جدلية الأنا والآخر في الميزانين العربي والغربي

د. الحسن شجيد1 د. محمد سالم اولحسن2

1 دكتوراه من كلية الشريعة، جامعة القرويين، المغرب

بريد الكتروني: lguerssifi@gmail.com

2 أستاذ التعليم الثانوي، المغرب

بريد الكتروني: oulahsen.02@gmail.com

HNSJ, 2023, 4(4); https://doi.org/10.53796/hnsj4417

Download

تاريخ النشر: 01/04/2023م تاريخ القبول: 22/03/2023م

المستخلص

على أساس الانتماء الكوني والشرعي، تأتي المقاربة الإسلامية التصورية للآخر، وهي بهذا الاعتبار مقاربة مؤسسة لسلم حضاري نابذ لشتى أنواع التصنيف والتمييز العنصري بين الناس على أساس اللون أو الدين أو العرق أو ما شابهه، وقامت الدعوة الإسلامية على هذا الأساس فتمثله النبي بدءا، وتبعه الصحابة الكرام ثانيا، ومن سار على دربهم ثالثا. ولعل أجلى مظاهر الاعتراف تلك ما رتبه الدين الإسلامي على المنتمين اليه من واجب البر والصلة والإحسان إلى الآدميين جميعا، إذ كيف تترتب هذه الأمور على من لا يتصور في الذهن وجوده؟ كما هي الأطروحات الغربية في تناولها لهذا المفهوم. فالإسلام إذن لم يشرع هذه الأمور إلا بعد الاعتراف القطعي بالآخر، وأنه كالأنا في انتمائه الكوني، وقصد تحقق الانتماء الشرعي فيه. ومن ثم، يمكن الحديث عن أقسام الاخر وأصنافه ومراتبه من خلال نصوص الوحي ومقاصد الشريعة، وعلى إثر هذا التقسيم استمدت المدارس الفقهية تصورها وتحليلها لمدلول الآخر، فبنت على ذلك ثنائية أمة الإجابة وأمة الدعوة، وثنائية الأخوة الإنسانية والأخوة الإسلامية، والآخر في الميزان الدنيوي والآخر في الميزان الأخروي، ولعل المرجعية التأصيلية المتبناة هي مقولة علي رضي الله عنه: “أخ لك في الدين، أو نظير لك في الخلق”، فلنتناول هذه القيمة إذن وفق هذا التصور.

مقدمة

على أساس الانتماء الكوني والشرعي، تأتي المقاربة الإسلامية التصورية للآخر، وهي بهذا الاعتبار مقاربة مؤسسة لسلم حضاري نابذ لشتى أنواع التصنيف والتمييز العنصري بين الناس على أساس اللون أو الدين أو العرق أو ما شابهه، وقامت الدعوة الإسلامية على هذا الأساس فتمثله النبي بدءا، وتبعه الصحابة الكرام ثانيا، ومن سار على دربهم ثالثا. ولعل أجلى مظاهر الاعتراف تلك ما رتبه الدين الإسلامي على المنتمين اليه من واجب البر والصلة والإحسان إلى الآدميين جميعا، إذ كيف تترتب هذه الأمور على من لا يتصور في الذهن وجوده؟ كما هي الأطروحات الغربية في تناولها لهذا المفهوم. فالإسلام إذن لم يشرع هذه الأمور إلا بعد الاعتراف القطعي بالآخر، وأنه كالأنا في انتمائه الكوني، وقصد تحقق الانتماء الشرعي فيه. ومن ثم، يمكن الحديث عن أقسام الاخر وأصنافه ومراتبه من خلال نصوص الوحي ومقاصد الشريعة، وعلى إثر هذا التقسيم استمدت المدارس الفقهية تصورها وتحليلها لمدلول الآخر، فبنت على ذلك ثنائية أمة الإجابة وأمة الدعوة، وثنائية الأخوة الإنسانية والأخوة الإسلامية، والآخر في الميزان الدنيوي والآخر في الميزان الأخروي، ولعل المرجعية التأصيلية المتبناة هي مقولة علي رضي الله عنه: “أخ لك في الدين، أو نظير لك في الخلق”[1]، فلنتناول هذه القيمة إذن وفق هذا التصور.

  • القسم الأول: مطلق الآخر

إن اعتراف الشريعة الإسلامية بهذا القسم الأول للآخر أو الغير، مبني على مقصد الانتماء إلى الكون، وبناء عليه تتحقق للآخر سائر الحقوق الكونية الوجودية للأنا أو الذات، من حق عيش، وكرامة، ومساواة، وحفظ مال، وعرض، وما إلى ذلك من سائر القيم. فلا معيار يعتد به في التأسيس الديني لهذا الصنف إلا معيار الإنسانية أو الكونية. وبذلك يشمل الآخر هنا مطلق الغير، موافقا للذات والأنا أو مخالفا لها[2]. فعلى أساس الأخوة الإنسانية، وردت الآيات القرءانية مساوية بين الذات والغير بمعيار القيم، فمن ذلك الكرامة كما في الآية:﴿وَلَقَدۡ كَرَّمۡنَا بَنِيٓ ءَادَمَ﴾(سورة الإسراء، الآية 70)، والمساواة في أصل الخلقة كما في الآية: ﴿خَلَقَكُم مِّن نَّفۡسٖوَٰحِدَةٖ﴾ (سورة النساء، الآية 1)، والعيش في الأرض كما في قوله تعالى: ﴿وَٱلۡأَرۡضَ وَضَعَهَا لِلۡأَنَامِ ﴾(سورة الرحمن، الآية10)على ترجيح أن المراد بالأنام إنما هو الإنسان[3] فقط، دون سائر ما يدب على الأرض[4]، ثم التفضيل على الموجودات كما في الآية أيضا:﴿وَفَضَّلۡنَٰهُمۡ عَلَىٰ كَثِيرٖ مِّمَّنۡ خَلَقۡنَا تَفۡضِيلٗا﴾(سورة الإسراء، الآية 70).

فقيمة الاعتراف بالآخر تستلزم هذه التوابع: الكرامة، والمساواة، والتفضيل، والحق في العيش بأمان. فلذا كانت دعوة النبي صلى الله عليه وسلم قائمة في تصرفاته القولية والفعلية على هذا الأساس، ومحاولة ترسيخه في النفوس، فكان له دوره في إسلام كثير ممن كان منضويا في هذا الصنف أي الآخر المخالف للذات، ومنهم أسرى بدر، فعن أبي عزيز بن عمير أخي مصعب بن عمير قال: “كنت في الأسارى يوم بدر، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “استوصوا بالأسارى خيرا، وكنت في نفر من الأنصار، وكانوا إذا قدموا غداءهم وعشاءهم أكلوا التمر، وأطعموني الخبز بوصية رسول الله صلى الله عليه وسلم إياهم”[5]. فكان هذا الفعل النبوي سببا في إسلام أخ مصعب بن عمير عقب معركة بدر، وأسلم معه السائب بن عبيد، ورجع الأسارى ولا هَمَّ لهم إلا الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم، ودعوته القائمة على البر والخير للآخر.

فتنمية لهذه القيمة في الاعتراف بمطلق الآخر، تضافرت النصوص بمنطوقها ومفهومها معززة هذا الاعتراف بمنظومة أخلاقية وقيمية عامة، متشوفة إلى ما فيه تحصيل الأمن للناس، حتى تهدأ نفوسهم فيقبلوا الاستماع للدعوة، وقد قال الله سبحانه: ﴿وَإِنۡ أَحَدٞ مِّنَ ٱلۡمُشۡرِكِينَ ٱسۡتَجَارَك َفَأَجِرۡهُ حَتَّى ٰيَسۡمَعَ كَلَٰمَ ٱللَّهِ ثُمَّ أَبۡلِغۡهُ مَأۡمَنَهُ﴾ (سورة التوبة، الآية6).فالدعوة الإسلامية قائمة على أساس التعايش الكوني في بعده الظاهر، بصفته وجوداً لكلّ البشر في الحياة، وفي بعده العميق بصفته أسّاً روحانيّا للمعاملات بين الأنا والآخر. باحثة عن مسوغات العافية والأمن والاطمئنان، بدلا من مبررات الفتن والخصومات. فلذا نجد أغلب الوصايا النبوية في معاملة الآخر قائمة على إفشاء السلام، وكف الأذى، وإطعام الطعام، والرحمة بالأنام. أما السلام فقد تضافرت النصوص على مطلق افشائه بين الناس، وقد روى مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ” لا تدخلون الجنة حتى تؤمنوا، ولا تؤمنوا حتى تحابوا، أولا أدلكم على شيء إذا فعلتموه تحاببتم؟ أفشوا السلام بينكم”[6]، وروى البخاري أن رجلا سأل النبي صلى الله عليه وسلم:” أي الإسلام خير؟ قال: تطعم الطعام، وتقرأ السلام على من عرفت ومن لم تعرف”[7]، وقال عمار: “ثلاث من جمعهن جمع الإيمان: الإنصاف من نفسك، وبذل السلام للعالم، والإنفاق من الإقتار”[8]. وقال ابن الملقن معلقا: ” وأما بذل السلام للعالم فمعناه: للناس كلهم، لقوله صلى الله عليه وسلم: “وتقرأ السلام عَلَى من عرفت ومن لم تعرف”. وهذا من أعظم مكارم الأخلاق، ويتضمن التواضع وهو ألا ترتفع عَلَى أحد، ولا تحتقر أحدًا، وإصلاح ما بينه وبين الناس بحيث لا يكون بينه وبين أحد شحناء، ولا أمر يمتنع من السلام عليه بسببه”[9].

فعلى هذا الأساس قامت الدعوة، ففي عهد الأمويين كتب ابن عم الخليفة عبد الله بن إسماعيل الهاشمي إلى الكندي[10] رسالة الدعوة الى الإسلام، ورد فيها قوله: “بسم الله الرحمن الرحيم، أما بعد؛ فقد افتتحت كتابي إليك بالسلام عليك والرحمة تشبها بسيدي وسيد الأنبياء محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإن ثقاتنا ذوي العدالة عندنا الصادقين الناطقين بالحق، الناقلين إلينا أخبار نبينا عليه السلام، قد رووا لنا أن هذه كانت عادته، وأنه كان صلى الله عليه وسلم إذا افتتح كلامه مع الناس يبادئهم بالسلام والرحمة في مخاطبته إياهم، ولا يفرق بين الذمي والأمي، ولا بين المؤمن والمشرك، وكان يقول إني بعثت بحسن الخلق إلى الناس كافة لم أبعث بالغلظة والفظاظة”[11].

ولا يقتصر الاعتراف بالآخر في الأعمال الظاهرة، بل يقترن بالأعمال الباطنة أيضا، فلا يخالج النفوس شك في أن الآخر مساو للأنا في ميزان الانتماء الكوني، ويترتب على ذلك رجاء الحظوظ النفسية التي يرجوها الإنسان لنفسه، ويتمناها لغيره حتى يكتمل ايمانه، فلذا يقول النبي صلى الله عليه وسلم :”لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه”[12]، وفسر أكثر الشراح مفردة الأخ هنا بأنها الاخوة الإسلامية لا الإنسانية، وقال آخرون بالعكس، وقد يدل لقولهم زيادة مسلم في روايته للحديث: “لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه -أو قال لجاره- ما يحب لنفسه”[13]، فزيادة لفظة الجار -وإن وردت على الشك- تجعل إرادة الاخوة الإنسانية معتبرة، لأن الجار قد يكون مسلما وقد لا يكون كذلك. وقد كان في جوار النبي صلى الله عليه وسلم جار يهودي[14]، وكان لعبد الله بن عمرو أيضا جار يهودي يطعمه ويحسن إليه[15]. وعموما فالآيات القرءانية خادمة لهذا المعنى موصية به، ومن ذلك قوله تعالى:﴿وَقُولُواْ لِلنَّاسِ حُسۡنٗا﴾(سورة البقرة، الآية83)،ففي تفسير الناس قال عطاء بن ابي رباح: الناس كلهم[16]، وخصهم الواحدي بأنهم اليهود[17]. كما أن القيم حين يتحدث عنها فإنها تأتي على جهة العموم كالرحمة والعدل، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم في العدل: “إنما أنا بشر، وإنكم تختصمون إلي، ولعل بعضكم أن يكون ألحن بحجته من بعض، فأقضي على نحو ما أسمع، فمن قضيت له من حق أخيه شيئا فلا يأخذه، فإنما أقطع له قطعة من النار”[18]. وقد فسر الشراح مراده بالأخوة في الحديث أنها الأخوة الإنسانية، ولا يخصصه رواية بحق أخيه المسلم، لأنه لا مفهوم له فقد خرج مخرج الغالب، وإلا فالذمي والمعاهد كذلك على حد تعبير القسطلاني وغيره[19]. فهذا المحمل التفسيري قد يسري على الحديث المتقدم، والله أعلم.

  • التقسيم القرءاني للآخر المخالف

بعد التسليم بقيمة الاعتراف لمطلق الآخر في الشريعة والإسلامية، وما ترتب على ذلك من مطلق الإحسان إليه في المعاملة الدنيوية، وعدم التمييز بينه وبين الذات والأنا من حيث الانتماء الكوني والإنساني، ومن حيث قصد الانتماء الشرعي، وعلى هذا جاءت الشريعة الإسلامية رحمة للعالمين جميعا، تتغيى هداية الخلق دون التفريق بينهم حسب الأحساب والأنساب والأعراق والألوان والأجناس، وما إلى ذلك مما عهده الناس في الجاهلية، بل كانت دعوة النبي شاملة لهم جميعا، وكما دعا أقاربه وقومه، كاتب ملوك الدول الأخرى وكبارها، وبدأ كتبه تلك إليهم بالسلام الذي ورد في الحديث الأمر بإفشائه، ففي كتابه لهرقل قال: “من محمد رسول الله إلى هرقل عظيم الروم سلام على من اتبع الهدى”[20]، وعلى النهج نفسه صيغت رسائله إلى ملوك عصره، وبحسب الاستجابة من عدمها كان لا بد أن يبين الوحي للرسول صلى الله عليه وسلم منهج التعامل مع الآخر الذي لم يستجب لدعوته، فلذا كان الخطاب القرءاني حسب ذلك فئويا، أحيانا يرد فيخص المهاجرين، وأحيانا يخص الأنصار، وأحيانا لليهود وآخر للنصارى.. وعلى ذلك جعل ابن القيم الآخر المخالف أقساما ثلاثة في أول الأمر: “محاربين، وأهل عهد، وأهل ذمة. ثم آلت حال أهل العهد والصلح إلى الإسلام، فصاروا معه قسمين: محاربين، وأهل ذمة، والمحاربون له خائفون منه، فصار أهل الأرض معه ثلاثة أقسام: مسلم مؤمن به، ومسالم له آمن، وخائف محارب”[21].وعلى أساس هذا التصنيف يأتي بيان المنهج الدعوي الذي سلكه النبي في التعامل مع الآخر المخالف كالآتي:

  1. رعايا الدولة الإسلامية من غير الناطقين بالاسلام[22]: وهم الذين يعيشون في ظل الدولة الإسلامية وينعمون بحمايتها، إلا أنهم ليسوا مسلمين، فهؤلاء من قبيل الآخر المخالف للذات في الدين، فقيمة الاعتراف الإنساني بهم باقية، ويزيدون عن غيرهم من المخالفين بكونهم معترفا بهم على أساس انتمائهم للوطن، فهم من رعاياها، وإن امتنعوا عن الدخول في الإسلام فإنهم يقرون على دياناتهم أيا كانت، وتجب رعايتهم على الدولة، وتوفير ضروريات العيش والأمن لهم، مما يستحقه مواطنوا الدولة المسلمين سواء بسواء. ويدخل في هذا الصنف عامة المواطنين من النصارى أو المجوس او المشركين أو اللادينيين، كلهم يقرون على دياناتهم تلك، وان كانت مبدلة محرفة لأنهم من رعايا الدولة، لهم ما للمواطنين المسلمين، وعليهم ما على المسلمين. كذلك يعاد مريضهم ويتصدق على فقيرهم، ويمكن الوصية لهم، ويربى أيتامهم، وتحرس زراعاتهم، وتقوم الدولة على حماية ذلك كله. وقد بوب البخاري كتابا بابا سماه: باب يقاتل عن أهل الذمة، ولا يسترقون، ومما أورده فيه أثر عمر ووصيته لمن يخلفه، فكان مما جاء فيها: “وأوصيه بذمة الله، وذمة رسوله صلى الله عليه وسلم أن يوفى لهم بعهدهم، وأن يقاتل من ورائهم، ولا يكلفوا إلا طاقتهم”[23]. ونفى ابن بطال الخلاف في العمل بهذ الحديث بين العلماء، فقال: “لا خلاف بين العلماء في القول بهذا الحديث؛ لأنهم إنما بذلوا الجزية على أن يأمنوا فى أنفسهم وأموالهم وأهليهم”[24]. واستمرت هذه القيمة في الاعتراف بالآخر مع المسلمين، يتمثلونها حق التمثل، وقد أقدم ابن تيمية على مفاوضة التتار في إطلاق الأسرى، ولم يرض منه إلا بإطلاق الأسارى من أهل الذمة أيضا، ونص ذلك قوله: “وقد عرف النصارى كلهم أني لما خاطبت التتار في إطلاق الأسرى، وأطلقهم غازان وقطلو شاه، وخاطبت مولاي فيهم، فسمح بإطلاق المسلمين. قال لي: لكن معنا نصارى أخذناهم من القدس، فهؤلاء لا يطلقون. فقلت له: بل جميع من معك من اليهود والنصارى الذين هم أهل ذمتنا؛ فإنا نفتكهم، ولا ندع أسيرا لا من أهل الملة ولا من أهل الذمة”[25].

ولعل سائلا يقول: أيعيشون بين المسلمين، ويأتون المحرمات في بلاد الإسلام، ولا تستنكر فِعالهم؟ فالجواب ما كتب به الحسن البصري إلى عمر بن عبد العزيز حين سأله: “ما بال الخلفاء الراشدين تركوا أهل الذمة، وما هم عليه من نكاح المحارم، واقتناء الخمور والخنازير؟ فكتب إليه: إنما بذلوا الجزية؛ ليتركوا، وما يعتقدون، وإنما أنت متبع ولست بمبتدع، والسلام”[26]. وبهذا التعليل نفسه أوصى عمر بن الخطاب سعد بن أبي وقاص بهم خيرا، فكان من جملة ما قال: “فإن لهم حرمة وذمة، ابتليتم بالوفاء بها، كما ابتلوا بالصبر عليها، فما صبروا لكم، فتولوهم خيراً”[27].

فانقلب على إثر ذلك الخليفة عمر بن عبد العزيز أيضا يوصي عماله بهم، وأنفذ عهده وكتابه إلى عامله على البصرة عدي بن أرطأة قائلا: أما بعد: “فإن الله سبحانه إنما أمر أن تؤخذ الجزية ممن رغب عن الإسلام، واختار الكفر عتيا وخسرانا مبينا، فضع الجزية على من أطاق حملها، وخل بينهم وبين عمارة الأرض، فإن في ذلك صلاحا لمعاش المسلمين وقوة على عدوهم، ثم انظر من قبلك من أهل الذمة قد كبرت سنه، وضعفت قوته، وولت عنه المكاسب، فأجر عليه من بيت مال المسلمين ما يصلحه فلو أن رجلا من المسلمين كان له مملوك كبرت سنه، وضعفت قوته، وولت عنه المكاسب، كان من الحق عليه أن يقوته حتى يفرق بينهما موت أو عتق؟ وذلك أنه بلغني أن أمير المؤمنين عمر رضي الله عنه مر بشيخ من أهل الذمة يسأل على أبواب الناس فقال: “ما أنصفناك أن كنا أخذنا منك الجزية في شبيبتك ثم ضيعناك في كبرك، قال: ثم أجرى عليه من بيت المال ما يصلحه”[28].

  1. المعاهدون: يدخل في صنف الآخر المخالف للذات المسلمة، مَن وسموا في التراث الإسلامي بالمعاهدين، فإنهم من جملة من لهم على المسلمين حق الاعتراف بهم، من حيث الانتماء الكوني، ومن حيث العهود التي وضعوها بينهم وبين المسلمين. والفرق بينهم وبين الصنف الأول السالف الذكر أنهم ليسوا من رعايا الدولة، ولا تحت حكم أميرها أو سلطته. وقد اختلف في دخول الذميين في مسمى المعاهد، فمنعه ابن العربي استنادا إلى قوله تعالى: ﴿بَرَآءَةٞ مِّنَ ٱللَّهِ وَرَسُولِهِۦٓ إِلَى ٱلَّذِينَ عَٰهَدتُّم مِّنَ ٱلۡمُشۡرِكِينَ﴾(سورة التوبة، الآية1)، وذكر بأنها نص في أن المعاهد كان مشركا، ولم يكن أحد منهم من أهل الكتاب وإن كانوا أيضا مشركين -على حد تعبير ابن العربي، وعلل ترجيح ذاك بأن العهد كان مخصوصا بالعرب أهل الأوثان[29]. وقد يستدل لذلك أيضا بتقييد التعاهد مع المشركين في كثير من الآيات، ومنها قوله تعالى: ﴿كَيۡفَ يَكُونُ لِلۡمُشۡرِكِينَ عَهۡدٌ عِندَ ٱللَّهِ وَعِندَ رَسُولِهِۦٓ إِلَّا ٱلَّذِينَ عَٰهَدتُّمۡ عِندَ ٱلۡمَسۡجِدِ ٱلۡحَرَامِ﴾ (سورة التوبة، الآية9). أما المناوي فقال عن المعاهد:أكثر ما يطلق في الحديث على أهل الذمة، وقد يطلق على غيرهم من الكفار إذا صولحوا على ترك الحرب”[30].

وعلى كل، فإن الأصل في المصطلح أن يبقى على أصل وضعه، ثم يضم إليه ما يشمله مما يدخل في خصائصه، فالمعاهد كما نصت عليه القرءان في أصله منصرف إلى الذين عاهدوا النبي صلى الله عليه وسلم، وكانوا مشركين، وقد يكون للذمي كذلك عهد بينه وبين المسلمين، فيكون من جملة المعاهدين، فالعبرة بالمعاهدة. وقد جاء في الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:” من قتل نفسا معاهدا لم يرح رائحة الجنة، وإن ريحها ليوجد من مسيرة أربعين عاما”[31].

وتكون هذه العهود في الغالب عهود صلح واتفاق على عدم الاعتداء أو العدوان على بعضهم البعض، كيفما كانت الأسباب. وقد كان من أشهر العهود التي أبرمها النبي صلى الله عليه وسلم مع المشركين عهد الحديبية، واشتهر بصلح الحديبية، ولعل تحرير بنوده، وما شهد ذلك من تنازلات[32] فيما اختلف فيه الآخر مع الأنا المسلمة، ما يشهد لهذه الدعوة الإسلامية من الريادة في الاعتراف بالآخر، وموادعته، ومصالحته. ولعل أكثر تلك البنود جورا قول سهيل:” ‏وعلى أنَّه لا يأتيك منَّا رجلٌ وإن كان على دينك إلاَّ رددته إلينا. قال المسلمون: “سبحان اللَّه! كيف يُرَدُّ إلى المشركين وقد جاء مسلمًا”[33]. فلم يخل صلى الله عليه وسلم ببند منها، وحين أتاه أبو بصير مسلما الى المدينة رده وفاء بالعهد، وتعجب أبو بصير فقال: يا رسول الله، أتردُّني إلى المشركين يفتنوني في ديني؟! قال “يَا أَبَا بَصِيرٍ، انْطَلِقْ فَإِنَّ اللهَ تَعَالَى سَيَجْعَلُ لَكَ وَلِمَنْ مَعَكَ مِنَ الْمُسْتَضْعَفِينَ فَرَجًا وَمَخرَجًا””[34]. فكان من أمره أن عسكر بمنطقة سيف البحر، وبدأ يقطع الطريق على قوافل قريش، ولم تستطع قريش أن تبلغه، ولا أن تلوم رسول الله بشأنه لأنه قد رده، وبدأ في اللحاق به كل من أسلم من المشركين الذين لم يجدوا بدا من ذلك، خوفا على أنفسهم إن علمت قريش بإسلامهم، ولعلمهم أن النبي صلى الله عليه وسلم لا شك سيردهم إن قصدوا المدينة وفاء بالعهد، وكان ممن لحق به أبو جندل بن سهيل بن عمرو، أي ابن كاتب عهد الحديبية سهيل بن عمرو، واشتد الصراع بين القوافل وبين هذه الثلة من المسلمين، ولم يكن لقريش من خلاص إلا أن ترجو رسول الله بقبولهم بعد أن فرضت عليه عكس ذلك في المعاهدة. وما كان من النبي صلى الله عليه وسلم إلا أن استجاب لطلبهم، رغم أن المعاهدة لا تلزمه بذلك، لكن مقصد الدعوة الإسلامية القائم على التعايش ونشر الأمن والاطمئنان جعله يضمهم اليه، ولو شاء لأبقاهم ينغصون على قريش حياتهم، ويمنعونهم تجارتهم. نعم إنها الدعوة القائمة على القيم الإنسانية، إنها الدعوة التي جعلت النبي الأكرم يتعامل مع الآخر مهما بلغ في صده عن الدعوة بمنتهى الصفاء النفسي، والذي لا يدركه إلا من عرفه وعرف دعوته.

وعلى أساس هذه القيمة، جاءت الوصايا النبوية بمعاملة المعاهد، وحفظ مهجته، وصيانة كرامته، ورعاية حرمته، وحماية ماله، فذلك كله مما يضمنه العقد المبرم معهم، وسار على هذا النهج الدعوي الصحابة الكرام فمن بعدهم، وقد كتب عثمان إلى عمال الخراج: “لا تظلموا اليتيم ولا المعاهد، فإن الله خصم لمن ظلمهم”[35].

  1. الحربيون: يدخل في صنف الآخر المخالف من ضمهم المصطلح الفقهي أمة الدعوة[36]، وهم صنفان كذلك:
  • حربيون مسالمون: ومن أوصافهم ما ذكره ابن عاشور بأنهم: “أقوام من المشركين غير مضمرين العداوة، وكان دينهم شديد المنافرة مع دين الإسلام”[37]. والفرق بينهم وبين الصنفين المتقدمين أنهم لا عهد بينهم وبين المسلمين، وليسوا من رعايا الدولة، فإنهم من أمة الدعوة لأن النبي مبعوث إليهم أيضا، وتبليغ الرسالة إليهم أمر واجب لقوله تعالى: ﴿بَلِّغۡمَآ أُنزِلَ إِلَيۡكَ مِن رَّبِّكَۖ﴾[38]. فقيمة الاعتراف بهذا الصنف أيضا معتبر، ما لم يبدأوا المسلمين بقتال، أو يتعرضوا من قبلهم للعدوان. فالأصل الكلي القائم على التسامح والتعايش الكوني هو المنظم للعلاقة بين الأنا أو الذات المسلمة والآخر الذي يعتبر هنا هو الآخر المخالف الحربي. فالعلاقة إذن معهم هو السلم، وعدم التعرض لهم أو بدئهم بقتال، بل التشريع إنما ورد ببرهم. والتأسيس لهذا الأمر مبني على نصوص شرعية، ومن ذلك قوله تعالى: ﴿لَّا يَنۡهَىٰكُمُٱللَّهُ عَنِ ٱلَّذِينَلَمۡيُقَٰتِلُوكُمۡ فِي ٱلدِّينِوَلَمۡيُخۡرِجُوكُممِّن دِيَٰرِكُمۡ أَن تَبَرُّوهُمۡوَتُقۡسِطُوٓاْإِلَيۡهِمۡۚ إِنَّ ٱللَّهَ يُحِبُّ ٱلۡمُقۡسِطِينَ﴾(سورة الممتحنة، الآية8).وقد فسر ابن العربي أن المراد بالقسط في الآية ليس هو العدل، وإنما هو منحهم قسطا من الأموال على وجه الصلة، وإلا فالعدل واجب فيهم، من قاتل ومن لم يقاتل”[39].
  • حربيون غير مسالمين: وهم عكس الصنف الأول، وفي شأنهم وردت الآيات الداعية لكف العدوان، والدفاع عن بيضة الإسلام. ولم يكن الأمر بمجابهتهم ابتداء، بل كان الأمر في البدء هو الإعراض عنهم، وكثيرا ما وردت الآيات بذلك، فمنها قوله سبحانه:﴿خُذِ ٱلۡعَفۡوَوَأۡمُرۡبِٱلۡعُرۡفِوَأَعۡرِضۡ عَنِ ٱلۡجَٰهِلِينَ﴾(سورة الأعراف، الآية199)،وقد قال ابن العربي:وأما الإعراض عن الجاهلين فإنه مخصوص في الكفار الذين أمر بقتالهم”[40] . وعلى ذلك سار النبي الكريم، فقد صده عن الدعوة مشركوا مكة زرافات ووحدانا، وكان يستغني بالإعراض عن المواجهة، رغم ما لقيه من الأذى، فهذا أبو جهل يعمد إلى سلا جزور ويضعه على كتفي النبي صلى الله عليه وسلم وهو ساجد ما يرفع رأسه حتى أقبلت ابنته فاطمة فطرحته عنه، ثم أقبلت عليهم تشتمهم، فلما قضى النبي صلى الله عليه وسلم صلاته، رفع صوته، ثم دعا عليهم[41]. إلى أن نزل قوله تعالى:﴿أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَٰتَلُونَبِأَنَّهُمۡ ظُلِمُواْ﴾(سورة الحج، الآية39)،وقوله سبحانه:﴿إِنيَثۡقَفُوكُمۡ يَكُونُواْ لَكُمۡأَعۡدَآءٗ وَيَبۡسُطُوٓاْإِلَيۡكُمۡأَيۡدِيَهُمۡوَأَلۡسِنَتَهُمبِٱلسُّوٓءِ وَوَدُّواْ لَوۡتَكۡفُرُونَ﴾(سورة الممتحنة، الآية2).فجاءت الآيات محذرة منهم ومن البر بهم كما في قوله تعالى:﴿إِنَّمَا يَنۡهَىٰكُمُٱللَّهُ عَنِ ٱلَّذِينَقَٰتَلُوكُمۡ فِي ٱلدِّينِوَأَخۡرَجُوكُم مِّندِيَٰرِكُمۡوَظَٰهَرُواْعَلَىٰٓإِخۡرَاجِكُمۡ أَن تَوَلَّوۡهُمۡۚ وَمَن يَتَوَلَّهُمۡفَأُوْلَٰٓئِكَهُمُ ٱلظَّٰلِمُونَ﴾(سورة الممتحنة، الآية9).والتعبير في هذه الآية بأداة الحصر “إنما” رد على من ظن أو اعتقد جواز صلة المشركين على الإطلاق، على حد تفسير ابن عاشور[42].

فالجهاد إنما شرع لقتال هذا الصنف من الآخر المخالف دون غيره، وهو الحربي غير المسالم، الظالم والبادئ بالقتال، أما من حيث كونه ظالما فتؤسس له الآية: ﴿أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَٰتَلُونَب ِأَنَّهُمۡ ظُلِمُواْ﴾(سورة الحج، الآية39)،ومن حيث كونه باديا بالقتال، فمن خلال قوله تعالى: ﴿فَإِن قَٰتَلُوكُمۡ فَٱقۡتُلُوهُمۡۗ﴾(سورة البقرة، الآية191).فالقصد إذن من وراء الجهاد ليس جبر الآخر على موافقة الذات فيما تدين به، وإنما ردا لعدوانه المتوقع، وكف طغيانه المهدد للأنا. فالمجابهة متوقفة على شرط الابتداء بالقتال، وان وقع القتال فلا يجوز التعدي: ﴿وَقَٰتِلُواْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ ٱلَّذِينَ يُقَٰتِلُونَكُمۡ وَلَا تَعۡتَدُوٓاْ﴾(سورة البقرة، الآية 190)،قال ابن عاشور: “هذا إذن في قتال الدفاع لدفع هجوم العدو”[43]. فعلى هذا الأساس تحمل الآيات الداعية إلى الجهاد والأحاديث المرغبة فيه، كما ينبغي أن تحمل عليه رسائل الفاتحين خاصة في البلاد الافريقية، والتي اشتبهت على المستشرقين المروجين بأن الاسلام قد انتشر بالسيف لا غير، كرسالة القائد المسلم تورو فوته إلى الوثني التي جاء فيها: “أعطنا هذه البنادق، وهذا البارود ندخل في الحال هذه الكلاب إلى الإسلام”[44].

وعليه، فإن أبهى صور الاعتراف بالآخر ما تقدم بيانه، فالتصور الكلي للآخر في المنطق الإسلامي مبني على أساس وحدة النوع الإنساني ابتداء، فلذا وردت الوصية بالرحمة بهم جميعا كما في الحديث:” لا يرحم الله من لا يرحم الناس”[45]، فان لم تكن في هذا الحديث إلا فائدة تعميم الرحمة على جميع الخلق كما ذكر ذلك ابن حجر[46] لكفى في التنويه بقيمة الاعتراف بالآخر مخالفا كان أو موافقا.

  • القسم الثاني: الآخر المقيد، أو الآخر الموافق

ويراد بهذا الصنف من الآخر ما وافق الأنا المسلمة في المعتقد وهم الناطقون بالشهادتين دوت استثناء، بغض النظر عما يميزهم من لون أو لغة، وما إلى ذلك من المميزات. غير أن هذه الآخر الموافق للذات قد قسمه القرءان إلى قسمين، قسم موافق للذات ظاهرا وباطنا، فخصوا بخطاب قرءاني وحديثي، يؤصل ويؤسس لمنهج التعامل فيما بينهم، وقسم موافق للذات في الظاهر، مخالف لها في الباطن، وهذا الصنف كذلك جاء في الدعوة الإسلامية ما يؤسس لمنهج التعامل معهم، وفيما يلي بيان ذلك وتفصيله:

  1. الآخر المسلم: تأسست الدعوة في بداياتها على تنظيم المجتمع الإسلامي بأفراده، وحرص النبي في دعوته على القضاء على شتى أشكال التمييز التي كان بعضها لا يزال عالقا باذهان المسلمين، وكانت سببا في اندلاع بعض الصراعات بين آحادهم، ففي الصحيح عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما، قال: “كنا في غزاة فكسع رجل من المهاجرين رجلا من الأنصار، فقال الأنصاري: يا للأنصار، وقال المهاجري: يا للمهاجرين، فسمعها الله رسوله صلى الله عليه وسلم، وقال: ما هذا؟ فقالوا كسع[47] رجل من المهاجرين رجلا من الأنصار، فقال الأنصاري: يا للأنصار، وقال المهاجري: يا للمهاجرين، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: دعوها فإنها منتنة”[48]. كما أن إيخاءه صلى الله عليه وسلم بين المهاجرين والأنصار كأول فعل أقدم عليه حين استقر بالمدينة ينهض شاهدا على رسوخ قيمة الاعتراف تلك في النفوس بين المهاجرين والأنصار، ولم يكن الأنصاري يعيب على المهاجري خروجه من بلده أو تعرضه للاضطهاد، كما لم يكن المهاجري يعيب على الأنصاري تأخره في الدخول الى الإسلام، أو يتفاخر أمامه بالهجرة مع النبي.

فاستمرارا لتفادي هذه الأمور كان الإيخاء بين المهاجرين والأنصار أعظم مظهر من مظاهر إذابة الفوارق التي قد يتصورها المهاجري حين ينظر إلى الأنصاري باعتباره آخر له أو العكس، وزاد في ترسيخ هذه القيمة وتجذرها في النفوس، قيمة الإيثار التي انماز بها الأنصار، وكانت ثناء إلهيا خُلد لهم في التاريخ، فقال سبحانه : ﴿وَٱلَّذِينَ تَبَوَّءُو ٱلدَّارَ وَٱلۡإِيمَٰنَ مِنقَبۡلِهِمۡ يُحِبُّونَ مَنۡ هَاجَرَ إِلَيۡهِمۡ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمۡ حَاجَةٗ مِّمَّآ أُوتُواْ وَيُؤۡثِرُونَ عَلَىٰٓ أَنفُسِهِمۡ وَلَوۡ كَانَ بِهِمۡ خَصَاصَةٞۚ﴾(سورة الحشر، الآية9).فكان للنبي فضل في كره المسلمين للفوارق التي كانت بينهم، والقطيعة بما كانوا يتفاخرون به من الأنساب والأحساب، وعوضهم بدل ذلك السلام والمحبة والوئام، فلذا جاء التعبير القرءاني في علة الثناء على الأنصار بالقول: “يحبون من هاجر إليهم”، قال ابن عاشور: “هذا ثناء عليهم بما تقرر في نفوسهم من أخوة الإسلام إذ أحبوا المهاجرين، وشأن القبائل أن يتحرجوا من الذين يهاجرون إلى ديارهم لمضايقتهم”[49]. فالدعوة الإسلامية قامت في بدأها على ترسيخ هذه القيم بين المسلمين أنفسهم، وكلما تمكنت قيم الاعتراف تلك بينهم، سارت كالفطرة التي لا تنفك عن الذات، فيسهل آنذاك التعامل مع الآخر المخالف بهذا المنهج الدعوي. وبعد أن كان القوم يتغنون بقول الأول:

كُلٌّ لَهُ نيَّةٌ في بُغْضِ صَاحِبِهِ *** بِنِعْمَةِ اللهِ نقلِيكم ْوَتقْلُونا[50]

أضحى شعارهم قول الحق سبحانه: ﴿وَٱذۡكُرُواْ نِعۡمَتَ ٱللَّهِ عَلَيۡكُمۡ إِذۡ كُنتُمۡ أَعۡدَآءٗ فَأَلَّفَ بَيۡنَ قُلُوبِكُمۡ فَأَصۡبَحۡتُم بِنِعۡمَتِهِ ٓ إِخۡوَٰنٗا﴾(سورة ال عمران، الآية103)،ولقد كان هذا سر انبهار المشركين آنذاك، إذ يقول أحدهم واصفا ما رءاه من تآلف المسلمين وتواددههم، ونبذ الخصام وما كان من دعوى الجاهلية من الشحناء: “فوالله ما تنخم رسول الله صلى الله عليه وسلم نخامة إلا وقعت في كف رجل منهم، فدلك بها وجهه وجلده، وإذا أمرهم ابتدروا أمره، وإذا توضأ كادوا يقتتلون على وضوئه، وإذا تكلم خفضوا أصواتهم عنده، وما يحدون إليه النظر تعظيما له، فرجع عروة إلى أصحابه، فقال: أي قوم، والله لقد وفدت على الملوك، ووفدت على قيصر، وكسرى، والنجاشي، والله إن رأيت ملكا قط يعظمه أصحابه ما يعظم أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم محمدا، والله إن تنخم نخامة إلا وقعت في كف رجل منهم، فدلك بها وجهه وجلده، وإذا أمرهم ابتدروا أمره، وإذا توضأ كادوا يقتتلون على وضوئه، وإذا تكلم خفضوا أصواتهم عنده، وما يحدون إليه النظر تعظيما له “[51].

فالتآلف الحاصل من آيات هذا الدين وهذه الدعوة الإسلامية، وقد نفت الآيات حصول هذا التآلف ووقوعه بين المتناحرين ولو تنوع المتدخلون، فلم ينفع في ذلك بذل مال، ولا وشائج نسب، ولا دعوات أولي بقية من العقلاء، إن لم يقترن ذلك بدعوة الإسلام. “قال سبحانه: ﴿لَوۡ أَنفَقۡتَ مَا فِي ٱلۡأَرۡضِ جَمِيعٗا مَّآ أَلَّفۡتَ بَيۡنَ قُلُوبِهِمۡ وَلَٰكِنَّ ٱللَّه َأَلَّفَ بَيۡنَهُمۡۚ﴾(سورة الأنفال، الآية63).فلا بد للداعية إذن أن يجعل هذه الآية من المسلمات التي تقوم عليها رسالته، فإن خلصت نيته، وتوسل في ذلك بالمنهج الدعوي الصحيح، بلغ غايته كما بلغها السابقون قبله، فيجبر الله بفضله صدع الأقوام، وتشتت الشعوب، ويردهم الى الفطر كما رد السابقين، رغم شدة عنادهم وتعنتهم.

  1. الآخر المنافق: فئة من الأمة أظهروا الإسلام وأبطنوا عكسه، خصهم القرءان بخطاب خاص، وأفرد لهم سورة باسم “المنافقين”. فهذا الصنف من الآخر يعامل بما أظهره لا بما أضمره، أي أنهم يعاملون معاملة المسلمين، يتوارثون، ويتناكحون، وتحصن دماؤهم، وأعراضهم، وأموالهم. وفي وصفهم قال ابن عاشور: “أن يتخذ المسلم جماعة الكفر، أو طائفته، أولياء له في باطن أمره، ميلا إلى كفرهم، ونواء لأهل الإسلام، وهذه الحالة كفر، وهي حال المنافقين”[52].

إن هذا الصنف من الآخر، الموافق للذات في الظاهر، المخالف لها في الباطن، لم يظهر إلا بعد هجرة النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة، وكان رأسه عبد الله بن أبي بن سلول، إذ كان سيد أهل المدينة قبل ذلك، ولم تجتمع الأوس والخزرج قبله ولا بعده على رجل من أحد الفريقين غيره، وكان قومه قد نظموا له الخرز ليتوجوه، ثم يملكوه عليهم، فجاءهم الله تعالى برسوله صلى الله عليه وسلم وهم على ذلك. فلما انصرف قومه عنه إلى الإسلام ضغن، ورأى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد استلبه ملكا. فلما رأى قومه قد أبوا إلا الإسلام دخل فيه كارها مصرا على نفاق وضغن[53].

ورغم أن الله عز وجل قد كشف الحجاب عن هذه الطائفة لنبيه صلى الله عليه وسلم، وأعلمه أن مصيرهم النار يوم القيامة بدليل قوله تعالى: ﴿إِنَّ ٱلۡمُنَٰفِقِينَ فِي ٱلدَّرۡكِ ٱلۡأَسۡفَلِ مِنَ ٱلنَّارِ وَلَن تَجِدَ لَهُمۡ نَصِيرًا﴾(سورة النساء، الآية145)،إلا أنه ما شرع له قتالهم، ولا التعرض لهم، وإنما اكتفى بتحذيره من خطرهم على الدعوة فقال سبحانه: ﴿هُمُ ٱلۡعَدُوُّ فَٱحۡذَرۡهُمۡۚ قَٰتَلَهُمُ ٱللَّهُۖ﴾(سورة المنافقون، الآية4)فلذا كان النبي صلى الله عليه وسلم يتحرى في معاملتهم الأخذ بما يظهرون من الإسلام، مع الإغضاء والصفح عن زلاتهم الظاهر عورها، وكلما كشف الله فعلا من فعالهم التي يطالب فيها صحابته بضرب أعناقهم، يجيب عليه الصلاة والسلام بجواب الحليم المتسامح فيقول: “لا يتحدث الناس أن محمدا يقتل أصحابه “[54]، ويكفي هذا التعليل النبوي في التأصيل للقيمة التي من أجلها بسط ما بسط من قول، وهي قيمة الاعتراف بالآخر، وتأليف قلبه، وإخماد نار فتنته، واتقاء شره، فرغم أن بلية هذا الصنف على المسلمين أشد من بلية غيرهم، إلا أن الدين حفظ لهم حق الاستمرار في الحياة رغم كيدهم، وفرض على المسلمين التعايش معهم مع الحيطة والحذر منهم، دون التعرض لهم بقتال. وقد كان من أثر هذا التعامل انقلاب الكثيرين من قوم ابن أبي إلى الإسلام، وذلك بعد أن سمع للنبي قوله: “إني لأرجو أن يسلم به ألف من قومه”[55]، فقال ابن تيمية: “فحقق الله رجاءه، ولو عاقب كل من آذاه بالقتل لخامر القلوب عقدا أو وسوسة أن ذلك لما في النفس من حب الشرف، وأنه من باب غضب الملوك، وقتلهم على ذلك، ولو لم يبح له عقوبته لانتهك العرض، واستبيحت الحرمة، وانخل رباط الدين، وضعفت العقيدة في حرمة النبوة فجعل الله له الأمرين”[56]. فلا ييأس الداعية من وجود هؤلاء بين ظهراني المسلمين أو تأثيرهم فيهم، فإنهم في كل عصر كائنون، وقد صبر عليهم خلفاء المسلمين صبر الممتثلين للله ورسوله في ذلك، ولم يتعرضوا لهم بالإذاية، فهذا الخليفة المأمون يزاوج في التحذير من كيدهم بين غليظ الكلام اتقاء لشرهم وكفا لكيدهم، وحسن المعاملة رجاء حسن إسلامهم، وإخلاص نياتهم[57].

ثانيا- الدعوة وقيمة الاعتراف بالآخر، المظاهر والآثار

  1. المظاهر والتجليات

لقد اتضح مما سبق تحريره حول منهج الدعوة في التأسيس لمصطلح الآخر، أن هذا المفهوم ذو بعدين، بعد دنيوي وبعد أخروي. أما البعد الأخروي فأمره موكول إلى الباري سبحانه، وعلى إثره جاء التقسيم للآخر حسب إيمانه برسالة الإسلام من عدمه، وورد تصنيف الناس في القرءان على ذلك، كما تقدم بسطه وتحريره. أما البعد الدنيوي فقد تبين أن لا فرق بين الأنا والآخر من حيث الانتماء الكوني والتعايش الإنساني، كما اتضح أن نظرة الشريعة الى الآخر على هذا الأساس قائمة على التعارف والتآلف، لا التنافر والتخالف، فلذا كان منهج النبي وصحابته البحث عن المشتركات التي من شأنها أن تؤسس للعلاقات الإنسانية الجامعة، فهي الخيرات التي أمرت البشرية باستباقها ما في الآية: ﴿فَٱسۡتَبِقُواْ ٱلۡخَيۡرَٰتِۚ﴾(سورة البقرة، الآية148)،فكان للدعوة الإسلامية أوفر حظ ونصيب فيها، فشهد لها التاريخ بالريادة في الاعتراف بالآخر عبر مظاهر نذكر منها:

  • المظهر الأول: تعظيم الجوار

من تجليات الدعوة الإسلامية في تبني قيمة الاعتراف بالآخر، تعظيم شأن الجوار، وحفظ حق الجار كإنسان، بل إنه من جملة من ورد وجوب الإحسان بهم في قول الله تعالى: ﴿وَبِٱلۡوَٰلِدَيۡن ِإِحۡسَٰنٗا وَبِذِي ٱلۡقُرۡبَىٰ وَٱلۡيَتَٰمَىٰ وَٱلۡمَسَٰكِينِ وَٱلۡجَارِ ذِي ٱلۡقُرۡبَىٰ وَٱلۡجَارِ ٱلۡجُنُبِ﴾(سورة النساء، الآية36)،فكرر الجار في هذه الآية مرتين، وتوالت تفسيرات المفسرين في التفريق بينهما، غير أن الجامع بينهما هو طلب معاملتهم بمطلق الإحسان فيتحقق أن لا فرق بينهما في الغاية، قال الثعلبي في تفسيره:” والْجارِ ذِي الْقُرْبى ذو القرابة، وَالْجارِ الْجُنُبِ البعيد الذي بينك وبينه قرابة، وقال الضحاك: هو الغريب من قوم آخرين، وقرأ الأعمش والفضل: (وَالْجارِ الْجَنْبِ) بفتح الجيم وسكون النون، وهما لغتان: رجل جنب وجنب وجانب وأجنب وأجنبيّ، إذا لم يكن قريبا، وجمعها أجانب”[58]. وحكى القرطبي عن نوف الشامي أن الجار ذي القربى المسلم، والجار الجنب اليهودي والنصراني. ثم قال: وعلى هذا فالوصاة بالجار مأمور بها مندوب إليها مسلما كان أو كافرا، وهو الصحيح”[59]. ويمكن الاستناد على ذلك بما رواه عبد الرزاق أن النبي صلى الله عليه وسلم كان له جار يهودي لا بأس بخلقه، فمرض، فعاده رسول الله صلى الله عليه وسلم في أصحابه، فقال: أتشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمدا رسول الله. فنظر إلى أبيه، فسكت أبوه وسكت الفتى، ثم الثانية، ثم الثالثة، فقال: أبوه في الثالثة: قل ما قال لك، ففعل، ثم مات، فأرادت اليهود أن تليه، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: نحن أولى به منكم. فغسله، وكفنه النبي صلى الله عليه وسلم، وحنطه، وصلى عليه”[60]. وكان مثله لبعض الصحابة رضوان الله عليهم، فلم يمنعهم من الإحسان إليه ما هو عليه من ملته المخالفة لملة الإسلام، فدل على أن وجوه الإحسان إلى الجار منصرفة إليه كونه جارا إنسانا لا غير. ويكفي في التعبير عن مبالغة الدعوة في الإحسان الى الجار قول النبي صلى الله عليه وسلم:” ما زال جبريل يوصيني بالجار حتى ظننت أنه سيورثه”[61].

وكما يكون الجار متحققا في آحاد الناس، فإنه كذلك في المجتمعات والدول، فليست الدول والمجتمعات إلا مجموعة أفراد، وما انصرف على الأصل يصح اعتباره في الفرع، فانصراف معنى الجوار عليها أولى من انصرافها على الأفراد فقط. ولذا يقال في المصطلح المعاصر “دول الجوار”، والحق أن الدول كلها الآن يجمع بينها جوار الانتماء الكوني، ولا يستغني أحدها عن الآخر، خاصة في عصرنا هذا الذي أصبح فيه العالم قرية واحدة كما يقال، تجمعه علاقات اقتصادية واجتماعية وثقافية..، فإن كان الافراد قد يستغني أحدهما عن الآخر كما قال الأول: كِلاَناَ غَنِيٌّ عَنْ أَخِيهِ حَيَاته*** وَنَحْنُ إِذَا مِتْنَا أَشَدُّ تَغَانِيَا[62]، فإن الدول لا تستغني عن مثيلاتها، وشاهد التاريخ أثبت أنه ما سعدت دول ولا شقيت أخرى إلا بخير الدول المجاورة لها أو شرها، ويمكن الاستئناس في التأصيل لهذا النظر بقوله سبحانه: ﴿وَفِي ٱلۡأَرۡضِ قِطَعٞ مُّتَجَٰوِرَٰتٞ﴾ (سورة الرعد، الآية4)، فقد ورد في تفسيرها أنها دالة على أن الأرض إما قطع متجاورات أو غير متجاورات، فالمتجاورات يراد بها المدن والقرى المتدانيات، وما كان منها عامرا. أما غير المتجاورات فيراد بها الصحاري والفيافي، وما كان غير عامر[63]. فأصل المجاورة للبلدان ثابت بالنص والقياس كما تقدم، فعلى ذلك تسري وجوه الإحسان عليها كما هي سارية على الأفراد، وقيم الجوار قيم كونية لا يمنع ّأن تتعدى الأفراد الأقربين لتصل إلى الأفراد الأبعدين في البلدان المجاورة. وهذا المظهر الدعوي من مظاهر الرفع من قيمة الاعتراف بالآخر كفيل إن طبق على المنهج المتقدم أن يكف عن الناس الحروب العرقية، والمعارك القبلية التي دامت لسنوات، ولا تزال بعض المجتمعات تعيش تحت وطأتها اليوم.

  • المظهر الثاني: تعظيم دور العبادة

لم يعرف التاريخ شريعة تعترف بمطلق الآخر كشريعة الإسلام، ولم تكن للدعوة غاية إلا مد جسور التعارف بين الأنا والآخر. ولما كانت أكثر أسباب هدم هذه الجسور هي الطعن في معتقدات الآخر واقتناعاته، جاءت الدعوة الإسلامية بكف الحروب الناجمة عن ذلك، فكان أهم مظهر من مظاهر الاعتراف بالآخر في منطق الشريعة عدم التعرض لدين الآخر وما يعتقده، فتم التأسيس لحرية الاعتقاد، ومنع التعرض للرهبان والقساوسة ورجال الدين أثناء الحرب والمعارك، فقد كان مما جاء في عهد نجران:” ولنجران وحسبها جوار الله وذمة محمد النبي على أنفسهم، وملتهم، وأرضهم، وأموالهم، وغائبهم، وشاهدهم، وعشيرتهم، وتبعهم، وألا يغيروا مما كانوا عليه، ولا يغير حق من حقوقهم ولا ملتهم، ولا يغير أسقف من أسقفيته، ولا راهب من رهبانيته، ولا واقه من وقهيته”[64]. إلا أن أهم تجليات هذه القيمة على الاطلاق، الإبقاء على دور العبادة التي تنتمي لمختلف الملل والنحل في بلاد الاسلام، بل إن أكثرها إنما أنشئ في بعض البلدان بعد الفتوحات كما في مصر على قول المقريزي[65]، ويكفي هذا دليلا في احترام الشريعة للآخر ومعتقده. قال الجويني: “ولو وقع الشرط على أن تكون رقاب الأبنية في البلدة وعرصاتها لهم، فلا يمنعون من ضرب النواقيس، وإظهار الخمور والخنازير في مثل هذه البلدة؛ فإنها بحكمهم، ولو كان يخالطهم المسلمون، لم يكن لهم أن يعترضوا عليهم، والبلدة في الجملة والتفصيل بمثابة دار الذمي في بلاد الإسلام، ولا يخفى أنه لا يجب البحث -بل لا يجوز- عما يتعاطَوْن في دورهم”[66]. وسار الأئمة على هذا الأمر من الإبقاء على دور العبادة، وفهموا علته، وأدركوا حكمته، وكان من أشدهم على الولاة الذين هدموا بعض الكنائس في بلاد المسلمين الإمام الليث بن سعد، فقد حكى المقريزي أن علي بن سليمان أمير مصر سنة 169هـ أقدم على هدم كنيسة مريم وكنائس محرس قسطنطين، وبذل له النصارى في تركها خمسين ألف دينار فامتنع، فلما عزل أذن الوالي الجديد على مصر بإعادة بناء الكنائس المهدومة بمشورة الليث بن سعد وعبد الله بن لهيعة، وجعلوا ذلك من عمارة الأرض، واحتجا بأن كنائس مصر لم تبن إلا في زمن الصحابة والتابعين[67].

وقد كانت سيرة الصحابة مع دور العبادة أنهم كانوا يدخلونها إن لم تكن فيها تماثيل، وقد بوب البخاري باب الصلاة في البيعة، وأورد حديث عمر رضي الله عنه: “إنا لا ندخل كنائسكم من أجل التماثيل التي فيها الصور، وكان ابن عباس يصلي في البيعة إلا بيعة فيها تماثيل[68]. فكان هذا دليلا على جواز الصلاة في سائر المؤسسات الدينية للآخر المخالف للمسلمين إن لم تكن التماثيل والصور داخلها، قال الشوكاني: “ويدخل في حكم البيعة، الكنيسة، وبيت المدراس، والصومعة، وبيت الصنم، وبيت النار، ونحو ذلك”[69]

  • المظهر الثالث: مقاربة الصلح بين الأنا والآخر

مما يثبت قيمة الاعتراف بالآخر مخالفا كان أو مسالما، أن القرءان يورده كأساس للعلاقة التي تجمع بينهما، فالشقاق بين الأنا والآخر وارد، وهو من السنن الكونية في خلق الانسان لقول الله سبحانه:﴿وَكَانَ ٱلۡإِنسَٰنُ أَكۡثَرَ شَيۡءٖ جَدَلٗا﴾(سورة الكهف، الآية54)،فلما كان الجدل حقيقة في الإنسان، ووصفا لازما له، وكان كما عرفه ابن عاشور: “المنازعة بمعاوضة القول، أي هو الكلام الذي يحاول به إبطال ما في كلام المخاطب من رأي أو عزم عليه: بالحجة أو بالإقناع أو بالباطل”[70]، علم أن جدله ذاكلا يفضي في الغالب إلا إلى التنافر والتقاطع، فلذا جاءت الشريعة ببدائل لمجاوزة هذا الجدال والاختلاف الواقع أو المتوقع، وكان أكثر تلك البدائل حضورا في الشريعة الإسلامية بديل الصلح والتصالح. فلذا نجد هذه القيمة يصورها القرءان جسرا لبناء العلاقات الإنسانية واستمرارها، وهو السبيل الذي تسلكه الدعوة في تجاوز الاختلافات، وإيقاف الحروب والخصومات، سواء كانت حاصلة بين الأنا والآخر المخالف، أو بينها وبين الآخر الموافق. وفي ذلك يقول ابن العربي:” الأمر بالإصلاح مخاطب به جميع الناس من ذكر أو أنثى، حر أو عبد، فلم يرد الله بسابق قضائه، ونافذ حكمه، أن يقع إصلاح، ولكن جرت مطاعنات وجراحات، حتى كاد يفنى الفريقان”[71].

أما حضورها بين الأنا والآخر الموافق، فيمكن التمثيل له بالإرشاد القرءاني الى الاحتكام الى الصلح لرأب الصدع بين المؤمنين، وكف الاقتتال الناشئ عن الفتن، وبغي أحدى فئاته على الأخرى، فلذا قال سبحانه: ﴿وَإِن طَآئِفَتَانِ مِنَ ٱلۡمُؤۡمِنِين َٱقۡتَتَلُوا ْفَأَصۡلِحُواْ بَيۡنَهُمَا﴾ (سورة الحجرات، الآية9)،وبين الله سبحانه بأن هذه الفوارق الدنيوية التي يتصورها الأنا أو الآخر لا تصمد أمام الأخوة الإنسانية أو الايمانية فوجب تغليبها، ولا يتحقق ذلك إلا من خلال إعمال فقه الصلح في الجمع بين الناس وتأليف قلوبهم، وهكذا جاء تعليل الأمر بالصلح بين المؤمنين بقوله سبحانه: ﴿إِنَّمَا ٱلۡمُؤۡمِنُونَ إِخۡوَةٞ فَأَصۡلِحُواْ بَيۡن َأَخَوَيۡكُمۡۚ﴾(سورة الحجرات، الآية10).

كما كان الصلح سبيلا للتوازن الأسري حين تختل العلاقات الزوجية، فرغب فيه القرءان وجعله ضمان استمرارها فقال: ﴿وَإِنِ ٱمۡرَأَةٌ خَافَتۡ مِنۢ بَعۡلِهَا نُشُوزًا أَوۡ إِعۡرَاضٗا فَلَا جُنَاحَ عَلَيۡهِمَآ أَن يُصۡلِحَا بَيۡنَهُمَا صُلۡحٗاۚ وَٱلصُّلۡحُ خَيۡرٞۗ﴾ (سورة النساء، الآية128).قال ابن عاشور: “دلت الآية على شدة الترغيب في هذا الصلح بمؤكدات ثلاثة: وهي المصدر المؤكد في قوله: صلحا، والإظهار في مقام الإضمار في قوله: والصلح خير، والإخبار عنه بالمصدر أو بالصفة المشبهة، فإنها تدل على فعل سجية”[72]. وفي شأن اختلاف المسلمين فيما بينهم في مكاسبهم الدنيوية، جاء البيان الدعوي ناهيا عن ذلك، مرشدا إلى الصلح المقترن بالتقوى، وحمل هذا المعنى قوله تعالى: ﴿فَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَأَصۡلِحُواْ ذَاتَ بَيۡنِكُمۡۖ﴾(سورة الأنفال، الآية1)،وإنما كان سياق نزولها وسببه، اختلاف المسلمين على الغنائم التي غنموها يوم بدر، إذ كان قائلهم يقول: “لنا النفل، نحن قتلنا العدو، وبنا نفاهم الله وهزمهم، وقال الذين كانوا أحدقوا برسول الله صلى الله عليه وسلم: ما أنتم بأحق به منا، هو لنا، نحن أحدقنا برسول الله صلى الله عليه وسلم، لا ينال العدو منه غرة، وقال الذين استولوا على العسكر: والله ما أنتم بأحق به منا نحن استولينا على العسكر”[73]، فكان اختلافهم ذاك سببا في نزول الآية آمرة بالصلح والتقوى.

أما سلوك هذا الفقه مع الآخر المخالف فقد تمثله النبي الأكرم تمثيلا لم يشهد التاريخ له مثيلا، وقد تقدم فيما سلف نظائر ونماذج لما وقعه صلى الله عليه وسلم وعاهد عليه الأقوام من أهل ذمة ومعاهدين ومشركين، وكيف كان حريصا على تنفيذ بنود العهود تلك واحترامها، وإن كثر من الآخر نقضها ومخالفتها، إلى أن من الله عزوجل عليه بالفتح المبين. ومما يلفت النظر أن الدعوة القائمة على الصلح أثمرت ثمارها، وأتت أكلها بعد أن استتب الأمن، وعم السلام بين الأقوام، ما أتاح للنبي صلى الله عليه وسلم أن يخاطب القلوب ويدعوهم بدعوة الإسلام، فاستجابت له طوعا لا كرها، واختيارا لا جبرا، وقد تقدم التمثيل لبعضها فلا حاجة لتكرارها.

إن الصلح من أهم مظاهر وتجليات الاعتراف بالآخر، وقد جعلت له الدعوة الإسلامية منفذا في كل شيء، وأجازوا التماس الذرائع بما يتحقق به، ولم يعدوا من الكذب من كانت نيته إصلاح ذات البين، وفي الصحيح:” ليس الكذاب الذي يصلح بين الناس، ويقول خيرا، وينمي خيرا”[74]. فهذا كله من الآثار الدالة على عظم المشي بين الناس بهذه القيمة، ومحاولة تنميتها وترسيخها في النفوس، وقد جعل ابن العربي عدم المطالبة بالقصاص من موجبات العدل في الصلح التي أمر بها سبحانه حين قال: ﴿فَأَصۡلِحُواْ بَيۡنَهُمَا بِٱلۡعَدۡلِ وَأَقۡسِطُوٓاْ﴾(سورة الحجرات، الآية9)،فكان من جملة ما قال: “ومن العدل في صلحهم ألا يطالبوا بما جرى بينهم من دم ولا مال، فإنه تلف على تأويل. وفي طلبهم له تنفير لهم عن الصلح واستشراء في البغي، وهذا أصل في المصلحة”[75].

  1. الآثار

كثيرة هي الآثار التي يستلزمها الاعتراف بالآخر، وتنمية هذه القيمة بين الأفراد والجماعات كان محط اهتمام الدعوة الإسلامية نصوصا ومقاصد، فشكلت هذه الرؤية الدعوية أساسا لتحقيق التدافع الإيجابي بين الأنا ومطلق الآخر من أجل تأسيس حضارة إنسانية متكاملة، يكون الإنسان فيها فاعلا مؤثرا. ولا يتأتى ذلك إلا إن تم تجاوز سائر مظاهر التمحور حول الذات، والأنا المكرسة لنبذ الآخر والاستعلاء عليه. ولعل هذه المقاربة الإسلامية في الاعتراف بالآخر كفيلة أن تحقق تلك الغاية، وهي لوحدها قد أسهمت إلى حد كبير في التأسيس للبعد الإنساني القائم على حب الذات والآخر معا، واحترام النفس أيا كانت، وصيانة حرمتها وكرامتها. وهكذا تدرج هذا التأسيس بين الذات والآخر، وأضحى من المسلمات التي تربى عليها المسلمون في فتوحاتهم، وشهد لهم الأجانب بذلك، إلى حد المقارنة بينهم وبين غيرهم من أهل الملل الأخرى في الاعتراف بالآخر ومعاملته. ولعل من آثار الاعتراف تلك ما يتضح في النقطتين الآتيتين:

  • كف الحروب العرقية

لقد اتخذت هذه الحروب أشكالا وألوانا، واستشرت بين قبائل العرب لسنين وعقود مديدة، فقد استمر حرب “داحس والغبراء” بين عبس وذبيان زهاء أربعين سنة، ومثلها في حرب “البسوس” بين بكر وتغلب، كما استمرت المعارك بين الأوس والخزرج أمدا بعيدا كان آخرها حرب “بعاث”[76]..، فهذه الحروب كانت تنشب بين قبائل العرب رغم وجود بعض أولي النهى وحكماء العرب بينهم، وكذا انتشار اهل الملل المحرفة بين أظهرهم، إلا أن ذلك كله لم يعرف لكف هذه الحروب طريقا، حتى مجيء الدعوة الإسلامية الخاتمة. فنهضت قيمه الكونية ومثله السماوية لكف العدوان، ووقف سيل الدماء، وحملت آياته قيم الاعتراف بالآخر وصيانة كرامته وحفظ مهجته، وترسخ في أتباعه ذلك، فعلموا أن الاختلاف الذي كان سببا في نشوب الحروب بين أفرادهم إنما هو سنن كوني قررته الآية ﴿وَلَا يَزَالُونَ مُخۡتَلِفِينَ١١٨ إِلَّا مَن رَّحِمَ رَبُّكَۚوَلِذَٰلِكَخَلَقَهُمۡۗ﴾(سورة هود، الآية118)، سعيا لتحقيق مقصد التعارف المحقق لمنطق الإعمار والاستخلاف.

  • كف الحروب الدينية

عمت الحروب الدينية بقاع الأرض قبل الإسلام، ونشبت بين أتباع الديانتين اليهودية والمسيحية معارك مستطيرة، وكانت كل ملة تفرض ملتها على الأخرى بالقوة والسيف، وقد قص القرءان الكريم بعضا من تلك الحروب، ومنها قصة أصحاب الأخدود الذين اتبعوا الديانة النصرانية، ففتن بهم الملك ذو نواس فجمع الحطب وأشعل النيران، وعرض أهل نجران عليها بعد رفضهم الرجوع إلى اليهودية، وأنهى أمرهم حرقا[77]. وقبيل مولد النبي صلى الله عليه وسلم كادت جزيرة العرب أن تشهد معركة دينية أخرى يقودها أبرهة، فبعد أن بنى كنيسته بصنعاء، أراد أن يصرف إليها حج العرب، وأقسم على هدم الكعبة[78]، إلا أن الله عز وجل كفى العرب أمره، وقضى في الطريق نحبه، وفيه نزل: ﴿أَلَمۡ تَرَ كَيۡفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصۡحَٰبِ ٱلۡفِيلِ﴾(سورة الفيل،الآية1).فهذه الحروب الدينية مما ذكر ومما لم يذكر، قد كاد البشر بسببها أن يفني بعضهم بعضا، لولا أن تداركهم الله عز وجل برحمته، فبعث محمدا صلى الله عليه وسلم برسالة الإسلام، فأفنت قيمها ومثلها العليا صراعات الجاهلية، وحروبها الدينية، وأضحت العلاقة بين الأنا والآخر علاقة تلاحم وتواؤم بعد أن كانت في السابق علاقة عداوة وتخاصم.

وهكذا أضحى المجتمع الإسلامي مجتمعا متعددا لكنه متماسك، فهذا الحارث بن أبي ربيعة توفيت أمه وهي نصرانية فخرج الحارث مع جنازتها، ومعه ناس من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يمشون مع جنازتها[79]، وبهذا قضى عمر بن الخطاب حين سأله أبو وائل فقال له: “اركب دابة، وسر أمامها”[80]. وكان لصفية بنت حيي أخ يهودي فأوصت له ببعض مالها، فقد روى سعيد بن منصور عن عكرمة أن صفية بنت حيي باعت حجرتها من معاوية بمائة ألف، وكان لها أخ يهودي، فعرضت عليه أن يسلم فيرث، فأبى فأوصت له بثلث المائة”[81]. فقضت الدعوة الإسلامية بمنهج السمح ذاك وقيم اعترافها بالآخر كإنسان على سائر أشكال التمييز، فكان ذلك سببا في توقف الحروب الدينية التي دامت أمد سنين. وأضحى الناس محتكمين إلى مقولة علي رضي الله عنه “قيمة كل امرئ ما يحسنه”[82].

  • انتهاج البدائل الحضارية في التعامل

لم يكن التعامل بين الأنا والأخر قبل مجيء الإسلام الا على أساس الغلبة. بل إن الآخر في منظور الأمم السابقة قبل الإسلام لا وجود له بسبب الاستبداد والظلم، فقد حكى القرءان عن فرعون أنه لم يكن الناس يرون إلا رأيه كما جاء على لسان القرءان فيه: ﴿قَالَ فِرۡعَوۡنُ مَآ أُرِيكُمۡ إِلَّا مَآأَرَى ٰوَمَآ أَهۡدِيكُمۡ إِلَّا سَبِيلَ ٱلرَّشَادِ﴾(سورة غافر، الآية29)،وقاده هذا التضخيم للذات إلى أبعد مدى، فأعلن كونه إلها لهم كما أخبرت بذلك الآية:﴿أَنَا۠ رَبُّكُمُ ٱلۡأَعۡلَىٰ﴾(سورة النازعات، الآية24).وقد استمر هذا التصور الفرعوني للآخر، وامتد عبر سائر الأزمنة والدهور قبل مجي الإسلام، فكانت التناقضات العرقية، والمعايير الاجتماعية حاكمة في تنظيم العلاقة بين الذات والغير، ذاك يرى نفسه أرفع نسبا وحسبا من الآخر، وذاك يراها أرقى مكانة وأشد شوكة، فكسوا هذه الفوارق لباس التقوى حتى قال قائلهم في تعظيم للذات وامتهان للآخر:

متى ننقل إلى قوم رحانا *** يكونوا في اللقاء لها طحينا[83]

فاستعرت بذلك الحروب وكانت الحكم في تنظيم هذه العلاقة. لكن وبعد بعثة الرسول صلى الله عليه وسلم، اكتست معاملة الآخر صبغة غير التي كسيتها قبله، واضح الصلح والحوار بدائل للحروب مؤسسة للجسور بين الذات والغير، وانصاع المسلمون لتوجيهات الدعوة، وارشاداتها في تنظيم العلاقات الإنسانية القائمة على مصطلح التدافع لا التناحر أو التنافر أو التخالف. فمن اللافت ان يعبر بهذا المصطلح دون غيره في منطق التعامل مع الآخر، ومن ذلك قوله سبحانه:﴿ٱدۡفَعۡ بِٱلَّتِيه ِيَ أَحۡسَنُ﴾ (سورة المؤمنون، الآية96)، وقوله تعالى:﴿وَلَوۡلَا دَفۡعُ ٱللَّهِ ٱلنَّاسَ بَعۡضَهُم بِبَعۡضٖ لَّفَسَدَتِ ٱلۡأَرۡضُ﴾ (سورة البقرة، الآية 251)، وقوله تعالى:﴿وَلَوۡلَادَفۡعُ ٱللَّهِ ٱلنَّاسَبَ عۡضَهُم بِبَعۡضٖ لَّهُدِّمَتۡ صَوَٰمِعُ ﴾(سورة الحج، الآية40). فالدفع رد فعل من نوع خاص، إنه الرد ضد النفس التي قد تتبع هوى الغضب المؤدي الى الحروب والصراعات، ورد الفعل ضد الباغي، أي التعامل بالأخلاق لا التعامل بالـمِثل، وإلا كان الفساد في الأرض كلها كما في الآية “لفسدت الأرض”، والأرض لا شك تضم المسلم وغير المسلم، المؤمن وغير المؤمن، فالكل إذن مطالب بالإسهام في عمارتها، وأول شرط لتحقق ذلك التعارف والتآلف.

ثم بعد هذا كله، فإن الداعية وهو يبلغ رسالة الإسلام للآخر المخالف لا ينبغي أن يتوقف قصده عند مجرد تثبيت نشر السلام بين الأنام، فيغفل عن القصد الذي اصطفي له وتبوأ به مكانا، وهو الدعوة الى الإسلام، بل يوازن بين القصدين، ولا يغلب أحدهما على الآخر، فيسلك المسلك النبوي الدعوي، وإلا فلا معنى لدعوته إن توقفت عند حدود الحث على نشر السلام دون إرادة دخول الآخر فيما ينجيه في آخرته وهو الاسلام، وقد قال الله سبحانه: ﴿إِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ مِنۡ أَهۡلِ ٱلۡكِتَٰبِ وَٱلۡمُشۡرِكِينَ فِي نَارِ جَهَنَّم َخَٰلِدِينَ فِيهَآ ۚأُوْلَٰٓئِكَ هُمۡ شَرُّ ٱلۡبَرِيَّةِ﴾ (سورة البينة، الآية6)، فأهل الكتاب إن لم يؤمنوا برسالة محمد صلى الله عليه وسلم فإنهم مشمولون بمصطلح الكفر أيضا. فلا فرق بينهم لأن من كفر منهم برسول واحد حكم الميزان الإلهي بكفره بجملة الرسل وهو كما في الآيات: ﴿كَذَّبَتۡ عَادٌ ٱلۡمُرۡسَلِينَ﴾(سورة الشعراء، الآية123)،﴿كَذَّبَتۡ قَوۡمُ نُوحٍ ٱلۡمُرۡسَلِينَ﴾(سورة الشعراء، الآية 105)، فلا يتحقق الإيمان إلا بهم جميعا على جهة الإطلاق، وهم قد كفروا بالنبي محمد صلى الله عليه وسلم وهو القائل: “والذي نفس محمد بيده، لا يسمع بي أحد من هذه الأمة يهودي، ولا نصراني، ثم يموت ولم يؤمن بالذي أرسلت به، إلا كان من أصحاب النار”[84]. وكما مر أن المرء لا يؤمن حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه، يجب لذلك على الداعية ألا يغفل عن هذا القصد، ويرغب الاخر في الدين الحنيف ويميز بين بسط القول في معاملتهم في الدنيا، وجزائهم في الأخرى بمقتضى الوحي.

مسرد المصادر والمراجع

القرءان الكريم

  1. ابن تيمية، الصارم المسلول على شاتم الرسول، تحقيق: محيي الدين عبد الحميد، (السعودية، دون تاريخ) ج1 ص435
  2. ابن شبة، تاريخ المدينة، تحقيق: فهيم شلتوت، (جدة: 1399هـ)، ج2 ص584
  3. الثعلبي، الكشف والبيان عن تفسير القرءان، تحقيق: أبو محمد بن عاشور، (بيروت: دار إحياء التراث العربي، الطبعة الأولى، 1422هـ/2002م)، ج3 ص304.
  4. ابن أبي شيبة، المصنف، كتاب الجنائز، في الرجل يموت له القرابة المشرك يحضره أم لا؟ حديث رقم: 11844
  5. ابن القيم، زاد المعاد في هدي خير العباد، (بيروت: مؤسسة الرسالة، الكويت: مكتبة المنار، الطبعة السابعة والعشرون، 1415هـ/1994م)، ج3 ص145.
  6. ابن الملقن، التوضيح لشرح الجامع الصحيح، (سوريا: دار النوادر، الطبعة الأولى، 1429هـ/2008م)، ج2 ص657.
  7. ابن بطال، شرح صحيح البخاري، تحقيق: أبو تميم ياسر بن إبراهيم، (الرياض: مكتبة الرشد، الطبعة الثانية، 1423هـ/2003م)، ج5 ص214.
  8. ابن عبد البر، جامع بيان العلم وفضله، تحقيق: أبي الأشبال الزهيري، (السعودية: دار ابن الجوزي، الطبعة الأولى، 1414هـ/1994م)، باب الحض على استدامة الطلب والصبر فيه على الأنواء والنصب، حديث رقم: 608
  9. أبو يوسف، الآثار، تحقيق: أبو الوفا (بيروت: دار الكتب العلمية، دون تاريخ)، في غسل الميت وكفنه، حديث رقم: 401
  10. أحكام القرءان: 2/ 363
  11. أحكام القرءان: 2/ 447
  12. أحكام أهل الذمة: 1/ 144.
  13. بهاء الدين البغدادي، التذكرة الحمدونية، (بيروت: دار صادر، الطبعة الأولى، 1417هـ)، ج5 ص35.
  14. البيهقي، شعب الايمان، تحقيق: عبد العلي حامد، (الرياض-الهند: مكتبة الرشد والدار السلفية، الطبعة الأولى، 1423هـ/2003م)، إكرام الجار، حديث رقم 9115.
  15. تاريخ الرسل والملوك: 4/ 245
  16. التحرير والتنوير: 27/ 241
  17. تفسير الطبري: 2/ 296
  18. توفيق برو، تاريخ العرب القديم: 207
  19. جميل المصري، الفتوحات الإسلامية زمن الخلفاء الراشدين، (المدينة المنورة: الجامعة الإسلامية، طبعة 1409، العددان 81-82)، ص94.
  20. الجويني، نهاية المطلب في دراية المذهب، تحقيق: عبد العظيم الذيب، (دار المنهاج: الطبعة الأولى، 1428هـ/2007م)، ج18 ص51
  21. الحاكم، المستدرك على الصحيحين، كتاب قسم الفيء، حديث رقم 2607.
  22. الدعوة الى الإسلام: 468
  23. الروض الأنف: 1/ 155
  24. الزوزني، شرح المعلقات السبع: 222
  25. السرخسي، المبسوط: 5/39.
  26. سنن سعيد بن منصور، تحقيق: حبيب الأعظمي، (الهند: الدار السلفية، الطبعة الأولى، 1403هـ/1982م)، كتاب الوصايا، باب وصية الصبي، حديث رقم: 437.
  27. سيرة ابن هشام: 2/ 323.
  28. الشوكاني، نيل الأوطار: 2/ 170
  29. صحيح البخاري، كتاب الإيمان، باب إفشاء السلام من الإسلام، حديث رقم 12.
  30. صحيح مسلم، كتب الإيمان،باب بيان أنه لا يدخل الجنة إلا المؤمنون، وأن محبة المؤمنين من الإيمان، وأن إفشاء السلام سببا لحصولها، حديث رقم 93 (54)
  31. الطبراني، المعجم الكبير، مسند من يعرف بالكنى، من يكنى أبا عزيز، حديث رقم: 977
  32. عبد الرزاق، المصنف، كتاب أهل الكتاب، باب عيادة المسلم الكافر، حديث رقم 9919.
  33. علي الحربي، افتراءات المنصرين على القرءان الكريم نه يؤيد زعم ألوهية المسيح، (المدينة المنورة: مجمع الملك فهد، دون طبعة أو تاريخ)، ص91.
  34. الفارسي، شرح كتاب الحماسة: 2/ 155.
  35. فتح الباري: 13/ 358.
  36. فيض القدير: 6/ 193.
  37. القسطلاني، إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري، (مصر: الطبعة السابع، 1323هـ)، ج4 ص410.
  38. القلقشندي، مآثر الإنافة في معالم الخلافة، تحقيق: عبد الستار أحمد فراج (الكويت: مطبعة حكومة الكويت، الطبعة الثانية، 1985م)، ج3 ص7.
  39. الكشاف: 4/ 244
  40. مجموع الفتاوى: 28/ 617
  41. المقريزي، المواعظ والاعتبار بذكر الخطط والآثار، (بيروت: دار الكتب العلمية، الطبعة الأولى، 1418هـ)، ج4 ص374.
  42. المواعظ والاعتبار بذكر الخطط والآثار: 4/ 439
  43. الواحدي، الوجيز في تفسير الكتاب العزيز، تحقيق: صفوان داوودي، (دمشق-بيروت: دار القلم، الدار الشامية، الطبعة الأولى، 1415هـ)، ص115.

Margins:

  1. – القلقشندي، مآثر الإنافة في معالم الخلافة، تحقيق: عبد الستار أحمد فراج (الكويت: مطبعة حكومة الكويت، الطبعة الثانية، 1985م)، ج3 ص7.
  2. – لا يرى الإسلام موافقة الذات ولا مخالفتها إلا باتباع الدين الإسلامي، والذات التي نحن بصدد الحديث عنها هي الذات المسلمة والغير المخالف لها هو غير المسلم.
  3. – رجحه ابن عاشور بناء على أن الآية سيقت في مقام الامتنان والاعتناء بالبشر. ينظر: التحرير والتنوير: 27/ 241
  4. – كما حكاه الزمخشري. ينظر: الكشاف: 4/ 244
  5. – الطبراني، المعجم الكبير، مسند من يعرف بالكنى، من يكنى أبا عزيز، حديث رقم: 977
  6. – صحيح مسلم، كتب الإيمان، باب بيان أنه لا يدخل الجنة إلا المؤمنون، وأن محبة المؤمنين من الإيمان، وأن إفشاء السلام سببا لحصولها، حديث رقم 93 (54)
  7. – صحيح البخاري، كتاب الإيمان، باب إفشاء السلام من الإسلام، حديث رقم 12.
  8. – صحيح البخاري، كتب الإيمان، باب إفشاء السلام من الإسلام.
  9. – ابن الملقن، التوضيح لشرح الجامع الصحيح، (سوريا: دار النوادر، الطبعة الأولى، 1429هـ/2008م)، ج2 ص657.
  10. – رسالة من عبد الله بن إسماعيل الهاشمي إلى المسيح العربي ابن إسحاق الكندي، كان كريم المحتد عظيم المنزلة في البلاط، عاش في زمن الخليفة المأمون198-218، كتب بدوره رسالة إلى عبد الله الهاشمي يدعوه فيها الى النصرانية. ينظر: علي الحربي، افتراءات المنصرين على القرءان الكريم نه يؤيد زعم ألوهية المسيح، (المدينة المنورة: مجمع الملك فهد، دون طبعة أو تاريخ)، ص91.
  11. – الدعوة الى الإسلام: 468
  12. – صحيح البخاري، كتاب الإيمان، باب من الإيمان أن يحب لأخيه ما يحب لنفسه، حديث رقم 13.
  13. – صحيح مسلم، كتاب الإيمان، باب الدليل على أن من خصال الإيمان أن يحب لأخيه المسلم ما يحب لنفسه من الخير، حديث رقم 71 (45)
  14. – عبد الرزاق، المصنف، كتاب أهل الكتاب، باب عيادة المسلم الكافر، حديث رقم 9919.
  15. – البيهقي، شعب الايمان، تحقيق: عبد العلي حامد، (الرياض-الهند: مكتبة الرشد والدار السلفية، الطبعة الأولى، 1423هـ/2003م)، إكرام الجار، حديث رقم 9115.
  16. – تفسير الطبري: 2/ 296
  17. – الواحدي، الوجيز في تفسير الكتاب العزيز، تحقيق: صفوان داوودي، (دمشق-بيروت: دار القلم، الدار الشامية، الطبعة الأولى، 1415هـ)، ص115.
  18. – صحيح البخاري، كتاب الأحكام، باب موعظة الإمام للخصوم، حديث رقم 7168.
  19. – القسطلاني، إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري، (مصر: الطبعة السابع، 1323هـ)، ج4 ص410.
  20. – صحيح البخاري، كيف كان بدء الوحي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، حديث رقم 7.
  21. – ابن القيم، زاد المعاد في هدي خير العباد، (بيروت: مؤسسة الرسالة، الكويت: مكتبة المنار، الطبعة السابعة والعشرون، 1415هـ/1994م)، ج3 ص145.
  22. – هذه التسمية معاصرة، وكانوا يسمون في التراث الإسلامي الفقهي بأهل الذمة ويشمل سائر الملل التي تعيش تحت راية الإسلام وحكمه وحمايته.
  23. – صحيح البخاري، بكتاب الجهاد والسير، اب يقاتل عن أهل الذمة ولا يسترقون حديث رقم 3052.
  24. – ابن بطال، شرح صحيح البخاري، تحقيق: أبو تميم ياسر بن إبراهيم، (الرياض: مكتبة الرشد، الطبعة الثانية، 1423هـ/2003م)، ج5 ص214.
  25. – مجموع الفتاوى: 28/ 617
  26. – السرخسي، المبسوط: 5/ 39.
  27. – جميل المصري، الفتوحات الإسلامية زمن الخلفاء الراشدين، (المدينة المنورة: الجامعة الإسلامية، طبعة 1409، العددان 81-82)، ص94.
  28. – أحكام أهل الذمة: 1/ 144.
  29. – أحكام القرءان: 2/ 447
  30. – فيض القدير: 6/ 193.
  31. – صحيح البخاري، كتاب الديات، باب إثم من قتل ذميا بغير جرم، حديث رقم 6914.
  32. – من ذلك تنازل النبي صلى الله عليه وسلم عن كتابة بسم الله الرحمن الرحيم الى كتابة باسمك اللهم، وتنازله عن كتابة رسول الله الى كتابة محمد بن عبد الله، وفك احرامه ورجوعه الى المدينة دون إتمام عمرته..
  33. – الحديث بطوله في صحيح البخاري، كتاب الشروط، باب الشروط في الجهاد والمصالحة مع أهل الحرب وكتابة الشروط، حديث رقم 2731.
  34. – سيرة ابن هشام: 2/ 323.
  35. – تاريخ الرسل والملوك: 4/ 245
  36. – تقدم تفصيل هذا المصطلح أثناء الحديث عنه في مقابل أمة الإجابة.
  37. – التحرير والتنوير: 28/ 151
  38. – سورة المائدة، الآية 67
  39. – أحكام القرءان: 4/ 227
  40. – أحكام القرءان: 2/ 363
  41. – طرف من حديث طويل في صحيح مسلم، كتاب الجهاد والسير، باب ما لقي النبي صلى الله عليه وسلم من أذى المشركين والمنافقين، حديث رقم 107 (1794)
  42. – التحرير والتنوير: 28/ 153
  43. – التحرير والتنوير: 2/ 200.
  44. – الدعوة إلى الإسلام: 390
  45. – صحيح البخاري، كتاب التوحيد، باب قول الله تعالى:قل ادعوا الله أو ادعو الرحمن، حديث رقم 7376.
  46. – فتح الباري: 13/ 358.
  47. – قال ابن حجر: الكسع هو أن يضرب بيده على شيء أو برجله ويكون أيضا إذا رماه بسوء. ينظر: فتح الباري: 1/ 179
  48. – صحيح البخاري، كتاب تفسير القرءان، باب قوله سواء عليهم أستغفرت لهم أم لم تستغفر لهم، حديث رقم 4905
  49. – التحرير والتنوير: 28/ 91
  50. – البيت من بحر البسيط وقافيته من المتواتر، وهو للفضل بن العباس بن عتبة بن أبي لهب. ينظر: الفارسي، شرح كتاب الحماسة: 2/ 155.
  51. – صحيح البخاري، كتاب الشروط، باب الشروط في الجهاد والمصالحة مع أهل الحرب وكتابة الشروط، حديث رقم 2731.
  52. – التحرير والتنوير: 3/ 217.
  53. – سيرة ابن هشام: 2/ 166
  54. – صحيح مسلم، كتاب البر والصلة والآداب، باب نصر الأخ ظالما أو مظلوما، حديث رقم 63 (2584).
  55. – تفسير الطبري: 14/ 410
  56. – ابن تيمية، الصارم المسلول على شاتم الرسول، تحقيق: محيي الدين عبد الحميد، (السعودية، دون تاريخ) ج1 ص435
  57. – الدعوة إلى الله: 104
  58. – الثعلبي، الكشف والبيان عن تفسير القرءان، تحقيق: أبو محمد بن عاشور، (بيروت: دار إحياء التراث العربي، الطبعة الأولى، 1422هـ/2002م)، ج3 ص304.
  59. – الجامع لأحكام القرءان: 5/ 183
  60. – مصنف عبد الرزاق، كتاب أهل الكتاب، باب عيادة المسلم الكافر، حديث رقم: 9919
  61. – صحيح البخاري، كتاب الأدب، باب الوصاة بالجار، حديث رقم: 6014
  62. – نسبه بعضهم للأعشى، وبعضهم لعبد الله بن معاوية بن عبد الله بن جعفر بن ابي طالب، والبيت من بحر الطويل. ينظر: بهاء الدين البغدادي، التذكرة الحمدونية، (بيروت: دار صادر، الطبعة الأولى، 1417هـ)، ج5 ص35.
  63. – الجامع لأحكام القرءان: 9/ 281
  64. – ابن شبة، تاريخ المدينة، تحقيق: فهيم شلتوت، (جدة: 1399هـ)، ج2 ص584
  65. – قال المقريزي: جميع كنائس القاهرة المذكورة محدثة في الإسلام بلا خلاف. ينظر: المقريزي، المواعظ والاعتبار بذكر الخطط والآثار، (بيروت: دار الكتب العلمية، الطبعة الأولى، 1418هـ)، ج4 ص374.
  66. – الجويني، نهاية المطلب في دراية المذهب، تحقيق: عبد العظيم الذيب، (دار المنهاج: الطبعة الأولى، 1428هـ/2007م)، ج18 ص51
  67. – المواعظ والاعتبار بذكر الخطط والآثار: 4/ 439
  68. – صحيح البخاري، كتاب الصلاة، باب الصلاة في البيعة.
  69. – الشوكاني، نيل الأوطار: 2/ 170
  70. – التحرير والتنوير: 15/ 348
  71. – أحكام القرءان: 3/ 570
  72. – التحرير والتنوير: 5/ 217
  73. – قال الحاكم: الحديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه. ينظر: الحاكم، المستدرك على الصحيحين، كتاب قسم الفيء، حديث رقم 2607.
  74. – صحيح مسلم، كتاب البر والصلة والآداب، باب تحريم الكذب وبيان ما يباح منه، حديث رقم: 101 (2605).
  75. – أحكام القرءان: 4/ 152
  76. – وقعت قبل الهجرة بخمس سنين وكان سببها أن الأوس رأت أنها أضعف من الخزرج التي كانت لها الغلبة في معظم المعارك، فتحالفت مع بني قريظة والنظير، فهددتهما الخزرج بالحرب إن استجابتا للأوس، سرعان ما حشدت كل من الأوس والخزرج قبائلهما للحرب، فكان من أمرهما ما كان. ينظر: توفيق برو، تاريخ العرب القديم: 207
  77. – سيرة ابن هشام: 1/ 35
  78. – الروض الأنف: 1/ 155
  79. – أبو يوسف، الآثار، تحقيق: أبو الوفا (بيروت: دار الكتب العلمية، دون تاريخ)، في غسل الميت وكفنه، حديث رقم: 401
  80. – ابن أبي شيبة، المصنف، كتاب الجنائز، في الرجل يموت له القرابة المشرك يحضره أم لا؟ حديث رقم: 11844
  81. – سنن سعيد بن منصور، تحقيق: حبيب الأعظمي، (الهند: الدار السلفية، الطبعة الأولى، 1403هـ/1982م)، كتاب الوصايا، باب وصية الصبي، حديث رقم: 437.
  82. – ابن عبد البر، جامع بيان العلم وفضله، تحقيق: أبي الأشبال الزهيري، (السعودية: دار ابن الجوزي، الطبعة الأولى، 1414هـ/1994م)، باب الحض على استدامة الطلب والصبر فيه على الأنواء والنصب، حديث رقم: 608
  83. – البيت من بحر الوافر، وهي من معلقة عمرو بن كلثوم التغلبي. ينظر: الزوزني، شرح المعلقات السبع: 222
  84. – صحيح مسلم، كتاب الإيمان، باب وجوب الإيمان برسالة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم إلى جميع الناس، ونسخ الملل بملته، حديث رقم 240 (153)