استعمالات الصورة الفوتوغرافية نحو تفكيك للإرسالية البصرية

محسن فقيهي1

1 مختبر الدراسات الأدبية واللسانية والديداكيكية، كلية الآداب والعلوم الإنسانية، جامعة السلطان مولاي سليمان بني ملال، المملكة المغربية.

بريد الكتروني: mohssine.fqihi@gmail.com

HNSJ, 2022, 3(8); https://doi.org/10.53796/hnsj3816

Download

تاريخ النشر: 01/08/2022م تاريخ القبول: 18/07/2022م

المستخلص

يحتل مكون الصورة مكانة مهمة في كل مجالات المجتمع السياسية والاقتصادية والتعليمية والاجتماعية وغيرها، فلم يعد المؤرخون وحدهم من لهم دور التأريخ والكتابة عن الأوطان والشعوب بشخصياتها وأحداثها، بل أصبحت الصورة ومنها الصحفية ذات حضور كبير في هذا المجال، بل الأكثر من ذلك أصبحت للوسائط ومنها الصورة والبورتريه سلطة التأثير في الحدث بل وتوجيه أيضا. وعليه تتعدد استعمالات الصورة الفوتوغرافية وأصبح معها الحديث عن نوع من تشكيل لوعي الإنسان وإعادة توجيهه. ولأهمية هذه الأخيرة خصوصا في جانبها المتعلق ببورتري غلاف المجلة، تسعى هذه الدراسة إلى البحث في إشكالية توظيف الصورة الفوتوغرافية في جانبها السياسي محاولين بذلك تفكيك الإرسالية البصرية والغمار في مكوناتها قصد معرفة السبل التي ينهجها المشهر لتطويع المتلقي والاستحواذ عليه قصد تبني سياسته. وذلك من خلال توضيح الكيفية التي تبنى بها الصورة الفوتوغرافية، مع دراسة لمكوناتها ولمنهج تحليلها، والحديث هنا عن المنهج السيميائي (من المنظور البارثي) الذي يكشف لنا عن دلالات الصورة ومقاصدها المضمرة والمتخفية داخل الإرسالية البصرية.

الكلمات المفتاحية: الصورة، الفوتوغرافيا السياسية، البورتري، الإرسالية

Research title

Uses of photography image Towards a deconstruction of visual mission

MOHSSINE Fqihi1

1 Laboratory of Literary, Linguistic and Didactic Studies, Faculty of Arts and Humanities, University of Sultan Moulay Slimane Beni Mellal- – Kingdom of Morocco.

Email: mohssine.fqihi@gmail.com

HNSJ, 2022, 3(8); https://doi.org/10.53796/hnsj3816

Published at 01/08/2022 Accepted at 18/07/2021

Abstract

The image component occupies an important place in all the political, economic, educational, social and other fields of society. Historians are no longer the only ones who have the role of history and writing about homelands and peoples with their personalities and events. Rather, the image, including the press, has become a major presence in this field. Rather, more than that, the media, including the image, have become And portraiture the power to influence the event but also directing. Accordingly, the photographic image has many uses, and with it there is talk of a kind of formation and reorientation of human consciousness. Because of the importance of the latter, especially in its aspect related to the magazine cover portrait, this study seeks to research the problem of employing the photograph in its political aspect, trying to dismantle the visual mission and the immersion in its components in order to know the ways that the publicist approaches to subjugate and possess the recipient in order to adopt his policy. This is done by clarifying how the photograph is built, with a study of its components and the method of analyzing it, and talking here about the semiotic method (from the Parthian perspective), which reveals to us the connotations of the image and its implicit and hidden purposes within the visual mission.

Key Words: photo, political photography, portrait, mission

المقدمة

لا شك أن العصر الذي نحيا فيه هو عصر الصورة، فالثورة الرقمية جعلتنا نسكن شبكة من الرموز وليس كوكبا، فتكاثر وسائل الاتصال قربت المسافات وعجلت بظهور الإنسان المرئي وجعلت الكون بأسره يتحول إلى شاشة عملاقة.

لقد تنوعت مظاهر الصورة وأنماطها، فمنها الصورة العيانية أي المرئية، وكذا الصورة المعبرة عن التمثيل العقلي والصور الذهنية التي توجد في الدماغ، وكذا الصور الخاصة بالمؤسسات أو الأفراد، كصورة الذات والآخر في الدراسات الاجتماعية، وهناك أيضا صور الذاكرة والصور الرقمية والفوتوغرافية والتلفزيونية وغيرها من أنواع الصور المستجدة. “وتتمحور كلها حول استعمالات الفوتوغرافيا في الإشهار والصحافة والبطاقات البريدية” (عاقل، 2015، ص9).

ومن هذا التنوع الظاهر في أنواع الصور وفهمها واتساع مفاهيمها، فإنها تندرج داخل السياق الأدبي، وتظل محكومة بالبعد اللغوي، فهي عبارة عن تشكيل أساسه الأول هو الكلمة وعلاقتها مع بعض. وكما جاء في كتاب الأدب والدلالة لصاحبه تزفتان توردروف: ” فالصورة تتولد من توليف جديد للكلمات وليس فقط من اختيار معين لها” (توردروف، 1996، ص96). وفي إطار هذا التوليف الجديد، تتشكل كافة أنماط الصورة وتأخذ وظيفتها الفنية، ضمن حدود اللغة الأدبية.

الصورة هي الأخرى، ترتبط وتدخل في مفهوم الخيال. باعتبار أن الخيال هو ملكة إبداعية والذي من خلاله يستطيع المبدع تأليف صور اعتمادا عما يختزنه داخل ذهنه، من إحساسات متعددة الروافد، أو من خلال القدرة على الدمج والتوفيق بين العناصر ليكشف عن علاقات جديدة مبتكرة، ومن هنا ” كان درس الخيال هو المدخل المنطقي لدراسة الصورة” (موسى صالح، 1994، ص7). وكما أشار توم هاردن ” T.Hardin ” إلى أن أهمية الصورة لا تُقاس فقط بجذب الانتباه، ولكن بقدر تسجيلها لأشياء في المجتمع، والمحرر يجب أن يضع معيار المجتمع في اعتباره دائمًا عند اختيار كل صورة. كما أنها تلعب أدوار مختلفة من قبيل: الإخبار والمعرفة والمباغتة والتواصل…

تنوعت استعمالات الصورة وتعددت، بانخراطها في شتى الميادين: فوتوغرافيا الموضى و”الفوتوغرافيا الإشهارية والفوتوغرافيا الصحافية وفوتوغرافيا البطاقات البريدية والفوتوغرافيا الفنية بمختلف تلويناتها” (عاقل، 2015، ص9).

إن “الصورة تستند، من أجل إنتاج معانيها، إلى المعطيات التي يوفرها التمثيل الأيقوني كإنتاج بصري لموجودات طبيعية تامة (وجوه، أجسام، حيوانات، أشياء من الطبيعة ….)، وتستند من جهة ثانية إلى معطيات من طبيعة أخرى، أي إلى عناصر ليست لا من الطبيعة ولا من الكائنات التي تؤثث هذه الطبيعة. ويتعلق الأمر بما يُطلق عليه التمثيل التشكيلي للحالات الإنسانية، أي العلامة التشكيلية: الأشكال والخطوط والألوان والتركيب (ما يعود إلى الطريقة التي يتم من خلالها إعداد المساحة المؤهلة لاستقبال الانفعالات الإنسانية مجسدة في الأشكال والأشياء والكائنات”(بنگراد، 2015، ص ص94 95). وهي صيغة أخرى للقول بأن مضمون الصورة هو جماع بين ما هو أيقوني Iconique أي من إنتاج الطبيعة وبين ما هو تشكيلي Pastique من صنع الإنسان. لأن ما يشكل لغة الصورة هو ما يقود إلى إنتاج المعاني داخلها أيضا. وتعتبر هذه أولى أشكال الانتصار البشري على الزمن، والمتمثل في التمثيل البصري. وعليه فالصورة تشتمل على معنى و/أو دلالة، ومن خلال ذلك المعنى يفسر الكائن الحي علاقته بالصورة البصرية والعالم الخارجي الذي يسكنه.

يجب التذكير أن الرسالة (كيفما كان نوعها)، تضم نسقين نسق تقريري ونسق إيحائي. فالصورة كالنص هي الأخرى تقرأ وتأول مثله، إلا أن هناك اختلاف في الآليات التي تساعد في ذلك، وكذا قواعد التحليل المستعملة مقارنة بالنص المكتوب على اختلاف نوعه، حيث تعتمد في قراءتها على قطبين أساسيين، قطب تعبيني (وصفي) والذي يعالج إشكالية ماذا تقول الصورة؟، ويكون آن إذن الفهم تلقائيا ومباشرا. بمعنى أخر فالمتلقي مثلاً لا يجهد نفسه في محاولة التعرف على المكونات الظاهرة للصورة. والقطب الأخر هو القطب التضميني، وهو قطب تأويلي يبحث بدوره عن الإجابة على سؤال كيف تقول الصورة ما تريد؟ فالمعنى يكون مضمرا ويكون المشاهد مجبرا على الكشف عما هو خفي عما هو إيديولوجي، هذا ما أشار إليه “رولان بارث” Roland Barthesحينما أقر على أن الغاية من هذا المعنى الاستعاري هو التطبيع وليس تنويع. وبصيغة أخرى، فالخطاب الأيقوني ينقسم إلى قسمين، خطاب أبجدي يتوافق مع المشهد الممثل والمجسد، وهو ما يسمى بعملية وصف الصورة، والثاني رمزي يتطلب معرفة ثقافية تساعد على إدراكه وتفكيك رموزه وهو المصطلح عليه بتأويل الصورة.

هذا من جهة، ومن جهة أخرى فقد تزايد الاهتمام بالصورة الصحفية تزايدًا كبيرًا نتيجة لانتشار استخدامها كركنٍ أساسي من أركان المادة التحريرية في الجرائد، باعتبارها تساعد في دعم موقف الجريدة في المنافسة مع سائر وسائل الإعلام الأخرى التي تتنافس بعضها مع البعض الآخر من أجل الاستحواذ على وقت القارئ.

هذا الأمر يدفعنا للحديث عن استعمالات الصورة في ميدان الصحافة والمرتبط أساسا بالجانب السياسي، فموضوع الفوتوغرافيا السياسية في المغرب كدراسة قام بها الأستاذ الباحث في الفوتوغرافيا “عاقل”، مرتبط في علاقتها بالأحداث الكبرى أو بالأشخاص، التي عرفها المجتمع المغربي في السنوات الأخيرة، حيث يعتبر الباحث أن تاريخ الأوطان والأفراد والشعوب لم يعد المؤرخون وحدهم من يكتبونه، فمع الفوتوغرافيا الصحافية أصبحت أحداثه ومسيرته تشاهَد كما تقع أطوارها في حينها، عبر هذه الوسائط التي اكتسبت سلطة التأثير في الحدث بل وتوجيهه.

والمتتبع لتطور الصورة الصحفية يجد أن الاستخدامات الأولى للصورة الفوتوغرافية كانت تفتقر إلى الخبرة والتميز، فقد كانت استخداماتها تنحصر أساسا في نشر صورة شخصية / بورتري جامدة ورسمية أو ما شابه ذلك. إلا أنه شُهد منذ السنوات الأولى لاستخدام الصور جهدا محمودا من أجل الاستفادة منها كوسيلة جديدة خرجت إلى الوجود بطريقة أسرع نسبيًا، وتطور استخدامها حتى وصلنا إلى عصر الصحافة المصور؛ وهي نوع يعتمد أول ما يعتمد على الصورة الصحفية، وتعطي أولوية كبيرة للمصورين بها، ويشكل الفوتوغرافيون غالبية محرريها، مما جعل عدستهم تفوق قلم المحررين في الصحف المصورة.

وبهذا تعد “الوظيفة الأساسية لفوتوغرافيا غلاف مجلة أو صفحة الأولى لجريدة ما هي شد نظر القارئ/ المشاهد وإثارة انتباهه واستفزاز فضوله المعرفي والفني والجمالي. لكن علاوة على ذلك تقوم الفوتوغرافيا الصحافية، من خلال اختيار زاوية النظر والموضوعات المصورة والشكل الذي تتوزع به عناصر الصورة وأيضا من خلال الألوان المختارة وتدرجات النور والظلال وكل الأوليات والعلاقات والتركيبات الموظفة، بإعادة تشكيل وعي المشاهد ومساءلة متخيله وخلخلة ذوقه. بل أكثر من ذلك، لهذه السلسلة من المكونات دور أساسي في إعادة تركيب عناصر العالم المرئي الذي يحيط به وتمثل قيمه” (عاقل، 2015، ص31). تقوم الفوتوغرافيا، يقوم في واقع الأمر المصور الفوتوغرافي، أو “الأبيراتور” بتعبير أب السيميائيات الفرنسي “رولان بارث”، بتجميد لحظات ترتبط تارة بأفراح وتارة بمآس وأتراح لأفراد وللجماعات بسب تطور أساليب إذاعتها ونشرها، وهذا ما أكسبها مع المدة سلطة مؤثرة على مصائر أصحاب أعتى السلط أحيانا.

لقد غدت الفوتوغرافيا من جانب أخر، والى درجة التناقض، وسيلة “لتمجيد” السلطة السياسية والاقتصادية وخدمتها بتلميع صورتها وإعلاء شأنها، لتتحول ممارستها إلى أداة دعائية في خدمة المؤسسة ضمن وسائل الإخبار ونشر المعلومة، بالاعتماد وسائل التطويع- manipulation والانحياز” لصيغة” معينة في تقديم هذه المعلومة. وما نجده هو أن الفوتوغرافيا السياسية، أو الصحافية أو كيفما كان نوعها تشتغل على مبدأ ” الحدث”و “الندرة” الذي يخلق حالة تأثيرية في نفسية المتلقي، كما تحاول أن توثق الحدث عكس الصورة التلفزية، (التي تولد ميتة أي تخلق حدث وبعد ذلك تخلق حدث أخر وتنسى الحدث الأول)، من أجل ضمان مكانها ومنافستها مع الوسائل الأخرى.” إلا أن القليل من التأمل والتمحيص في عناصر هاته البورتريهات والتدقيق في تفاصيلها، يكشف بأن السمة المشتركة ما بين أغلبها هو التحكم والتضليل manipulation. ومما يعضد هذا الاستنتاج هو الحضور البارز للتأطيرات المضاعفة والاستعمال المتكرر للمفاتيح. التي توجه القارئ في تأويلاته ليبني مضامين ومحتويات بعينها دون أخرى” (عاقل، 2015، ص41).

وما يهمنا تحديدًا في هذا المقال هو أن الصورة تؤدي دورًا كبيرًا في السياسة. ففي العشر سنوات الأخيرة نجد أن هناك استعمال مكثف للفوتوغرافيا في الحقل السياسي، وهذا الموضوع يستعدي نوع من التأمل فيه، وحبذا لو نقف على بعض الخصائص التي تتميز بها الفوتوغرافيا السياسية. فيمكن أن نقصد بهذا الحقل بورتريه الزعيم السياسي، أو فوتوغرافيا الحملات الانتخابية أو ما له علاقة بالاحتجاجات والمسيرات والوقفات التي عرفها المجتمع المغربي في العشرية الأخيرة … وما إلى ذلك من الاستعمالات.

وفي نفس الصدد نجد أن هناك مجموعة من الوسائل والآليات التي تساعد في انتشار الخبر سواء أكان عبارة عن صورة أو فيديو أو خطاب مكتوب. نجد الجرائد وشاشات التلفاز والراديو والحواسيب، والأكثر من هذا مواقع التواصل الاجتماعي من قبيل ‘الفايسبوك’ و’إنستغرام’… فلهذه المواقع نسبة مهمة من اهتمام الناس والتعاطي لها بدرجة كبيرة جدا مقارنة مع باقي الوسائل، لما لها من سهولة في التعامل وحرية التعبير والاستعمال، فهي تساعد على تبادل المعارف والأخبار على المستوى العالمي في مدة وجيزة وبدون عناء. كما أن هناك تحول في الفوتوغرافيا الصحافية من جهة الوكالات والمؤسسات الإعلامية من خلال تشجيع استعمالها على مثل هذه الوسائل وذلك لمجموعة من الاعتبارات منها على سبيل المثال لا الحصر: انخفاض الكلفة بالنسبة للفوتوغرافي عما كان معمولا به من قبل من أجل إيصال عمله إلى شريحة عريضة من الناس، لأنه أصبح مع هذه الأدوات يؤدي دور المنتج والمصور والموزع أيضا، هذا الأمر يختزل مجموعة من الوظائف التي تؤديها مجموعة من الأشخاص في شخصية واحدة، وهو ما بضمن ربحا مهما لتلك المؤسسات الإعلامية. وأيضا فعالية هذا النوع الجديد من الوسائل من حيث بلوغ هدف التشهير والتأثير. هذه التحولات الحاصلة في الصحافة والإعلام بشكل أكثر يُظهر نوع من التحولات في مجال استعمالات الصورة وبشكل كبير في المجال السياسي. وهذا النوع من الوسائل التواصلية سيؤثر لا محالة بشكل كبير على التلفزة والجرائد. فالتوجه الآن الذي يسلكه الفرد هو المتعلق بالأنترنيت، لما يقدمه كما سبق الإشارة إليه من معلومات على مدار الساعة، والتي لا يمكن للوسائل الأخرى تغطيته لسبب من الأسباب أو أن تكون ذات توجه سياسي محدد أو خاضعة للرقابة التي تُفرض عليها فيما تبثه، فالأنترنت على عكس ذلك، يمكن أن نصادف فيه كل الأحداث والوقائع من خلال مواقع ومنصات التواصل الاجتماعي.

إضافة إلى ذلك، ممكن أن نجد الأفلام الوثائقية على سبيل المثال، حتى نرى الاختلاف بين الوسائل أو المنصات الإعلامية، فهناك قنوات بتوجه موضوعي، أي أن تحريرها يكون في اتجاه موضوعي التي يخلق ويعطي مساحة للفيلم الوثائقي. إلا أن هناك ميل أو انعراج إذا صح التعبير نحو ما يعرف بـــــ”الويب روبورتاج Web reportage”، الذي يكون صحافي من جهة، ويحتوي على مكونات وثائقية من جهة أخرى. والاعتبار الأساسي والذي يصب في هذا المنحى والذي يهمنا هنا هو أن له القدرة على إعطاء المجال للتفاعل ما بين الفوتوغرافي والموقع وكذا المستهلك للمادة الفوتوغرافيا. فهذا النوع يقحم كل من الصورة سواء أكانت ثابتة أو متحركة مع إرسالية نصية وموسيقى.. أي إننا أمام إنتاج جديد، ويكون في مدة زمنية قصيرة عكس ما كان شائع من قبل، ورغم قصر المدة إلا أن الإحاطة والمساس بالموضوع يكون بنوع من الحرفية والدقة.

صحيح أن هناك تطور جدري بالنسبة لاستعمالات الصورة في هذا الوقت، لكن هناك بعض التراجعات فيما يخص الطوابع البريدية بعدما صار الاهتمام بالأنترنيت قوي.

سنحاول في الفقرات التالية أن نوضح كيف تبنى الصورة الفوتوغرافيا، مع دراسة لمكوناتها وتحليلها والكشف عن طرق إغراء وإقناع لمتلقي. من خلال الاعتماد على المنهج السيميائي الذي يكشف لنا عن دلالات الصورة ومقاصدها المضمرة والمتخفية داخل الإرسالية. بالاعتماد على المنظور البارثي باعتباره أب للسميائيات الفرنسية، وبالخصوص سيميائيات الفوتوغرافيا.

تعريف بالمثن (مقاربة الصورة)

أثناء تصفحي للمجلة”Telquel “الأسبوعية تحت عدد 705 من تاريخ 19 إلى 25 فبراير سنة 2016. المجلة متخصصة في الأخبار والأحداث الوطنية في النواحي الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والثقافية. تيل كيل مجلة مغربية الناطقة بالفرنسية، تصدر دراسات وأبحاث في مجال من مجالاتها تحاول من خلاله فك شفرات المواضيع المتناولة بطريقة دقيقة. ما أثار انتباهي هي صورة لبورتري سياسي لــــ “الأمينة العامة السابقة للحزب الاشتراكي الموحد في شخص ” نبيلة منيب”. صورة تظهر بشكلها وألوانها، حيث أنها تضم داخل الإطار مجموعة من الإرساليات اللسانية والأيقونية التشكيلية التي تثير انتباه المشاهد لها. أي أن الصورة تعتمد في أسلوبها الإقناعي على مكونين أساسيين منظمين ومكثفين: الأول لساني تقريري والثاني أيقوني إيحائي، ساهما بشكل كبير في إيصال المعاني والتمثلات الثقافية التي تحبل بها الصورة، حيث نجدها تتخذ الشكل التالي:

المكون الأيقوني : يتمثل في كون الصورة عبارة عن غلاف لمجلة “تيل كيل”، الصورة تضم بورتري لـــ”نبيلة منيب”، البرتري يغطي جزء كبير من المجلة، خلفية الصورة رمادية ومائلة إلى السواد وهي بطبيعة الحال صورة مركبة، إضافة إلى ذلك في أعلى الصورة نجد صورة “لمحمد بوسعيد” السياسي المغربي المنتسب لحزب التجمع الوطني للأحرار، والذي كان يشغل منصب وزير الاقتصاد والمالية في حكومة بنكيران الثانية. أخيرا غلاف لعدد جديد من مجلة Icônes المجلة المتخصصة في الأخبار النسائية.

المكون اللساني: يحتل المكون اللساني مكانة مهمة إلى جانب المكون الأيقوني حيث نجد في أعلى الصورة على اليسار اسم Mohamed Boussaïd Cherche directeurs Désespérément بجانب هذه الإرسالية نجد أخرى تحمل عنوان COP22 La guerre Des Marchés أسفل هاتين الإرساليتين نجد إرسالية TELQUEL الإرسالية هي اسم ومميز الشركة (المجلة). في وسط الصورة نجد إرسالية أساسية وهي طويلة نوعا ما: En quelques années, Nabila Mounib a réussi à imposer son style au sein d’une classe politique archaïque . Portrait d’une femme intègre. بالإضافة إلىNABLILA MOUNIB L’ALTERNATIVE.

المقاربة السيميائية للصورة

في دراستنا للصورة سنتناول المستويات الثلاثة التي تبنى بها الإرسالية الإشهارية، وهي المستوى الايقوني والمستوى التشكيلي والمستوى اللساني. ففي المستوى الأول: أول ما نصادفه بعد رؤيتنا للصورة أنها صورة مركبة وليست طبيعية. الصورة تضم بورتري “لنبيلة منيب”، الأمينة العامة السابقة “لحزب الاشتراكي الموحد”، بارزة بروزا واضحا في غلاف المجلة لدرجة أنها تحتل القسط الكبير من الغلاف. للوضعة قدرة على الإحالة على معاني بعينها من خلال شكل تحققها، “فللوضعة علاقة مباشرة بالعين والوجه والموقف من المشاهد. وهذا معناه أن الوضعة لا تكتسب دلالتها إلا من خلال وجود ذات مبصرة” (بنگراد، 2015، ص97). فهي على هذا الأساس تحدد العلاقة التي تربط بين الصورة المشخصة والمتلقي الذي يتلقاها، والوضعة الماثلة في هذه الصورة هي وضعة أمامية، تجعل المتلقي في وضعية تشارك معه في خطاب سيجالي، حيث أنها تلعب دور أساسي في جعله يتبنى مجموعة من القيم التي يمثلها المنتوج المعروض للتداول. الصورة في وضعية 3/4 فيها نوع من التحاشي، أي تنساب إلى فضاء أخر غير فضاء المتفرج تجعل المتلقي أمام مشهد مقطعي من طبيعة سردية حيث إنه يحاول مواجهة الصورة أو الممثل الذي لا يوليه أي اهتمام ولا ينتبه إليه، مما يجعل العين المتفرجة لا تقف عند نقطة بعينها، بل تمسح فضاء الصورة بالكامل في حركة انسيابية تدفعها للبحث عن الهدف الرئيسي خارج النظرة الاسرة. هذا من جهة، ومن جهة أخرى لا يمكن اكتمال تأويل الصورة بدون استعادة المعاني الأولية الكبرى المكونة لها. كما وجب “استحضار التمثلات الثقافية الكبرى التي لها علاقة ب”الأنا” و” الأخر” ولها علاقة بإكراهات ” الزمن” و “الفضاء” ولها أيضا علاقة بمجمل الروابط الإنسانية وما تفرزه من القيم والأحكام والتصورات يتم إيداعها داخل عضو أو داخل نظرة أو وضعة أو موضوع من الموضوعات المؤثثة للمحيط الإنساني لتصبح هذه العناصر دالة خارج إطارها النفعي” (بنگراد، 2015، ص100). فالممثَّلة في الصورة هي نبيلة منيب المنتمية للحزب السالف الذكر. وهي أول امرأة أصبحت تتولى هذا المنصب (أي منصب الأمين العام) لحزب ما. اشتهرت بمناضلتها ودفاعها عن حقوق المرأة وأسلوبها الخطابي النقدي. هذا ما يبرز في نقدها الصارم فيما وقع بسبب العفو على المغتصب سنة 2013، لاعتبارها أن هذا الأمر غير مقبول، ووجب التراجع عنه في أسرع وقت. إضافة إلى المجهودات الكبيرة والمبذولة من طرفها والتي يؤمن بها الجميع، فيما يخص القضية التي جمعت بين المغرب والسويد حول النزاع الذي حصل في الاعتراف بالجمهورية الصحراوية. فهذه المرأة القوية وجدت الحل بطريقة مقنعة وعقلانية وبأسلوب نقدي صارم للدفع بالحكومة السويدية للتخلي عن مشروع الاعتراف بالجمهورية الصحراوية المستقلة وهذا ما نجحت فيه. يظهر من خلال هذا أن الشخصية تتميز بنوع من القوة والصلابة وحب الوطن الذي دفعها للدفاع عنه. فــــــــ”نبيلة منيب” تتميز بالسلطة والقوة والجبروت المنطقي. هذا الذي نجده في تعابير وجهها الماثلة في البورتري، فهي امرأة لا تخشى الصعاب ولا تؤمن بالضعف ولا التراجع. ونظرات عينيها التي توحي بكل هذا. إضافة إلى دلالتها على الأمد البعيد، أي أن نظرتها توحي بنوع من التأمل في الأيام والأوضاع القادمة. يمكن القول عليها أيضا من ناحية توجهها السياسي، أنها تسعى إلى دستور مغربي ديمقراطي، لاعتبارها أن هذا الدستور الحالي يحافظ على الجزء الأكبر من السلطة في أيدي ذات سيادة، ولا يوفر الفصل بين السلطات. ونضالها نحو الملكية البرلمانية. وهذا ما يذهب إليه المكون اللساني الذي سنأتي على ذكره لاحقا.

إن العلامة الأيقونية لا تشتغل في معزل على مجموعة من المعطيات التشكيلية ، فدلالتها لا تستقيم إلى بوجود عناصر ” تشيد العمل الفوتوغرافي كالإضاءة والألوان وجهات النظر والكتل والأشكال والإيقاع” (عاقل، 2015، ص10). لهذا يجب مساءلة هذا الجانب لاعتباره عنصر يشتغل كأهم عناصر داخل عالم الإبلاغ البصري. فالدلالات الألوان والأشكال والتأطير والخطوط والتركيب تلعب هي الأخرى دور في بناء معاني الصورة.

جاء في كتاب الأستاذ الباحث في مجال الفوتوغرافية. جعفر عاقل نظرة عن الصورة الفوتوغرافية بالمغرب، “أن التأطير يشغل مكانة بارزة في سيرورة إنتاج المعنى. حيث إليه تعود سلطة التأثير في المشاهد أو توجيهه أو استدراجه، وذلك من خلال تحويل نظره نحو الأشياء يريد هذا التأطير أن يطلعه عليها” (عاقل، 2015، ص10). إن التأطير الماثل في الصورة الغرض منه إبراز أشياء وإخفاء أخرى. بتعبير أخر إنه نوع من الحدla limitte وذلك من خلال توجيه المشاهد إلى الموضوع الأساسي، وهو نوع من فرض لرؤية معينة. والذي يتمثل في الصورة في شخصية “نبيلة منيب”، فالمجلة اعتمدت على ذلك من أجل جعل المشاهد يتبنى النموذج الممثل وإعادة بناء رؤيته للوجود وتشكيلها.

من ناحية الحقل نجد أن الشخصية نظراتها تتجه خارج الحقل. أي أنها لا تتجسد في شيء داخل إطار الصورة الماثلة (الموضوع غائب من الفضاء). إن عنصر التأطير غير كافي وحده في الصورة لأنه يحتاج إلى مكونات أخرى تساهم بدورها في بلورة هذه الرؤية والمقصود هنا هو زاوية النظر le point de vue أي نوع اللقطة المستعملة وهي ما تم التعبير عنه في حديثنا عن الوضعيات. فزاوية النظر في الصورة أمامية. ولهذه دلالات ومعاني تزكي عنصر التأطير، وذلك أنه في مرحلة التقاط الصورة لشخص ما ممكن أن تكون الشخصية في وسط الصورة أو على إحدى الجوانب وتكون الجوانب الأخرى فارغة في الاتجاه الذي تسير إليه نظراتها. فالقيمة الماثلة هي إعطاء أفق للشخص المصور وفتح أفق أخر لنظره يتجه في مجال يسمى خارج الحقل. لأن له نوع من التأثير بين ما هو داخل الحقل وخارجه.

إضافة لكل ما قلناه عن زاوية النظر، فهي أيضا (توجه) النظر للموضوع الممثل. فالصورة التي نحن بصددها سياسية، أو يمكن أن تكون من زاوية نظر اقتصادية أو اجتماعية…. وهذا ما يساعد على معالجة نوع من أنواع المواضيع المقترحة في العمل. إن زاوية النظر تنقسم إلى ما هو تقني وما هو فكري واديولوجي وفلسفيا لما لا. أي إذا كان العمل من زاوية سياسية وجب إبراز هذه الزاوية في العمل المواد دراسته، فمثلا إذا كان الموضوع الممثل هو الصراع السياسي في قضية ما، فيجب تمثيله على سبيل المثال في الصورة من خلال التدخلات والاعتصامات أو الحروب. أي أن الموضوع يجب أن يظهر داخل الإطار. وفيما يتعلق باللقطة في الصورة فهي قريبة (صدرية) حيث أن هذه الأخيرة تشير إلى بعض الفردية ويمكن أن تلتقط بعض من الانفعالات الممثلة بشكل ضمني، وهي لا تذهب بعيدا في الكشف عن ذاتية الممثلّ، ويبدو أن الغاية من هذه اللقطة تكمن فقط في تمكين المتفرج من التعرف على نجمه المفضل على حد قول د. سعيد بنگراد.

من بين المكونات التشكيلية في الصورة أيضا نجد الإضاءة. فالضوء كما جاء على حد تعبير إدريس القري في كتابه عتبات في الجماليات البصرية الكتاب الأول الخاص بالفوتوغرافيا. “هو الكائن الفيزيائي الأنبل والذي لا بصر ولا بصيرة ولا متعة ولا تواصل بدونه والذي (يصطاده) الفنان المصور بعد التربص به بعين العارف ( المستكشف) بالمعنى الصوفي للكلمة بمثابة العنصر (السحري والساحر)” (القري، 2016، ص61). فللإضاءة مستويات متعددة، حيث نجد الإضاءة الطبيعية التي تتمثل في نور الشمس. أو كل ما له علاقة بالطبيعة. والإضاءة الاصطناعية التي تتم بأحد الوسائل والبرامج التي تؤدي هذه المهمة، أي كل ما له علاقة بالتشكيل الإنساني للصورة، وبتعبير أخر كل ما توفره اليد من أدوات وآليات إضائية. فالصورة الماثلة أمامنا مصدرها اصطناعي. والإنارة جانبية من اليمين إلى اليسار مصدرها هو الاتجاه الذي تسير فيه نظرة الشخصية. وفي تأويلنا لهذا الضوء فهو يدل على نوع من الصفاء والأمل الذي ترسمه الشخصية الممثَّلة في الصورة في مداه البعيد والقريب.

وبالنسبة للتركيب/ تنظيم الفضاء فــ”يفترض، قبل كل شيء، إدراكا كليا للموضوع الذي تقدمه الصورة. فالنظرة التي تقرأ ستتوقف عن الحركة لحظة استيعابها للمعطي الصوري كما يقدمه التركيب، لحظتها تبدأ القراءة. ولهذا البعد أهمية كبرى في الصورة الإشهارية مثلا.” (بنگراد، 2015، ص103) التركيب هو التوزيع الذي يحصل في الصورة بالنسبة للأشكال وتوزيع الفضاء بشكل معين. والتركيب هنا مقطعي؛ حيث أن الأشياء والأجسام تتوزع وتتفرق في أرجاء الصورة. وهذا واضح من خلال جسد المرأة الماثل في اليسار والإرساليتين اللسانيتين في اليمين واحدة فوق الأخرى، ولقراءة الصورة نقرأها على شكل حرف ( Z )؛ أي القيام بفحص الصورة كاملة من جميع الزوايا. ومن ناحية المنظور فهناك معنيين للمنظورية (واسع وضيق). ومنظور هذه الصورة واسع، مراده تمثيل الموضوعات والأشياء على سطح ما بكيفية نفسها التي تراها العين، عكس الضيق الذي يمثل عدة موضوعات مع التركيز على العنصر المكاني. إن التركيب هو الأخر يمكن أن يشتمل على مجموعة من المكونات التي تظم مجموعة من القيم الدلالية المرتبطة بالثقافة البشرية، والمتمثلة في الخطوط فإن لها دلالات ” هي في الأصل إسقاط لحالات وجدانية إنسانية مصدرها التشابه أو التجربة أو تناظر ما.” (بنگراد، 2015، ص103)

وفيما يخص الألوان، فاللون هو جزء من هوية الأشياء والكائنات فهو مكون من المكونات الملازمة للطبيعة ويندرج اللون داخل المستوى التشكيلي الذي يشتغل كأهم مكون داخل عالم الإبلاغ البصري حيث “أن للألوان والأشكال والخطوط التأطير والتركيب أهمية كبيرة في بناء معاني الصورة. فهذه العناصر هي وحدات داخل لغة بصرية لها قواعدها التركيبية والدلالية وليست مجرد متغيرات أسلوبية.” (بنگراد، 2015، ص100) من هنا نجد أن هناك مجموعة من الألوان الأساسية من قبيل اللون الأحمر الذي تتميز به خلفية مميز المجلة. فهو من الألوان المستعملة كثيرا حيث تعبر دلالاته على العنف والنار والدم والقوة…، كما يعبر عن الاستقرار والإثارة والهيجان والحب وما إلى ذلك من الدلالات الإيحائية. فالأحمر أحمر في ذاته، ولكنه يحيل في سياق الصورة على إثارة وتحريك مشاعر المشاهد من الناحية النفسية. كما نجد اللون الأسود في لباس “الشخصية”، فهذا اللون لما فيه من إحالات متعددة حسب سياق الموضوع المصور. فالأسود في هذه الصورة لزي رسمي يدل على السلطة والأناقة والقوة والعملية والاحترافية… فهو لون رجال وسيدات الأعمال وذلك لارتباطه بالدلالات التي قلناها.

بموازاة هذا اللون نجد اللون الأبيض، فهو لون لا يمكن الاستغناء عنه. فهو يوحي بالسكينة والطمأنينة والسلام. كما أنه لون التفاؤل والسرور والحب. فالإرسالية اللسانية في الصورة أغلبها إذ لم نقل كلها باللون الأبيض، كدلالة على البروز وإثارة انتباه المتلقي. كما أنه لون ينسجم مع مجموعة من الخلفيات كالسوداء والحمراء والزرقاء. فاللون يجب عليه أن يخلق حالات المرح والسعادة الممكنة، فاللون يدخل في وجدان المستهلك لاعتباره حامل للصوت كما كان يقول “بول كليPaul Klee” لأنه ممكن أن يترجم إلى رغبة أو عدم الاهتمام أو التقزز. إضافة إلى ذلك نجد اللون الأصفر في إرساليتين. ولون الشكل الهندسي لمجلة icônes فدلالة هذا اللون أنه يبعث التفاؤل كما يتميز بالاعتزاز بالنفس. لون الفكر والتفكير، دلالة على الذكاء هذا ما تحيل عليه إرسالية L’ALTERNATIVE هذا اللون خليط بين الأحمر والأخضر، فهو رمز للغنى والثراء. أما آخر لون فهو الممثل في خافية الصورة، فهو لون رمادي لون محايد؛ نتاج الأبيض والأسود؛ فالمائل إلى السواد يدل على الغموض والمأساة، والمائل إلى البياض فيدل على الحيوية والنور. وعليه فالرمادي يخلق إحساس بالهدوء ويعفي من فوضى العالم كما يدل على التحفظ وهذا ما يمكن أن نقوله عن الألوان ودلالاتها في الصورة بنوع من الإيجاز. أما عنصر الأشكال فنجد أن الصورة تحمل أشكال تتوزع فيها، حيث هناك شكل المستطيل الذي يتميز به مميز الشركة (المجلة) فدلالته تحيل على الثبات والصلابة وهذا هو المسار الذي تتجه إليه المجلة. إضافة إلى الدائرة كخلفية لغلاف مجلةicones فدلالتها واضحة فالمجلة خاصة بالنساء، وهاته الأخيرة تنجذب إلى هذا الشكل أكثر ما تنجذب إلى الأشكال الأخرى. فالدائرة ليست لها بداية ولا نهاية وهي رمز للزمن الذي يتحدد كتتابع مسترسل للحظات متشابهة على حد قول بنگراد. نجد أيضا عنصر التضبيب حاضر في الصورة، فهذا الأخير يلعب دور أساسي فيها، حيث يقسم الصورة إلى مقدمة وخلفية فعملية التضبيب مثلا للخلفية تجعل الموضوع بارز وتتجه له العين مباشرة. أي أن العنصر المضبب ليست له قيمة داخل إطار الصورة وإنما الحالة البارزة هي الأساس. وهذا ما نجده في أعلى الغلاف من ناحية اليسار في بورتري محمد بوسعيد، حيث أن الخلفية مضببة والموضوع الأساسي هو الشخصية البارزة في الصورة.

أما على المستوى اللساني في الصورة، فأهمية هذا النسق تبقى رغم ذلك قاصرة أمام بلاغة الصورة وأوليتها المتفاعلة المؤثرة، فهي ذات التأثير الأكبر في نفس المتلقي حين تستوقفه لتثير فيه الرغبة والاستجابة. ويبدو أنه من حسن الصدف الإعلامية انتهاج فرصة الإبانة المعنوية للمادة الأدبية من حيث مناسبتها لوظيفة التأثير مع ترسيخ تدعيم المعنى داخل الإطار. كما أن “بارث” يتساءل في هذه المرحلة عن وظيفة النص اللغوي، الذي يرافق الصورة. ويحدد وظيفتين رئيسيتين للرسالة اللغوية في الصورة هي: الترسيخ والمناوبة. وعليه فالإرسالية اللسانية تؤدي دور أساسي يتمثل في الترسيخfonction d’ancrage لأن الصورة متعددة المعاني وبحاجة إلى إرسالية لسانية لترسيخ المعنى المراد منها. أي ترسيخ الفكرة والدلالة المراد منها، وإبعاد كل المعاني المحتملة التي من شأنها إحداث لبس عند المتلقي في فهم معنى الصورة ومقاصدها. أما عملية المناوبة fonction de relais فهي أقل حضورا في الصورة الثابتة، فالصورة والكلام يوجدان في علاقة تكميلية. ويرى بارث أن المناوبة والترسيخ تجتمعان في الصورة الأيقونية ذاتها. إذا كان النص اللغوي وظيفته المناوبة فإن عملية الإبلاغ تكون أكثر كلفة، لأنها تتطلب معرفة بسنن اللغة. أما إذا كان للترسيخ فإن الصورة تقوم بعملية الإبلاغ.

إن الأول مكون لساني نصادفه في الصورة هو اسم المجلة Telquel ، فهذا الاسم يحيل في كليته علىle Maroc tel qu’il est أي المغرب كما هو. وهذه المجلة متخصصة في الأحداث والأخبار الخاصة بالمغرب في كل المجالات. فالمميز (Logo)، في جميع الحالات هو “بلورة محسوسة لمجموعة من القيم المجردة التي تتم صياغتها وفق قواعد خاصة للتعرف” (بنگراد، 2006، ص149). كما أنه “يمثل انتماءً اجتماعيا وطريقة في العيش ونسقا عاما من القيم.” (عاقل، 2015، ص29) هذه الإرسالية التي تتجلى باللون الأبيض الدال على الجمال والسلام، والخط المكتوب به هو خط مدبس الذي يحمل دلالات القوة والصلابة… أسفل الإرسالية نجد اسم مدير النشر المسؤول على المجلة، وأعلى الإرسالية نجد Mohamed Boussaïd cherche Directeurs désespérément هذه الإرسالية تحيل على الشخصية الماثلة بجانبها شخصية (محمد بوسعيد). والإرسالية الأخرى تحيل على الموضوع المصور في الغلاف بطريقة أو أخرى، من خلال الانتماءات المختلفة للحزبين. وكلمة Désespérément تحيل على المأساة واليأس وهو ما يمكن أن يتجسد في ملامح ونظرات الأمينة العامة ” نبيلة منيب” لون الإرسالية يحيل هو الأخر مثل ما تحيل عليه كلمة L’ALTERNATIE أي (التغيير) فدلالة هذه الكلمة تحيل على مظهر سردي دال على التحول من حالة إلى أخرى (بنگراد). كما أن اللون الأصفر دليل على هذا؛ حيث يحيل على التفاؤل والذكاء. أما إرسالية En quelque années, Nabila Mounib a réussi à imposer son style au sein d’une classe politique archaïque. Portrait d’une femme intègre. تعني أن نبيلة منيب تمكنت من فرض أسلوبها في المجال السياسي الذي كان حكرا على الذكور، وقد تمكنت من إدماج نفسها في الحقل السياسي وذلك من خلال المجهود الذي بدلته في السنين الخمس الماضية (ارتباطا بتاريخ الصورة). هذا الحزب الذي يدعوا كما سبق وأن أشرنا إليه إلى فيما يخص اتجاهاته أنه يدعوا إلى مجموعة من التغيرات من ناحية الديمقراطية العادلة والملكية البرلمانية. حيث أنها تمكنت من وضع بصمتها في الساحة السياسية الذكورية. وذلك ما يمكن أن تحيل عليه إرسالية أخرىCop 22 la guerre des marchés. فهذه الإرسالية رغم انتمائها للمجال البيئي إلا أنها تصب نحو الموضوع الممثل في الغلاف في كلمة La Guerre إن الحروب والمشاداة الكلامية والصراعات التي تعيشها الاحزاب المعارضة والحكومة في البرلمان في صراع دائم.

وعلى سبيل الختام، ما يمكن أن نقول ولو بإيجاز حول كل تلك الإرساليات سواء الأيقونية أو التشكيلية أو اللسانية أنها تلعب دور أساسي في تبليغ دلالة وقصديته الصورة. حيث لا يمكن الاستغناء على عنصر من العناصر. فالصورة تقدم نفسها على شكل كلية Totalité عكس النص الذي يسير على نحو تتابعي. فالمعلن يلعب دور أساسي في نهج طرق ومراحل تساعده على ضبط الإرسالية وتقديمها للمتلقي بطريقة جمالية تلعب فيها نوع من التأثير حيث تعتمد أساليب الإقناع والحجة. وهذا هو الدور أساسي للسيميائيات البصرية حيث تحاول معرفة نوايا وخبايا الخطاب والصورة، لذا وجب على المتلقي تحليل ودراسة أي صورة تصادفه، ومحاولة معرفة الطرق التي ينهجها المصمم لتبليغ رسالته. وأن يكون قادرا على النقد، وممارسة “السؤال”، ونهج سبيل لقراءة الرسائل وتفكيك لغة الصورة، وممارسة التشريح من الداخل والخارج.

المراجع:

  1. إدريس القري، (2016)، عتبات في الجماليات البصرية الكتاب الأول: الفوتوغرافيا، منشورات فكر، ط1، 2016م.
  2. بشرى موسى صالح، (1994)، الصورة الشعرية في النقد العربي الحديث المركز الثقافي العربي، بيروت، ط1.
  3. تزفتان توردروف (1996)، الأدب و الدلالة، ترجمة: د.محمد نديم خفشة، مركز الإنماء الحضاري، بيروت، ط1.
  4. جعفر عاقل، (2015)، نظرة حول الصورة الفوتوغرافيا بالمغرب، نشر الفنك.
  5. سعيد بنگراد، (2006)، سميائيات الصورة الإشهارية: الإشهار والتمثلات الثقافية، إفريقيا الشرق
  6. سعيد بنگراد، (2015)، السميائيات مفاهيمها وتطبيقاتها، منشورات الضفاف، بيروت، ط1.