أ.م.د مها هلال محمد1
جامعة ذي قار، كلية التربية للبنات، العراق
HNSJ, 2023, 4(11); https://doi.org/10.53796/hnsj41123
تاريخ النشر: 01/11/2023م تاريخ القبول: 15/10/2023م
المستخلص
يعد كتاب ( دُرر السمط في خبر السبط ) لابن الأبار الأندلسي ، من أهم الكتب التي تدرس التراث الأندلسي ، بصورة عامة ، والشيعي خاصة ، إذ يعد من أهم الأثار الأدبية للكاتب ، والذي يعد كنزا معرفيا وتاريخيا وأدبيا على حد سواء ؛ وهو دليل واضح وصريح على الوجود الحقيقي لظاهرة التشيع في بلاد الأندلس .
وقد تناولت في البحث ، عنونة النص الموازي ، كمسار توجيهي وتطبيقي في متن الكتاب الرئيس . وقد درست فيه العنوان الخارجي للكتاب ، والعنوانات الداخلية ، والمقدمات للفصول ، وخواتيمها ، ثم الخاتمة النهائية للكتاب .
The book (Durar Al-Samat fi Khabar Al-Sibt) by Ibn Al-Abar Al-Andalusi
A study in parallel text
Dr. Maha Hilal Mohammed1
1 Researcher, Iraq.
HNSJ, 2023, 4(11); https://doi.org/10.53796/hnsj41123
Published at 01/11/2023 Accepted at 15/10/2023
Abstract
The book (Durar Al-Samt in the news of the tribe) by Ibn Al-Abar Al-Andalusi is one of the most important books that study the Andalusian heritage, in general, and the Shiite in particular, as it is one of the most important literary effects of the writer, which is a treasure of knowledge, history and literature alike, which is clear and explicit evidence of the real existence of the phenomenon of Shiism in Andalusia.
In the research, I dealt with the title of the parallel text, as a guiding and applied path in the body of the main book. In it, I studied the external title of the book, the internal titles, the introductions to the chapters, their conclusions, and then the final conclusion of the book.
المقدمة
الحمد لله رب العالمين , والصلاة والسلام على أشرف الخلق محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين , أما بعد :
يدرس البحث موضوعة مهمة ، من الموضوعات النقدية الحديثة ، ومحاولة تطبيقها على مصدر ، من أهم المصادر الأندلسية ، متمثلا بكتاب (درر السمط في خبر السبط) لمؤلفه ابن الأبار الأندلسي . إذ جاء العنوان كالآتي : (النص الموازي في كتاب درر السمط في خبر السبط لابن الأبار الأندلسي) ، سلطت الضوء فيه على أبرز المتعاليات الواردة في الكتاب من ناحية النصوص الموازية متمثلة بـ العنوان الخارجي والعنوانات الداخلية والمقدمة والخاتمة ، في محاولة لإيجاد أهم ما أراد المؤلف بثه سواء على مستوى العنونة الخارجية متمثلة بـ (درر الصمت في خبر السبط) أو على مستوى العنوانات الداخلية وما اختلجها من معلومات قد اغفلها التاريخ وحاول اسدال الستار عليها ، فضلا عما أباحت به المقدمة الرئيسة للدرر والخاتمة التي ختم بها الكتاب ؛ ومحاوله ايجاد الرابط بين كل تلك التسميات والتقسيمات ، والوصول الى الثمرة التي كان المؤلف ، يحاول تثبيتها امام نفسه وامام متلقيه من جهة وامام دينه ومعتقده وخالقه من جهة أخرى .
النص الموازي : توطئة
يعد النص الموازي من القضايا المميزة ، في الكتابات النقدية الحديثة ، والتي يُشار لها بالبنان ، إذ انها أستحوذت على الساحة الكتابية للنقاد ؛ لما لها من أهمية بارزة وقيمة في تصيد ما كان غافلا عنه المتلقي قديما ، ويُضاف لذلك مسألة مهمة ، ان النصوص الموازية لها من الرسائل المُشفرة ما لها ، تحتاج إلى من يقرأها ويتوصل إلى مفاتيحها ، كي يبرزها إلى النور ، ومن ثم إلى القارئ الحاذق . فالنص الموازي هو ” دراسة للعتبات المحيطة بالنص ” (1) .
فالنص الموازي عند جيرار جينيت هو الذي يشمل النص الفوقي والنص المحيط ، والفوقي تندرج تحته كل الخطابات الموجودة خارج الكتاب والمراسلات والشهادات والقراءات والتعليقات وغيرها مما يخدم النص (2) . أما النص المحيط فهو العنوان الرئيس ، والعنوانات الداخلية ، والهوامش ، والتعليقات ، والملحقات والذيول ، والتنبيهات ، والتوطئة ، والتقديم ، والفاتحة ، والملاحظات الهامشية … الخ (3) .
- العنوان الخارجي : هو أول ما يلامس عقل المتلقي ورصيده الإرثي الثقافي ، فإذا أستجلبه العنوان وضمنه كقارئ أصبح قارئا فعليا لما وراءه ، أما إذا فشل في أستدعائه فإنه قد خسر أحد متلقيه . فهو ” علامة جوهرية للمصاحب النصي ” (4) إذ إن البعد الشاعري للعنوان يشكل حماية له من السطحية والمباشرة ، باعتباره قيمة جمالية ، تستهدف الإيحاء لا التصريح (5) فالعنوان هو المفتاح الرئيس للمتلقي من أجل الشروع بالقراءة والتلقي واصطياد القيم الموجودة في أي نتاج علميا أو أدبيا . فهو الجانب الهام في جميع العملية القرائية ، ولولاه لكانت الكتب في ضياع فوضوي عارم . ولذلك برزت لنا وظائف العنوان المتنوعة . وقد أشار لها جيرار جينيت في كتابه عتبات ، وقد تضاف لها وظائف أخرى .
ولو تأملنا في عنونة الكتاب لوجدنا إن هناك أكثر من وظيفة أضطلع بها كي يجعله مفتاحا دلاليا لدى متلقيه ، وبالتالي فإنه يحيل القارئ له على الآتي :
الوظيفة الإغرائية : فالعنوان (درر السمط في خبر السبط) يُحيل القارئ إلى عدة مستويات الجمالي على صعيد الشكل الخارجي ، والتناغم الحاصل بين الحروف المتكررة الراء في (درر وخبر) والسين والطاء في (السمط والسبط) ، فضلا عن التجنيس الغير تام بين السمط والسبط ، مما يخلق رغبة حقيقية عند المتلقي لفهم تلك الإشارات المبثوثة في العنونة الخارجية ، فهي تعمل على “جذب المتلقي” (6) .
الوظيفة الإختصارية : وهذه من الوظائف التي عمدت إلى وضعها ، والتي وجدتها حاضرة بشدة في العنونة ، إذ قام المؤلف بإختصار كتابه كاملا في هذا العنوان المختصر والمكثف الدلالة ، فأوجز ما أوضحه وبحثه وبثه وآلمه وأحزنه وطلبه في عنونته .
ولو رجعنا إلى الدلالة اللغوية للمفردات الواردة لعرفنا كيف أدار عنونته وميزها عن غيرها من العنوانات الأخرى :
- درر : لغة : الدرة : اللؤلؤءة العظيمة ، قال ابن دريد : هو ما عظم من اللؤلؤ ، والجمع در ودرات ودرر ، والكوكب الدري الثاقب المضيء نُسب إلى الدر لبياضه (7).
- السمط : لغة : الخيط ما دام فيه الخرز ، وإلا فهو سلك . والسمط : يأتي بمعنى خيط النظم ؛ لإنه يعلق ، وقيل : هي قلادة أطول من المخنقة ، وجمعه سموط ؛ قال ابو الهيثم : السمط الخيط الواحد المنظوم ، والسمطان اثنان ، يقال : رأيت في يد فلانة سمطا أي نظما واحدا (8).
- خبر : يقال خبرت بالأمر أي علمته ، والخبر بالتحريك : واحد الأخبار . والخبر : ما أتاك من نبأ عمن تستخبر (9) . أما أصطلاحا فهو من الأخبار المعلومة والواردة في الكتب والمصادر المعروفة .
- السبط : لغة : الشعر الذي لا جعودة فيه ، أي شعر مسترسل . وأيضا رجل سبط أي سهل . وقيل السبط واحد الأسباط وهو ولد الولد، ابن سيدة السبط ولد الأبن والأبنة ، وفي الحديث : الحسن والحسين سبطا رسول الله ، ومعناه أي طائفتان وقطعتان منه ، وقيل : الأسباط خاصة الأولاد ، وأيضا قيل أولاد الأولاد ، وقيل أولاد البنات ، وفي الحديث الحسين سبط من الأسباط ، أي أمة من الأمم في الخير ، فهو واقع على الأمة والأمة واقعة عليه (10) .
فالمعنى الأجمالي للعنوان الرئيس يبحث مجموعة من الكلمات التي شبهها بالدرر أبتداء ؛ لما لها من قيم عليا في قول الحق وعدم الخوف إزاء السلطات التي تحاول أخفاء الهوية الأسلامية الحقيقية ، ومحاولة ربطها بالأخبار المأثورة والواردة في كتب الروايات والأحاديث ، والمصادر التأريخية ؛ لبيان وجه الحقيقة المخفي ، وفك الشفرات وتوضيحها ، من خلال سلسلة من الأساليب البلاغية التي وظفها ابن الأبار توظيفا مثاليا مميزا ، إلى أن خرجت لنا قطعا منتظمة من اللؤلؤ الدري ، في بيانه وجماله من جهة ، وفي الحزن المبثوث في ثنايا النظم المنثور من جهة أخرى .
فالعنونة التي أختارها الأديب كانت تامة الدلالة من حيث المعنى ، واضحة المراد في المبنى ، موجزة العبارة ، مكثفة في البيان المطروح . فكانت بالفعل عتبة مهمة للمتلقي من أجل فتح مغاليق النص المخبئة تحت عنوانها . فالعنوان على قصره هو الموازي النصي للمتن الفعلي . فهو يُخبر ويُنبأ القارئ بما سيقرأ ويجد لاحقا في الكتاب .
فالعنوان يستطيع أن يقوم بتفكيك النص عبر أستكناه بنيات الدلالية والرمزية ، ويضيء لنا في بداية الأمر ما أشكل من النص وغمض (11) .
فابن الأبار في أختياره لهذه العنونة كان دقيقا جدا ، فمن خلال تخريج الألفاظ لغويا ومزجها بمعناها الأصطلاحي المتعارف عليه والمتداول ، نجد التوائم التام بين مصطلح الدُرر واللألئ المختارة بدقة وعناية وجمالية من خلال التصاقها بلفظة السمط ؛ ثم أختصاصها بالأخبار الواردة عن سبط الرسول متمثلا بالإمام الحسين . وبالتالي فهو يعطي إيعازا مباشرا لمتلقيه الواعي (الحاذق) ؛ لما سيقرأ لاحقا من هذه الدرر والقصص المأثورة بأسلوبها البلاغي الرصين .
- المقدمة : تعد المقدمة ضمن العتبات المصاحبة للنص الروائي والمؤسسة له ، فهي تشتمل على أسئلة فكرية تدخل في الخاص والعام للرواية ، إذ تعمل على الإحاطة بالجنس الأدبي ومحاولة فك رموزه ، كما تساهم في تمحيص الوعي النقدي للكاتب (12) . وهي بـمثابة خطاب مواز أو مصاحب ، يشرح فيها المقدم بعض التوجيهات التقويمية أو النصائح التي تساعد الباحث في تطوير كتابته في الحاضر والمستقبل معا (13) .
أبتدات مقدمة الكتاب بقول الكاتب ابن الأبار (رحمة الله وبركاته عليكم أهل البيت) (14) بآية قرانية كريمة : (ومن يكتمها فقد اثم قلبه) (15) ، ما بين الأبتداء والأنتهاء بالمقدس القرآني ، قدم ابن الابار موجزا وملمحا أجماليا وتكثيفيا دلاليا عن خلق اهل البيت ، وقد كان الكاتب يمتلك منهجا ذكيا في كيفية دمج وترتيب الأحداث المتراكمة والطويلة ، إذ كان أمام تراكم في المجريات الأجتماعية والسياسية والبيئية التي تعرض لها اهل البيت ولذلك كان ملزما أمام قضية كبيرة ومهمة في الوقت \اته ، الأمر الذي يتطلب منه ان يكون عارفا ما يختار وما يختصر وما يبرز من الاحداث ؛ لأنها كثيرة ومتناوبة فكانت مقدمته بمثابة الإضاءة حول البيت المقدس وما به وما فيه من وجوه طاهرة أبية محقة عارفة .
فعبر عن أهل البيت بالفروع والينابيع والصفوة والسراة يقول (16) : “فروع النبوة والرسالة وينابيع السماحة والبسالة صفوة ال أبي طالب بني لؤي بن غالب الذين حياهم الروح الأمين، وحلاهم الكتاب المبين” ، فالتجنيس الاشتقاقي أستولى على العبارتين(حياهم، حلاهم) و (الأمين، المبين) ثم يستذكر افعالهم (شرعوا الدين القيم، ومنعوا اليتيم ان يقهر الايم) (17) ، ثم بأدوات (ما ولا) يثبت ما لهم من مزايا وخصائص أنمازوا بها عن الاخرين يقول : “ما قد من اديم آدم أطيب من أبيهم طينة ، ولا أخذت الأرض اليهم قينه اجمل من مساعيهم زينة “ (18) ، فضلا عن السجع الدي حققه التآلف بين طينة وزينة .
ثم يكمل بقوله (19) : ” ولولاهم لما عبد الرحمن ولا عهد الإيمان ولا عقد الأمان ” .
فهو يعلل العبادة لله تعالى بهم ، وهو في هذا الموضع يعمد إلى أستعمال المحسن اللفظي المتمثل بـ (حسن التعليل) ولكن في أسلوبه الحقيقي أو العلمي دون تزييف الحقائق أو تحويرها .
ثم يواصل حديثه بقوله (20) :
“ذوابة غير أشابة فضلهم ما شانه نقص ولا عابه سرارة محلتهم سر المطلوب وقرارة محبتهم حبات القلوب”
باستعمال عنصر التجنيس ودوره في بيان وتوجيه المعنى ، يجانس بين الألفاظ (أشابه وشابه ) وبين (سرارة وقرارة) وبين(المطلوب والقلوب) .
ثم يزاوج بين استعمالاته البديعية , فينتقل إلى التناص القرآني الأمتصاصي ؛ ليثبت أن الله أذهب عن أهل البيت “عليهم السلام” كل رجس وشرف بهم كل جنس من البشر ، والتميز الدي نالوه لشريعتهم الناصعة في بياضها وصفاءها وتحيزهم لما نالوه من كرم الأستشهاد وبدل نفوسهم ودمائهم الطاهرة والتي كنى عنها بالحمراء ، يقول (21) :
” أذهب الله عنهم كل رجس وشرف بخلقهم كل جنس فإن تميزوا فبشريعتهم البيضا أو تحيزوا فلعشيرتهم الحمراء” .
ثم يركز على النسب الطاهر ” من كل يعسوب كتيبة ، منسوب لنجيب ونجيبه ، تجارة الكرم ودارة الحرم” (22) ، مبتهجا بالنسب المطهر متذكرا قول الشاعر (23) :
نمته العرانين من هاشم
إلى النسب الأصرح الأوضح
إلى نبتة فرعها في السما
ومغرسها سرة الأبطح
ثم يختتم مقدمته بأجمل كلمات التحية والفداء والشهادة بحبهم “عليهم السلام” يقول (24) : ” أولئك السادة أحيي وأفدي والشهادة بحبهم أوفي وأودي” ، متخدا من الآية القرآنية الكريمة مفتاحا أبتدائيا لمقدمته وأنتهاء ومخرجا لخاتمته ، وهذا أحسن الأبتداءات وأروع النهايات التي ينصح بها البلاغيون ، يقول (25) : ” ومن يكتم حبهم فقد أثم “ (26) .
فالخاتمة النهائية أراد الكاتب من خلالها أن يبوح بما في قلبه من حب وعشق لأهل البيت ، وعن إيمانهم الحقيقي لكل مجريات الأمور وحوادث الزمن القاسي ، فقد أراد أن يبين طهرهم وميزاتهم وأفضليتهم ، ثم بيان تولهه وحبه وفداءه لهم .
- الخاتمة : هي آخر ما يكتبه الأديب في نهاية القصيدة أو النص المكتوب ، وآخر ما يشعرُ به إزاء المقصود . وقد كانت الخاتمة قديما وحديثا من أهم الإشارات التي يبثها الأديب في نصه الأدبي . وقد عمد ابن الأبار الأندلسي إلى تضمين خاتمته المضامين الآتية :
- الندم على ما فات مؤيدا ذلك بقوله تعالى: ((يَا حَسْرَتَا عَلَىٰ مَا فَرَّطتُ فِي جَنبِ اللَّهِ)) (27) .
- أستذكر المأساة والحزن لمصاب أهل البيت ، ثم الإيمان التام بوجود العادل الحاكم الذي لا يمهل ولا يهمل ، وقد وضح هذان الأمران من خلال التعالق النصي مع قول الشاعر (28) :
تذكرت يوم الشعب من آل هاشم
وما يومنا من آل حرب بواحد
لئن رقد النصار عما أصابنـــــــــــــــا
فما الله عما نيل منا براقـــــــــد
ثم يسترسل في وصف ما مر بأهل البيت ، ويتغنى بقول سليمان بن قتة العدوي (29) :
مررت على أبيات آل محمد
فلم أرها كعهدها يوم حلت
وكانوا رجاء ثم أضحوا رزية
لقد عظمت تلك الرزايا وحلت
- وصف حاله وسهاده وأرقه وما يشعر به قلبه إزاء مصاب أهل البيت “ع” ، فهو يشهد بالرزء العظيم للإمام الحسين “ع” بقوله (30) ” وأنا قد ران على قلبي ….” ، مستشهدا ببيت من الشعر ، يتضح إن الشطر الأول له ، أما الثاني فهو للنابغة الذبياني (31) :
بين يوم ألاقيه عرض المناكب
” وليل أقاسيه بطيء الكواكب”
ثم يوضح قيمة ما ينطق اللسان فرب ” لسان أشقى من سنان ومقول أمضى من مفصل” (32) .
- كل ما قدمه هو لله طالبا منه أن يكرمه بقبول ما جاد به لسانه في نطق الحق وبيان المأساة ، وعدم حرمانه شفاعة الرسول يقول (33) : ” فأكرمه اللهم بقبولك ، ولا تحرمه شفاعة رسولك ، واجعله لي بين يديك حجة لا تدحض ، وحسنة لديك تمحو سيئاتي وترحض ، حتى أنعم في دار القرار بمجاورة الأبرار ، ولا أندم يوم السؤال ، على الأعلان والأسرار ، إنك ذو الصفح الجميل ، والمنح الجزيل ، ويا من أدخر ندبته للمئاب ، وأفتخر بالجود فيه والأكتئاب “ .
فهو يريد بهذ الكتاب ( دُرر السمط في خبر السبط) المقربة والرضوان والشفاعة ومجاورة الأبرار وعدم الندم يوم السؤال .
- مختتما رجاءه ومسألته بقول لابن الرومي (34) :
سلام وريحان وروح ورحمة
عليك وممدود من الظل سجسج
ويا أسفا ألا ترد تحية
سوى آرج من طيب ومسك يأرج
والبيتان في صميم الحالة ، التي يعيشها الأديب ويتأمل حاله فيها ، ثم يختتم خاتمته ، بالحمد لله على أكمال ما شرع بتقديمه في كتابه ، يقول : ” كمُل بحمد الله دُرر السمط في خبر السبط والحمد لله واهب التوفيق” (35) .
- العنوانات الداخلية : لجأ ابن الأبار إلى تقسيم جديد لم يكن واردا قبله عند الأدباء أو الكتاب ، بل أنفرد به ولم أجد بعده من سار على منواله في هذا الإطار .
إذ قسم كتابه إلى أربعين فصلا ، فهو يكتفي بوضع عنوانا له بـ ( فصل 1 أو فصل 2 أو فصل 3 ) إلى أن يصل إلى الـ (فصل 40) والأخير .
وممكن القول : إنه في الفصول الأربعين قد تناول قصة الرسول “ص” وأهل البيت “ع” وما آل إليه الأمر فيما بعد ؛ ولكن بين البداية والنهاية بون طويل وواسع ومع هذا الأمر كان دقيقا في وصف الشخوص من جهة والأحداث الجارية من جهة أخرى فلم يغادر من ذلك أي شئ . وهو في ذلك محدث عظيم وراو متقن وأديب موسوعي وطالب قربة إلى رضا الخالق والنبي المرسل وشفاعته يوم الورود . وهو يقترب كثيرا من السرد القصصي أو الروائي (الواقعي) البعيد عن الخيال . فالشخوص والأزمنة والأمكنة والأحداث كلها حاضرة وواقعة تحت أُمرة البيان والتراث لتقديمها بأروع أسلوب وأنقى مشاعر .
وإذا حاولت أن أقارب بين (الفصل الأول والفصل الأربعين) ، بعدهما مقدمة وخاتمة داخليتين لوجدنا الآتي في الفصل الأول من الدرر :
- الأبتداء بالتحية لوجوه أهل البيت ، ولقبابهم البيضاء الناصعة ، ونوقهم الحمراء بقوله (36) :
حيها أوجها على السفح غرا وقبابا بيضا ونوقا حمرا
- أستذكار ما حدث لتلك الوجوه الطاهرة من مأساة ، ملتجئا إلى عنصر التجنيس بين لفظتي (صفحات ، الصفاح) و (الصفاح ، السفاح) ؛ لبيان قسوة ما جرى ، يقول (37) :
“أي صفحات شربت ماء بُشرها الصفاح ، وترحات ما شفى تباريحها إلا السفاح” .
- القناعة التامة لدى ابن الأبار ، بإن ما حدث للإمام الحسين سيؤخذ على يد الولي السلطان الحجة ، مستشهدا على \لك بآية قرآنية كريمة : ((وَمَن قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا)) (38) .
- اللهفة والحسرة على أستشهاد الأبطال من آل هاشم ، وكيف آل المآل إلى غيرهم من الهُمل ، ولكنه بالرغم من \لك فإنه يرى في ه\ا الأمر العبرة والغاية التي لا يدركها إلا المتوسمين ، فيلتجأ إلى النص المقدس لبيان ذلك وتثبيته ، يقول (39) : ” يا لهفا للملة وهت معاقدها وهوت فراقدها فتسلط الأنقص على الأكمل وأختلط المرعى بالهمل” ثم يقرن كلامه ويؤيده بالآية المباركة : ((إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِّلْمُتَوَسِّمِينَ)) (40) ” .
- الإشارة إلى مجريات الأحداث قبل مقتل الإمام الحسين وما جرى للأمة الإسلامية ، من سفك وإراقة للدماء الزكية (41) ، مختتما ذلك بالأستشهاد من آي الذكر الحكيم ، قوله تعالى : ((وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا اقْتَتَلُوا وَلَٰكِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ)) (42) ، وفي ذلك الأختيار ثمة إشارة إلى إن ما جرى كله بمشيئة الرحمن وبإرادته ، وهو جزء لا يتجزأ من العقيدة الأسلامية فيما يتعلق بالأيمان المطلق للقضاء والقدر.
- الأنتقالة الواضحة إلى حادثة مقتل السيدة الزهراء وقصة كسر الباب ، الذي كان سببا ومدعاة إلى بداية المأساة الحقيقية لأهل البيت ، فهي الممهد الحقيقي لتجاوز السلطات حين\اك لحرمة الرسول وأهل بيته ، يقول (43) :
“كان بعده كسر الباب ، سببا لتقطع الأسباب ، والمقدور كائن ، جُدد الحتف ، وجُرد السيف ، فأُبيح حمى المهاجرين والأنصار ، وأُتيح لأهل البيت يوم كيوم الدار تلك الرزية لا رزية مثلها” .
أما الفصل الأربعين فقد أراد به الآتي :
- إن الحرمان الذي طال أولاد الإمام علي ، على الرغم من إنهم تبوءوا المكانة العليا ؛ بسبب سياسته الحكيمة وتعامله مع هذه الدنيا الفانية وسياسيها المغتنمين للسلطة المغيرين لدين الله بما تهوى نفوسهم ، مستشهدا بأقوال الإمام بأسلوب غير مباشر يقول : “إنما حُرم بنو علي الدنيا وإن تبوءوا الذروة العليا ، لأن أباهم طلقها ثلاثا لا رجعة فيها ، وزوج الأب على الأبن حرام ، أما هي أخون من مومس ، وهو يقول ، مالي ولا جور المومسات ، تصاريفها ألوان وتباريحها بكر وعوان” (44) .
- إن الدنيا قد أغرقت في لومها وإعراضها ، وهانت على ذوي الحلوم ، فلا حظ للكرماء والحكماء فيها (45) .
- مصرا على إدانته للدنيا ، مؤكدا على النجاة منها ، وداعيا عليها بالبعد والسحق (46) .
- مستبشرا في نهاية المطاف ، وآخر الانتهاء بقوله تعالى : ((إِنَّمَا يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا)) (47) ، وفي هذا الأختيار تمام الأطمئنان بأنهم مختارون ومطهرون من الله قد كرمهم وأذهب عنهم الرجس ومغريات هذه الدنيا الدنية .
فالخاتمة المتمثلة بالفصل الأربعين قد كانت أنتهاء مناسبا لما أبتدأه في الفصل الأول ، فأصبح الفصل الأول بمثابة مقدمة فعلية للقصص المتتالية والتي عالجت موضوعا واحدا هي قصة الرسول ومآل أحفاده وعياله وأهل بيته ، أما الفصل الأربعون فقد وضح فيه سبب هذه النهاية المأساوية (الدموية) ، على الرغم مما أمتلكوه من الشجاعة والخلق الرفيع والمكانة العالية ، لكن تبقى مشيئة الرحمن هي الملجأ لهم ولنا كمحبين وموالين لهم .
الخاتمة
اللهم صل على أشرف الخلق محمد وعلى آل محمد الطيبين الطاهرين الغر الميامين أما بعد :
في نهاية مطافنا في رحاب كتاب (درر السمط في خبر السبط) للأديب الأندلسي ابن الأبار القضاعي الأندلسي ، ودراستنا التي تناولت النص الموازي وجدت الآتي :
- الدور الفاعل في إثارة المتلقي بدءا من العنوان المنماز مرورا بالتصدير أو المقدمة ثم مقدمات الفصول وخواتيمها وانتهاء بالخاتمة النهائية .
- التركيز على ثيمة مهمة متمثلة بأهل البيت ومقدار الظلم الدي عانوه وتعرضوا لهم بدء من تولي الرسول مهمة النبوة وانتهاء بما جرى لإهل بيته في حادثة الطف الأليمة على يد قيادات الأمة وسلطتها الأموية الغاشمة .
- كل النصوص الموازية كانت في خدمة القضية الحسينية ، فعملت جنبا إلى جنب من أجل أبراز الجوانب المخفية من التراث العربي الشيعي ، فكان كل ما في الكتاب عنونة وبداية ونهاية تعكس مقدار الألم من جهة والمظلومية من جهة أخرى.
- الدور المهم لإقسام البلاغة البيانية والبديعية ، ودورهما البارز ، في إثارة الجماليات التي غزت النصوص ، وأضفت عليها جمالا ، يُضاف إلى جماليات الموضوعات المطروحة في الأصل .
- هي مبادرة إلى دراسة الأثار الأدبية التي أُسدل عليها الستار سواء في زمنها أو الأزمان التي تلتها , ومحاولة إستثارة الجيل الجديد من الباحثين في إيقاظ أبرز القضايا والمتعلقة بمظلومية آل البيت .
Margins:
1. سيموطيقيا العنوان : 10 .
2.النص الموازي للرواية استراتيجيه العنوان: 83 .
3.النص الموازي للرواية استراتيجية العنوان: 82 .
4. الخطاب الموازي للقصيدة العربية المعاصرة : 40 .
5. الحساسية الجديدة في الرواية روايات أدوار الخراط نموذجا : 88 .
6. سيميائيات العنوان : 36 .
7. ينظر: لسان العرب : 5/243 .
8. ينظر: نفسه : 7/255 .
9. ينظر : نفسه : 5/11 .
10. ينظر : نفسه : 7/111 .
11. ينظر: شعريه النص الموازي : 49 .
12. ينظر: هوية العلامات في العتبات وبناء التأويل : 47 .
13. ينظر: شعرية النص الموازي (عتبات النص الادبي) : 173 .
14. سورة هود : 73/11 .
15. سورة البقرة : 2/283 .
16. درر السمط في خبر السبط : 76 .
17. نفسه .
18. نفسه .
19. نفسه .
20. نفسه .
21. نفسه .
22. نفسه : 78 .
23. نفسه .
24. نفسه :79 .
25. نفسه .
26. سورة البقرة : 2/283 .
27. سورة الزمر : 39/56. وينظر : درر السمط في خبر السبط : 185.
28. ينظر : درر السمط في خبر السبط : 185 .
29: ينظر : نفسه .
30. نفسه : 186 .
31: نفسه .
32. نفسه .
33. نفسه .
34. نفسه : 187 .
35. نفسه .
36. ينظر نفسه : 80 .
37. ينظر : نفسه .
38. سورة الأسراء : 17/33 .
39. درر السمط في خبر السبط : 83 .
40. سورة الحجر : 15/75.
41. درر السمط في خبر السبط : 83 .
42. سورة البقرة : 2/253.
43. درر السمط في خبر السبط : 83-84 .
44. نفسه : 183 .
45. ينظر : نفسه : 184 .
46. ينظر : نفسه .
47. سورة الأحزاب : 33 ، وينظر : درر السمط في خبر السبط : 184.
المصادر والمراجع
القرآن الكريم
1. استراتيجية العنوان في الرواية العربية دراسة في النص الموازي , شعيب حليفي , مجلة الكرمل , العدد (45 و 46) , اتحاد كتاب فلسطين , قبرص ، 1992ه .
2. الحساسية الجديدة في الرواية العبية روايات ادوار الخراط نموذجا , عبد الملك اشهبون , الدار العربية للعلوم , منشورات الأختلاف , بيروت _ الجزائر , ط 1 , 2010 م .
3. الخطاب الموازي للقصيدة لعربية المعاصرة ، دار توبقال للنشر ، ط 1 ، المغرب ، 2007م .
4. درر السمط في خبر السبط ، ابو عبد الله محمد بن عبد الله بن ابي بكر القضاعي ابن الأبار البلنسي الأندلسي ( 595 ه _ 658 ه ) ، تحقيق ابو الفتح دعوتي , , عبد السلام الهراس , الأستاذ سعيد احمد اعراب , عز الدين عمر موسى , مؤسسة الهدى للنشر والتوزيع , طهران ، الطبعة الأولى , 1421ه .
5. سيميائيات العنوان عتبة النص الموازي , الأيقونات مجلة رقمية محكمة تعنى بنشر البحوث السيميائية , العدد 3 , ماي 2012 .
6. سيموطيقيا العنوان ، جميل حمداوي ، الطبعة الأولى ، 2015م .
7. شعرية النص الموازي ( عتبات النص الأدبي ) , جميل حمداوي , دار الريف للطبع والنشر الألكتروني , الناظور _ تطوان , المملكة المغربية , الطبعة الثانية , 2020م .
8. لسان العرب ، محمد بن مكرم بن علي جمال الدين ابن منظور , دار صادر _ بيروت ، الحواشي ، اليازجي وجماعة من اللغويين ، الطبعة الثالثة , 1414ه .
9. هوية العلامات في العتبات وبناء التأويل (دراسات في الرواية العربية) ، شعيب حليفي ، دار الثقافة ، الدار البيضاء ، المغرب ، ط1 ، 2005م.