فاعلية الارشاد المعرفي السلوكي في خفض الإحساس بالوحدة النفسية لدى عينة من الأيتام في دار الرعاية الاجتماعية بمدينة مصراتة

د. فيروز صالح جابه1

1 قسم التربية وعلم النفس- كلية التربية- جامعة مصراتة- ليبيا.

بريد الكتروني: Fairouz.saleh2014@hotmail.com

HNSJ, 2023, 4(2); https://doi.org/10.53796/hnsj4244

Download

تاريخ النشر: 01/02/2023م تاريخ القبول: 21/01/2023م

المستخلص

هدفت هذه الدراسة إلى معرفة فاعلية برنامج إرشادي مبني على فنيات الإرشاد المعرفي السلوكي في خفض الإحساس بالوحدة النفسية لدى الأطفال في دور الرعاية الاجتماعية بمدينة مصراتة. وتكونت عينة الدراسة من (24) طفلاً يتيماً من الأطفال المتواجدين بدار رعاية الطفل الاجتماعية بمدينة مصراتة، ولتحقيق أهداف الدراسة تم استخدام المنهج شبه التجريبي، وتم استخدام مقياس الوحدة النفسية، كما تم بناء برنامج إرشادي قائم على الإرشاد المعرفي السلوكي مكون من (15) جلسة، وتم توزيع أفراد عينة الدراسة بالطريقة العشوائية إلى مجموعتين تجريبية وعدد أفرادها (12) طفلاً يتيماً، ومجموعة ضابطة وعدد أفرادها (12) طفلاً يتيماً أعمارهم ما بين (12-16) سنة. وأشارت النتائج إلى وجود فروق ذات دلالة إحصائية بين المجموعتين التجريبية والضابطة في مقياس الوحدة النفسية لصالح المجموعة التجريبية التي تلقى أفرادها البرنامج الإرشادي. وكذلك أشارت النتائج إلى وجود استمرارية لأثر البرنامج على المجموعة التجريبية بعد أربعة أسابيع من انتهاء تطبيق البرنامج عليها على مقياس الوحدة النفسية.

الكلمات المفتاحية: الإرشاد المعرفي السلوكي، الإحساس بالوحدة النفسية، الأيتام، دار الرعاية الاجتماعية.

Research title

The effectiveness of cognitive-behavioral counseling in reducing the sense of psychological loneliness among a sample of orphans in the social care home in Misurata.

Dr. Fayrouz Saleh Gabeh

1 Department of Education and Psychology – College of Education – Misrata University – Libya.

Email: Fairouz.saleh2014@hotmail.com

HNSJ, 2023, 4(2); https://doi.org/10.53796/hnsj4244

Published at 01/02/2023 Accepted at 21/01/2023

Abstract

This study aimed to know the effectiveness of a counseling program based on the techniques of cognitive-behavioral counseling in reducing the sense of psychological loneliness among children in social care homes in the city of Misurata. The study sample consisted of (24) orphaned children from the children in the social child care home in the city of Misurata. The study sample members were randomly distributed into two experimental groups with (12) orphaned children, and a control group with (12) orphaned children between the ages of (12-16) years. The results indicated that there were statistically significant differences between the experimental and control groups in the psychological unity scale in favor of the experimental group whose members received the counseling program. The results also indicated that there is a continuity of the program’s impact on the experimental group four weeks after the end of the program’s application on the psychological loneliness scale.

Key Words: Cognitive-behavioral counseling, sense of psychological loneliness, orphans, social care home.

مقدمة: تعد سنوات الطفولة مهمة جداً في مسيرة حياة الإنسان، حيث أن الخبرات والأحداث التي يمر بها الطفل ويعيشها في حياته الأسرية بشكل خاص وحياته الاجتماعية بشكل عام، والتي تترك انطباعاتها على بناءه الشخصي مستقبلاً. فالأسرة هي المؤسسة الاجتماعية الأولى التي ينمو فيها الطفل ويكتسب من خلالها معايير الصواب والخطأ. وهي من أهم المؤسسات التربوية التي تساهم في تنشئة الطفل وتسعى لتنمية بناءه النفسي والمعرفي والسلوكي والأخلاقي، وتسهم في دعم صحته النفسية. أما في حالة الأطفال الأيتام الموجودين في دور الرعاية الاجتماعية فهم يفتقدون للحب والعطف والرعاية الأسرية ويحتاجون لرعاية خاصة من المجتمع، واهتمام أكثر من مؤسساته. ففقدان الوالدين أو أحدهما يؤثر بشكل سلبي على التنشئة السليمة للطفل، فنشوء الطفل في مناخ لا يوفر له الحنان والعطف والحب والتقبل، ويشعره بالرفض والتذبذب في المعاملة أو الافتقار للحب والحنان فإن هذا من شأنه أن يؤذي إلى الشعور بالوحدة النفسية وعدم القدرة على التفاعل الاجتماعي السليم مع الآخرين في المجتمع.

لذلك تعتبرُ مرحلةُ الطفولةِ من المراحلِ المهمةِ في حياةِ الإنسانِ، فهي القاعدةُ لبناءِ شخصيَّة الفردِ فيما بعد، والاهتمامُ بالطفولةِ يعدُ اهتماماً بمستقبلِ البشريةِ، فأطفالُ اليومِ هم رجالُ المستقبلِ، وإن قياسَ تطورِ الأممِ يقاسُ باهتمامِها بأطفالِها، أما إذا كان هؤلاءُ الأطفالِ ممن حُرِموا من الرعايةِ والحنانِ والعطفِ الأسريِّ فهؤلاءَ ومما لا شك فيه يحتاجونَ إلى عنايةٍ خاصةٍ واهتمامٍ أكبرَ، حيث أن ذلكَ يُعدُ مطلباً إنسانياً وواجباً وطنياً ودينياً، لاسيما وأن ذلك الحرمانُ سيتركُ بصمتَهُ عليهِم وتأثيراً بالغاً في نفوسِهم في المستقبل (الزعبي، 2005). وتقومُ كذلكَ برعايةِ شؤونِ الطفلِ في جميعِ نواحيهِ، وفي أحضانِ الأسرةِ يتعلمُ الطفلُ معظمَ الضوابطِ وقيودِ ومحرَّمات المجتمعِ، وتظهُر في سلوكاتِهِ التي تؤهلُهُ للتعاملِ مع الآخرينَ، فالأسرةُ هي الجماعةٌ الاجتماعيةِ الأولى التي تؤثرُ في تكوينِ شخصيتهِ. فالعلاقاتُ والأدوارُ داخلَ الأسرةِ تُعلِمُ الطِّفلَ السلوكَ الاجتماعيَّ والاتجاهات، وتُكوِّن شخصيتَهُ فيما بعد الطفولة، وأن شُعورَهُ بالأمنِ والطمأنينةِ التي تمنحُها لهُ الأسرةُ ينعكسُ ايجابيًا على تفاعلاتِهِ مع الآخرين (منسي، 2004). حيثُ أن العلاقاتِ الاجتماعيةِ الأولى للطفلِ مع أفرادِ أسرتِهِ، تحددُ خبرتهُ عن الحبِ والعاطفةِ والحمايةِ والانتماءِ وتشعرُهُ بقيمتِهِ وذاتِهِ، وتنمي ادراكَه لنفسِه وتهيئُ استعداداتهِ البيولوجيِّة ليتفاعلَ مع محيطهِ. وتتمُ عمليةُ التنشئةِ الاجتماعيةِ بطبيعةِ الحالِ في إطارِ ثقافةٍ معينةٍ متميزةٍ عن غيرها بما تضمنتهُ من لغةٍ وقيمٍ ومعاييرَ سلوكيةٍ (بعيبع، 2003).

ومن هنا تبرزُ أهميةُ دورِ الأسرة في حياةِ الطفلِ، وفي تشكيلِ شخصيتِهِ، والتي تبدأ من ميلادِهِ وتستمرُ معه خلالَ مراحلِ نضجهِ. فالحرمانُ من الوالدينِ أو من الإطارِ والمكانِ الطبيعيِّ للطفلِ بأيِّ صورةٍ من صورِ الحرمانِ قد يؤدي إلى حرمانِه من العلاقةِ القويةِ التي تمدُهُ بالحبِ والأمانِ والرعاية، مما يؤدي إلى إعاقةِ نموهِ الطبيعيِ، وخلقِ شخصيةٍ غيرِ متزنةٍ ومتذبذبةٍ بعضَ الشيء، فالطفلُ الذي فقدَ والديه معاً يحرمُ من أي دعامةٍ ولو ضعيفةٍ تمكنُهُ من أن يسيرَ بسهولةٍ في طريقه إلى النموِ السَّويِّ والسليم، كما يسيطرُ عليه جوٌّ من القلقِ والتوترِ يعوقُ نموَهُ ويؤذيه أكثرَ مما يؤذيه المرضُ العُضويُّ، وتزدادُ قابليةُ الطفلِ لمواجهةِ بعضِ المشاكلِ النَّفسيةِ (الخميسي، 2001). فالشعور بالوحدة النفسية هو شعور مؤلم، ونتاج تجربة ذاتية من شدة الحساسية، وشعور الطفل بأنه غير مرغوب فيه ومنفصل عن الاخرين. وتعد الوحدة النفسية واحدة من الأعراض النفسية لمشاعر النقص والدونية وانخفاض الثقة بالنفس (عبيد،2010). ويُعتبرُ الأطفالُ الأيتامُ ضحايا لظروفٍ لا ذنبَ لهم فيها بسبب فُقدانهم لأحدِ والديهم أو كليهما، حيثُ يعيشونَ حياةً تختلفُ عن أقرانِهم وخاصةً في وقتنا الحاضرِ الذي يتصفُ بتزايدِ الاحتياجات ِوالتحدياتِ، فتتضاعفُ حاجاتهم إلى الحبِ والمواساةِ والعطفِ والثقةِ بالنفسِ وتوكيدِ الذات، وتزدادُ مشكلاتهم مقارنةً بالأطفالِ العاديين، فيتعرضونَ لصعوباتٍ واضطراباتٍ سلوكيةٍ ووجدانيةٍ في حياتهم (بلان، 2011). فهم يواجهونَ العديد َمن المشاكلِ السلوكيةِ التي تؤثرُ على صحتِهم النفسيةِ وسلوكهم؛ لعدمِ وجودِ الأسرة ـ الجماعة الأولى ـ التي تحتضنُ الطفلَ ويعيشُ في وسطها السنواتِ الأولى من حياتهِ حيثُ الاستقرارَ والدَّعمَ والتقديرَ والحبَّ وإشباعَ الحاجاتِ، حيثُ إن فقدَ الوالدينِ يعني فقدَ الأمنِ النَّفسيِ والقدوةِ والخبرةِ الضروريِّة للنموِ النفسيِّ السليمِ (قراله، 2014).

وتشيرُ نتائجُ الأبحاثِ أن معظمَ الأطفالِ الذين نشئوا في دورِ رعايةِ الأيتامِ يطوِّرونَ عدداً من المشكلاتِ في الصحة ِالنفسيَّةِ والتكيفِ مقارنةً بغيرهم في الأسرِ الطبيعيةِ، كالوحدةِ والقلقِ والاكتئابِ وتدني تقدير الذات، وسوء التكيف (Casares, Thombs, and Rousseau, 2009). فيما يؤكدُ البعضُ الآخُر من الباحثينَ أن الرفضَ أو الإقصاءِ الاجتماعيِّ هو الأمرُ الذي يزيدُ من شعورِهم بعدمِ الأمنِ والشعوِر بالنقصِ وهذا يعدُّ واحداً من أهم الدلائلِ على وجودِ هؤلاءِ الأفرادِ ضمنَ دورِ الرِّعاية (Stein, 2008). ومن هنا يأتي دورُ الإرشادِ النفسيِّ في خدمةِ المجتمعِ والذي يعملُ على تحقيقِ سعادةِ الإنسانِ وتطورِهِ، لذا فإن أولى مهامِ الإرشادِ هي جعلُ الإنسانِ يعيشُ ضمنَ إطارٍ اجتماعيٍّ مقبولٍ، والعملِ على إصلاحِ المجتمع ِوتطويرهِ (ملحم، 2007).

مشكلة الدراسة: الأسرةُ هي المجتمعُ الأولُ الذي يعيشُ فيهِ الفردُ ويتأثرُ به حيث تُلقنهُ التربيةُ والأخلاقِ، وتؤهلُهُ للاندماجِ في المجتمعِ الكبيرِ، كما أنها المُنظمَة الاجتماعيةُ الأولى التي يرتبطُ بها الإنسانُ منذُ طفولتِهِ، وهي ضروريةٌ لبقائِهِ، وهي التي تتولى رعايَتًهُ جسمياً وعاطفياً وفكرياً واجتماعيا وهي كجماعةٍ أوليةٍ تتميزُ بوجودِ تفاعلٍ مباشرٍ وعميقٍ بينَ أفرادِها، وهي تيسرُ للطفلِ التكيفَ والاندماجَ الاجتماعيَّ وإعدادِهِ للحياةِ في ضوءِ المعاييرِ والعاداتِ، والمعتقداتِ والقيم والثقافة. وتقعُ عليها مسؤوليةُ التنشئةِ الاجتماعيةِ لأفرادِها منذُ مرحلةِ الطفولةِ وحتى مرحلةِ الشبابِ والمراهقةِ، فالأسرةُ هي المؤسسةُ التي تتمحورُ حولَها حياةُ الإنسانِ، وتشكلُ الوسيطَ بينَ الفردِ والمجتمعِ (الحسين، 2014). وبالتالي فإنَ فقدانَ الأبِ أو الأمِ، أو فقدانُ الأبوين يؤدي إلى ضغوط ٍ نفسيةٍ قويةٍ على الطفلِ قد تمنَعُهُ من الاستمرارِ في ممارسَةِ شؤونِ حياتهِ بشكلٍ متوازنٍ إذا لم يجد اليدَ التي تمسكُ به وتساعدُهُ على تجاوزِ هذه المحنةِ، والوصولِ بِهِ إلى بَرِّ السلوكِ السَّليمِ والعملِ المنتجِ (عرابي، 2004). فقد أظهرَت نتائجُ الدراساتِ التي أُجريت في هذا المجالِ أن إهمالَ اليتيمِ يؤدي إلى التأخرِ الدراسيِّ، والعُقدِ النَّفسيَّةِ مثلَ الشعورِ بالنقصِ، وأن الطفلَ الذي يتمتعُ بقدرةٍ عقليةٍ متدنيةٍ فإنه سيفشلُ في مواجهةِ مهماتٍ تعليميةٍ تفوقُ في صعوبَتِها قدراتِهِ العقليةِ المتدنيةِ، ونتيجةً لهذا الفشلِ يعاني الطالبُ من تأخرٍ دراسيٍ، فتظهرُ عليه حالةٌ، من التوترِ أو الملل أو الضيقِ، أو عاداتٍ دراسيةٍ غيرَ مناسبةٍ تشكلُ مصدرَ إزعاجٍ للآخرينَ في المدرسةِ والأسرةِ، وقد تؤدي هذه الحالةِ إلى أشكالٍ من الاضطراباتِ السلوكيةِ تصلُ بالفردِ إلى اليأسِ أو الإحباطِ، أو العدوان، أو الهروبِ من المدرسةِ، وقد يعاني اليتيمُ من عدةِ مشكلاتٍ: منها العَوزُ المادِيُّ كنقصِ الغذاءِ والمسكنِ والكساءِ. كما دلَّت الدِّراسات على أنه عندما يوضعُ هؤلاءُ الأيتامِ في مكانٍ منعزلٍ عن المجتمعِ، فإنهم يشعرونَ بأنهم مختلفونَ عن بقيةِ المجتمعِ، وهذا قد يولِّد لديهم شعورًا بالكراهيةِ، والحقدِ على المجتمعِ، ويشعرون بأنهم غير منتمينَ له، وهذا بدورِهِ يؤدي إلى أن يصبحوا غير متوافقينَ نفسياً، وتكونُ احتماليةُ وجودِ سلوكٍ مضادٍ للمجتمعِ لدى هؤلاءِ الأفرادِ عاليةٍ (الجمعان وآخرون، 2012). كما أن فئةَ الأطفالِ الأيتامِ في البيئةِ الليبيةِ فئةٌ لم تنل الاهتمامَ الكافي من قِبَلِ الباحثين، حيث لم يقع بيدِ الباحثةِ أيَّ دراسةٍ على هذه الفئة، على الرغمِ من اهتمامِ الباحثينَ عربياً وعالمياً بالأبحاثِ حولَ هذه الفئة. لذلك ارتأت الباحثةُ القيامَ بهذه الدراسةَ نظراً لأنَّ الأطفالَ الأيتامَ بحاجةٍ ماسةٍ إلى المساعدةِ والمساندةِ من المجتمعِ المحيط، سواء كانت هذه المساعدةَ فرديةً أو مؤسساتيةً لتوفيرِ جوٍ نفسيٍّ واجتماعيٍّ مناسبٍ لهؤلاءِ الأيتامِ، وذلك من خلالِ تطبيق برنامج إرشادي يستند إلى فنيات الإرشاد المعرفي السلوكي لمساعدتهم في خفض الإحساسِ بالوحدةِ النفسيةِ.

أسئلة الدراسة: سعت هذه الدراسة إلى الإجابة عن التساؤلات التالية:

1-هل توجدُ فروقٌ ذاتَ دلالةٍ إحصائيةٍ عندَ مستوى دلالة (α ≤ 0.05) بين متوسطاتِ الأداءِ البُعديِّ لأفراد المجموعتين التجريبية والضابطة على مقياس الوحدةِ النفسيةِ تُعزى للبرنامجِ الإرشاديِّ؟

2-هل توجد فروق ذات دلالة إحصائية عند مستوى دلالة (α ≤ 0.05) في أداء أفراد المجموعة التجريبيةِ على مقياس الوحدةِ النفسيةِ بين القياسِ البعديِّ والمتابعةِ؟

أهداف الدراسة: هدفت هذه الدراسةُ إلى ما يلي:

1-معرفةِ وقياسِ درجةِ الإحساسِ بالوحدةِ النفسيةِ لدى الأطفال في دورِ الرعاية الاجتماعية في مدينة مصراتة.

2- بناءَ برنامجٍ إرشادي معرفي سلوكي في خفضِ الإحساسِ بالوحدةِ لدى الأطفالِ في دار الرعاية الاجتماعيةِ في مدينة مصراتة.

3-معرفةِ مدى فاعليةِ البرنامجِ الإرشاديِّ في خفضِ الإحساسِ بالوحدةِ الَّنفسيةِ لدى الأطفال في دار الرعاية الاجتماعية في مدينة مصراتة.

أهمية الدراسة: إن موضوع الإحساس بالوحدة النفسية لدى الأطفال الأيتام من المواضيع الهامة، التي يعاني منها الأيتام الفاقدين للرعاية الأسرية، وذلك لما لها من آثار نفسية على الأطفال وعلى طريقة تكيفهم وتفاعلهم في المجتمع، وتحديداً فإن أهمية الدراسة تكمن في الجانبين التاليين:

أولاً: الأهمية النظرية: تبرز الأهمية النظرية لموضوع هذه الدراسة من خلال:

1-توجيه الأنظار نحو الأطفال الأيتام، الذين تظهر لديهم بعض المشكلات النفسية مثل: الإحساسِ بالوحدةِ النفسية، والتي لم تحض بالدراسة والبحث في البيئة الليبية.

2-تسهم هذه الدراسة في لفت الانتباه لهذه الفئة المهمشة من المجتمع الليبي، ومن تم مساعدتهم في خفض هذه المشاعر، وتقديم الخدمات النفسية والاجتماعية لهم.

3-تساعد الدراسة الحالية في تقديم معلومات نظرية تتعلق بالاحساس بالوحدة النفسية، مما يساهم في فهم سيكولوجية الأطفال الأيتام، وإثراء الدراسات شبه التجريبية المتعلقة بهم.

4- كما أن هذه الدراسة تفتح المجال لدراسات أخرى حول الأيتام باستخدام الإرشاد المعرفي السلوكي في المجتمع الليبي؛ وذلك لقلة هذا النوع من الدراسات في هذا الموضوع، حيث يحتاج هؤلاء الأطفال إلى الخدمات النفسية والاجتماعية التي تساعدهم في تجاوز هذه المشكلات التي يمرون بها.

ثانياً: الأهميةَ التطبيقيةَ: وتنبع الأهمية التطبيقية لهذه الدراسة من خلال:

1-أهمية الأسلوب الإرشادي المستخدم، والذي يستند على فنيات الإرشاد المعرفي السلوكي التي تهدف إلى خفض الإحساس بالوحدة النفسية لدى الأيتام في دار الرعاية الاجتماعية.

2- كما أنها قد تفيد الأخصائيين النفسيين والمرشدين النفسيين والباحثين بأهمية الإرشاد المعرفي السلوكي في خفض الإحساس بالوحدة النفسية، كذلك يمكن الاستفادة من المقياس المستخدم في هذه الدراسة ومع هذه الفئة من المجتمع.

مصطلحاتُ الدراسةِ: تناولت الدراسةُ الحاليةُ المفاهيمَ والمصطلحاتِ التالية:

البرنامجَ الإرشاديَّ: هو عبارةٌ عن خطواتٍ متسلسلةٍ منتظمة ٍتوضعُ بعنايةٍ فائقةٍ على أساسِ أولوياتِ عناصرِ الظاهرةِ وتناسُقِها في تفكيرِ المستهدفِ وسلوكهِ، ويسهلُ اكتسابَها والعملَ بها بما يحققُ سلوكياتٍ جديدةٍ يترتبُ عليها إشباعَ حاجاتِ المشاركينَ في البرنامجِ إلى المعرفةِ، أو المهاراتِ، أو القيم، أو السلوكياتِ المطلوبةِ كنتائجَ نهائيةً للبرنامجِ في سلوكهِم وشخصياتهم (حمد، 2013).

الإرشاد المعرفي السلوكي: هو أحد أساليب الإرشاد المعرفي الحديثة الذي وضع أسسه آرون بيك ويفترض أن أنماط التفكير الخاطئة تسبب السلوك المضطرب، ويهدف هذا الأسلوب إلى تعديل الاعتقادات غير العقلانية وغير الواقعية والخاذلة للذات وتعليم المسترشد أساليب تفكير أخرى أكثر عقلانية وأكثر إيجابية عن طريق الحوار الفلسفي والطرق الاقناعية (التركي، 2015، 15). ويعرَّفُ برنامجُ الإرشاد المعرفي السلوكي إجرائياً: بأنه عبارةٌ عن مجموعةٍ من الجلساتِ التي قامت الباحثةُ بإعدادِها بعدَ مراجعةِ الأدبِ النظريِّ والدراساتِ السابقةِ ذاتِ العلاقةِ بموضوعِ الدراسةِ ومتغيراتِها، مستخدمةً فنياتَ الإرشادِ المعرفي السلوكي، حيثُ بلغَ عددِ جلساتِ البرنامجِ (15) جلسةً إرشاديةً جماعيةً مدةَ كلَ جلسةٍ (60) دقيقةً.

الوحدةُ النفسيةُ: هي خبرةٌ غيرُ محببةٌ تدعو إلى الحزنِ والضيقِ، وتنتجُ من إدراكِ الفردِ للنقصِ في علاقاتِهِ الاجتماعيةِ، بالإضافةِ إلى أنها خبرةٌ شخصيةٌ أو ذاتيةٌ تتضمنُ الرغبةُ في الابتعادِ عن الآخرين، والاستمتاعِ بالجلوسِ منعزلاً عنهم، مع صعوبةِ التوددِ إليهم، وصعوبةِ التمسكِ بهم، بجانبِ الشعورِ بالنقصِ وعدمِ الثقةِ بالنفسِ (الشبؤون، 2013). ويتحددُ الإحساسُ بالوحدةِ في الدراسةِ الحاليةِ إجرائياً من خلالِ الدرجاتِ التي يحصلُ عليها أفرادُ عينةِ الدراسةِ الأساسيةِ على مقياس الوحدةِ النفسيةِ للأطفالِ المستخدمِ في الدراسةِ.

الأطفالُ الأيتامُ: يعرفُ الأطفالُ الأيتامُ حسبَ القانونِ الليبي لرعايةِ الأيتامِ رقم 20 لسنة 2010: بأنهم الأطفالَ المحرومينَ من الرعايةِ الأسريةِ الكاملةِ نتيجةَ فقدِ الأبوينِ أو أحدهما أو عدمِ وجودِ عائلٍ شرعيٍّ يرعاهم. وكذلك أبناءُ الأسرِ التي تصاحبها ظروفٌ اجتماعيةٌ تحتمُ وجودَ الأبناءِ بدورِ الرعايةِ، كتفككِ الأسرةِ أو مرضِ الأمِ أو وجودِها بالسجنِ أو عدمِ صلاحيةِ الأسرةِ للتنشئةِ الاجتماعيةِ السليمةِ. وأودِعوا في دورِ الرعايةِ الاجتماعيةِ للإقامةِ الدائمةِ والتابعةِ لوزارةِ الشؤونِ الاجتماعيةِ (وزارة الشؤون الاجتماعية بدولة ليبيا،2018). ولأغراضِ هذه الدِّراسةِ تمَّ تعريفُ الأطفالِ الأيتامِ بأنهم الأطفالُ المقيمينَ في دارِ الرعايةِ الاجتماعيةِ للأطفالِ نتيجةَ فقدِهم لأحدِ الأبوينَ أو كليهما معاً، والذينَ تبلغُ أعمارهم ما بين (12–16) سنة.

حدود الدراسةِ:

الحدودُ المكانيةُ: مدينة مصراتة.

الحدودُ الزمانيةُ: 2018.

الحدودُ البشريةُ: الأطفالُ المقيمينَ بدارِ الرعايةِ الاجتماعيةِ (دارُ الأيتامِ) بمدينة مصراتة.

محدداتُ الدراسةِ: تتحددُ نتائجُ الدراسةِ الحاليةِ بالإجراءاتِ التي اتُبعت في تحديدِ مجتمعِ الدراسةِ وعينتها، والإجراءاتِ التي اتُبِعت في تطبيقِ الأداة المستخدمةِ (مقياس الوحدةِ النَّفسيَّةِ للأطفال، البرنامج المعرفي السلوكي)، وما يتحققُ لها من دلالاتِ صدقٍ وثبات بالإضافةِ إلى الأساليبِ الإحصائيةِ التي استُخدمت للإجابةِ عن أسئلةِ الدراسةِ.

الإطار النظري:

أولًا: الإرشاد المعرفي السلوكي:

مفهوم الإرشاد المعرفي السلوكي: يعتبر الإرشاد المعرفي السلوكي أحد أهم الاتجاهات الإرشادية الذي يشير إلى تلك الطرائق التي تستخدم مستوى متطور في علم النفس، فهو من الطرائق الإرشادية القائمة على نظرية التعلم السلوكية من جهة، وطرائق الإرشاد المعرفي من جهة أخرى، الذي يركز على الجوانب المعرفية، ويطلق على الاتجاه الأول الارشاد السلوكي والاتجاه الثاني الارشاد المعرفي، وبالنظر إلى هاتين الطريقتين المختلفتين مفاهيميًا، فإنهما لا تستخدمان اليوم مع بعضهما بانتظام فحسب، وإنما تم دمجهما مفاهيميًا وتطبيقيًا في اتجاه واحد وهو الإرشاد المعرفي السلوكي ( دبابش، 2011). وهناك العديد من الاتجاهات التي يمكن إدراجها تحت مظلة الارشاد المعرفي السلوكي، ومن تلك الأساليب: الارشاد العقلاني الانفعالي لأبرت أليس، والتعديل السلوكي المعرفي لدونالد ميكينبوم، وإرشاد حل المشكلات لجولد فريد، والإرشاد المعرفي السلوكي لبيك، والإرشاد المتعدد المحاور.. وغيرها، ويتفق المرشدون السلوكيون المعرفيون على اختلاف أساليبهم في أن الاضطرابات النفسية تعتمد إلى حد بعيد في حدوثها على وجود معتقدات فكرية وافتراضات خاطئة يتبناها الفرد عن نفسه وعن العالم المحيط به (Zarb,2007).

ويعتبر ألبرت أليس رائد الإرشاد العقلاني الانفعالي أن أسلوبه هذا من أوائل العلاجات السلوكية المعرفية، وهو يمثل اليوم الاتجاه الرئيسي في الارشاد المعرفي السلوكي، ويقوم على افتراض أساسي وهو أن الأشخاص يسهمون في المشكلات السلوكية والمعرفية نتيجة للطريقة التي يفسرون بها الأحداث والمواقف، وأن التفكير والانفعال والسلوك في حالة تفاعل ويؤثر كل منهما بالآخر (David,2007). ويتبنى أليس وجهة نظر أن المرشد يجب أن يكون فعالًا ونشطًا ومباشرًا، وقد أصبح الاتجاه العقلاني الانفعالي الاتجاه الرئيسي الذي يهدف إلى تزويد المسترشدين بأدوات تمكنهم من إعادة بناء أنظمتهم المعرفية وأنماطهم السلوكية، والفرضية الأساسية التي يتبناها الارشاد العقلاني الانفعالي هو أن انفعالاتنا نتاج لنمط التفكير الذي نحمله، وتقييماتنا، وتفسيراتنا لمواقف الحياة المختلفة، ومن خلال هذا الأسلوب الإرشادي فإن المسترشدين يتعلمون طرقًا تمكنهم من التعرف على الأفكار غير العقلانية التي يحملونها، ومن ثم دحضها واستبدالها بأخرى عقلانية، فهم يتعلمون كيف يعدلوا من طرقهم غير الفاعلة في التفكير ويستبدلونها بأخرى فاعلة وعقلانية، وكنتيجة لذلك منهم سيغيرون من ردود فعلهم الانفعالية تجاه المواقف المختلفة، لذا فإنه يساعد المسترشدين على اكتساب مهارات تمكنهم من مواجهة المشكلات التي تواجههم مستقبلًا (Simpson,2010 ).

ويرى أليس أن الأفراد يولدون ولديهم استعداد لأن يكونوا عقلانيين وغير عقلانيين في تفكيرهم، وأن لدى الأشخاص نزعة لحماية ذواتهم، والشعور بالسعادة، والتواصل مع الآخرين، وتحقيق الذات، كما أن لديهم نزعة لهدم الذات، والتفكير الخرافي، ولوم الذات، وتجنب تحقيق الذات. ويرى أن الأشخاص يبنون الكثير من أفكارهم غير العقلانية خلال فترة طفولتهم من خلال الأشخاص المهمين في حياتهم، لكنهم في الوقت نفسه يكتسبون الكثير من تلك الأفكار بشكل ذاتي من خلال تعزيزهم للأفكار الهادمة للذات حول أنفسهم، وتكراراهم للحديث الذاتي السلبي حول ذواتهم، ويرى أن لوم الذات يمثل جوهر الاضطراب الانفعالي، وحتى يتخلص المسترشدين من العصاب فإنهم يجب أن يتخلصوا من لوم الذات ولوم الآخرين، كما يجب علينا أن نقبل أنفسنا كأشخاص غير كاملين ومن الممكن أن نخطئ، كذلك يرى أن الأفراد الذين يشعرون بالحزن وتدنى تقدير الذات غالبًا ما يقف التفكير غير المنطقي والوجوبيات والينبغيات خلف تلك المشاعر، وقد حدد أليس أحد عشر فكرة أعتقد أنها مسؤولة عن تعاسة الانسان( David,2007). ويشير شارف (Sharf,2012) أن الإطار العام لـ ABCDEF يمثل الجزء الأهم من نظرية الارشاد العقلاني الانفعالي، كما يوفر أداة عملية لفهم مشاعر وأفكار وسلوكيات المسترشدين، وتشير تلك الرموز إلى ما يلي: ترمز Aللأحداث المنشطة وBترمز للمعتقدات، أما Cفهي ترمز إلى النواتج السلوكية والانفعالية، وDترمز إلى تفنيد الأفكار، وEترمز إلى الأثر المترتب على ذلك، وF ترمز إلى المشاعر الجديدة.

على سبيل المثال إذا شعر الشخص باكتئاب بعد تعرضه لخبرة انفصال أو طلاق، فإن الطلاق بحد ذاته لا يعتبر هو العامل المسبب لشعوره بالاكتئاب، وهو العامل A هنا، أو الحدث المنشط، لكن ما يتسبب بشعوره بالكآبة تلك المعتقدات التي يحملها حول تلك الخبرة التي مر بها، وهي تمثل العامل B وهو يمثل تنط التفكير أو المعتقدات التي حملها الفرد، وعليه فإن النواتج السلوكية، والانفعالية، والاجتماعية المترتبة على هذا الحدث C تعود إلى نمط التفكير الذي يحمله الفرد حول الحدث، وليس الأحداث بحد ذاتها، كما أضاف أليس لنموذجه الحرفين D و E، إذ تشير D إلى طريقة التدخل العلاجية، أو التفنيد الذي يستخدمه المرشد لتغيير الأفكار اللاعقلانية، بينما يشير Eإلى الأثر الانفعالي الجديد الذي يتركه التدخل العلاجي، وتشير الاستراتيجيات المعرفية المستخدمة في D إلى:

استكشاف الأفكار اللاعقلانية الموجودة لدى الشخص ويمكن التعرف على تلك الأفكار من خلال العبارات التي تتضمن كلمات المسترشد والتي تحمل الوجوبيات والينبغيات.

مناقشة تلك الأفكار ومحاولة اختبارها بطريقة منطقية وتجريبية.

التمييز بين الأفكار اللاعقلانية وتلك الهازمة للذات وتفنيدها وضحدها.

أهداف الإرشاد المعرفي السلوكي:

يعتقد أليس أن البشر لديهم نزعة قوية نحو تحقيق الكمال في جميع الأعمال التي يقومون بها، ويعتبر ذلك بحسب أليس المصدر الرئيسي للاضطراب الانفعالي، لذا فإن الارشاد العقلاني الانفعالي يهدف إلى مساعدة المسترشدين على تقبل ذواتهم كأشخاص غير كاملين في هذه الحياة، والحكم على ذواتهم بصورة منفصلة عن الأداءات التي يقومون بها في مواقف الحياة المختلفة، وتعليمهم طرقًا جديدة في التفكير تسهم في تغيير انفعالاتهم السلبية، كما يهدف الارشاد العقلاني الانفعالي إلى مساعدة الأشخاص على قبول ذواتهم بطريقة غير مشروطة وقبول الآخرين أيضًا بطريقة غير مشروطة (Simpson,2010 ). ويوضح (Corey,2012) أن هناك مجموعة من الأدوار التي يقوم بها المرشد في هذا النوع من الإرشاد، ومنها: مساعدة المسترشدين في التعرف على الأفكار اللاعقلانية الموجودة لديهم، والمتمثلة بالوجوبيات والينبغيات الموجودة في كلماتهم وجملهم، حيث يفند المرشد العقلاني الانفعالي تلك الأفكار، ويساعد المسترشدين على القيام بأنشطة تساعدهم على مواجهة تلك المعتقدات غير العقلانية واستبدالها بأخرى عقلانية. ومساعدتهم في التعرف على الكيفية التي تستمر بها الأفكار لديهم، حيث يوضح له أن سبب استمرار تلك الأفكار لديهم هو تفكيرهم اللامنطقي واللاعقلاني. كذلك مساعدتهم على تعديل تفكيرهم والتقليل من أفكارهم اللاعقلانية، حيث أن إزالة كل الأفكار اللاعقلانية قد لا يكون ممكنًا، وبالتالي فإن التقليل من تلك الأفكار إلى أقل قدر ممكن هو ما يعسى إليه الارشاد السلوكي المعرفي. وتحدى المسترشدين لكي يطوروا فلسفة عقلانية في الحياة، حتى لا يكونوا في المستقبل ضحايا لأنماط التفكير الغير عقلاني.

ويوضح شارف (Sharf,2012) أن الارشاد العقلاني الانفعالي يعتبر اتجاه متعدد الأبعاد من حيث استخدامه للعديد من الأساليب المختلفة: السلوكية، والمعرفية بطريقة مرنة بحيث تراعي الحاجات الخاصة بكل مسترشد، ومن تلك الأساليب:

الأساليب المعرفية، ومنها: تفنيد الأفكار غير العقلانية، الواجبات البيتية، تغيير اللغة.

الأساليب الانفعالية، ومنها: التخيلات العقلانية الانفعالية، لعب الدور، تمرين مهاجمة الخجل.

الأساليب السلوكية، ومنها: فنيات الاسترخاء، إدارة الذات، النمذجة، تقليل الحساسية التدريجي، الضبط الذاتي (Corey,2012).

أما بيك فقد طور أسلوبًا إرشاديًا أطلق عليه الارشاد المعرفي كنتيجة للأبحاث التي قام بها على المصابين بالاكتئاب، وقد طور بيك نظريته في نفس الفترة الزمنية التي قام بها أليس بتطوير نظريته، لكن كلًا منهما قام بوضع نظريته بشكل مستقل، حيث لاحظ بيك أن مرضى الاكتئاب يحملون تفسيرات معرفية خاطئة لأحداث الحياة اليومية التي تواجههم، لذا فإن هناك تشابه بين اتجاه أليس في الارشاد العقلاني الانفعالي واتجاه بيك في الارشاد المعرفي في كثير من الموضوعات، فالمرشد في كلا الاتجاهين، نشط، وفاعل، ومباشر، ومهتم بالحاضر، ومنظم، ومتعاون، وينظر الإرشاد المعرفي للمشكلات والاضطرابات النفسية على أنها نتيجة لتفكير غير منطقي، أو نتيجة لاستنتاجات غير منطقية مبنية على أساس معلومات غير صحيحة، وفشل الشخص في التمييز بين الواقع والخيال، وكما هو الحال بالنسبة للإرشاد العقلاني الانفعالي فإن الارشاد المعرفي يهدف إلى تحسين الاستبصار لدى المسترشدين، كما يهدف إلى مساعدة المسترشدين في التعرف على أفكارهم ومعتقداتهم اللاعقلانية وتغييرها، والافتراضات التي يقوم بها الارشاد المعرفي هو أن معتقدات الأفراد تحمل معاني فردية خاصة بكل فرد، كما أن تلك المعاني يمكن اكتشافها من قبل المسترشد أكثر من قيام المرشد بتعليمها أو بكشفها له ( (Brownell,2010. ووجد بيك أن لدى هؤلاء الأفراد تشوهات في التفكير تتسبب في معاناتهم الانفعالية، ومن تلك التشوهات:

الاستدلال الاعتباطي غير المدعوم بدليل: كأن يبني الفرد استنتاجًا حول موضوع معين دون وجود أدلة كافية تدعم ذلك الاستنتاج، فقد يتوقع الأفراد هنا أن النتائج دائمًا سلبية، أو أن أسوأ الأمور سوف تحدث.

التجريد الانتقائي: عندما يستخدم الأفراد التجريد الانتقائي فهم يستبعدون من تفكيرهم جوانب مهمة من الحدث، واستبعاد تلك الجوانب يشوه التفكير في الموضوع، ولا يعطي فكرة دقيقة عنه، حيث يفكر الأفراد بموضوع معين بمعزل عن تفاصيل مهمة قد تغير النتيجة بالنسبة لذلك الحدث.

التعميم المطلق: وهو عبارة عن تعميم الخبرة أو الحدث بطريقة غير منطقية على مواقف وخبرات أخرى لا تتشابه إطلاقًا مع تلك الخبرة، على سبيل المثال قد يعتقد الشخص الذي تعرض لخبرة طلاق أنه سوف لن يكون ناجحًا مع أي زوجة يمكن أن يختارها مستقبلًا.

التضخيم: حيث يقوم الأفراد هنا بتضخيم أشياء معينة وإعطائها حجم أكبر مما تستحق فعلًا، أو التقليل من قيمة أشياء أخرى بشكل كبير للغاية.

الشخصنة: يحاول الشخص هنا تحميل ذاته المسؤولية عن كل الأحداث التي لا ترتبط بأي شكل من الأشكال، على سبيل المثال قد يعتقد شخص أنه السبب في انفصال والديه، دون أن يكون له أي علاقة أو صلة بالموضوع.

التفكير الحدي: هنا يقوم الأشخاص بتصنيف الخبرات التي تصادفهم في الحياة إلى خبرات: إيجابية، وأخرى سلبية، أو بيضاء وسوداء دون أن يكون هناك تفكير معمق في تلك الخبرات والأحداث (Ballou,Hill&West,2008).

وعند مقارنة الارشاد العقلاني الانفعالي بالإرشاد المعرفي، يتضح أن الارشاد العقلاني الانفعالي أكثر مباشرة من الارشاد المعرفي، كما أنه يهتم بدور المرشد كمعلم يهدف لمساعدة المسترشدين في التعرف على أنماط التفكير غير العقلانية الموجودة لديهم، ومن ثم دحضها، في المقابل فإن المرشد في الارشاد المعرفي يهتم بالأسئلة ذات النهايات المفتوحة والتي تهدف إلى مساعدة المسترشدين على اكتشاف الأفكار غير المنطقية الموجودة لديهم، وبالتالي فإن الارشاد المعرفي يعطي دورًا أكبر للمسترشد في هذا المجال، وهناك فرق آخر بين الارشاد العقلاني الانفعالي والإرشاد المعرفي بالنسبة للتفكير غير العقلاني، حيث يقوم المرشد في الارشاد العقلاني الانفعالي بإقناع المسترشدين أن هناك جوانب في تفكيرهم يجب تغييرها، بينما الارشاد المعرفي يعتقد أن تلك التشوهات المعرفية في التفكير تحدث نتيجة لاقترانها بعمليات معرفية عادية أكثر من كونها غير عقلانية، ففي مقابل التفكير غير العقلاني فإن الارشاد المعرفي يعتقد بأن هناك أفكار حدية ومطلقة لدى الأفراد تتسبب في معاناتهم( David.2007).

ويوضح أندري وكفن وجان(Andre, Keven and Jan,2005) أن الارشاد العقلاني الانفعالي ينظر إلى العلاقة الارشادية على أنها علاقة تعليمية، ولا يشترط أن يتوفر فيها دفء وتعاطف كبير جدًا، بعكس الارشاد المعرفي الذي يعتقد أن العلاقة الارشادية يجب أن يتوفر فيها مستوى مرتفع من التعاطف والاهتمام بالمسترشد، كما يجب أن يمتلك المرشدين في الارشاد المعرفي مفاهيم معرفية تؤهلهم للدخول في حوار مع المسترشدين لمساعدتهم على اكتشاف ذواتهم بشكل أفضل ومساعدتهم على التغيير الإيجابي، لذا فإن المرشد الفعال في الارشاد المعرفي هو شخص فاعل، ومتعاطف، ومبدع، ومؤثر.

استخدم الارشاد المعرفي في البداية كاتجاه لعلاج الاكتئاب لكن الممارسة الارشادية في هذا الاتجاه اتسعت لتغطي مدى واسع من المشكلات السلوكية والتي يمكن استخدام هذا الأسلوب معها بفاعلية كبيرة، وأحد الأمور التي جعلت الارشاد المعرفي يحظى باستخدام واسع هو نتائج الدراسات التجريبية التي دعمت الإطار النظري لهذا الاتجاه، إذ استخدم الارشاد المعرفي بفاعلية في علاج المخاوف المرضية، والاضطرابات جسدية الشكل، واضطرابات الأكل، واضطرابات الضغوط التالية للصدمة، ويستخدم الارشاد المعرفي التكنيكات الارشادية المستخدمة في باقي العلاجات السلوكية والمعرفية من أجل الوصول إلى تلك الأهداف الارشادية( Brownell.2010 ).

ويرى الارشاد المعرفي السلوكي أن الاضطرابات النفسية ترتكز على ثلاث آليات أساسية يُفترض أنها تساعد في الإبقاء على تلك الاضطرابات، وتلك الآليات هي:

الثالوث المعرفي: يتألف الثالوث المعرفي من ثلاثة عناصر معرفية تدفع المسترشد إلى النظر لنفسه ومستقبله وتجاربه بطريقة خاصة، فالانطوائي ينظر إلى نفسه نظرة سلبية، معتقدًا أنه شخص غير مرغوب فيه، وعديم القيمة بسبب خلل نفسي أو أخلاقي، أو جسدي لديه، ويشير العنصر الثاني من الثالوث المعرفي إلى ميل الشخص الانعزالي إلى تفسير تجاربه بطريقة سلبية، فهو يرى أن العالم يفرض عليه مطالب ومصاعب لا تقهر، ولا يمكن تدليلها للوصول إلى أهدافه في الحياة، فهو مهزوم من الداخل، وأما العنصر الثالث من الثالوث المعرفي، فهو النظرة السلبية إلى المستقبل، فالانطوائي يتنبأ بأن مصاعبه الخالية سوف تستمر إلى ما لا نهاية (Hoffman and Otto,2008).

التشوهات المعرفية: وتضم الأفكار السلبية للثالوث المعرفي والتي تسبب الاكتئاب والانفعال، ورغم أن هذه الأفكار غريبة بعض الشيء، وخارجة عن المألوف فهي تبدو للانطوائي صحيحة، وغير مكن إثباتها عمومًا بالإجماع، لأنها تتسم بالخصوصية الفردية، كما تظهر بشكل عفوي وتلقائي، ولهذا السبب تُسمى بالأفكار التلقائية، أما التشوهات المعرفية، فهي الأنماط المختلفة من الخطاء في منطق التفكير التلقائي (Sperry,2006).

المخططات: وهي تمثل بنى معرفية، يعتقد أنها تسبب شتى التشوهات التي نراها لدى الحالات المختلفة، إن التفسير السلوكي المعرفي للاضطرابات يقوم على النظرة السلبية إلى الذات والعالم والمستقبل، حيث يتجلى هذا الثالوث المعرفي السلبي من خلال استجابات الفرد التلقائية نحو حدث ما، ويُعتقد أن الثالوث السلبي يقوم بصياغة تلقائية ومستمرة لإدراكات الفرد وتفسيراته للأحداث، إذ تزيد التشوهات التلقائية في تأثير الاعتقادات الضمنية المختلة وظيفيًا، والتي تؤدي بدورها إلى مزاج مكتئب، والمزاج المكتئب يؤثر سلبيًا في استدعاء الأحداث الماضية والتقويمات الحاضرة، مما يديم ويوسع من مزاج الشخص المضطرب (Christner, Stewart& Freman,2007).

ويهدف الارشاد المعرفي السلوكي إلى مساعدة المسترشدين على إدراك العلاقة بين المشاعر والأفكار والسلوك، وتعليم المسترشدين أن يحددوا ويقيموا أفكارهم وتخيلاتهم وخاصة تلك التي ترتبط بالأحداث والسلوكيات المضطربة أو المؤلمة، كما يهدف إلى مساعدة المسترشدين على تصحيح أفكارهم ومعتقداتهم الخاطئة، وتدريبهم على استخدام استراتيجيات وتقنيات معرفية وسلوكية لتطبيقها في الواقع خلال مواقف حياتية جديدة، أو عند مواجهة مشكلات مستقبلية، وتدريبهم على توجيه التعليمات للذات، ومن ثم تعديل سلوكهم وطريقتهم المعتادة في التفكير من خلال الحوار الداخلي البناء والفعال. ويستخدم الارشاد المعرفي السلوكي مجموعة من التقنيات السلوكية والمعرفية، ويمكن تدريب المسترشدين على إستخدام تلك الفنيات لتساعدهم في الاستجابة بطريقة أكثر فاعلية للمواقف الحياتية المختلفة، ومن تلك الفنيات:

أولًا: التقنيات المعرفية: الحوار السقراطي، الرسم الكاريكاتيري، سجل الأفكار، مناقشة الحوار الداخلي، عداد المعصم، طريقة دلالات الألفاظ.

ثانيًا: التقنيات السلوكية: التدريب على المهارات الاجتماعية، التدريب على توكيد الذات، التدريب على الاسترخاء، التدريب على أسلوب حل المشكلات (عبد الرحمن،2018).

ثانيًا: الوحدة النفسية:

ــ مفهوم الوحدة النفسية: يعد مفهوم الوحدة النفسية من المفاهيم الحديثة نسبياً، فلقد كان لكتاب “فايس” Weiss عن الوحدة النفسية في العام 1973 أكبر الأثر في الاهتمام بمفهوم الوحدة النفسية، حيث تأثر معظم الباحثين بعد ذلك بكتابات فايس عن الوحدة النفسية. وبالرغم من أن كلا من Alone & Lonely كمصطلحين مشتقان من نفس الكلمة الانجليزية، إلا أنهما ليسا مترادفين، All one فمن الممكن أن يكون الإنسان وحيداً بدون أن يكون منفرداً بنفسه، ومن الممكن أيضاً أن يكون منفرداً بنفسه ولا يشعر بالوحدة النفسية. (Rokach,2004) ويرى بعض الباحثين أن مفهوم الوحدة النفسية ومفهوم العزلة الاجتماعية مفهومين مترادفين على أساس أن النتيجة في نهاية الأمر تكون واحدة، في حين يرى تيرنرز ضرورة التفرقة بين المفهومين، فالعزلة تعنى ضعف العلاقات المتبادلة بين الفرد والجماعة التي ينتمى إليها، وأن الشخص الذي يشعر بالوحدة النفسية حين يعي أو يشعر بعزلة في وحدته يبدو مكتئباً أو مهموماً من جراء إحساسه بالوحدة، ويترتب على هذا الإحساس أن ينأي الفرد بنفسه، أو يتباعد عن المجتمع ويبدو بلا رفيق أو صديق، ويشعر تبعاً لذلك كما لو كان مقفراً من الوحدة النفسية، وأن الفرق بين الوحدة النفسية و العزلة يكمن في الوعي بذلك (غانم، 2002). كما ترى قطينة (2002) أن الشخص الذي يميل إلى العزلة يبدو وحيداً منعزلاً عن الناس وهو يحاول دائماً تجنب المجتمعات، والأماكن العامة، ويقضي معظم وقته في الأعمال الفردية كالقراءة، والرسم، وأحلام اليقظة، وإذا اضطرته الظروف أن يكون موجوداً بين الناس، فإنه يبقي صامتاً وإذا أجبر على الكلام اضطرب وخجل. ويمثل الشعور بالوحدة النفسية إحدى المشكلات المعبرة عن الأسى الناتج عن عدم الرضا بالعلاقات الاجتماعية غير المشبعة، وقلة العلاقات الاجتماعية (مبروك، 2002).

ولعل من أهم العواقب النفسية والاجتماعية للشعور بالوحدة أن يصبح الفرد أكثر استهدافاً للإصابة بالاضطرابات النفسية مثل الاكتئاب والقلق ومشاعر الملل والسأم وانخفاض تقدير الذات، كما قد يعاني من التوتر والخجل الشديد عند التصرف الكفؤ، إضافة إلى العديد من المشكلات السلوكية رغبة في لفت أنظار الآخرين لشعوره بالتجاهل، والوحدة والانعزال (تفاحة، 2005). ويتضح هنا أن الانفراد بالنفس الذي يعنى البعد عن الآخرين والأهل والأصدقاء يختلف عن الوحدة النفسية التي يعانيها الفرد حتى ولو كان بين أهله وأصدقائه، وبالتالي فإن الوحدة النفسية هي خبرة ذاتية قد يعاينها الفرد على الرغم من وجوده مع غيره من الناس عندما تخلو حياته من علاقات اجتماعية مشبعة بالألفة والمودة، وفي هذا الصدد يرى “كيلين” إن التمييز بين الوحدة النفسية والانفراد بالنفس يعتمد على وجود عنصر الاختيار لدى الفرد، فالفرد الذي يعاني الوحدة النفسية لا يرغب في كونه وحيداً، أما الفرد المنفرد بنفسه فهو الذي يختار البعد عن الناس (جودة، 2005). وتفاحة (2005) فيعرف الوحدة النفسية من خلال اضطراب العلاقة مع الآخر، فيرى أن الوحدة النفسية تشير إلى إحساس الفرد بعدم التقبل من المحيطين به، وافتقاد الحب والود من جانبهم، الأمر الذي يترتب عليه الشعور بالتوتر والرغبة في العزلة والانطواء وقطع العلاقات الاجتماعية معهم، أي أنها تنشأ من شعوره بأن علاقاته المضطربة مع الآخرين تعنى بأنه غير مرغوب في وجوده بينهم، فيؤثر الابتعاد واللجوء للعزلة، ومن ثم يترتب على تلك العزلة قطع للعلاقات، وحيث أن الإنسان اجتماعي بطبعه، فإن قطع علاقاته الاجتماعية مع المحيطين به يؤدي إلى نشوء اضطرابات نفسية مختلفة.

ويتضح مما سبق عرضه، أن الإحساس بالوحدة النفسية هو حالة يخبرها الفرد تنشأ في الأصل عن قصور في جانب العلاقات الاجتماعية مع الآخرين، الأمر الذي يجعل الفرد يشعر بالألم والمعاناة بسبب إحساسه بعدم تقبل الآخرين له وإهماله، وهي ترتبط بالعزلة وتجنب الوسط الاجتماعي المحيط بالفرد، وتنتج عن خلل في شبكة العلاقات الاجتماعية، وهذا الخلل قد يكون كمياً كنقص العلاقات الاجتماعية أو ضعفها أو انعدامها، وقد يكون نوعياً كافتقاد المحبة والألفة مع الآخرين. وهي تؤدي إلى مجموعة من المؤثرات السلبية على الصحة النفسية للفرد.

أسباب الشعور بالوحدة النفسية: هناك عدة أسباب تؤدي لنشوء الوحدة النفسية، وهذه الأسباب على الرغم من اختلافها إلا أنها قد تتفاعل معاً لتنتج الوحدة النفسية لدى الفرد. وفي هذا الصدد أشار “وايس” إلى مجموعتين من الأسباب المؤدية إلى الشعور بالوحدة النفسية وهي:

ـــ الأولى: تتصل بالمواقف أو البيئة الاجتماعية: وهي تركز على النواقص أو المشكلات والصعوبات القائمة في البيئة باعتبارها أسباباً مؤدية للوحدة، فمن الواضح أن مواقف معينة كموت أحد الزوجين أو الطلاق أو الانتقال إلى مدينة أخرى أو العيش في بيئة منعزلة جغرافياً تعتبر من العوامل التي تؤدي إلى الإحساس بالوحدة النفسية.
ــ الثانية: تتصل بالفروق الفردية أو ما يعرف بمجموعة الخصائص: فالفروق الفردية قد تؤثر في إدراك الفرد للموقف، فالناس يختلفون في الدرجة التي يشعرون بها أنهم لا يتلقون مساعدة من أحد، وغير معتنى بهم، وأنهم وحيدون في استجاباتهم لحالة اجتماعية معينة (Klicpera, 2003) .

بينما يشير بير لين (1995) إلى أن جذور الشعور بالوحدة النفسية لدى الأطفال ترجع في أصولها إلى مرحلة الرضاعة حيث أن العلاقات غير الآمنة وغير الحميمة التي قد تسود بين الأم وطفلها، يكون تأثيرها مهم جداً وخطير على شخصية الطفل وكل سلوكياته وتصرفاته فيما بعد من مراحل النمو التالية. وأهم أسباب شعور الأطفال بالوحدة النفسية يعود إلى افتقارهم لوجود أصدقاء، وعجزهم عن اكتساب أصدقاء جدد (علي ورحيم،2011).

أما روكاتش وآخرون ((Rokach, et al., 2003فقد أوردوا الأسباب التالية والتي من وجهة نظرهم تؤدي إلى ظهور الوحدة النفسية، والتي تنحصر في ثلاثة نقاط، وهي:

1) العجز الشخصي النمائي.

2) الفشل في إقامة العلاقات.

3) الهامشية الاجتماعية التي يعيشها الشخص.

النظريات المفسرة للوحدة النفسية: تناولت النظريات النفسية الوحدة النفسية بالتفسير والتحليل، كلاً حسب وجهة نظره والدراسات التي أستند عليها في فهمه وتفسيره للوحدة النفسية، ومن هذه النظريات:

1) نظرية التحليل النفسي: يؤكد علماء التحليل النفسي على أن التأثيرات التي يمر بها الفرد تلعب دوراً هاماً في إحداث الوحدة النفسية، حيث يرى “فرويد” أن الوحدة النفسية ذات خصائص مرضية ويرجعها إلى التأثيرات المبكرة التي مر بها الفرد، كما يفسرها بأنها عملية صراع بين المكونات داخل الفرد الهو، والأنا، والأنا الأعلى، مما يؤدي إلى سوء توافق الفرد مع نفسه ومع بيئته الاجتماعية، ويمكن النظر إلى الشعور بالوحدة النفسية بأنه نتيجة القلق العصابي الطفولي، وله وسيلة دفاعية نفسية تعمل للحفاظ على الشخصية من التهديد الناشئ من البيئة الاجتماعية، ويعبر عنه على شكل عزلة وانسحاب (عبد الوهاب، 2000). أما أدلر فيري أن الشعور بالوحدة النفسية يرجع إلى إساءة الوالدين له في طفولته أو حرمانه من الحب والعطف والتشجيع، مما يؤدي إلى شعوره بالنقص نظراً لافتقاره إلى عامل الشعور الإنساني (بعلي، 2015). ويؤكد أريكسون على ما سبق في قوله إن الفشل في تفادي أزمة الألفة مقابل العزلة في مرحلة الشباب يؤدي إلى تجنب الفرد العلاقات البيشخصية التي تتيح للفرد الانغماس الاجتماعي. بالإضافة إلى عدم مقدرة الفرد على تكوين علاقات اجتماعية ناجحة، تجعله يشعر بالخواء الاجتماعي والعزلة (ميهوب، 2007). أما هورني فترى أن الفرد حينما يخفق في محاولاته للحصول على الدفء والعلاقات المشبعة مع الآخرين فإنه يعزل نفسه عنهم ويرفض أن يربط نفسه بهم ويتحرك بعيداً عنهم (عادل، 2000).

2) النظرية السلوكية: يرى السلوكيون أن الشعور بالوحدة النفسية مرتبط بحدوث صراع بين العمليات المؤدية إلى الكف نتيجة عدم قدرة الفرد على ترك الاستجابات الاشتراطية القديمة التي تعلمها منذ طفولته على إثر الخبرات غير المناسبة التي مر بها في بيئته مما يؤدي إلى تكوين عادات غير مناسبة لديه لا تساعده على أن يحيا حياة فعالة ناجحة مع الآخرين، كما تعوقه عن تعلم استجابات أو أنماط سلوكية أكثر مواءمة في علاقته بالآخرين (بعلي، 2015).

3) النظرية الإنسانية (الظاهراتية): اتفق أصحاب هذه النظرية على أن الشعور بالوحدة النفسية ينشأ من التناقض بين حقيقة الذات الداخلية للفرد والذات الواضحة للآخرين (عبد الوهاب، 2000). وتحدث “روجرز” عن منشأ الوحدة النفسية مشيراً إلى أن ضغوط المجتمع الواقعة على الفرد تجعله يسلك بطرق محددة ومقبولة اجتماعياً، وهذا يؤدي إلى التناقض بين ذاته الداخلية والذات المدركة من قبل الآخرين، ويكون أداؤه لمتطلبات المجتمع بدون رغبة أو اهتمام بأدائها بدقة مما يسبب الشعور بالفراغ، ويؤكد روجرز أن الوحدة النفسية هي تمثيل للتوافق السيئ، وهي ناجمة عن التناقض الظاهراتي لمفهوم الفرد عن ذاته، وهنا تكون الوحدة النفسية كشعور مظهر من مظاهر ضعف التوافق، وأن جذور هذا الشعور يكمن داخل الفرد نتيجة التباعد بين مفهوم الذات والذات المثالية، والذات الفعلية (العطافي، 2014).

4) النظرية المعرفية: ويرى جونز وزملاؤه أن الشعور بالوحدة النفسية يعود إلى الأفكار والتصورات الخاطئة التي يحملها الفرد عن ذاته، وهذه التصورات ما هي إلا طريقة للتفسير والتفكير حول واقعنا اليومي، كما يعتبرون أن كلاً من السلوك والوجدان إنما يتحدان من خلال عمليات معرفية ضمنية، وهذا ما يجعل المهارات الاجتماعية لشخص ما تختل بتأثير من أفكاره غير الواقعية وغير المتوافقة، فقد يظن هذا الشخص أن زملاؤه سوف يرفضونه إذا حاول أن يعقد معهم صداقات، ويؤدي هذا الظن إلى إثارة قلقه وتوتره إلى الحد الذي يدفعه إلى تجنب الآخرين، والعزوف عن المبادرة بالتفاعل الاجتماعي حتى لا يوقع نفسه في الحرج الناتج عن نبذ الآخرين و إهمالهم له (بعلي، 2015).

من خلال ما تم عرضه عن الارشاد المعرفي السلوكي يمكننا القول بأن مؤسسة ألبرت أليس وما قدمه آرون بيك الذي بدأ باستخدام هذا الأسلوب مع مرضى الاكتئاب، والذي حقق نجاحًا في ذلك، جعله يستخدمه مع اضطرابات أخرى غير الاكتئاب، ويعتبر أسلوب الارشاد المعرفي السلوكي من الأساليب الحديثة والذي أثبت نجاحه في التعامل مع العديد من الاضطرابات والمشكلات النفسية، وأصبح يُستخدم بكثرة في علاج العديد من هذه المشكلات والاضطرابات. وترى الباحثة أن الارشاد المعرفي السلوكي بمختلف فنياته يعتبر من الأساليب الارشادية للتخفيف من الإحساس بالوحدة النفسية، حيث يشتمل هذا الأسلوب على نماذج التفكير الغير منطقي واللاعقلاني والسلوكيات غير المرغوبة لكسر دائرة الخجل، والقلق، والخوف المزمن، وذلك لأن الأفراد الذين يشعرون بالوحدة النفسية والمشكلات النفسية عمومًا يكون لديهم في الغالب أفكارًا سلبية عن أنفسهم، وعن الاخرين وخاصة في المواقف الاجتماعية. لذا ستحاول الدراسة الحالية بناء برنامج إرشادي يستند على فنيات الإرشاد المعرفي السلوكي انطلاقًا مما توصلت إليه معظم الدراسات السابقة التي بينت أهم الأسباب التي تزيد من تفاقم مشكلة الوحدة النفسية لدى الأطفال الأيتام وأنهم أكثر عرضة من غيرهم للإحساس بهذه المشاعر السلبية بسبب ظروفهم الاجتماعية وحرمانهم من آبائهم وأمهاتهم، وكذلك ما ساهمت به الدراسات السابقة في توضيحها للمشكلات المختلفة المترتبة عن اليتم والتي من ضمنها مشكلة الإحساس بالوحدة النفسية، وباطلاع الباحثة على الدراسات ذات العلاقة بالموضوع وخاصة التي استخدمت برامج إرشادية، والتي أثبتت نتائجها فاعلية البرامج الإرشادية في خفض مستوى العديد من المشكلات النفسية ومنها الوحدة النفسية لدى الأطفال الأيتام. واستفادت الباحثة من الدراسات السابقة في وضع خطة إرشادية انطلاقًا من استخدام فنيات الارشاد المعرفي السلوكي بمختلف أنواعها والتي ساهمت في خفض مستوى الوحدة النفسية لدى الأطفال عينة الدراسة.

الدراسات السابقة:

أجرى عزاق ومنصور (2017) دراسة هدفت إلى الكشف عن الوحدة النفسية والاكتئاب لدى الأطفال مجهولي النسب المقيمين في دور الطفولة المسعفة في الجزائر ومدى الارتباط بين الشعور بالوحدة النفسية والاكتئاب لديهم، تكونت العينة من (32) طفلاً مجهول النسب، وتم الاستعانة بالمنهج الوصفي الارتباطي لملائمته لأهداف الدراسة وتوصلت الدراسة إلى أن الأطفال مجهولي النسب يعانون من مستوى مرتفع من الوحدة النفسية، كما أنهم يعانون من ارتفاع في درجات الاكتئاب، كما توصلت إلى وجود علاقة ارتباطيه بين الشعور بالوحدة النفسية وارتفاع درجات الاكتئاب لدى الأطفال مجهولي النسب.

وأجرت محمد (2017) دراسة هدفت إلى التحقق من فاعلية برنامج علاجي قائم على المعلومات في خفض حدة بعض المشكلات النفسية التي تواجه الأيتام بدور الرعاية بالإسكندرية، خاصة فقدان الثقة بالنفس وما يصاحبه من الشعور بالدونية، وعدم وجود الطمأنينة النفسية، والشعور بالوحدة النفسية، وتكونت عينة الدراسة من (15) فتاة من اليتامى. وقد أظهرت النتائج إجمالا وجود فروق بين القياسين القبلي والبعدي لصالح القياس البعدي في مقياس ” التعرف على الثقة بالنفس لدى الأيتام “، ومقياس ” التعرف على مدى الطمأنينة النفسية لدى الأيتام، أما مقياس التعرف على الشعور بالوحدة النفسية لدى الأيتام ” فقد أظهرت نتائجه بأنه لا توجد فروق ذات دلالة إحصائية، ولكن هناك نسبة تبلغ (8.4 %) لصالح القياس البعدي.

أما كاسيرتا (2017) فقد قام بدراسة هدفت إلى الكشف عن مستويات الشعور بالوحدة النفسية والرفاه النفسي لدى عينة من الأيتام المقيمين في دور الرعاية الحكومية. وتكونت العينة من (430) طفلًا وطفلة (179 إناث و261 ذكور) من عدة بيئات بدون آباء، مراكز إيواء، بيوت تبني). وقد أظهرت النتائج أن مستوى الشعور بالوحدة النفسية مرتفع لدى الأيتام، خصوصًا الموجودين في دار الرعاية، حيث أن رفاهم أقل من باقي الأيتام.

وأجرت التركي (2015) دراسة هدفت إلى إعداد برنامج إرشادي معرفي سلوكي، وتحديد فاعليته في خفض الوحدة النفسية وتحسين الأمن النفسي لدى طلاب المرحلة الثانوية في الكويت، والتعرف على الفروق بين المجموعة التجريبية والضابطة في الوحدة النفسية والأمن النفسي بعد تطبيق البرنامج. وتكونت العينة من (20) طالبًا من طلاب المدارس الثانوية بدولة الكويت الذين تتراوح أعمارهم بين 15 و16 سنة، وأشارت نتائج الدراسة إلى وجود فروق بين المجموعة التجريبية والضابطة في الوحدة النفسية بعد تطبيق البرنامج، وأيضًا وجود فروق بين المجموعة التجريبية والضابطة في درجة الأمن النفسي لصالح المجموعة التجريبية، حيث انخفض الشعور بالوحدة النفسية وارتفع الشعور بالأمن النفسي لدى أفراد العينة التجريبية مما يشير إلى فاعلية البرنامج.

هدفت دراسة دورولاب وسيكوجلو (2013) إلى مقارنة الشعور بالوحدة النفسية بين عينة من الأطفال الأيتام المقيمين في دار الرعاية وبين عينة من الأطفال المقيمين مع عائلاتهم. وتكونت العينة من (86) مراهقًا من أعمار 15-18 سنة (43أيتام، 43 غير أيتام). وقد أظهرت نتائج الدراسة أن مستوى الشعور بالوحدة النفسية لدى الأيتام يتراوح بين المتوسط والمرتفع لكنه أعلى من مستوى الشعور بالوحدة النفسية لدى المراهقين الذين يعيشون مع عائلاتهم.

أما الخميسي (2001) فقد أجرى دراسة هدفت إلى التعرف على مدى فاعلية العلاج النفسي الجماعي في خفض قلق الانفصال والشعور بالوحدة النفسية لدى جماعة من أبناء المؤسسات الإيوائية في القاهرة، وطُبقت الدراسة على مجموعتين تجريبيتين، قوام كل مجموعة (12) مفحوصاً من المراهقين الذكور، وانتهت نتائج الدراسة إلى فاعلية العلاج النفسي الجماعي في خفض قلق الانفصال والشعور بالوحدة النفسية، وكذلك استمرار المكاسب العلاجية لصالح البرنامج العلاجي على الفروق القبلية والبعدية وبعد – البعدية.

التعقيب على الدراسات السابقة:

يلاحظ من خلال استعراض الدراسات السابقة التي تناولت فئة الأطفال الأيتام أنهم يعانون من مشكلات نفسية متعددة منها انخفاض تقدير الذات، ونقص المهارات الاجتماعية، وكذلك يعانون من الشعور بالوحدة النفسية، وانخفاض المسؤولية الاجتماعية. وما يميز الدراسة الحالية على المستوى المحلى (البيئة الليبية) كونها استخدمت الإرشاد المعرفي السلوكي في خفض الإحساس بالوحدة النفسية لدى عينة من الأطفال الأيتام في دار الرعاية الاجتماعية، حيث أن فئة الأطفال الأيتام في البيئة الليبية من الشرائح التي لم تتناولها الدراسات العلمية سابقاً بالدراسة والبحث (على حد علم الباحثة)، ومن وجهة نظر الباحثة هم بحاجة إلى إرشاد لخفض هذه المشاعر والأحاسيس التي يعانون منها، خاصة في ظل الظروف الحالية التي تعاني منها البلاد ونتيجة لإهمال الاهتمام بهذه الفئة. وتميزت الدراسة الحالية عن الدراسات السابقة في أنها قامت ببناء برنامج إرشادي يستند على فنيات الإرشاد المعرفي السلوكي موجه لفئة الأطفال الأيتام من أجل خفض الإحساس بالوحدة النفسية، كما أنها طورت مقياس يمكن استخدامه في الكشف عن الإحساس بالوحدة النفسية لدى الأطفال الأيتام وتكيفه للبيئة الليبية، واستفادت الدراسة الحالية من الدراسات السابقة في تطوير أداة الدراسة وبناء البرنامج الإرشادي المستند إلى فنيات الإرشاد المعرفي السلوكي والمنهجية وعند صياغة فنيات وأنشطة البرنامج، وتوظيفها في مناقشة النتائج.

مجتمع الدراسة: تكون مجتمع الدراسة من جميع الأطفال الموجودين والمقيمين في دار الرعاية الاجتماعية للأيتام بمدينة مصراتة، والذين تتراوح أعمارهم ما بين (12سنة إلى 16سنة)، والبالغ عددهم (70) طفل (وزارة الشؤون الاجتماعية بدولة ليبيا،2018).

عينة الدراسة: تكونت عينة الدراسة من (24) طفلًا من الأطفال الأيتام المتواجدين والمقيمين في دار رعاية الطفل بمدينة مصراتة، سواء كانوا من فاقدي الأب، أو الأم، أو الاثنين معاً (12 ذكور، و12 إناث)، ممن تتراوح أعمارهم ما بين (12سنة -16 سنة) سنة.

أداة الدراسة: للإجابة عن أسئلة الدراسة فقد تم استخدام مقياس الوحدة النفسية من إعداد قشقوش (1988)، وفيما يلي وصف لأداة الدراسة:

مقياس الوحدة النفسية للأطفال: أعد هذا المقياس قشقوش (1988)، وهو مبني على التقدير الذاتي والتدرج الرباعي، ويتكون من (34) عبارة، وتم تطبيقه كذلك في دراسة الخميسي (2001) على عينة من أبناء المؤسسات الإيوائية، تتراوح أعمارهم ما بين (13 ــ 18) سنة، وقد تم حذف وتعديل بعض الفقرات بناءاً على آراء الخبراء والمحكمين الذين عرض عليهم المقياس، ليكون عدد الفقرات للمقياس (29) فقرة، وبعد التأكد من صدقه تم حذف (6) فقرات ليصبح المقياس مكونًا من (23) فقرة بصيغته النهائية.

صدق المقياس: وللتحقق من صدق المقياس في الدراسة الحالية تم استخدام أسلوبين هما: صدق المحتوى، وصدق البناء.

1ــ صدق المحتوى: حيث تم عرض الأداة بصورتها الأولية على مجموعة من الخبراء والمختصين في الجامعات الأردنية، وذلك بعرضه علي عشرة محكمين من الجامعة الأردنية، وجامعة العلوم الإسلامية العالمية، والجامعة العربية المفتوحة ممن يحملون درجة الدكتوراه في الإرشاد النفسي والتربية الخاصة وقد أشارت نتائج التحكيم إلى سلامة الفقرات، وملائمتها لقياس الوحدة النفسية لدى الأطفال، مع اقتراح بعض التعديلات على عدد من الفقرات، وقد تم الأخذ بهذه الاقتراحات، حيث تم الإبقاء على الفقرات التي كانت نسبة الاتفاق عليها (80%) فما فوق، بناءاً عليه تم حذف وتعديل بعض الفقرات بناءاً على آراء الخبراء والمحكمين الذين عرض عليهم المقياس، لتكون عدد فقرات المقياس (29) فقرة، والجدولين (1) و(2) يوضحان الفقرات التي تم حذفها وتعديلها.

جدول 1يوضح الفقرات المحذوفة من مقياس الوحدة النفسية.

ت الفقرات المحذوفة
1 أشعر أنني غير قادر على الانتماء لناد أو جماعة ما.
2 أشعر أنني أفتقد الحب من جانب معظم الين يعرفونني.
3 أشعر أنني منعزل عمن حولي.
4 أشعر بالعزلة عمن حولي رغم وجودي بينهم.
5 أشعر أنني وحيد رغم كثرة معارفي.

جدول 2 يوضح الفقرات التي تم تعديلها من مقياس الوحدة النفسية.

ت الفقرة قبل التعديل الفقرة بعد التعديل
1 اشعر انه لا يوجد الإنسان الذي يهتم فعلاً بمشاكل الآخرين. أشعر أنه لا يوجد إنسان يهتم بمشاكل الآخرين.
2 اشعر أن الآخرين يتعمدون إقصائي عنهم ووضع العراقيل في سبيل وجودي بينهم. اشعر أن الآخرين يتعمدون إبعادي عنهم ووضع العراقيل في سبيل وجودي بينهم.
3 انتظر دائماً أن يحادثني الآخرون أو يكتبوا لي. انتظر دائماً أن يحادثني الآخرون.
4 لا يوجد في حياتي حتى الآن شخص أستطيع أن ائتمنه على مشاكلي. لا يوجد في حياتي حتى الآن شخص أستطيع أن أثق به.
5 يصعب على تكوين الصداقات. يصعب على تكوين صداقات مع الآخرين.
6 اشعر بالألم والإجهاد في كثير من الأحيان. اشعر بالتعب والإجهاد في كثير من الأحيان.
7 أشعر أنني لا أستطيع أن أصارح شخصاً ما بما يدور في ذهني. أشعر أنني لا أستطيع أن أصارح أي شخص بما يدور في ذهني.
8 أجد صعوبة كبيرة في أن أركز ذهني في عمل معين. أجد صعوبة كبيرة في أن التركيز على عمل معين.
9 اشعر بعدم وجود شيء ما يربطني بالآخرين. اشعر بعدم وجود ما يربطني بالآخرين.
10 اشعر أن حياتي الحالية غير ذات قيمة أو هدف. اشعر أن حياتي الحالية ليست ذات قيمة أو هدف.
11 اشعر أنني وحيد دائماً. اشعر أنني وحيد ومنعزل عن الآخرين.
12 لم التق حتى الآن بإنسان أستطيع أن أثق فيه. لا أثق بالآخرين بسهولة.
13 اشعر أن كل إنسان يهتم الآن بمصالحه الخاصة فقط. اشعر أن كل إنسان يهتم بمصالحه الخاصة فقط.

2 ــ صدق البناء: وكمؤشر على صدق البناء تم تطبيق الأداة في صورتها المعدلة على عينة استطلاعية مكونة من (25) من الأطفال المتواجدين بدار رعاية في مدينة مصراتة من خارج عينة الدراسة، وتم حساب معامل ارتباط كل فقرة من فقرات المقياس مع الدرجة الكلية، وقد تراوحت معاملات الارتباط بين (0.29 ــ 0.86)، وفي ضوء ذلك تم إبقاء الفقرات ذات الدلالة الإحصائية عند مستوى (0.05=α). والجدول (3) يبين قيم معاملات ارتباط كل فقرة مع الدرجة الكلية.

الجدول 3 معامل ارتباط درجة الفقرة بالدرجة الكلية لمقياس الوحدة النفسية

ارتباط الفقرة بالدرجة الكلية رقم الفقرة ارتباط الفقرة بالدرجة الكلية رقم الفقرة ارتباط الفقرة بالدرجة الكلية رقم الفقرة
0.61 17 0.37 9 0.38 1
0.84 18 0.85 10 0.37 2
0.86 19 0.74 11 0.43 3
0.52 20 0.69 12 0.42 4
0.61 21 0.82 13 0.33 5
0.62 22 0.39 14 0.43 6
0.55 23 0.79 15 0.48 7
0.79 16 0.29 8

يتبين من الجدول (3) أن جميع الفقرات دالة وصادقة عند مستوى (0.05)، وبهذا تضمن مقياس الوحدة النفسية للأطفال بصيغته النهائية على (23) فقرة. والجدول (4) يبين الفقرات المحذوفة من مقياس الوحدة النفسية، والتي كان معامل ارتباطها أقل من 20%، وليست ذات دلالة إحصائية.

الجدول 4 يوضح الفقرات المحذوفة من مقياس الوحدة النفسية

الرقم الفقرات المحذوفة
1 أشعر أنني في حاجة إلى الحب أكثر من حاجتي إلى شيء آخر.
2 لا يوجد في حياتي حتى الآن شخص أستطيع أن أثق به.
3 أشعر أنه لا يوجد من بين المحيطين بي من يشاركني آرائي أو تتفق ميوله مع ميولي.
4 أشعر بالتعب والاجهاد في كثير من الأحيان.
5 أشعر أن الآخرين يتجنبونني.
6 لا أجد من أستطيع أن أتحدث معه في أسراري/ مشاكلي الخاصة.

ثبات المقياس: وقد تحقق معد المقياس من ثباته بطريقة الاختبار وإعادة الاختبار، وكان معامل الارتباط (0.819) دال عند مستوى (0.01). أما في دراسة الخميسي (2001) فقد تم التأكد من ثبات المقياس عن طريق إعادة التطبيق على عينة قوامها (30مفحوص) من أبناء المؤسسات الإيوائية، أعمارهم من (18-13) سنة، لهم نفس خصائص العينة الأساسية، وبفاصل زمني(21يوم)، وكان معامل الارتباط (0.798). ولأغراض هذه الدراسة تم استخراج ثبات المقياس عن طريق إعادة تطبيق المقياس على عينة مكونة من (25) طفلاً من الذكور والإناث بدار الرعاية الاجتماعية بمدينة مصراتة، وقد كانت الفترة الزمنية بين التطبيقين (10) أيام، وقد تم حساب معامل ارتباط بيرسون بين درجات المفحوصين في مرتي التطبيق، حيث بلغت قيمة معامل الارتباط (0.92). وكذلك تم استخدام الاتساق الداخلي باستخدام معادلة ألفا كرونباخ، على نفس العينة، حيث بلغ معامل الثبات للمقياس (0.90)، وهي قيمة عالية تدل على أن المقياس يتمتع بدرجة جيدة من الثبات.

تصحيح المقياس: بلغ عدد فقرات المقياس في صورته النهائية (23) فقرة، وقد حددت أمام كل فقرة أربعة بدائل وهي: (غالباً، أحياناً، نادراً، لا) يقابلها سلم درجات يتراوح (1، 2،3،4)، وبذلك تكون أعلى درجة يتحصل عليها المفحوص هي (92) وأقل درجة يتحصل عليها هي (23)، أما بالنسبة للزمن الذي استغرقه تطبيق المقياس في مرحلته النهائية على الأطفال فقد كانت من 15 ــ 20 دقيقة.

برنامج الإرشاد المعرفي السلوكي: بعد القيام بمراجعة لنظريات وأساليب الإرشاد المعرفي السلوكي كما وردت في الإطار النظري، ومراجعة الدراسات السابقة ذات العلاقة بموضوع الدراسة الحالية، والاستفادة منها في تحديد عناوين الجلسات والأنشطة المتبعة والفنيات المستخدمة في كل جلسة، قامت الباحثة ببناء برنامج إرشادي قائم على الإرشاد المعرفي السلوكي، ويتكون من (15) جلسة إرشادية، مدة كل جلسة (60) دقيقة، بواقع جلستين أسبوعياً ولمدة شهرين، وبعد أربعة أسابيع من الانتهاء من تطبيق البرنامج تم القيام بجلسة متابعة لما بعد البرنامج. وتم تكوين تصور مبدئي للبرنامج، وعرض محتواه وطريقة سيره وعدد جلساته، والأنشطة المستخدمة فيه، وكذلك الفنيات المستخدمة في كل جلسة، والأدوات المستخدمة لتحقيق أهداف كل جلسة من جلسات البرنامج الإرشادي. وتضمنت كل جلسة هدفًا، وتمرينًا علاجيًا، وواجبًا بيتيًا، حيث كان من ضمن أهداف الجلسة الأولى التعارف بين أفراد المجموعة الارشادية والمرشد، والتعريف بالبرنامج وأهدافه، والاتفاق على مكان انعقاد الجلسات، والتعرف على مشاعر أفراد المجموعة الارشادية، ومحاولة ربط ذلك مع السلوكيات التي يقومون بها، كما أنها هدفت إلى مناقشة توقعات أفراد المجموعة من البرنامج، وتعزيز التوقعات الإيجابية، وتطبيق القياس القبلي على أفراد المجموعتين التجريبية والضابطة، أما الجلسة الثانية فقد هدفت إلى التعرف على مفهوم الوحدة النفسية، والتعرف على العلاقة بين التفكير والسلوك، وكيف أن التفكير يؤثر على السلوك والانفعالات، كما هدفت إلى التعرف على أنماط السلوكيات اللاعقلانية ذات العلاقة بسلوكيات الوحدة النفسية، أما الجلستين الثالثة والرابعة فقد هدفتا إلى تعريف أفراد المجموعة بنموذج( ABCDEF) في التفكير والإرشاد المعرفي السلوكي. ومساعدة أفراد المجموعة على تفنيد الأفكار وفقًا لهذا النموذج، والتعرف على العلاقة بين السلوك والتفكير والانفعال، وأثر ذلك على سلوك الوحدة النفسية لديهم، كما هدفت الجلسة الخامسة إلى التعرف على مفهوم توكيد الذات، والفروق بين السلوك التوكيدي، والسلوك الانسحابي، أما الجلسات السادسة والسابعة والثامنة فقد هدفت إلى تدريب أفراد المجموعة على الأساليب التوكيدية: الأسطوانة المشروخة، ونزع الفتيل، التساؤل التوكيدي، الموافقة التوكيدية، والتأخير التوكيدي، والجلسة التاسعة هدفت إلى تعريف أفراد المجموعة بأسلوب حل المشكلات وخطوات حل المشكلة، وتدريبهم على استخدام هذا الأسلوب، والجلستين العاشرة والحادية عشرة هدفتا إلى تعريف أفراد المجموعة الارشادية بمفهوم الاتصال، ومعوقاته، وبآليات الاتصال الفعال وسبل تحقيقه، وتدريبهم على مهارات الاصغاء الفعال، واستخدام أسلوب جوهاري في الاتصال، والجلستين الثانية عشرة والثالثة عشرة هدفتا إلى فقد هدفت إلى تدريبهم على فنية الاسترخاء، ودورها في خفض الإحساس بالوحدة النفسية، والجلسة الرابعة عشرة وهي الجلسة الختامية وهدفت إلى مناقشة المشاعر والخبرات التي مر بها أفراد المجموعة الارشادية خلال جلسات البرنامج، وقد تم عمل ملخص للجلسات، والواجبات البيتية المستخدمة، والتعرف على ملاحظاتهم حول البرنامج ومدى تلبيته لتوقعاتهم، وتم تطبيق القياس البعدي على أفراد المجموعتين التجريبية والضابطة. أما الجلسة السادسة عشرة وهي جلسة ما بعد البرنامج الإرشادي “جلسة المتابعة”، والتي هدفت إلى قياس استمرارية فاعلية البرنامج الإرشادي بعد فترة المتابعة، وتطبيق المقياس على أفراد المجموعة التجريبية. وأن يدرك أعضاء المجموعة أهمية البرنامج الإرشادي بعد فترة المتابعة.

صدق الأداة: تم استخرج صدق المحتوى للبرنامج وذلك بعرضه على ثمانية محكمين، ممن يحملون درجة الدكتوراه في الإرشاد النفسي والتربية الخاصة في الجامعة الأردنية، وجامعة العلوم الإسلامية العالمية، والجامعة العربية المفتوحة. وقد أشارت نتائج التحكيم إلى ملائمة البرنامج والأساليب المستخدمة، وأشاروا إلى بعض الملاحظات منها: طريقة الإنهاء وتحديد وقت لكل نشاط، وتغيير بعض المفردات المستخدمة في البرنامج.

منهجية الدراسة: المنهج المتبع في هذه الدراسة هو المنهج شبه التجريبي لمناسبته لمتغيرات الدراسة، وتم استخدام التصميم شبه التجريبي للإجابة عن تساؤلات الدراسة، والموضح بالمخطط التالي:

Exp. G O1 X O2 O3

Con.G O1 O2

حيث أن:

Exp. G: المجموعة التجريبية.

Con. G: المجموعة الضابطة.

X: المعالجة: وهي تطبيق البرنامج الإرشادي على المجموعة التجريبية.

O1: القياس القبلي للمجموعتين التجريبية والضابطة.

O2: القياس البعدي للمجموعتين التجريبية والضابطة.

O3: قياس المتابعة للمجموعة التجريبية بعد أربعة أسابيع من تطبيق القياس البعدي.

متغيرات الدراسة: أما عن متغيرات الدراسة فهي كالتالي:

المتغير المستقل: وهي البرنامج الإرشادي المستند إلى الإرشاد المعرفي السلوكي.

المتغير التابع: الإحساس بالوحدة النفسية.

المعالجة الإحصائية: للإجابة عن أسئلة الدراسة تم استخدام الاساليب الاحصائية التالية:

للتأكد من صدق البناء تم حساب معامل ارتباط بيرسون (Pearson) لكل فقرة من فقرات المقياس مع الدرجة الكلية لمقياس الوحدة النفسية، كما تم حساب معامل ارتباط بيرسون (Pearson) لحساب معامل الثبات بين درجات التطبيق الأول والثاني للمقياس. وكذلك تم استخدام معادلة ألفا كرونباخ لحساب معامل الثبات للمقياس المستخدم في هذه الدراسة. وللإجابة عن السؤال الأول تم استخراج المتوسطات الحسابية والانحرافات المعيارية وتحليل التباين المصاحب (ANCOVA) لمعرفة الفروق بين المجموعتين التجريبية والضابطة على مقياس الوحدة النفسية، وللإجابة عن السؤال الثاني تم استخدام اختبار (ت) لمعرفة الفروق في أداء أفراد المجموعة التجريبية بين القياس البعدي والمتابعة على مقياس الوحدة النفسية.

عرض النتائج ومناقشتها:

النتائج المتعلقة بالسؤال الأول والذي ينص على: هل توجد فروق ذات دلالة إحصائية عند مستوى دلالة (α ≤ 0.05) بين متوسطات الأداء البعدي لأفراد المجموعتين التجريبية والضابطة على مقياس الوحدة النفسية تعزى للبرنامج الإرشادي؟

وللإجابة عن هذا السؤال تم احتساب المتوسطات الحسابية والانحرافات المعيارية لأداء المجموعتين الضابطة والتجريبية على مقياس الوحدة النفسية، والجدول (5) يبين ذلك.

الجدول 5 المتوسطات الحسابية والانحرافات المعيارية لمقياس الوحدة النفسية.

المجموعة المتوسط الحسابي الانحراف المعياري
قبلي بعدي قبلي بعدي
المجموعة التجريبية 48.50 37.13 8.18 5.03
المجموعة الضابطة 52.16 51.50 5.39 5.09

يُلاحظ من الجدول (5) أن المتوسط الحسابي لأداء أفراد الدراسة في المجموعة الضابطة على مقياس الوحدة النفسية في القياس القبلي بلغ (52.16)، وبانحراف معياري مقداره (5.39)، وفي القياس البعدي بلغ (51.50)، وبانحراف معياري مقداره (5.09). في حين بلغ المتوسط الحسابي للمجموعة التجريبية على مقياس الوحدة النفسية في القياس القبلي (48.50)، وبانحراف معياري مقداره (8.18)، وفي القياس البعدي بلغ (37.13)، وانحراف معياري مقداره (5.03)، وهذا يدل على وجود فروق ظاهرية في متوسطات الأداء على مقياس الوحدة النفسية بين المجموعتين التجريبية والضابطة، ولمعرفة دلالة هذه الفروق تم إجراء تحليل التباين الأحادي المشترك (ANCOVA)، والجدول (6) يبين هذه النتائج.

الجدول 6 نتائج تحليل التباين الأحادي المشترك (ANCOVA) للقياس البعدي على مقياس الوحدة النفسية للمجموعتين التجريبية والضابطة.

مصدر التباين مجموع المربعات درجات الحرية متوسط المربعات ف مستوى الدلالة
المجموعة 1164.45 1 1164.45 43.37 0.00
الخطأ 563.81 21 26.84
الكلي 48893 24

يُلاحظ من الجدول (6) أن قيمة ف للدلالة على الفروق بلغت) 43.37)، وهي قيمة دالة إحصائياً عند مستوى الدلالة (0.00)، أي أنه توجد فروق ذات دلاله إحصائية بين متوسط درجات المجموعتين التجريبية والضابطة في الدرجة الكلية على مقياس الوحدة النفسية في خفض الإحساس بالوحدة النفسية لدى الأطفال الأيتام تعزى إلى البرنامج الإرشادي المعرفي السلوكي، ولصالح المجموعة التجريبية. وأظهرت نتائج هذا السؤال أن هناك فروقا ذات دلالة إحصائية بين متوسطات الأداء البعدي لأفراد المجموعتين التجريبية والضابطة على مقياس الوحدة النفسية تعزي للبرنامج الإرشادي. مما يعطي مؤشراً أن البرنامج الإرشادي قد أسهم في خفض مستوي الشعور بالوحدة النفسية لدى الأطفال الأيتام الذين يعانون من الشعور بالوحدة النفسية بعد تعرضهم للبرنامج الإرشادي. وقد أشارت نتائج بعض الدراسات مثل دراسة (عزاق، ومنصور2017)، و(محمد،2017)، و(التركي، 2015)، و(الخميسي،2001) إلى أن إحساس الأطفال الأيتام ومجهولي النسب يعانون من الشعور بالوحدة النفسية بسبب افتقداهم للعلاقات الاجتماعية والتواصل الاجتماعي السليم مع الآخرين في المجتمع كونهم أيتام، وكذلك بسبب نظرة المجتمع لهم الممزوجة بالشفقة والنظرة الدونية الأمر الذي ساهم في شعورهم بالوحدة النفسية مما أثر بشكل سلبي على صحتهم النفسية وتوافقهم السليم مع الآخرين في البيئة المحيطة. ويمكن تفسير النتيجة على أساس انسجام الأطفال بالتمارين والفنيات التي تضمنها البرنامج، كذلك وجود جو من الألفة والاتصال النفسي الجيد المبني على الثقة والاحترام المتبادل بين المرشدة وأفراد المجموعة الارشادية، حيث وفر لهم البرنامج فرصاً لتفريغ الشحنات السلبية والضغوطات والإحباطات التي يعانون منها في المجتمع، ونظرة المحيطين بهم الممزوجة بالشفقة والدونية كونهم أيتاماً ولديهم نقص في العديد من الاحتياجات النفسية والاجتماعية، والانفتاح والنقاش والتعبير عن أنفسهم بحرية والاستماع الجيد والاحترام والتفاهم المتبادل. ونجاح البرنامج في تطوير مهاراتهم المختلفة التي خفضت من الإحساس بالوحدة النفسية وعززت تطوير مهاراتهم الاجتماعية مثل التعبير التوكيدي والايجابي عن الذات، وتطوير مهارة حل المشكلات، والتواصل مع الاخرين بشكل جيد. وربما ترد نتيجة الدراسة الحالية إلى ما اشتمل عليه البرنامج الإرشادي المستند إلى فنيات الارشاد المعرفي السلوكي من إجراءات وتمارين وأساليب ساعدت الأطفال الأيتام في خفض الإحساس بالوحدة النفسية، إضافة إلى ذلك تمكين الأطفال من ممارسة الأنشطة والمهارات التي ساهمت في خفض الإحساس بالوحدة النفسية لديهم. واتفقت نتائج الدراسة الحالية مع نتائج دراسة التركي (2015) التي أشارت إلى فاعلية الارشاد المعرفي السلوكي في خفض الإحساس بالوحدة النفسية، ودراسة الخميسي (2001) التي أشارت إلى فاعلية العلاج النفسي الجماعي في خفض الشعور بالوحدة النفسية، وتعارضت مع نتائج دراسة محمد (2017)، التي أشارت إلى عدم وجود فروق في الشعور بالوحدة النفسية بين المجموعتين الضابطة والتجريبية نتيجة تطبيق برنامج علاجي قائم على المعلومات في خفض حدة بعض المشكلات النفسية التي تواجه الأيتام بدور الرعاية بالإسكندرية.

النتائج المتعلقة بالسؤال الثاني والذي ينص على: هل توجد فروق ذات دلالة إحصائية عند مستوى دلالة (α≤ 0.05) في أداء أفراد المجموعة التجريبية على مقياس الوحدة النفسية بين القياس البعدي والمتابعة؟

وللإجابة عن هذا السؤال تم استخراج المتوسطات الحسابية والانحرافات المعيارية لأداء المجموعة التجريبية على القياسين البعدي والمتابعة، وللتحقق من الفروق بين المتوسطات الحسابية تم استخدام اختبار (T-Test) للعينات المترابطة، والجدول 7. يبين هذه النتائج.

جدول7 نتائج اختبار (T-Test) للعينات المترابطة لمقياس الوحدة النفسية للأداء البعدي والمتابعة للمجموعة التجريبية.

الأبعاد القياس العدد المتوسط الحسابي الانحراف المعياري قيمة ت درجات الحرية مستوى الدلالة
الوحدة النفسية البعدي 12 37.08 5.03 4.63 11 0.001
المتابعة 12 33.33 5.24

يُلاحظ من الجدول (7) أن قيمة ت للدلالة على الفروق بلغت (4.63)، وهي قيمة دالة إحصائيا عند مستوى الدلالة (α = 0.05)، أي أنه توجد فروق في متوسط أداء المجموعة التجريبية على القياسين البعدي والمتابعة، لصالح قياس المتابعة، وهذا يشير إلى تحقق الأثر المنشود من المعالجة بعد فترة زمنية، واستمراريتها عبر الزمن ومساعدتهم على خفض الإحساس بالوحدة النفسية. وأظهرت نتائج هذا السؤال وجود فروق ذات دلالة إحصائية بين متوسطات الأداء البعدي لأفراد المجموعة التجريبية على مقياس الوحدة النفسية على القياسين البعدي والمتابعة، لصالح قياس المتابعة، مما يدل ويعطي مؤشرًا على استمرارية التحسن وتأثير البرنامج الإرشادي المستند إلى الإرشاد المعرفي السلوكي في خفض الإحساس بالوحدة النفسية لدى الأطفال الأيتام. ويمكن عزو هذه النتيجة إلى ما اشتمل عليه البرنامج الإرشادي المستند إلى فنيات الارشاد المعرفي السلوكي من إجراءات، وتمارين، ساعدت الأطفال الأيتام في خفض الإحساس بالوحدة النفسية. إضافة إلى ذلك تمكين الأطفال من ممارسة الأطفال للتمارين والمهارات التي ساهمت في خفض الإحساس بالوحدة النفسية لديهم واستمرار انخفاضه في القياس التتبعي. وكذلك الانفتاح والنقاش والتعبير عن أنفسهم بحرية والاستماع الجيد والاحترام والتفاهم المتبادل. الأمر الذي ساهم في نجاح البرنامج بشكل جيد واستمرار فعاليته لما بعد الانتهاء منه. واتفقت نتائج الدراسة الحالية مع دراسة الخميسي (2001). التي أظهرت نتائجها استمرار الانخفاض الشعور بالوحدة النفسية بين القياسين البعدي والتتبعي. بينما في دراسة الركي (2015) وجد أنه لا توجد فروق ذات دلالة إحصائية بين متوسط رتب درجات الوحدة النفسية بين أفراد المجموعة التجريبية في القياسين البعدي والتتبعي. وبمقارنة هذه النتائج مع النتائج السابقة نجد أن للإرشاد المعرفي دوراً هاماً في علاج الكثير من المشكلات النفسية لدى الأطفال بشكل عام، والأطفال الأيتام بشكل خاص، فبالإضافة إلى ما وجد من أثر فعال للإرشاد المعرفي السلوكي في الدراسات السابقة سواء في خفض المشاكل السلوكية، أم في خفض مستوى الاكتئاب، أم في تنمية المهارات أطفال الاجتماعية، أم في خفض الصعوبات الانفعالية والسلوكية والاجتماعية، فإن هذه الدراسة قد وجدت أن للإرشاد المعرفي السلوكي أثراً فعالاً على خفض الإحساس بالوحدة النفسية.

التوصيات: وفي ضوء النتائج التي انتهت إليها هذه الدراسة، يمكن تقديم التوصيات الآتية:

ـ ضرورة الاهتمام بالأنشطة والفعاليات الاجتماعية سواء على مستوى دار الرعاية أم المدرسة لإحداث نوع من التفاعل الاجتماعي لدى الأطفال الأيتام مع غيرهم من الأطفال، وإكسابهم مهارات التواصل الاجتماعي الجيد وإقامة الصداقات مع الآخرين.

ــ بناء برامج إرشادية للأطفال الأيتام، وتدريبهم على مهارات الحياة وخفض الغضب والسلوك العدواني، ومشاعر النقص، وعدم الأمن وبرامج تساهم في خفض المشكلات السلوكية والوجدانية للأيتام.

ـ تصميم ورشات تدريبية للمرشدين والأخصائيين النفسيين والاجتماعيين؛ لتصميم برامج تركز على خفض الإحساس بالوحدة النفسية.

ــ إجراء دراسة مماثلة للدراسة الحالية باستخدام تداخلات إرشادية أخرى؛ مثل: الارشاد السلوكي، والإرشاد الجشطلتي، والوجودي.

المراجع:

بعلي، مصطفى (2015). القبول والرفض الوالدي كما يدركه الأبناء وعلاقته ببعض المتغيرات النفسية دراسة ميدانية على عينة من تلاميذ المرحلة الثانوية بمدينة المسيلة (أطروحة دكتوراه غير منشورة). كلية العلوم الإنسانية والاجتماعية، جامعة محمد خيضر، بسكرة، الجزائر.

بعيبع، نادية (2003). أهمية الرعاية الوالدية في نمو وتطور شخصية الفرد. مجلة العلوم الإنسانية، 19، 91 ــ 110.

بلان، يوسف (2011). الاضطرابات السلوكية والوجدانية لدى الأطفال المقيمين في دور الأيتام من وجهة نظر المشرفين عليهم. مجلة جامعة دمشق، 27(1و 2) – 117 218.

التركي، نازك. (2015). فاعلية برنامج ارشادي معرفي سلوكي لخفض الوحدة النفسية وتحسين الأمن النفسي لدى طلاب المرحلة الثانوية بدولة الكويت. مجلة كلية التربية، جامعة الأزهر. 34(162). 11- 65.

تفاحة، جمال (2005). الشعور بالوحدة النفسية والمساندة الاجتماعية من الآباء والأقران لدى الأطفال العميان. مجلة كلية التربية، جامعة المنصورة. 58 (2) ، 126 – 152.

الجمعان، صفاء عبد الزهرة؛ والجمعان، سناء عبد الزهرة وحمود، أشواق جبار (2012). مشكلات الأيتام داخل دور الدولة وخارجها. مجلة أبحاث البصرة (العلوم الإنسانية)،37 (3)، 319ــ 344.

جودة، آمال (2005، نوفمبر). الوحدة النفسية وعلاقتها بمفهوم الذات لدى الأطفال في محافظة غزة، ورقة مقدمة إلى المؤتمر التربوي الثاني بعنوان: الطفل الفلسطيني بين تحديات الواقع وطموحات المستقبل، كلية التربية، الجامعة الإسلامية، غزة، 775 ـــ 805.

الحسين، عزي (2014). الأسرة ودورها في تنمية القيم الاجتماعية لدى الطفل في مرحلة الطفولة المتأخرة “دراسة ميدانية لعينة من تلاميذ السنة الخامسة ابتدائي بمدينة بو سعادة” (رسالة ماجستير غير منشورة)، جامعة بسكرة، الجزائر.

حمد، ليث (2013). الإرشاد النفسي في التربية والتعليم أدبيات برامج دراسات. جامعة ديالي: المطبعة المركزية.

الخميسي، محمد (2001). فاعلية العلاج النفسي الجماعي في علاج قلق الانفصال والشعور بالوحدة النفسية لدى جماعة من أبناء المؤسسات الإيوائية: دراسة تجريبية (أطروحة دكتوراه غير منشورة)، معهد الدراسات العليا للطفولة، جامعة عين شمس، القاهرة.

دبابش، علي؛ وموسى، على (2011). فاعلية برنامج مقترح للتخفيف من القلق الاجتماعي لدى طلبة المرحلة الثانوية وأثره على تقدير الذات (رسالة ماجستير غير منشورة)، جامعة الأزهر، غزة، فلسطين.

الزعبي، أحمد (2005). مشكلات الأطفال النفسية والسلوكية والمدرسية. دمشق: دار الفكر.

الشبؤون، دانيا (2013). الوحدة النفسية وعلاقتها بالاكتئاب عند الأطفال (دراسة ميدانية لدى تلاميذ الصف الرابع من التعليم الأساسي حلقة أولى في مدارس مدينة دمشق الرسمية). مجلة جامعة دمشق، 29(1)،15ــ57.

عادل، عبد الله (2000). دراسات في الصحة النفسية، القاهرة: دار الرشاد.

عبد الرحمن، ولاء (2018). فاعلية برنامج إرشادي سلوكي معرفي في تحسين مستوى المهارات الاجتماعية وخفض سلوكات العزلة لدى الطلبة الجامعيين (رسالة ماجستير غير منشورة)، جامعة النجاح الوطنية، نابلس، فلسطين.

عبد الوهاب، أماني (2000). اختبار الشعور بالوحدة النفسية للأطفال (دليل المقياس)، القاهرة: مكتبة الأنجلو المصرية.

عبيد، إيمان (2010). مقياس الشعور بالوحدة النفسية، مجلة الإرشاد النفسي،24،205 – 220.

عرابي، بلال (2004). الأسس النفسية والاجتماعية للتكيف الاجتماعي عند الأيتام. مجلة الطفولة والتنمية، 15 (4)، 123ــ 132.

عزاق، رقية؛ ومنصور، تجاني (2017). الوحدة النفسية وعلاقتها بالاكتئاب لدى الأطفال مجهولي النسب. مجلة تطوير العلوم الاجتماعية، 10 (1)، 1– 14.

العطافي، حسن (2014). فاعلية برنامج إرشادي لخفض الشعور بالوحدة النفسية لدى الأرامل العاملات وغير العاملات. مجلة الأستاذ، 208 (2)، 297 – 324.

علي، شتان؛ ورحيم، عبد القادر (2011). بناء أداة لقياس الشعور بالوحدة النفسية لدى طلبة المرحلة الثانوية. مجلة آداب البصرة، كلية الآداب، جامعة البصرة، 57، 365- 388.

غانم، محمد (2002). المساندة الاجتماعية المدركة وعلاقتها بالشعور بالوحدة النفسية والاكتئاب لدى المسنين والمسنات المقيمين في مؤسسات إيواء وأسر طبيعية. دراسات عربية في علم النفس، 3، 35 – 89.

قراله، عبد الناصر (2014). أثر برنامج إرشادي جمعي قائم على اللعب في خفض المشاكل السلوكية للأطفال الأيتام. مجلة كلية التربية، جامعة الأزهر، 158(1)، 883 ــ 908.

قطينة، آمال (2002). أمراض النفس وعلاجها بالذكر، المملكة الأردنية الهاشمية: دار الحامد للنشر والتوزيع.

مبروك، عزة (2002). تقييم الذات وعلاقته بكل من الشعور بالوحدة النفسية والاكتئاب لدى المسنين. دراسات عربية في علم النفس، 1 (2)، 185 – 209.

محمد، روان (2017). العلاج بالمعلومات: دراسة تجريبية لإعداد برنامج علاجي قائم على المعلومات لخفض حدة بعض المشكلات النفسية لدى الأيتام بدور الرعاية بالإسكندرية، Cybrarians Journalع (45)، 1– 41.

ملحم، سامي (2007). مبادئ التوجيه والإرشاد النفسي، الأردن: دار المسيرة.

منسي، حسن (2004). التوجيه والإرشاد النفسي ونظرياته، المملكة الأردنية الهاشمية: دار الكندي.

ميهوب، سهير (2007). مدى فاعلية برنامج إرشادي في خفض درجة الشعور بالوحدة النفسية وعلاقتها بالاضطرابات السيكوسوماتية لدى عينة من الطالبات المراهقات المغتربات بالمدن الجامعية. المجلة المصرية للدراسات النفسية، 17(57)، 179 – 231.

Andre, M., Keven, A.& Jan, M. (2005). Theoretical models of counseling and psychotherapy. New York: Brunner.

Ballou, M., Hill, M., & West, C. (Eds.). (2008). Feminist therapy theory and practice: A contemporary perspective. London: Springer publishing company.

Brownell, P. (2010). Gestalt therapy: A guide to contemporary practice. London: Springer publishing company.

Caserta, T. (2017). The Psychosocial Wellbeing of Orphans and Youth in Rwanda: Analysis of Predictors, Vulnerability Factors and Buffers. University of Helsinki: Department of social Sciences.

Casares, M., Thombs, B., & Rousseau, C. (2009). The Association of single and Double Orphan hood with Symptoms of depression among Children and Adolescent in Nabmia. European Child & Adolescent Psychiatry. 18 (6), 369-376.

Christner, R. W., Stewart, J., & Freeman, A. (Eds.). (2007). Handbook of cognitive – behavior group therapy with children and adolescents: Specific settings and presenting problems. Washington: Routledge.

Corey, G. (2012). Theory and practice of counseling and psychotherapy. Washington: Nelson Education.

David, C. (2007). Cognitive behavioral therapy. California: Guilford press.

Durulap, E., &Cicekoglu, P. (2013). Study on the Loneliness Levels of Adolescents Who Live in An Orphanage and those Who Live with their Families. International Journal of Academic Research, 5(4), 231-236.

Hoffman, S. G., & Otto, M. W. (2008). Cognitive behavioral therapy for social anxiety disorder: Evidence – Based and disorder specific treatment techniques. New York: Routledge press.

Rokach, A, Bauer, N and Orzeck, T (2003), The experience of loneliness of Canadian and Czech youth, Journal of adolescence ,26, 267 – 282.

Rokach, A (2004), Loneliness then and now; Reflections on social and emotional alienation in everyday life, Current psychology, 23 (1), 24 – 40.

Stien, M (2008), Transitions from Care to Adulthood, Children and Youth Servies Review, 100-121. JONES, GILL 1995 Leaving Home, Milton Keynes: Open University press.

Simpson, J. (2010). Solution focused practice in counseling. New York: Springer.

Sharf, R, S. (2012). Theories of psychotherapy & counseling: Concepts and cases. New York: Cengage Learning.

Sperry, L. (2006). Cognitive behavior therapy of DSM-IV-TR personality disorders: Highly effective interventions for the most common personality disorders. London: Routledge.

Klicpera, B and Klicpera, C (2003), Why are students lonely? Factors influencing loneliness in the school context, Parx Kinderpsychol Kinderpsychaiatr, 52 (1), 1 – 16.

Zarb, J. M. (2007). Developmental cognitive behavioral therapy with adults. London: Routledge.