لفهم وتقدير العلاقات المعقدة التي تربط الإنسان وحضارته بمحيطه الحيوي، وتوضيح حتمية المحافظ على مصادر البيئة وضرورة حسن إستغلالها لصالح الإنسان وحفاظا على حياته ([24]).
وهي أيضا إعداد الفرد للتفاعل الناجح مع البيئة لحسن الإنتفاع بها والمحافظة عليها وتطويرها، وهي تتطلب ربط الخبرات في مختلف مواد الدراسة بما يسير الإدراك الكامل والمتكامل لمشكلات البيئة وفهمها ويُتيح بذل جهد أكبر وأقدر على الوفاء بتطويرها وبإحتياجات المجتمع ([25]).
إذن من خلال التربية البيئية ونشر الوعي البيئي يتحقق إشراك الفرد في القرارات المرتبطة بالبيئة بإعتباره أحد طرفي التفاعل وبالتالي فإن إشراكه في الدراسات البيئية وتجديد المشكلات وإيجاد البدائل يُعد من الأمور المنطقية، إذ لا يجوز أنا يتخذ أحد القرارات ويفرضها على الفرد دون أن يشارك فيها، فهذا يقلل من إقتناعه وحمايته لتنفيذ القرار، بينما إذا شارك الفرد في إتخاذ القرار فإن ذلك يجعله في إقتناع كامل وحرص على تنفيذ قرار شارك في صنعه ([26]).
وإنطلاقا من هذا فإن الانسان مطالبُ اليوم وأكثر من أي وقت مضى من تعديل سلوكه
البيئي بما يتناسب مع حماية البيئة للوصول إلى تحقيق علاقة متوازنة كفيلة بالحفاظ على البيئة والإنسان معًا.
إن بناء علاقة متوازنة بين الإنسان والبيئة يمر عبر مسار التربية البيئية وإدراجها في كل المضامين التربوية والإجتماعية والناهج التعليمية وكذا البرامج الإعلامية لإيقاظ الحس والوعي البيئي تمية السلوكات والاتجاهات والمفاهيم والمهارات في إتجاه واحد هو حماية البيئة والمحافظة على مقدراتها الطبيعية.
وإنطلاقا من فكرة أنّ الإنسان هو إبن بيئته ومجتمعه فهو يتعلم ويكتسب السلوكات والقيم المختلفة من الجماعات التي ينتمي إليها وبالتالي فسلوكه إتجاه بيئته بعكس المؤسسات والوسائط الاجتماعية المختلفة التي يعتمد عليها في تشكيل شخصية وفي مقدمة هذه المؤسسات تأتي الأسرة.
فقضية الحفاظ على البيئة تقع جزء مهم من مسؤوليتها على دور وسائل الإعلام في نشر المفاهيم والقيم البيئية السليمة التي تساهم في تحقيق الوعي وتنمية الحس البيئي لدى كل فئات المجتمع
فالإعلام البيئي يعتبر أحد المداخل الأساسية لحماية البيئة ونشر الثقافة البيئية في المجتمع من خلال طرح القضايا البيئية ومعالجتها وتقديمها بصورة سليمة للجمهور وتزويده بمختلف المعلومات ذات العلاقة بالبيئة، لتحفيزه نحو تغيير سلوكياتهم المضرة بالبيئة والمشاركة الإيجابية في المحافظة ليها. وفي السياق ذاته تطرح عدد من الباحثين إلى دور وسائل الإعلام في التوعية البيئية ويتقدمهم Sand Man الذي أكد على أهمية دور وسائل الإعلام الإخبارية وعلاقتها بتوعية الجماهير من حيث نقل المعلومات والمهارات الخاصة بالمعرفة البيئية إذن هناك علاقة مترابطة بين وعي الجماهير للمشاكل البيئية والتغطية الإعلامية ([27]).
وإضافة إلى ما سبق نجد أن هناك تفاوتًا واضحًا فيما يخص تأثير الوسائل الإعلامية في نشر التربية البيئية وذلك من حيث الخصائص وقدرة كل وسيلة على التأثير وفي هذا المدرسة ووسائل الإعلام لتلعب دورًا أساسيا في بناء العادات السليمة والقيم وأنماط السلوك البيئي لحماية البيئية والمحافظة عليها.
ومن هنا سنحاول تسليط الضوء على أكثر المؤسسات الاجتماعية تأثيرا في ترشيد السلك البيئي المتوازن لدى الفرد وتحقيق أهداف التربية البيئية.
4- المؤسسات الاجتماعية الهادفة لنشر التربية البيئية
4-1 المؤسسات غير نظامية والتربية البيئية:وتتمثل في :
- الأسرة ونشر التربية البيئية:
تعتبر الأسرة من أهم المؤسسات الاجتماعية الثابتة قيمة ورسالة، يتعلم فيها الفرد القيم والاتجاهات والسلوكيات الاجتماعية الثقافية والدينية.
ولها دور كبير في تلقين الفرد سلوكات وقيم إيجابية نحو البيئة ومكوناتها وعندما تمارس إحدى الأسس البيئية داخل الأسرة، فإنها تلقن الفرد أسلوب حياة وبالتالي فهناك كثير من مفاهيم التربية البيئية التي نتعلمها في المنزل، فعندما تعلم الأسرة أبنائها كيفية المحافظة على النباتات وعدم تبذير المياه والكهرباء فهي بذلك تقوم بمهام التربية البيئية عبر سلوكات إيجابية إتجاه البيئة.
- وسائل الإعلام ونشر التربية البيئية:
يعتبر الإعلام أحد الدعائم الأساسية في حماية البيئة، الصدد أوضحت الدراسات العلمية أن التلفزيون يتقدم سائر وسائل الإعلام كمصدر رئيسي للمعلومات البيئية بالنسبة للجمهور ([28]).
من الواضح أنّ الإعلام هو أحد أجنحة التربية البيئية وهو آداة إذا أحسن إستثمارها كان لها مردود إيجابي لرقي، بالوعي البيئي، ونشر الإدراك السليم للقضايا البيئية، ويعمل الإعلام على تفسير وفهم وإدراك المتلقي لقضايا البيئة المعاصرة وبناء قناعات معينة إتجاه قضاياها ([29]).
كما لعبت أيضًا وسائل الإعلام الجديدة في السنوات الأخيرة وعبر الوسائط التكنولوجية دورًا هامًا في طرح القضايا والمشاكل البيئية من أجل نشر الوعي وقيم التربية البيئية والدعوة إلى المساهمة في الحملات التطوعية لحماية البيئة والمحيط إلى جانب إدراج الصور والفيديوهات والتعليقات من أجل جذب إنتباه المستخدمين وبلورة الوعي البيئي له ([30]).
- الجمعيات ونشر التربية البيئية (المجتمع المدني):
بدأت حركة تكوين جمعيات الدفاع عن البيئة منذ السبعينات وذلك من خلال مشاركة مجموعة من المنظمات غير حكومية أو ما يُعرف بالمجتمع المدني بصورة إيجابية في طرح ومناقشة الموضوعات والقضايا الخاصة بالبيئة مؤتمر الأمم المتحدة حول البيئة المنعقد في ستوكهولم السويدية عام (1972) ليبدأ بذلك ممارسة الضغط السياسي على السياسيين الذي برز جليا في مؤتمر ريو دي جانيرو في (1992) الذي أقر على ضرورة إشراك الجمعيات والهيئات غير الحكمية في تطبيق قرارات المؤتمر وبإعتبارها شريكا أساسيا يملك مصداقية كبيرة ([31]).
لقد ساهمت هذه الجمعيات في صنع وبلورة العديد منّ المعاهدات البيئية لحماية البيئة والمحافظة عليها من خلال الضغط على حكومات الدول ونشر المعلومات لوسائل الإعلام والتهديد باللجوء إلى القضاء في حالة مخالفة قوانين حماية البيئة.
كما تقوم الجمعيات البيئة بأعمال ميدانية كحملات التطوع للتنظيف والتحسيس والتشجير والقيام بدور المنبه والمراقب للكشف عن كل الانتهاكات التي تمس البيئة ([32]).
ولهذه النوعية من الجمعيات أدوارا حاسمة في تعريف المواطنين بالمشاكل البيئية ونشر التربية البيئية لحياة أفضل، ومن أمثلة هذه المنظمات النشيطة نجد منظمة السلام الأخضر والتي تعتمد أساسًا على المواجهة السياسية و تحشيد الرأي العام مثل ما حدث في عام (1996) عندما قررت شركة ” شل “ التخلص من منصة بترول الفة تسمى برينت سبار بإغراقها في بحر الشمال فشنت منظمة السلام الأخضر حملة مقاطعة واسعة لجميع خدمات شركة ” شل ” التي إضطرت تحت ضغط المقاطعة إتخاذ تدابير أخرى ([33]).
لقد فرض المجتمع المدني بجمعياته المدافعة عن البيئة نفسه في الساحة الدولية كطرف فاعل ومؤثر مسؤول عن حماية البيئة ونشر الثقافة والتربية البيئية الكفيلة بتشخيص وحل مشكلات البيئة من خلال المساهمة في مساعدة الأفراد الجماعات وحتى الدول في إحترام البيئة ومقدراتها ووضع حد للتدهور البيئي الذي ينذر بكارثة تهدد حياة الأرض ومن عليها.
4-2 المؤسسات النظامية والتربية:
- المدرسة والتربية البيئية:
تعتبر المدرسة من أهم المؤسسات الاجتماعية التي أنشأها المجتمع عن قصد لتنشئة الأجيال وتنمية شخصيات الأفراد ليصبحوا صالحين في المجتمع، إضافة إلى أنها بيئة لتلقين المعارف ولمهارات، فهي تنمي شخصية المتعلم وكفاءته في نسج العلاقات الاجتماعية والنجاح في إيجاد الأصدقاء، والتعامل مع المحيط الاجتماعي على نحو يليق بالمدرسة وبمكانة التلميذ في الوسط المدرسي، وبشكل يجلب له الإحترام ويعمق الحس الحضاري والسلوك المثالي في نفسية التلميذ ([34]).
إن المدرسة بما لها من إمكانيات مادية ومعنوية تستطيع أن تقوم بدورها في النهوض بالمجمع وتنمية وعي الناس بالمشاكل البيئية التي تعرقل تقدمهم، فهي جزء منّ النظام الاجتماعي، وهي آداة لتصحيح الأخطاء التي قد تكون إرتكبتها.
إنّ المدرسة بما لها من إمكانيات مادية ومعنوية تستطيع أن تقوم بدورها في النهوض بالمجتمع وتنمية وعي الناس بالمشاكل التي تعرقل تقدمهم، فهي جزء مخن النظام الاجتماعي، وهي أداة لتصحيح الأخطاء التي قد تكون إرتكبتها مؤسسات أخرى.
إن أية إجراءات تتخذ لحماية البيئة ومواجهة مشكلاتها ينبغي أن تبدأ بالإنسان بإعتباره المسؤول الأول عليها، والأساس في هذا الشأن يرجع إلى تربية الإنسان تربية بيئية يفهم من خلالها أسس التفاعل الإيجابي مع بيئته ويقتنع بأهمية المحافظة عليها ويسلك السلوك البيئي المناسب إتجاهها، ولن يتم ذلك غلا من خلال المؤسسات التربوية التي تقوم بتنمية الفكر النقدي والبيئي، بتعليم المهارات الأساسية والمتكاملة لحل المشكلات البيئية أو الخدمة تفاقمها. والتربية البيئية تستخدم أساليب مختلفة في التعليم مع التأكيد على النشاطات البيئية والملاحظة المباشرة ذات الصلة بالبيئة ([35]).
إن موضوع التربية البيئية أصبح من المحاور الرئيسية في المنظومة التربوية لأهميتها
في ترشيد سلوك الإنسان نحو بيئته ومواردها وحثه على التكيف الإيجابي مع بيئته الطبيعية وذلك عن طريق توضيح المفاهيم التي تربط العلاقات المتبادلة بين الإنسان وثقافة وبين محيطه الطبيعي، الأمر الذي يتطلب مهارات وقرارات تمكن الفرد من المشاركة في حل المشكلات البيئة المحيطة به والمهددة لحياته
من الواضح أن التربية البيئية ينبغي أن تساهم في توجيه الأنظمة التربوية نحو المزيد من الفاعلية والايجابية ولتحقيق تفاعل أكبر بين البيئة الطبيعية والبشرية والواقعية.
تبقى التربية البيئية نمط من التربية لتنظيم علاقة الإنسان بيئته فإذا تحولت هذه العلاقة إلى صراع فستُدمر معها كل مقومات الحياة في البرد والجو وهذا يمثل تهديدًا للإنسان والبيئة.
- الوعي البيئي وممارسات الإنسان:
بعد كل هذه المراحل التي قطعتها التربية البيئية فمازالت هناك العديد من التساؤلات التي تفرض نفسها وفي مقدمتها هل أدى الوعي البيئي إلى التغيير وعلى الأقل تصحيح سلوكات وممارسات الإنسان تجاه البيئة ؟ وتأتي أهمية هذا السؤال من منطلق أنّ الإنسان هو محور التربية البيئية وعليه تقع المسؤولية الكبرى كعنصر فاعل في القضايا البيئية المختلفة، ولعل هذا الطرح أكدت عليه كل المؤتمرات الدولية التي تناولت موضوع البيئة كمؤتمر ستوكهولم في (1972) الذي إعترف وأكد على أنّ كل التشريعات البيئية لا تكفي وحدها لحماية البيئة والمحافظة عليها بل لابد من وعي بيئي لدى الإنسان المطالب باكتساب المهارات والخبرات والاتجاهات والقيم اللازمة للاهتمام بالبيئة والمشاركة الإيجابية لحمايتها ([36]). إن تطور العلاقة بين الإنسان والبيئة عرى العديد من التجاذبات التي أثرت بشكل أو بآخر على تعامل الإنسان مع البيئة التي ينتمي إليها قارة يقف عاجزًا أمامها نتيجة لتخلفه العلمي والحضاري وتارة أخرى يتكيف معها ونجده مبدعًا في التغلب على كثير من المعوقات البيئية. غير أن الإنسان مع ضغوطات الحياة الاقتصادية والإجتماعية والمادية تجاهل البيئة وحمايتها فأصبح من أسباب تدهورها وإستنزاف مقوماتها وإن كان التقدم العلمي قد مكن الإنسان من فرض سيطرته على بيئته إلا أنه إنحرف عن الطريق البيئي السليم، فأفسد الماء والهواء والتربة مما إنعكس سلبًا على قدرات البيئة ([37]).
من الواضح أن إزدياد الوعي بمشكلات البيئة لا يعني بالضرورة حدوث تغييرات إيجابية في سلوكيات الأفراد وتعاملهم مع البيئة التي أصبحت موضوعا مناسباتيا يُطرح في وسائل الإعلام بمناسبة إنعقاد مؤتمر وطني أو دولي يناقش البيئة بينما يبقى الإنسان بعيدا عن المشكلات البيئية ومبادرات حلها أو المشاركة الإيجابية والنظر إلى البيئة كجانب إنساني رئيسي من نظام القيم الاجتماعية وحتى الوجدانية والسلوكية، فحماية البيئة مسؤولية فردية وحماية في آن واحد وهي قضية كل المجتمع الدولي بمؤسساته المختلفة.
5 خاتمة:
تعتبر البيئة بعدًا أساسيًا في حياة الإنسان وأية محاولة لإرباك العلاقة بين الإنسان والبيئة فيها مخاطر كبيرة تهدد وجودهما معًا، ولذلك فإن معرفة الإنسان لتأثيرات سلوكه على البيئة تُمكنه من تعديل وتصحيح هذه السلوكات وتقدير المكونات البيئية الأساسية المحيطة به لتجنب الوقوع في الكوارث البيئية التي ينتج عنها أزمات سياسية وإقتصادية خطيرة تهدد السلم والأمن العالميين.
والتربية البيئية تُعد خلقه جوهرية أساسية في تشكيل الوعي إتجاه قضايا البيئة ومشكلاتها التي باتت تؤرق كثيرًا دول العالم وتضعه أمام مسؤولياته لأن الكلام عن البيئة هو الكلام عن حياة الإنسان نفسها التي تتأثر بفعل الطبيعة من جهة وبفعل ممارسات الإنسان من جهة أخرى.
والوعي البيئي وقيم التربية البيئية تتجسد من خلال عدة قنوات ومؤسسات رسمية وغير رسمية تعمل على تزويد الأفراد بالمعارف والمهارات الصحيحة في التعامل مع البيئة وهو ما يُعدد السلوكيات الصديقة للبيئة ويُساهم في حل مشكلاتها وهو ما يدعو إلى ضرورة الاهتمام أكثر بمجال التربية البيئية كمجال إستراتيجي مهم لتحقيق المعادلة المهمة في علاقة الإنسان مع البيئة.
قائمة المراجع:
إبراهيم سليمان عيسى، تلوث البيئة أهم قضايا العصر المشكل والحل، الطبعة الأولى، دار الكتاب الحديث، القاهرة، 2002، ص: 55.
أحمد فرج العطيات، البيئة الداء والدواء، الطبعة الأولى، دار المسيرة للنشر والتوزيع، عمان، 2007، ص: 97.
أحمد حسين اللقاني وفارعة محمد حسن، التربية البيئية بين الحاضر والمستقبل،عالم الكتب للنشر والتوزيع والطباعة، القاهرة، 1999،ص ص:18-19.
إدوار غالب، الموسوعة في علوم الطبيعة، ديوان المطبوعات الجامعية، الجزائر، 1990، ص: 108.
أياد عاشور الطائي، محسن عبد علي، التربية البيئية، المؤسسة الحديثة للكتاب، طرابلس، 2010، الطبعة الأولى، ص: 39.
إيمان محمد غيث، منى حسن ذهبية، ص: 27.
أيمن سليمان زاهرة، علي افتح الوشاك، البيئة والمجتمع، دار الشروق، عمان، 2003، الطبعة الأولى، ص: 22.
حسن طه، البيئة والإنسان: دراسات الإيكولوجيا البشرية، الطبعة الثالثة، الكويت، 1984، ص: 15.
حسن عبد الحميد، أحمد رشوان، البيئة والمجتمع، المكتب الجامعي، الطبعة الأولى، الإسكندرية، 2006، ص: 161.
حسين عبد الحميد أحمد رشوان، البيئة والمجتمع: دراسة في علم إجماع البيئة، جامعة الإسكندرية، مصر، 2006، ص: 80.
راتب السعود، الإنسان والبيئة: دراسة في التربية البيئية، دار حامد، عمان، 2004، ص: 69.
ربيع عادل مشعان وآخرون، التربية البيئية، دار عالم الثقافة للنشر والتوزيع، عمان، 2006، ص: 106.
رشيد الحمد محمد سعيد صاريني، البيئة ومشكلاتها، عالم المعرفة، الكويت، 1979، ص ص: 108-111.
رمضا عبد الحميد، التربية البيئة، تربية حتمية، دار الثقافة، عمان، الطبعة الأولى، بدون سنة النشر.
سناء محمد الجبور، الإعلام البيئي، الطبعة الأردن، الأردن، 2011، ص: 40.
السيد عبد العاطي، الإنسان والبيئة، دار المعرفة الجامعية، الإسكندرية، 1986، ص: 69.
شعشوع قويدر، دور المنظمات غير الحكومية في حماية البيئة، رسالة ماجستير، جامعة بن خلدون، تيارت، 2009، ص: 30.
عبد العزيز مخيمر، دور التنظيمات الدولية في حماية البيئة، دار النهضة العربية، القاهرة، ص: 55.
عبد الله الحرتسي، السياسة البيئية ودورها في تحقيق التنمية المستدامة: دراسة حالة الجزائر، ماجستير في العلوم الاقتصادية، جامعة الشلف، 2005، ص: 88.
عصام توفيق قمر، الأنشطة المدرسية والوعي البيئي، دار السحّاب للنشر والتوزيع، مصر، الطبعة الأولى، 205، ص: 93.
عصام نور، الانسان والبيئة في عالم متغير، مؤسسة شباب الجامعة، الإسكندرية، 2002، ص: 20.
عفيفي السيد عبد الفتاح، بحوث في علم الاجتماع المعاصر، دار الفكر العربي، 1996، ص: 217.
فارس محمد عميرات، السياسة التشريعية لحماية البيئة في مصر وقطر ودور الأمم المتحدة في حمايتها، المكتب الجامعي الحديث، 2005، ص: 44.
كاظم المقدادي، التربية البيئية، منشورات الأكاديمية الغربية المفتوحة بالدنمارك، 2006، ص: 57.
كيحل فتيحة، الإعلام الجديد ونشر الوعي البيئي، رسالة ماجستير غير منشورة، الجزائر، جامعة باتنة، 2010،ـ ص: 121.
ليستر براون، إقتصاد البيئة، إقتصاد جديد لكوكب الأرض، ترجمة: أمين الجميل، الطبعة الأولى، المعية المصرية اللبنانية، القاهرة، 2003، ص: 15.
ماجد راغب الحلو، قانون حماية البيئة في ضوء الشريعة، دار الجامعة الجديدة، الإسكندرية، 2007، ص: 26.
محمد الصيرفي، السياحة والبيئة، دار الفكر الجامعية، الإسكندرية، 2007، ص: 10.
محمد دعوة، المشاركة الشعبية والتنمية: دراسة في المعوقات البنائية والثقافية، دار العلوم للنشر والتوزيع، مصرن 2007، ص: 10.
محمد عبد الرمان الشرنوبي، الإنسان والبيئة، مكتبة الأنجلو، مصر، 1976، ص: 136.
المنظمة العربية للثقافة والتربية والعلوم، الإعلام البيئي، جامعة الدول العربية، تونس، 1987، ص: 13.
مني محمد علي جاد، التربية البيئية في الطفولة المبكرة وتطبيقاتها، دار المسيرة للنشر والتوزيع، الأردن، الطبعة الثانية، 2007،ـ ص: 95.
مهني إبراهيم غايم، ص: 52.
وزارة التربية الوطنية، وزارة البيئة، دليل المربي في التربية البيئية، 2004، ص ص: 06-07.
المراجع الأجنبية:
Maurtin Mireille, Hachette Encyclopédique Illustre 2 eme édition, maury Imprimeur Sa, Paris, 96, P : 43.
Ahmed Ghouati, Environnement et éducation Analyse d’une Stratégie d’introduction d’une éducation en Algérie, la revue électronique en Science de L’environnement, Volume 12, N : 21, Septembre, 2012, P : 14.
Margins::
- – محمد الصيرفي، السياحة والبيئة، دار الفكر الجامعية، الإسكندرية، 2007، ص: 10. ↑
- – فارس محمد عميرات، السياسة التشريعية لحماية البيئة في مصر وقطر ودور الأمم المتحدة في حمايتها، المكتب الجامعي الحديث، 2005، ص: 44. ↑
- – Maurtin Mireille, Hachette Encyclopédique Illustre 2 eme édition, maury Imprimeur Sa, Paris, 96, P : 43. ↑
- – حسن طه، البيئة والإنسان: دراسات الإيكولوجيا البشرية، الطبعة الثالثة، الكويت، 1984، ص: 15. ↑
- – حسين عبد الحميد أحمد رشوان، البيئة والمجتمع: دراسة في علم إجماع البيئة، جامعة الإسكندرية، مصر، 2006، ص: 80. ↑
- – السيد عبد العاطي، الإنسان والبيئة، دار المعرفة الجامعية، الإسكندرية، 1986، ص: 69. ↑
- – مني محمد علي جاد، التربية البيئية في الطفولة المبكرة وتطبيقاتها، دار المسيرة للنشر والتوزيع، الأردن، الطبعة الثانية، 2007،ـ ص: 95. ↑
- – المرجع نفسه. ↑
- – ربيع عادل مشعان وآخرون، التربية البيئية، دار عالم الثقافة للنشر والتوزيع، عمان، 2006، ص: 106. ↑
- – عبد العزيز مخيمر، دور التنظيمات الدولية في حماية البيئة، دار النهضة العربية، القاهرة، ص: 55. ↑
- – إيمان محمد غيث، منى حسن ذهبية، ص: 27. ↑
- – وزارة التربية الوطنية، وزارة البيئة، دليل المربي في التربية البيئية، 2004، ص ص: 06-07. ↑
- – مهني إبراهيم غايم، ص: 52. ↑
- – ماجد راغب الحلو، قانون حماية البيئة في ضوء الشريعة، دار الجامعة الجديدة، الإسكندرية، 2007، ص: 26. ↑
- – أيمن سليمان زاهرة، علي افتح الوشاك، البيئة والمجتمع، دار الشروق، عمان، 2003، الطبعة الأولى، ص: 22. ↑
- – ليستر براون، إقتصاد البيئة، إقتصاد جديد لكوكب الأرض، ترجمة: أمين الجميل، الطبعة الأولى، المعية المصرية – اللبنانية، القاهرة، 2003، ص: 15. ↑
- – إبراهيم سليمان عيسى، تلوث البيئة أهم قضايا العصر المشكل والحل، الطبعة الأولى، دار الكتاب الحديث، القاهرة، 2002، ص: 55. ↑
- – محمد عبد الرمان الشرنوبي، الإنسان والبيئة، مكتبة الأنجلو، مصر، 1976، ص: 136. ↑
- – أحمد فرج العطيات، البيئة الداء والدواء، الطبعة الأولى، دار المسيرة للنشر والتوزيع، عمان، 2007، ص: 97. ↑
- – إدوار غالب، الموسوعة في علوم الطبيعة، ديوان المطبوعات الجامعية، الجزائر، 1990، ص: 108. ↑
- – رشيد الحمد محمد سعيد صاريني، البيئة ومشكلاتها، عالم المعرفة، الكويت، 1979، ص ص: 108-111. ↑
- – Ahmed Ghouati, Environnement et éducation Analyse d’une Stratégie d’introduction d’une éducation en Algérie, la revue électronique en Science de L’environnement, Volume 12, N : 21, Septembre, 2012, P : 14. ↑
- – راتب السعود، الإنسان والبيئة: دراسة في التربية البيئية، دار حامد، عمان، 2004، ص: 69. ↑
- – أياد عاشور الطائي، محسن عبد علي، التربية البيئية، المؤسسة الحديثة للكتاب، طرابلس، 2010، الطبعة الأولى، ص: 39. ↑
- – حسن عبد الحميد، أحمد رشوان، البيئة والمجتمع، المكتب الجامعي، الطبعة الأولى، الإسكندرية، 2006، ص: 161. ↑
- – أحمد حسين اللقاني وفارعة محمد حسن، التربية البيئية بين الحاضر والمستقبل،عالم الكتب للنشر والتوزيع والطباعة، القاهرة، 1999،ص ص:18-19. ↑
- – المنظمة العربية للثقافة والتربية والعلوم، الإعلام البيئي، جامعة الدول العربية، تونس، 1987، ص: 13. ↑
- – عفيفي السيد عبد الفتاح، بحوث في علم الاجتماع المعاصر، دار الفكر العربي، 1996، ص: 217. ↑
- – سناء محمد الجبور، الإعلام البيئي، الطبعة الأردن، الأردن، 2011، ص: 40. ↑
- – كيحل فتيحة، الإعلام الجديد ونشر الوعي البيئي، رسالة ماجستير غير منشورة، الجزائر، جامعة باتنة، 2010،ـ ص: 121. ↑
- – محمد دعوة، المشاركة الشعبية والتنمية: دراسة في المعوقات البنائية والثقافية، دار العلوم للنشر والتوزيع، مصرن 2007، ص: 10. ↑
- – شعشوع قويدر، دور المنظمات غير الحكومية في حماية البيئة، رسالة ماجستير، جامعة بن خلدون، تيارت، 2009، ص: 30. ↑
-
– عبد الله الحرتسي، السياسة البيئية ودورها في تحقيق التنمية المستدامة: دراسة حالة الجزائر، ماجستير في العلوم الاقتصادية، جامعة الشلف، 2005، ص: 88. ↑
- – رمضا عبد الحميد، التربية البيئة، تربية حتمية، دار الثقافة، عمان، الطبعة الأولى، بدون سنة النشر. ↑
- – عصام توفيق قمر، الأنشطة المدرسية والوعي البيئي، دار السحّاب للنشر والتوزيع، مصر، الطبعة الأولى، 205، ص: 93. ↑
- – كاظم المقدادي، التربية البيئية، منشورات الأكاديمية الغربية المفتوحة بالدنمارك، 2006، ص: 57. ↑
- – عصام نور، الانسان والبيئة في عالم متغير، مؤسسة شباب الجامعة، الإسكندرية، 2002، ص: 20. ↑