حقائق ومفاهيم حول المعنى ” بين المعنى النحوي والإعراب “

د. بشــير الســيد أحمــد عجــلان1

1 أستاذ مساعد النحو والصرف، كلية العلوم والآداب بالقريات، قسم اللغة العربية، جامعة الجوف، المملكة العربية السعودية.

بريد الكتروني: heshaban@ju.edu.sa

HNSJ, 2023, 4(4); https://doi.org/10.53796/hnsj4410

Download

تاريخ النشر: 01/04/2023م تاريخ القبول: 14/03/2023م

المستخلص

تكوَّن هذا البحث من خطة جاءت في مقدمة ، وتمهيد ، وفصلين ، وخاتمة ، وفهارس عامة . المقدمة : بينت فيها – بعد حمد الله والثناء على رسوله -صلى الله عليه وسلم – أسباب هذا الموضوع ، وخطته ، ومنهجه ، ومصطلحاته . التمهيد : وعنوانه : الإعراب والمعنى . ذكرت فيه حقيقة الإعراب ، ومراد النحويين من المقولة المشهورة ” الإعراب فرع المعنى ” ووضحت المقولة المقابلة ” المعنى فرع الإعراب ” وبينت أنهما لا يتعارضان ؛ لاختلاف المقصود من المعنى في المقولتين . المبحث الأول : فرضية المعنى من خلال المعنى النحوي وقد بينت في هذا المبحث أن ظاهر التركيب قد يحتمل أكثر من معنى نحوي – كوصفية أو حالية . المبحث الثاني : فرضية المعنى من خلال التتابع الزمني . وقد ذكرت في هذا الفصل دفع المعنى النحوي لما تعددت دلالته .الخاتمة : ذكرت فيها النتائج التي بدت لي من هذه الدراسة. الفهارس : وضعت فهرسًا للمصادر والمراجع ، وفهرسًا لموضوعات البحث حتى يسهل الرجوع إلى مفرداته .

Research title

The meaning between grammatical meaning and parsing

Dr. Bashir Sayed Ahmed Ajlan 1

1 Assistant Professor of Grammar and Morphology, College of Arts and Sciences in Qurayyat, Department of Arabic Language, Al-Jouf University, Kingdom of Saudi Arabia.

Email: heshaban@ju.edu.sa

HNSJ, 2023, 4(4); https://doi.org/10.53796/hnsj4410

Published at 01/04/2023 Accepted at 14/03/2023

Abstract

This research consisted of a plan that came in an introduction, a beginning , two chapters, a conclusion, and general indexes. Introduction: Showed after praising God and praising his Messenger – may God bless him and grant him peace – the reasons for this topic, his plan, its approach and its terminology. Preface: Title: Syntax and Meaning. In it I mentioned the fact of syntax, and what is meant by the grammaticals from the well-known saying, “the syntax is the branch of the meaning,” and the corresponding saying “the meaning is the branch of the parsing”, and it indicated that they do not contradict each other. Due to the difference in the meaning of the meaning in the two sayings. The first topic: the hypothesis of meaning through the grammatical meaning. I have shown in this study that the apparent structure may have more than one grammatical meaning – as descriptive or current. The second topic: the hypothesis of meaning through time sequence. I mentioned in this chapter the payment of the grammatical meaning due to its many implications. Conclusion: I mentioned the results that appeared to me from this study. Indexes: Developed an index of sources and references, and an index of research topics in order to facilitate reference to its vocabulary.

المعنى بين المعنى النحوي والإعراب ” حقائق ومفاهيم “

قامت فكرة هذا الموضوع عندي من المقولة التي أطلقت من دون معرفة قائلها ، وهي : ” الإعراب فرع المعنى ” فرأيت أن صدور هذه المقولة على الإطلاق يعد إجحافًا لدور النحو ؛ لذلك حاولت أن أوضح دور النحو من خلال نماذج مختارة في تشكيل المعنى ، وبيان المقصود من المعنى في هذه المقولة .

وكان وراء هذه الدراسة أسباب تدفع إلى معالجة هذه الفكرة ، وتقدم نماذج تبرهن على صوابها ، فمن هذه الأسباب :

  • إطلاق المقولة التي ترددت على ألسنة المعربين بأن الإعراب فرع المعنى ؛ فإطلاق هذه المقولة أو تعميمها يجعل النحو جسدًا بلا روح ، فحفزني هذا التعميم للتفكير فيها ، فوجدتها منحرفة في أذهان المعربين عن مقصدها ، ومقصدها ليس المعنى الدلالي – العام – وإنما هي المعاني العقلية التي تدرك من خلالها الحقائق ، كخشية العلماء من الله ، وليس العكس ، وكأكل موسى الكمثرى ، وليس العكس ، فالمعنى النحوي سُلَّمٌ في المعنى العام ، أو مرحلة في إكماله وتكوينه ، فكيف يكون الإعراب فرعًا للمعنى وهو المكون له ؟
  • الإعراب كمصطلح يطلق على المعنى النحوي – الفاعلية والابتداء …. – وهو يراد منه معرفة هذه المعاني لكل من طلب هذا العلم .
  • دفع الشبهات التي ظهرت حول لغة القرآن الكريم ، وذلك للنيل منها ، ورميها بالتقصير في الإفصاح عن مكنونات البشر ، وأول شيء يُحارب من كيان هذه اللغة عمودها ، وهو النحو ، ويكون ذلك بتنفير الناشئة منه ، أو وسمه بالصعوبة والتعقيد .
  • النظر إلى النحو على أنه علم ذو طبيعة ذهنية مقننة ، كعلم الرياضيات التي وضعت لها القوانين والضوابط لكي يسير عليها المتعلمون ، والأمر بخلاف ذلك ، فجميع العلوم يجب أن تكون لها ضوابط ، ولكن النحو ضبط وقنن كنظام في التركيب ، ثم وظَّف هذا النظام بآليات وأدوات محكمة في الكشف عن أسرار التراكيب .
  • ارتفاع أصوات في الآوانة الأخيرة تتهم مؤسساتنا العريقة – الأزهر – بالتحجر والتقوقع في القديم وخاصة في النحو ، والأمر بخلاف ذلك ، فالنحو في هذه المؤسسة يدرس من منابعه ، فهو ينطلق من القديم ، وكما رآه القدماء ليوظف في قنواته السديدة .
  • ظهور بعض الدعوات التي تنادي بتقزيم النحو أو تقليصه ، أو تحجيمه ؛ فطالعتنا في هذ العصر دعوات هدامة تجعل النحو ضئيلا بين العلوم ، وذلك بحجة أن النحو عقبة أمام المعاني ، وسدًا منيعًا في تحقيقها ، وأصبحت هذه الثقافة عند المفكرين والأدباء ، وأهل الشريعة والأصول بحجة أن علومهم قائمة على فكر يعالج أو يكشف عن مفردات هذا العلم ، وتناسوا أن النحو أداة لكل العلوم توظف في أغراض العلوم .
  • من أهم الأسباب في هذه الدراسة هي النظرة الضيقة للنحو ، أو القصور في فهم حقيقته ، وانحصار دوره في الناحية اللفظية التي تتعلق بالصنعة ؛ فهو ميزان في التركيب ، يضبطه ، ويكشف عن أسراره .
  • من الأسباب – أيضًا – عدم التوظيف السليم للنحو ، فالقدماء قدموه لنا كما ينبغي له ، وكما أرادوه ، ونحن صببناه في القالب اللفظي فقط ، فظهر عوار مشين وتعقيد مخل – ولعل هذا هو السبب من الشكوى منه كعلم – فلو نظرنا إليه من الناحية التقعيدية كضابط ، ومن الناحية المعنوية كشيء له دور فيها ، لتغيرت نظرتهم فيه ؛ وأدركوا أنه يبحث – إلى جانب الضبط – عن الأسرار في بناء التراكيب ، واختيار ألفاظها ، والمقارنة بين المعاني النحوية كبدائل بعضها من بعض .

لهذه الأسباب وغيرها رأيت أن أقدم هذا البحث أنموذجا على دور النحو في انتقاء المعاني الدلالية ، وأنأى به عن أن يكون دوره منحصرًا في الرفع أو النصب أو الجر أو الجزم فحسب .

ولسعة هذا الموضوع وغزارته سأكتفي لكل فكرة بنموذجين أو ثلاثة توضح الفكرة ، وتدلل عليها . وخير معين لإبراز دور النحو في اختيار المعاني الدلالية هو كتاب الله الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه ، وبعض أشعار العرب الفصيحة .

وقد تكوَّن هذه البحث من خطة جاءت في مقدمة ، وتمهيد ، وفصلين ، وخاتمة ، وفهارس عامة . وهي كما يلي:

المقدمة : بينت فيها – بعد حمد الله والثناء على رسوله  – أسباب هذا الموضوع ، وخطته ، ومنهجه ، ومصطلحاته .

التمهيد : وعنوانه : الإعراب والمعنى .

ذكرت فيه حقيقة الإعراب ، ومراد النحويين من المقولة المشهورة ” الإعراب فرع المعنى ” ووضحت المقولة المقابلة ” المعنى فرع الإعراب ” وبينت أنهما لا تتعارضان ؛ لاختلاف المقصود من المعنى في المقولتين هناك فرق بين المتكلم والمتلقىفالمتكلم إذا أراد أن يتحدث عن فكرة معينة يبدأ التفكير فى المعنى أولا ثم يعبر عنه بلفظ مراعيا الحكم النحوى وأما المتلقى فيبدأ بتلقى الحكم النحوى أولا ثم يفكر فى المعنى .

المبحث الأول : فرضية المعنى من خلال المعنى النحوي

وقد بينت في هذا المبحث أن ظاهر التركيب قد يحتمل أكثر من معنى نحوي – كوصفية أو حالية …. – فيعدل عن أحد المعنيين حتي يكون المعدول إليه مرشحًا للمعنى الدلالي ، وقد تنوع هذا العدول إلى العدول بين العُمَدِ ، أو العدول بين المكملات في التركيب ، وقد جاء هذا العدول لأجل المعنى العام مستخدمًا آليات متنوعة ، كالتتابع الزمني ، أو الفصل الزمني ، أو المعاني الوضعية المتعلقة بالمعنى النحوي … إلخ

وقد ذكرت في هذا المبحث المعاني الإعرابية – الرفع والنصب والجر والجزم – التي جاءت في الذكر الحكيم معدولاً بها عن معناها الإعرابي إلى معنى آخر . وقد يكون هذا العدول قبل تمام الفائدة ، أو بعدها ، وهذا العدول كان هدفه المعنى العام ؛ فشكل المعنى الإعرابي مع المعنى النحوي المناسب المعنى الدلالي .

المبحث الثاني : فرضية المعنى من خلال التتابع الزمني .

وقد ذكرت في هذا الفصل دفع المعنى النحوي لما تعددت دلالته ، وهو غير مراد من التركيب ؛ فيأتي المعنى النحوي يدفع غير المراد ليقر المراد . وقد ذكرت في هذا الفصل أن المعنى النحوي يستعين بمقومات تركيبيه يعتمد عليها في إقرار المراد ، منها : اعتماده على العلاقة اللازمة مع غيره ، وهذا يعد اعتمادًا ذاتيًّا ، ومنها : استعانته بالعناصر اللغوية التركيبية ، كالتقديم والحذف في إقرار المراد … إلخ

الخاتمة : ذكرت فيها النتائج التي بدت لي من هذه الدراسة.

الفهارس : وضعت فهرسًا للمصادر والمراجع ، وفهرسًا لموضوعات البحث حتى يسهل الرجوع إلى مفرداته .

مصطلحات البحث :

المعنى النحوي : هو الوجه الإعرابى .

المعنى الإعرابي : هو المعنى الذي جاء عليه اللفظ وسمع من العرب على هيئة ما نطقت به ، وهو الرفع ، والنصب ، والجر ، والجزم . ثم أسقط عليه النحويون معنى نحويًا ، كالفاعلية أو الابتدائية مثلاً .

العدول : هو تغيير الوجهة ، وهو في المعنى الإعرابي يكون بين الرفع النصب والجر والجزم ، فقد يرد اللفظ بمعنى ، ويعدل به إلى معنى آخر لأجل المعنى ، وفي المعنى النحوي بين المفعولية وغيرها كالحالية ،إلخ .

العناصر اللغوية : هي العناصر التي يكون لها أثر في المعنى النحوي أو المعنى الإعرابي ، كالتقديم والتأخير ، والحذف ، والفصل.

العناصر التركيبية : هي العناصر التي يقوم عليها التركيب ، كالعامل والمعمول ، وأدوات الربط …

أما عن منهجي في هذه الدراسة ، فقد قامت الدراسة على المنهج الوصفى التحليلي لإبراز دور المعنى النحوي في اختيار المعنى الدلالي .

والله أسأل أن يكون هذا عملاً نافعًا ، وأن يجعله في ميزان حسناتنا ، كما أساله أن يغفر لي الزلل ، وأن يمحو عني الخطأ . وأطلب من القارئ العزيز ستر العيب ، وإصلاح الخلل ، والمسامحة في التجاوز ؛ لأنه جهد المقل ، وعمل الإنسان ، وصنعة البشر ؛ فكل يخطئ ويصيب ، وسبحان من تفرد بالكمال.

( وَآخِرُ دَعْوَاهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ) (يونس: من الآية10)

التمهيد

حقيقة الإعراب :

لا أريد أن أكرر نفسي ولا أجعل قلمي تابعًا ، ولا أن يكون فكري منساقًا ومرددًا لفكر غيره ؛ فالإعراب قد تناوله النحويون بتحديد معناه اللغوي والاصطلاحي ؛ لذلك سأتجاوز هذا تفاديًا للتكرير والإعادة .

وسألقي الضوء على حقيقة هذا المصطلح في الدراسات النحوية هذا من جانب ، وحقيقته في ذهن النحويين من الجانب الآخر .

من الصعب أن نجد تحديدًا دقيقًا لهذا المصطلح كما أراد له النحاة في تناولهم ، ولكن نستطيع أن نضع أيدينا على بعض النقاط من خلال هذا الطرح .

هل المقصود بالإعراب الحركة الإعرابية ؟ أم المقصود به المعنى النحوي ، أم المقصود به العلاقة بين أجزاء التركيب ؟

وقد أكد النحاة قديمًا وحديثًا هذه المعاني ، قال ابن جني : ” ألا ترى أن موضوع الإعراب على مخالفة بعضه بعضا ، من حيث كان إنما جئ به دالاً على اختلاف المعاني . ” هـ ([1])

وقال الزجاجي : ” والإعراب إنما دخل الكلام ليفرق بين الفاعل والمفعول ، والمالك والمملوك ، والمضاف إليه ، وسائر ما يعتور الأسماء من المعاني . ” هـ ([2])

وقد أوضح ابن جني علاقة الإعراب بالمعنى ، فقال : ” هو الإبانة عن المعاني بالألفاظ ، ألا ترى أنك إذا سمعت ” أكرمَ سعيدٌ أباه ” ، و”شكر سعيداً أبوه ” ، علمت برفع أحدهما ونصب الآخر ، الفاعل من المفعول ، ولو كان الكلام شرجاً واحدًا ، لاستبهم أحدهما من صاحبه . ” ([3]) وقد ذكر السكاكي نصًا قريبًا من هذا ، فجعل الإعراب مرتبطًا في جميع جزئياته بالمعنى ؛ إذ به توجه المعاني وتعرف الدلالات ، فقال : ” إنَّ كلَّ واحد من وجوه الإعراب دالٌّ على معنىً، كما تشهد لذلك قوانينُ علمِ النّحْو .” ([4])

ولعل ما يؤكد هذه الفكرة هي النصوص الحية لا الأمثلة التعليمية ، وخير منهل لهذا النصوص المتعددة المعاني هو كتاب الله – كما أشار المفسرون المعربون بأنه حمال أوجه ، ولكني سأولي وجهي شطر هذا الكتاب العزيز في الغالب ، مع التعريج على الشعر في القليل النادر ، وذلك حتى تتضح هذه الفكرة من خلال النماذج المقدمة في هذا البحث، حيث إن مقولة الإعراب فرع المعنى لا تصح إلا فى حق المتكلم ، فالمتكلم يحدد الإعراب علي حسب المعني الذي يريده ، أما عند المستمع والمتلقي فالمعني فرع الإعراب.

المبحث الأول : فرضية المعنى من خلال الإعراب

سنتاول في هذا البحث نماذج تدل على التفاضل والتفاوت بين المعاني النحوية ، واختيار النحاة لمعنى دون آخر،حيث إن المعنى عند المرسل يتحدد على أساس مغزى الكلام لا على أساس الإعراب، فالإعراب تابعٌ للمعنى .

وبمعنى أدق : أن بعض المعانى النحوية قد تتعدد في تركيب ما ؛ فيكون أحدهما أقرب للمعنى الدلالي من الآخر ، وفي إقرار الوجهين جواز لا ينكر ؛ لكن القضية في تحديد أحد الوجهين ؛ لذلك كان المعنى الدلالي هو الفيصل ، فكان الإعراب هو الموجه لأحد المعنيين .

فمن تحقق المعنى الدلالي من خلال المعاني النحوية المجردة قوله تعالى : ( وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ ) ([5]) .

في هذه الآية نجد أن كلمة ” الراسخون ” يتجاذبها معنيان نحويان ، الأول : العطف على لفظ الجلالة ، وهو الأولى للقواعد النحوية ، والثاني : الاستئناف على الابتداء ، وكلاهما صواب .

وقد تنوع النحاة في هذه المسألة إلى ثلاثة أفرقة ، فريق أجمع على الاستئناف ، وفريق سوى بين الاستئناف والعطف ، وفريق مال إلى العطف على أساس المراد البعيد للتركيب

فالفريق الأول الذين أجمعوا على الاستئناف وهم الفراء ، والزمخشري ، وأبو حيان ، والفخر الرازي ، والإمام السجاوندي .

واحتجوا بحجج ترجع إلى المعنى ، وإلى الرواية ، وإلى أصول القراءة وإلى الصناعة النحوية .

فالتي ترجع إلى المعنى هي أن ” الراسخون ” يستحيل عليهم أن يشاركوا الله في علمه ، ولا يجمعهم به علم .([6])

والتي ترجع إلى الرواية أنه نسب إلى ابن عباس وابن مسعود وعائشة – رضي الله عنهم– أن الكلام قد تم عند قوله : وما يعلم تأويله إلا الله . وأيضًا قراءة ابن عباس وأبي ، ويقول الراسخون .([7])

والتي ترجع إلى أصول القراءة أن الوقف لازم عند قوله ” إلا الله ” ؛ لأنه لو وصل فهم أن الراسخين يعلمون تأويل المتشابه كما يعلمه الله ، وهذا ليس بصحيح . ([8])

والتي ترجع إلى الصناعة النحوية أنه لو أعرب ” الراسخون ” عطفًا على لفظ الجلالة ، فتكون جملة ” يقولون ” خبرًا لمبتدأ محذوف تقديره : هم يقولون أو هؤلاء يقولون ، أو تكون حالاً من الراسخين ، والقول بالخبرية يلزم الإضمار في غير موضعه ، والقول بالحالية يلزم معه ترك الظاهر والمعمول به ؛ لأن الراسخين معطوف على لفظ الجلالة ، ولا تصلح الحالية إلا من الراسخين ولا تصلح من لفظ الجلالة ، وهذا خلاف الظاهر .([9])

وجملة يقولون عندهم هي الخبر ، وإن كان الخلاف بينهم في عامل الرفع بين الابتداء والخبر ، فالجمهور قد قطع الأمر من أول الأمر ؛ فرفع ” الراسخون ” بالابتداء ، ولم يصرحوا بالعطف ، والعامل عند الفراء فيه الخبر الذي هو جملة يقولون ، لأن الكوفيين يرون أن المبتدأ والخبر يترافعان . ([10])

مما سبق يتضح لنا أن المعنى النحوي الذي ضبطت عليه قوانين النحو يقتضي العطف ، ولولا المعنى ما عرفت واو الاستئناف ؛ فلذلك قالوا بها النحاة عند مراعاة المعنى الدلالي – والصنعة أيضًا – وخير دليل الآية السابقة .

فعدم إشراكهم مع الله في العلم اضطر النحاة إلى القول بالابتدائية ترجيحاً على العطف ، فابتدائية الراسخين هو الذي حدد المعنى المراد من الآية ، والعطف يدل على معنى مغاير لهذا المعنى .

لذلك كان المعنى فرع الإعراب : فالعطف والابتداء هما اللذان رسما المعنى ؛ فإذا عطفت كان المعنى كذا ، وإذا ابتدأت كان المعنى كذا .

حيث إن المعنى العام يتوقف على المعنى النحوى لكلمة (الراسخون) وهى تحتمل معنيين نحويين أو وجهين إعرابيين ، فقد تكون مبتدأ ، وقد تكون معطوفة على لفظ الجلالة ، فعلى الوجه الأول يكون المعنى أن الراسخين فى العلم لا يعلمون تأويل المتشابه ، وعلى الوجه الثانى يكون المعنى أنهم يعلمون تأويله .

لذلك كان قولهم الإعراب فرع المعنى لا يستقيم مع كل التراكيب ؛ ويستقيم – في اعتقادي – مع المعنى العقلي .

ومما يحقق المعنى الدلالي من خلال المعاني الإدراكية في التركيب ، الزمن كعنصر له حضور فيه ، فيعد الزمن من المؤثرات في تحديد المعاني الدلالية من خلال الأنظمة النحوية ، فالتتابع والتشارك الزمني للأحداث كان صارفًا المعنى النحوي إلى وجه يخدم المعنى الدلالي ، ولنأخذ مثالاً على هذا .

المبحث الثاني : فرضية المعنى من خلال التتابع الزمني .

قوله تعالى : ( أَوَلَمْ يَهْدِ لِلَّذِينَ يَرِثُونَ الْأَرْضَ مِنْ بَعْدِ أَهْلِهَا أَنْ لَوْ نَشَاءُ أَصَبْنَاهُمْ بِذُنُوبِهِمْ وَنَطْبَعُ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لا يَسْمَعُونَ) ([11])

ومعنى ” لو” في الآية الشرط غير الامتناعي ([12]) ، ومعناها تعليق أمر على آخر وجودًا وعدمًا في المستقبل ، ولا بد لها من جملتين ترتبط الثانية منهما بالأولى ، بحيث لا يتحقق في المستقبل معنى الثانية ولا يحصل إلا بعد تحقق معنى الأولى وحصوله في المستقبل ، فإذا وقع الماضي بعدها تأول بالمستقبل .([13]) .مثالها : لو يجد الطالب ينجح في الامتحان .

ففي الآية السابقة فعل الشرط ” نشاء ” مستقبل ، والجواب ” أصبناهم ” ماض ، ونطبع المضارع معطوف على الجواب الماضي .

فالفعل ” نطبع ” رفع ، ورفعه إما على القطع مما قبله في الإعراب ، فهو خبر لمبتدأ محذوف تقديره : ونحن نطبع ، وهو رأي الفراء والزجاج .([14]) وقيل : معطوف على أصبناهم مع اختلاف الزمنين ، فهو في معنى نصيبهم . ([15]) أو على تأويل المضارع

بمعنى الماضي ؛ أي : تأويل نطبع ، فيكون التقدير: أصبناهم وطبعنا .([16]) ولم يستحسن الزمخشري هذا التأويل لمناقضته للمعنى ؛ لأنهم كانوا موصوفين باقتراف الذنوب والإصابة بها ، فطبع على قلوبهم ، وفي تأويل نطبع بطبعنا يدل على خلوهم من صفة الاقتراف وأن الله لو شاء لاتصفوا بها . وهذا قول الزمخشري .([17])

وقيل : هو معطوف على ما دل عليه معنى أو لم يهد ، والمعنى : يغفلون عن الهداية ، ونطبع على قلوبهم . وهو من اختيارات الزمخشري . ([18]) وقد ضعفه أبو حيان ؛ لعدم الاحتياج إلى الإضمار .([19])

وقيل : معطوف على يرثون الأرض . وهو قول الزمخشري – أيضا – .([20]) وخطَّأه أبو حيان ؛ لأن في عطفه على يرثون يجعله صلة ” للذين ” من جهة أن المعطوف على الصلة صلة ، وبهذا يكون قد فصل بين الصلة والموصول بجملة ” أن لو نشاء أصبناهم بذنوبهم” وهذا خطأ .([21])

من هذا نخلص إلى أن نطبع فيها وجهان قويان : الرفع على الاستئناف على تقدير : ونحن نطبع ، وهو مذهب الفراء والزجاج ، والرفع عطفًا على أصبناهم ؛ والمعنى نصيبهم ونطبع ؛ فوقع الماضي موقع المستقبل ؛ فلو شرط غير امتناعي ، فهي في معنى ” إن ” الشرطية .

وفي الحقيقة أن هذه الإعرابات ترجع إلى الصنعة النحوية ولا مجال لرفضها ، ولكي نقف على المعنى النحوي المناسب للمعنى الدلالي لابد من تحليل النص على جميع المستويات ، وقد كفانا المفسرون المعربون مؤنة الترجيح بين إعراب العطف على يرثون ، أو العطف على معنى أو لم يهد .

وعلى هذا يبقى وجه الاستئناف ، ووجه العطف على أصبناهم على تأويله بـ نصيبهم .

في الآية الكريمة الأفعال والحروف ( يرثون – لو – نشاء – أصبناهم – بذنوبهم – الواو – نطبع – يسمعون ) فلو حرف تعليق في المستقبل ، والواو حرف للتشريك ، أما يرثون فمعناه يملكون ، نشاء معناه أردنا ، وأصبناهم أي : عاقبناهم ، وبذنوبهم أي : بسبب آثامهم ، ونطبع أي : نختم .

وقد ورد في أصبناهم معنيان ، الأول : أهلكناهم ، والثاني عاقبناهم .

فعلى معنى أهلكناهم كما ذهب بعض المفسرين ([22]) يكون عطف الفعل – ونطبع – على أصبناهم مستحيلاً ؛ لأن الهلاك لا يأتي بعده شيء ، فلا وجود للطبع أو الختم لأنهم هلكوا وماتوا ؛ فالهلاك هو نتيجة نهائية ولا يأتي بعده شيء آخر . كما ذكر أبو حيان .([23])

وعلى ذلك يكون التسلسل الزمني لأحداث النص – على هذا المعنى – يرثون ثم يؤمرون بالإيمان بالله فيكفروا ثم يطبع على قلوبهم ، فيقترفون الذنوب فيهلكون بذنوبهم .

وهذا يتفق مع رأي الزمخشري الذي ذهب إلى عطفه على يرثون ، ولكنه ضعف لما فيه من الفصل بين الصلة والموصول بالجملة ، حيث يكون ” نطبع ” معطوفًا على فعل الصلة ، والمعطوف على الصلة صلة .

وما سبق في النفس منه شيء من حيث المعنى ، فهو لا يخدمه ، كما أن فيه تفاوتًا بين التركيب اللفظي للنص القرآني والمعنى المراد ؛ فليس المقصود التسلسل الزمني ، وإنما المقصود الأحداث من حيث قوتها وعقابهم وتهديدهم . ولذلك جاء الطبع وعدم السمع في آخر النص .

ومن ذكر أنه بمعنى العقاب ([24]) وهذا ما تميل إليه النفس ، فيكون المعنى : لو أردنا عقابهم بسبب ذنوبهم لفعلنا . وعلى هذا يكون الزمن للمستقبل بدليل ” أن ” والمعنى : أمرناهم بالإيمان فكفروا وأذنبوا فاستحقوا العقاب على قدر ذنبهم .

أما حقيقة الفعل ” نطبع ” فهي تتلخص في طبيعة الدعوة إلى الله ومهمة الرسل ؛ فالرسول يكرر الدعوة إلى الله مراراً ، وليس من مفهومها العرض على البشر ، فمن مفهوم الدعوة تكرار العرض بمواقف حسية ومعنوية حتى يؤمن الكافر ؛ ولذلك جاء الطبع على القلوب متأخرًا ، أي : بعد اليأس من استجابتهم .

فلذلك عطف الفعل على أصبناهم ولم يكن مرادًا زمنه بدليل لو غير الامتناعية ، وإنما المراد زمن الاستقبال ، والمعنى : دعوناهم إلى الحق فكفروا واقترفوا الذنوب ؛ فلذلك عوقبوا بذنبهم ، فنكرر الدعوة لهم فإذا اقترفوا ذنبًا عوقبوا عليه ، ويعاود الرسول دعوتهم مراراً ؛ فربما يجد في كل مرة يدعون فيها من يستجيب .

فلما كان هذا شأن الدعوة وشأن الرسول أن يعاود الدعوة مرة بعد مرة ، كان من البدهي أن يطبع على القلوب متأخرًا تبعًا لحالهم واستجابتهم ، فقد يوجد من يستجيب من أول عقاب ينزل به ، وقد تجد من لا يستجيب حتى لو تكرر العقاب ، بدليل قوله ” فهم لا يسمعون “.

فلذلك عطف ” ونطبع ” على أصبناهم ؛ لأن الطبع ليس حدثًا منفردًا عن الدعوة بل هو من توابعها النهائية . ومما يرجح هذا المعنى ذيل الآية ” فهم لا يسمعون ” أي : إن آذانهم صمت عن الدعوة وعن الاتعاظ مما وقع بهم من عقاب .

لذلك كان العطف أنسب للمعنى الدلالي ؛ لأن مهمة الرسول تكرار الدعوة على البشر ، وبالتالي ستجد من يؤمن من أول الأمر ، وتجد من يؤمن بعد مرحلة منه ، وتجد من لا يؤمن ، وهم على هذه الأحوال يقترفون الذنب فنعاقبهم دون إهلاك لهم ؛ لعلهم يرجعون.

كما أن نفي الفعل ” لا يسمعون ” لا يسمح بقطع الطبع عن الأحداث السابقة – الدعوة والإعراض والعقاب والطبع – لأن الطبع لا يكون إلا من نتاج اقتراف الذنوب مع الاستمرار فيها ؛ فلذلك جاء النفي لهذا الفعل ، فلا يمكن نفي سماع من أول مرة – كما هو معهود في طبائع البشر – فالسماع ينفى بعد رفع احتمالات وصوله وتبليغ المسموع للسامع ، ولا ينفى من أول إلقاء له ؛ فدل هذا على تكرار العقاب لهم بسبب ذنبهم .

كما أن المقصود من العقاب العقاب الذي غايته الاتعاظ وليس الهلاك ، فبعد عقابهم نطبع على قلوبهم ؛ لأنهم لا يسمعون لما نزل بهم ولا يتعظون .

لذلك كان العطف أولى للمعنى وهو المرشح له ، بخلاف الاستئناف على تقدير : ونحن نطبع لما فيه من قطع الحدث ، وتفكك الزمن ، فزمن الطبع مستقبل بالنسبة لما يسبق الطبع من حدث – دعوة ثم عقاب للاتعاظ ثم طبع لمن لا يتعظ – فلو كان الفعل مستأنفًا بالواو سيكون زمنه مستقبلاً وهذا لا إشكال فيه ، ولكن استقباله ليس مرتبطًا بغيره من أحداث ولا متسلسلاً مع غيره ؛ لذلك كانت إحالته بالعطف فيه من التتابع الزمني المطلق والنسق مع ما قبله ، وهذا هو مراد المعنى .

لذلك كان المعنى الدلالي فرعًا عن معنى نحوي تربطه في التركيب وشائج وعلاقات هي التي تحدد المعنى النحوي ، وهذا المعنى هو الذي يصرف المعنى الدلالي إلى وجهه المراد .

والنماذج على هذا المعنى كثيرة وفيرة في القرآن الكريم ، ولعل من النماذج التي أشير إليها منها : الفصل الزمني فمن ذلك قوله تعالى : ( أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَتُصْبِحُ الْأَرْضُ مُخْضَرَّةً إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ ) ([25])

فعدم تتابع المعاني النحوية في التركيب مما قبلها ، وكان من المفترض أن تتبع ما قبلها ، ولكن لأجل المعنى الدلالي قطعت ، فكان الفصل الزمني وراء هذا القطع الذي أتي بمعنى نحوي غير معهود من جهة الصناعة ، وقد ساعد هذا الفصل الذي تسبب في القطع مع المعنى النحوي الجديد في إبراز المعنى الدلالي .

ولفساد المعنى لم ينصب الفعل – فتصبح – وجاء في الآية مرفوعًا ، فأعربوه فعلاً مضارعًا مرفوعًا ، والفاء عاطفة جملة على جملة ، أي : عطفت جملة فتصبح الأرض مخضرة على جملة أنزل من السماء ماء .([26]) أعربه بعضهم عطفًا على أنزل ؛ فالفاء عاطفة – أيضًا – ، والقائلون بهذا بعضهم تأول أنزل بـ ينزل كالقرطبي ، والبعض الآخر تأول فتصبح بـ فأصبحت ؛ حتى يتفق الفعلان معنى في الزمن ، كالزمخشري وأبي البقاء ، والسمين الحلبي ، والزركشي .([27])

وأعربوه أيضًا : بأن الفاء ليست عاطفة فهي استئنافية ، وبهذا يكون فتصبح خبرًا لمبتدأ محذوف يقدر بضمير القصة والشأن ، وتقديره : فهي تصبح . ([28])

فهذه الآية قد تخالف زمن الإنزال ، وزمن إخضرار الأرض ، فزمن الإنزال سابق على الإخضرار ، فهذا السبق قد شكل المعنى المراد من التركيب مع تضافر أدوات التركيب الأخرى .

ومن ذلك أيضًا : إعراب ” حنيفًا ” في قوله تعالى : ( قُلْ بَلْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفاً وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ) ([29]) .

فقد سلك النحاة في إعراب ” حنيفًا ” في الآية وجهة أدت إلى تغيير المعنى النحوي بين الحالية ، والمفعولية ، والوصفية ، وما هذا منهم إلا لأجل المعنى . فذهب الزجاج إلى أنه حال من إبراهيم ، والمعنى : بل نتبع ملة إبراهيم في حال حنفيته ، والحنفية في اللغة الميل ، فالمعنى أن إبراهيم حنيف إلى دين الله دين الإسلام . ([30])

واختار هذا القول بعض النحويين كالزمخشري ، وابن عطية ، والعكبري ، ، وابن هشام([31]) ، وهم بهذا يخالفون القواعد البصرية التي تمنع مجيء الحال من المضاف إليه ؛ وذلك لأن العامل في الحال هو العامل في الصاحب ، والمضاف إليه عامله المضاف ؛ ولذلك اختلف العامل ، فمنعوه . ([32])

” الخاتمــة “

بعد حمد الله والصلاة والسلام على رسوله محمد  وعلى آله وأصحابه الأطهار إلى يوم الدين .

” أما بعـــــد ”

فمن حسن الطالع وترتيب الأقدار أن يدفعني الله سبحانه وتعالى لإبراز جانب من الجوانب التي بني عليها النحو ، وهو جانب المعنى الذي يتشكل من التركيب في جملته .

وقد ارتفعت قديمًا وحديثًا أصوات الشكوى من النحو ، وصبه في علوم القوالب الذهنية الافتراضية ، والنحو في جملته فن وعلم وتذوق ، وليس قانونًا صلدًا ، ومن خلال معايشتي لهذا الجانب النحوي ، جانب المعنى الدلالي ، ودور المعاني النحوية في إبرازه بدت لي بعض النتائج التي فرضت الأمانة العلمية تسجيلها ، فمن هذه النتائج

  • المعنى هو مقصد العلوم الإنسانية ، فكان النحو من أبرز هذه العلوم في إظهار هذا الجانب ، وقد دللنا على ذلك بأمثلة قرآنية ، وبكلام العرب .
  • أثبت البحث أن مراد النحاة من مقولتهم ” الإعراب فرع المعنى ” ليس ما وقر في الأذهان من إطلاق هذه المقولة ، فكان مرادهم من المعنى في هذه المقولة المعنى العقلي ، نحو : أكل الخبز محمد ، فالمعنى العقلي يدل على أن الفاعل محمد ، والمفعول الخبز .
  • توصل البحث إلى أن المعاني النحوية قد تتعدد على لفظ واحد ، ولكل معنى من هذه المعاني دور في إبراز المعنى الدلالي .
  • أثبت البحث أن المعاني النحوية المتعددة في لفظة ما لا بد أن يكون من بينها معنى نحوي يرشح المعنى المناسب ويختاره ، دون غيره من المعاني المتعاقبة في اللفظ .
  • توصل البحث إلى أن المعاني الإعرابية – رفع ونصب وجر وجزم – سابقة على المعنى النحوي في الوجود ؛ لأن العربي تكلم ونطق بلغته رافعًا أو ناصبًا أو جارًا ، ثم أُسْقِطَتْ المعاني النحوية على المعاني الإعرابية .
  • انحصر دور المعنى النحوي في توجيه المعنى الدلالي ، وفي دفع الاحتمالات المعنوية غير المرادة ، فأبعد المعنى النحوي غير المراد من المعاني الدلالية ، وأقر المراد.
  • يستعين المعنى النحوي بغيره من عناصر التركيب في إبراز المعنى ، كالعناصر اللغوية ، وكالعامل ، والزمن … إلخ
  • وظف معربو القرآن النحو خير توظيف في توضيح النص القرآني ، وذلك بغية الكشف عن المعنى المقصود ، فلو كان الإعراب فرع المعنى ، لكان يلزمنا معرفة معنى النص القرآني ثم نقوم بعملية الإعراب ، ولكن الأمر مختلف تمامًا ، فنعرب لنصل إلى المقصود ، فهو أداة في فهم المعنى ، والأداة دائمًا هي الموجهة والمحددة للمراد .
  • حقيقة الإعراب المنوط بعلم النحو غير حقيقة الإعراب التي رسخت في ذهن الثائرين على النحو ، فحقيقته هي الإفصاح والإبانة عن المعاني ، وليست حقيقته الوظيفة النحوية داخل التركيب ، وهي وإن كانت سلمًا في الإعراب لكن ليست كله . فإدراك المعاني النحوية التي تدل عليها العلامة الإعرابية ، والتي هي مكون من مكونات العامل ، يخضع لقدرة الفرد المعرفية وإحاطته بعلم النحو ، أما توظيف علم النحو بمعانيه وعلاقة هذه المعاني داخل التركيب في رسم المعنى الدلالي ، فهو فكر معرفي إدراكي تحكمه قوانين النحو العامة .
  • من حصر النحو في المعرفة لقوانينه التي من خلالها يدرك المعاني النحوية ، فقد جنى على النحو وضيق حدوده ، وما هذه المعرفة إلا نقطة انطلاق لتطبيق النحو على النصوص ، والاستعانة به في فهم أبعاد وحدود كل نص .
  • توصل البحث إلى أن المعنى النحوي قد يشكل المعنى الدلالي بمفرده ، وقد يستعين بعناصر داخل التركيب كمعنى العامل ، أو المستوى الصرفي أو المعجمي ، كما هو الحال في عامل المفعول معه .
  • أثبت البحث أن النحو له دور في إبراز المعني وتنقيته وتوضيحه ، وأن المعني له دور في تنقية المعني وتوضيحه وإبرازه ،وأن المتكلم والمستمع شريكان في إنتاج المعني بواسطة النحو ، فالنحو واسطة لايمكن الاستغناء عنها بأي حال من الأحوال ، لذلك كان دور النحو أو المعني النحوي أو المعني الوظيفي مهما في تشكيل المعني الدلالي.
  • أثبت البحث أن المعنى النحوي يقوم على علاقة وجودية مع غيره في التركيب ، وبالتالي ينسجم مع غيره في تشكيل المعنى الدلالي ، وذلك كبنية اللفظ الذي يحمل معنى نحويًّا ، أو العامل الذي يطلب من التركيب تمام مدلوله بتوفر العناصر المطلوبة له .
  • أثبت البحث من خلال النماذج التي قدمها أن النحو ليس صنعة وقانونًا ، وإنما هو علم وفن ، وإن كان لا يستغني عن القانون والصنعة ؛ لأنه لا يوجد علم من العلوم يستغني عنهما ، وذلك لضبط أحكامه وأدواته في معيارية محكمة ، فهو قانون مضبوط كأداة مستخدمة ، يوظف أدوات اللغة ، فيحدد مدلول تراكيبها ، ويحكم نظامها ، ويحتوي ألفاظها وأبنيتها .

وفي النهاية هذا جهد المقل الذي تسلح مدافعًا عن علم العربية من الدعوات الهدامة التي تحاول تقذيم النحو أو تقليصه ، وهم بذلك كمن يرمي السماء بحجر .

( وَآخِرُ دَعْوَاهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ) (يونس: من الآية10 )

Margins:

(1) الخصائص لابن جني 1/175 .

(2) الإيضاح في علل النحو للزجاجي 76 .

(3) الخصائص 1/35 .

(4) مفتاح العلوم للسكاكي 251 .

(5) من الآية 7 من سورة آل عمران .

(6) راجع معاني الفراء 1/191 ، والكشاف 1/529 ، ومفاتيح الغيب 7/190 ، وعلل الوقوف 1/361 ، والبحر المحيط 2/401 .

(7) تنظر معاني القرآن 1/191 ، ومشكل إعراب القرآن 1/126 .

(8) ينظر علل الوقوف 1/361 .

(9) ينظر البحر المحيط 2/401 .

(10) راجع معاني الفراء 1/191 ، والكشاف 1/529 ، ومفاتيح الغيب 7/190 ، وعلل الوقوف 1/361 ، والبحر المحيط 2/401 .

(11) من الآية 100 من سورة الأعراف .

(12) أما لو التي شرطها امتناعي تقتضي ارتباط جملتيها في الزمن الماضي ، وشرطها ممتنع ، فيمتنع الجواب ، نحو : لو ذاكر زيد لنجح .

فالشرط لم يتحقق في الزمن الماضي ، فالسبب في الجملة الأولى ، والمسبب في الجملة الثانية ، ولذلك تعد بمنزلة حرف النفي (شرح المرادي 4/269 ، 271 ، 273 والتصريح 2/255 ، 256 والنحو الوافي 4/491 وما بعدها ).

(13) شرح المرادي 4/269 ، 271 ، 273 والتصريح 2/255 ، 256 ، والنحو الوافي 4/491 وما بعدها .

(14) ينظر معاني القرآن للفراء 1/386 ، ومعاني القرآن وإعرابه للزجاج 2/361 ، والكشاف 2/481 ، والجامع للقرطبي 7/254 ، ومفاتيح الغيب للرازي 14/195 ، والمحرر الوجيز لابن عطية 4/9 والدر المصون للسمين الحلبي 5/396 ، والبحر 4/352 .

(15) تنظر هذه الإعرابات على اختلاف في الترجيح في معاني القرآن للزجاج 2/361 ، والكشاف 2/480 ، والجامع للقرطبي 7/254 ، ومفاتيح الغيب للرازي 14/195 ، والمحرر الوجيز لابن عطية 4/9 ، والدر المصون للسمين الحلبي 5/394 ، والبحر 4/352 .

(16) راجع البحر 4/352 ، والسمين 5/395 .

(17) راجع الكشاف 2/481 .

(18) راجع الكشاف 2/481 ، والبحر 4/353 .

(19) راجع البحر 4/353 .

(20) راجع الكشاف 2/481 .

(21) راجع البحر4/353 .

(22) الكشاف 2/480 ، والجامع للقرطبي 7/254 ، وابن عطية 4/9 .

(23) راجع البحر 4/253 .

(24) الفخر الرازي 14/195 .

(25) الآية 63 من سورة الحج .

(26) ينظر الكتاب 3/ ومعاني القرآن للفراء 2/229 ، ومعاني القرآن للزجاج 3/436 ، وإعراب القرآن للنحاس 3/105 ومشكل إعراب القرآن 2/100 ، والمحرر الوجيز 6/269 ، والبحر 6/355 ، والجدول 9/139 وإعراب القرآن وبيانه 6/471 ..

(27) راجع الكشاف 4/209 ، والإملاء 2/146 ، والقرطبي 12/92 ، والدر المصون 8/297 ، والبرهان للزركشي 4/296.

(28) راجع الإملاء 2/146 ، والدر المصون 8/298 .

(29) من الآية 135 من سورة البقرة .

(30) ينظر معاني القرآن وإعرابه للزجاج 1/213 .

(31) ينظر الكشاف1/334 ، والمحرر الوجيز 1/359 ، والتبيان 1/120 ، 121، وشرح شذور الذهب 321 .

(32) ينظر المحرر الوجيز 1/359 ، والتبيان 1/120، والتصريح 1/380

المراجع

  • القرآن الكريم .
  • إتحاف فضلاء البشر بالقراءات الأربعة عشر ، للشيخ / أحمد البنا ، تحقيق الدكتور / شعبان محمد إسماعيل ، عالم الكتب بيروت – مكتبة الكليات الأزهرية القاهرة .
  • ارتشاف الضرب من لسان العرب لأبي حيان ، تحقيق د / رجب عثمان محمد ، مكتبة الخانجي القاهرة .
  • إعراب القرآن الكريم وبيانه للأستاذ / محيى الدين الدرويش ، اليمامة للطباعة ، ودار ابن كثير ، ودار الإرشاد للشئون الجامعية ، حمص سوريا .
  • إعراب القرآن للنحاس ، تحقيق د / زهير غازي ، عالم الكتب ، مكتبة النهضة العربية .
  • أمالي ابن الشجري ، تحقيق د / محمود محمد الطناحي ، مكتبة الخانجي القاهرة ، 1992 م .
  • إملاء ما من به الرحمن من وجوه الإعراب والقراءات للعكبري ، دار الكتب العلمية ، بيروت لبنان .
  • الإنصاف في مسائل الخلاف لأبي البركات الأنباري ، تحقيق / محمد محيى الدين عبد الحميد ، مطبعة السعادة ، القاهرة .
  • الإيضاح لأبي على الفارسي ، تحقيق د / كاظم بحر مرجان ، عالم الكتب ، ط 2/1996 م .
  • أوضح المسالك إلى ألفية ابن مالك لابن هشام ، تحقيق د / محمد محيى الدين عبد الحميد ، المكتبة العصرية – صيدا بيروت .
  • البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي ، تحقيق الشيخ عادل أحمد عبد الموجود وآخرين ، ط دار الكتب العلمية بيروت لبنان .
  • البرهان في علوم القرآن للزركشي ، تحقيق / محمد أبو الفضل إبراهيم ، مكتبة دار التراث القاهرة .
  • البيان في غريب إعراب القرآن لأبي البركات الأنباري ، تحقيق د / طه عبد الحميد طه ، مراجعة مصطفى السقا ، الهيئة المصرية العامة للكتاب ، 1980 .
  • التبيان في إعراب القرآن للعكبري ، تحقيق / على محمد البجاوي ، طبعة عيسى البابى الحلبي .
  • التذييل والتكميل في شرح كتاب التسهيل لأبي حيان ، تحقيق د / حسن هندواي ، دار القلم دمشق .
  • التصريح بمضمون التوضيح للشيخ خالد الأزهري 1/148 ، ط دار الفكر .
  • تفسير البيضاوي ( المسمى أنوار التنزيل وأسرار التأويل ) للبيضاوي ، دار الفكر – بيروت .
  • تفسير الثعالبي الموسوم بـ ( الجواهر الحسان في تفسير القرآن ) للثعالبي ، مؤسسة الأعلمي ، بيروت .
  • تفسير الفخر الرازي ( التفسير الكبير ومفاتيح الغيب ) للرازي ، دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع .
  • التنبيه على شرح مشكل أبيات الحماسة لابن جني ، تحقيق د / سيدة حامد عبد العال ، ود / تغريد حسن أحمد عبد العاطي ، مطبعة دار الكتب والوثائق القومية بالقاهرة .
  • توضيح المقاصد والمسالك بشرح ألفية ابن مالك للمرادي ( شرح المرادي ) تحقيق د / عبد الرحمن علي سليمان ط 2 / مكتبة الكليات الأزهرية ، ونسخة ط دار الفكر العربي ط 1/2001م .
  • الجامع لأحكام القرآن للقرطبي ، دار الكتب المصرية ، ط 2/1935 م
  • الجدول في إعراب القرآن وصرفه لمحمود الصافي ، دار الرشيد دمشق بيروت ، مؤسسة الإيمان بيروت لبنان.
  • الحجة للقراء السبعة للفارسي ، تحقيق بدر الدين قهوجي وآخرين ، دار المأمون للتراث .
  • خزانة الأدب للبغدادي ، تحقيق / عبد السلام هارون ، مكتبة الخانجي القاهرة .
  • الخصائص لابن جني ، تحقيق / محمد على النجار ، دار الكتب المصرية المكتبة العلمية .
  • دراسات لأسلوب القرآن الكريم للشيخ محمد عبد الخالق عضيمة ، دار الحديث القاهرة .
  • الدرر اللوامع على همع الهوامع للشنقيطي ، تحقيق / محمد باسل عيون السود ، منشورات محمد على بيضون ، دار الكتب العلمية بيروت لبنان ط 1/1999م .
  • الدر المصون في علوم الكتاب المكنون للسمين الحلبي ، تحقيق د / أحمد محمد الخراط ، دار القلم دمشق.
  • ديوان تأبط شرًا ، تحقيق / على ذو الفقار شاكر ، دار الغرب الإسلامي ، ط 1 ، 2 / 1984م – 1999م.
  • ديوان الخرنق بنت بدر بن هفان ، رواية أبي عمرو بن العلاء ، تحقيق / يسري عبد الغني عبد الله ، دار الكتب العلمية بيروت لبنان .
  • ديوان الراعي النميري تحقيق / راينهرت فايبرت ، بيروت لبنان ، 1980م ، المعهد الألماني للأبحاث الشرقية.
  • رصف المباني في شرح حروف المعاني للمالقي ، تحقيق د/ أحمد محمد الخراط ، دار القلم دمشق .
  • شرح الأشموني على ألفية ابن مالك ، تحقيق محمد محيى الدين عبد الحميد ، دار الكتاب العربي بيروت لبنان ط 1/ 1955 م .
  • شرح التسهيل لابن مالك ، تحقيق د / عبد الرحمن السيد ، د / محمد بدوي المختون ، دار هجر للطباعة والنشر والتوزيع .
  • شرح ديوان الحماسة للمرزوقي ، نشر أحمد أمين ، وعبد السلام هارون ، دار الجيل بيروت ، ط 1/1991م.
  • شرح الرضي على كافية ابن الحاجب ، تحقيق / يوسف حسن عمر ، منشورات جامعة قار يونس بنغازي ط 2/1996م .
  • شرح كتاب سيبويه للسيرافي ، تحقيق / أحمد حسن مهدلي ، وعلى سيد على ، دار الكتب العلمية بيروت لبنان ط 1/2008 م.
  • شرح اللمع في النحو لابن برهان ، تحقيق د / فائز فارس ، الكويت ط 1/1984م .
  • شرح المفصل لابن يعيش ، الطباعة المنيرية .
  • الطراز المتضمن لأسرار البلاغة وعلوم حقائق الإعجاز، للعلوي تصحيح سيد بن علي المرصفي ، مطبعة المقتطف، مصر، 1332هـ-1914م .
  • العجاب في بيان الأسباب لشهاب الدين أبي الفضل ، تحقيق عبد الحكيم محمد الأنيس ، دار ابن الجوزي ، السعودية ، ط 1/1997 م .
  • علل الوقوف للسجاوندي ، تحقيق د/ محمد عبد الله محمد العيدي ، مكتبة الرشد الرياض ، ط 2 /2006 م
  • الفوائد والقواعد للثمانيني ، تحقيق د / عبد الوهاب محمود الكحلة ، مؤسسة الرسالة ، ط 1/2002م .
  • الكتاب لسيبويه ، تحقيق / عبد السلام محمد هارون ، مكتبة الخانجي القاهرة .
  • الكشاف للزمخشري ، تحقيق الشيخ / عادل أحمد عبد الموجود ، والشيخ / على محمد معوض ، والدكتور / فتحي أحمد حجازي ، مكتبة العبيكان الرياض ، ط 1/1998 م .
  • لسان العرب لابن منظور المصري ، دار المعارف مصر .
  • المجتبى من مشكل إعراب القرآن الكريم ، د / أحمد محمد الخراط ، مجمع الملك فهد ، وزارة الشئون الإسلامية ، السعودية .
  • المحتسب لابن جني ، تحقيق / على النجدي ناصف ، ود / عبد الحليم النجار ، ود / عبد الفتاح شلبي ، المجلس الأعلى للشئون الإسلامية ، وزارة الأوقاف مصر ، 1994م .
  • المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية ، تحقيق / الرحالة الفاروق ، وعبد الله الأنصاري ، والسيد عبد العال إبراهيم ، ومحمد الشافعي ، وزارة الأوقاف – قطر
  • المساعد على تسهيل الفوائد لابن عقيل ، تحقيق د / محمد كامل بركات ، دار الفكر دمشق ، 1980 م .
  • مشكل إعراب القرآن لمكي بن أبي طالب القيسي ، تحقيق/ ياسين محمد السواس، دار المأمون للتراث، ط2.
  • معاني القرآن للأخفش ، تحقيق د / هدى محمود قراعة ، مكتبة الخانجي القاهرة ط 1/1990م .
  • معاني القرآن وإعرابه للزجاج ، تحقيق د / عبد الجليل عبده شلبي ، عالم الكتب .
  • معاني القرآن للفراء ، تحقيق / محمد على النجار ، ويوسف نجاتي عالم الكتب ط 3/1983 م .
  • مغني اللبيب عن كتب الأعاريب لابن هشام ، تحقيق د / عبد اللطيف محمد الخطيب ، المجلس الوطني للثقافة والآدب – التراث العربي – الكويت .
  • مفتاح العلوم للسكاكي ، تحقيق نعيم زرزور ، دار الكتب العلميّة، بيروت-لبنان ط 1 ، 1403هـ-1983م.
  • المقتضب للمبرد تحقيق د / محمد عبد الخالق عضيمة ، ط المجلس الأعلى للشئون الإسلامية ، وزارة الأوقاف القاهرة .
  • النحو الوافي عباس حسن ط دار المعارف مصر .
  • نحو وعي لغوي ، د : مازن المبارك ، الطبعة الرابعة ، دار البشائر، دمشق، 1424هـ-2003م.
  • همع الهوامع في شرح جمع الجوامع للسيوطي ، تحقيق / أحمد شمس الدين ، منشورات محمد علي بيضون ، دار الكتب العلمية بيروت لبنان ط 1/1998م .