د. حسن عبد المعتمد بيومي1
1 كلية العلوم والآداب بطبرجل، جامعة الجوف، المملكة العربية السعودية
بريد الكتروني: hassanbaiumy@gmail.com
HNSJ, 2023, 4(4); https://doi.org/10.53796/hnsj4413
تاريخ النشر: 01/04/2023م تاريخ القبول: 15/03/2023م
المستخلص
سورة المائدة اعتنت بذكر التشريعات والأحكام ، ولذا فهي تسمى بسورة العقود وتسميتها بالعقود أدلّ على موضوع السورة ومحورها الرئيسي وهو الوفاء بالعقود والأمر بالوفاء بالعقود افتتحت به السورة وفي أول آية . قال الله تعالى: ” يا أيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود …. الآية ” . كما تعرف بسورة الحلال والحرام ، ومع كونها كذلك ؛ فقد جاءت قصة ابني آدم وشيجة الصِّلات بما جاء في السورة من قضايا تقرير حرمة الأنفس ، وتشريع أحكام القصاص ، وعقاب المحاربين والسارقين؛ حماية للنفس الإنسانية وصيانة للحقوق وأماناً للفرد والمجتمع . فهي- أي القصة- ترمي إلى أن الاعتداء على النفس أو المال سببه الحسد الذي دفع قابيل أن يقتل أخاه هابيل على ما ذكره كثير من المفسرين من أن القاتل قابيل والمقتول هابيل . ومن هنا تتلمس أهمية الوقوف مع أحداث القصة . فتأمل ؟
وتهدف الدراسة إلى إبراز ربط القصة بالأحكام الشرعية الواردة في سورة المائدة من حيث كونها – أي القصة- ترد تمهيداً لما جاء بعدها من حرمة الدمآء وفرضية القصاص ، وجزآء من يحارب الله وسوله والذين آمنوا ويفسدون في الأرض ( كقطاع الطريق واللصوص ) وكل من يخرج على النظام العام ويهدد أمن وسلامة الأفراد والمجتمعات .. إلخ .
وأن القصة تثبت أن الغيرة والحسد يؤديان إلى الاعتداء، وأن ذلك يحدث بين أقرب الناس بعضهم لبعض
ولذلك قال الله تعالى عقب ذكر قصة ولدى آدم: {مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا وَلَقَدْ جَاءَتْهُمْ رُسُلُنَا بِالْبَيِّنَاتِ ثُمَّ إِنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ بَعْدَ ذَلِكَ فِي الْأَرْضِ لَمُسْرِفُونَ} [المائدة: 32] ، كما تهدف إلى ما تقرر من أن القصة القرآنية ترد للعبرة والاتعاظ وليس لمجرد الذكر والتسلية ، وأن القرآن الكريم في خطابه عن الأمم السابقة وأخبار الماضين ليس كتاب تاريخ وقصص إنما هو كتاب هداية وإرشاد .
وعن منهج الدراسة فقد انتهج البحث المنهج الاستقرائي للقصة من خلال الآيات القرآنية التي عرضت لنا الأحداث وبطريقة موضوعية ، والمنهج التحليلي للوقوف على دلالات وإيحاءات القصة في صورتها القرآنية .
ولم يتناول البحث القصة من خلال كتب التواريخ ، ولا من حكايات وروايات بني إسرائيل مما لا وثوق لنا فيها ولا اطمئنان إلى مصدرها فقد دخلها التحريف والتبديل ، كما أعرض عن ذكر تفصيلات وزيادات لا فائدة مرجوة منها.
وقف البحث مع القصة في صورتها القرآنية الحية الباقة أبد الآبدين نقرأها تعبداً ونعيش في أجوائها مصدقين لها متبعين لما تقرر من أحكامها واقفين مع حكمها السامية الرامية إلى طهارة النفس من مرض الحقد والحسد.
المقدمة
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف المرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين ، وبعد
فهذه تأملات في قصة ابني آدم كما وردت في القرآن في سورة المائدة ، وسورة المائدة من السور المدنية والتي اعتنت بذكر التشريعات والأحكام ولذا فهي تسمى بسورة العقود كما تعرف بسورة الحلال والحرام ومع كونها كذلك فقد جاء ذكر خبر ابني آدم في هذه السورة وخبرها بلا شك مرتبط ووشيج الصلات بقضايا تقرير حرمة الأنفس وتشريع أحكام القصاص وعقاب المحاربين والسارقين حماية للنفس الإنسانية وصيانة للحقوق وأماناً للفرد والمجتمع .
كما ترد القصة لتؤكد وترمي إلى أن الاعتداء على النفس أو المال سببه الحسد الذي دفع قابيل أن يقتل أخاه هابيل على ما ذكره المفسرون من أن القاتل قابيل والمقتول هابيل ، وسنورد في البحث تفاصيل هذا الارتباط .
وفي كتاب المعجزة للكبرى للشيخ محمد أبو زهرة : أن من صور التصريف البياني بالقصص القرآني بيان بعض الأحكام الشرعية، وأنَّ ذلك يثبت هذه الأحكام ويدعمها.. وفي القصة تكون حكمة شرعيتها قائمة والغاية منها ثابتة.
ويقول عن قصة ابني آدم : هذه القصة تثبت أن الغيرة والحسد يؤديان إلى الاعتداء، وأن ذلك يحدث بين أقرب الناس بعضهم لبعض، وأنه لا علاج للحسد بإخراجه من النفوس، فهو فيها دفين، نعم إنه مرض، ولكنه مرض لا يمكن أن يكون منه شفاء، والناس ليسوا سواء فمنهم شقي وسعيد. وإذا كان الأمر كذلك فلا علاج إلَّا ببتر من استكن في قلبه الحسد، وصار من شأنه التعدي استجابة له، والاعتبار في النظم لصلاح الجماعة لا لصلاح الآحاد فقط، ولذلك قال الله تعالى عقب ذكر قصة ولدى آدم: {مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا وَلَقَدْ جَاءَتْهُمْ رُسُلُنَا بِالْبَيِّنَاتِ ثُمَّ إِنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ بَعْدَ ذَلِكَ فِي الْأَرْضِ لَمُسْرِفُونَ} [المائدة: 32] . وإنا لنرى هذا القصص المحكم قد ارتبط فيه الحكم بسببه، فهو في جزء من القصص ذكر سبحانه ما كان بين الأخ وأخيه من محاربته فطرة الأخوة الرابطة، وأنه حمل نفسه حملًا على ارتكاب جريمته؛ إذ هي مخالفة للطبائع السليمة، ولذلك قال سبحانه وتعالى: {فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُه} حتى إذا تمَّت الجريمة رأى بشاعتها في جثة أخيه، فأراد أن يواريه فضَلَّ، حتى رأى غرابًا هو أحنّ على أخيه منه، وهو أعلم كيف يواري سوءة أخيه. وما كانت أمور الناس لتترك فوضى، يجرم من يجرم ثم يندم، فكانت شريعة القصاص؛ لأن الاعتداء بالقتل اعتداء على حق الحياة في كل إنسان، ومن قتل نفسًا بغير حق فهو على استعداد لقتل غيرها، ففي عمله تعريض النفوس الإنسانية لاعتداء المعتدين المفسدين، ومن أحياها بالقصاص من القاتل، فكأنما أحيا الناس أجمعين، كما قال تعالى: {وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاة} [البقرة: 179] . وإن هذا يدل على أن شريعة القصاص شريعة أزلية خالدة باقية، وأنها كانت في الشرائع السابقة، ولم تخل شريعة من شرائع النبيين الكرام منها، ولقد ذكرت بحكمتها ونتيجتها، وهي إحياء للأمة وإهمالها إماتة لها.
ولا شك أنَّ ذلك تصريف بياني قرآني في بيان الأحكام.
مفهوم القصة والمراد بالقصة القرآنية
ولفظة القصة بكسر القاف وجمعها قصص بكسر القاف ، يقال كما قال الفيروزأبادي في البصائر : قصّ أَثَره قَصّا وقَصَصاً، واقتصّه وتقصّصه: تتبّعه. وقوله تعالى: {نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ القصص}، أَى: نبين لك أَحسن البيان.
والقِصَص: جمع قِصَّة، وهي الأَمر والشأْن، والَّذِى يُكتب، و [القَصَصُ] : الأَخبار المتتبّعة، قال تعالى: {إِنَّ هاذا لَهُوَ القصص الحق} . وقال ابن عاشور في مقدمة تفسيره : والقصة : الخبر عن حادثة غائبة عن المخبر بها فليس ما في القرآن من ذكر الأحوال الحاضرة في زمن نزوله قصصا مثل ذكر وقائع المسلمين مع عدوهم . وجمع القصة قصص بكسر القاف وأما القصص بفتح القاف فاسم للخبر المقصوص وهو مصدر سمي به المفعول يقال قص على فلان إذا أخبره بخبر.
والقصة القرآنية إنما ترد في القرآن للعظة والعبرة ” والله يقص الحق وهو خير الفاصلين ” ، ويقول : “نحن نقص عليك أحسن القصص بما أوحينا إليك هذا القرآن ” ، ولما أورد قصة يوسف ختمها بقوله آخر : لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبَابِ مَا كَانَ حَدِيثًا يُفْتَرَى وَلَكِن تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ ” وهذا بيان للغرض من ورود أخبار الأنبياء والسابقين فتأمل ؟ وهو خبر الحق والصدق بعيداً عن افتراءات المفترين وزيادات المغرضين واختلاق المختلقين ، وفي أول سورة القصص يقول الله : “: نتلو عليك من نبأ موسى وفرعون بالحق لقوم يؤمنون ” فأبان القرآن أن نبأ القرآن حق بلا مرية ، كما أبان أن الذين ينتفعون به قوم يؤمنون .
يقول ابن عاشور في مقدمة تفسيره عن قصص القرآن : إن في تلك القصص لعبراً جمة وفوائد للأمة ؛ ولذلك نرى القرآن يأخذ من كل قصة أشرف مواضيعها ويعرض عما عداه ليكون تعرضه للقصص منزهاً عن قصد التفكه بها .
من أجل ذلك كله لم تأت القصص في القرآن متتالية متعاقبة في سورة أو سور كما يكون كتاب تاريخ بل كانت مفرقة موزعة على مقامات تناسبها لأن معظم الفوائد الحاصلة منها لها علاقة بذلك التوزيع هو ذكر وموعظة لأهل الدين فهو بالخطابة أشبه . وللقرآن أسلوب خاص هو الأسلوب المعبر عنه بالتذكير وبالذكر في آيات يأتي تفسيرها؛ فكان أسلوبه قاضياً للوطرين وكان أجلّ من أسلوب القصاصين في سوق القصص لمجرد معرفتها لأن سوقها في مناسباتها يكسبها صفتين : صفة البرهان وصفة التبيان ونجد من مميزات قصص القرآن نسج نظمها على أسلوب الإيجاز ليكون شبهها بالتذكير أقوى من شبهها بالقصص.
القرآن الكريم ليس كتاب تاريخ أو قصص
واعلم أن القرآن ليس كتاب تاريخ وقصص إنما هو كتاب هداية وإرشاد ، وكما يقول الشيخ أبو زهرة رحمه الله عن قصص القرأن : إنه ليس كالروايات القصصية التي تذكر الحوادث المتخيلة أو الواقعة، إنما قصص القرآن وهو قصص لأمور واقعة يساق للعبر وإعطاء المثلات، وبيان مكان الضالين ومنزلة المهتدين، وعاقبة الضلال وعاقبة الهداية، وبيان ما يقاوم به النبيون، ووراءهم كل الدعاة للحق، فهو قصص للعبرة بين الواقعات، لا لمجرد المتعة من الاستماع والقراءة .
والله يقول الحق وهو يهدي السبيل
المبحث الأول
عرض أحداث القصة كما تحدثت عنها سورة المائدة
قال الله تعالى : وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آَدَمَ بِالْحَقِّ إِذْ قَرَّبَا قُرْبَانًا فَتُقُبِّلَ مِنْ أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الْآَخَرِ قَالَ لَأَقْتُلَنَّكَ قَالَ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ. لَئِنْ بَسَطْتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَا أَنَا بِبَاسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لِأَقْتُلَكَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ. إِنِّي أُرِيدُ أَنْ تَبُوءَ بِإِثْمِي وَإِثْمِكَ فَتَكُونَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ وَذَلِكَ جَزَاءُ الظَّالِمِينَ. فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ فَقَتَلَهُ فَأَصْبَحَ مِنَ الْخَاسِرِينَ. فَبَعَثَ اللَّهُ غُرَابًا يَبْحَثُ فِي الْأَرْضِ لِيُرِيَهُ كَيْفَ يُوَارِي سَوْأَةَ أَخِيهِ قَالَ يَا وَيْلَتَا أَعَجَزْتُ أَنْ أَكُونَ مِثْلَ هَذَا الْغُرَابِ فَأُوَارِيَ سَوْأَةَ أَخِي فَأَصْبَحَ مِنَ النَّادِمِينَ
الآيات 27: 31 من سورة المائدة
المطلب الأول : في مناسبة الآيات لما قبلها
وفي تعلق الآيات بما قبلها يذكر الفخر الرازي وجوهاً :
الأول: أنه تعالى قال فيما تقدم: { يَأَيُّهَا الذين ءامَنُواْ اذكروا نِعْمَةَ الله عَلَيْكُمْ إِذْ هَمَّ قَوْمٌ أَن يَبْسُطُواْ إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ فَكَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنكُمْ } فذكر تعالى أن الأعداء يريدون إيقاع البلاء والمحنة بهم لكنه تعالى يحفظهم بفضله ويمنع أعداءهم من إيصال الشر إليهم ، ثم إنه تعالى لأجل التسلية وتخفيف هذه الأحوال على القلب ذكر قصصاً كثيرة في أن كل من خصه الله تعالى بالنعم العظيمة في الدين والدنيا فإن الناس ينازعونه حسداً وبغياً، فذكر أولاً قصة النقباء الاثنى عشر وأخذ الله تعالى الميثاق منهم، ثم إن اليهود نقضوا ذلك الميثاق حتى وقعوا في اللعن والقساوة، وذكر بعده شدة إصرار النصارى على كفرهم وقولهم بالتثليث بعد ظهور الدلائل القاطعة على فساد ما هم عليه، وما ذاك إلا لحسدهم لمحمد صلى الله عليه وسلم فيما آتاه الله من الدين الحق، ثم ذكر بعده قصة موسى في محاربة الجبارين وإصرار قومه على التمرد والعصيان، ثم ذكر بعده قصة ابني آدم وأن أحدهما قتل الآخر حسداً منه على أن الله تعالى قبل قربانه، وكل هذه القصص دالة على أن كل ذي نعمة محسود.
فلما كانت نعم الله على محمد صلى الله عليه وسلم أعظم النعم لا جرم لم يبعد اتفاق الأعداء على استخراج أنواع المكر والكيد في حقه، فكان ذكر هذه القصص تسلية من الله تعالى لرسوله صلى الله عليه وسلم لما هم قوم من اليهود أن يمكروا به وأن يوقعوا به آفة ومحنة.
والثاني: أن هذا متعلق بقوله:{يا أهل الكتاب قد جاءكم رسولنا يبين لكم كثيراً مما كنتم تخفون من الكتاب ويعفو عن كثير} وهذه القصة وكيفية إيجاب القصاص عليها من أسرار التوراة.
والثالث: أن هذه القصة متعلقة بما قبلها، وهي قصة محاربة الجبارين، أي: اذكر لليهود حديث ابني آدم ليعلموا أن سبيل أسلافهم في الندامة والحسرة الحاصلة بسبب إقدامهم على المعصية كان مثل سبيل ابني آدم في إقدام أحدهما على قتل الآخر . قلت : والوجه الرابع هذا حكاه الطاهر بن عاشور حيث ذكر أن المناسبة بين قصة ابني آدم وبين القصة التي قبلها – أي : قصة قتال الجبارين- مناسبة تماثل ومناسبة تضاد. فأما التماثل فإن في كلتيهما عدم الرضا بما حكم الله تعالى: فإن بني إسرائيل عصوا أمر رسولهم إياهم بالدخول إلى الأرض المقدسة وأحد ابني آدم عصى حكم الله تعالى بعدم قبول قربانه لأنه لم يكن من المتقين.وفي كلتيهما جرأة على الله بعد المعصية؛ فبنو إسرائيل قالوا: اذهب أنت وربك وابن آدم قال: لأقتلن الذي تقبل الله منه، وأماالتضاد فإن في إحداهما إقداما مذموما من ابن آدم وإحجاما مذموما من بني إسرائيل وإن في إحداهما اتفاق أخوين هما موسى وأخوه على امتثال أمر الله تعالى وفي الأخرى اختلاف أخوين بالصلاح والفساد ([1]) .
والرابع: قيل هذا متصل بقوله حكاية عن اليهود والنصارى{نَحْنُ أَبْنَاء الله وَأَحِبَّاؤُهُ } أي: لا ينفعهم كونهم من أولاد الأنبياء مع كفرهم كما لم ينتفع ولد آدم عند معصيته بكون أبيه نبياً معظماً عند الله تعالى.
الخامس: لما كفر أهل الكتاب بمحمد صلى الله عليه وسلم حسداً أخبرهم الله تعالى بخبر ابن آدم وأن الحسد أوقعه في سوء العاقبة، والمقصود منه التحذير عن الحسد ([2] ) . كما سيأتي تفصيله .
قلت : وهناك وجه سادس ، ذكره العلامة أبو السعود وهو: أن يكون هذا عطفاً على مقدّر تعلق به قوله تعالى:
{ وَإِذْ قَالَ موسى لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ…الآية}، وتعلُقه به من حيث: إنه تمهيدٌ لما سيأتي من جِنايات بني إسرائيلَ بعد ما كُتب عليهم ما كُتب وجاءتهم الرسلُ بما جاءت به من البينات .
قلت : وعندي أن هذا الوجوه : جميعها حسنة ويحتملها السياق إلا أن الوجه الأخير : هو الأوجه لاتساقه مع فحوى السياق ولأنه أعم وأشمل وأكمل الوجوه. ويقرب منه: الوجه الثالث إلا أنه قد خلا من نكتة التعبير بأن قصة ابني آدم هاهنا تجيء تقدمة لما سيذكر بعد من أحكام شرعية تحفظ للمجتمع المسلم سلامه وكيانه .
وبهذا الوجه الأخير وجَّه الشيخ محمد رشيد رضا، والطاهر بن عاشور وجْهَ ذِكرِ خبر ابني آدم في سياق الآيات هنا على أنه عطف نبأ على نبإ ليكون مقدمة للتحذير من قتل النفس والحرابة والسرقة ويتبع بتحريم الخمر وأحكام الوصية وغيرها وليحسن التخلص مما استطرد من الأنباء والقصص التي هي مواقع عبرة وتنظم كلها في جرائر الغرور ([3]).
وقصة ( ابني آدم ) تكشف عن طبيعة الجريمة وبواعثها في النفس البشرية؛ كما تكشف عن بشاعة الجريمة وفجورها وضرورة الوقوف في وجهها والعقاب لفاعلها؛ ومقاومة البواعث التي تحرك النفس للإقدام عليها. فتأمل !
المطلب الثاني في التصوير القرآني للقصة
قوله تعالى ( واتل عليهم عليهم نبأ ابني آدم) : الظاهر في مرجع الضمير في قوله تعالى } واتل عليهم{ ( أنه يعود على بني إسرائيل إذ هم المحدث عنهم أولاً، والمقام عليهم الحجج بسبب همهم ببسط أيديهم إلى الرسول، والمؤمنين فاعلموا بما هو في غامض كتبهم الأول التي لا تعلق للرسول بها إلا من جهة الوحي، لتقوم الحجة بذلك عليهم، إذ ذلك من دلائل النبوّة ) ([4]). وفيه قولان: ذكرهما الرازي : ( أحدهما: واتل على الناس.والثاني: واتل على أهل الكتاب)([5]).
قلت : ولا يخفى أن الحمل على الأول : أولى لعمومه لأن المشركين وأهل الكتاب كلهم كانوا يحسدون رسول الله صلى الله عليه وسلم ويبغون عليه. وقد مرَّ أن من مقصود الخبر تقبيح الحسد ويدخل فيه أهل الكتاب وخآصة اليهود دخولاً أولياً حيث إن سياق الآيات قبل نبأ ابني آدم وبعده معهم واختاره شيخ شيوخنا الأستاذ الدكتور محمد السيد طنطاوي رحمه الله تعالى ([6]).ويؤيده قول الحافظ ابن كثير رحمه الله تعالى: ( أي : واقصص على هؤلاء البغاة الحسدة، إخوان الخنازير والقردة من اليهود وأمثالهم وأشباههم خبر ابني آدم) ([7]).
وأيضاً قول الشييخ محمد رشيد رضا رحمه الله تعالى: ( ومعنى الجملة: واتل أيها الرسول على أهل الكتاب وسائر الناس ذلك النبأ العظيم -نبأ ابني آدم- تلاوة متلبسة بالحق مظهرة له، بأن تذكره كما وقع، مبيناً ما فيه من الحكمة والكشف عن غريزة البشر، وهو ما جبلوا عليه من التباين والاختلاف الذي يفضي إلى التحاسد والبغي والقتل، ليعلموا حكمة الله فيما شرعه في الدنيا من عقاب الباغين من الأفراد والجماعات والشعوب والقبائل، وكون هذا البغي من اليهود على رسول الله والمؤمنين ليس من أمر دينهم، وإنما هو من حسدهم وبغيهم، فهم في هذا كابني آدم إذ حسد شرهما خيرهما فبغى عليه فقتله، وكانت عاقبة ذلك ما بينته هذه الآيات)([8]). وقيل: الضمير عائد على هذه الأمة أي:”اتل يا محمد على قومك”([9]). قلت: ولاريب أن في تلاوة هذا الخبر وغيره من أخبار الماضين على مسامع المؤمنين فيه ما فيه من الاعتبار والاتعاظ لهم فصرف الضمير في (عليهم ) من هذه الناحية إلى أصحاب النبي وسائر المؤمنين وجيه بل هو الغرض كما أعرب القرآن عنه في ختام سورة يوسف عليه السلام فبعد أن فرغ من ذكر قصته عليه السلام أبان عن القصد فقال:} لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبَابِ مَا كَانَ حَدِيثًا يُفْتَرَى وَلَكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ {
يقول الأستاذ محمد عزة دروزة في كتابه التفسير الحديث : إن الأسلوب القرآني للقصة يدل بوضوح على أنها جاءت للعظة والتذكير وهو الهدف الجوهري الذي استهدفه القرآن دائماً في قصصه.قال: ومن أمعن النظر في ما تهدف إليه هذه القصة اتضح له: أنها عامة الشمول لمختلف الأمم وفي مختلف الظروف. وهي”أي القصة” والحالة هذه شاملة لبني إسرائيل ولغيرهم وبخاصة للمسلمين الذين يجب عليهم اتخاذ ما جاء في القرآن من عظآت وتلقينات هدياً لهم ونبراساً . والمراد ( بابني آدم ) في قول جمهور أهل العلم هما ولدا آدم لصلبه قابيل وهابيل.
يقول الطبري : ( أجمع أهل الأخبار والسير والعلم بالتأويل، على أنهما كانا ابني آدم لصلبه، وفي عهد آدم وزمانه لا بَنِي بنيه الذين بَعُد منه نسبهم ) ([10]). وكذا قال الحافظ ابن كثير وقال:(هو قول غير واحد من السلف والخلف)([11]).
والقربان : ” اسم ما يتقرّب به إلى الله من نسيكة أو صدقة أو صلاة” ، والغالب: إطلاقه على الذبائح التي يتقرب إلى الله تعالى بذبحها. قال صاحب المنار:( وغلب عندنا في ذبائح النسك كالأضاحي) .
هذا ولَمَّا لم يبين لنا القرآن الكريم ولا جاءنا عن رسول الله من طريق صحيح ماهية هذا القربان الذي قرَّباه، ولا سبب تقريبه، ولا علامة قبوله، ولا من الذي تُقُبِّلَ منه والذي لم يُتَقَبَّل منه مع أن الذي عليه جمهرة العلماء أن المقبول منه هو هابيل والغير مقبول منه هو قابيل وحمل قابيل على أخيه هابيل فقتله حسداً على مزِيَّة القبول إذ لا جدوى لذلك في موقع العبرة وعليه؛ فإن السلامة في الوقوف عندها .
- التحذير من الأخبار الإسرائيلية الموضوعة في القصة
وقد أورد المفسرون في هذا الشأن آثاراً -طَوَّلُوا بهاكتبهم- ولا فائدة مرجوة منها ولا طائل تحتها
وكلها متلقاة عن أهل الكتاب ولا يصح منها شيء. والحق:” أن النقل عن أهل الكتاب دسيسة دخلت في ديننا”كما قال بذاك العلامة حجة الله الدهلوي في أصول التفسير”.
- ملخص القصة لما طول به المفسرون كتبهم
ونوجز هنا ملخصاً لما طوّل به المفسرون كتبهم لا لتُسَلِّم به ولكن لتكن منه على حذر.. كما نذكر تعقيب بعض المحققين من العلماء على هذا. لنخرج من العهدة. والله المستعان وعليه التكلان !!
قيل:” إن هابيل كان صاحب غنم، وقابيل كان صاحب زرع، فقرب كل واحد منهما قرباناً، فطلب هابيل أحسن شاة كانت في غنمه وجعلها قرباناً، وطلب قابيل شر حنطة في زرعه فجعلها قرباناً، ثم تقرب كل واحد بقربانه إلى الله فنزلت نار من السماء فاحتملت قربان هابيل ولم تحمل قربان قابيل، فعلم قابيل أن الله تعالى قبل قربان أخيه ولم يقبل قربانه فحسده وقصد قتله”([12]).
وقيل:” إن آدم عليه السلام كان يولد له في كل بطن غلام وجارية وكان يزوج البنت من بطن الغلام من بطن آخر، فولد له قابيل وتوأمته، وبعدهما هابيل وتوأمته، وكانت توأمة قابيل أحسن الناس وجهاً، فأراد آدم أن يزوجها من هابيل، فأبى قابيل ذلك وقال أنا أحق بها، وهو أحق بأخته، وليس هذا من الله تعالى، وإنما هو رأيك، فقال آدم عليه السلام لهما: قربا قرباناً، فأيكما قبل قربانه زوجتها منه، فقبل الله تعالى قربان هابيل بأن أنزل الله تعالى على قربانه ناراً، فقتله قابيل حسداً له” ([13]). قلت: يقول صاحب المنار في تعليقه على هذه الأخبار:( وهذه أخبار إسرائيلية اختلفت الروايات فيها عن مفسري السلف بعضها يوافق ما عند اليهود في سفر التكوين وبعضها يخالفه. وليس فيها شيء مرفوع إلى النبي يعوَّل عليه) ([14]).
- الصواب في مدول القصة
وبعيداً عن تلك الأوهام والترهات والأباطيل التي منشأها كما نبهنا إسرائيليات أهل الكتاب نقف مع القصة في صورتها القرآنية كما وردت ودون بحث في تفصيلات لا وثوق لنا في مصدرها.
تذكر الآيات خبر ابني آدم {إذ قربا قرباناً} أي:وقت تقريبهما قرباناً يتقربان به إلى الله تعالى.
{ فتقبل من أحدهما، ولم يتقبل من الآخر} ({قال: لأقتلنك }..أي:إن من لم يتقبل منه توعد أخاه وأقسم ليقتلنه فأجاب المتقبل منه ـ أخاه أحسن جواب وأنفعه:{قال: إنما يتقبل الله من المتقين}.
وقد تضمن الجواب بيان سبب القبول وعدمه مع الاعتذار .
يقول الزمخشري: ( فإن قلت: كيف كان قوله:{إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ الله مِنَ المتقين} جواباً لقوله:{ لأَقْتُلَنَّكَ}؟ .
قلت:لما كان الحسد لأخيه على تقبل قربانه هو الذي حمله على توعده بالقتل قال له: إنما أُتيت من قبل نفسك لانسلاخها من لباس التقوى، لا من قبلي، فلم تقتلني؟ ومالك لا تعاتب نفسك ولا تحملها على تقوى الله التي هي السبب في القبول؟ فأجابه بكلام حكيم مختصر جامع لمعان.وفيه دليل:على أنّ الله تعالى لا يقبل طاعة إلا من مؤمن متق، فما أنعاه على أكثر العاملين أعمالهم)([15]). ثم انتقل الأخ المتقبل منه من وعظ أخيه وحمله على تقوى الله وتطهير قلبه، إلى تذكيره بحقوق الأخوة من حرمة الدمآء وعصمة الأنفس ـ وما تقتضيه من بر وعفو ولعل في ذلك ما يكسر به شِرَّة ([16]) الشر الهائج في نفس أخيه الشرير! فقال:{لئن بسطت إلي يدك لتقتلني ما أنا بباسط يدي إليك لأقتلك، إني أخاف الله رب العالمين. إنِّي أُرِيدُ أَنْ تَبُوءَ بِإِثْمِي وَإِثْمِكَ فَتَكُونَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ وَذَلِكَ جَزَاءُ الظَّالِمِينَ{ .
والمعنى:لئن مددت يدك إلي لتقتلني، فليس من شأني ولا من خلقي أن أفعل هذه الفعلة بالنسبة لك. خوفاً من الله رب العالمين.. وأنا تاركك تحمل ذنب قتلي وتضمه إلى إثمك الذي جعل الله لايتقبل منك قربانك؛ فيكون إثمك مضاعفاً، وعذابك مضاعفاً..{وذلك جزاء الظالمين}. فماذا كان من تأثير هذه المواعظ في نفس ذلك الحاسد الظالم ؟ وكيف كانت استجابة تلك النفس الأمارة بالسوء بعد هذا التذكير ؟ يبين الله جلَّ وعزَّ ذلك فيقول: { فطوعت له نفسه قتل أخيه، فقتله، فأصبح من الخاسرين } يقول أبو السعود: (ولقد سلك -أي:” الأخ الصالح”- في صرفه-” أي:” صرف أخيه الفاسد” عما نواه من الشركل مسلك من العظة والتذكير بالترغيب تارة والترهيب أخرى فما أورثه ذلك إلا الإصرار على الغي والانهماك في الفساد؟) ([17]). وتحقيق الكلام في معنى قوله تعالى } فطوعت له نفسه… الآية{ أن الإنسان إذا تصور من القتل العمد العدوان كونه من أعظم الكبائر فهذا الاعتقاد يصير صارفاً له عن فعله فيكون هذا الفعل كالشيء العاصي المتمرد عليه الذي لا يعطيه بوجه ألبتة. فإذا أوردت النفس أنواع وساوسها صار هذا الفعل سهلاً عليه فكأن النفس جعلت بوساوسها العجيبة هذا الفعل كالمطيع له بعد أن كان كالعاصي المتمرد عليه ([18]) .
وهكذا.. طوعت تلك النفس الشريرة لصاحبها الفتل فوقعت الجريمة! وقتْل من؟ قتْل أخيه..فقتله..!([19]).
{فأصبح من الخاسرين} . أي:صار من الخاسرين ديناً ودنيا..ذلك أنه”خسر نفسه” فأوردها موارد الهلاك،”وخسر أخاه” ففقد الناصر والرفيق،”وخسردنياه” فما تهنأ للقاتل حياة،”وخسر آخرته” فباء بإثمه الأول وإثمه الأخير.ومثلت له سوأة الجريمة في صورتها الحسية.صورة الجثة التي فارفتها الحياة وباتت لحماً يسري فيه العفن، فهو سوأة لا تطيقها النفوس. وشاءت حكمة الله أن تقفه أمام عجزه-وهو الباطش القاتل الفاتك- عن أن يواري سوأة أخيه! عجزه عن أن يكون كالغراب في أمة الطير! .قال تعالى:{ فبعث الله غراباً يبحث في الأرض ليريه كيف يواري سوأة أخيه.قال:ياويلتا! أعجزت أن أكون مثل هذا الغراب فأواري سوأة أخي؟ فأصبح من النادمين} .
لما كان هذا القتل أول قتل وقع من بني آدم، ولما كان النوع البشري موكولاً في عامة أعماله إلى كسبه واختياره لم يعرف القاتل الأول كيف يواري جثة أخيه المقتول التي يسوؤه أن يراها هكذا بارزة فالسوءة:”ما يسوء ظهوره”، ورؤية جسد الميت ولا سيما المقتول يسوء كل من ينظر إليه ويوحشه.
فعندئذ }فبعث الله تعالى غراباً { أي: ألهم الله غراباً ينزل إلى المكان الذي هو فيه بحيث يراه }يبحث في الأرض{ فبحث في الأرض، أي: حفر برجليه فيها يفتش عن شيء، والمعهود أن الطير تفعل ذلك لطلب الطعام . ليريه كيف يواري سوأة أخيه . قال أبو مسلم ([20]):(عادة الغراب دفن الأشياء فجآء غراب فدفن شيئاً فتعلم ذلك منه) ([21]). وكذا أورده صاحب المنار وعزاه لأبي مسلم وقال:(هذا قريب)[22].
وقال ابن عاشور:(وكأنّ اختيار الغراب لهذا العمل إمّا لأنّ الدفن حيلة في الغِربان من قبلُ، وإمّا لأنّ الله اختاره لذلك لمناسبة ما يعتري الناظر إلى سواد لونه من الانقباض بما للأسيف الخاسر من انقباض النفس) ([23]) .
والمتبادرمن قوله }يبحث في الأرض {: أن الغراب أطال البحث في الأرض، لأنه قال:” يبحث” ولم يقل:” بحث”. والمضارع يفيد الاستمرار.فلما أطال البحث أحدث حفرة في الأرض، ويصح أن يكون التعبير بالمضارع: لاستحضار الصورة في ذهن المخاطبين وهو المقصود. فافهم .فلما رأى القاتل الحفرة -وهو متحير في أمر موارة سوأة أخيه-زالت الحيرة واهتدى إلى ما يطلب، وهو دفن أخيه في حفرة من الأرض.وهكذا..أعلمنا الله تعالى أن القاتل الأول:تعلم دفن أخيه في التراب من الغراب.ولما بان له من ضعفه و جهله ما كان غافلاً عنه قال متحسراً على حاله:}قال:يا ويلتا! أعجزت أن أكون مثل هذا الغراب فأواري سوأة أخي؟ فأصبح من النادمين} .قال أبو السعود:)هذا استئنافٌ مبنيٌّ على سؤال نشأ من سوق الكلامِ كأنه قيل:فماذا قال عند مشاهدةِ حال الغراب؟ فقيل:قال:{يا ويلتى}وهي كلمةُ جَزَعٍ وتحسّرٍ”والألفُ” بدلٌ من ياء المتكلم والمعنى”ياويلتي احضُري فهذا أوانك”، والويلُ والويلةُ الهلَكة{أَعَجَزْتُ أَنْ أَكُونَ }أي:عن أن أكون{مِثْلَ هذا الغراب فَأُوَارِيَ سَوْأَةَ أخي} تعجبٌ من عدم اهتدائِه إلى ما اهتدى إليه الغرابُ.}فأصبح من النادمين{)([24]).
والظاهر:أن ندمه لم يكن ندم التوبة -وإلا لقبل الله توبته-وإنما كان الندم:الناشئ من عدم جدوى فعلته، وما أعقبته له من تعب وعناء وقلق. وبهذا أجاب الرازي رحمه الله تعالى عن ما أشكل على قوله}فأصبح من النادمين{من قولهم:”لماكان من النادمين كان من التائبين فلم لم تقبل توبته”؟ وقد قال :”الندم توبة”([25]).
قال:( إنه صار من النادمين على قتل أخيه لأنه لم ينتفع بقتله وسخط عليه بسببه أبوه وإخوته فكان ندمه لأجل هذه الأسباب لا لكونه معصية، أوأن ندمه كان لأجل أنه تركه بالعرآء استخفافاً به بعد قتله فلما رأى أن الغراب لما قتل الغراب دفنه ندم على قساوة قلبه وقال هذا أخي وشقيقي ولحمه مختلط بلحمي ودمه مختلط بدمي فإذا ظهرت الشفقة من الغراب على الغراب ولم تظهر مني على أخي كنت دون الغراب في الرحمة والأخلاق الحميدة فكان ندمه لهذه الأسباب لا لأجل الخوف من الله تعالى فلا جرم لم ينفعه ذلك الندم)([26]).
المبحث الثاني
العبر والدروس المستفادة من خبر ابني آدم في القرآن
المطلب الأول : في ذم الحسد وبيان سوء عاقبته
من تأمل في القصة بان له الكثير من الدروس والعبر ومن نظر في العرض الذي عرضنا به القصة
في ضوء منهج التصوير الذي نسلكه في بحثنا يَلْمَح بعض تلك الدروس والعبر! وقد مرّ أن القصد من قَصِّ القصص: هو الاعتبار والادكار! فاعتبروا يا أولي الأبصار؟ وقد رأينا هاهنا أن نبرز بجلآء: أهم تلك الدروس في حياة المجتمع المسلم فنقول وبالله والتوفيق ومنه العون والسداد:
إن العبرة في قصة ابني آدم تكمن في إبراز قبح وذم الحسد وبيان سوء عاقبته وآثاره الوخيمة ، وقد رأينا كيف قتل الأخ أخاه بغياً وعدواناً وحسداً له لما وهبه الله وأعطاه؟وكيف قضى الحسد الخبيث والحقد الكائن في النفس الخبيثة على رابطة الأخوة ووشيجة الحب التي تجمع بين الأخوين؟ وكيف أدى هذا الدآء الفاسد في النفس الإنسانية إلى إراقة وإسالة الدمآء الذكية؟
يقول الشيخ محمد رشيد رضا:( وأكبر العبر في قصة ابني آدم: أنها تدلنا على أن الحسد: كان مثار أول جناية في البشر، ولا يزال هو الذي يفسد على الناس أمر اجتماعهم من اجتماع العشيرة في الدار إلى اجتماع القبيلة، إلى اجتماع الدولة. فترى الحاسد تثقل عليه نعمة الله على أخيه في النسب أو الجنس أو الدين وهو لم يتعرض لمثلها لينالها، فيبغي على أخيه ولو بما فيه شقاؤه ه، وأكبر الموانع لارتقاء المسلمين الآن هو الحسد والعياذ بالله تعالى من أهله لعنة الله عليهم، لأن الأمم لا ترتقي إلا بنهوض المصلحين بها، وكلما قام فينا مصلح تصدى الحاسدون لإحباط عمله) ([27]).
- حقيقة الحسد
يقول الحافظ ابن حجر: ( الْحَسَد تَمَنِّي الشَّخْص زَوَال النِّعْمَة عَنْ مُسْتَحِقّ لَهَا أَعَمُّ مِنْ أَنْ يَسْعَى فِي ذَلِكَ أَوْلَا، فَإِنْ سَعَى كَانَ بَاغِيًا، وَإِنْ لَمْ يَسْعَ فِي ذَلِكَ وَلَا أَظْهَرَهُ وَلَا تَسَبَّبَ فِي تَأْكِيد أَسْبَاب الْكَرَاهَة الَّتِي نُهِيَ الْمُسْلِم عَنْهَا فِي حَقّ الْمُسْلِم نُظِرَ: فَإِنْ كَانَ الْمَانِع لَهُ مِنْ ذَلِكَ الْعَجْز بِحَيْثُ لَوْ تَمَكَّنَ لَفَعَلَ فَهَذَا مَأْزُور، وَإِنْ كَانَ الْمَانِع لَهُ مِنْ ذَلِكَ التَّقْوَى فَقَدْ يُعْذَر لِأَنَّهُ لَا يَسْتَطِيع دَفْع الْخَوَاطِر النَّفْسَانِيَّة فَيَكْفِيه فِي مُجَاهَدَتهَا أَنْ لَا يَعْمَل بِهَا وَلَا يَعْزِم عَلَى الْعَمَل بِهَا، وَقَدْ أَخْرَجَ عَبْد الرَّزَّاق عَنْ مَعْمَر عَنْ إِسْمَاعِيل بْن أُمَيَّة رَفَعَهُ” ثَلَاث لَا يَسْلَم مِنْهَا أَحَد: الطِّيَرَة وَالظَّنّ وَالْحَسَد.قِيلَ: فَمَا الْمَخْرَج مِنْهَا يَا رَسُول اللَّه؟ قَالَ:إِذَا تَطَيَّرْت فَلَا تَرْجِع،وَإِذَا ظَنَنْت فَلَا تُحَقِّق، وَإِذَا حَسَدْت فَلَا تَبْغِ” ([28]).
وَعَنْ الْحَسَن الْبَصْرِيّ قَالَ:”مَا مِنْ آدَمِيّ إِلَّا وَفِيهِ الْحَسَد.فَمَنْ لَمْ يُجَاوِز ذَلِكَ إِلَى الْبَغْي وَالظُّلْم لَمْ يَتْبَعهُ مِنْهُ شَيْء) ([29]).
- وفي بيان تحقيق حقيقة الحسد وأحوال الحاسد
يقول العلامة السفاريني ([30]) : ( اعلم رحمك الله تعالى أن الحسد لايَكُونُ إلَّا عَلَى نِعْمَةٍ.وَمَتَى أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَى عَبْدٍ نِعْمَةً فَأَحَبَّ أَحَدٌ أَنْ يَكُونَ لَهُ مِثْلُهَا مِنْ غَيْرِ أَنْ تَزُولَ عَنْ الْمَحْسُودِ، فَذَلِكَ الْحَسَدُ يُسَمَّى غِبْطَةً وَلَا لَوْمَ فِيهِ وَلَا ذَمَّ وَإِنْ أَحَبَّ زَوَالَهَا عَنْ الْمَحْسُودِ فَهَذَا الْحَسَدُ الْمَذْمُومُ، وَصَاحِبُهُ الْمَلُومُ الظَّلُومُ.
ثم إنَّ هَذَا الْحَاسِدَ تَارَة يُحِبُّ زَوَالَ النعمة عَنْ الْمَحْسُودِ وَمَجِيئَهَا إلَيْهِ، وَهَذَا قَبِيحٌ. لِأَنَّهُ إيثَارٌ فِي ضِمْنِهِ اعْتِرَاضٌ وَأَقْبَحُ مِنْهُ طَلَبُ زَوَالِهَا عَنْ الْمَحْسُودِ، وَحُصُولِهَا إلَى غَيْرِه ، وَأَقْبَحُ مِنْهُمَا طَلَبُ زَوَالِهَا مُطْلَقًا، فَهَذَا عَدُوُّ نِعَمِ اللَّهِ تَعَالَى) ([31]).
- الفرق بين الحسد والغبطة
الْغِبْطَة:تَمَنِّي الْمَرْء أَنْ يَكُون لَهُ نَظِير مَا لِلْآخَرِ مِنْ غَيْر أَنْ يَزُول عَنْهُ، وَالْحِرْص عَلَى هَذَا يُسَمَّى مُنَافَسَة، فَإِنْ كَانَ فِي الطَّاعَة فَهُوَ مَحْمُود، وَمِنْهُ قوله تعالى ( فَلْيَتَنَافَسْ الْمُتَنَافِسُونَ) ([32]). وَإِنْ كَانَ فِي الْمَعْصِيَة فَهُوَ مَذْمُوم، وَمِنْهُ قوله
“وَلَا تَنَافَسُوا”([33]). وَإِنْ كَانَ فِي الْجَائِزَات فَهُوَ مُبَاح.وقد أطلق على الغبطة حسداً بطريق المجاز في قول النبي :” لَا حَسَدَ إلا في اثْنَتَيْنِ رَجُلٌ آتَاهُ الله مَالًا فَسُلِّطَ على هَلَكَتِهِ في الْحَقِّ وَرَجُلٌ آتَاهُ الله الْحِكْمَةَ فَهُوَ يَقْضِي بها وَيُعَلِّمُهَا”([34]).
قال النووي:(قَوْله :(لَا حَسَدَ إِلَّا فِي اِثْنَتَيْنِ ) قَالَ الْعُلَمَاء:الْحَسَد قِسْمَانِ: حَقِيقِيّ وَمَجَازِيّ. فَالْحَقِيقِيّ:تَمَنِّي زَوَال النِّعْمَة عَنْ صَاحِبهَا، وَهَذَا حَرَام بِإِجْمَاعِ الْأُمَّة مَعَ النُّصُوص الصَّحِيحَة. وَأَمَّا الْمَجَازِيّ:فَهُوَ الْغِبْطَة وَهُوَ أَنْ يَتَمَنَّى مِثْل النِّعْمَة الَّتِي عَلَى غَيْره مِنْ غَيْر زَوَالهَا عَنْ صَاحِبهَا. قال: وَالْمُرَاد بِالْحَدِيثِ:لَا غِبْطَة مَحْبُوبَة إِلَّا فِي هَاتَيْنِ الْخَصْلَتَيْنِ وَمَا فِي مَعْنَاهُمَا”([35]). وفي ذم الحسد يقول الماوردي:( اعْلَمْ أَنَّ الْحَسَدَ خُلُقٌ ذَمِيمٌ مَعَ إضْرَارِهِ بِالْبَدَنِ وَفَسَادِهِ لِلدَّيْنِ، حَتَّى لَقَدْ أَمَرَ اللَّهُ بِالِاسْتِعَاذَةِ مِنْ شَرِّهِ، فَقَالَ تَعَالَى:{وَمِنْ شَرِّ حَاسِدٍ إذَا حَسَدَ ([36])} وَنَاهِيكَ بِحَالِ ذَلِكَ شَرًّا)([37]).وقد أخرج البيهقي في شعب الإيمان عن الحسن في قوله تعالى }ومن شر حاسد إذا حسد{ قال: “هو أول ذنب كان في السماء”([38]). ويقول القرطبي:( الحسد أول ذنب عصي الله به في السماء وأول ذنب عصي به في الأرض فأما في السماء فحسد إبليس لآدم وأما في الأرض فحسد قابيل لهابيل)([39]). حسد إبليس عليه اللعنة سيدنا آدم عليه السلام على ما آتاه الله من الكرامات من خلقه بيديه، وأمر الملائكة بالسجود له، فحمله الحسد على التكبر، ومنعه التكبر من امتثال الأمر بالسجود، فكانت النتيجة طرده وإبعاده من رحمة الله تعالى إلى يوم الدين([40]). وحسد أحد ابني آدم أخاه فقتله، فكان الحسد بذاك سبب أوّل جريمة وقعت في الدنيا! يقول أبوحامد الغزالي : (حُكي أن عون بن عبد الله ([41]) دخل على المفضل بن المهلب ([42]) وكان يومئذ على واسط ([43]) فقال: إني أريد أن أعظك بشيء فقال:وما هو؟ قال:”إياك والكبر فإنه أول ذنب عصي الله به” ثم قرأ }وإذ قلنا للملائكة اسجدوا لآدم فسجدوا إلا إبليس { ([44]).، و”إياك والحرص فإنه أخرج آدم من الجنة أمكنه الله سبحانه من جنة عرضها السموات والأرض يأكل منها إلا شجرة واحدة نهاه عنها فأكل منها فأخرجه الله تعالى منها” ثم قرأ }اهبطوا منها…([45]) {إلى آخر الآية.، و” إياك والحسد فإنما قتل ابن آدم أخاه حين حسده”
ثم قرأ } واتل عليهم نبأ ابني آدم بالحق…{الآيات)([46]). ويروى عن ابن عمرَ: ( أنَّ إبليسَ قال لنوح: اثنتان بهما أُهلك بني آدم:الحسد، وبالحسد لُعِنتُ وجُعلتُ شيطاناً رجيماً. والحرص، وبالحرص أُبيح آدمُ الجنةَ كلَّها، فأصبتُ حاجتي منه بالحرص) ([47]). وقد نهى النبي عن الحسد وحذًّر منه تحذيراً شديداً فقال:
” لاتَحَاسَدُوا ولا تَبَاغَضُوا ولا تَقَاطَعُوا وَكُونُوا عِبَادَ اللَّهِ إِخْوَانًا” ([48]) .
4- الحسد من سمات يهود
وقد وصف الله اليهود بالحسد في مواضع من كتابه القرآن كقوله تعالى:}وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّارًا حَسَدًا مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ {- سورة البقرة الآية109-. وقوله تعالى}أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ فَقَدْ آَتَيْنَا آَلَ إِبْرَاهِيمَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَآَتَيْنَاهُمْ مُلْكًا عَظِيمًا{-سورة الأنعام الآية54- وفي هذا الإخبار: تحذير للمؤمنين عن الوقوع في هذا السلوك الفاسد الخبيث الذي ذم القرآن اليهود عليه ! والحسد الذي أصاب اليهود والذي فاضت به نفوسهم تجاه الإسلام والمسلمين، وما زالت تفيض هو الذي انبعثت منه دسائسهم وتدبيراتهم كلها وما تزال.وهو الذي يكشفه القرآن للمسلمين ليعرفوه ويعرفوا أنه السبب الكامن وراء كل جهود اليهود لزعزعة العقيدة في نفوسهم؛ وردهم بعد ذلك إلى الكفر الذي كانوا فيه، والذي أنقذهم الله منه بالإيمان، وخصهم بهذا بأعظم الفضل وأجل النعمة التي تحسدهم عليها يهود! .
وقد حذَّر النبي أمته عن أن ينتقل إليها هذا الدآء الذي هو دآء الأمم قبلها وخآصة اليهود
ومن ذلك ما أخرجه أحمد والترمذي واللفظ له من طريق يحيى بن أبي كَثِيرٍ عن يَعِيشَ بن الْوَلِيدِ أَنَّ مولى الزُّبَيْرِ حدثه أَنَّ الزُّبَيْرَ بن الْعَوَّامِ حدثه أَنَّ النبي قال:” دَبَّ إِلَيْكُمْ دَاءُ الْأُمَمِ الْحَسَدُ وَالْبَغْضَاءُ هِيَ الْحَالِقَةُ لَا أَقُولُ تَحْلِقُ الشَّعَرَ وَلَكِنْ تَحْلِقُ الدِّينَ وَالَّذِي نَفْسِي بيده لَا تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ حتى تُؤْمِنُوا ولا تُؤْمِنُوا حتى تَحَابُّوا أَفَلَا أُنَبِّئُكُمْ بِمَا يُثَبِّتُ ذَاكُمْ لَكُمْ أَفْشُوا السَّلَامَ بَيْنَكُمْ” ([49]).
والمعنى: ( سار إليكم داء الأمم قبلكم أي: عادة الأمم الماضية الحسد والبغضاء هي الحالقة حالقة الدين بكسر الدال لا حالقة الشعر أي الخصلة التي شأنها أن تحلق أي تهلك وتستأصل الدين كما يستأصل الموسى الشعر)([50]). وأخرج الحاكم في المستدرك من طريق أبي هانئ حميد بن هانئ الخولاني عن أبي سعيد الغفاري أنه قال:سمعت أبا هريرة رضي الله عنه يقول: سمعت رسول الله يقول:” سيصيب أمتي داء الأمم فقالوا يا رسول الله وما داء الأمم قال: الأشر والبطر والتكاثر والتناجش في الدنيا والتباغض والتحاسدحتى يكون البغي”([51]).
- مدى ما يصيب الحاسد من فساد في دينه ودنياه !
يقول العلامة شمس الدين السفاريني: ( الحسد يَضُرُّ الْحَاسِدَ فِي الدِّينِ وَالدُّنْيَا، أَمَّا ضَرَرُهُ فِي الدِّينِ فَإِنَّ الْحَاسِدَ
قَدْ سَخِطَ قَضَاءَ اللَّهِ تَعَالَى فَكَرِهَ نِعْمَتَهُ عَلَى عِبَادِهِ، وَهَذَا قَذىً ([52]) في بَصَرِ الْإِيمَانِ، وَيَكْفِيهِ أَنَّهُ شَارَكَ إبْلِيسَ فِي الْحَسَدِ وَفَارَقَ الْأَنْبِيَاءَ فِي حُبِّهِمْ الْخَيْرَ لِكُلِّ أَحَدٍ. قلت: وقد مرَّ قول السفاريني الحنبلي رحمه الله:أن الحاسد عدوّ نعم الله تعالى. فتأمل !!
وفي هذا أيضاً يقول العلامة الحرالي ([53]): (الحسد-الذي هو قلق النفس من رؤية النعمة على الغير-: اعتراض على الحق، ومعاندة له، ومحاولة لنقض ما فعله وإزالة فضله عما أهله له) ([54]) .
قال الشاعر: أيا حاسداً لي على نعمتي … أتدري على من أسأت الأدب
أسأت على الله في حكمه … لأنك لم ترض لي ما وهـب
فـأخزاك ربي بأن زادنـي … وسد عليك وجوه الطـلب ([55]) .
ثم قال السفاريني: ثُمَّ إنَّ الْحَسَدَ يَحْمِلُ عَلَى إطْلَاقِ اللِّسَانِ فِي الْمَحْسُودِ بِالشَّتْمِ وَالتَّحَيُّلِ عَلَى أَذَاهُ.
وَأَمَّا ضَرَرُهُ فِي الدُّنْيَا فَإِنَّ الْحَاسِدَ يَتَأَلَّمُ وَلَا يَزَالُ فِي كَمَدٍ.
وَأَنشَدُوا: دَع الْحَسُودَ وَمَا يَلْقَاهُ مِنْ كَمَدِهِ ([56]) … كَفَاك مِنْهُ لَهَيْبُ النَّارِ فِي جَسَدِهْ
إنْ لُمْت ذَا حَسَدٍ نَفَّسْت كُرْبَتَهُ … وَإِنْ سَكَتَّ فَقَدْ عَذَّبْته بِيَدِهْ ([57]) .
وقَالَ الْأَصْمَعِيُّ سَمِعْت أَعْرَابِيًّا يَقُولُ: مَا رَأَيْت ظَالِمًا أَشْبَهَ بِمَظْلُومٍ مِنْ الْحَاسِدِ حُزْنٌ لَازِمٌ
وَنَفْسٌ دَائِمٌ، وَعَقْلٌ هَائِمٌ، وَحَسْرَةٌ لَا تَنْقَضِي) ([58]) .
- ومن آفات الحسد أنه يُذْهِب الحسنات
أخرج أبو داود في السنن من حديث أبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ النبي قال:” إِيَّاكُمْ وَالْحَسَدَ فإن الْحَسَدَ يَأْكُلُ الْحَسَنَاتِ كما تَأْكُلُ النَّارُ الْحَطَبَ أو قال الْعُشْبَ” ([59]).
- علاج دآء الحسد
ذكر شمس الدين السفاريني رحمه الله تعالى أن السبيل إلى َمُعَالَجَة مرض الحسد: “تارة يكون بِالزُّهْدِ فِي الدُّنْيَا، وَأَنَّهَا لَا تَعْدِلُ عِنْدَ اللَّهِ جَنَاحَ بَعُوضَةٍ، فَلَا وَجْهَ لِلْمُنَافَسَةِ فِيهَاعِنْدَ الْعُقَلَاءِ” “وتارَةً بِالرِّضَا بِالْقَضَاءِ” .
قال:فإنك- أي: أيه العبد-:” إنْ لَمْ ترْضَ لَمْ تحْصُلْ إلَّا عَلَى النَّدَمِ وَفَوَاتِ الثَّوَابِ، وغَضَبِ رَبِّ الْأَرْبَابِ”.وقال:” وَلَيْسَ لِلْعَاقِلِ حِيلَةٌ فِي دَفْعِ الْقَضَاءِ فَعَلَيْهِ بِالرِّضَا” ([60]).
قلت:اعلم رحمني الله وإياك:أن العبد لا يصح زهده في الدنيا إلا بالرضا! ([61]) ومتى رضي العبد بقضآء الله تعالى،وقنع بعطآئه فلا يدخله بعون الله تعالى ومدده وعصمته حسد!
ومن هنا: فإن السبيل الناجع إلى علاج دآء الحسد ليس إلا الرضا بقضآء الله تعالى وقدره !
وفقني الله تعالى وإياك لما يحب ربنا ويرضى ! ؟
المطلب الثاني في جملة فوائد مستفادة من القصة
- تسلية الرسول والربط على قلبه
قد قلنا: ونحن نعيش مع أحداث القصة إن من وجوه اتصال ذكر خبر ابني آدم، وما كان من قتل أحدهما الآخر بدافع الحسد؟ إثر ذكر حسَدِ اليهود النبي حتى هموا بقتله مع صحابته:
التنبيه على أن اليهود ظالمون باغون عادون شأنهم في ذلك شأن ابن آدم القاتل الظالم مع أخيه المقتول المظلوم ومن هنا يأتي التنويه:على أن هَمَّ اليهود بالفتك بسيدنا رسول الله ليس بجديد عليهم فقد قتلوا الأنبيآء قبله، وقتل قابيل هابيل، والشر قديم.ومن ثم فإن التذكير بهذه القصة مع ما له من بواعث ودوافع يأتي في مكانه من السورة !وفيه ما فيه:من التسلية لرسول الله .
- بيان أول من سنَّ جريمة القتل
وفي القصة بيان أول من سنَّ جريمة القتل وهو قابيل في قول جمهور أهل العلم بالتفسير والسير والأخبار والتواريخ
وقال النبي ” لا تُقْتَلُ نَفْسٌ ظُلْمًا إلا كان على بن آدَمَ الْأَوَّلِ كِفْلٌ من دَمِهَا لِأَنَّهُ كان أَوَّلَ من سَنَّ الْقَتْلَ” ([62]).
ويذكر النووي:(الكفل: بكسر الكاف الجزء والنصيب وقال الخليل: هو الضعف .
وهذا الحديث: من قواعد الإسلام وهو أن”كل من ابتدع شيئاً من الشر كان عليه مثل وزر كل من اقتدى به في ذلك العمل مثل عمله إلى يوم القيامة” ومثله ” من ابتدع شيئاً من الخير كان له مثل أجر كل من يعمل به إلى يوم القيامة” وهو موافق للحديث الصحيح” من سن سنة حسنة ومن سن سنة سيئة” وللحديث الصحيح” من دل على خير فله مثل أجر فاعله” وللحديث الصحيح “ما من داع يدعو إلى هدى وما من داع يدعو إلى ضلالة” والله أعلم )([63]).
- مشروعية دفن ومواراة جسد الميت، وبيان كيفيته، وأول أمره.
حيث تفيد أحداث القصة أن هابيل هو:أول إنسان يموت على الأرض، وأن أمر دفن الموتى لم يكن قد عرف بعد.
ولذا وكما حكى القرآن “أرسل الله غراباً إلى قابيل القاتل ليعلمه كيف يستر بالتراب جسد أخيه المقتول”؟ .
وقد مرَّ الكلام في ذلك بما فيه الغنية.
- مشروعية التقرب إلى الله تعالى بالأعمال الصالحة
اعلم أن المراد بقرب العبد من الرب جلَّ وعَزَّ: القرب بالذكر والعمل الصالح يقال: تقرب لله بشيء
أَي:طَلَبَ به القُرْبة عنده تعالى. (وقال الليث بن المظفر اللغوي: القُرْبانُ”ما قَرَّبْتَ إِلى اللّه تبتغي بذلك قُرْبةً ووسيلة” . وفي الحديث:صفة هذه الأُمَّةِ في التوراة”قُرْبانُهم دماؤُهم” ([64]).
قال:والقُرْبان مصدر قَرُبَ يَقْرُب أَي: يَتَقَرَّبُون إِلى اللّه بإِراقة دمائهم في الجهاد.وفي الحديث”الصّلاةُ قُرْبانُ كلِّ تَقِيٍّ”([65]). أَي:إِنَّ الأَتْقِياءَ من الناس يَتَقَرَّبونَ بها إِلى اللّه تعالى أَي: يَطْلُبون القُرْبَ منه بها)
- قبول الأعمال الصالحة يتوقف على الإِخلاص فيها لله تعالى ([66]) .
يقول ابن عاشور في التفسير: وقد أفاد قول ابن آدم في الجواب” إنما يتقبل الله من المتقين” :حصر القبول في أعمال المتقين فإذا كان المراد من المتقين معناه المعروف شرعاُ المحكي بلفظه الدال عليه مراد ابن آدم كان مفاد الحصر أن عمل غير المتقي لا يقبل؛ فيحتمل أن هذا كان شريعتهم ثم نسخ في الإسلام بقبول الحسنات من المؤمن وإن لم يكن متقياً في سائر أحواله؛ويحتمل أن يراد بالمتقين المخلصون في العمل فيكون عدم القبول أمارة علة عدم الإخلاص وفيه إخراج لفظ التقوى عن المتعارف؛ ويحتمل أن يريد بالتقبل تقبلاً خاصاًوهو التقبل التام الدال عليه احتراق القربان فيكون على حد قوله تعالى ( هدى للمتقين ) أي هدى كاملاً لهم وقوله ( والآخرة عند ربك للمتقين ) أي الآخرة الكاملة ويحتمل أن يريد تقبل القرابين خاصة؛ ويحتمل أن يراد المتقين بالقربان أي المريدين به تقوى الله وأن أخاه أراد بقربانه بأنه المباهاة ومعنى هذا الحصر أن الله لا يتقبل من غير المتقين وكان ذلك شرع زمانهم .
واعلم أن فقدان الإخلاص يمنع قبول الأعمال . يقول الأستاذ القشيري: (الإخلاص:إفراد الحق سبحانه في الطاعة بالقصد، وهو أن يريد بطاعته التقرب إلى الله سبحانه دون أي شيء آخر؛ من تصنُّع لمخلوق أو اكتساب محمدة عند الناس، أو محبة مدح من الخلق، أو معنى من المعاني سوى التقرّب به إلى الله تعالى) ([67]).
ويذكر درزوة: (أن آيات القصة قد استهدفت فيما استهدفته كما هو المتبادر بيان كون الله عز وجل الذي يعلم نوايا الناس في أعمالهم وسلوكهم إنما يتقبل من المتقين ذوي النوايا الحسنة والرغبات الصادقة ويشملهم برضآئه)([68]).
ولِهَذَا كَانَ سيدنا ابن عمر يَقُول:” لَأَنْ تُقْبَل لِي صَلَاة وَاحِدَة أَحَبّ إِلَيَّ مِنْ جَمِيع الدُّنْيَا: لِأَنَّ اللَّه تَعَالَى قَالَ:إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنْ الْمُتَّقِينَ”([69]).
وصل الله وسلم وبارك على نبينا وسيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
والحمد لله في الأولى والآخرة
أهم مراجع البحث
- أحكام القرآن لابن العربي المالكي
- إحياء علوم الدين لأبي حامد الغزالي
- الأذكار ، للنووي
- إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم ، أبو السعود العمادي
- بصائر ذوي التمييز في لطائف الكتاب العزيز ، الفيروز آبادي
- تاج العروس ، للزبيدي
- تفسير التحرير والتنوير ، الطاهر بن عاشور
- التفسير الحديث ، محمد عزة دروة
- تفسير السيد أحمد مصطفى المراغي
- تفسير القرأن العظيم ، للحافظ ابن كثير
- تفسير المنار للشيخ محمد رشيد رضا
- التفسير الوسيط ، محمد السيد طنطاوي
- تفسير جامع البيان في تأويل آي القرآن ، للطبري
- تفسير مفاتيح الغيب ، الفخر الرازي
- الجامع لأحكام القرأن لأبي عبد الله القرطبي
- الدر المنثور ، لجلال الدين السيوطي
- السلسلة الضعيفة والموضوعة للألباني
- سنن ابن ماجة ، القزويني
- سنن أبو داود
- سنن الترمذي ، الإمام الترمذي
- صحيح الإمام أبي عبد الله البخاري
- صحيح الإمام مسلم بن الحجاج
- العين ، للخليل بن أحمد الفراهيدي
- فتح الباري ، الحافظ ابن حجر العسقلاني
- فيض القدير ، للمناوي
- القاموس المحيط ، الفيروزأبادي
- لسان العرب لابن منظور
- المستدرك على الصحيحين ، للحاكم النيسابوري
- المسند للإمام أحمد بن حنبل
- المعجزة الكبرى للقرآن ، لأبي زهرة
- المعجم الكبير لأبي القاسم الطبراني
Margins:
- (1) التحرير والتنوير:6/ 168) ↑
- (2) تفسير مفاتيح الغيب 11/160 ↑
- (1) التحرير والتنوير 6/ 168 ↑
- (2) البحر المحيط 3/ 475 ↑
- (3) تفسير الرازي 11/160: 161 ↑
- (1) التفسير الوسيط 6/ 155 ↑
- (2) تفسير ابن كثير 2/ 42 ↑
- (3) تفسير المنار 6/ 281 وينظر التفسير الوسيط 6/ 155 ↑
- (4) التفسير الحديث 9/ 98 باختصار وتصرف ↑
- (1) تفسير الطبري 10 / 209 ↑
- (2) تفسير ابن كثير 2/ 42 ↑
- 1- الأثر ساقه الطبري في التفسير10/ 203: 204 من طريق العوفي عن ابن عباس موقوفاً، وساقه أيضاً مختصراً في 10/ 205 من حديث فضيل بن مرزوق عن عطية العوفي موقوفاً عليه، وأورده السيوطي في الدر المنثور 3/ 55: 56 وعزاه لابن جرير من حديث ابن عباس ، وابن كثير في التفسير وقال: “رواه ابن جرير من طريق العوفي عن ابن عباس” قلت: وعطية العوفي ضعيف جداً في الحديث قال الحافظ الذهبي في المغني في الضعفاء ج2/ص436″عطية بن سعد العوفي الكوفي تابعي مشهور مجمع على ضعفه” و فضيل بن مرزوق ذكره أيضاً الذهبي في الضعفاء 2/ 115، وابن الجوزي في الضعفاء والمتروكين ج3/ص9 وقال:” فضيل بن مرزوق الرقاشي الكوفي يروي عن عطية. قال الرازي: لا يحتج به. وقال ابن حبان: يخطئ على الثقات ويروي عن عطية الموضوعات”. ↑
- 2- الأثر رواه ابن جرير الطبري 10/ 206: 207، و أورده السيوطي في الدر المنثور ج3/ 55 وعزاه لعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن عساكر وقال: إسناده جيد، وأورده ابن كثير من رواية ابن أبي حاتم 2/ 43 وجوَّد إسناده أيضاً. والخبر ـ كما ترى ظاهره أنه من إسرائيليات بني إسرائيل ، وقد ذكر نحوه الطبري أيضاً ونص على نسبته إلى بعض أهل العلم بالكتاب الأول 10/ 205، 206 . وقد قال شيخ شيوخنا أبو شهبة رحمه الله في مثل هذا:” وما جاء عن ابن عباس، ومجاهد وغيرهما، فمرجعه إلى أهل الكتاب الذين أسلموا” . وقد أفاد الحافظ ابن كثير في التفسير 1/ 174 وفي غير ما مرَّة:( أن غالب من يذكر هذا إنما يأخذه من كتب أهل الكتاب، وهي مما لا يصدق ولا يكذب ولا يعتمد عليها بمجردها، وأما إذا صح حديث في ذلك فعلى الرأس والعين ) ↑
- 3- تفسير المنار 6/ 283 ↑
- تفسير الكشاف 658 ↑
- الشِّرَّة أي: النشاط والرغبة وهي مصدر لشَرَّ. كذا في اللسان 4/ 401 ↑
- 1-تفسير أبو السعود 3/ 28 ↑
- 2-أفاده الفخر الرازي في التفسير 11/ 164 ↑
- 3-يقول الشوكاني في فتح القدير 2/ 32: (وقد روي في صفة قتله لأخيه روايات الله أعلم بصحتها ) ↑
- ( أبو مسلم ) ترجم له الداودي في طبقات المفسرين ج1/ص 98 فقال: (محمد بن علي بن محمد بن الحسين.. أبو مسلم الأصبهاني الأديب المفسر النحوي المعتزلي كان عارفاً بالتفسير والنحو والأدب غالياً في مذهب الاعتزال صنف التفسير في عشرين مجلداً…ومات في جمادى الآخرة سنة تسع وخمسين وأربعمائة ومولده سنة ست وستين وثلاثمائة) قلت: أصبهان مدينة شهيرة من مدن فارس ـ إيران حالياً ـ وتدعى أيضاً أصفهان وإليها ينسب عدد كثير من أهل العلم منهم الراغب الأصفهاني صاحب المفردات، وأبو الفرج الأصفهاني صاحب الأغاني، والحافظ الكبير أبو بكر بن مردويه المفسر ↑
- أورده الرازي عن أبي مسلم الأصبهاني 11/ 165 ↑
- تفسير المنار 6/ 286 ↑
- التحرير والتنوير 6/173 ↑
- تفسير أبو السعود 3 / 28 ↑
- الحديث رواه أحمد في المسند من حديث ابن مسعود 1/ 376 والبخاري في تاريخه 3/ 373، 8/ 51، ورواه ابن ماجة في السنن 2/1420، وابن حبان في صحيحه 2/ 376: 379 باب التوبة” ذكر الخبر الدال على أن الندم توبة” والحاكم وصححه4/ 271: 272وأورده السيوطي في الجامع الصغير ـ كما في التيسير بشرح الجامع الصغير للمناوي 2/ 464 وقال:” إسناده صحيح” . ↑
- مفاتيح الغيب 11/ 166، وراجع تفسير المنار 6/ 286: 287 ↑
- تفسير المنار 6/ 290، وانظر تفسير أحمد مصطفى المراغي 6/ 103 ↑
- 1-الحديث: أخرجه البيهقي في شعب الإيمان من طريق عبد الرزاق عن معمر عن إسماعيل بن أمية مرفوعاً 2/ 63 وقال: هذا منقطع وأورده المتقي الهندي في كنز العمال 16/ 25 وعزاه للبيهقي قلت: وأخرج البيهقي نحوه أيضاً في الشعب 16/ 25 عن أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعاً، ونحوه عند الطبراني في الكبير ج3/ص228 من حديث حَارِثَةَ بن النُّعْمَانِ قال: قال رسول اللَّهِ ” ثَلاثٌ لازِمَاتٌ لأُمَّتِي الطِّيَرَةُ وَالْحَسَدُ وَسُوءُ الظَّنِّ فقال رَجُلٌ ما يُذْهِبُهُنَّ يا رَسُولَ اللَّهِ مِمَّنْ هو فيه قال إذا حَسَدْتَ فَاسْتَغْفَرِ اللَّهَ وإذا ظَنَنْتَ فَلا تُحَقِّقْ وإذا تَطَيَّرْتَ فَامْضِ” وأورده الهيثمي في المجمع 8/ 8 وقال: رواه الطبراني وفيه” إسماعيل بن قيس الأنصاري وهو ضعيف” ↑
- 2-فتح الباري 10/ 482 ↑
- 3-( السفاريني ) (1114 – 1188هـ = 1702 – 1774م ) محمد بن أحمد بن سالم السفاريني، شمس الدين، أبو العون
عالم بالحديث والأصول والأدب، محقق.ولد في سفارين (من قرى نابلس) -بفلسطين -ورحل إلى دمشق فأخذ عن لمائها. وعاد إلى
نابلس فدرس وأفتى، وتوفي فيها.له من التصانيف”البحور الزاخرة عن علوم الآخرة ” “تحبير الوفا في سيرة المصطفى ”
“تحفة النساك في فضل السواك” “الدرر المصنوعات في الأحاديث الموضوعات” ” غذاء الألباب في شرح منظومة الآداب” وغيرها.
راجع ترجمته في (هدية العارفين أسماء المؤلفين وآثار المصنفين لاسماعيل باشا البغدادي ج6/ص340) ، (والأعلام للزركلي6/ 4 )،
(و إيضاح المكنون في الذيل على كشف الظنون عن أسامي الكتب والفنون -وهو أيضاً- للعالم الأديب الفاضل اسماعيل باشا البغدادي
ج4/ص142) ↑
-
- غذاء الأ لباب شرح منظومة الألباب 2/ 221 دار النشر: دار الكتب العلمية – بيروت / لبنان – 1423 هـ – 2002 م الطبعة: الثانية تحقيق: محمد عبد العزيز الخالدي
- سورة المطففين جزء من آية 26 ↑
-
- روى مسلم في صحيحه ج4/ص1986 كتاب البر والصلة والآداب بَاب” تَحْرِيمِ الظَّنِّ وَالتَّجَسُّسِ وَالتَّنَافُسِ وَالتَّنَاجُشِ وَنَحْوِهَا” من حديث أَبِى هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِىِّ قَالَ « لاَ تَبَاغَضُوا وَلاَ تَدَابَرُوا وَلاَ تَنَافَسُوا وَكُونُوا عِبَادَ اللَّهِ إِخْوَانًا ».
-
- الحديث رواه البخاري في الصحيح من حديث ابن مسعود كتاب العلم بَاب” الِاغْتِبَاطِ في الْعِلْمِ وَالْحِكْمَةِ وقال عُمَرُ تَفَقَّهُوا قبل أَنْ تُسَوَّدُوا” ج1/ص39 حديث 73 وفي غير ما موضع، وانظر فتح الباري لابن حجر 1/ 166 بتصرف
-
- شرح النووي على صحيح مسلم 6/ 97
- سورة الفلق آية 5 ↑
- أدب الدنيا والدنيا للماوردي 333 ↑
- شعب الإيمان للبيهقي ج5/ص273 والأثر أورده السيوطي في الدر المنثور 8/ 690 وعزاه لابن عدي في الكامل، والبيهقي في شعب الإيمان. ↑
-
- تفسير القرطبي 5/ 251 وذكره غير واحد كأبي حامد الغزالي في الإحياء 3/ 188، والماوردي في أدب الدنيا والدين 333 وابن حجر الهيتمي في الزواجر 1/ 101 وقال:”هو قول بعض االسلف” والأثر أسنده” أبوبكر أحمد بن مروان بن محمد الدينوري القاضي المالكي” في كتابه” المجالسة وجواهر العلم” إلى ابن عيينة أثر رقم 656 ص 144
-
- قلت: ذكره بنحوه العلامة ابن رجب الحنبلي في جامع العلوم والحكم 327، وانظر أضواء البيان للشيخ الشنقيطي 9/ 164: 165وفي شأن صنيع إبليس عليه اللعنة وحكم العلي القدير عليه باللعن والإبعاد !يقول القرآن الكريم:} وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَرًا مِنْ صَلْصَالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ فَسَجَدَ الْمَلَائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَى أَنْ يَكُونَ مَعَ السَّاجِدِينَ قالَ يَا إِبْلِيسُ مَالَكَ أَلَّا تَكُونَ مَعَ السَّاجِدِينَ قَالَ لَمْ أَكُنْ لِأَسْجُدَ لِبَشَرٍ خَلَقْتَهُ مِنْ صَلْصَالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ قَالَ فَاخْرُجْ مِنْهَا فَإِنَّكَ رَجِيمٌ وَإِنَّ عَلَيْكَ اللَّعْنَةَ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ { الحجر الآيات 28: 35 وقال تعالى: } إِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَرًا مِنْ طِينٍ فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ فَسَجَدَ الْمَلَائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ إِلَّا إِبْلِيسَ اسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ قَالَ يَا إِبْلِيسُ مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ أَسْتَكْبَرْتَ أَمْ كُنْتَ مِنَ الْعَالِينَ قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ قَالَ فَاخْرُجْ مِنْهَا فَإِنَّكَ رَجِيمٌ وَإِنَّ عَلَيْكَ لَعْنَتِي إِلَى يَوْمِ الدِّينِ { سورة ص الآيات 71: 78
- قلت: ترجم الحافظ الذهبي في سير أعلام النبلاء 5/ 103″ لعون” فقال:(عون بن عبد الله بن عتبة بن مسعود الإمام القدوة العابد أبو عبد الله الهذلي الكوفي حدث عن أبيه وأخيه وابن المسيب وابن عباس وعبد الله بن عمرو وطائفة…توفي سنة بضع عشرة ومئة) وترجم له أيضاً ابن الجوزي في صفوة الصفوة 3/ 100: 104وذكر طرفاً مما أُثر عنه من أقوال في الزهد والرقائق. ↑
- 5- المفضل بن المهلب: (كما في الأعلام للزركلي 7/ 280 هو: ابن أبى صفرة الأردي، أبو غسان: وال، من أبطال العرب ووجهائهم في عصره.كانت إقامته في البصرة.،وولاه الحجاج خراسان ( سنة 85 هـ ) فمكث سبعة أشهر.، وولاه سليمان بن عبد الملك جند فلسطين ) قلت: وفي الكامل لابن الأثير 4/ 339: 346 خبر مضيه إلى” واسط” ضمن طرف من أخباره هو وأخيه يزيد بن المهلب”.، ومات المفضل في سنة اثنتين ومائة من الهجرة. ↑
- 6- واسط: مدينة شهيرة من مدن العراق، وقد بناها الحجاج بن يوسف الثقفي، أمير العراق آنذاك، ولذلك تسمى” بواسط الحجاج”
ويعود سبب تسميتها” بواسط” لأنها تقع متوسطة بين البصرة والكوفة. راجع معجم البلدان لياقوت الحموي 5/ 347 ↑
- 1- سورة البقرة آية 34 ↑
- سورة البقرة آية 38 }: قُلْنَا اهْبِطُوا مِنْهَا جَمِيعًا فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنْ تَبِعَ هُدَايَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ { ↑
- -انظر إحياء علوم الدين لأبي حامد الغزالي3/ 188، وكذا أورده الفخر الرازي في التفسير 3/ 214 ↑
- الخبر خرجه ابن أبي الدنيا في مكائد الشيطان 65، وابن عساكر بسنده عن ابن عمر في تاريخ مدينة دمشق 62/ 258: 259، وابن الجوزي في تلبيس إبليس 41، وبدر الدين الشبلي في آكام المرجان 270: 271 ↑
- 5- الحديث رواه البخاري كتاب الأدب بَاب” ما يُنْهَى عن التَّحَاسُدِ وَالتَّدَابُرِ وَقَوْلِهِ تَعَالَى } وَمِنْ شَرِّ حَاسِدٍ إذا حَسَدَ { ج5/ص2253، وباب الْهِجْرَةِ وَقَوْلِ النبي ” لَا يَحِلُّ لِرَجُلٍ أَنْ يَهْجُرَ أَخَاهُ فَوْقَ ثَلَاثِ” ج5/ص2255 ومسلم” واللفظ له” كتاب البر والصلة والآداب باب تحريم التحاسد والتباغض والتدابر ج4/ص1983 ↑
- (1) المسند 1/ 164، 167، وسنن الترمذي كتاب صفة القيامة والرقائق والورع 4 / 664 وقال:” هذا حَدِيثٌ قد اخْتَلَفُوا في رِوَايَتِهِ عن يحيى بن أبي كَثِيرٍ فَرَوَى بَعْضُهُمْ عن يحيى بن أبي كَثِيرٍ عن يَعِيشَ بن الْوَلِيدِ عن مولى الزُّبَيْرِ عن النبي ولم يَذْكُرُوا فيه عن الزُّبَيْرِ”، والحديث أورده الحافظ المنذري في الترغيب والترغيب 3/ 285، والهيثمي في المجمع 8/ 30 وقالا:”رواه البزار وإسناده جيد” قلت: قال في مرقاة المفاتيح ج9/ص241: 242:” قوله (دب) بفتح الدال المهملة وتشديد الموحدة أي: نقل وسرى ومشى بخفية، ( إليكم داء الأمم قبلكم الحسد) أي: في الباطن، (والبغضاء) أي:العداوة في الظاهر ورفعهما على أنهما بيان للداء أو بدل وسميا داء لأنهما داء القلب، و( هي) أي: البغضاء وهو أقرب مبنى ومعنى أو كل واحدة منهما (الحالقة) أي:القاطعة للمحبة والإلفة والصلة والجمعية والخصلة الأولى هي المؤدية إلى الثانية ولذا قدمت، (لا أقول تحلق الشعر) أي:تقطع ظاهر البدن فإنه أمر سهل، (ولكن تحلق الدين ) وضرره عظيم في الدنيا والآخرة “. ↑
- 2- فيض القدير للمناوي 3/ 516 ↑
- 3- المستدرك على الصحيحين ج4/ص185 وقال الحاكم:” هذا حديث صحيح الإسناد” وأقره الحافظ الذهبي وقد أورد الحديث الهيثمي في مجمع الزوائد ج7/ص308 وقال:”رواه الطبراني في الأوسط 9/ 23 وفيه أبو سعيد الغفاري لم يرو عنه غير حميد بن هانئ وبقية رجاله وثقوا”وأخرجه ابن أبي الدنيا في ذم الحسد كما قال المناوي 4/ 126 ، وذم البغي 5، والعقوبات 174وجوَّد إسناده الحافظ العراقي كما في المغني عن حمل الأسفار في تخريج ما في الإحياء من الأخبار 2/863 قلت: قوله (الأشر) أي: كفر النعمة، (والبطر) الطغيان عند النعمة وشدة المرح والفرح…، (والتكاثر) أي:من جمع المال، (والتشاحن ) أي: التعادي والتحاقد في الدنيا والتباغض، (والتحاسد) أي: تمني زوال نعمة الغير حتى يكون (البغي) أي: مجاوزة الحد وهو تحذير شديد من التنافس في الدنيا لأنها أساس الآفات ورأس الخطيئات وأصل الفتن وعنه تنشأ الشرور وفيه علم من أعلام النبوة فإنه إخبار عن غيب وقع.اهـ من فيض القدير للمناوي 4/125: 126 ↑
- القذى: كما في تاج العروس ج39/ص279:”ما يَقَعُ في العَيْنِ وما تَرْمي به والقَذَى في الشَّرابِ:ما يَقَعُ فيه مِن ذُبابٍ أَو غيرِهِ” ويقال: قَذِيَتْ الْعَيْنُ قَذًى مِنْ بَابِ تَعِبَ صَارَ فِيهَا الْوَسَخُ. ↑
-
- أبو الحسن علي بن أحمد بن الحسن الحرالي الأندلسي” أصله من حرالة من أعمال مرسية ببلاد الأندلس” أسبانيا حالياً” ولد ونشأ في مراكش.، ورحل إلى المشرق وتصوف..وتوفي في حماة (بسورية) 638هـ” كذا قال الزركلي في الأعلام 4/ 256 وفي سير أعلام النبلاء للذهبي وكشف الظنون لحاجي خليفة أنه مات سنة سبع وثلاثين وستمائة وصنف في تفسير القرآن كتابه”مفتاح الباب المقفل على فهم القرآن المنزل” ترجم له الداودي في طبقات المفسرين 273 وكذا السيوطي أيضاً في طبقات المفسرين 76″ يقول الحافظ الذهبي عن تفسير الحرالي في سير أعلام النبلاء ج23/ص47: ( وعمل” أي الحرالي” تفسيراً عجيباً ملأه باحتمالات لا يحتمله الخطاب العربي أصلاً وتكلم في علم الحروف والأعداد)
- فيض القدير للمناوي 3/ 25 وعزاه للحرالي ↑
-
- قلت: الأبيات في” المستطرف في كل فن مستظرف” ج1/ص459 في فصل الحسد دون نسبة، ونسبها أبوالقاسم حسين بن محمد المعروف بالراغب الأصبهاني في محاضرات الأدباء ومحاورات الشعراء والبلغاء ج1/ص313 إلى منصور الفقيه (أبو الحسن التميمي الضرير الفقيه الشافعي الشاعر) واكتفى بذكر البيتان الأولان قال: ولمنصور الفقيه
أَلاَ قُلْ لِمَنْ باتَ لي حاسِداً أتَدْرِي على مَن أسأتَ الأَدَبْ
أسأْتَ على الله في حُكْمهِ إذا أنْتَ لم تَرْضَ لي ما وَهَبْ ↑
- قال في تاج العروس ج9/ص 112:” الكُمْدَةُ بالضمّ والكَمْدُ بالفتح والكَمَدُ بالتَّحْرِيك: تَغَيُّرُ اللَّوْنِ وذَهَابُ صَفَائه.والكَمَدُ مُحَرَّكَةً” الحُزْنُ الشديد لايُستطاعُ إِمْضَاؤُه” وفي الصحاح، والأَساس” الحُزْن المَكْتوم” وفي المحكم هو” أَشدُّ الحُزْنِ” والكَمَدُ:
“مَرَضُ القَلْبِ مِنْهُ ” أَي:من الحُزْن الشديد…وأَكْمَدَه الحُزْنُ:” غَمَّه فهو مَكْمود” ↑
-
- البيتان كذا ذكرهما العلامة السفاريني في غذاء الألباب 3/ 255 ولم ينسبهما وكذا هما في جواهر الأدب 2/ 67 للأديب المصري القاهري أحمد بن إبراهيم بن مصطفى الهاشمي بدون نسبة
-
- غذاء الألباب 2/ 223 قلت: قول الأصمعي ذكره الراغب الأصفهاني كتابه محاضرات الأدباء 1/ 312 ونسبه لسيدنا علي ابن أبي طالب رضي الله تعالى عنه والذي في الرسالة القشيرية وقد نسبه إلى عمر بن عبد العزيز قوله”ما رأيت ظالماً أشبه بمظلوم من الحاسد: غم دائم ونفس متتابع” وروى البيهقي في شعب الإيمان ج5/ ص 273 من طريق أبي بكر بن أبي الدنيا عن شيخ له عن آخر قال: قال الخليل بن أحمد:”ما رأيت ظالما أشبه بمظلوم من حاسد نفس دائم وعقل هائم وحزن لائم” وفي تفسير القرطبي 5/ 251 والعقد الفريد لابن عبد ربه الأندلسي ج2/ص158عن الحسن قال:”ما رأيت ظالماً أشبهَ بمظلوم من حاسد: نفَسٌ دائم، وحُزْن لازم، وغمُّ لا يَنْفَد”.
-
- سنن أبي داود ج4/ص276 كتاب الأدب باب في الحسد قلت: قال المناوي في فيض القدير ج3/ص125: هذا حديث رواه أبو داود في كتاب الأدب من حديث إبراهيم بن أسيد عن جده عن أبي هريرة وجد إبراهيم لم يسم وذكر البخاري إبراهيم هذا في تاريخه الكبير وذكر له هذا الحديث وقال:” لا يصح” وللحديث شاهد في سنن ابن ماجة كتاب الأدب باب في الحسد 2/ 1408 من حديث أس بن مالك مرفوعاً ولفظه” الْحَسَدُ يَأْكُلُ الْحَسَنَاتِ كما تَأْكُلُ النَّارُ الْحَطَبَ وَالصَّدَقَةُ تُطْفِئُ الْخَطِيئَةَ كما يُطْفِئُ الْمَاءُ النَّارَ وَالصَّلَاةُ نُورُ الْمُؤْمِنِ وَالصِّيَامُ جُنَّةٌ من النَّارِ” قال البوصيري في مصباح الزجاجة في زوائد ابن ماجة ج4/ص238:” هذا إسناد فيه عيسى بن أبي عيسى وهو ضعيف” وقال الحافظ العراقي في تخريج أحاديث وآثار الإحياء ج1/ص32:” هو عند ابن ماجه من حديث أنس بإسناد ضعيف وفي تاريخ بغداد 2/ 227 بإسناد حسن” قوله” إياكم والحسد” أي: في مال أو جاه دنيوي فإنه مذموم بخلاف الغبطة في الأمر الأخروي” فإن الحسد” أي: باعتبار ما ينتج في حق المحسود من ارتكاب السيئات” يأكل الحسنات” أي” يفني ويذهب طاعات الحاسد”كما تأكل النار الحطب” لأن الحسد يفضي بصاحبه إلى اغتياب المحسود ونحوه فيذهب حسناته في عرض ذلك المحسود فيزيد المحسود نعمة على نعمة والحاسد حسرة على حسرة فهو كما قال تعالى” }خسر الدنيا والآخرة { وفي حاشية ابن القيم على سنن أبي داود ج13/ص168 قال في تعليقه على حديث أنس الذي عند ابن ماجة:” لما كان الحاسد يكره نعمة الله على عباده والمتصدق ينعم عليهم كانت صدقة هذا ونعمته تطفيء خطيئته وتذهبها وحسد هذا وكراهته نعمة الله على عباده تذهب حسناته”
- انظر غذآء الألباب 2/ 222 باختصار وتصرف ↑
- 2-قال الغزالي رحمه الله تعالى في إحياء علوم الدين ج4/ص69:( قال بعض العارفين: أهل الصبر على ثلاثة مقامات أولها:ترك الشهوة وهذه درجة التائبين. وثانيها: الرضا بالمقدور وهذه درجة الزاهدين. وثالثها:المحبة لما يصنع به مولاه وهذه درجة الصديقين) ↑
- (1) رواه البخاري ↑
- (2) 11/ 166 وراجع صحيح مسلم ج4/ص2059 كتاب العلم باب” من سَنَّ سُنَّةً حَسَنَةً أو سَيِّئَةً وَمَنْ دَعَا إلى هُدًى أو ضَلَالَةٍ”، وسنن ابن ماجة ج1/ص74 باب” من سَنَّ سنه حسنة أو سَيِّئَةً” ↑
- () قلت: هذا جزء من حديث رواه الطبراني في المعجم الكبير من حديث عبد الله بن مسعود قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّه ِ:”صِفَتِي أَحْمَدُ الْمُتَوَكِّلُ، لَيْسَ بِفَظٍّ وَلا غَلِيظٍ، يَجْزِي بِالْحَسَنَةِ الْحَسَنَةَ، وَلا يُكَافِيءُ السَّيِّئَةَ، مَوْلِدُهُ بِمَكَّةَ وَمُهَاجَرُهُ طَيْبَةَ، وَأُمَّتُهُ الْحَمَّادُونَ، يَأْتَزِرُونَ عَلَى أَنْصَافِهِمْ، وَيُوصُونَ أَطْرَافَهُمْ، أَنَاجِيلُهُمْ فِي صُدُورِهِمْ،يَصُفُّونَ لِلصَّلاةِ كَمَا يَصُفُّونَ لِلْقِتَالِ، قُرْبَانُهُمُ الَّذِي يَتَقَرَّبُونَ بِهِ إِلَيَّ دِمَاؤُهُمْ، رُهْبَانٌ بِاللَّيْلِ، لُيُوثٌ بِالنَّهَارِ” والحديث أورده الهيثمي في المجمع ج8/ص271 في صفة النبي وقال:”رواه الطبراني وفيه من لم أعرفهم” وكذا عزا الحافظ الزيلعي في تخريج أحاديث وآثار تفسير الكشاف ج3/ص48 الحديث ثم قال:( وفي كتاب الردة للواقدي- قال- حدثنا إسماعيل بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن أبي ربيعة عن أبيه أن يهودياً من أهل سبأ يقال له نعمان وكان أعلم أحبار يهود قدم على النبي فلما رآه آمن به وسأله عن أشياء وقال له إن أبي دفع إلي سفراً مختوماً وقال لي لا تقرأه على يهود حتى تسمع بنبي قد خرج من يثرب فلما سمعت بك فتحته فإذا فيه صفتك كما أراك الساعة. وفيه:” ما يحل وما يحرم” وفيه:” أنه خير الأنبياء وأمته خير الأمم واسمه أحمد أمته الحمادون قربانهم دماؤهم وأناجيلهم صدورهم لا يحضرون قتالاً إلا وجبريل معهم تحنن الله عليهم كتحنن النسر على فراخه” قال: وكان النبي يحب أن يسمع أصحابه حديثه ) انتهى. ↑
- (2) الحديث رواه القضاعي في مسند الشهاب من حديث سيدنا علي بن أبي طالب رضي الله عنه مرفوعاً 1/ 181
و قال المناوي في فيض القدير ج4/ص 247 (ورواه أبو يعلى عن جابر بلفظ” الصلاة قربان والصيام جنة والصدقة تطفئ الخطيئة كما يطفىء الماء النار” ) وقد ضعف الحديث الشيخ الألباني كما في السلسلة الضعيفة والموضوعة 8/310 حديث 3808، وصحيح وضعيف الجامع الصغير وزيادته 801 حديث 3571 ↑
- ↑
- (1) أورده النووي في كتابه الأذكار ص6 وقال:”رويناه عن الأستاذ الإمام أبي القاسم القشيري” ↑
- (2) التفسير الحديث 9/98 بتصرف ↑
-
(3) أورده الحافظ ابن حجر في فتح الباري 1/ 235 ↑