تنازع القوانين في مجال الملكية الفكرية: دراسة مقارنة

د. جاسم محمد الخميس العبيدلي1

1 باحث، العراق.

HNSJ, 2023, 4(3); https://doi.org/10.53796/hnsj439

Download

تاريخ النشر: 01/03/2023م تاريخ القبول: 11/02/2023م

المستخلص

إن منازعات الملكية الفكرية هي تعارض مصالح بين أصحاب الحقوق وبين منتهكيها، وإن صور المنازعة في حقوق الملكية الفكرية قد تأخذ صورتين إما أن تكون منازعة مدنية أو منازعة جزائية إذا ما توافرت اركان الجريمة الجزائية، وشروط المسؤولية المدنية. وكفل المشرع لكل نوع من أنواع الحماية اجراءاته الخاصة، وبناءً على ما سبق تم تقسيم البحث إلى مبحثين، تناول المبحث الأول مفهوم حق الملكية الفكرية، أمّا المبحث الثاني فقد تناول أثر تنازع القوانين على الملكية الفكرية، وختمت بمجموعة من النتائج والتوصيات.

مقدمة

تجمع كل الأنظمة القانونية المختلفة باختلاف مدارسها ومناهجها في دول العالم على الاعتراف بثلاثة أنواع من الملكية يجمعها القانون ويحدد وسائل وطرق حماية تلك الحقوق وكيفية تعويض أصحابها عند الاعتداء عليها وهذه الملكيات هي:ملكية الأشياء الثابتة كل ما هو ثابت على الأرض بصفة دائمة كالعقارات (المنازل)، وملكية الأشياء المتحركة (المنقولات كالسلع والبضائع، والملكية الفكرية (وهي الأشياء التي يبدعها أو يخترعها الذهن وتسمي بالملكية الذهنية أو الفكرية.

وبناء على هذا التقسيم تعتبر الملكية الفكرية جزءاً من الحقوق التي يحميها القانون الوطني والدولي تحقيقاً للعدالة بل ومن الواجب على القانون حماية مثل هذه الحقوق لأنها تتعلق بأهم نشاطات الإنسان وهي أعمال العقل والذهن والفكر ولأن هذا النشاط الإنساني في تطور مستمر يجعل من حماية الملكية الفكرية أمراً ضرورياً وواجباً، وفقاً لما سبق يمكن أن نقول أن مفهوم الملكية الفكرية تطور إلى أن أصبح يشمل الحقوق الفكرية والأعمال الأدبية والفنية والعلمية، وحماية فناني الأداء ومنتجي التسجيلات وهيئات الإذاعة وحماية منتجي التصوير الفوتوغرافي، والاختراعات والاكتشافات العلمية، والرسوم والنماذج الصناعية، والبيانات الجغرافية والأعمال المجسمة المتعلقة بالجغرافيا والطبوغرافيا، ومنع المنافسة غير المشروعة[1].

وكما أن منازعة الملكية الفكرية هي الأخرى عبارة عن تعارض في المصالح بين أصحاب هذه الحقوق ومنتهكيها، فرغم أن الإنسان يملك عقله وما ينتج منه، وبهذا التصور فأنه من غير السائغ أن يتم منازعة الإنسان في ذلك، إلا أن هذه الحقوق وطبيعتها والتي سبق الحديث عنها قد تتعارض من بعض المصالح مما يؤدي إلى نشوب النزاع بين هذه الحقوق وتلك المصالح وبالتالي فتبرز الأهمية في دراسة هذا التعارض بين حقوق الملكية الفكرية وبين المصالح المتعارضة معها في بيان ما هي النزاعات التي تنشأ والتفريق بين هذه النزاعات ومدى خضوعها لحكم التحكيم من عدمه.

وبناءً على ما سبق تكمن مشكلة الدراسة في التطرق إلى تنازع القوانيين في مجال الملكيه الفكرية: دراسة مقارنة.

المبحث الأول: ماهية الملكية الفكرية

المطلب الأول: مفهوم حق الملكية الفكرية

الملكية الفكرية هي ما ينتجه ويبدعه العقل والفكر البشري. فهي الأفكار التي تتحول إلى أشكال ملموسة يمكن حمايتها، ويعرف المركز المصري للملكية الفكرية وتكنولوجيا المعلومات “الملكية الفكرية” بأنها “كل ما ينتجه ويبدعه العقل والذهن الإنساني، فهي الأفكار التي تتحول أو تتجسد في أشكال ملموسة يمكن حمايتها، وتتمثل في الإبداعات الفكرية والعقلية، والابتكارات مثل الاختراعات والعلامات التجارية والرسومات والنماذج وتصميمات الدوائر المتكاملة” وتعرف المنظمة العالمية للملكية الفكرية (ويبو) الملكية الفكرية بأنها كل “ما يبدعه فكر الإنسان، أي الاختراعات والمصنفات الأدبية والفنية والرموز والأسماء والصور المستعملة في التجارة”. وتقسم ويبو الملكية الفكرية إلى فئتين هما[2]:

الملكية الصناعية: وتشمل براءات الاختراع والعلامات التجارية والرسوم والنماذج الصناعية والبيانات الجغرافية.

حق المؤلف: ويشمل المصنفات الأدبية مثل: الروايات، وقصائد الشعر، والمسرحيات، والأفلام، والمصنفات الموسيقية، والمصنفات الفنية مثل؛ الرسوم، واللوحات الزيتية، والصور الشمسية، والمنحوتات، وتصاميم الهندسة المعمارية.

وعليه فإن الحق أو الملكية كما اتضح لنا يرد على شيء قد يكون ماديا وقد يكون غير مادي فإذا ورد الحق أو الملكية علي شيئاً مادياً كان الحق هنا حقاً مادياً (ملكية مادية) وإذا كان الحق وارداً على شيء غير مادي كان الحق معنويا(ملكية فكرية)[3].

ومما سبق يمكن أن نقول أن الملكية الفكرية هي الاستئثار الذي يقره القانون لشخص ويكون له حق التسلط علي شيء معين (مادي أو معنوي) يستطيع بمقتضاه اقتضاء أداء دين معين (مادي أو معنوي) من شخص آخر.

أهمية حماية الملكية الفكرية:

يمثل نظام الملكية الفكرية الإطار القانوني الذي يعول عليه مبتكرو التكنوجيات الجديدة كوسيلة لجني ثمار استثماراتهم، مما يعيق دخول المستثمرين إلى أي اقتصاد هو ضعف الحماية الموفرة لمنتجاتهم، وهذه الحماية القانونية التي تكفلها الأنظمة لابد أن يكون أحد أهم أسسها حماية حقوق الملكية الفكرية واحترامها ومعاقبة من ينتهكها، هذه الحماية التي تعطي التاجر طمأنينة بأن حقوقه محفوظة،مما يشجعه على استثمار رأس ماله ونقل تقنيته إلى البلد، وتطوير قدرات أبناء البلد واكتسابهم لخبرات جديدة، وتقليل الحاجة للاستيراد، إن كثيرا من المبدعين والمخترعين في الدول النامية يهربون بإبداعهم ومخترعاتهم إلى دول الغرب لما توفره لهم من حماية لمخترعاتهم وإبداعهم، وتفتح لهم المجال لاستثمار هذه المخترعات والمكتشفات، وهذا في الحقيقة أحد أهم أسباب هجرة العقول من الدول النامية على دول الغرب، وهو أحد أسباب تفوق الغرب على بقية دول العالم، بإتاحته لهذا الجو الصحي للمبدعين أن يشعروا بالاطمئنان على أن ثمرة جهدهم وتفكيرهم وإبداعهم لن يضيع سدى, ولن يقع في أيدي غيرهم من المحتالين والمزورين، وأنه سيجد بيئة توفر له الحماية القانونية اللازمة عند تعدي أحد على إبداعه[4].

وكما نعلم أن الأنظمة تمنع الاتجار في السلع المقلدة وتعاقب عليه، ولكن الإشكال أن النظرة الاجتماعية لحماية الملكية الفكرية وخصوصا في مجال تقليد السلع، وعلى الأخص تقليد الماركات الفاخرة أنها ترى ذلك أمرا لا بأس به، وهذا الإشكال هو في نظري أكبر عامل لترويج السلع المقلدة ولاسيما في شبكات التواصل الاجتماعي, ولذا لا تستغرب إذا رأيت أحد أصحاب الحسابات الكبيرة في برنامج التواصل الاجتماعي الشهير “تويتر” مثلا يقوم بإعادة تغريدة لتاجر أو تاجرة في هذا المجال كنوع من المساعدة أو التعاطف، وأعتقد أن هذه النظرة جديرة بالدراسة والتأمل لمعرفة أسبابها ودوافعها، وألا نكتفي فقط بالمكافحة التي لا أظنها ستجدي شيئا في هذه الحالة. [5]

إن قضية انتهاك حقوق الملكية الفكرية ولاسيما في السلع المقلدة لا تختلف –من وجهة نظري– عن قضايا مشابهة تعاني من نفس الإشكال، مثل قضايا التهرب الضريبي، والتهرب الجمركي، حيث تشترك هذه القضايا أنها مجرمة نظاما ولكن النظرة الاجتماعية لا تجرمها، وترى أن الإفلات من سلطة القانون نوع من المهارة, دون أن يصحب ذلك شعور بالذنب لمخالفة النظام كما هو المتوقع في مجمل المخالفات والجرائم، وربما كان مرد ذلك إلى ضعف التثقيف القائم على الإقناع بخطورة هذه المخالفات، وخطورة الاتجار في هذا النوع من السلع، وأن خطره على المدى المتوسط والبعيد ربما كان أشد من خطورته على المدى القريب[6].

ولذا فمن المهم أن تتوازى المعالجة القانونية لمشكلة انتهاك حقوق الملكية الفكرية، مع المعالجة التوعوية التي تستهدف بيان النظرة التي يجب أن ينظر بها المجتمع للسلع المغشوشة والمقلدة،وأن يتحول من النظرية السلبية إلى النظرة الإيجابية الفعالة القائمة أولا على احترام الأنظمة والقوانين، وثانيا على استشعار خطورة السلع المقلدة على أمن المجتمع وسلامة أفراده.

المطلب الثالث: طبيعة حق الملكية الفكرية:

يعتبر حق الملكية الفكرية ذو طبيعة مزدوجة وهذه الازدواجية من طبيعة حق الملكية الفكرية تجعل للملكية الفكرية نوعين من الحقوق هي حقوق مادية وحقوق معنوية.

  • النوع الأول: الحقوق المادية: وهي الحقوق التي ترد على شيء مادي أي أن محل الحق فيها شيء مادي وهذا الحق المادي يمنح صاحبه سلطة مباشره علي الشيء محل الملك بالاستعمال أو استغلاله أو التصرف فيه وتخول له الاستفادة من العائد المادي دون منازعه من الغير وحماية القانون له جنائياً ومدنياً.
  • النوع الثاني: الحقوق المعنوية ويكون محل فيها شيء معنوي ويرد هذا الحق على انتاج ذهني أو على قيمة معنوية) والنتاج الذهني الذي يرد عليه الحق المعنوي كحق المؤلف المصنف العلمي والأدبي، وحق الفنان فيما ينتجه من أعمال فنية كالرسومات والتماثيل، وحق المخترع فيما ينتجه من اختراعات صناعية. وهذا ما يعنينا في موضوع بحثنا (النتاج الذهني)، وكما يرد هذا الحق المعنوي علي قيم معنوية كالقيم التي تجذب العميل وهي تدخل ضمن عناصر المحل التجاري كحق التاجر في اسمه التجاري أو العلامة التجارية أو سمعته التجارية ومن حق التاجر استغلال هذه القيم المعنوية لأنها ثمرة لنشاطه دون أن ينازع من غيره.

وتكون إما باللجوء إلى التدابير الاحترازية أو الدعوى القضائية، حيث يحق بموجب هذه الحماية للمؤلف المتضرر أن طلب من الجهة القضائية المختصة اتخاذ التدابير التحفظية التي تحول دون المساس بحقوقه، وقد نصت جل القوانين الداخلية على هذه الحماية وهذا لحماية صاحب المصنف من الجريمة في السرقة الأدبية ووقوع الضرر[7].

منها القانون القطري الذي أعطى لحق للمتضرر وحقه في أن يرفع دعوى قضائية للتعويض عن الاستغلال الغير المرخص به للمصنف باتخاذ تدابير تحفظية تحول دون احتمال المساس بحقوقه…وذلك بالقيام بعملية الحجز على النسخ المقلدة والمزورة من المصنف من طرف ضباط الشرطة القضائية الذي يتولون ذلك بأمر من الجهة القضائية وذلك حسب المواد من (17) و(24)، هو ما نصت عليه عدة قوانين منها قانون الملكية المصري في مادته 179.

ومقتضي ذلك أن حق الملكية الفكرية يمكن أن يكون حقاً معنوياً يرد على شيء معنوي يخول لصاحبه ظهوره بمظهر المالك على هذا الشيء غير المادي الذي قد يكون نتاجاً فكرياً أو قيمة من القيم التجارية) فيمنح صاحبه السلطة عليه وحق التصرف فيه والاستغلال والانتفاع. ويلاحظ أن محل الحق المعنوي هو النتاج الذهني أو القيمة المعنوية وليس الجسم المادي الذي يظهر فيه ذلك النتاج أو هذه القيمة، فالقانون لا يحمى الأوراق التي كتبت فيها أفكار المؤلف أو الحجر الذي نحت منه التمثال أو اللوحة التي رسم عليها العمل الفني فليست هذه الأشياء محل حماية و ليست محلاً للحق المعنوي وإنما محل الحق المعنوي هي فكرة المؤلف أو المخترع التي ظهرت على لك الأجسام المادية. وبالتالي يمكن القول أن للملكية الفكرية طبيعة خاصة تنفرد بأحكام قانونية خاصة تختلف من أحكام الملكيات الأخرى. ومن أهم النتائج التي تترتب علي هذه الطبيعة الخاصة للملكية الفكرية أن تعطي الملكية الفكرية مالكها سلطة الاستثثار بهذا الحق، وفرض واجباً عاماً على الكافة على عدم التعرض لصاحب الحق أو منازعته في الاستئثار بحق الملكية الفكرية، وإذا تعرضت احدي مفردات الملكية الفكرية فيستطيع صاحب الحق من إقامة الدعوي الجنائية أو المدنية التي تكفل حماية حقه والمطالبة بالتعويض بناءً على حجم الضرر الذي أصابه، ولا تتمتع حقوق الملكية الفكرية بالتأييد على عكس الحقوق العينية.[8]

المبحث الثاني

أثر تنازع القوانين على الملكية الفكرية

المطلب الأول: مفهوم تنازع القوانين على الملكية الفكرية

نعني بتنازع القوانين اتصال الحالة القانونية أو المركز القانوني بعنصر أجنبي مما يعني اتصالها بأكثر من قانون واحد، فإذا ثار النزاع حول صحة عقد بين بريطانيين متوطنين في قطر فإن الرابطة القانونية لها اتصال بالقانون الإنجليزي بوصفه قانون الجنسية ولا يكون للقانون الفرنسي أو الإيطالي أو المصري شأن في النزاع لأن العلاقة القانونية لا تتصل بقوانين هذه الدول، وفي هذا المثال يقال أن تنازعاً قد نشأ بين القانون القطري والبريطاني ويقصد بالتنازع أن هناك تعارضاً في الحلول التي يقدمها كلا من القانونين اللذين يتصلا بالنزاع من جهة الجنسية أو الموطن وهما الجنسية والموطن مقدمتان ضروریتان لدراسة التنازع وتحديد الاختصاص التشريعي أو القانوني.

أما في الاصطلاح القانوني فإن مصطلح المنازعة قد اختلف الفقهاء على تعريفه بحب الجهة التي ينظر منها لهذا المصطلح، فالبعض نظر إليه من منظور شكلي فعرفه بأنه إجراءات الخصومة القضائية والتي تقوم إلى مواجهة الأطراف بعضهم ببعض سواء أكان هناك منازعة أم لا، والبعض الآخر نظر من منظور العنصر الذي يرجح في التعريف فمنهم من رجح العنصر الشخصي ومنهم من رجح العنصر الموضوعي. إلا أن المنازعة ما هي إلا تعارض في المصالح، ويتجلى هذا التعارض في صورة منافسة بين جهتين أو إرادتين، تقوم أحد الجهتين بدور الادعاء وتقابله في الجهة الأخرى مقاومة من الجهة المدعى عليها، فأحد الجهات تكون المدافع عن حماية المصالح وأما الجهة الأخرى فتكون في موقف المعتدي على هذه المصالح المطلوب حمايتها على فرض الثيوت، وأن الأثر التي تحدثه المنازعة والمتمثل في إعاقة تطبيق القانون وتجاوز حمايته لهذه المصالح هو ما يميز صور المنازعات عن بعضها وبهذا الإطار فأن منازعة الملكية الفكرية هي الأخرى عبارة عن تعارض في المصالح بين أصحاب هذه الحقوق ومنتهكيها، فرغم أن الإنسان يملك حظه وما ينتج منه، وبهذا التصور فإنه من غير السائغ أن يتم منازعة الإنسان في ذلك، إلا أن هذه الحقوق وطبيعتها والتي سبق الحديث عنها قد تتعارض من بعض المصالح مما يؤدي إلى نشوب النزاع بين هذه الحقوق وتلك المصالح وبالتالي فتبرز الأهمية في دراسة هذا التعارض بين حقوق الملكية الفكرية وبين المصالح المتعارضة معها في بيان ما هي النزاعات التي تنشأ والتفريق بين هذه النزاعات[9].

وقد تثور المشكلة وتبدو أكثر تعقيداً إذا ما تم الاعتداء على حقوق المؤلف في بلد آخر (أجنبي) فما هو القانون الذي يحمي حق المؤلف هل هو القانون الوطني أم قانون الدولة التي تم فيها الاعتداء وغيره من المسائل والموضوعات التي يمكن أن تثور بشأن هذا التنازع، وهذا ما حدا بالدول أن تتبع في تشريعاتها سياسة تسمح بمقتضاها بتطبيق القوانين الأجنبية في نطاق الحالات القانونية ذات العنصر الأجنبي باعتبار أن تطبيق تلك القوانين هي الأكثر تحقيقاً للعدالة وفقاً لمقتضيات المعاملات الدولية، وعليه يمكن القول أن تنازع القوانين هو من أهم مواضيع القانون الدولي الخاص والذي يمكن أن نعرفه بأنه مجموعة القواعد القانونية التي تنظم علاقة الأفراد الدولية الخاصة ذات العنصر الأجنبي[10].

وعرفه البعض بأنه (فرع من فروع القانون الداخلي ذو طبيعة مختلفة تجمع بين قواعد القانون الخاص والقانون العام وما ينظم الجنسية والموطن ومركز الأجانب ويضع الحلول في مسائل تنازع القوانين وتنازع الاختصاص القضائي وتنازع السلطات الإدارية) وعرفه البعض بأنه (ذلك الفرع من فروع القانون الذي يعنى بتنظيم علاقات الأفراد ذات الطابع الدولي عن طريق تمييز الوطني عن الأجنبي وتحديد قدرة الأجنبي على التمتع بالحقوق داخل إقليم الدولة وبيان القانون الواجب التطبيق على هذه العلاقات والمحكمة المختصة بنظر المنازعات المتعلقة بها، ويبين آثار الأحكام الصادرة من قضاء دولة أجنبية)[11].

ويلاحظ أن التعريفات السابقة قد تضمنت موقع القانون الدولي الخاص من بين فروع القانون الأخرى وبيان موضوعاته التي تندرج تحته، إذ إنه وعاء أو إطار يجمع عدة موضوعات يعالج كل منها بتشريع خاص بها ولا يوجد قانون أو تشريع موحد في كل دول العالم يطلق عليه اسم القانون الدولي الخاص، وانقسمت المدارس القانونية في تسمية هذا القانون إلى اتجاهين: الاتجاه الأول وتمثله أوربا المعروفة للنظام اللاتيني والتي تطلق على هذا القانون مسمى (القانون الدولي الخاص، أمّا الاتجاه الثاني وهو السائد في النظام القانوني الأنجلو أمريكي حيث يتميز من بين موضوعات القانون الدولي الخاص موضوع (تنازع القوانين) إذ ينصب الموضوع الأساسي حول التنازع وبقية الموضوعات لا تعدو أن تكون مقدمات التنازع.

المطلب الثاني: الطبيعة الوطنية لمنازعات الملكية الفكرية

لقد وفر المشرع الحماية القانونية لأصحاب حقوق الملكية الفكرية، حيث إن منازعات الملكية الفكرية هي تعارض مصالح بين أصحاب الحقوق وبين منتهكيها، وإن صور المنازعة في حقوق الملكية الفكرية قد تأخذ صورتين إما أن تكون منازعة مدنية أو منازعة جزائية إذا ما توافرت اركان الجريمة الجزائية، وشروط المسؤولية المدنية[12].

وتم التطرق في هذا الفرع إلى طبيعة المنازعة من حيث تكييف فعل الاعتداء من جهة وطبيعتها من حيث وجود عنصر اجنبي فيها.

أولا: التكييف القانوني لفعل الاعتداء ان صور الانتهاك التي تقع على حقوق الملكية الفكرية عديدة ومتنوعة، وبالاستناد إلى حجم هذا الانتهاك ونية فاعله يمكن تكييف هذا الفعل وبالتالي تحديد فيما إذا كانت المنازعة الناشئة عن هذا الانتهاك هي منازعة جزائية أم منازعة مدنية. وحتى يعتبر هذا الانتهاك جرما معاقبا عليه قانونا لا بد أن تتوافر فيه جميع الأركان المكونة للجريمة والتي تعرف بأنها اعتداء على حق المجتمع وحق الإفراد والتي ينشأ عنها حق للمجتمع في تحريك دعوى الحق العام ومباشرتها، ودون الحق الشخصي بالنسبة للمجني عليه المتضرر منها، وكل ذلك يتم عن طريق رفع الدعوى الجزائية والتي هي الوسيلة التي تلاحق فيها الجماعة عن طريق من تنيبه المجرم لمحاكمته ونيل جزائه[13] . وأركان الجريمة وفق القواعد المسؤولية الجزائية تنقسم إلى ثلاثة أركان أولها هو الركن المادي والمتمثل في الفعل أو الانتهاك المخالف للقانون، وثانيها هو الركن المعنوي والمتمثل في القصد الجنائي أو نية ارتكاب هذا الفعل، وثالثها هو الركن الشرعي أو القانوني والمتمثل بالنص القانوني أو مجموعة القواعد القانونية التي تجرم هذا الفعل، إذ أن مناط التجريم هو وجود النص بحيث يخرج الفعل من دائرة الإباحة إلى دائرة الحظر تطبيقا للمبدأ الجزائي المشهور لا جريمة ولا عقوبة إلا بنص. وبتطبيق أركان الجريمة سالفة الذكر على هذا النص يعتبر إتيان أحد أفعال المادة الركن المادي الجريمة التعدي على حق المؤلف والمتمثل بالسلوك الإجرامي والذي قد يقع إما إيجابا أو سنيا وهو أحد الأفعال التي نص عليها المشرع ، ثم أن يؤدي هذا السلوك إلى وقوع النتيجة الجرمية ألا وهي الأثر المترتب على السلوك الجرمي وهي ذات مدلولين أحدهما مادي ويقصد به التغيير الذي يطرأ على الواقع الخارجي وأخر قانوني ويقصد به العدوان أو النيل من المصلحة أو الحق المقرر قانونا مثل أن يرتبط السلوك الإجرامي بالنتيجة التي وقعت وهو ما يعبر عنه بالعلاقة السببية وهي حلقة الوصل بين السلوك والنتيجة وهي ما يثبت أن ارتكاب الفعل الإجرامي هو الذي أدى إلى وقوع النتيجة الجرمية ، وهي منطقة ومارضة في جميع حالات صور التعدي الواقعة على حق المؤلف على خلاف الجرائم التي تقع على الإنسان، والعلة في ذلك أن أفعال التعدي وحدها القادرة على إحداث هذه النتيجة دون تصور أي عوامل مساندة أخرى[14].

وبعد أن يتحقق الركن المادي بكافة عناصره، فلا بد من أن يتحقق الركن المعنوي لهذه الجريمة وهو العناصر النفسية للجريمة إذ أن للجريمة بالإضافة لكياناتها المادية كيانات معنوية بحيث لا يسأل الشخص عن هذه الجريمة إلا إذا ارتبطت الكيانات المادية بالمعنوية والركن المعنوي يقوم على عنصرين هما العلم والإرادة، فأما العلم فهو المعرفة أن ما يقوم به من اعتداء مجرم في القانون، وأما الإرادة فهي إرادة حصول النتيجة الجرمية أو الرضا بها، وبهذه الحالة تكون أمام جريمة قصدية أما إذا علم الجاني بالسلوك ولكنه لم يريد النتيجة فهنا تقع الجريمة الغير قصدية والمتمثلة بالخطأ[15].

أما في الأحوال التي ينتقي فيها أحد أركان الجريمة سالفة الذكر كان ينتقي الركن المعنوي في جريمة الاعتداء فإنه بناء على ذلك تنتفي الجريمة ولا يلاحق الفاعل جنائيا، إلا أن ذلك لا يمنع من تكييف الفعل على أساس قيام المسؤولية المدنية تجاه هذا الفاعل إذا تحققت عناصر المسؤولية وتنقسم بذلك المسؤولية المدنية إلى قسمين أولها المسؤولية التقصيرية والذي يقوم على عناصر الضرر والإضرار والعلاقة السببية فإذا قامت هذه العناصر فيحق للمتضرر أن يطالب عما أصابه من أضرار مادية تتمثل بنقص في الذمة المالية والمساس بالحقوق المالية الناتجة عن الترخيص والاستغلال وأضرار معنوية تتمثل بالاعتداء على الحقوق الأدبية لحقوق الملكية الفكرية وعلى سمعة صاحب الإبداع أو مكانته، وأما ثاني أنواع المسؤولية المدنية فهي المسؤولية العقدية والتي تقوم على عناصر الخطا والضرر والعلاقة السببية فإذا ما توافرت هذه العناصر في أي عقد من العقود التي يبرمها صاحب الإنتاج الذهني فإنه يحق له المطالبة بالتعويض المادي دون المعنوي عما أصابه من أضرار[16].

ثانيا طبيعة المنازعة من حيث وجود عنصر اجنبي: من المسلم فيه أن حقوق الملكية الفكرية هي حقوق عابرة للقارات، أصبحت تمخر عباب الدول دولة فدولة فصارت هذه الحقوق عالمية بامتياز، ومن منطق الأمور في ظل ذلك أن تتشابك العلاقات التي تنتج عن هذه الحقوق وتتعقد وأن يدخل فيها عناصر أجنبية، وهذا التنوع في العلاقات والمراكز القانونية التي يشوبها عنصر أجنبي وما ينتج عنه من خلافات واعتداء على تلك الحقوق يدخلنا بالضرورة في مضمار القانون الدولي الخاص وهو الذي يحكم بين العلاقات القانونية التي يشوبها عنصر أجنبي . وتبرز أهمية تكييف الاعتداء في ظل القانون الدولي الخاص على وجه التحديد في مجال عقود استغلال واستثمار حقوق الملكية الفكرية والعقد في مجال القانون الدولي الخاص أهمية خاصة حيث يعد الأداة المثالية لتبادل السلع والخدمات عبر الحدود وهو ما يطلق عليه العقد التجاري الدولي ، ويحكم العقد الدولي بصفه عامة والعقد التجاري الدولي بصفة خاصة مبدأ مهم مبدأ سلطان الإرادة ويقصد به حرية إرادة الأطراف في تحديد مضمون العقد وأثاره يسمى بالإضافة إلى تحديد القانون الواجب التطبيق والقضاء المختص[17].

كما كفل المشرع لكل نوع من أنواع الحماية اجراءاته الخاصة، وسنتعرف في هذا البحث على الطبيعة الوطنية لمنازعات الملكية الفكرية في عدة جوانب على النحو التالي :

الفرع الأول: الإختصاص الإقليمي لقوانين الملكية الفكرية.

من البديهي أن قانون الملكية الفكرية يستند إلى مبدأ الإقليمية حيث يعد مبدأ الإقليمية جزءًا من التسميات القياسية لقانون الملكية الفكرية الدولي، ويشكل الأساس لاتفاقيات الملكية الفكرية الدولية. حيث لابد من معرفة الجوانب المختلفة لمبدأ الإقليمة في مجال الملكية الفكرية، فالجانب الموضوعي يعني أن حق الملكية الفكرية يقتصر على إقليم الدولة المانحة له، ويشمل الحق الإستئثاري للأنشطة التي تحدث داخل الإقليم المتصل بذلك النشاط فقط . ولا يوجد موضوع غير مادي محمي بموجب حق واحد متسق يغطي العالم بأسره، وبهذه الطريقة تختلف حقوق الملكية الفكرية عن الحقوق الخاصة العادية التي لا تفترض محدودية الإقليمية. وأن أحد التفسيرات والمبررات لمبدأ الإقليمية هو من أجل إحترام سيادة الدولة والمصالح العامة فيها، والالتزام بين الدول بهدف تحقيق أهداف السياسة الداخلية الخاصة بها، حيث تمنح الدول حقوق الملكية الفكرية أو تحميها كأداة لتحقيق أهداف سياستها الإقتصادية والاجتماعية والثقافية، وتشمل هذه الأهداف حوافز إبتكارية لإنشاء وتوزيع أعمال وإختراعات جديدة مع موازنة مصلحة الجمهور في الحصول على المصنفات والإختراع. بالإضافة إلى تنظيم المنافسة التي تؤثر على السوق المحلية ويتم تحقيق أهداف السياسة من خلال تنظيم الأنشطة التي قد يتم إلحاقها، بحيث تحدد كل دولة ما هي الأفعال المحجوزة داخل إقليمها بشكل حصري لصاحب الحق، وما هي الأعمال التي يمكن أن يقوم بها الجمهور بشكل عام من أجل تنظيم وصول أراضيها إلى الملكية الفكرية، وكذلك تنظيم المنافسة على أراضيها في السوق المحلية، حيث تتطلب بعض حقوق ملكية الفكرية مثل براءة الاختراع منحة صريحة من الدولة ، إضافة إلى أن حقوق الطبع والنشر التي تنشأ بدون منحة الدولة ، تؤثر على وصول المعلومات إلى الجمهور، وهذا يعني أن يقف الحق عند حدود الدولة التي تمنح هذه الحقوق، إلا أن هذا ليس عموما عند حقوق الملكية الفكرية، حيث أن مبدأ الإقليمية يمنج بعض الحقوق الحصرية لصاحب الحق داخل المنطقة المحمية، لبراءات الإختراع لتشمل الحقوق الحصرية الممنوحة عمومًا صنع الإختراع المحمي أو إستخدامه أو العرض للبيع أو البيع أو الاستيراد بالنسبة لحقوق النشر، فإن الحقوق الحصرية الممنوحة عموما تشمل الإستنساخ، التوزيع، الأداء العام، البث، وتوصيل العمل للجمهور[18]. بالنسبة للعلامة التجارية تشمل الحقوق الحصرية عموما الإستخدام في مسار العلامات التجارية المتماثلة أو المشابهة للسلع أو الخدمات المتماثلة أو المشابهة لتلك التي يتم تسجيل العلامة التجارية فيها مثل هذا الإستخدام سيؤدي إلى إحتمال حدوث تشويش. بينما تعكس الحقوق الممنوحة بموجب حقوق الملكية الفكرية خصائصها ووظائفها المختلفة. إلا أن القاسم المشترك بينهم هو أنها تعطي صاحب الحق الحق في توقيف البعض الآخر من القيام داخل الأراضي المحمية بأي من الأعمال المحفوظة حصريا لصاحب الحق بموجب قانون الملكية الفكرية الذي ينشئ هذا الحق[19]. إضافة إلى أن مبدأ الإقليمية يبين أن حقوق الملكية الفكرية لا تمنح عمومًا أي حقوق خارج الإقليم المحمي ، و يعتبر تعديا على الأعمال المحجوزة بشكل خاص داخل الأراضي التي يحميها حق الملكية الفكرية. ويكون الإنتهاك مكتملاً بمجرد تنفيذ فعل مخالف في الأرض المحمية. وعليه نستنتج أن حقوق الملكية الفكرية هي في الواقع حقوق خاصة، تمتلك ذات الخصائص التي تملكها الحقوق الخاصة، وأنه يمكن لصاحب الحق أن يتخلص من هذه الحقوق إما بالتنازل أو بالترخيص. وإن إنتهاك حقوق الملكية من قبل الغير يعطي الحق لصاحب الحق في إتخاذ إجراءات قضائية ضد المعتدي على حق من حقوق الملكية الفكرية، والحصول على أمر قضائي بإيقاف التعدي ، أو تعويض مادي عن الضرر الذي لحق بصاحب الحق نتيجة إنتهاكه من قبل الغير لكن تخضع الإختراعات التقنية و الأعمال الأدبية والفنية والعلامات… إلخ، إلى حزمة من الحقوق الإقليمية قد تصل إلى أكثر من 150 من الحقوق الاقليمية الصادرة من تشريعات وطنية وإقليمية مختلفة كما لا يوجد هناك أي علاقة تربط هذه الحقوق بعضها ببعض ٨٦ و أدى هذا إلى إثارة مشاكل قضائية لاسيما في أسواق الإتحاد الأوروبي نتيجة للتكنولوجيا الحديثة مثل التداول عبر الانترنت، ومن مجالات الخلاف الاخرى المتعلقة بالمنازعات التعاقدية المتصلة بحقوق الملكية الفكرية. وهناك أيضا إتجاه لبعض المحاكم للمطالبة بولاية على الإنتهاكات التي تحدث خارج ولاية الإختصاص على الرغم من رفض المحكمة العليا في الولايات المتحدة لهذا الإتجاه مؤخرا، بينما توافق المحكمة العليا في المملكة المتحدة على منح هذه الولاية، على الأقل بقدر ما يتصل بحقوق النشر[20].

وبشكل عام، حقوق الملكية الفكرية التي أنشأنها التشريعات الوطنية هي ذات طبيعة إقليمية وبالتالي الحقوق التي أنشأتها لا يمكن فرضها في دولة أخرى وتصحيح التعدي على براءات الاختراع أو حقوق النشر أو العلامات التجارية في مختلف البلدان يستلزم التقاضي في محاكم أجنبية متعددة مع إختلاف النظم القضائية والقضاة بدرجات متفاوتة من الخيرة والمؤهلات و بالطبع يجب أن يكون هناك أساس الإختصاص الشخصي على المدعى عليه بموجب معايير القانون المحلي لكل من المنتديات التي يرغب المدعي في إتخاذ إجراء بشأنها، شيء ما قد لا يكون من السهل دائما الحصول عليه . علاوة على ذلك يوجد ولايات قضائية عديدة مكلفة للغاية و مضيعة للوقت ، حتى وإن نجح صاحب حقوق الملكية الفكرية، فإنه يواجه صعوبة في التنفيذ بسبب عدم وجود معاهدة دولية بشأن إنفاذ الأحكام الأجنبية . وعليه بالنظر إلى المشاكل السابقة ، فأنه يجدر النظر في استخدام التحكيم لتسوية نزاعات الملكية الفكرية[21].

الفرع الثاني: الحقوق المسجلة وغير المسجلة

تعتمد بعض حقوق الملكية الفكرية على إجراءات شكلية لكي يتسنى الإعتراف بها، في حين البعض الآخر لا يعتمد على إجراءات شكلية. وتعتبر كل من العلامات التجارية وبراءات الإختراغ والرسوم والتصاميم الصناعية حقوق مسجلة. وهذه الحقوق قابلة للتنفيذ فقط بمجرد منحها (على الرغم من تطبيق بعض الحقوق بأثر رجعي في حالات تسجيل العلامات التجارية). أما حقوق الطبع والنشر لا تعتمد على اية شكليات مثل اجراءات التسجيل . وتظهر أهمية التفرقة نظرا لمطالبة صاحب الحق في الطبع أو النشر بإثبات إستمرار هذا الحق في كل مناسبة ومطالبته به، بينما في الحقوق المسجلة يكتفي إبراز شهادة المنح ، ويقع عبء إثبات بطلان التسجيل على عاتق الشخص الذي يرغب في الطعن بتلك الصلاحية ويتوفر لدى بعض البلدان – مثل الولايات المتحدة الأمريكية وبعض دول أمريكا الجنوبية – نظام تسجيل لحقوق التأليف والنشر لاغراض إنفاذ و إعداد قرائن تساعد على إستمرار تلك الحقوق، ولكن لا تعد تلك القرائن شرطا لإستمرار تلك الحقوق[22].

الفرع الثالث: حقوق الملكية الفكرية باعتبارها حقوق أساسية للإنسان

عادة ما تنص النظم القانونية في دساتيرها أو في القوانين الاخرى التي تحمي حقوق الإنسان الأساسية أنه لا يجوز حرمان أي شخص من الملكية إلا من خلال قانون يسري تطبيقه على الجميع ، ولا يوجد قانون يسمح بالحرمان التعسفي للملكية . وهذا يعني أنه في حالة وجود حقوق للملكية الفكرية ، فيحق لصاحبها التمتع بالحماية القانونية الكاملة “وحيث أن المشاريع قوانين الحقوق الأساسية مثل حرية التعبير والحق في الخصومة والحق في الملكية أثر قوي على إنفاذ حقوق الملكية الفكرية ، فإن قوانين الملكية الفكرية تخضع للطعن الدستوري ، وعليه يمكن أن نثار مجادلات حول نطاق وقابلية تطبيق براءة الإختراع لمنتجات صيدلانية فيما يتعلق في الحصول على الرعاية الصحية أو حقوق الطفل؛ كما يمكن أن تثار دعاوى حقوق الطبع والنشر في مواجهة الحق في التعلم والحق في الوصول إلى المعلومات[23].

المطلب الثالث: تنازع الاتفاقيات الدولية للملكية للفكرية:

إن تنظيم الاتفاقيات الدولية يخلق نوعا من التنازع أو مشكلة تحديد النص القانوني الواج التطبيق ويكون ذلك من جانبين: الأول بين الاتفاقيات الدولية المتتالية تجاه بعضها عندما يت عقد أكثر من اتفاقية دولية في الموضوع ذاته ويتحد كل أطرافها أو بعضهم، فقد يرتب ذلك على كاهل الدولة التزامات متضادة لا تستطيع الوفاء بها أو التوفيق بينها لمذا تظهر ضرورة تحديد أي من هذه الاتفاقيات تكون واجبة التطبيق والثاني بين الاتفاقيات الدولية والقوانين الوطنية من حيث القيمة القانونية لهذه الاتفاقيات في الأنظمة القانونية الداخلية وسأتولى دراسة هذين الموضوعين في نطاق اتفاقيات الملكية الفكرية[24].

الفرع الأول: تنازع الاتفاقيات الدولية المتتالية من حيث الموضوع

إن تنظيم اتفاقيات دولية عدة في موضوع واحد سيخلق خلافا حول الأحكام الواجبة التطبيق من بين هذه الاتفاقيات وسأقوم في هذا الفرع بدراسة أسباب تنازع اتفاقيات الملكية الفكرية ومدى خضوعها لاحكام اتفاقية فيينا لقانون المعاهدات لعام (۱۹۹۹) التي قننت القواعد العرفية الدولية في هذا المجال[25].

البند الأول: أسباب تنازع اتفاقيات الملكية الفكرية الدولية

ان توالي تنظيم اتفاقيات دولية تتعلق بحقوق الملكية الفكرية وتداخل أطراف تلك الاتفاقيات ومواضيعها يطرح علينا وجوب البحث في إشكاليات التنازع الناجم عن ذلك ويظهر ارتباط ذلك بالقانون الدولي الخاص من جهة أهمية تحديد النصوص القانونية الواجبة التطبيق التي تتضمن قواعد موضوعية وقواعد إسناد بين مختلف تلك الاتفاقيات ويبرز هذا التنازع بشكل واضح بين اتفاقية ترييس (TRIPS) والاتفاقيات الأخرى ذلك أن هذه الاتفاقية نظمت كافة حقوق الملكية الفكرية التي عنت بها الاتفاقيات الأخرى كما يمكن أن نشهد نوعا من التنازع بين الاتفاقيات الأخرى عند توحد موضوعها وكل أطرافها أو بعضهم . كعلاقة اتفاقية ببرن بالاتفاقية العربية و مثال التنازع الذي يمكن أن يثور أن اتفاقية ترييس (TRIPS) لم تشترط التماثل أو التطابق في السلع أو الخدمات لحماية العلامات المشهورة ) ، في حين تشترط اتفاقية باريس لتوفير هذه الحماية التماثل أو التطابق في السلع دون الإشارة إلى الخدمات. وأيضا يوجد اختلاف بين تنظيم مدة الحماية في اتفاقية روما التي لم تجز أن تقل مدة الحماية عن (۲۰) سنة في حين جعلت اتفاقية ترييس الحد الأدنى لهذه المدة بالنسبة للمؤدين ومنتجي التسجيلات الصوتية بـ (٥٠) سنة مو لهيئات الإذاعة بـ (٢٠) سنة[26].

البند الثاني: خضوع اتفاقيات الملكية الفكرية لمعاهدة فيينا لقانون المعاهدات

إن دراسة اتفاقيات الملكية الفكرية المتتالية من حيث الموضوع يوجب التطرق إلى أحكام معاهدة فيينا لقانون المعاهدات لعام (1969) من حيث خضوع تلك الاتفاقيات لاحكام هذه المعاهدة . أتطرق بداية إلى علاقة اتفاقية ترييس (TRIPS) باتفاقيات الملكية الفكرية الأخرى كونها نظمت مختلف حقوق الملكية الفكرية وبنت روابط مع بعض اتفاقيات الملكية الفكرية حيث قضت (بأن لا ينتقص أي من الأحكام المنصوص عليها في الأجزاء من الأول وحتى الرابع من هذه الاتفاقية من أي من الالتزامات الحالية التي قد تترتب على البلدان الأعضاء بعضها تجله الأخرى بموجب معاهدة باريس ومعاهدة بيون ومعاهدة روما ومعاهدة الملكية الفكرية فيما يتصل بالدوائر المتكاملة وبذلك فإن هذه الاتفاقية تعمل على التوفيق بين أحكامها والأحكام الواردة في الاتفاقيات المحددة الأخرى حيث أمرت بأن لا تنقص الأحكام الواردة في الأجزاء الأربعة الأولى منها من الالتزامات التي تترتب على البلدان الأعضاء تجاه البلدان الأخرى بموجب الاتفاقيات الأربعة الأخرى[27] . فإذا ترتبت التزامات على دولة طرف تجاه دولة أخرى طرف في تريبس (TRIPS) بموجب إحدى الاتفاقيات الأربعة فإنها ستبقى محكومة بتلك الالتزامات كما هي في تلك الاتفاقية دون أن تنتقص أي من الأحكام الواردة في الأجزاء الأربعة الأولى من اتفاقية تربيس (TRIPS) من هذه الالتزامات. وبعد ذلك تطبيقا لحكم الفقرة الثانية من المادة (۳۰) من اتفاقية فيينا التي توجب تطبيق أحكام المعاهدة الدولية التي تنص المعاهدة الدولية الأخرى على خضوعها لأحكامها أو أنها لا تعد متعارضة معها فاتفاقية تريبس (TRIPS) حكمت بسمو الاتفاقيات الأربعة على الأحكام الواردة في الأجزاء الأربعة الأولى منها وأخضعت نفسها لتلك الاتفاقيات في الوقت الذي يرى فيه بعضهم أن حكم تلك الفقرة لا يؤدي إلى هذا المدلول حيث يرى بأنه قد نصت الفقرة الثانية من المادة الثانية من اتفاقية الجات على الا تؤثر اتفاقیات باریس و بیون وروما و واشنطن على الأجزاء الأربع الأولى منها إلا أن ذلك الرأي تراجع عن موقفه في موضع آخر عندما قال أنه نصت الفقرة الثانية من المادة الثانية من اتفاقية الجات على الا تتأثر اتفاقيات باريس وببرن وروما وواشنطن بالأجزاء الأربع الأولى منها “. وهذا هو الفهم السليم لنص الفقرة الثانية ، ويعضد ذلك أن الاتفاقية أوجبت الالتزام بالأحكام الموضوعية الواردة في تلك الاتفاقيات وفق الفقرة الأولى من المادة الثانية المتعلقة ببناء العلاقة بين اتفاقيتي تريبس (TRIPS) و باريس والمادة التاسعة التي نظمت علاقة الاتفاقية مع اتفاقية بيرن، والمادة (٣٥) التي نظمت العلاقة مع اتفاقية واشنطن أما عن العلاقة مع اتفاقية روما فاكتفت بالنص على أنه فيما يتعلق بالحقوق الممنوحة بموجب الفقرات (٣،٢،١) يجوز لأي بلد عضو النص على شروط أو قيود أو استثناءات أو تحفظات إلى الحد الذي تسمح به اتفاقية العلاقة روما ويتجلي بذلك الفرق بين أحكام هذه النصوص ونص الفقرة الثانية من المادة الثانية في أنه[28] :

  • تعرضت الفقرة الثانية من المادة الثانية إلى حل تعارض اتفاقية ترييس (TRIPS) مع الاتفاقيات الأخرى وقضت بسمو تلك الاتفاقيات عليها فإذا وجد حكم في إحدى تلك الاتفاقيات يتعارض مع حكم ورد خلال الأجزاء الأربعة الأولى من اتفاقية تربيس (TRIPS) وتعلق هذا الحكم بدول أطراف في كلا الاتفاقيتين فإن الحكم الواجب التطبيق ما قضت به تلك الاتفاقيات، وبالتالي لا يثور تطبيق هذه الفقرة إلا إذا كانت الدول ذات العلاقة أطراف في اتفاقية تريبس وإحدى تلك الاتفاقيات.
  • الزمت اتفاقية تربيس (TRIPS) الدول الأطراف فيها بالالتزام بأحكام المواد من (1) (12) و(19) من اتفاقية باريس والمواد من (211) من اتفاقية بيرن وملحقها إلا أنها استثنت من ذلك التمتع بحقوق أو تحمل التزامات في الاتفاقية تتعلق بالمادة (6) مكرر من اتفاقية بيرن التي تتعلق بالحقوق المعنوية أو الحقوق التابعة عنها والمواد (7-2) باستثناء المادة (3/6) و المادة (12) و المادة (3/16) من اتفاقية واشنطن فجعلت هذه الأحكام جزء من اتفاقية تريبس (TRIPS) مثلها مثل الأحكام المنصوص عليها مباشرة فيها وبذلك تلتزم كل دولة طرف في اتفاقية ترييس (TRIPS) باحترام هذه الأحكام .

وكانت اتفاقية بيرن قبل ذلك بكثير وفق منطوق المادة (20) التي نظمت علاقتها بالاتفاقيات الأخرى تنص على أن تحتفظ حكومات دول الاتحاد بالحق في عقد اتفاقيات خاصة فيما بينها ما دام هذه الاتفاقات تحول المؤلفين حقوقا تفوق تلك التي تمنحها هذه الاتفاقية أو تتضمن نصوصا لا تتعارض مع هذه الاتفاقية وتبقى سارية أحكام الاتفاقيات القائمة متى كانت مطابقة للشروط تعارض السابق ذكرها، فالقيدان الواردان في هذه المادة يشترطان لصحة الاتفاقيات اللاحقة المتعلقة بحق المؤلف التي تبرمها الدول الأطراف في اتفاقية بيرن حيث تطبق الأطراف تلك الاتفاقيات على وجه لا يخل أو يعارض ما ورد في اتفاقية بيرن ولكن ما حكم إبرام اتفاقية لاحقة على اتفاقية بيرن تتضمن أحكاما أحكامها أو تنقص من الحقوق الواردة فيها؟.

إن مفهوم المخالفة لنص الفقرة الأخيرة من المادة السابقة يشير إلى عدم سريان أحكام الاتفاقيات اللاحقة التي تبرم بين الدول الأطراف في اتفاقية بيرن متى كانت مخالفة للشروط السابقة وبذلك فإن أحكام اتفاقية بيرن هي التي تحكم علاقات تلك الدول ولم تقض هذه الاتفاقية بخضوعها لأحكام اية اتفاقية لاحقة عليها لكنها حصرت الاتفاقيات الخاصة التي تبرمها الدول الأطراف فيها بالشرطين السابقين، أما الاتفاقيات التي تبرم بين دول ليست أطرافا في اتفاقية بیرن أو بعضها أطراف وبعضها الآخر ليست أطرافا ستقلت من حكم المادة (20)، بالتالي ستخضع علاقة اتفاقية بيرن بتلك الاتفاقيات لأحكام اتفاقية فيينا لقانون المعاهدات[29].

وفي ضوء هذه الأحكام الواردة في اتفاقيتي ترييس (TRIPS) وبيرن إذا وجد تعارض بين أحكام القافية ترييس (TRIPS) الواردة في الأجزاء الأولى الأربعة، واتفاقية بيون فإننا نحتكم إلى الحل الوارد في المادة (30) من اتفاقية فيينا وكنموذج تطبيقي لإعمال الحلول الواردة في التفافية فيينا بالإضافة إلى الأحكام السابقة الواردة في اتفاقيتي ترييس (TRIPS) وبيون فإننا نعرض مسألة الحقوق الأدبية للمؤلف فهذه الحقوق ذات مستوى عال من الأهمية للمؤلفين وتستحق بحثها وبيان مدى تمتع المؤلفين فيها خاصة أن اتفاقية تريبس (TRIPS) الزمت الدول الأعضاء بمراعاة الأحكام الواردة في المواد (1) حتى (21) من اتفاقية بيرن إلا أنها نصت بأن الدول الأعضاء لن تتمتع بحقوق ولن تتحمل التزامات بموجب الاتفاقية فيما يتعلق بالحقوق المنصوص عليها في المادة (6) مكرر من اتفاقية بيرن أو الحقوق التابعة عنها فهل هذا النص سيحرم المؤلفين بشكل مطلق من التمتع بالحقوق الأدبية في الدول الأعضاء في اتفاقية تريبس(TRIPS) أم أنه يرد عليه قيود في تنظيم ذلك؟ بداية لا بد من التمييز بين الأوضاع الآتية[30]:

  • بالنسبة للدول الأطراف في اتفاقية بيرن فقط دون اتفاقية تريبس(TRIPS) فلا يوجد صعوبة في تقرير تمتع المؤلفين بالحقوق الأدبية ، إذ أن اتفاقية بيرن جاءت واضحة فيما يتعلق بهذه الحقوق خاصة أنها اشترطت على الدول الأطراف عدم جواز إبرام أية اتفاقيات لاحقه عليها إلا إذا جاءت لتغول المؤلفين حقوق تفوق تلك التي تمنحها اتفاقية بيرن وألا تتضمن نصوصا تعارض الاتفاقية، وبذلك ضمنت المحافظة على تلك الحقوق.
  • بالنسبة للدول الأطراف في اتفاقية تريبس (TRIPS) فقط دون اتفاقية بيرن، فإن المؤلفين فيها لن يتمتعوا بالحقوق الأدبية ذلك أن اتفاقية ترييس (TRIPS) لم تنص على هذه الحقوق وعندما أحالت إلى الالتزام بأحكام اتفاقية بيون فقد استثنت الحقوق الأدبية أو الحقوق النابعة علها من ذلك الالتزام، بالتالي لا يوجد سند قانوني في اتفاقية تربيس (TRIPS) للتمتع بالحقوق الأدبية لكن هذا الاحتمال بعد نظريا لأن الاتفاقية العامة للتعرفة الجمركية تشترط انضمام الدول التي ترغب بالانضمام إليها إلى اتفاقيات الملكية الفكرية المعينة ومنها اتفاقية بيرن.
  • بالنسبة للتمتع بهذه الحقوق في دولة طرف في اتفاقيتي ترييس (TRIPS) وبيرن وهذا الاحتمال الأكثر تعقيدا من بين الاحتمالات السابقة فهل يتمتع المؤلفون فيها بالحقوق الأدبية وفق اتفاقية بيرن أم انهم سيحرمون من التمتع بتلك الحقوق وفق اتفاقية ترييس (TRIPS) ؟

لذلك يحق للمؤلفين في مثل هذه الدول التمتع بالحقوق الأدبية و ذلك للأسباب الآتية[31]:

أ. اتفاقية تريبس (TRIPS) كما سبق أخضعت نفسها لأحكام اتفاقية بيرن وإعمالا لنص الفقرة الثانية من المادة (30) من اتفاقية فيينا التي تحكم العلاقة بين اتفاقيتي ترييس (TRIPS) و بیرن فان أحكام اتفاقية ببرن هي التي تسود ويتم تطبيقها بالتالي يتمكن المؤلفون من التمتع بهذه الحقوق الأدبية.

ب. عندما استثنت الفقرة الأولى من المادة التاسعة الحقوق الأدبية من الزام الدول الأعضاء بمراعاتها ، فإن ذلك الاستثناء لم يكن مطلقا إنما حصر نفسه بحدود الاتفاقية بقوله غير أن البلدان الأعضاء لن تتمتع بحقوق ولن تتحمل التزامات بموجب هذه الاتفاقية “، أي أن المؤلفين وفق هذا النص لن يتمتعوا في الدول الأعضاء بالحقوق الأدبية بموجب نصوص اتفاقية ترییس (TRIPS) إنما يمكن التمتع بها بموجب نصوص قانونية أخرى كاتفاقية بيرن وفيما يخص علاقة اتفاقية باريس لحماية الملكية الصناعية و اتفاقية روما و اتفاقية واشنطن باتفاقية تريبس (TRIPS) فيطبق عليها نفس الحكم السابق المتعلق باتفاقية بيرن ، وذلك إعمالا النص الفقرة الثانية من المادة الثانية من اتفاقية ترييس (TRIPS) التي أخضعت نفسها إلى أحكام هذه الاتفاقيات الجوهرية كما نصت المادة (19) من اتفاقية باريس على النص ذاته الوارد في اتفاقية ببون المتعلق بحق الدول الأطراف بعقد اتفاقات خاصة فيما بينها لحماية حقوق الملكية الصناعية شريطة ألا تتعارض مع أحكام الاتفاقية.

وبذلك فأي تعارض بين احكام اتفاقية ترييس (TRIPS) وأحكام إحدى هذه الاتفاقيات التي نصت عليها تلك الفقرة فإن الأحكام الواردة في تلك الاتفاقيات تكون واجبة التطبيق دون أحكام اتفاقية ترييس (TRIPS) وأشير في هذا الموضع إلى إن اتفاقية واشنطن نصت على تنظيم علاقتها باتفاقيتي بيون و ترييس إذ قضت بأن لا تمس هذه المعاهدة بالالتزامات المفروضة على أي طرف متعاقد بناءً على اتفاقية باريس بشأن حماية الملكية الصناعية أو اتفاقية ببرن بشأن حماية المصنفات الأدبية والفنية . وبذلك فإن هذه الاتفاقية أخضعت نفسها وفق مفهوم الفقرة الثانية من المادة (30) من اتفاقية فيينا لأحكام اتفاقية باريس فيما يتعلق بحماية حقوق الملكية الصناعية وأحكام اتفاقية بيرن فيما يتعلق بحماية حقوق الملكية الأدبية والفنية فعند حدوث أي تعارض بين أحكام اتفاقية واشنطن وأحكام اتفاقيتي باريس أو بيرن فإن الأحكام الواردة في إحدى الاتفاقيتين الأخيرتين هي التي تكون واجبة التطبيق.

إن الأحكام الواردة في اتفاقية فيينا هي التي تحكم علاقة اتفاقية ترييس (TRIPS) مع أية اتفاقية أخرى أو أي من اتفاقيات الملكية الفكرية بعضها مع بعض وذلك مع مراعاة ما قد تتضمنه تلك الاتفاقيات من أحكام تخص علاقتها مع الاتفاقيات الدولية. ومثال ذلك الاتفاقية العربية لحماية حقوق المؤلف التي تقضي بأن لا تؤثر هذه الاتفاقية في الحقوق و الالتزامات الدولية المتعاقدة تجاه غيرها من الدول وفقا للاتفاقيات الدولية الخاصة بحماية حق المؤلف التي تكون هذه الدول طرفا فيها، كما لا تؤثر هذه الاتفاقية بأية صورة كانت على المعاهدات والاتفاقيات النافذة بين الدول المتعاقدة ولا على التشريعات الوطنية التي أصدرتها تلك الدول ،وذلك في الحدود التي تكفل فيها تلك المعاهدات أو الاتفاقيات أو التشريعات مزايا أوسع مدى من المزايا المقررة بهذه الاتفاقية ومثال ذلك أن نص المادة (19) من الاتفاقية العربية جعلت مدة حماية حقوق المؤلف (25) سنة من تاريخ النشر بالنسبة لبعض المصنفات كافلام السينما والتي تحمل اسما مستعارا وأعمال الفنون التطبيقية ، في حين قضت اتفاقية تريبس (TRIPS)(۲) بان لا تقل مدة حماية مثل هذه المصنفات عند احتسابها على أساس غير مدة حياة الشخص الطبيعي (٥٠) سنة اعتبارا من نهاية السنة التقويمية التي أجيز فيها نشر تلك الأعمال وكان قانون حماية حق المؤلف الأردني رقم (22) لسنة (1992) يجعل هذه المدة (30) سلة من تاريخ نشرها و لكن توافقا مع متطلبات الانضمام إلى اتفاقية تريبس (TRIPS).

المطلب الرابع: تطبيق القواعد الموضوعية المتعلقة بحقوق الملكية الفكرية

تضمن اتفاقيات الملكية الفكرية تخطي العراقيل الناجمة عن تخلف بعض الدول عن تعديل تشريعاتها لترقى إلى مستوى التنظيم الاتفاقي مو عن نصها على بعض الأحكام الموضوعية التي تنظم حقوق الملكية الفكرية والتي تعمل أيضا على القضاء على التباين الواضح بين التشريعات الوطنية أجازت للأشخاص المطالبة بتنفيذ أحكام تلك الاتفاقيات لتجاوز تلك العراقيل. لذلك سأتطرق في هذا المبحث إلى نطاق سريان تلك الاتفاقيات بتحديد فئة مالكي الحقوق الذين يمكنهم الاستفادة من أحكامها، فأي حق فكري حتى يحظى صاحبه بحماية الاتفاقيات الدولية لا بد أن يستوفي متطلبات و شروط معينة تعرف بمؤهلات الحماية هي عبارة عن معايير و ضوابط ترتبط بنطاق سريان الاتفاقيات الدولية، فعندما يأتي الحق ضمن نطاق تلك الاتفاقيات سوف يضمن الحصول على حد أدنى من الحماية و يمكن بعدها المطالبة بالحماية أو بتطبيق أحكام الاتفاقية إذا تم استيفاء إحدى تلك المؤهلات، ومن هنا يظهر اتصال هذه المواضيع بالأسانيد التي يمكن الاستعانة بها للمطالبة بتطبيق أحكام تلك الاتفاقيات والتي تتمثل بمبدأي الحد الأدنى من الحماية والدولة الأولى بالرعاية[32] .

أولاً: نطاق سربان اتفاقيات الملكية الفكرية: تتبنى مختلف اتفاقيات الملكية الفكرية معيارين رئيسيين في تحديد مجال انطباقها هما المعيار الشخصي والمعيار الإقليمي ، وتتجلى أهمية بحث هذا الموضوع في أن الاتفاقية عندما تصبح نافذة داخل الدولة كالقانون الداخلي فقد يطالب أي شخص بتطبيق أحكامها إلا إن هذا القول تعوزه الدقة لأن الاتفاقية نفسها تحدد مجال سريانها سواء من حيث الأشخاص أم المكان كما تحدد اتفاقية فيينا لقانون المعاهدات المبادئ العامة الناظمة لذلك، بالتالي لا يحق لأي شخص لا تتوافر فيه المعايير التي اعتمدتها الاتفاقية أن يطالب بتطبيق أحكامها للاستفادة من مستوى الحماية المقررة فيها ويرتبط ذلك بنطاق سريان قواعد الإسناد والقواعد الموضوعية لتلك الاتفاقيات المرتبطة بالقانون الدولي الخاص.

  • المقصود ببلد المنشأ: بعد تحديد بلد المنشأ ضروريا وذلك لاعتماد الاتفاقيات الدولية عليه أحيانا في تحديد النطاق الذي تبسط عليه أحكامها، كما تعتمد عليه أحيانا كضابط لتعيين نطاق تطبيق قانون بلد طلب الحماية وقد اقتصرت اتفاقينا باريس وببرن على تحديد هذا البلد وتستند اتفاقية تريبس إلى هاتين الاتفاقيتين في تحديد مفهوم هذا البلد وقد اعتمد في تحديد بلد المنشأ على معيارين أحدهما إقليمي والآخر شخصي. البند الأول : المعيار الإقليمي لبلد المنشأ تفرق في هذا المعيار بين اتفاقيتي باريس للملكية الصناعية وبيون لحماية الملكية الأدبية والفنية.

أولا: اتفاقية باريس لحماية الملكية الصناعية : استعانت اتفاقية باريس لحماية الملكية الصناعية بضابطين لتحديد المقصود بالمعيار الإقليمي يتمثلان في[33]:

  • مكان وجود المنشاة .

حددت اتفاقية باريس دولة المنشا بدولة الاتحاد التي يكون للطالب فيها منشاة صناعية أو تجارية حقيقية وفعالة، تقديرا منها بأن تلك الدولة الأكثر وفرة بأن يستغل الطالب ما يملك من حقوق صناعية ، فإذا توافر هذا الضابط فلا يحق للطالب أن يجعل دولة الأصل دولة غيرها ولكن إذا لم يتوافر فيبحث في مدى توافر الضابط الآتي.

  • مكان الإقامة .

يعد مكان الإقامة الضابط الثاني لتحديد بلد المنشأ ، حيث قررت الاتفاقية أن دولة المنشا هي دولة الاتحاد التي يوجد فيها محل إقامة الطالب إذا لم يكن له منشأة داخل الاتحاد . ويجب الإشارة إلى أن الاتفاقية لم تعالج الموقف الذي يتوافر فيه للشخص أكثر من ضابط أو معيار تصلح لتكون دولة ما دولة المنشأ فقرر بعض الفقه أمام هذا السكوت أن اختيار دولة المنشا يرجع للشخص صاحب العلاقة حيث يختارها بحرية .

جانب المعيار الإقليمي في تحديد المقصود بدولة المنشأ وذلك لتلافي العيوب التي يمكن مواجهتها في المعيار الإقليمي بحيث تحاول تجنب حالة كون دولة المنشأ ليست عضوا في الاتحاد وهذا يعبر عن قصور المعيار الإقليمي عن تحديد دولة الأصل بالنسبة للمصنفات غير المنشورة ، فهي تسعى بعد هذا المعيار إلى اكبر عدد من الدول لتكون هي إحدى الدول الأعضاء كلما أمكن في الثقافية بيرن .

لذلك جعلت دولة المنشأ بالنسبة للمصنفات غير المنشورة ، أو بالنسبة للمصنفات التي تنشر لأول مرة في دول خارج الاتحاد دون أن تنشر في أن واحد في دولة من دول الاتحاد هي دولة الاتحاد التي يعتبر المؤلف من مواطنيها بالرغم من عدم نشر المصنف أو عدم اتصاله مع دولة الاتحاد التي يتبعها المؤلف إلا أنها جعلت ضابط الجنسية كافيا تستحق معه تلك الدولة لتكون دولة المنشأ وذلك مع وقوع أول نشر للمصنف في دولة أخرى. وينتقد ” المتكام الاتفاقية إلى هذا المعيار بأنه نتيجة غير منطقية يتنافى مع احتكامها أساسا ببلد أول نشر لتحديد بلد المنشأ تستند إلى مكان أول نشر لتحديد بلد المنشأ ثم تلجأ إلى معيار آخر يتنافى معه لتحديد ذلك البلد غير أبهة بما يترتب على وقوع أول نشر لذلك المصنف في بلد آخر ليس طرفا فيها فكان على الاتفاقية الاقتصار على معيار ثابت في تحديد بلد المنشأ . وإن كان هاجس الاتفاقية من ذلك حرصها على جعل دولة المنشأ إحدى الدول الاتحادية ولو تم ذلك بالاستعانة بمعيارين مختلفين فكيف إلا أنه يمكن لها حماية المصنفات التي يتمتع مؤلفوها بجنسية أية دولة وليس من الأهمية أن تكون هذه الدولة هي دولة الأصل.

  • أثر المعيار الشخصي في تحديد نطاق سريان اتفاقيات الملكية الفكرية يقوم هذا المعيار على تحديد فئة الأشخاص الذين تنطبق عليهم أحكام اتفاقيات الملكية الفكرية وذلك بتطلب توافر ضوابط معينة فيهم كالجنسية أو الموطن فتطبق أحكام تلك الاتفاقيات على كل شخص ينتمي إلى إحدى الدول الأعضاء فيها ، وتمد أحكامها من خلال ضابط الإقامة إلى أكبر قدر ممكن من الأشخاص فتجيز سريان أحكامها على الأشخاص الذين يقيمون في أراضي الدول الأعضاء وان لم يتمتعوا بجنسية دولة الحادية. وقد أخذت مختلف اتفاقيات الملكية الفكرية بهذا المعيار وبنته على ضابطين أساسيين أحدهما شخصي وأخر عيني في حين تبنت بعضها أحكاما خاصة تتعلق بهذه الضوابط او شارت خلافات حول هذه الضوابط وهذا يجعلني أتناول أولا هذين الضابطين ثم أتطرق إلى القواعد الخاصة التي تحكم هذا المعيار

البند الأول: ضابط الجنسية: لقد تبنت هذا الضابط اتفاقيات الملكية الفكرية محل الدراسة كلها وهو يقوم على مد القواعد الاتفاقية إلى كل الأشخاص الذين يتمتعون بجنسية إحدى الدول المتعاقدة وسنلاحظ تطبيق المعيار في تلك الاتفاقيات وفق الأتي[34]:

  • أولا اتفاقية تريبس: تعتمد هذه الاتفاقية على ضابط الجنسية لتحديد مصطلح “المواطنين الذي أتت به المادة الأولى من الاتفاقية بقولها على أن تطبق الدول الأعضاء المعاملة المنصوص عليها في هذه الاتفاقية على مواطني البلدان الأخرى الأعضاء”. بالرغم أن تعريف المواطنين “ينصرف إلى الأشخاص الذين يقيمون أو يملكون منشأت في البلد الطرف فقط فإن ذلك لا يعني استبعاد الجنسية كضابط لتحديد فئة المواطنين ” الذين تنطبق عليهم أحكام الاتفاقية فالفقرة الأولى تلزم البلدان الأعضاء بتنفيذ أحكام هذه الاتفاقية ، وعندما تنص الفقرة الثالثة بأن تطبق الدول الأعضاء المعاملة المنصوص عليها في هذه الاتفاقية على مواطنى البلدان الأخرى الأعضاء فإن الفهم المستفاد من وراء تلك النصوص ومن باب أولى أن تطبق أحكام هذه الاتفاقية على أصحاب الحقوق الذين يحملون جنسية إحدى الدول الأعضاء سواء طلبوا الحماية في دولة الجنسية أو دولة المنشأ أو أية دولة طرف أخرى ذلك أن تطبيق أحكام الاتفاقية ينصرف إلى كافة أقاليم الدول الأعضاء في منظمة التجارة العالمية بما فيها دولة الجنسية أو دولة المنشأ

ثانيا اتفاقية بيرن لحماية الملكية الأدبية والفنية : يتمثل المعيار الشخصي كمؤهل لتحديد نطاق سريان اتفاقية بيرن في الاعتماد على جنسية المؤلف كامل لذلك بحيث لو جبت الفقرة ) الأولى من المادة الثالثة بأن تشمل الحماية المنصوص عليها في الاتفاقية المؤلفين من مواطني إحدى دول الاتحاد عن مصنفاتهم سواء أكانت منشورة أم لم تكن (٢) ، حيث لا ينظر إلا إلى جنسية المؤلف في هذه الحالة ) . وتطبيقا لذلك إذا كان المؤلف ينتمي إلى إحدى الدول الأعضاء في الاتفاقية فتمتد إليه أحكام الحماية الواردة فيها دون الاهتمام بالمصنف من حيث كونه منشورا لم لا توفي حالة النشر دون الأخذ لمكان النشر أية أهمية.

ثالثا . اتفاقية باريس : أخذت هذه الاتفاقية بضابط الجنسية حيث أجازت لكل شخص من مواطني دول اتحاد باريس أن يتمتع في جميع الدول الأخرى بالنسبة لحماية حقوق الملكية الصناعية بالمزايا التي تمنحها قوانين تلك الدول للمواطنين وذلك دون الإخلال بالحقوق الواردة بصفة خاصة في الاتفاقية وإن كان هذا النص يتكلم أساسا عن مبدأ المعاملة الوطنية إلا أنه نص على حق مواطني دول الاتحاد بالاستفادة من الحقوق المنصوص عليها بشكل خاص في اتفاقية باريس مما يتيح لمواطني تلك الدول من الإفادة من حماية تلك الاتفاقية. وتأكيدا على ذلك تقضي الفقرة الثانية من المادة الثانية بعدم جواز فرض أي شرط خاص بالإقامة أو بوجود منشأة في الدول التي تطلب فيها الحماية على مواطني دول الاتحاد للتمتع بأي حق من حقوق الملكية الصناعية فهي تكتفي بالمعيار الشخصي متمثلا بضابط الجنسية وحده للاستفادة من أحكام الاتفاقية، وترفض أن تقيم المعيار الإقليمي كشرط إضافي إلى جانب المعيار الشخصي لتقرير ذلك، فكل منهما يصلح معيارا مستقلا لبسط تلك الحماية، وذلك باعتبار الجنسية ضابطا كافيا للاستفادة من أحكام الاتفاقية لكن هل حكم الاتفاقية بأن يتمتع رعايا كل دولة من دول الاتحاد الذي قيدته بأن يكون في جميع دول الاتحاد الأخرى… يدل على حرمان مواطني دول الاتحاد بالاستفادة من أحكام الاتفاقية في دولة المنشأ أو دولة الجنسية كما في اتفاقية بيرن أم يمكن أن يتمتعوا بتلك الحماية ؟

فهل ترى أن المصري الذي يسجل علامته في مصر بموجب المادة (٣/٦) له أن يسجل هذه العلامة كما هي في الأردن ولو كان تسجيلها فيها محظورا بموجب القانون الأردني؟ إجابة هذا السؤال خلافية فالفقه الفرنسي استقر على أن حق الخيار ما بين تطبيق أحكام القانون الداخلي وتطبيق الأحكام الموضوعية الواردة في الاتفاقية لا يقتصر على رعايا دول الاتحاد من الأجانب بل يثبت كذلك للوطنيين باعتبارهم من رعايا دولة اتحادية ذلك حتى لا يترتب خلاف على تمتع الأجنبي الذي يطالب بتطبيق أحكام الاتفاقية بمستوى من الحماية افضل من الذي يتمتع به المواطن في وطنه. إلا أن رأيا آخر يعتقد أن التمسك بحرفية نص المادة الثانية يؤدي إلى استحالة أن يستفيد مواطنو الدولة المطلوب توفير الحماية فيها من أحكاء الاتفاقية تمسكا بعبارة في جميع دول الاتحاد الأخرى. وأرجح الحل الأول ذلك أن ترتيب الأمور يوجب ألا يتمتع الأجانب في دولة طلب الحماية بمستوى من الحماية افضل من المستوى الذي يتمتع به مواطنو تلك الدولة ، فيجب من أحكام الاتفاقية إلى هذه الفئة الأخيرة من أصحاب الحقوق لأن الاتفاقية تجعل توحيد أحكام قوانين الملكية الصناعية الداخلية أحد أهدافها، كما أن الاتفاقية عقدت لتقرر حدا أدنى من القواعد الموضوعية التي تنظم حماية حقوق الملكية الصناعية التي لا يجوز المساس بها أو التنازل عن مستواها فيجب على جميع الدول الأعضاء احترام ذلك ببناء المركز القانوني للمستفيدين من أحكامها الذي يلائم مستوى الاتفاقية وأول ما تبتدئ الاتفاقية بتوجيه خطابها إليه بالتزام الدول باحترام ذلك إلى مواطني الدولة ذاتها فالدولة تشرع القوانين الداخلية وتعقد الاتفاقيات الدولية التي تهدف ابتداء إلى تحقيق مصالحها ومصالح مواطنيها وهذا يستبعد عدم سريان أحكام الاتفاقية على مواطني الدولة ذاتها ما دام لا يوجد نص تقالي صريح يقضي بذلك الاتفاقية ترمي إلى رفع مستوى الحماية التي تمنح للأجنبي حتى تتساوى مع التي يتمتع بها الوطني، فلا يمكن أن تأتي الاتفاقية لتغير ذلك رأسا على عقب .

كما إن الاتفاقية تفترض ضمنا أن يتمتع مواطنو الدولة الطرف بالحماية القانونية فيها سواء الداخلية أو الاتفاقية فلم تنص صراحة على ذلك لأنه حصل على الحد الأدنى وواجب الاتفاقية أن تبحث عن تأمين الحماية المناسبة له في دول الاتحاد الأخرى)[35].

رابعا . اتفاقية الملكية الفكرية فيما يختص بالدوائر المتكاملة اتفاقية واشنطن تحكم المادة السادسة من الاتفاقية تحديد نطاق سريان الاتفاقية وان كانت تتكلم عن مبدأ المعاملة الوطنية وتحدد فئة الأشخاص الذين يستفيدون من أحكامه إلا لله يمكن مد ذلك إلى الأحكام الموضوعية الواردة في الاتفاقية حيث اعتمدت على المعيار الشخصي في ذلك وقضت بان يمنح كل طرف متعاقد في أراضيه المعاملة ذاتها التي يمنحها لمواطنيه للأشخاص الطبيعيين من مواطني أي طرف من الأطراف المتعاقدة الأخرى ، ويتم هذا إعمالا لضابط الجنسية . خامسا اتفاقية روما لسنة ١٩٦١ تبنت هذا الضابط عند حديثها عن نطاق مبدأ المعامل الوطنية ،حيث أوجبت أن تخضع تلك المعاملة للحماية التي تكفلها الاتفاقية وللقيود التي تنص عليها صراحة وبذلك تشكل أحكام الاتفاقية حدا أدنى من التنظيم يجب على الدول الأطراف احترامه عند تنظيم احكام المعاملة الوطنية.

البند الثاني : الضابط العيني يتمثل هذا الضابط في الإقامة وقد طبقته اتفاقيات الملكية الفكرية وفق الآتي : أولا اتفاقية تريبس : يقضي هذا الضابط بأن المواطنين في حالة البلد العضو في منظمة التجارة العالمية – الذي هو إقليم جمركي منفصل – هم الأشخاص الطبيعيون أو الاعتباريون المقيمون في ذلك الإقليم الجمركي فيجوز تطبيق أحكام الاتفاقية على كل شخص طبيعي أو معنوي يقيم في بلد عضو في منظمة التجارة العالمية. والسبب في الاعتماد على الإقامة بدل الموطن أنه يسهل إثبات الإقامة عند التنازع خلافا للموطن الذي بعد من المفاهيم القانونية التي تختلف باختلاف قوانين الدول.

ثانيا اتفاقية ببرن لحماية الملكية الأدبية والفنية : يقوم ضابط الإقامة في تحديد هيئة المعيار الشخصي حيث يؤدي دوره عند تخلف الضابط الأول وذلك عندما قالت الفقرة الثانية من المادة الثالثة أنه في تطبيق أحكام اتفاقية ببرن يعامل المؤلفون من غير رعايا إحدى دول الاتحاد الذين تكون إقامتهم العادية في إحدى هذه الدول معاملة المؤلفين من رعايا تلك الدولة ، اي انه إذا كان المؤلف لا ينتمي إلى دولة طرف في الاتفاقية ولكن اقامته العادية في إحدى الدول الأعضاء، فإنه سيعامل بالمعاملة ذاتها التي تطبق على المؤلفين من رعايا الدولة الطرف التي يقيم فيها بالتالي ستطبق عليه أحكام الاتفاقية. وبعد تطبيقا لضابط الإقامة ما جاءت به الفقرة (أ) من المادة الرابعة التي قررت سريان الحماية المقررة في الاتفاقية مولو لم تتوافر الشروط الواردة في المادة (2) على مؤلف المصنفات السينمائية التي يكون مقر منتجها أو محل إقامته المعتادة في إحدى دول الاتحاد وفق تعديل استوكهولم في ١٩٤٨/٦/٢٩ ولن يكون بلد المؤلف هو المعيار في ذلك ولان ذلك سيؤدي إلى تمتع عدد أكبر من المصنفات بالحماية وبعد هذا توسعا من الاتفاقية لضمان بسط أحكامها على أكبر قدر ممكن من المصنفات”. وبذلك لا أؤيد التفسير الذي يعد هذا النوع من الحماية إعمالا لمعيار ذي طبيعة مزدوجة خيعتبر مكان إقامة المنتج معيارا شخصيا وإقليميا في الوقت نفسه يتعلق الأخذ به بطائفة معينة من المصنفات هي المصنفات السينمائية. ومع أن اتفاقية بيون رسمت لنفسها طريقا واسعا لتحديد مجال سريان أحكامها ، إلا أنها تبلت حكما شاذا يخالف منهجيتها العامة تلك ويتناقض مع منهجية الاتفاقيات الأخرى حيث أخرجت المصنفات في دولة المنشأ من نطاق سريانها و قصرت الحماية فيها إلى التشريع الوطني لتلك الدولة موإذا كان يبرر ذلك بتعلق تلك المصنفات بتنظيم مسألة وطنية من الأفضل أن يترك شانها للقانون الوطني لبلد الأصل[36].

أن طلب الحماية وفق الطريق الأول يؤمن للمؤلف مستوى أفضل من الحماية مما لو طلبها وفق الطريق الآخر ، إلا أن اتفاقية بيرن جعلت عكس ذلك هو الصحيح، فمصلحة المؤلف تقضي بأن يطلب الحماية في أية دولة اتحادية أخرى غير دولة المنشأ لأن ذلك سيفتح أمامه مجال الاستفادة من الحماية الاتفاقية مما قد يؤدي إلى هروب المؤلفين من طلب الحماية في دولة المنشأ إلى دول الاتحاد الأخرى ، وهذه تفرقة لا مبرر لها وفيها إخلال بمبدأ المساواة بين المصنفات إذ يجب معاملة المصنفات المتماثلة بحماية موحدة وبذلك كان على اتفاقية بيرن لتفادي ذلك أن تنص بأن الحماية في دولة المنشأ يحكمها التشريع الوطني بالإضافة إلى

البند الثالث قواعد خاصة تحكم المعيار الشخصي ان سبب إفراد بند مستقل لذلك وجود قواعد تتعلق بهذا المعيار نظمتها بعض اتفاقيات الملكية الفكرية ولا تحكم كل الاتفاقيات موهذه القواعد هي [37]:

أولا ضوابط خاصة في بعض الاتفاقيات جاءت بعض الاتفاقيات بضوابط خاصة تتعلق بالمعيار الشخصي تختلف أو تتميز عن الضوابط السابقة . ضابط يجمع ضوابط الاتفاقيات الأخرى . يمثل هذا ضابطا ثالثا اعتمدته اتفاقية تربيس لتحديد مصطلح “المواطنين حيث اعتبرت مني مواطني البلدان الأخرى فيما يتعلق بحقوق الملكية الفكرية ذات الصلة الأشخاص الطبيعيين أو الاعتباريين الذين يستوفون مقاييس الأهلية اللازمة للحماية المنصوص عليها في اتفاقيات باريس ( ١٩٦٧ ) وبيرن (۱۹۷۱) موروما (۱۹٦١) والملكية الفكرية فيمل يتصل بالدوائر المتكاملة (۱۹۸۹) إذا كانت جميع البلدان الأعضاء في منظمة التجارة العالمية من البلدان الموقعة على هذه الاتفاقيات ، والسبب في تبني هذا الضابط أن الاتفاقية اعتمدت على الأحكام الموضوعية الواردة في تلك الاتفاقيات وجعلتها جزءا من أحكامها

  • الضابط المختلط في الاتفاقية العربية : إن سبب جعل هذا الضابط مستقلا عن ضابطي الجنسية والعيني أنه يوجد خلاف حول طبيعة علاقة هذين الضابطين في ظل الاتفاقية العربية ، فهل تحقق أحد هذين الضابطين دون الآخر يكفي لتطبيق أحكام الاتفاقية أم لابد من تحقق الضابطين معا ؟ تحدثت المادة (٢٦) عن نطاق سريان أحكام هذه الاتفاقية، فكانت الفقرة الأولى منها محل المعيار الشخصي حيث قضت بأن تسري أحكام الاتفاقية على مصنفات المؤلفين العرب من مواطني الدول العربية الأعضاء والذين يتخذون منها مكان إقامتهم العادية فتثير هذه الصباغة إشكالية تتعلق في أنه هل يشترط لسريان أحكام هذه الاتفاقية توافر ضابط الإقامة إلى جانب ضابط الجنسية بمعنى يشترط لسريان أحكام الاتفاقية أن يحمل مؤلف المصنف جنسية إحدى الدول العربية الأعضاء في الاتفاقية وأن تكون مكان إقامته العادية في إحدى تلك الدول، أم تفسر تلك الصباغة على أساس صلاحية كل ضابط لوحده كمبرر لتطبيق أحكام الاتفاقية فتسوي على المصنفات التي يتمتع مؤلفوها بجنسية إحدى الدول العربية الأعضاء وعلى المصنفات التي يتخذ مؤلفوها من إحدى الدول الأعضاء مكان إقامته العادية . يؤيد بعضهم التفسير الثاني حيث يرى بأن يعود اشتراط الإقامة العادية على المؤلفين العرب باعتبار هذه طائفة ثانية من المؤلفين المستفيدين من أحكام المعاهدة بالإضافة إلى المؤلفين المنتمين إلى إحدى الدول الأعضاء في المعاهدة ” فالاتفاقية تساوي بين المؤلفين الذين يحملون جنسية إحدى الدول الأعضاء والمؤلفين الذين يتخذون منها محل اقامتهم العادية ويضيف هذا التغير إلى المؤلفين في شرط الإقامة أن يكونوا عربا فلا يستفيد من أحكام الاتفاقية تبعا لذلك المؤلفين الأجانب الذين لا ينتمون إلى أية دولة عربية حتى لو كانت إقامتهم العادية في إحدى الدول الأعضاء في الاتفاقية يوارى وجاهة هذا التصير الذي يتوافق نوعا ما مع طبيعة حق المؤلف المرتبط بشخصية صاحبه الذي يوجب حماية هذا الحق على أوسع نطاق كما يلبي منهجية الاتفاقيات الدولية الأخرى في تحديد نطاق سريانها . وبذلك وفق هذا النفس تسري أحكام الاتفاقية على : أ. مصنفات المؤلفين العرب من مواطني الدول العربية الأعضاء. ب مصنفات المؤلفين العرب الذين يتخذون من الدول العربية الأعضاء محل إقامتهم العادية. ويعين على هذا الفهم ما ورد في الفقرة (ب) من المادة (٢٦) التي تتحدث عن سريان الاتفاقية على مصنفات المؤلفين الأجانب غير المقيمين في الدول الأعضاء بشروط معينة، فالفقرة (ب) من المادة (٢٦) حددت شروط سريان الاتفاقية على مصنفات المؤلفين الأجانب غير المقيمين في إحدى الدول الأعضاء في الاتفاقية وهذا يدعو إلى القول بأن عدم الإقامة بعد سببا لتشدد سويان الاتفاقية وعليه تقول إن المؤلف الأجنبي إذا كان يقيم في دولة طرف. مستخلف عنه شروط سريان الاتفاقية وهذا يبرر القول أن الفقرة (أ) من المادة (٢٦) عندما تتحدث عن المؤلفين الذين يتخذون إحدى الدول الأعضاء محل إقامتهم العادية فإنها بذلك تشمل أيضا المؤلفين الاجانب[38].

المطلب الخامس: موقف دولة قطر من حقوق الملكية الفكرية

وأن دولة قطر اهتمت برفع الوعي بحقوق الملكية الفكرية وحماية حقوق المؤلفين والشركات من خلال حزمة من التشريعات والقوانين، مثل القانون رقم (7) لسنة 2002 بشأن حماية حق المؤلف والحقوق المجاورة، والقانون رقم (6) لسنة 2005 بشأن حماية تصاميم الدوائر المتكاملة، والقانون رقم (5) لسنة 2005 بشأن حماية الأسرار التجارية، إضافة إلى قرار مجلس الوزراء رقم (45) لسنة 2017 بإنشاء لجنة إعداد الإستراتيجية الوطنية للملكية الفكرية والابتكار.

كما أنه توجد إدارة حماية الملكية الفكرية بوزارة التجارة والصناعة تختص بالتعامل بكل ما يتعلق بحقوق الملكية الفكرية.

كما أن قانون حماية الملكية الفكرية القطري يضمن ويحمي حقوق الأفراد والأشخاص والمؤسسات والشركات فيما يتعلق بالمؤلفات والعلامات التجارية والأسرار التجارية وغيرها وأن الأفكار المسجلة لدى الإدارة وتكون محمية دولياً أيضاً وفقاً لمعاهدة نظام الحماية العالمي (الويبو).

ويحمي التشريع القطري المصنفات أيا كانت قيمتها أو نوعيتها أو الغرض من تأليفها أو طريقة التعبير عنها، والشرط الوحيد المستلزم في هذا الشأن هو الابتكار، فيجب أن يكون للمصنف طابع ابتكاري حتى يحميه القانون.

ولا تنطوي القائمة التمثيلية التي أوردها المشرع في القانون على حصر لكل ما هو مبتكر من مصنفات فكرية، فبعد أن عرف المصنف بأنه كل عمل ادبي أو فني مبتكر، أكد على أن حمايته تتصرف إلى عنوان المصنف إذا كأن متميزا بطابع ابتكاري ولم يكن لفظا جاريا للدلالة على موضوع المصنف.

كما حرص المشرع على التأكيد على أن الحماية لا تشمل مجرد الأفكار والإجراءات وأساليب العمل والمفاهيم الرياضية والمبادئ والحقائق المجردة مقننا بذلك الاتجاه الدولي الذي يشجع على اعتبار كل ما تقدم من “مفردات التأليف” شأنها شأن حروف الهجاء التي لا يجوز أن يستأثر بها شخص بعينه بل يكون للجميع الاستفادة منها من منطلق أنها ليست مبتكرة (المادة 4-3)، فإذا كانت مبتكرة انسحبت إليها الحماية. مفاد ذلك أن الشرط الجوهري والمعيار الحاكم للحماية هو الابتكار وحده دون غيره. مفاد ذلك أن التعبير عن أي مما تقدم في مصنف على سبيل الوصف أو التوضيح أو حتى الإدراج ضمنه، لا يسبغ عليه الحماية مادام الابتكار منتفيا. عالج المشرع القطري لأول مرة الحقوق المجاورة وهي حقوق قررها لصالح طوائف ثلاثة من المجاورين للمؤلف، وخصهم بحقوق استئثاريه. ونوضح فيما يلي تفصيل ما تقدم:

أولا: فنانو الأداء: يتمتع هؤلاء بحقوق أدبية ومالية، على النحو التالي:[39]

  1. الحقوق الأدبية، وتتمثل في الحق في نسبة أدائهم إليهم إلا إذا كانت طريقة الانتفاع بالأداء تتعارض-من وجهة تقنية أو عملية -مع ذكر أسمائهم أو صفاتهم والحق في أي تحريف أو تشويه أو تغيير في أدائهم يمس سمعتهم.
  2. الحقوق المالية وتتمثل في بث وإذاعة أدائهم غير المثبت أو نقله إلى الجمهور، والتثبيت أو التسجيل لأدائهم السمعي الذي لم يثبت بعد، ونسخ التسجيلات السمعية التي تتضمن تثبيتا غير مجاز-أي غير مرخص به-منهم لأدائهم، والتأجير التجاري للتسجيلات السمعية المتضمنة أدائهم التوزيع للجمهور من خلال البيع للتسجيلات السمعية المتضمنة أداءهم.

ولم يفت المشرع القطري أن يشير إلى أن أحكامه “نصف آمرة”، أي لا يمكن أن يفسر أي حكم منها بأنه يحرم فنان الأداء من إبرام عقود يتفقون فيها على شروط أفضل بالنسبة إلى أدائهم.

الخاتمة:

يعد مصطلح ” الملكية الفكرية ” مصطلحاً جامعاً يشمل عدداً من الأنظمة القانونية المميزة التي تُنشئ حقوقاً للملكية الخاصة بشأن الأصول غير الملموسة، وهناك أنظمة قانونية محددة تتعلق بحقوق التأليف والنشر وبراءات الاختراع والعلامات التجارية والتصميمات الصناعية والأسرار التجارية، إلى غير ذلك، وكل من تلك الأنظمة ينظم أشكالاً مختلفة من الملكية الفكرية، ويحدد أنواع الإبداعات التي تنطبق عليها، وقواعد تحديد ما إذا كانت مواد معينة مؤهلة للحماية القانونية، وأي من أشكال السلوك ستعتبر انتهاكاً لحقوق المالك الحصرية، ووضع العقوبات القانونية على تلك الأفعال.

نظرا للأهمية المتزايدة لحقوق الملكية، لحقوق الملكية الفكرية، فإن مسألة تنظيم أحكامها وحمايتها، لم تبق حكرا على التشريعات الوطنية، لان حماية الحقوق الفكرية وفقا لهذه الأخيرة، ويقتصر أثرها على إقليم الدولة، تبعا لمبدأ إقليمية القوانين من جهة، ولمبدأ سيادة الدول من جهة أخرى، لذا فقد أبرمت عدة اتفاقيات دولية تنظم الحقوق الفكرية على مستوى الدولي.

أولا: في مجال الملكية الصناعية والتجارية على وجه العموم:

اتفاقية باريس لحماية الملكية الصناعية والتجارية لسنة 1883:

وضعت هذه الاتفاقية في 23 مارس 1883، وتعتبر أول اتفاقية دولية تنظم حقوق الملكية الصناعية والتجارية على المستوى الدولي، ثم عقبتها عدة اتفاقيات شملت الجوانب المتعددة لحقل الحقوق الفكرية.

ثانيًا: في مجال براءات الاختراع:

اتفاقية التعاون الدولي بشأن البراءات لعام 1990.

اتفاقية استراسبورج بشأن التصنيف الدولي لبراءات الاختراع لعام 1991.

اتفاق بودابست بشأن الاعتراف الدولي بإيداع الكائنات الدقيقة لأغراض تقديم البراءات لعام 1999.

ثالثا: في مجال العلامات التجارية:

اتفاقية مدريد بشأن التسجيل الدولي للعلامات لعام 1791.

بروتوكول اتفاق مدريد بشأن التسجيل الدولي للعلامات التجارية لعام 1989.

اتفاق نيس بشأن التصنيف الدولي للبضائع والخدمات لأغراض تسجيل العلامات لعام 1959.

اتفاق فيينا المنشئ للتصنيف الدولي للعناصر المميزة للعلامات لعام 1973.

اتفاقية قانون العلامات التجارية لعام 1992.

رابعا: في مجال النماذج الصناعية:

اتفاقية لاهاي بشأن الإيداع الدولي للنماذج الصناعية لعام 1965.

اتفاق لوكارنو المنشئ للتصنيف الدولي للنماذج الصناعية لعام 1967.

صياغة جنيف لاتفاق لاهاي بشأن التسجيل الدولي للرسوم والنماذج الصناعية لعام 1999.

خامسا: في مجال دلالات المنشأ والمصدر:

اتفاق مدريد لتجريم البيانات الخاطئة أو المظللة عن منشأ البضائع لعام 1891.

اتفاق لشبونة لحماية دلالات المصدر وتسجيلها دوليا لعام 1891.

سادسا: في مجال حماية الأنواع الجديدة للنباتات:

اتفاقية نيروبي بشأن حماية الشعار الأولمبي لعام 1981.

سابعا: في مجال حقوق المؤلف:

اتفاقية برن لحماية المصنفات الأدبية والفنية الموقعة في 09/11/1880.

الاتفاقية العالمية لحقوق المؤلف الموقعة في جنيف 02/11/1902.

اتفاقية مدريد لتفادي الازدواج الضريبي على جعائل حقوق المؤلفين الموقعة في 23/12/1979.

اتفاقية التسجيل الدولي للمصنفات السمعية والبصرية الموقعة في جنيف 17/04/1979.

اتفاقية واشنطن لحماية الدوائر المتكاملة الموقعة في 26/05/1979.

معاهدة الويبو بشأن حق المؤلف الموقعة في 20/12/1997.

ثامنا: في مجال الحقوق المجاورة لحقوق المؤلف:

اتفاقية روما بشأن حماية فناني الأداء ومنتجي التسجيلات الصوتية وهيئات الإذاعة لعام 1961.

اتفاقية جنيف بشأن حماية منتجي الفونوغرامات (التسجيلات) من استنساخ فونوغراناتهم دون تصريح لعام 1981.

اتفاقية بروكسل بشأن توزيع الإشارات الحاملة للبرامج المرسلة عبر التوابع الصناعية لعام 1983.

تلك المعاهدات والاتفاقيات في حقول الملكية الفكرية على وجه الذكر لا على سبيل الحصر ويجدر التنبيه بأن الهدف منها يتمحور في توفير أقصى قدر ممكن من حماية الملكية الفكرية على المستوى الدولي، لذلك خضعت تلك الاتفاقيات والمعاهدات للتعديل من وقت لآخر، مما جعلها قادرة على مواكبة ما يستجد من تطورات خاصة إذا ما أخذنا في الاعتبار ما حوته المنظمات الدولية الناشطة في حماية الملكية الفكرية.

ويعد ظهور المنظمة العالمية للتجارة، والتي أعطي لها مهمة تنمية التجارة الدولية لم تغض النظر عن مجال حقوق الملكية الفكرية، بل ورد في إطارها على شكل اتفاقية تمثلت في اتفاق جوانب الحقوق الفكرية المتصلة بالتجارة [ التريبس ] وفي هذا الصدد يجدر بنا الإشارة إلى أن هذا الاتفاق قد تم طرحه من قبل الولايات المتحدة الأمريكية لغايات تعديل اتفاقية الجات وكان ذلك في نهاية دورة طوكيو المتعلقة بخفض القيود الجمركية، وعلى هذا الأساس يمكن القول أن الولايات المتحدة الأمريكية لعبت دور مهم في وضع أسس حق الملكية الفكرية باعتبار أن هذه الأخيرة في القرن العشرين أصبحت هي المصدرة لهذه الأعمال ولكافة دول العالم، لذا تزايد القلق الأمريكي من عمليات النسخ غير القانوني للأعمال الفكرية وبرامج الحاسبات.

وصدر أول تشريع حمائي لحق المؤلف في العالم في (10) من شهر أبريل/ نيسان سنة ” 1710 في إنجلترا. وقد اعترف هذا التشريع -المعروف باسم تشريع الملكة أن -لأول مرة بحق استئثاري لمؤلفي الكتب، كذلك سمح لهم هذا القانون بأن يكون لهم وحدهم الترخيص بطباعة مصنفاتهم.

وفي عام 1791، أصدر رجال الثورة الفرنسية أول قانون فرنسي لحماية حق المؤلف بعد أن كان هذا الحق مقصورا على من يأذن له الملك به من الكتاب. ونصت المادة الأولي من هذا القانون على أنه: “لا يمكن تمثيل مؤلفات

المؤلفين الأحياء على أي مسرح عام، في كل أرجاء فرنسا، بدون الرضا القاطع المكتوب من المؤلفين، وإلا تعرض المخالف إلى مصادرة الناتج الكلي لحفلات التمثيل “.

وكان يجب انتظار صدور قانون (19) من شهر يوليه / تموز سنة 1793 ليستفيد رجال الأدب من هذه الحماية التشريعية، وقد حل محل هذا القانون قانون آخر في (11) من مارس / آذار 1957 وما زال هذا القانون معمولا به حتى الأن، وأن كان قد تم تنقيحه مؤخرا في الثالث من يوليه / تموز سنة 1985 بموجب الجزء الأول الخاص بالأحكام الموضوعية للملكية الفكرية وذلك بالقانون رقم 597-92 في الأول من يوليه / تموز سنة 1992، وتحتل النصوص الخاصة بحماية حق المؤلف المواد من 111-1 حتى 335-8 من هذا التقنين الذي نشر في (3) من يوليه / تموز سنة 1992 في الجريدة الرسمية الفرنسية.

وعليه توصلت الدراسة إلى النتائج التالية

  • إن قواعد الإسناد العادية التي نظمها القانون المدني غير مختصة بحكم حقوق الملكية الفكرية حيث أدى ذلك إلى ظهور نظريات عدة تتعلق بتحديد القانون الواجب التطبيق على هذه الحقوق، ولقد توصلت إلى أن قانون بلد طلب الحماية هو القانون المختص تحكم هذه الحقوق عندما ترتبط بعلاقات تنازع القوانين، وذلك من خلال تحليل قوانين الملكية الفكرية الوطنية واتفاقيات للملكية الفكرية الدولية التي تعطي هذه الحقوق الحقوق نفسها التي يتمتع بها الوطنيون، بل إن هذه الاتفاقيات تتضمن أحياناً قواعد إسناد صريحة تحكم تطبيق هذا القانون.
  • بالرغم من أن قانون بلد طلب الحماية هو لمختص أصلاً بحكم هذه الحقوق، إلا أن هناك حالات تشكل استثناء يستبعد فيه اللجوء إلى هذا القانون الحكم تلك الحقوق، ويستعان بقوانين أخرى لحكمها استناداً إلى قواعد إسناد اتفاقية كالقواعد المتعلقة بتطبيق قانون الجنسية أو قانون المنشأ، أو قواعد الإسناد الداخلية كتطبيق القانون المختص تنظيم العقود على العقود المرتبطة بحقوق الملكية الفكرية.
  • تمارس الاتفاقيات الدولية دوراً مهماً في مجال حقوق الملكية الفكرية لما تتضمنه من قواعد إسناد وقواعد موضوعية تنظم هذه الحقوق، وتترك أثراً كبيراً في القانون الدولي الخاص ، كما أن أحكام هذه الاتفاقيات تلافي مالاً للتطبيق في النظام القانوني الداخلي لما أعطته لنفسها من إمكانية تطبيقها استناداً لمبدأ الحد الأدنى من الحماية والدولة الأولى بالرعاية أو لأن القوانين الداخلية تستند إلى هذه الاتفاقيات محالاً للتطبيق.
  • إن قواعد الحماية القانونية لحقوق الملكية الفكرية تختلف في النطاق الداخلي عن النطاق الدولي، فعلى الصعيد الداخلي تختلف مواقف التشريعات فبعض الدول وضعت تشريعات للحماية القانونية منذ سنوات بعيدة ولم تعدلها وبعضها الآخر يواكب التطور التكنولوجي ويسارع في إصدار تشريعات لضمان الحماية التي تتماشى مع التطورات المتلاحقة.
  • كل هذه القوانين والتشريعات التي أصدرēا معظم الدول لم تقف حائل في مجال التعدي على تلك الحقوق، والحفاظ على سرية وأمن المعلومات وخصوصيتها، فقد ّحذر الخبراء وذلك من تفاقم أزمة أمن المعلومات خصوصا في المنطقة العربية.
  • إن المصنفات الرقمية بمختلف أشكالها تكتسي أهمية كبيرة، وقد اعتبرت بالنسبة للاتفاقيات الدولية الخاصة بالملكية الفكرية من صنفات الذهنية والأدبية التي تمت حمايتها على أساس قوانين التأليف ق قانون الملكية الفكرية داخل الشبكة تماما كما يطبق ّخارجها.
  • نظرا للصعوبات الناتجة عن تطبيق قانون الملكية التقليدي عقدت عدة مؤتمرات وندوات عبر العالم، ومن هنا برزت حلول خاصة كوضع قانون خاص بالإعلام الآلي يوفر حماية أوسع من الحماية التي يوفرها قانون الملكية الفكرية.
  • أي انتهاك واعتداء لهذه الحقوق دون إجازة أو ترخيص مسبق من صاحب الحق يترتب عليه المسؤولية الجزائية والمدنية.

التوصيات

من خلال نتائج الدراسة تمّ التوصل إلى النتائج الآتية

  • إن حماية الملكية الفكرية تقتضي توفير بنية تحتية قانونية تكفل قيام اطار قانوني سليم لممارسة هذه الحقوق وضمان حمايتها ومواكبة تطورها بالرغم من ان النظام القانوني المتعلق بحماية حقوق الملكية الفكرية يعتبر نظاما حديثا إلا أن تفعيل هذا النظام من قبل الدول يعد من العوامل المساعدة على نجاح هذا النظام وحمايته.
  • سن تشريعات جديدة أو تعديلها تكون مواكبة للتطورات التكنولوجية الحاصلة في مجال النشر في البيئة الرقمية.

قائمة المراجع

  • أحمد أنور بدر. حقوق الملكية الفكرية والرقابة على المصنفات : دراسات فى التأييد  والمعارضة ودور العموميات الخلاقة فى حماية هذه الحقوق بالعصر الرقمى. القاهرة : المكتبة الاكاديمية، 2013. ص 149 ،وانظر: موفق العصار. مناهضة حقوق الملكية الفكرية ودور العموميات الخلاقة فى العصر الرقمى : دراسة تحليلية . أطروحة ماجستير – جامعة الاسكندرية، 2012، 39.
  • أحمد عبد الكريم سلامة، علم قاعدة التنازع والاختيار بين الشرائع، مكتبة الجلاء الجديدة 1996، ص 55
  • اسلام الجعافرة، مدى إمكانية التحكيم في منازعات الملكية الفكرية، رسالة ماجستير غير منشورة، جامعة مؤتة، ص 26.
  • آمنة الكواري: أطر تشريعية وقانونية متكاملة لتعزيز حقوق الملكية في قطر، 2018، ص1.
  • باسم الجحيشي، قواعد الإسناد الواجبة التطبيق على حقوق الملكية الفكرية: دراسة مقارنة، مجلة الجامعة العراقية , ع54, ج1، ص 261.
  • جابر جاد عبد الرحمن، تنازع القوانين، دار النهضة العربية، 1981، ص 20-23.
  • حبيب العماري، تنازع الاختصاص التشريعي بشأن حق المؤلف واستغلاله، مجلة جامعة بابل – العلوم الانسانية , مج27, ع3، ص 82-85.
  • حميد محمد على اللهبي، الحماية القانونية لحقوق الملكية الفكرية في إطار منظمة التجارة العالمية، المركز القومي للإصدارات القانونية، مصر، الطبعة الأولى، 2011، 47
  • رمزي رشاد عبد الرحمن الشيخ ، المصنفات المشتقة، حقوق والتزامات مؤلفي المصنفات المشتقة، در الجامعة الجديدة ، 2015، ص 75.
  • سليمان قنقارة، دراسة تحليلية في مفهوم براءة الاختراع وخضوع منازعاتها لنظام التحكيم، المجلة الأكاديمية للبحوث القانونية والسياسية , ع3، 2018، ص 353.
  • السيد عبد الوهاب عرفة، الوسيط في حماية حقوق الملكية الفكرية، الإسكندرية، دار المطبوعات الجامعية، 2004م،ص95.
  • عبد الجليل فضيل البرعصي، نشأة حقوق الملكية الفكرية وتطورها، مجلس الثقافة العام، 2006، ليبيا، ص. 17.
  • عبد الله السند يمامة، حقوق المؤلف وفقا لأتفاقية المسائل التجارية المتعلقة بحقوق الملكية الفكرية ” تربس” والتشريع المصري، بدون دار نشر، 1998، ص 89.
  • عبدالله البوسي، دور القواعد الموضوعية ومنهج الإسناد في فض تنازع القوانين في مسائل الفعل الضار الناتج عن الاعتداء، مجلة جامعة جنوب الوادي الدولية للدراسات القانونية , 2020، ع5، 241- 320.
  • محمد الروبي، تنازع القوانين في مجال الالتزامات غير التعاقدية، دار النهضة العربية ، 2005، ص18.
  • محمد حسام لطفي ، المرجع العملي في الملكية الادبية والفنية ، ط2 1993 القاهرة، ص18.
  • محمد خليل يوسف، حق المؤلف في القانون، المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر والتوزيع، 2008، ص 131.
  • محمد سعد الرحاحلة، إيناس الخالدي، مقدمات في الملكية الفكرية، دار ومكتبة الحامد للنشر والتوزيع، الأردن، الطبعة الأولى، 2012، ص 34.
  • محمود حجازي: “الحماية القانونية لحقوق الملكية الفكرية في إطار التعاون الدولي والتشريع المصري”- معهد التخطيط القومي- القاهرة- 2005- ص18، 19
  • محمود عبد العزيز، تنازع القوانين في مجال المسئولية التقصيرية: دراسة تطبيقية على مسألة إتاحة المصنفات على شبكة الأنترنت، مجلة البحوث القانونية، 2019، ص 1014.
  • منير محمد الجنبيهي، ممدوح محمد الجنبيهي، التعاون الدولي في مجال حماية حقوق الملكية الفكرية، دار الفكر الجامعي، الاسكندرية، مصر، 2004، ص: 68.
  • نواف كنعان، حق المؤلف، النماذج المعاصرة لحق المؤلف ووسائل حمايته، دار الثقافة للنشر والتوزيع ، 2009، ص 95.

Margins:

  1. محمد سعد الرحاحلة، إيناس الخالدي، مقدمات في الملكية الفكرية، دار ومكتبة الحامد للنشر والتوزيع، الأردن، الطبعة الأولى، 2012، ص 34.
  2. عبد الجليل فضيل البرعصي، نشأة حقوق الملكية الفكرية وتطورها، مجلس الثقافة العام، 2006، ليبيا، ص. 17.
  3. منير محمد الجنبيهي، ممدوح محمد الجنبيهي، التعاون الدولي في مجال حماية حقوق الملكية الفكرية، دار الفكر الجامعي، الاسكندرية، مصر، 2004، ص: 68.
  4. أحمد أنور بدر. حقوق الملكية الفكرية والرقابة على المصنفات : دراسات فى التأييد     والمعارضة ودور العموميات الخلاقة فى حماية هذه الحقوق بالعصر الرقمى. القاهرة : المكتبة الاكاديمية، 2013. ص 149 ،وانظر: موفق العصار. مناهضة حقوق الملكية الفكرية ودور العموميات الخلاقة فى العصر الرقمى : دراسة تحليلية . أطروحة ماجستير – جامعة الاسكندرية، 2012، 39.
  5. محمود حجازي: “الحماية القانونية لحقوق الملكية الفكرية في إطار التعاون الدولي والتشريع المصري”- معهد التخطيط القومي- القاهرة- 2005- ص18، 19
  6. السيد عبد الوهاب عرفة، الوسيط في حماية حقوق الملكية الفكرية، الإسكندرية، دار المطبوعات الجامعية، 2004م،ص95.
  7. حميد محمد على اللهبي، الحماية القانونية لحقوق الملكية الفكرية في إطار منظمة التجارة العالمية، المركز القومي للإصدارات القانونية، مصر، الطبعة الأولى، 2011، 47
  8. محمد حسام لطفي ، المرجع العملي في الملكية الادبية والفنية ، ط2 1993 القاهرة، ص18.
  9. محمد خليل يوسف، حق المؤلف في القانون، المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر والتوزيع، 2008، ص 131.
  10. أحمد عبد الكريم سلامة، علم قاعدة التنازع والاختيار بين الشرائع، مكتبة الجلاء الجديدة 1996، ص 55
  11. محمود عبد العزيز، تنازع القوانين في مجال المسئولية التقصيرية: دراسة تطبيقية على مسألة إتاحة المصنفات على شبكة الأنترنت، مجلة البحوث القانونية، 2019، ص 1014.
  12. أحمد، مرجع سابق، ص 71.
  13. محمود، مرجع سابق، ص 1015.
  14. حبيب العماري، تنازع الاختصاص التشريعي بشأن حق المؤلف واستغلاله، مجلة جامعة بابل – العلوم الانسانية , مج27, ع3، ص85.
  15. باسم الجحيشي، قواعد الإسناد الواجبة التطبيق على حقوق الملكية الفكرية: دراسة مقارنة، مجلة الجامعة العراقية , ع54, ج1، ص 261.
  16. المرجع نفسه، ص 262.
  17. السيد، مرجع سابق، 96- 98.
  18. محمود، مرجع سابق، 1016
  19. الجحيشي، مرجع سابق، 265.
  20. أحمد، مرجع سابق، ص 55
  21. إسلام، مرجع سابق، ص 28.
  22. المرجع نفسه، ص 29.
  23. دور القواعد الموضوعية ومنهج الإسناد في فض تنازع القوانين في مسائل الفعل الضار الناتج عن الاعتداء، مجلة جامعة جنوب الوادي الدولية للدراسات القانونية , 2020، ع5، 241.
  24. إسلام، المرجع السابق، ص 29.
  25. المرجع نفسه، ص 30.
  26. سليمان قنقارة، دراسة تحليلية في مفهوم براءة الاختراع وخضوع منازعاتها لنظام التحكيم، المجلة الأكاديمية للبحوث القانونية والسياسية, ع3، 2018، ص 353.
  27. جابر، المرجع السابق، ص 22.
  28. -عبدالله البوسي، مرجع سابق، 243.
  29. رمزي رشاد عبد الرحمن الشيخ ، المصنفات المشتقة، حقوق والتزامات مؤلفي المصنفات المشتقة، در الجامعة الجديدة ، 2015، ص 75.
  30. عبد الله السند يمامة، حقوق المؤلف وفقا لأتفاقية المسائل التجارية المتعلقة بحقوق الملكية الفكرية ” تربس” والتشريع المصري، بدون دار نشر، 1998، ص 89.
  31. حبيب العماري، تنازع الاختصاص التشريعي بشأن حق المؤلف واستغلاله، مجلة جامعة بابل – العلوم الانسانية , مج27, ع3، ص 82-85.
  32. العماري، مرجع سابق، 93.
  33. السبوسي، مرجع سابق، 245.
  34. سليمان، مرجع سابق، ص 356.
  35. نواف كنعان، حق المؤلف، النماذج المعاصرة لحق المؤلف ووسائل حمايته، دار الثقافة للنشر والتوزيع ، 2009، ص 95.
  36. العماري، مرجع سابق، ص 114.
  37. جابر جاد عبد الرحمن، تنازع القوانين، دار النهضة العربية، 1981، ص 20-23.
  38. محمد الروبي، تنازع القوانين في مجال الالتزامات غير التعاقدية، دار النهضة العربية ، 2005، 18-20.
  39. آمنة الكواري: أطر تشريعية وقانونية متكاملة لتعزيز حقوق الملكية في قطر، 2018، ص1