رضوان بلفقيرة1 زبيدة اشهبون2
1 طالب باحث بسلك الدكتوراه، جامعة ابن طفيل القنيطرة، المغرب.
Email: redouane14@gmail.com
2 أستاذة علم الاجتماع بكلية العلوم الإنسانية والاجتماعية، مختبر الانسان المجتمعات والقيم، جامعة ابن طفيل القنيطرة، المغرب.
HNSJ, 2023, 4(12); https://doi.org/10.53796/hnsj412/12
تاريخ النشر: 01/12/2023م تاريخ القبول: 07/11/2023م
المستخلص
تحول المغرب في السنوات الأخيرة من بلد مصدر للهجرة وبلد عبور للمهاجرين في اتجاه أوروبا إلى بلد استقرار مفضل لدى العديد من مواطني الدول الإفريقية والأسيوية وحتى الأوروبية، هكذا لوحظ ارتفاع متزايد في نسبة تواجد الأجانب في بعض المدن المغربية مثل طنجة والرباط، فاس، الدار البيضاء، القنيطرة…، هدا التحول المهم رافقته مجموعة من الديناميات والتغيرات إن على مستوى القرارات السياسية المرتبطة بوضعية المهاجرين واللاجئين بالمغرب أو على المستوى الاجتماعي والثقافي إد بدأنا نشهد ميلاد مجتمع متعدد الثقافات، وهدا يطرح تحديات في تدبير حاجيات المهاجرين واللاجئين الأساسية المتمثلة في الصحة والتعليم والسكن في أفق إدماجهم ، وهو أمر يزداد صعوبة حين نتحدث عن الهجرة بصيغة التأنيث وهو ما تحاول هده الدراسة إبرازه من خلال حالة السوريات اللاجئات والمهجرات بالمغرب وإشكالية التمكين الاقتصادي كمدخل أساسي للإدماج الفعلي في المجتمع.
الكلمات المفتاحية: الهجرة، مقاربة النوع، التمكين الاقتصادي.
Problems of economic empowerment for immigrant and refugee women
Field study: The case of Syrian women in Morocco
Redouane Bellafqira1 Zubaida Ashboun2
1 PhD research student, Ibn Tofail University, Kenitra, Morocco.
Email: redouane14@gmail.com
2 Professor of Sociology, Faculty of Humanities and Social Sciences, Human Societies and Values Laboratory, Ibn Tofail University of Kenitra, Morocco.
HNSJ, 2023, 4(12); https://doi.org/10.53796/hnsj412/12
Published at 01/12/2023 Accepted at 07/11/2023
Abstract
In recent years, Morocco has transformed from a source of migration and a transit country for migrants to Europe to a country of stability preferred by many citizens of African, Asian and even Europe to a countries, thus observing an increase in the presence of foreigners in some Moroccan cities such as Tangier, Rabat, Fez, Casablanca, Kenitra.
This important transformation has been accompanied by a set of the situation of migrants and refugees in Morocco or at the level, we have begun to witness the birth of multicultutal society, and this poses challenges in managing the basic needs of migrants and refugees represented in health ;education and housing in the horizon of thier integration,wichi s more difficult when we talk about about migration in the feminine from, ich this study tries to highlight through the case of Syrian refugee and displaced women in Morocco and the problem of economic empowerment as an entrance. Essential for effective inclusion in society.
Key Words: Migration- Gender approach- Economic empowerment.
تقديم:
منذُ اندلاع الأزمة في سوريا سجلت هجرة المرأة السورية نسبا مرتفعة وبدأت هجرتها أكثر بروزاً من ذي قبل في مختلف أصنافها على اعتبار أن أزمات الهروب من منطقة التوتر أو ما يسمى بالهجرة القسرية أكثر دلالة وأشد وطأة في حالة اللاجئين السوريين فإلى حدود مارس 2015 خلفت الأزمة السورية ما يقارب من3.932.931 لاجئا[1]، وأدت الفوضى والنزاع إلى تزايد حركة اللجوء والنزوح وأضحى اللاجئون أكثر عرضة لتزايد الاِتجار بالبشر وأكثر اقتناصاً من مجموعات الجريمة المنظمة، وكان النساء والأطفال الأكثر عرضةً لذلك، وأشارت التقارير إلى أن الأزمة السورية زادت من حدة المخاوف في شأن الاِتجار بالنساء والأطفال والتعرض للاستغلال الجنسي والزواج بالإكراه[2]، و أمام انسداد أفق النجاة وتحقيق الهروب نحو الحلم الاوروبي بعد تشديد المراقبة على الحدود ورفض مجموعة من الدول المجاورة استقبال المزيد من اللاجئين فضل أغلبيتهم اللجوء إلى المغرب كآخر خيط للنجاة واختاروا الاستقرار فيه، أمام هذا الوضع تبقى الاجتهادات الفكرية والميدانية التي تدارس هذه الظاهرة قليلة إن لم نقل معدومة خصوصا في توجهاتها النظرية المعتبرة للوجه النسائي أو الأنثوي الكامن في عمق ظاهرة الهجرة وممارساتها المختلفة.
ومما تقدم تأتي هذه الدراسة، في محاولة واجتهاد لسد ذلك الفراغ ودعوة ضمنية للفت الانتباه إلى ما أضحت تحتله هجرة النساء بمختلف صيغها الطوعية والقسرية والفردية والمرافقة من مكانة متعاظمة في المعيش اليومي لعدد من النساء، وإلى ما أضحت تطرحه من أسئلة محرجة عن المكانة المرتبكة للنساء السوريات المهجرات في المغرب ومواقعهن في المشهد التنموي للاقتصاد مع ما تطرحه مشكلة الاندماج، أضف إلى كونها تشكل حراكا جغرافيا سوسيولوجيا تحركه دوافع وأسباب متعددة وتنخرط في ثنائية الجذب والطرد.
- من المشكلة الى الإشكالية:
إن التفكير في دراسة العلاقة التي تجمع بين الثالوث :التنمية والهجرة والمرأة كفيل بأن يصنع من المرأة اللاجئة والمهاجرة ثروة بشرية في تحقيق تنمية مستدامة تكفل لها كرامة العيش وتجعل منها أحد الركائز القوية في تطبيق البرامج التنموية، وبالتالي لا يمكن إنكار أو تغافل دورها في المشهد التنموي خاصة أنها أصبحت تتحمل عبء اندماج أسرتها وتتكفل بإعالتها، فالمرأة لم تعد تهاجر لوحدها بل تصطحب معها كافة أفراد اسرتها، لذلك وجب الكف عن مقاربة وتفسير هجرة المرأة بأسباب اجتماعية وهجرة الرجل لأسباب اقتصادية في إطار تنزيل الرجل المهاجر ككائن اقتصادي مشارك في المجال العام والمرأة ككائن اجتماعي منحصر داخل المجال الخاص، وهو ما كرس تلك الصورة النمطية المتعلقة بالمرأة المهاجرة المنعدمة النشاط الاقتصادي والمعتنية بأسرتها في حدود أسوار المجال الخاص[3].
هذا يقودنا عن الحديث عن سياسة الهجرة المعتمدة والتي لا زالت تراهن على المقاربة الأمنية التي تشكل هدرا للطاقات البشرية الممكن استغلالها في إقلاع اقتصادي مستدام إذا ما تم اعتماد مقاربة الادماج الاجتماعي وتمتيع اللاجئ والمهاجر بحق المواطنة الكاملة، فهاته المقاربة تشمل جميع القطاعات التي لها تأثير مباشر على المهاجر: التمكين الاقتصادي والسكن والتعليم والصحة.
ومما تقدم لا بد وأن نشير إلى غياب الاهتمام بهجرة المرأة باعتبارها هجرة ذات خصوصيات متنوعة ومنفردة، فهي تشكل ركيزة أساسية لكل الأسرة المهاجرة فهي تتحمل أعباء الاندماج في البلد المستقبل، فإذا ما أخذنا المرأة السورية موضوع هذه الدراسة والتي اختارت الاستقرار بالمغرب نجد ندرة الدراسات السوسيولوجية لأوضاعها وتتبع مسار هجرتها ومدى نجاحها أو إخفاقها في الاندماج.
انطلاقا من المؤشرات السابقة جاز لنا أن نصوغ السؤال المركزي لهذه الدراسة كالتالي:
” إلى أي حدٍ يساهم التمكين الاقتصادي في المساعدة على إدماج المهاجرات السوريات؟”، وللإحاطة بأهم عناصر هذه الإشكالية وتوضيحها لما يخدم أهداف ومنهج هذه الدراسة سنحاول الاجابة على هذا السؤال المركزي من خلال المحاور التالية:
المحور الأول: مساهمة السياسات الاجتماعية للحكومة المغربية في إدماج المهاجرة السورية.
المحور الثاني: إدماج المهاجرة السورية في المجتمع المغربي: التحديات والافاق.
- الإطار المنهجي والعملي للدراسة:
بحسب طبيعة مجتمع البحث والمتمثل بالسوريات كمهاجرات أولاً لاجئات في المملكة المغربية ثانياً، والمُنتشرات على مستوى التراب الوطني من أقصى الشمال إلى الجنوب، ولنقص الامكانيات المادية والبشرية، ولتباعد المجال الجغرافي، اقتصرنا في تحديد عينة البحث لتمثيل المجتمع في السوريات المتواجدات في كلا من الرباط والقنيطرة والقصر الكبير ضمن عينة البحث، هكذا نقدم مواصفات مجتمع البحث الذي شملته الدراسة كما يلي:
- المواصفات السوسيو ديموغرافية: المهاجرة السورية التي سنها 20 سنة فما فوق
- المواصفات السوسيوثقافية: المهاجرة السورية المتعلمة (جميع المستويات الدراسية) وأيضا الأمية.
- المواصفات السوسيواجتماعية: المهاجرة السورية العاملة، الموظفة، العاطلة.
- المواصفات السوسيواقتصادية: مختلف الفئات السوسيومهنية
1.2عينة الدراسة :
إن إجراء المسح الكامل في أي دراسة يدخل في العبث العلمي والمستحيل إنجازه بل قد ينزلق عن العلمية والموضوعية، ذلك أن كل دراسة يدعي صاحبها الإحاطة التامة بالموضوع قضية وإشكالية ومجتمع بحث، يبقى ضرب من ضروب الهذيان العلمي والمعرفي على حد قول الدكتور العروي حين وصفه للسوسيولوجيا الكولونيالية، ومنه تحتم علينا اختيار عينة تضمن الحد الأدنى من تمثيلية مجتمع البحث وتيسر أمر إجراء دراسة علمية، هكذا اعتمدنا على العينة العمدية أو القصدية لأنها ستضمن تمثيلية الوحدات التي يتركب منها مجتمع البحث الأصلي، ونعلم مسبقا أن هذه العينية غير تمثيلية وغير كافية لتعميم النتائج لكنها تبقى دالة في غياب الدعم المادي والحيز الزمني الذي خصص للبحث.
2.2أداة جمع المعطيات:
نظرا لطبيعة الموضوع ونوعية الدراسة ارتأينا الاعتماد على المقابلة الموجهة كأداة للبحث لما لها من ميزات عن باقي الأنواع الأخرى خاصة أنها وسيلة مهمة لاستجماع المعلومات من مجتمع بحث له خصوصياته وظروفه الخاصة ، فيما اعتمد الباحث، وبحسب طبيعة الظاهرة، المنهج الوصفي التحليلي، وهو أسلوب من أساليب التحليل المُركز على المعلومات لظاهرةٍ ما أو موضوع محدد سلفاً من جميع الجوانب بهدف تحليل أجزائها وآليات اشتغالها، والوصول إلى نتائج علمية، ومن ثم تفسيرها بطريقة موضوعية دقيقة بما ينسجم مع المعطيات الفعلية للظاهرة.
3- مناقشة وتحليل: بناءا على مخرجات البحث الميداني:
– المحور الأول: مساهمة السياسات الاجتماعية للحكومة المغربية في اندماج المهاجرة السورية.
لقد أثبتت نتائج البحث الميداني عما أضحت تطرحه المكانة المرتبكة للنساء السوريات المهجرات في المغرب ومواقعهن في المشهد التنموي للاقتصاد من أسئلة محرجة عن مشكلة الاندماج، أضف إلى كون هجرتهن تشكل حراكا جغرافيا سوسيولوجيا تحركه دوافع وأسباب متعددة وتنخرط في ثنائية الجذب والطرد، فمن خلال نتائج البحث الميداني تبين أن % 65 من المبحوثاث يعتبرن درجة اندماجهن في المجتمع المغربي متوسطة، بينما % 5.13 مستوى اندماجهن جيدة فيما % 9.22 درجة اندماجهن سيئة، وتأتي صعوبة الاندماج كنتيجة لقصور سياسة الهجرة رغم الإعلان عن الاستراتيجية الوطنية للهجرة ومجموعة من المبادرات كتسوية وضعية بعض المهاجرين إلا أنها لم ترق الى مستوى التطلعات والتغيرات التي لحقت بظاهرة الهجرة بالمغرب والذي تحول من بلد عبور ومصدر للهجرة إلى بلد استقرار، فعندما نجد أن السوريات لا يتمتعن بحقوقهن كلاجئات رغم مصادقة المغرب على المعاهدات الدولية لحماية اللاجئين، والتي تفرض على الدول الموقعة توفير كل الحقوق وشروط العيش الكريم للاجئ، حيث فرضت بشكل مستمر واجب ملائمة التشريع الوطني مع التشريعات الدولية وبالتالي وجب توفير كل الخدمات الاجتماعية: من تعليم صحة وسكن والحصول على عمل يضمن له قوت يومه، لكن بالرجوع إلى المعطيات الميدانية نجد أن كل المبحوثاث وجدن صعوبة في الحصول على سكن و77,5% منهن لا يستفدن من الخدمات الصحية حيث يعتمدن على المحسنين الذين يتكلفون بعلاجهن في مصحات خاصة أما فيما يخص التعليم22 من أبناء المهاجرات اللواتي شملهن البحث يستفدن من التمدرس عن طريق تعاطف الادارة وليس كونهم مسجلين رسميا حيث يفتقدون للوثائق اللازمة كما أن عدم وجود سكن قار يصعب معه تمدرس الابناء بصفة قارة ومستمرة لأنهن لا يتوفرن على بطائق الإقامة أو بطاقة لاجئ وفيما يخص مصدر دخلهن % 80 يعتمدن على اعانات ومساعدات المنظمات الدولية وجمعيات المجتمع المدني على قلتها، صعوبة تعكس وضعية اللاجئ في المغرب بين قانون الهجرة 03-02 -في غياب قانون خاص باللاجئين- وبين القانون الدولي للاجئ، هذا الأخير الذي ينص على مجموعة من الحقوق الضامنة للكرامة الانسانية خاصة تمتيع اللاجئ بالخدمات الاجتماعية :صحة تعليم وسكن وأيضا تمكينه من الجنسية والعمل بما تسمح به ظروف الدول المستقبلة. غير أن قانون الهجرة نجده يعامل اللاجئ على أنه أجنبي وبالتالي يتم حرمانه من جميع الامتيازات والحقوق التي جاء بها القانون الدولي للاجئ فبطاقة الإقامة تمنح لمن يتوفر على إقامة مستمرة بالمغرب لأكثر من خمسة أعوام يُثبتها من خلال ختم دخول على جواز سفره أو من خلال شهادة عمل أو وصفة طبية أو شهادات مدرسية لأبنائه، وهذه الاجراءات القانونية يجدها الكثير من المهاجرين السوريين صعبة ومعقدة ويأملون في تبسيط المساطر الإدارية للحصول على بطاقة لاجئ ومنها بطاقة الإقامة بالمغرب مما سيضمن لهم على الأقل الحق في التعليم والصحة والشغل ويحفظهم من الاستغلال ومن صعوبة العيش دون وثائق تكفل لهم جميع حقوقهم المدنية.
تزداد وضعية المرأة السورية المهاجرة صعوبة في مجتمع ذكوري تعاني فيه حتى المرأة المحلية من أشكال التمييز في العمل والتعليم وإشكاليات المساواة رغم ما عرفه المغرب من تحديث وتقدم في المجال التشريعي لترسيخ المساواة بين الجنسين، فدستور المملكة المغربية يكفل البعد الحقوقي لسياسة الهجرة و اللجوء، حينما شدد على الالتزام بحقوق الإنسان كما هي متعارف عليها دوليا، ونص على منع كل أشكال التمييز على أساس الجنس أو اللون أو المعتقد أو الانتماء الاجتماعي أو الجهوي أو أي وضع شخصي كان، إلا أنه ما زلنا نرى مجموعة من الممارسات والسلوكيات الاجتماعية بالمغرب فأول محدد للمرأة في المخيال الاجتماعي ومهما اختلفت الطبقات والمستويات الثقافية والاجتماعية هو جسدها فهي غالبا ما تختزل فيه، إنه على حد تعبير مصطفى حجازي” مرغوب فيه”[4]، من حيث هو وعاء للمتعة ومجال لتحققها، وقد لامست كل هذا من خلال المقابلات التي أجريتها مع المبحوثاث حيث تعرضن لكل اشكال التحرش الجنسي ومنهن من أقرت على أن المساعدات المقدمة كانت مشروطة بتحقيق الرغبات الجنسية، حتى أنني عندما كنت أجري المقابلة مع إحداهن أسمع بعض المتسولات المغربيات ينعتهن بأقدح العبارات كالعاهرات وبائعات الهوى وأيضا نظرة المارة وكأني أتحرش بهن وكان علي دوما اصطحاب بعض الطالبات لتسهيل أمر التواصل ودرئاً لأي احراج لهن، إن اعتماد مقاربة التكيف وترك المجال للاجئ كي يندمج في المجتمع كحل لبعض المشاكل، وتملص الدولة من إعانة هذه الفئة سيفضي حتما إلى تزايد حدة التباينات الاجتماعية والتنوعات في المورفولوجية الاجتماعية وتضاعف المشاكل كالتهميش والإقصاء والعنصرية، وهذا ما لامسته من خلال النزول الى الميدان: المضايقات من طرف المتسولين المغاربة وتراجع الاعانات وتعاطف المجتمع بعدما تبين أن بعض المتسولون المغاربة ينتحلون صفات السوريات مع إتقان لهجتهن ووضع نفس الملابس، يمكن اعتبار استقرار اللاجئات السوريات في الاحياء الهامشية وأحزمة البؤس بل في أحيان كثيرة اللجوء الى محطات القطار كالمتشردين وهو ما يضعهم عرضة للاستقطاب من طرف المنظمات الارهابية المتطرفة فيما بات يعرف بالهجرة الجهادية، أضف الى امكانية اللجوء الى العنف كأشكال جديدة للرد على هذا التهميش وشكلا من أشكال إثبات الذات وهذا ما يزيد من تعميق الاختلالات والتباينات.
مما تقدم يظهر أن قصور السياسة الاجتماعية للهجرة واللجوء من أجل اندماج حقيقي للمهاجرة السورية في المجتمع أدى إلى تأزيم وضعيتها الاجتماعية والاقتصادية وأيضا استقرارها النفسي.
المحور الثاني: عوائق اندماج المهاجرة السورية في المجتمع المغربي
من خلال نتائج الدراسة الميدانية تبين أن72.5% من عينة البحث اللواتي يتلقين الدعم من المنظمات الدولية والوطنية صرحن بعدم رضاهن عن وضعهن الاقتصادي والاجتماعي، يبدو أن الوضع السوسيو مهني يساعد في تحقيق الاستقرار والرضا عن الأوضاع ناهيك عن الاحساس بالأمن الوظيفي وهو ما صرحت به حالة وحيدة تعمل كأستاذة في مدرسة خصوصية، وبالتالي فمشاركتهن في التنمية المحلية تكاد تكون منعدمة باعتبار أغلبيتهن يمتهن التسول كمصدر أساسي للعيش، حيث % 80 مصدر دخلهن الاساسي من الاعانات ودعم المنظمات الدولية وهي غير كافية لتلبية الحاجات الاساسية من مسكن وصحة ومعيشة، وبالتالي وضعية هؤلاء المهجرات داخل المجتمع متأزمة تنعكس بالسلب على صورة البلد من انتشار وتكريس لظاهرة التسول والتشرد ناهيك عن إمكانية تعرضهن للاستغلال الجنسي ومافيا المتاجرة بالبشر والدعارة باعتبار أن وضعهن الاجتماعي والاقتصادي هش يجعلهن عرضة لكل ما ذكرنا، وهنا يجب الإشارة إلى أن دستور المملكة المغربية يكفل البعد الحقوقي لسياسة الهجرة واللجوء، حينما شدد على الالتزام بحقوق الإنسان كما هي متعارف عليها دوليا، ونص على منع كل أشكال التمييز على أساس الجنس أو اللون أو المعتقد أو الانتماء الاجتماعي أو الجهوي أو أي وضع شخصي كان، ومن هذا المنطلق، يجب اعتبار وجود المهاجرة السورية في المغرب قضية كرامة إنسانية وقضية حق الإنسان في العيش والعمل والاستقرار، ولاسيما حين يفر المهاجر مكرهاً من أوضاع الفقر والبطالة والمجاعة والحرب والقمع والاستبداد[5].
فإذا كانت الهجرة قرار شخصي يتخذه في العادة المهاجر نفسه، فإن لهذا القرار الشخصي تأثيرات في المجتمعات المستقبلة والمجتمعات الأصلية لا يأخذها المهاجر بعين الاعتبار مثل هذه التأثيرات التي يسميها الاقتصاديون تأثيرات خارجية يحتمل أن تنتهك حقوق الاخرين ومن المنطقي أن تلتفت السياسة العامة إلى هذه التأثيرات التي يتجاهلها المهاجرون أنفسهم[6]، وبالتالي يصبح وجودهن مقلقاً على جميع الأصعدة، لقد فرضت الحرب في سورية واقعًا ثقيلًا على النساء في الجانب النفسي، نتيجة غياب الأمان، وغياب القدرة على التكيف في مثل هذه الأوضاع المضطربة، ما خلق حالة من القلق، والتوتر، والخوف من فقد زوجها أو أولادها. ثم إن النساء اللواتي فقدن أزواجهن أو معُيلهن تعرضن إلى ضغوط نفسية كبيرة بسبب القيام بأدوار جديدة تضاف إلى أدوارهن المعتادة: مثل العمل داخل المنزل وخارجه، فالواقع الجديد حرم المرأة السورية من تحقيق التوازن بين متطلبات الدور الاجتماعي المركب من حيث دورها: بوصفها أمًا، أو ربة بيت، أو زوجة، ودورها خارج المنزل: عاملة أو موظفة، ونتيجة لذلك ازداد العبء النفسي الملقى عليها، إلا أننا نلحظ من خلال الدراسة الميدانية أن بعضهن استطعن مواجهة تلك الأوضاع ونجحن في اجتيازها، ما يشجعهن على الاندماج في المجتمع المغربي وأبدين رغبة في الاستقرار النهائي إذا ما تمت تسوية وضعيتهن القانونية، وبعضهن الآخر فشلن في أداء الأدوار، ودفع بهن الفشل إلى إجهاد الدور الأصلي، والعجز عن كفاية الأداء، ما يسبب بعض الأمراض العصبية كما صرحن بذلك، لدى هذه الشريحة من النساء وهذه الفئة هي معرضة أكثر لمافيا الاتجار بالبشر والدعارة أو ما بات يعرف بالهجرة الجهادية نتيجة تربص واستقطاب الجماعات الارهابية بهن، إن حالة أوضاع المهاجرات ماهي إلا صورة لما بات يعانيه المهاجر بصفة عامة داخل المغرب مع معاناة مضاعفة للمهاجرة السورية ما ينعكس سلباً على سيرورة التنمية في البلاد، إذا ما استمر الوضع على ما هو عليه فنسجد أنفسنا أمام جيل ثان من المهاجرين السوريون يطالبون بحقوق المواطنة الكاملة في بلادنا، بعدما أصبحنا نرى مواليد جدد فكيف لنا أن نتعامل مع هذا المعطى الذي يطرح إشكالية التسجيل بدفاتر الحالة المدنية، وتمدرس الأطفال، والحق في الرعاية الصحية، وإذا كان ثمة اتفاق عام على أن خطط التنمية المنشودة في أي قطر نام ينبغي أن تركز على محددين أساسيين هما: تراكم رأس المال و العنصر البشري باعتبارهما الممر الاجباري لأي عملية تنموية، فإنه لا بد أن نشير إلى ما باتت تلعبه المرأة من أدوار رئيسية في أي إقلاع تنموي منشود، فالمرأة في المجتمع تشكل قوة لا يستهان بها من حيث العدد، فمن البديهي القول بأنه لا يمكن استبعاد هذا العدد أو عزله عن المشاركة في عملية التنمية، إذ لا تنمية أو حضارة أو تقدم دون مشاركة جميع أفراد المجتمع، و من البديهي أن الوصول إلى المشاركة المثلى للمرأة ومنها المرأة اللاجئة والمهاجرة في التنمية يتطلب توفير مجموعة من المقومات منها الذاتية: كالتعليم، التأهيل والتدريب والوعي الاجتماعي بالإضافة إلى المقومات الخارجية من قاعدة عمل اقتصادية تتوفر فيها فرص العمل المناسبة كما تتوفر بجانبها مجموعة من الخدمات الاجتماعية المساعدة على دخول المرأة إلى الميادين المختلفة، بمعنى اعتماد سياسة الاندماج بدل التكيف، والتي يجب أن تشمل تـأثيرات مباشرة على اللاجئ والمهاجر كالسكن، التعليم، التكوين المهني، المساواة في الحقوق ..
خلاصة:
رغم كل الصعوبات التي اعترت الدراسة ميدانيا إلا أنها استطاعت أن تقتحم مجالا جديدا حري بالاهتمام أكثر وبتسليط الضوء عليه أكثر، فإذا كنا قد حاولنا دراسة العلاقة الرابطة بين الثالوث: النوع والتنمية والهجرة فلأنه المدخل الأساس لجعل المرأة اللاجئة والمهاجرة ثروة بشرية في تحقيق تنمية مستدامة تكفل لها كرامة العيش وتجعل منها أحد الركائز القوية في تطبيق البرامج التنموية ، لكن ذلك يبقى بعيد المنال لان سياسة الهجرة المعتمدة لا زالت تراهن على المقاربة الأمنية التي تشكل هدرا للطاقات البشرية الممكن استغلالها في إقلاع اقتصادي مستدام إذا ما تم اعتماد مقاربة الاندماج الاجتماعي وتمتيع اللاجئ والمهاجر بحق المواطنة الكاملة، فهاته المقاربة تشمل جميع القطاعات التي لها تأثير مباشر على المهاجر كالسكن والدراسة والتكوين المهني والمساواة في الحقوق، لكنها للأسف لم تنج من الانتقادات لما يظنه البعض تضييق على المواطنين الأصليين خصوصا في الدعم والرعاية الاجتماعية وفي مجال الشغل، باعتبار أن المغرب لم يتمثل بعد التحول العميق الذي تعرفه الهجرة فبعدما كان مصدرا للهجرة ومركز عبور تحول في الفترة الأخيرة إلى بلد استقرار ما فتئ يستقطب العديد من المهاجرين واللاجئين، تحول يجب أن تواكبه تحولات في سياسة الهجرة وفي القوانين التي تؤطرها وتنظمها قصد استثمار أمثل لهاته الثروات البشرية مع التنصيص على إدخال واعتماد مقاربة النوع في أي سياسة مستقبلية للهجرة واللجوء.
بيبليوغرافية:
- مراجع باللغة العربية:
-1 بول كوليي، ترجمة مصطفى اناصر، الهجرة كيف تؤثر في عالمنا؟،عالم المعرفة، غشت 2016.
2- بيير بورديو، الهيمنة الذكورية-الرمز والسلطة، ترجمة عبد السلام بنعبد الله، دار تبقال للنشر، الدار البيضاء،1990.
3-جاك هارمان، خطابات علم الاجتماع النظرية الاجتماعية، ترجمة العياشي عنصر، دار المسيرة للنشر والتوزيع والطباعة، الأردن، الطبعة الأولى،2010
4- إبراهيم الزيتوني، دور المجلس الوطني لحقوق الانسان في حماية الحقوق والحريات، حول موضع الدستور الجديد وافاق الانسان بالمغرب، مجلة مسالك عدد مزدوج 27/28، 2014.
5- عبد الرحمان المالكي، مدرسة شيكاغو ونشأة سوسيولوجيا التحضر والهجرة، افريقيا الشرق، يناير 2015.
6-عبد الله سعود السرايني، العلاقة ين الهجرة غير المشروعة وجريمة تهريب البشر، جامعة نايف للعلوم الأمنية، الرياض،2010.
7-انطونيي غدنيز، علم الاجتماع، ترجمة الدكتور فايز الصباغ، مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت،2015.
8- مفوضية الاتحاد الافريقي، إطار سياسة الهجرة في افريقيا وخطة العمل(2018-2022)،الطبعة الأولى،ماي2018.
9- إبراهيم محمد الزنتاني، الهجرة غير الشرعية والمشكلات الاجتماعية، المكتب العربي الحديث، الإسكندرية،2008.
10- العربي وافي، مقاربة النوع والتنمية، السلسلة الشهرية: المعرفة للجميع، منشورات رمسيس، الرباط، دجنبر 2008.
- كتب اجنبية:
- Ann Oakley, Sexes, Gender and society, Farnham, Ashgate1ERE ED ISBN,1972.
- Annie Cornet, L’approche intégrée du genre dans l’élaboration des politiques socio-économiques, regards croisés sur l’économie 15 page 52à68. 2015.
- Mouna Khalid, Noureddine et Maghraoui, « pour une gouvernance de l’immigration centrée sur l’intégration »univ .moulay Ismail, FLSH ;collectionRSSI,pp.81-83,2017.
- Français Wihtol De Wenden, Catherine, La question migratoire au XXIe siècle : Migrants, refugiés et relations internationales, 2ème édition, Presse de la Fondation Nationale de la Science Politique, Paris, 2013
- Royaume du Maroc, Haut-Commissariat du Plan, La migration forcée au Maroc, résultats de l’enquête nationale de 2021, rapport détaillé, septembre 2021.
- SCHARNITZKY, les stéréotypes selon le genre comprendre et agir dans l’entreprise. Guide pratique, paris, IMS-Entreprendre pour la cité.2012.
Margins:
- – الأونروا، سورية الاغتراب والعنف: تقرير يرصد الأزمة السورية خلال2014(دمشق المركز السوري لبحوث السياسات، (2015) ص39. ↑
- – المرجع نفسه، ص19 ↑
- . عائشة التايب (شتاء 2013)،”الهجرة النسائية والتنمية: مهاجرات بلدان المغرب العربي إلى أوروبا مثالا”، مجلة العمران، العدد3، ص141,. ↑
- مصطفى حجازي، التخلف الاجتماعي، مدخل إلى سيكولوجية الإنسان المقهور، المركز الثقافي العربي، الطبعة التاسعة (2005). ↑
- إبراهيم الزيتوني: السنة( 2014)، “دور المجلس الوطني لحقوق الإنسان في حماية الحقوق والحريات”، منشور بمجلة مسالك عدد مزدوج 27/28)، حول موضوع الدستور الجديد وأفاق حقوق الإنسان بالمغرب. ص 42. ↑
-
بول كوليير، ترجمة مصطفى اناصر، غشت (2016)، ” الهجرة كيف تؤثر في عالمنا؟”، عالم المعرفة، ص246. ↑