دور المنظمات الدولية والإقليمية في حماية التراث الثقافي والحفاظ عليه

عبد الإلاه بوشيبي1 التهامي ديبون2

1 طالب باحث في الدكتوراه، جامعة ابن طفيل، كلية العلوم الإنسانية والاجتماعية، القنيطرة، المغرب

البريد الإلكتروني: bouchibiabdelilah1@gmail.com 2 أستاذ التعليم العالي، جامعة ابن طفيل، كلية العلوم الإنسانية والاجتماعية، القنيطرة، المغرب

البريد الإلكتروني: daibounth@yahoo.fr

HNSJ, 2023, 4(1); https://doi.org/10.53796/hnsj4116

Download

تاريخ النشر: 01/01/2023م تاريخ القبول: 10/12/2022م

المستخلص

تهـدف هـذه الـدراسة إلى تسليط الضوء على الـدور الكبيــر الـذي تقـوم به المنظمـات والهيئــات الـدولية والإقليمية لحفظ التــراث الثقـــافي بـــأنــواعه وأشكـــالـه المختلفة، وحمـــايته من مختلف الأخطــــار المحدقـة به، سـواء في فتــرة السلم أو الحــرب- خاصة أمام التحولات المتسارعة التي يشهدها العالم في ظل التطور التكنولوجي والرقمي- وذلك عبر توقيع العديد من الاتفاقيات والمعاهدات الدولية، وسن العديد من القوانين والتشريعات التي من شأنها حمايته وصونه؛ كما تتعرض الدراسة لمفهوم التراث الثقافي، وتحديد أنواعه وأشكاله ، وإبراز أهميته، والجهود الدولية والإقليمية المبذولة لحمايته والحفاظ عليه.

الكلمات المفتاحية: التراث الثقافي، المنظمات الدولية، المنظمات الإقليمية، الحفاظ، الحماية القانونية.

Research title

The role of international and regional organizations in the protection and preservation of cultural heritage

Abdelilah Bouchibi 1 Thohamy Daiboun

1 PhD research student, Ibn Tofail University, Faculty of Humanities and Social Sciences, Kenitra, Morocco

E-mail: bouchibiabdelilah1@gmail.com

2 Professor of Higher Education, Ibn Tofail University, Faculty of Humanities and Social Sciences, Kenitra, Morocco E-mail: daibounth@yahoo.fr

HNSJ, 2023, 4(1); https://doi.org/10.53796/hnsj4116

Published at 01/01/2023 Accepted at 10/12/2022

Abstract

This study aims to shed light on the powerful role played by international and regional organizations and bodies to preserve cultural heritage of all kinds and forms, and protect it from the various dangers facing it, whether in peace or war – especially in the face of the rapid transformations the world is witnessing in light of technological and digital development – By signing many international conventions and treaties, and enacting many laws and legislations that would protect and preserve it; The study also deals with the concept of cultural heritage, identifying its types and forms, highlighting its importance, and international and regional efforts to protect and preserve it.

Key Words: Cultural heritage, international organizations, regional organizations, preservation, legal protection

مقدمة:

يشكل التراث الثقافي على اختلاف أنواعه وأشكاله مصدر فخر واعتزاز للأمم صغيرها وكبيرها، فهو بما يحمله من قيم ومعان برهان على العراقة والأصالة، وعنوان للشخصية والهوية الوطنية، باعتبارها صلة وصل بين ماضي الأمم وحاضرها، كما أضحى رافدا اقتصاديا أساسيا للعديد من الدول، بحيث يعتبر أحد الموارد المهمة الذي تقوم حوله صناعة السياحة، وهذا ما جعل العديد من الدول تسعى جاهدة إلى الرفع من عائدات التراث بشكل عام، والتراث الثقافي بشكل خاص، وتوظيفها في عملية التنمية الاجتماعية والاقتصادية.

والتراث الثقافي – بالنسبة للدول والشعوب- رصيدها الدائم من التجارب والخبرات والمواقف التي تعطي الإنسان القدرة على أن يواجه تحديات الحاضر ويتصور المستقبل، بوصفه كذلك أهم مكونات القدرة الطبيعية والبشرية الممتدة إلى عمق جذورها التاريخية، إلا أن هذه الممتلكات تواجه اليوم في العديد من الدول، لا سيما بعض الدول العربية التي تمتد حضارتها إلى أعماق التاريخ جملة من المخاطر التي تهدد بقاءها، واستمرارها كشاهد على الحضارة الإنسانية بمراحلها المختلفة؛ ويأتي في مقدمة هذه المخاطر ما تتعرض له من تدمير وتلف أثناء النزاعات المسلحة، فضلا عن الاتجار غير المشروع بالممتلكات الثقافية(الهياجي: 2016، ص 87).

لقد حظي موضوع الحماية الدولية للتراث الثقافي باهتمام بالغ من طرف المنظمات الدولية والإقليمية، وفي مقدمتها منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (اليونسكو)، ويتضح ذلك من خلال المجهودات التي تبذلها من أجل حماية التراث الثقافي والمحافظة عليه وتعزيزه؛ وذلك من خلال إبرام العديد من الاتفاقيات الدولية، وسن العديد من القوانين والتشريعات التي من شأنها حمايته وصونه.

وبالرغم من ذلك، تواجه المنظمات الدولية والإقليمية اتهامات بالتقصير، وعدم اتخاذ الإجراءات اللازمة لحماية التراث الثقافي، وأنها تراخت في القيام بالدور المنوط بها في هذا الشأن، وانصب جل اهتمامها على إصدار القوانين. في الوقت الذي لا يزال التراث الثقافي يتعرض للتدمير والسرقة والاتجار غير المشروع (الهياجي: 2016، ص 88).

إشكالية البحث.

تتمحور إشكالية البحث حول التساؤلات الآتية: كيف عرفت الاتفاقيات الدولية التراث الثقافي؟ وما أنواعه وأشكاله؟ ما المخاطر التي تهدد بقاءه؟ ما أهم المنظمات الدولية والإقليمية المعنية بصون التراث الثقافي وحمايته؟ وإلى أي حد استطاعت القوانين الدولية والوطنية حماية التراث الثقافي بكل أنواعه وأشكاله؟

أهمية البحث.

يكتسب البحث أهميته من أهمية الموضوع الذي يعالجه، إذ أصبح ينظر إلى التراث على أنه مكون هام ذي قيمة ثقافية، بما يحمله من قيم ومعان تدل على عراقة وأصالة المجال، ومرجعية تاريخية وثقافية حاسمة في تقوية الشعور بالانتماء، كما أصبح ينظر إليه كرافد اقتصادي أساسي بالنسبة للعديد من الدول، ومورد ثمين بالنسبة للمجتمع من خلال عملية التنمية التي أصبح التراث الثقافي يمثل جزءا لا يتجزأ منها في أي مجتمع لا يمتلك رصيدا منه، ومن ثم فالمحافظة عليه وحمايته تستوجب المزيد من الاهتمام والعناية من طرف المجتمع الدولي أفرادا ومجموعات، خاصة في ظل ما يتعرض له من تهديدات(إتلاف، تدمير، سرقة، تهريب…)، تهدد بقاءه كإرث إنساني حضاري.

أهداف البحث:

يهدف البحث إلى تحديد وحصر أهم المنظمات والقوانين الدولية المعنية بحماية التراث الثقافي، والوقوف على مدى قدرتها على تجاوز الصعوبات- في ظل التحولات المتسارعة والأحداث التي يشهدها المجتمع الدولي- والقيام بدورها في حماية وصون التراث الثقافي.

المنهج المعتمد:

لمعالجة إشكالية البحث، اعتمدنا المنهج النقدي التحليلي، والمنهج الاستقرائي، لاستجلاء جهود الهيئات والتشريعات الدولية والوطنية المعنية بالحماية القانونية للتراث، ومن ثم نقد وتحليل دورها في حماية التراث الثقافي وحمايته.

محاور البحث:

لإنجاز هذا العمل، والإجابة عن الإشكالية التي تؤطره، ارتأينا تقسيمه إلى ثلاثة محاور رئيسية كــاللآتــــي:

– المحور الأول: التراث الثقافي: التحديد المفاهيمي؛

– المحور الثاني: أهم المنظمات الدولية والإقليمية المعنية بحماية التراث الثقافي؛

– المحور الثالث: أهم المواثيق والاتفاقيات الدولية لحماية التراث الثقافي.

– المحور الأول: التراث الثقافي: التحديد المفاهيمي.

1- مفهوم التراث الثقافي حسب المواثيق والاتفاقيات الدولية.

لم يعد مفهوم التراث محصورا في تعريف ضيق باعتباره مجموعة من المنشآت القديمة المتوارثة بين الأجيال، بل أصبح يحمل معنى أكبر من ذلك. فالتراث مجموعة من العناصر المادية(المآثر والمنشآت التاريخية، المشاهد الطبيعية، الحرف التقليدية ومنتجات الرستاق…، والعناصر غير المادية كالمعارف والمهارات، اللهجات المحلية، الموسيقى، الحفلات، والتقاليد… الشاهدة على علاقة جماعة بشرية معينة مع مجالها الذي تنتمي إليه عبر التاريخ(Moinet: 2006, p. 52 .).

فحسب اتفاقية حماية التراث العالمي الثقافي والطبيعي(1972) في مادتها الأولى، يعني التراث الثقافي(اليونسكو: 197، ص. 10):

– الآثار: الأعمال المعمارية، وأعمال النحت والتصوير على المباني، والعناصر أو التكاوين ذات الصفة الأثرية، والنقوش والكهوف، ومجموعات المعالم التي لها جميعا قيمة عالية استثنائية من وجهة نظر التاريخ، أو الفن، أو العلم؛

– المجمعات: مجموعات المباني المنعزلة أو المتصلة، التي لها بسبب عمارتها، أو تناسقها أو اندماجها في منظر طبيعي، قيمة عالمية استثنائية من وجهة نظر التاريخ، أو الفن، أو العلم؛

– المواقع: أعمال الإنسان، أو الأعمال المشتركة بين الإنسان والطبيعة، التي لها قيمة عالمية استثنائية من وجهة النظر التاريخية او الجمالية، أو الاثنولوجية(علم الأجناس البشرية)، أو الأنثروبولوجية(علم الإنسان).

2- أنواع التراث الثقافي.

في إطار الاهتمام بدراسة التراث بغية حمايته وصيانته، عملت المنظمات والهيئات الدولية المختصة، وعلى رأسها منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة(UNESCO)، على تصنيف التراث الثقافي إلى قسمين: مادي، ومعنوي(غير مادي). وهذا ما يوضحه الشكل الآتي:

شكل رقم 1: أنـواع وأشكال الترااث الثقافي.

يشمل التراث الثقافي المادي، المعالم والأعمال والمباني، والقطع الأثرية، والنقوش، واللوحات الفنية، والمخطوطات… إلخ. وينقسم إلى تراث ثابت وتراث منقول:

1.1.2- تراث ثابت: كالمواقع الأثرية، والمعالم القديمة، والمباني التراثية، والمتاحف، والمراكز التاريخية، ويشمل:

– التراث الأثري: ويشمل مختلف آثار الأنشطة الإنسانية الموجودة ضمن المواقع الأثرية، وكل ما تحتويه من مكونات ثقافية منقولة(المواقع الأثرية والمعالم القديمة كالكهوف والحدائق التاريخية…).

– التراث العمراني: يعد التراث العمراني والمعماري عنصرا مهما من عناصر التراث الثقافي، وهو من أهم المصادر المادية التي تعبر عن النشاطات الإنسانية، الاجتماعية، والثقافية، لأناس عاشوا ومارسوا النشاطات في عهود سابقة، وذلك من خلال تتبع الحياة الإنسانية، والاجتماعية وتطورها (الهياجي: 2013، ص 17- 19)، ويشمل التراث العمراني:

  • المباني التراثية: وتشمل المباني ذات الأهمية التاريخية، الأثرية والفنية، العلمية، الاجتماعية، والدينية؛
  • مواقع التراث العمراني: وتشمل المباني التي ترتبط ببيئةطبيعية متميزة، سواء أكانت طبيعية، أو من صنع الإنسان؛
  • مناطق التراث العمراني: وتشمل المدن والقرى، والأحياء ذات الأهمية التاريخية أو العلمية، أو الأثرية بكل مكوناتها، من نسيج عمراني، وحدائق وساحات عامة، وأزقة وتجهيزات تحتية وغيرها.

2.1.2- تراث منقول: كالقطع الأثرية المتحفية، منتجات الصناعة التقليدية، اللوحات والرسوم، الصور المنقوشة أو المنحوتة، والعملات والأختام المحفورة، والطوابع…، ويشمل التراث المنقول كذلك التراث الوثائقي، والذي يمثل نسبة كبيرة من التراث الثقافي، والذي يرسم صورة للتطور الفكري للمجتمع الإنساني. ويضم التراث الوثائقي كافة الأعمال سواء المكتوبة، أو المطبوعة بمختلف اللغات، كما هو الحال في المخطوطات(الهياجي: 2016، ص 89- 90).

2.2- التراث الثقافي غير المادي.

يقصد به مختلف الإبداعات الثقافية التقليدية منها أو الشعبية المنبثقة عن الجماعة، والمنقولة عبر التقاليد، وهي على سبيل المثال: أشكال التعبير الشفهي والفني(حكم، أمثال، دلالات لفظية متميزة، فلكلور شعبي، تراث، موسيقى، حرف وفنون…)، الممارسات الاجتماعية(العادات والتقاليد)، الطقوس والاحتفالات(أحداث تعبدية أو أعياد، مواسم، ومهرجانات…)، بالإضافة إلى المعارف والمهارات الحرفية.

وقد عرفته منظمة اليونسكو بأنه (( الممارسات والتصورات وأشكال التعبير والمعارف والمهارات- وما يرتبط بها من آلات وقطع ومصنوعات وأماكن ثقافية- التي تعتبرها الجماعات والأفراد، جزءا من تراثهم الثقافي)) ( اليونسكو: 2003، ص 4).

يواجه التراث بمختلف أشكاله وأنواعه العديد من المخاطر والتهديدات، مما يهدد بقاءه واستمراره كتراث للإنسانية جمعاء.

3- المخاطر التي تهدد التراث الثقافي.

يواجه التراث الثقافي بجميع أنواعه وأشكاله العديد من التهديدات والمخاطر، الطبيعية منها والبشرية التي تهدد بقاءه، وتعرضه للتدمير والسرقة، أبرزها:

– العوامل الطبيعية: ويمكن تقسيمها إلى قسمين: عوامل خارجية(مناخية وبيولوجية): كالحرارة، التساقطات، الرطوبة، والرياح، والكائنات الحية، وما يرتبط بها من نحت ونقل وإرساب. والكوارث الطبيعية كالجفاف، الحرائق، الفيضانات، السيول، العواصف، والأعاصير والمرتبطة بشكل كبير بالتغيرات المناخية. وعوامل باطنية(تكتونية): البطيئة منها كالالتواءات والانكسارات، والسريعة كالزلازل والبراكين.

– العوامل البشرية: والمتمثلة في مختلف الأنشطة البشرية، كالتوسع الصناعي والعمراني، الحرائق، التلوث، الحروب وأعمال الهدم والتخريب والسرقة، الإهمال والترميم الخاطئ، فضلا عن قلة الوعي لدى السكان بالأهمية التاريخية والجمالية والاقتصادية والاجتماعية لمواقع التراث الثقافي.

شكـل رقـم 2: العوامل التي تهدد التــــراث الثقافي.

المصدر: عمل شخصي.

– المحور الثاني: أهم المنظمات الدولية والإقليمية المعنية بحماية التراث الثقافي؛

1- تعريف المنظمات الدولية والاقليمية.

يمكن تعريف المنظمات الدولية بأنها شخص معنوي من أشخاص القانون الدولي العام، ينشأ من اتحاد إرادات مجموعة من الدول لرعاية مصالح مشتركة دائمة بينها، ويتمتع بإرادة ذاتية في المجتمع الدولي وفي مواجهة الدول الأعضاء، أو تتولى تنظيم أداء خدمات دولية تمس المصالح المشتركة للدول الأعضاء؛ وينبغي توافر العناصر الآتية حتى تتمتع بالشخصية القانونية الدولية: عنصر الديمومة أو الاستمرار، عنصر الإرادة الذاتية والشخصية المستقلة، الصفة الدولية، والصفة الاتفاقية(الهياجي: 2016، ص 88).

إلى جانب المنظمات الدولية، توجد في المجتمع الدولي منظمات إقليمية في مناطق جغرافية مختلفة من قارات العالم. تعد هذه المنظمات شكلا محدودا من أشكال التنظيم الدولي، تضم عددا محدودا من الدول المتقاربة جغرافيا، والتي توجد بينها روابط مشتركة (المصالح، التضامن الاجتماعي، التقارب التاريخي والحضاري والثقافي واللغوي والديني)، وتتعاون فيما بينها بغية تحقيق مصالح مشتركة.

2- تحديد أهم المنظمات الدولية والإقليمية المعنية بحماية التراث الثقافي.

تتسم المنظمات الدولية والإقليمية المهتمة بالتراث الثقافي بالتعدد، وبتعاظم دورها في حمايته وصونه، من خلال وضع العديد من المخططات والقوانين التي من شأنها حماية التراث الثقافي الذي يعتبر ملكا للبشرية جمعاء. ومن أبرز المنظمات الدولية والإقليمية المعنية بحماية التراث الثقافي وصونه وإدارته:

1.2- المنظمات الدولية العاملة في مجال الحفاظ على التراث الثقافي.

أ- منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة(UNESCO).

تعد منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (اليونسكو) من أقدم المؤسسات الدولية، أسست سنة 1945، ومقرها باريس، كرست جهودها لمعالجة القضايا الهامة التي تشغل العالم، وعلى رأسها حماية التراث الإنساني العالمي، وابتغت إيجاد وبلورة المعاهدات والمواثيق المتعلقة بصون وحماية التراث الثقافي والطبيعي(http: // www. Unesco. org)، إذ عملت بعد عام 1972 على وضع العديد من البرامج التي تهتم بالحفاظ وإدارة الممتلكات الثقافية على مستوى العالم، ومنها: لجنة التراث العالمي(WHC)، قائمة التراث العالمي(WHL)، قائمة التراث العالمي الذي هو في خطر(LWHD)، وتمويل التراث العالمي(WHF) (عليان: 2005، ص 170).

إن اهتمام منظمة اليونسكو بالتراث الثقافي للشعوب اهتمام قديم قدم المنظمة ذاتها، ويمكن الاستدلال على ذلك بميثاق المنظمة واتفاقياتها المرتبطة بهذا المجال، والتي يعود تاريخ بعضها إلى السنوات الأولى لتأسيسها بعد الحرب العالمية الثانية 1945(الكيتاني: 2010، ص 72).

ويمكن تلخيص أهم المهام التي تقوم بها المنظمة (صالح محمد محمود: 1999، ص 33) في:

– تجهيز وإعداد توصيات قانونية، وصكوك دولية واعتمادها؛ بهدف تحديد المعايير في مجالات العلم، التربية، والثقافة؛

– تبادل المعلومات والبيانات المتخصصة؛

– إعداد دراسات مستقبلية؛ للكشف عن الأنواع، والأشكال التي يحتاجها العالم في المستقبل فيما يتعلق بالعلم ، الاتصال، التربية، والثقافة؛

– الاهتمام بحقوق الإنسان ودعمها، ونقل المعرفة التي تعتمد على أنشطة التعليم، والبحوث، والتدريب، وتشاركها، والحرص على تقدمها؛

– توفير الخدمة الفنية، وتقديمها إلى الدول الأعضاء؛ بهدف تنظيم المشاريع، والسياسات.

ب- المجلس الدولي للمتاحف(إيكوم ICOM ).

مؤسسة دولية غير حكومية أسستها منظمة اليونسكو سنة 1946، تعتبر المنظمة الدولية الوحيدة التي تمثل المتاحف والعاملين بها على مستوى عالمي. ويرتكز دور المجلس الدولي للمتاحف على تنويع العرض المتحفي بإقامة متاحف جديدة، والحفاظ على المقتنيات المتحفية، والارتقاء بمستوى العاملين بالمتاحف في مختلف دول العالم.

وقد اقر المجلس عددا من الاتفاقيات التي تنظم امتلاك القطع الأثرية والتراثية، والطرق المشروعة لامتلاكها واستبدالها، فضلا عن طرق التبادل المتحفي، وحفظ القطع الأثرية، وكيفية صيانتها وترميمها( قسيمة: 2008، ص 101).

ج- المركز الدولي لدراسة صون وترميم الممتلكات الثقافية (إيكروم ICCROM).

منظمة حكومية دولية انشئت من طرف منظمة اليونسكو سنة 1959، ومقرها الرئيسي في روما بإيطاليا، كرست جهودها للحفاظ على التراث الحضاري العالمي، من خلال جمع المعلومات المتعلقة بالتراث الثقافي، والتعاون التقني والعلمي في مجال صون التراث الثقافي بين دول العالم، وتطوير الهياكل والموارد اللازمة لذلك، وذلك من خلال عقد الدورات التدريبية، نشر المعلومات الثقافية، والأبحاث، والتعاون، وبرامج الدعم(صالح محمد محمود: 1999، ص 33).

ويعد الإيكروم واحدا من ثلاث هيئات استشارية في لجنة التراث العالمي التي تعمل على تنفيذ اتفاقية التراث العالمي لسنة 1972. وله إسهامات فاعلة في زيادة الاهتمام باحتياجات مواقع التراث، وإدارتها، وتطوير المعايير التي تؤدي إلى حفظها بصورة متكاملة(كردي، سمان: 2008، ص 67).

د- المجلس الدولي للمعالم والمواقع(إيكوموس ICOMOS).

منظمة غير حكومية فريدة وديموقراطية وذات أهداف غير ربحية، مهمتها تنمية المحافظة على التراث الثقافي في العالم وحمايته واستغلاله وإحيائه. ويواصل المجلس إلى جانب منظمة اليونسكو والمنظمات المتعاونة أعمال المتابعة والإعلام والاستشارة. تأسست هذه المنظمة من طرف اليونسكو سنة 1965، ومقرها باريس(www.icomos.org). لها  أنشطة بارزة أبرزها: وضع ميثاق واشنطن للحفاظ على المدن والمناطق التاريخية، وميثاق دولي للسياحة الثقافية عام 1976 يستند إلى مجموعة من الأهداف، يمكن تلخيصها في تسهيل وتشجيع القائمين على إدارة المواقع الأثرية لجعل هذا التراث مقصدا للسكان المحليين، والسياح، وتشجيع صناعة السياحة، وتوجيهها بما يضمن تعزيز التراث والثقافات الحية للمجتمعات المضيفة(كردي، سمان: 2008، ص 66).

ه- الصندوق العالمي للآثار والتراث (WMF).

هو منظمة دولية غير ربحية، تأسست عام 1965، ومقرها في نيويورك، ولندن، ولها مركز إقليمي في باريس. يتلقى الصندوق طلبات المساعدة المقدمة من الأطراف المعنية في جميع دول العالم، من أجل المحافظة على مواقع التراث الثقافي(سلطان: 2013، ص 219)

و- صندوق التراث العالمي(WHF).

صندوق التراث العالمي هو منظمة دولية غير ربحية، أنشئ بموجب اتفاقية حماية التراث العالمي 1972، ويمول من المساهمات الإجبارية والطوعية التي تقدمها الدول الأعضاء، أو المنظمات الخاصة أو الأفراد. ويستخدم الصندوق لتلبية الطلبات التي تقدمها الدول الأعضاء لتأمين حماية التراث الثقافي الموجود على أراضيها، أو تلبية الاحتياجات العاجلة لصون ممتلكات مدرجة في قائمة التراث العالمي المعرض للخطر، أو تقديم الدعم الفني في صيانة الآثار والمباني التراثية(www.unesco.org/ en/ about/).

ي- لجنة التراث العالمي(WHC).

هي لجنة تابعة لمنظمة اليونسكو ، انبثقت عن اتفاقية اليونسكو لحماية التراث العالمي الثقافي والطبيعي سنة 1972، وتعمل منذ العام 1976. والغرض من الاتفاقية هو تعيين التراث الثقافي والطبيعي ذي القيمة العالمية الاستثنائية، وحمايته، والمحافظة عليه، وإصلاحه، ونقله للأجيال المتعاقبة(سعادة: 2009، ص 69).

وتعمل اللجنة المختصة على دراسة الترشيحات وفقا لمعايير محددة وضعتها مسبقا للاسترشاد بها في اختيار المواقع والممتلكات التي تدرج في قائمة التراث العالمي. وفي هذا الإطار تستشير اللجنة في اختياراتها ثلاث منظمات دولية وهي: المجلس الدولي للمعالم والمواقع(ICOMOS)، والاتحاد الدولي لصون الطبيعة والموارد الطبيعية( IUCN)، والمركز الدولي لدراسة صون وترميم الممتلكات الثقافية (ICCROM) (الأصقة: 2010، ص 93).

ل- التراث الثقافي بلا حدود(CHWB).

وهي منظمة إغاثة دولية مستقلة تأسست في السويد سنة 1995، تعمل المنظمة على حماية الممتلكات الثقافية في حالة النزاع المسلح أو الكوارث الطبيعية أو الإهمال أو الفقر أو الصراع السياسي والاجتماعي. وتؤمن بأن تدمير التراث الثقافي لمجموعة من الناس هو تدمير تراث الناس جميعا(http://chwb.org/).

2.2- أهم المنظمات الإقليمية المعنية بالحفاظ على التراث الثقافي في العالم العربي والإسلامي.

أ- المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم( ألكسو ALECSO).

هي منظمة متخصصة، مقرها تونس، أسست من قبل الجامعة العربية عام 1970، تعتبر من انشط المنظمات التي تهتم بنشر معرفة التراث وثقافة الحفاظ داخل العالم العربي، من خلال تطوير الأنشطة المتعلقة بمجالات التربية والثقافة والعلوم على مستوى العالم العربي وتنسيقها، تقوم هذه المنظمة بالنشاطات نفسها التي تقوم بها منظمة اليونسكو (دون تعارض بينهما) ولكن بشكل خاص في الوطن العربي (عليان: 2005، ص 172).

ب- المنظمة الإسلامية للتربية والعلوم والثقافة(إسيسكو ISESCO).

أسست في فاس سنة 1982، ومقرها في الرباط، من أهدافها الأساسية، الحفاظ على الهوية الإسلامية، والاهتمام بالتراث الثقافي والحضاري في العالم الإسلامي(عليان: 2005، ص 173).

ج- منظمة المدن العربية(ATO).

هي منظمة إقليمية عربية غير حكومية، تأسست في عام 1967م، ومقرها الدائم في مدينة الكويت، تهدف إلى رعاية التعاون، وتبادل الخبرات بين المدن العربية، إضافة إلى الحفاظ على هوية المدينة العربية، وتراثها، ومساعدتها في تحقيق مشروعاتها الإنمائية. وقد انبثق عن المنظمة عدة مؤسسات، وهي: المعهد العربي لإنماء المدن، ومقره الرياض، صندوق تنمية المدن العربية، ومقره الكويت، وجائزة منظمة المدن العربية، ومقرها قطر، والتي من ضمن محاورها جائزة التراث المعماري(الهياجي: 2016، ص 96).

د- منظمة العواصم والمدن الإسلامية(OICC).

هي منظمة دولية غير حكومية، وغير ربحية، أنشئت في العام 1980م، ومقرها في مكة المكرمة، هدفها الأساسي هو الحفاظ على التراث الثقافي للعواصم والمدن الإسلامية، عن طريق إجراء الدراسات التحليلية على العواصم والمدن الأعضاء التي تزخر بالتراث المعماري والعمراني الإسلامي، وتنظيم المؤتمرات والمعارض ، وتمويل مشاريع الخدمات البلدية والبيئية، والبحوث، والتدريب، ودعم حماية التراث من خلال صندوق التعاون التابع للمنظمة(الهياجي: 2016، ص 96).

بالإضافة إلى هذه المنظمات السالف ذكرها، تبرز بعض المؤسسات التي تهتم بالتراث الثقافي في العالم العربي والإسلامي، أبرزها: منظمة الآغا خان، التي تعتبر من أهم المؤسسات الخاصة وأشدها تأثيرا في نشر ثقافة الحفاظ وتنفيذ المشاريع المتعلقة به. جمعيات من القطاع الخاص ، كجمعية أصدقاء الآثار في الأردن، وجمعيات الحفاظ على التراث في مصر، وغيرهما من الدول العربية. مؤسسات التراث الأثري والمعماري والحضري في بعض الدول العربية، والتي ركزت على ربط الآثار بالسياحة، مؤسسات التراث الديني والوقف الإسلامي(عليان: 2005، ص 173- 174)، بالإضافة إلى مركز الأبحاث للتاريخ والفنون والثقافة الإسلامية (إرسيكا IRCICA)، وهو جهاز متفرع عن منظمة المؤتمر الإسلامي(منظمة التعاون الإسلامي حاليا) سنة 1976، يهتم بالحرف اليدوية التقليدية وتنشيطها في بلدان العالم الإسلامي. بالتعاون مع الهيئات والمنظمات الإقليمية والدولية(الهياجي: 2016، ص 96).

– المحور الثالث: أهم المواثيق والاتفاقيات الدولية المتعلقة بحماية التراث الثقافي والحفاظ عليه.

1- تعريف الحفاظ، والحماية القانونية.

1.1- الحفاظ(Conservation) حسب تعريف الاتفاقية الدولية للتراث(WHC): الاجتهادات المصممة لفهم التراث الثقافي وتاريخه ومعانيه، ويتضمن إنقاذ مواده، وما يتطلبه ذلك التراث من تقديم وترميم وتحسين.

2.1- الحماية القانونية(Legal protection): وضع الإطار القانوني(اتفاقيات، قوانين، تشريعات، توصيات) الذي من شأنه ضمان سلامة التراث الثقافي وحمايته من التدمير والتخريب، والسرقة والتهريب، على المستوى الدولي، والإقليمي، والمحلي.

وتجدر الإشارة إلى أن حماية التراث الثقافي تأخذ أربعة أشكال: الحماية القانونية، الحماية الإدارية، الحماية التقنية، والحماية الأمنية.

2- أهم المواثيق والاتفاقيات الدولية الخاصة بحماية التراث الثقافي.

من اجل الحفاظ على التراث الثقافي وحمايته، كثفت المنظمات الدولية والإقليمية جهودها، إذ عملت على وضع ترسانة من القوانين والتشريعات، وتوقيع العديد من الاتفاقيات، والخروج بمجموعة من التوصيات، سنقتصر على ذكر بعضها.

أ- بيان جمعية حماية المباني القديمة(SPAB) لسنة 1877.

جمعية حماية المباني القديمة هي مؤسسة خيرية أسست سنة 1877 في إنجلترا، استهدفت حماية المباني القديمة والمثيرة للاهتمام، والمساعدة في ضمان أو ترميم المباني، وردع الاستعادة المدمرة لمباني القرون الوسطى. تعتبر حاليا أكبر وأقدم مجموعة ضغط تكافح من أجل إنقاذ المباني القديمة من التسوس والهدم والتلف، كما تقوم ببحوث للمساعدة في تحسين طرق تنفيذ هذه السياسة، وتوفير خدمات التعليم والاستشارة(https://ara.cosummitconstruction.com/society-protection-ancient-buildings-80190).

ب- ميثاق أثينا لترميم المعالم التاريخية 1931.

ميثاق أثينا هو بيان رسمي تبناه مؤتمر المعماريين والتقنيين الدولي الأول للمعالم التاريخية، يعتبر هذا الميثاق أول ميثاق يختص بالتراث، والحفاظ على المعالم التاريخية، وقد صدر عام 1931 – برعاية عصبة الأمم- نتيجة لحجم وطبيعة الدمار، والأضرار التي لحقت بالممتلكات الثقافية التي خلفتها الحرب العالمية الأولى. وقد عبر الميثاق عن البداية الحقيقية لتطوير فكر الحفاظ لدى المجتمع الدولي من خلال الاهتمام بالمباني والمناطق الأثرية(الهياجي: 2016، ص 97).

ج- الميثاق الأمريكي 1935م.

انعقد الميثاق الأمريكي سنة 1935، تضمن محتواه وضع نظام قانوني لحماية التراث الثقافي، وقد تمخض عن هذا الميثاق إنشاء لجنة من الخبراء تهتم بمتابعة وتنفيذ أحكام الميثاق. وفي سنة 1938م وضعت هذه اللجنة مشروعا للدفاع عن التراث الثقافي في فترة الحرب، ومنه تعاقبت الجهود الدولية لتطوير مجال حماية التراث بأنواعه، وهو ما تجسد ميدانيا خلال الحرب العالمية الثانية. وبفضل الجهود المبذولة، استطاعت هذه اللجنة إقناع مجموعة من الدول التوقيع على ميثاق اليونسكو، وإعداد مشروع اتفاقية لاهاي لحماية التراث في حالة النزاع المسلح سنة 1954(رشاد: 2005، ص 71).

د- اتفاقية لاهاي لعام 1954.

تعد اتفاقية لاهاي لحماية الممتلكات الثقافية في حالة نزاع مسلح، أول معاهدة دولية تهدف إلى حماية الممتلكات الثقافية أثناء النزاعات المسلحة. حيث تنص مواد الاتفاقية والبروتوكولات الملحقة بها، وخاصة المادة الثالثة التي نصت على التزام الدول الموقعة على الاتفاقية وقاية الممتلكات الثقافية في وقت السلم وأثناء النزاع المسلح(المادة الثالثة من اتفاقية لاهاي 1954).

ه- ميثاق البندقية 1964م.

ويسمى أيضا الميثاق العالمي للحفاظ والترميم للمعالم والمواقع، صدر هذا الميثاق عن المؤتمر الثاني للمعماريين والفنيين المتخصصين الذي عقد في مدينة البندقية سنة 1964م، بإشراف منظمة اليونسكو، حين تبين للمؤتمرين أن العديد من المشاكل التي تصادف المرمم، لم يتناولها ميثاق أثينا، ومن ثم كان من الضروري إعادة النظر في مبادئ ميثاق اثينا بهدف تعميقها وتوسيع صلاحياتها في وثيقة جديدة تحل تلك المشكلات. وبناء عليه خرج المؤتمر بوثيقة أضحت الميثاق الدولي الأول المستند عليه في معظم المواثيق الدولية. إذ يعتبر من أهم الوثائق المتعلقة بالحفاظ على المناطق والأبنية الأثرية والتاريخية، وأصبح المرجع الرئيسي لعمليات الترميم والصيانة(محمد سامح عمرو: 2008، ص 50).

و- اتفاقية حماية التراث العالمي الثقافي والطبيعي 1972م.

تعد هذه الاتفاقية من أبرز الاتفاقيات الدولية في مجال حماية التراث، والتي أقرها المؤتمر العام لمنظمة اليونسكو، المنعقد في باريس من 17 أكتوبر إلى 21 نونبر 1972م، في دورته السابعة عشر.

وتهدف هذه الاتفاقية إلى حماية التراث الثقافي والطبيعي المهدد بالتدمير في العالم، بسبب الأنشطة البشرية والعوامل الطبيعية(www. unesco. org).

ي- ميثاق واشنطن للحفاظ على المدن والمناطق التاريخية 1987م.

يعد هذا الميثاق مكملا لميثاق البندقية 1964م، أصدره المجلس الدولي للمعالم والمواقع(ICOMOS ) سنة 1987، اهتم بالحفاظ على المدن والأحياء التاريخية المهددة بالتلف. وأكد على أن الحفاظ الحضري يجب أن يتكامل مع التنمية الاجتماعية والاقتصادية وسياسة التخطيط الحضري، مع ضرورة المشاركة الفعالة من قبل السكان. كما أكد على ضرورة القيام بدراسة للمناطق الحضرية، بغية معرفة وتسجيل ما تحويه كل منطقة من مقومات أثرية وتراثية، ودراسة التأثير البشري والطبيعي الذي تتعرض له المقومات الأثرية(ايزيس: 2010، ص 49).

ل- ميثاق بورا بأستراليا 1981.

يعرف أيضا بميثاق المجلس الدولي للمعالم والمواقع الأسترالي للحفاظ على الأماكن الثقافية. طرح هذا الميثاق مجموعة من القرارات المهمة، والتي تبنتها العديد من الدول، وجعلت منها استراتيجية لحماية تراثها. ومن جملة القرارات التي طرحت في ميثاق بورا، تحيين قائمة المصطلحات الأثرية التي ترتكز على مفاهيم متعددة مثل محيط الموقع الأثري، المجتمعات المحلية، الحفظ، الصيانة، الترميم، إعادة التأهيل والتكييف(المحاري: 2017، ص 155).

م- اتفاقية حماية التراث الثقافي المغمور بالمياه 2001م.

اتفاقية تبنتها اليونسكو في مؤتمرها العام سنة 2001م، بسبب التهديد الذي يتعرض له التراث المغمور بالمياه، والحاجة إلى اتخاذ التدابير اللازمة لمواجهة الآثار السلبية المحتملة، جراء الأنشطة البشرية غير المرخصة، أو نتيجة لبعض الأنشطة المشروعة التي يمكن أن تؤثر عليه(اليونسكو: 2002، ص 57). وعليه، ترتكز الاتفاقية على أربعة مبادئ أساسية وهي: وجوب الحفاظ على التراث المغمور بالمياه، مع منح الأولوية لحفظ الآثار في مواقعها(أي في عمق المياه، رفض الاستغلال التجاري لبقايا الآثار وتعاون الدول من أجل حماية هذا التراث الثمين، تشجيع التدريب في علم الآثار المغمور بالمياه، وتحسيس الرأي العام بأهمية التراث المغمور بالمياه.

ز- توصية بشان حماية التراث الثقافي والطبيعي على الصعيد الوطني 1973.

أقرت هذه التوصية في باريس سنة 1973، وتهدف إلى حماية الممتلكات الثقافية، وتنسيق كافة الموارد العلمية، والتقنية، والثقافية، واستخدامها لتأمين حماية فعالة للممتلكات الثقافية، وصونها وإحيائها؛ لما من شأنه تحفيز الدول على صون جميع مقومات تراثها الثقافي والطبيعي(اليونسكو: 1985، ص 173- 186).

ر- توصية بشأن حماية الممتلكات الثقافية المنقولة 1978م.

تحث هذه التوصية -التي تم إقرارها سنة 1978م – الدول الأعضاء اعتماد مجموعة من التدابير الرامية إلى تحسين نظم الأمن في المتاحف والمؤسسات المماثلة، وتوفير حماية أفضل للمجموعات الخاصة والمباني الدينية والمواقع الأثرية، كما تقترح التوصية فرض عقوبات في حالات الجرائم المتعلقة بالممتلكات الثقافية، كأعمال السرقة، والحفر غير القانوني، وأعمال التخريب(اليونسكو: 1985، ص 221- 222).

ق- توصية بشأن حماية وصون التراث الثقافي غير المادي 2003م.

اعتمدت هذه التوصية سنة 2003م، وتهدف إلى حماية وصون التراث الثقافي غير المادي للجماعات والأفراد المعنيين واحترامه، بالإضافة والتحسيس والتوعية بأهمية التراث الثقافي غير المادي، وبأهمية حمايته، وإبراز الدور الإيجابي للتراث الثقافي غير المادي في التقارب والتفاهم بين البشر. وبناء على هذه الاتفاقية، أنشأت اليونسكو لجنة دولية حكومية لصون التراث غير المادي تسمى لجنة صون التراث الثقافي غير المادي، والتي من مهامها: الترويج لأهداف الاتفاقية، وضمان متابعة تنفيذها، والتدابير اللازمة لصون هذا التراث(الهياجي: 2016، ص 99).

خاتمة:

انطلاقا مما سبق ذكره في فقرات هذا الموضوع، نخلص إلى أنه رغم المجهودات التي تبذلها الهيئات الدولية المعنية، بتوقيعها للعديد من الاتفاقيات وإصدار القرارات والتوصيات بهدف حماية التراث الثقافي والحفاظ عليه، سواء في زمن السلم أو الحرب، ورغم انخراط العديد من بلدان العالم، ومصادقتها على العديد من الاتفاقيات، تعرض التراث الثقافي ولا زال للتدمير، والتخريب، والسرقة، والتهريب، خاصة في الدول التي تعرضت للاستعمار في عالمنا العربي، كما هو الشأن بالنسبة لبلدان المغرب الكبير، أو التي تشهد حروب وصراعات مسلحة كاليمن، سوريا، ليبيا، والعراق، وفي فلسطين المحتلة. ففي اليمن وحده وصل عدد المواقع ذات القيمة الدينية والثقافية والتاريخية التي دمرت بسبب الصراع الدائر فيها إلى أكثر من خمسين موقعا أثريا، وفي سوريا تعرضت المواقع الأثرية في شتى أنحائها للأضرار والتدمير، وعلى رأسها مدينتي حلب، وتدمر- التي تعد من أهم المدن الأثرية في العالم- إذ دمرت عناصر داعش العديد من المعالم الأثرية للمدينة كقوس النصر الشهير ومعبدي شمين والمسرح الروماني، أما في العراق فقد تعرض أكثر من عشرة آلاف موقع أثري للأضرار والتدمير، كموقع بابل الأثري الذي حولته القوات الأمريكية في العام 2003 إلى قاعدة عسكرية، كما تعرضت مكتباتها ومتاحفها ومعابدها للنهب والتدمير. مما يؤكد بأن هذه القوانين الدولية الخاصة بحماية التراث الثقافي تبقى حبرا على ورق، وتطرح أكثر من علامات استفهام على تطبيقها.

إن اتهام المنظمات الدولية والإقليمية بالتقصير في حماية التراث الثقافي والحفاظ عليه، لا يقلل من مسؤولية الدول والحكومات في حماية تراثها بشكل عام، والتراث الثقافي على وجه الخصوص، ويرجع ذلك إما إلى قلة الوعي بالأهمية التاريخية والجمالية والاقتصادية والاجتماعية لمواقع التراث، أو إلى التدخلات المحتشمة(حماية، صيانة، ترميم، إعادة تركيب،…)، وما يرافق بعضها من طمس أو تغيير في المعالم الأصلية للمعلم الثقافي، أو ضعف التشريعات الوطنية، وعدم تطبيقها في معاقبة المخالفين، وملاحقة المهربين.

وعليه، ومن أجل الحفاظ على التراث الثقافي وحمايته، باعتباره ملكا للبشرية جمعاء، لابد من تظافر جهود كل المجتمع الدولي، أفرادا ومجموعات، وتطوير القوانين والتشريعات، وتشجيع البحث العلمي والتكوين، وتوفير التمويل اللازم للحفظ والصيانة.

لائحة المراجع

1. الأصقة، خيرية بنت عبد الله ابراهيم(2010): إدارة التراث الثقافي في المملكة العربية السعودية- حالة الحرف والمصنوعات التقليدية- رسالة دكتوراه غير منشورة، جامعة الملك سعود، الرياض.

2. إيزيس محي الدين عبده فهد(2010): تجربة الترميم والحفاظ على التراث في إيطاليا “أورفيتو حالة دراسية” وإمكانية تطبيقها في فلسطين ” عراق بورين حالة دراسية”، مذكرة لنيل شهادة الماجستير في هندسة العمارة، جامعة نابلس، فلسطين.

3. بدر الدين، صالح محمد محمود (1999): حماية التراث الثقافي والطبيعي في المعاهدات الدولية: “الحماية الدولية للآثار والإبداع الفني والأماكن المقدسة”، دار النهضة العربية، القاهرة، مصر.

4- ابراهيم، وليد محمد رشاد (2005): حماية الآثار وعناصر التراث الثقافي في القانون الدولي الخاص، الطبعة الأولى، دار النهضة العربية، مصر.

5- جمال عليان(2005): الحفاظ على التراث الثقافي” نحو مدرسة عربية للحفاظ على التراث الثقافي وإدارته”، سلسلة عالم المعرفة، ع 322، مطابع السياسة، الكويت.

6- سعادة أيمن عزمي جبران(2009): آليات تفعيل المشاركة الشعبية في مشاريع الحفاظ المعماري والعمراني، حالة دراسية الضفة الغربية، رسالة ماجستير في الهندسة المعمارية غير منشورة، جامعة النجاح الوطنية، نابلس، فلسطين.

7- سلطان محمد سيد(2013): قضايا تمويل التراث العمراني، الإطار الاستراتيجي لتعزيز حفظ وحماية التراث، سجل أبحاث ملتقى التراث العمراني الوطني الثالث، المدينة المنورة، ص ص 199- 233.

8- عمرو، محمد سامح(2008): اتفاقيات اليونسكو في مجال حماية التراث الثقافي من منظور الدول العربية: “دراسة قانونية تأصيلية وتحليلية”، المجلة العربية للثقافة، ع 52، المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم، تونس.

9- قسيمة، كباشي(2008): التجربة السودانية في إدارة التراث الثقافي، المروة للطباعة والنشر، الخرطوم، السودان.

10- كردي، فاتنة؛ سمان، مازن(2008): المنظمات الدولية والعربية ودورها في الحفاظ وإعادة تأهيل المدن القديمة وتنميتها سياحيا، مجلة بحوث، جامعة حلب، العلوم الهندسية، ع 64، ص ص 61- 83.

11- الكيتاني، سعيد بن سليم(2010): التراث الثقافي والإنسان والتنمية، مجلة تواصل، ع13، عمان، ص 72- 75.

12- المحاري، سلمان أحمد(2017): حفظ المباني التاريخية(مباني من مدينة المحرق)، حكومة الشارقة، الإمارات العربية المتحدة.

13- الهياجي، ياسر هاشم عماد(2013): إدارة مواقع الجذب السياحي التراثية، مدينة صنعاء القديمة أنموذجا، رسالة ماجستير غير منشورة، جامعة الملك سعود، الرياض.

14- الهياجي، ياسر هاشم عماد(2016): دور المنظمات الدولية والإقليمية في حماية التراث الثقافي وإدارته وتعزيزه، مجلة أدوماتو، ع 34، المملكة العربية السعودية.

15- اليونسكو(1954): اتفاقية لاهاي لحماية الملكية الثقافية في حالة النزاع المسلح.

16- اليونسكو(1972): اتفاقية لحماية التراث العالمي الثقافي والطبيعي، الدورة السابعة عشر، باريس.

17- اليونسكو (1985): الاتفاقيات والتوصيات التي أقرتها اليونسكو بشأن حماية التراث الثقافي.

18- اليونسكو (2002): سجلات المؤتمر العام، الدورة الحادية والثلاثون، اتفاقية بشأن حماية التراث الثقافي المغمور بالمياه، باريس.

19- اليونسكو(2003): اتفاقية بشأن حماية التراث الثقافي غير المادي، المؤتمر العام، الدورة الثانية والثلاثون، باريس.

20- Moinet. F(2006): Le tourisme rural: Concevoir, Créer, gérer, 4e édition, France Agricole.

21- http: //www. Unesco. Org

22- www. Icomos. Org

23- www. Unesco. Org/en/ about/

24- http:// chwb. Org/

25- www. Unesco. Org

26- https://ara.cosummitconstruction.com/society-protection-ancient-buildings-80190