هند ورين1
1 أخصائية نفسية وباحثة في سلك الدكتوراه بمختبر التفاعل الثقافي التواصل والحداثة جامعة الحسن الثاني الدار البيضاء -المغرب
بريد الكتروني: uaraine.hind@gmail.com
HNSJ, 2023, 4(4); https://doi.org/10.53796/hnsj4419
تاريخ النشر: 01/04/2023م تاريخ القبول: 22/03/2023م
المستخلص
تتمحور الدراسة حول تمثل الدمج المدرسي لدى المدرسي وآباء الأطفال التوحديين في سنِّ التمدرس، بهدف التعرف على تمثلاتهم حول الدمج المدرسي. تم اختيار عينة الآباء والمُدرّسين لكونهم معنيين أكثر عند الحديث عن الدمج المدرسي، دون إنكار أهمية جميع الأطراف والأخصائيين، البحث يركز على عملية الدمج المدرسي كاستراتيجية تزداد أهميتها والرغبة في تفعيلها كل سنة، وتعقدها عند الحديث عن الدمج لدى الأطفال ذوي اضطراب طيف التوحد لتميز الاضطراب بتميز حالاته، وفي المدارس العادية تكون البرامج ذات طابع وسياسة الإعمام دون مراعات للفروق الفردية لدى التلاميذ الذين ليست لهم مشاكل واضطرابات، فما بالك بالأطفال الذين لديهم اضطراب التوحد.
من هنا تأتي أهمية فهم وتفسير تمثلات المعلمين والآباء حول الدمج كخطوة رئيسية قبل تفعيل برنامج الدمج، لأن التمثلات ستمكننا من التنبؤ بطبيعة السلوك وتعاطي الفرد مع الوضعية.
واستخدمنا في هذا البحث المنهج التحليلي الوصفي عن طريق أداتي الاستبيان ب 532 مفحوصًا، و12 مقابلة نصف موجهة.
وبعد تفريغ معطيات الاستبيان وتحليل محتوى المقابلات تبيَّنَ:
- أنَّ الآباء والمدرسين يتمثلون أن لأطفال التوحد قدرات معرفية مرتفعة.
- أنَّ تمثلات الآباء والمدرسين تؤكد أن سلوكيات وانفعالات أطفال التوحد عدوانية.
- أنَّ للآباء والمدرسين تقييم مشجع حول مدى اسهاماتهم الفردية في إنجاح عملية دمج الطفل التوحدي.
ما أكد الفرضية الرئيسية، بأن اتجاهات الآباء والمدرسين تشجع على الدمج المدرسي للطفل التوحدي كاستراتيجية للحد من الصعوبات المعرفية والسلوكات العنيفة لهؤلاء الأطفال وتحققت الفرضية بنسبة 63%.
وفي الختام قدمنا تحليلا مفصلا حول المعطيات والنتائج التي توصلنا إليها في البحث، والتي بينت مدى غنى الموضوع والحاجة إلى توسيع الدراسة مستقبلا كمشروع بناء برامج علمية سيكولوجية خاصة ببرامج الدمج للأطفال التوحديين.
Representation of school integration among teachers and parents of school-age children with autism
(a psychological study)
HIND OUARAINE1
1 Psychologist and doctoral student at the Laboratory: Culturel interaction, Communication and Modernity, Hassan II University Casablanca – Morocco
Email: uaraine.hind@gmail.com
HNSJ, 2023, 4(4); https://doi.org/10.53796/hnsj4419
Published at 01/04/2023 Accepted at 22/03/2023
Abstract
The purpose of this research is to identify teachers and parents attitudes toward school integration so that parents and teachers become more concerned about the inclusion of children with autism. The research focuses on the process of school integration as a growing strategy and the desire to do it every year. It is complicated to talk about the philosophy of inclusion when talking about autism disorder because we are talking about individual situations and each case is different. The same disorder, which is autism, and in regular schools, programs are built by the policy of generalization without taking into account the individual differences of students who do not have disorders or problems, let alone children with autism disorders. Hence the importance of understanding and interpreting teachers’ and parents’ representations of integration as an essential step before activating the integration program, as they will allow us to predict the nature of the behavior and the individual’s reaction to the situation.
I used the descriptive analytical method through a questionnaire, we were able to collect 532 subjects and we conducted 12 open-ended interviews.
After collecting the data from the questionnaire and analyzing the content of the interviews, the following results were found:
Parents and teachers show that children with autism have high cognitive abilities.
Attitudes of parents and teachers ensure that the behaviors and emotions of children with autism are aggressive.
Parents and teachers rate their individual contributions to the successful integration of children with autism encouragingly.
The primary hypothesis confirmed that parents’ and teachers’ attitudes encourage school integration of children with autism as a strategy to reduce cognitive difficulties and violent behavior of these children; this hypothesis was 63% realized.
In conclusion, I provided a detailed analysis of the data and research findings, which showed the breadth of the richness of the topic and the need to expand the study in the future as a scientific program building project for psychological integration programs for children with autism.
تقديم
عرفت وضعية الإعاقة بشكل عام على كونها انحراف الفرد على المستوى “العادي” أو المتوسط في صفة من الصفات أو خاصية من الخصائص، مما خلق الحاجة لوجود مجال التربية الخاصة وهو العلم الذي استطاع لاحقا الاستقلال بذاته، وتقديم عدد من الوسائل والتقنيات لتعليمهم ومساعدتهم على الوصول إلى أقصى إمكانياتهم وقدراتهم من أجل أن يبلغوا نوعا من النمو والتوافق. (القريطيي،2001)
من بين الاضطرابات الأكثر اعتمادا على مجال التربية الخاصة وفي نفس الوقت كان سببا في تطورها وازدهار مجموعة من نظرياتها وتقنياتها نجد اضطراب طيف التوحد، هذا الاضطراب الذي يوصف أنه الأصعب، وفئاته لم تنل حضها من الاهتمام ولو بقدر ضئيل في ظل أي نظام من نظم الرعاية، حتى نظام العزل الذي كان له ما يبرره في وقت مضى لم يكن لأطفال التوحد حظ فيه ليختبروا إيجابياته وسلبياته، ومن ثم فإن التطلعات والآمال كبيرة بالنسبة لهم في ظل نظام الدمج الذي ينادي به العالم حاليا. (Loxley&Thomas,2007)
التعامل مع اضطراب التوحد، خاصة في ظل تلك الأرقام المرتفعة التي تشير إلى ازدياد عدد هؤلاء الأطفال، تلزمنا حسن التعامل مع الحاجيات التربوية والتعليمية لهذه الفئة وبذلك فإن ما يحتاجه الطفل المصاب بالتوحد ليس فقط تعلم تجاوز الصعوبات التي تواجهه، إنما يحتاج إلى المساعدة على إظهار كامل قدراته وإمكانياته إخراجها إلى الوجود، وهذا لن يتحقق في ظل نظام العزل والذي يعمل بشكل غير مباشر على تعميق وتعقيد المشكلة فتبقى تمثلات المجتمع سلبية نحو هذا الشكل من الدمج وكذلك الأمر بالنسبة للطفل نفسه. (Loxley&Thomas,2007)
ومن الجدير بالذكر أن نجاح عملية الدمج بالنسبة للأطفال المصابين باضطراب التوحد هو أمر مقرون وبشدة بمدى توفر مدرس قادر على الوفاء بمجموعة كبيرة من الأدوار، وآداء العديد من المهام من أجل نجاح عملية الدمج، إلى جانب دور المُدرّس لا ننسى الدور المهم والأساسي للأسرة وكيفية تعامل الآباء مع الوضعية الخاصة لطفلهم وحاجتهم لدعم وتوجيه متعدد التخصصات، وتلعب التمثلات التي يحملها الآباء والمُدرّسون حول التوحد دورًا كبيرًا في التوجه أو طريقة تفاعله مع الوضعية أو حالة الطفل. (أبو الفتوح، 2011)
لهذا، فالدراسة ستكون عبارة عن بحث حول عملية الدمج بالمغرب من ناحية الإمكانيات المتوفرة، وأيضا الصعوبات والعوائق من وجهة تمثل المدرسين والآباء، باعتبارهم أكثر احتكاكا بالموضوع دون إغفال الأهمية التي يشكلها باقي الفريق بتدخلاته المختلفة.
إشكالية البحث
لقد تعددت أشكال وأساليب رعاية الأشخاص في وضعية إعاقة طبقا لنوعية الفلسفات والسياسات التي توجه هذه الرعاية ومن بين الأساليب التي حظيت بانتشار واسع في الكثير من دول العالم “الدمج المدرسي“.
وأسلوب الدمج يتضمن تقديم مختلف الخدمات للأشخاص في وضعية إعاقة والحاملين لاضطراب معين في الظروف البيئية العادية التي يحصل فيها أقرانهم من غير الحاملين للإعاقة على نفس الخدمات، والعمل بقدر الإمكان على عدم عزلهم في أماكن منفصلة، إن سياسة الدمج هي التطبيق التربوي للمبدأ العام الذي يوجه خدمات التربية الخاصة، وهو التعلم في البيئات الأقل قيودا.
ويتعقد الحديث عن فلسفة الدمج بالحديث عن اضطراب التوحد، لكوننا في هذا الأخير نتحدث عن أكثر الحالات الفردية، وكل حالة هي مختلفة عن الأخرى داخل نفس الاضطراب الذي هو التوحد، وفي المدارس العادية تكون البرامج تطبعها سياسة الإعمام دون مراعاة الفروق الفردية لدى المتعلمين الذين ليست لهم مشاكل واضطرابات، فما بالك بالأطفال الذي لديهم اضطراب التوحد.
دون أن ننسى تمثلات الآباء لاضطراب أطفالهم، والنزعة الأبوية التي تدفعهم إلى الرغبة في إدماجهم داخل “مدارس عادية” لتسهيل نموهم وتطورهم سواء على المستوى الذهني وكذلك الاجتماعي. ولكن على الرغم من النجاحات التي شهدتها تجارب دمج أطفال التوحد مع غيرهم من التلاميذ في المدارس، إلا أن خبراء التربية يتمسكون بتحفظاتهم حيال هذه التجربة، معللين بأن نجاحها يتوقف على تحقق شروط ومتطلبات ومقومات يرونها “مثالية”.
وأنه لابد من توفر عناصر وفهمها لإنجاح عملية دمج أطفال التوحد مع أقرانهم “العاديين” وأهمها تمثلات أولياء الأمور لحالة أطفالهم والبيئة التعليمية، أيضا تمثلات المدرّسين والهيئة التعليمية في تلك المدارس، وتمثلات المجتمع نحو ذوي التوحد، شأنهم في ذلك شأن الأطفال في وضعية إعاقة، فضلا عن أهمية توافر كوادر تربوية، ونظام تربوي وبرامج ومناهج وأساليب تقويمية خاصة بهذه الفئة، حتى لا تتحول عملية الدمج إلى كارثة إنسانية وتربوية وأخلاقية.
وفي هذا السياق فإن موضوع الدراسة سيتمحور حول الإشكالية التالية:
- كيف يتمثل كل من الآباء والمدرسين القدرات المعرفية والسلوكية للطفل التوحدي؟ وإلى أي حد يمكن أن تسمح هذه القدرات بالحديث عن الدمج المدرسي؟
الأسئلة الفرعية:
- كيف يتمثل الآباء والمدرسين القدرات المعرفية لأطفال ذوي اضطراب طيف التوحد؟
- ماهي تمثلات كل من الآباء والمدرسين حول الجانب السلوكي لأطفال ذوي اضطراب طيف التوحد؟
- كيف يُقيِّم الآباء والمدرسين اسهاماتهم الفردية في إنجاح الدمج المدرسي لأطفال ذوي اضطراب طيف التوحد؟
ونفترض كفرضية أساسية لهذا البحث:
- نفترض أن تمثلات الآباء والمدرسيين تشجع على الدمج المدرسي للطفل التوحدي كاستراتيجية للحد من الصعوبات المعرفية والسلوكية لهؤلاء الأطفال.
الفرضيات الفرعية:
- نفترض أن الآباء والمدرسين يتمثلون أن لأطفال التوحد قدرات معرفية محدودة.
- نفترض أن تمثلات الآباء والمدرسين تؤكد أن سلوك الأطفال المتوحدين عدوانية.
- نفترض أن للآباء والمدرسين تقييمًا مشجعًا، حول مدى اسهاماتهم الفردية في إنجاح عملية دمج لأطفال ذوي اضطراب طيف التوحد.
التحديد الاجرائي للمفاهيم
الدمج المدرسي:
يعرف مادن وسلاين 1984 الدمج المدرسي بأنه قضاء الأطفال في وضعية إعاقة أطول وقت ممكن في الفصول “العادية” مع إمدادهم بالخدمات الخاصة إذا لزم الأمر فضلا عن ضرورة تعديل البرامج الدراسية “العادية” قدر الإمكان لتواجه احتياجات هذه الفئة من الأطفال، مع إمداد مدرسي الفصول “العادية” بما يحتاجون إليه من مساعدة. (سلامة شاش, 2016)
التوحد:
يعرف التوحد حسب الطبعة الخامسة 2013 من الدليل التشخيصي والإحصائي للاضطرابات النفسية DSM-5 الذي تصدره الجمعية الأمريكية للأطباء النفسيين على أنه اضطراب نمائي عصبي يسبب مشاكل على مستوى التواصل والتفاعل الاجتماعي، والجانب السلوكي أو أنماط متكررة وغالبا ما يتم التعرف على أعراضه خلال السنتين الأولى من العمر. ( Rogè, 2015)
التمثلات:
نجد Jodelet تعرفها على أنها “شكل من أشكال المعرفة، متطورة اجتماعيا ومشتركة لها هدف عملي، تسهم في تشكيل واقع عام لأي تجمع اجتماعي” (Jodelet, 1989)
كما يعرفها J.C.Abricعلى أنها «سلم لقراءة وفك شفرة الواقع، فالتمثلات تنتج الأفعال والسلوكات، وتفسر الوضعيات وذلك باستخدام نظام تصنيفي مناسب ومستقر، تنشئ التصرفات وتسمح بتبريرها مقارنة بالمعايير الاجتماعية (Doise, 1985)
وما يمكن استخلاصه أن تعدد التعريفات حول التمثلات الاجتماعية واختلافها يعود أصلا لتعدد الباحثين وتوجهاتهم وكذا إلى المقاربات المعتمدة، ويمكن تلخيص ما سلف في أن التمثلات “شكل من أشكال المعرفة التطبيقية تربط الفاعل بالموضوع.” (Jodelet, 1989)
مجتمع وعينة الدراسة
شملت عينة الدراسة آباء الأطفال التوحديين والمدرسين، 523 مفحوص عن طريق أداة الاستبيان و12 حالة عبر أداة المقابلة المفتوحة، للإحاطة بإشكالية البحت من كلا المنظورين الكيفي والكمي، وقامت الباحثة باختيار العينة عن طريق متغير الجنس حيث أثبتت النتائج تفوق عدد الإناث على الذكور بنسبة 87% من الإناث مقابل ما يفوق 11.9%من الذكور، وتفوق المدرسين على الآباء بنسبة 61% وما يفوق 36.3% بالنسبة للآباء، ثم متغير السن والذي كانت النتيجة هيمنة الفئة التي تتراوح أعمارهم ما بين 30و39 سنة بنسبة 24% في حين كانت مشاركة الفئة ما بين 20و29 بنسبة 39.4% وفئة 40 سنة فما فوق كانت نسبة مشاركتهم ب 18.6%، أيضا متغير المستوى التعليمي الدي كانت النسبة الأكبر في خانة الحاصلين على الإجازة بنسبة 52.2% لتتوزع النسبة المتبقية على المستويات الأخرى.
وشمل مجال الدراسة جهة الدار البيضاء وتم التوجه إلى العينة في مجموعة من الأماكن التي تتواجد بها، كالجمعيات والمراكز التي تتكفل بالأطفال ذوي اضطراب طيف التوحد ومدارس التعليم الابتدائي، وبالخصوص المدارس المتبنية لعملية الدمج. وهذه الأماكن تتوفر فيها عينَتَيْ البحث من آباء ومدرّسين.
منهج وأدوات الدراسة
انطلاقا من طبيعة الدراسة وما تتطلبه من قواعد لجمع المعلومات والبيانات سيتم اعتماد كل من المنهجين الكمي والكيفي عن طريق أداتي المقابلة المفتوحة والاستبيان وسيتم تناول كل أداة على حدة وأسباب اعتمادها في الدراسة خلال الفقرات التالية.
- أداة الاستبيان:
يعتمد الاستبيان كوسيلة من الوسائل الرئيسة لجمع البيانات في البحوث النفسية والتربوية، ولهذا السبب ولخصوصية الموضوع اعتمدت الباحثة الاستبيان كأداة رئيسة في البحث، لكون الموضوع هو التمثلات الاجتماعية التي يحملها الآباء والمدرسون حول عملية الدمج المدرسي للأطفال التوحديين. والتمثلات الاجتماعية من المواضيع التي تقاس بأداة الاستبيان بشكل ضروري ورئيسي.
ولبناء الاستبيان لابد من الالتزام بإشكالية البحت لاختبار مدى صحة الفرضيات المطروحة، واعتمدت الباحثة بشكل واسع على الدراسات السابقة التي تناولت نفس الموضوع، خاصة في جانبها الميداني لتتمكن من صياغة مجموعة من الأسئلة والتي قامت بتقسيمها على ثلاثة محاور:
– القدرات المعرفية (الأداء التعليمي للطفل التوحدي في الفصل)
– الجانب السلوكي (تفاعل الطفل التوحدي مع البيئة الصفية بمختلف عناصرها)
– المجهودات الفردية للمدرس/ الآباء (مدى الإحساس بالمسؤولية والقدرة على تأهيل وتيسير دمج الطفل التوحدي داخل الفصل العام إلى جانب زملائه)
وجميع أسئلة الاستبيان كانت على شكل أسئلة مغلقة لتقييم وقياس التمثلات وذلك لكون الباحثة اعتمدت إلى جانب الاستبيان أداة كيفية للتمكن من الإحاطة بالجانب الكيفي للدراسة.
- المقابلة نصف الموجهة
إلى جانب المعطيات الكمية المحصل عليها من خلال تقنية الاستبيان، تم اعتماد المقابلة نصف الموجهة، كأداة مكملة للحصول على معطيات كيفية، وعلى فرصة للغوص بشكل أعمق في واقع الدمج كمنهجية لايزال يمكن وصفها بالحديثة في المغرب وتعايش الأطفال معها، من خلال تصريحات الآباء والمدرسين.
الهدف من تبني هذا النوع من المقابلة في الدراسة، هو رصد واقع الدمج بالمغرب من خلال التوسع في تمثلات الآباء والمدرّسين حول عملية الدمج. والطابع الواسع للعلاقات الإنسانية والرغبة في تجاوز ما هو سطحي إلى ما هو أعمق تحكّم في اختيار الباحثة لهذا النوع من الأدوات.
لإجراء المقابلات قامت الباحثة بصياغة مجموعة من الأسئلة التي جمعتها في ثلاثة محاور أساسية على غرار الاستبيان وكل محور يضم عدد من الأسئلة وذلك لجمع أكبر قدر من المعلومات عن تمثل كل من الآباء والمدرسين حول الدمج المدرسي للطفل التوحدي وكيف هو واقع الدمج بالمغرب بعيدا عما هو مكتوب نظريا على المستويات القانونية والحقوقية والسيكولوجية…
المحور الأول: القدرات المعرفية
المحور الثالث: المجهودات الفردية للمدرس/ الآباء
واعتمدت الباحثة في صياغة أسئلة المقابلة على إشكاليات البحث وما تم الحصول عليه من معلومات خلال الدراسة الاستطلاعية، أيضا بعض الدراسات السابقة والمراجع.
عرض ومناقشة المعطيات الميدانية للدراسة
المعطيات الميدانية
بينت معطيات العمل الميداني رغبة كبيرة ومساعدة من طرف المفحوصين سواء الآباء والمدرسين، وهذا راجع لمدى حضور الجانب الانفعالي في الموضوع، فعبارة الدمج المدرسي للطفل التوحدي بالنسبة للآباء حلم ووسيلة لفك العزلة على الأسرة وخاصة الطفل ومنحه فرصة للتعلم وتقليد زملائه من الأطفال غير الحاملين للاضطراب، وفي نفس الوقت عنصر خوف وقلق وسط إمكانيات طفلهم الخاصة والمحدودة على مستوى الاستقلالية ومسايرة نظام تربوي واجتماعي تطبعه العامية ويرفض كل ما هو مختلف. وبالنسبة للمدرسين هناك حضور للجانب الإحساني والديني، أيضا استحضار للجانب القانوني والحقوقي ما أسهم بشكل كبير في تكوين وتوجيه التمثلات.
التوحد بالنسبة لعينة الآباء معيش وليس مجرد تمثل، لكن الحديث عن الدمج المدرسي لأطفالهم هنا يمكننا الحديث عن التمثل فجميع الآباء الذين أجريت معهم المقابلات لم يدمج أطفالهم يوما في التعليم العام ففي غالب الأحيان يتم رفضه منذ الأيام الأولى من تسجيله في التعليم الأولي ولا تمنح له بعد ذلك فرصة التسجيل في المرحلة الابتدائية سواء في القطاعين العام والخاص. ماعدا طفل واحد هو في القسم الرابع ابتدائي لا يكاد الأب يتوقف عن القول إن وصول طفله لهذه المرحلة كلفه مجهودات كبيرة وأن طفله الآن يعيش حالة تراجع ولم يعد يستطيع المواكبة ليس على المستوى المعرفي لكن لأعراض التوحد التي يتميز بها وتزداد حدتها كلما زادت الحاجة لأن ينخرط اجتماعيا أكثر، جل الآباء مثل بالنسبة لهم خبر رفض المدرسة تسجيل طفلهم شيء غير قابل للفهم والاستيعاب، فبالنسبة لهم الطفل يمتلك مهارات معرفية جيدة جدا من ذاكرة وإدراك وقدرة على التعلم ولا ينكرون وجود مشاكل في التركيز والانضباط. الطفل التوحدي لا يحب من يتخطى عالمه ويغير روتينه المعتاد وجل المفحوصين يحمل أطفالهم هذه الصفة ففي البيت مثلا “إذا قام أحد من إخوته بلمس قلمه أو إحدى أغراضه يدخل في حالة من الغضب والسلوكات العدوانية والشغب بتمزيق وبعثرت كل ما يجده أمامه” لكن لا يتوقعون أن نفس الأمر قد يحدث في المدرسة إذا كانت الأطر التعليمية ذات كفاءة وتقوم بواجبها التربوي.
أما فيما يخص مدى بذل مجهود فردي لإنجاح عملية الدمج فالآباء لم ينكروا أن في الأمر عبئا على المؤسسة التعليمية بأطرها، ففي الموضوع عبئ بالنسبة للآباء بدرجة أولى لكن هذا لا يعني أن مدى تحسن الطفل واندماجه ليس رهين بالآباء بقدر ما هو متعلق بالأستاذ ومدى كفاءته، أيضا مدى كفاءة الأطر الطبية والشبه الطبية، وأن على عاتق الآباء ما يكفي من أعباء تخص التوحد.
بالنسبة لعينة المدرسين هو جانب إنساني وإحساني بدرجة أولى والاسهام في هذا البحت مثلت لهم عمل إنساني من أجل هذه الفئة، فكما اتفق جلهم على أن الطفل التوحدي طفل مختلف ولديه قدرات ومهارات معينة ووصفوها بأنها “خارقة” لمشاهدتهم عبر الإعلام نماذج لتوحديين لديهم قدرات معرفية خارقة للعادة ووصلوا لمراتب ومستويات تعليمية عالية، ودمجه وسط قسم عام سيسمح له بإبراز تلك القدرات لكن من الضروري وجود تربية خاصة وتدخل الأطر المتخصصة باختلاف تخصصاتها إلى جانب الدمج، الطفل التوحدي كما جاء في أغلب المقابلات يلزم لتعليمه شروط والتي تغيب في البيئة التعليمة التي يشتغلون فيها خاصة عائق عدد التلاميذ وضغط الوقت فهناك مدة زمنية محدودة لإنهاء البرنامج التعليمي، فالتلاميذ غير الحاملين لأي نوع من الاضطرابات ولديهم مشكل في استيعاب ومواكبة الدرس فما بالك بالأطفال التوحديين، لكن هذا لا يعني أنه للطفل التوحدي تخلف ذهني أو مشكل في الفهم فكما أشار جل المفحوصين أن التوحديين أذكياء جدا وأن بعض العلماء توحديين وذكروا العديد من الأسماء المشهورة لإثبات ذلك.
كما لم ينكر المدرسون أن العنف والشغب من سمات الأطفال وينطبق على الجميع لكن الموضوع سيكون أكثر تعقيدا بوجود طفل توحدي حيت لا يتوقعون أنه سيتبع التعليمات كباقي الأطفال أو يحصل بينه وبين زملائه تواصل. فمن خلال حالات الاضطرابات لا يملكون تشخيصها صادفتهم في مشوارهم العملي، الأطفال ذوي الاضطرابات غالبا ما يكونون غير متقبلين من طرف الأطفال الأخرين وكرد فعل لهذا الرفض يتولد عنف تجاه جميع مكونات المدرسة من معلمين وتلاميذ وأحيانا المرافق والأدوات كالسبورة والنوافذ. ومسألة قبول طفل توحدي في القسم ليست بخيار المدرس فهو مرغم قانونيا أن يقبله بين تلاميذه ويتحمل مسؤوليته.
وبخصوص تقييمهم للمجهود الفردي للأطر التربوية، المدرسون لم يلقوا المسؤولية على أحد لكن عبروا عن الأمر أنه خارج اختصاصهم وأن لهذه الفئة أطر تربوية خاصة بها، لكن هذا بالنسبة لهم لا يعني رفضهم لحضور دورات تكوينية وتعميق معرفتهم بهذا النوع من الحالات بل بالعكس أبدى غالبية المفحوصين الرغبة الكبيرة في التكوين المستمر ودوره في الحصول على نتائج جيدة وكيف أن كفاءة المعلم تتحكم في مساعدة الطفل على الاندماج.
تحليل النتائج
- المحور الأول: تمثل الآباء والمدرّسين للقدرات المعرفية للطفل التوحدي
تمثلات المدرسين:
بخصوص هذا المحور أثبتت النتائج أن اتجاهات المُدرّسين حول القدرات المعرفية للأطفال التوحديين لا تطبعها السلبية وأنه لن يكون في الأمر كبح لقدراتهم الخاصة التي وصفوها “بالخارقة”، ويأتي هذا الوصف للتأثير الكبير على وسائل الإعلام في بناء وتوجيه التمثلات، والتي تسوق صورة معينة حول التوحد مما يجعل أغلب من ليس لديهم خبرة أو تعامل مع حالات توحدية يتوقعون أن جميع الحالات هي من نوع أسبرجر، وهي الحالات التي يتناولها الإعلام دون التطرق للحالات المعقدة حيت أن نسبة 75% إلى 80% من أطفال التوحد يعانون من توحد مصاحب بتأخر ذهني ومن 15% إلى20% يعانون من التأخر الذهني الشديد وبنسبة ذكاء اقل من 35 درجة، وفقط 10% من التوحديين لديهم ذكاء أعلى من المتوسط ويسمى أسبرجر، وبالنسبة لهم قد يستطيع الطفل التوحدي مسايرة باقي التلاميذ في العملية التعليمية كما أن الدمج المدرسي سيسمح لهذه الفئة من الأطفال بإبراز هذه القدرات ويستحسن أن تكون لهم مواكبة في مراكز خاصة مع أطر تعليمية متخصصة إلى جانب الدمج، لصنع نفس النماذج التي شاهدوها أو سمعوا بها عبر الإعلام.
كذلك نجد أوللي Olley ورفاقه قاموا بدراسة اتجاهات 95 معلما من معلمي المدارس العامة نحو دمج الأطفال التوحديين في فصول شاملة مع أقرانهم غير الحاملين لأي اضطراب سنة 1981، وذلك من خلال مقياس معد لاتجاهات المعلمين نحو دمج التوحديين، وقد أفادت نتائج الدراسة إلى أن معلمي التعليم العام يمتلكون اتجاهات ايجابية نحو الدمج مرتبطة بمستوى معرفتهم بطبيعة هذه الفئة. (الحمد والعتوم. .2016)
تمثلات الآباء:
وعلى غرار المدرسين نجد أن تمثلات الآباء هي الأخرى تتفق أن الطفل التوحدي لن تكون لديه صعوبة في مواكبة الدروس أو الدراسة بشكل عام في ظل إيمانهم بالقدرات التي يمتاز بها التوحدي، ما يظهر أن ليس هناك تأثير لمتغير المستوى الدراسي في طريقة إدراك القدرات المعرفية عند الطفل التوحدي بالنسبة للعينة ككل، فجميع الأساتذة لهم تعليم جامعي في حين كان من الآباء من لم يتجاوز مستواهم التعليمي المستوى الابتدائي أو الإعدادي، وحاول الآباء ما أمكن إظهار القدرات الفريدة والجيدة لطفلهم وأنه طفل غير حامل لاضطراب التوحد، وأنه بمجهود المعلمين والطاقم الطبي سيشفى طفلهم بشكل نهائي. الإعلام قدم صورا مثالية نوعا ما حول التوحد وجهت تمثلات المعلمين بشكل كبير، لكن بالنسبة للآباء الذين يمثل التوحد واقعا بالنسبة لهم طغى الجانب الانفعالي على محاولة تمثلهم لأطفالهم في أقسام مدمجة فجل الآباء لا يزالون في مرحلة الإنكار وهي من المراحل التي يمر بها الآباء بعد إنجاب طفل في وضعية إعاقة أو حامل لاضطراب التوحد، فمجموعة من الباحثين Barat, Bartschi ,al.Mettey, Bensoussan, Tourette (2001) درسوا رد فعل الآباء بعد خبر إنجاب طفل في وضعية إعاقة حيث يمرون بمجموعة من المراحل النفسية التي يطبعها الحزن العميق، ليس على الطفل بل على التمتلات التي يحملونها حول الطفل. وأول هذه المراحل هي L’état de choc ويصاحبها إنكار وأحيانًا انهيار نفسي. الإنكار هو واحد من أول آليات الدفاع المعمول بها، يعمل الإنكار على مستوى اللاوعي لمواجهة القلق الذي لا يحتمل حول حدث سيغير حياة الوالدين، يمكن أن يكون هذا الرفض بمثابة حل مؤقت مفيد في البداية، ولكنه قد يسبب صعوبات إذا استمر (Tourette, 2001). وهذا ما لم يسمح لتمثلات الآباء بالظهور بشكل واضح على أنهم يرون أنه من الصعب أن يواكب طفلهم باقي الأطفال في العملية التعلمية في إطار سياسة الدمج، جميع الآباء يضعون انتظارات حول طفلهم حتى قبل مرحلة الحمل وهي ما تناولها مجموعة من الباحثين مثل M. Soulé خاصة في علم النفس الإكلينيكي تحت مسمى L’enfant imaginaire وهذا الطفل يصاحب الآباء خلال مرحلة الإنكار فيدركون الطفل بمشاكله المتنوعة بطريقة مثالية. (Stein, 2011)
ويمكن تثمين هده النتائج من خلال المعطيات الكمية للاستبيان والتي تبين أن النسبة الأكبر من المفحوصين يتمثلون أن لأطفال التوحد قدرات معرفية تسمح لهم بمواكبة النظام التعليمي العام وأن سياسة الدمج فيها تشجيع للقدرات الخاصة لهؤلاء الأطفال ما يفند الفرضية الفرعية الأولى للبحث.
الأجوبة على أسئلة المحور الأول النتائج ب spss
السؤال الأول | السؤال الثاني | السؤال الثالث | السؤال الرابع | السؤال الخامس | السؤال السادس | السؤال السابع | |
أتفق | 23.4 | 22.8 | 22.1 | 38.1 | 17.6 | 42.8 | 74.0 |
لا أتفق | 5.2 | 42.1 | 15.9 | 14.8 | 47.1 | 20.0 | 23.0 |
- المحور الثاني: تمثل الآباء والمدرّسين للجانب السلوكي عند الطفل التوحدي:
تمثلات المدرسين:
بينت نتائج البحت كون اتجاهات المدرسين تأكد أن سلوكات الأطفال التوحديين عدوانية خاصة عند عدم وجود مرافقة إلى جانبه طيلة الوقت لتوجيه وضبط الجانب السلوكي، وأنه من الصعب حصول توافق بينهم وبين باقي الأطفال في مدة وجيزة، لم ينكر معظم المدرسين أن ما يمكن وصفه بالعنف والشغب وعدم الرغبة في الامتثال للأوامر خاصية تجمع بين جميع الأطفال حتى غير الحاملين لأي نوع من الاضطرابات أو الإعاقة، لكن بوجود التوحد يصعب ضبط الموقف ويصبح أهل الاختصاص أكثر أهلية للتدخل، وأن في الدمج فرصة للتعلم للطفل التوحدي من زميله غير الحامل لأي نوع من الاضطراب، الأطفال يتعلمون من بعضهم البعض أكثر مما يتعلمون من شخص راشد، وهذا الاستنتاج راجع لخبرة معظمهم في التعامل مع الأطفال، لكن لتمثلهم أن الطفل التوحدي لن يتبع التعليمات كباقي الأطفال ولوجود خلل في طريقة إدراكه لمكونات محيطة يتوقعون أن تحدث سلوكات ونوبات انفعالية لن يكون بمقدور المعلم السيطرة عليها، تفاديا أن يؤذي الطفل نفسة أو باقي التلاميذ خاصة لوجود الأدوات التي يتم استعمالها للتعلم من أقلام وألواح للطباشير… والتي قد يسيئ التلميذ التوحدي استعمالها. من هنا يتضح كيف أن التمثلات هي مجموع التصورات الفكرية التي تتكون لدى الذات حول الموضوع من خلال تفاعلهما المستمر، فهذه التصورات هي بمثابة تأويلات تستند على عملية تلائم مع خصائص الموضوع، و بعدها إلى استيعاب ” المعلومات ” الصادرة عن الموضوع في إطار البنيات الذهنية التي تشكلت في مرحلة ما من مراحل نمو الفرد / الذات، ولا ننسى الحديث عن العبارة التي فسر بها جل الأساتذة موقف مدى استقبال أو بالأحرى تقبلهم لتلميذ توحدي في صفهم وهي “أنا مجبر ولست مخير في مسألة قبول تلميذ توحدي بقسمي” وهنا الأستاذ أمام الوضعية المشكل (طفل مصاب للتوحد)، خاصة من لا تكون لديهم معرفة مسبقة بالاضطراب أو تكوين أكاديمي مساعد مما يؤثر على الاستراتيجيات les stratégies de coping التي سينهجها المعلم تجاه الوضعية، وغالبا ما يطبعها الغضب والتوتر ثم اللجوء للعنف خاصة أمام الحالات التي تعاني من فرط في الحركة.
كمحاولة للفهم أكثر النتائج المستخلصة في هذا المحور نستعين بدراسة هلبس Helps وآخرون حيث حاولوا التعرف على العوامل المحددة لاتجاهات المدرّسين السالبة نحو دمج الأطفال التوحديين في المدارس الأمريكية العامة سنة 1999 بالولايات المتحدة الأمريكية، من خلال تطبيق استبيان خاص بذلك على عينة من المعلمين العاملين في مدارس الدمج، كما حاولوا التعرف على الصعوبات التي تعيق نجاح سياسة الدمج الخاصة بهذه الفئة من الأطفال، وأوضحت النتائج أن الاتجاهات السالبة التي يمتلكها معلمي الدمج هي حصيلة نقص معرفتهم النظرية بخصائص هذه الفئة، فضلا عن قلة مستويات تدريبهم على التعامل مع الأطفال التوحديين، كما أكدت النتائج التي توصلوا إليها أن الإخفاق في نجاح عملية الدمج يرجع في الأصل إلى سوء مستوى معرفة المعلمين العاملين في مدارس الدمج بأحدث الاستراتيجيات التعليمية الفعالة التي من شأنها أن تساعد على تحسين حالة أطفال التوحد. (أبو الفتوح، 2011)
تمثلات الآباء:
كذلك نفس النتائج تم استخلاصها مع عينة الآباء، دون وجود تأثير كبير لمتغير المستوى التعليمي، لكن بحضور الجانب الانفعالي بقوة لكونهم معنيين بالموضوع أكثر من غيرهم، واللجوء لمجموعة من الميكانيزمات الدفاعية في تمثل الوضع ونعرف أن الهدف الأساس من الميكانيزمات الدفاعية هو خلق نوع من التوازن الكافي والذي يسمح للأنا (الجانب الواعي) بالعمل بشكل مستقل، ومحاولة العيش بتوافق نفسي اجتماعي مع الوضعية المشكل، دون إغفال إمكانية تجاوزها للعتبة العادية لتصبح مرضا (IONESCU et al, 2001). وظهر ميكانيزم العقلانية la rationalisation بشكل كبير خلال حديث الآباء حول تمثلهم لمدى قدرة طفلهم على التكيف في الفصل سلوكيا، حيت كان هناك حديث إلى جانب المشاكل السلوكية والانفعالية التي يعاني منها أطفالهم والتي لا يقدرون على ضبطها في غالب الأحيان ويكون فيها نوبات من البكاء الشديد أو الضحك الهستيري، أيضا سلوكات عنف إما تجاه ذاته أو الآخر، مجموعة من الطرائق والوسائل والنظريات خاصة برامج تعديل السلوك مثل ABA. TEACCH. PECS وغيرها من البرامج التي تخص التربية الخاصة والتي بدا فيها بعض الآباء كخبراء وكيف أن هذه البرامج يجب فقط على المعلم أن يكون على معرفة جيدة بها ليعرف طريقة التعامل مع النوبات السلوكية والانفعالية التي قد تحدث مع الطفل في القسم.
ويتضح الأمر أكثر بالمعطيات الكمية التي بينت أن النسبة الأكبر من العينة لديهم اتجاهات تأكد أن سلوكات وانفعالات الأطفال التوحديين عدوانية ويتضح ذلك من خلال تحليل الأسئلة غير المباشرة في الاستبيان والتي توضح أن للطفل التوحدي جانب انفعالي وسلوكات عنيفة، مما يؤكد الفرضة الفرعية الثانية للبحث.
وكما هو مبين في هذا الرسم البياني مدى التوافق الموجود بين الأسئلة التي تقيس الجانب العدواني في سلوكات وانفعالات الطفل التوحدي.
وفي الرسم الثاني يتضح تأكد الفرضية بنسبة 59 % وأن الآباء والمعلمين يتمثلون أن للطفل التوحدي جانب انفعالي وسلوكي يتسم بالعدوانية.
الأجوبة على أسئلة المحور الثاني النتائج ب spss
السؤال الأول | السؤال الثاني | السؤال الثالث | السؤال الرابع | السؤال الخامس | السؤال السادس | السؤال السابع | السؤال الثامن | السؤال التاسع | السؤال العاشر | السؤال الحادي عشر | السؤال الثاني عشر | |
تتفق | 29.2 | 48.0 | 42.4 | 37.8 | 39.8 | 19.4 | 44.1 | 44.1 | 30.3 | 18.1 | 34.0 | 37.0 |
لا تتفق | 33.5 | 4.7 | 8.4 | 5.8 | 2.2 | 45.6 | 5.1 | 5.4 | 26.7 | 46.2 | 21.1 | 25.8 |
- المحور الثالث: تمثل الآباء والمدرّسين لمجهوداتهم الفردية في إنجاح الدمج المدرسي للطفل التوحدي
تمثلات المدرسين:
في هذا المحور تبين أن تقييم المدرسين لمدى إنجاح دمج الطفل التوحدي في الفصل يرتبط بشكل أو بآخر بمجهودات المدرس لكن دون إغفال أن النتيجة ترتبط أكثر بمدى كفاءة الفريق التربوي المتخصص في حالات التوحد، بالنسبة لهم أي مجهود بذل منهم لمساعدة ذلك الطفل على الاندماج واستيعاب الدرس هو من الجانب الإنساني والإحساني، وهذا لكون المقاربة الإحسانية لا تزال طاغية في توجيه تمثلات المغاربة حول نوعية التدخل مع من هم في وضعية إعاقة والحاملين لاضطرابات كالتوحد، وهذا الإشكال يجعلنا ننفتح على نظرية Moscovici وخاصة الجانب الذي يوضح فيه سيرورة عمل وبناء التمثلات، حيت نجد كآلية أولى لبناء التمثل آلية الموضعة Objectivation و يحددها موسكوفيشي بكونها عبارة عن ” تنظيم خاص للمعارف المتعلقة بالموضوع ” و هي معارف جزئية تم انتقاؤها من خلال مجمل المعلومات الرائجة مجتمعيا، في مرحلة أولى تتكون لدى الفرد خطاطة من الصور و هنا يتمكن الفرد من تكوين ما يمكن تسميته بصورة عن المفاهيم … و عن طريق التطبيع naturalisation المرحلة الثانية للموضعة، تصبح الخطاطة بديهية أي واقعا اجتماعيا تفصل عن سياقها و تصبح قابلة للاستعمال في سياقات مختلفة و متعددة و تستعصي عن التساؤل و يصل الأمر إلى حد ينسى معه أنه المصدر الذي ابتدع ذلك التصور أو تلك الفكرة مرضا (Jodelet, 2015)، وهذا يوضح لنا لماذا تمثل الأشخاص في وضعية إعاقة والحاملين للاضطرابات في المغرب ظل موجها بما هو إحساني بدرجة أولى دون أن تأثر فيه مجموعة من المتغيرات التي أصبح المجتمع المغربي يعيشها كارتفاع نسبة المتمدرسين أيضا ارتفاع المستوى الدراسي، وكآلية ثانية نجد الترسيخ ancrage أي ” التأثير الذي تمارسه قيمة مرجعية في تصور جملة من المثيرات ” ولا يمكن تجاهل المرجعية الدينية “الإسلام” في تصور شخص في وضعية إعاقة أو مساعدته، والجانب المتمثل في الإحسان والصدقة، فيصبح الترسيخ كنسق مرجعي، وبذلك يمثل نوعا من الامتداد لعملية الـموضعة، فيصبح التمثل هو تلك الشبكة التي يرى منها الواقع. كما أبدى الجميع رغبة في وضع تكوينات للمعلمين حول هذا الاضطراب توسيعا لمعارفهم واحتياطا من مصادفتهم لتلميذ توحدي في الفصل يوما ما، فكون التوحد اضطراب غير معروف وواضح بالنسبة للمعلمين كان له أثر واضح في تقييمهم لمدى قدرتهم ومساهمتهم في إنجاع الدمج.
وعلى غرار هذه النتائج نجد دراسة أجرتها ماكجريجور وكامبيل Mcgregor et Campbell لمعرفة اتجاهات معلمي المرحلة الابتدائية نحو دمج أطفال التوحد في المدارس العامة سنة 2001 بإسكتلندا، سواء كان دمج كلي شامل أو دمج جزئي، وذلك في ضوء تخصص المعلم وطبيعة المدرسية (حكومية أو خاصة)، هذا وقد أفادت نتائج الدراسة أن 50 % من إجمالي العينة يمتلكون اتجاهات سالبة متأثرة بآرائهم الشخصية المتمثلة في عدم معرفتهم الشاملة بسيكولوجية هؤلاء الأطفال وكذلك قصور وعيهم بالتدخلات الفعالة معهم، كما أفادت النتائج أن سوء مستوى التدريب وقلة ورش العمل الخاصة بالدمج أثناء سنوات العمل تساهم في تكوين هذه الاتجاهات السالبة، فضلا عن أن اتجاهات معلمي المدارس الخاصة كانت أكثر ايجابية مقارنة باتجاهات معلمي المدارس الحكومية، وانتهت النتائج إلى أن تخصص المعلم وخاصة المرتبط بدراسات متعلقة بالتربية الخاصة تؤثر بشكل دال على تمثلاته نحو الدمج الخاص بهذه الفئة من الأطفال. (أبو الفتوح، 2011)
تمثلات الآباء:
وتم التوصل إلى نفس درجة التقييم مع الآباء حول مدى فعالية اسهامهم في إنجاح الدمج، لكن هذه المرة كان للمستوى التعليمي دور كبير في درجة التقييم كون من لهم مستوى تعليمي عالي وخبرة طويلة في التعامل مع الأطفال بشكل عام كانوا أكثر ثقة بقدرتهم على مساعدة وتوجيه الطفل التوحدي في عملية الدمج المدرسي، و لم ينكر الآباء أن مدى وعي واشتغالهم مع الطفل ستكون له نتائج إيجابية على مستوى قدرة الطفل على الدمج، لكن يعزو الآباء النتائج للمدرسين والطاقم الطبي والشبه الطبي بشكل كبير جدا، بالنسبة للآباء مجهودهم يتمثل في البحث عن مدارس أو جمعيات أيضا طاقم طبي وشبه طبي ذو كفاءة عالية للعمل مع الطفل وأيضا ليستطيعوا فهم واستيعاب اضطراب التوحد بخصائصه المختلفة، وهدا ما يسمى في علم النفس الاجتماعي بالعزو السببي وهي نظرية تطورت مع كل من فريتز هايدر Fritz Heider، وهارولد كيلي Harold Kelley، بيرنارد فاينر Bernard Weiner، وتختص في الطرائق التي يفسر بها الناس سلوك الآخرين أو أنفسهم، أيضا النتيجة المحصل عليها أو المتوقع الحصول عليها في موضوع معين. وكيف يؤثر هذا التصور المعرفي في التعاطي مع الموضوع (حمدان، 2015)، كمثال للتوضيح ” عزو الآباء عدم قدرة طفلهم على الدمج لعدم قيامهم بمجهود سيدفعهم لتصحيح طرائق واستراتيجيات التي يتبنونها لإنجاحه بالتالي مواجهة المشكل، في حين هناك من سيعزو السبب لعوامل أخرى خارج ذاته قد تكون بشرية كما هي النتيجة في البحت بالتالي ميكانيزم لتغليف الواقع والهروب مما تحمله المواجهة من صعوبات”.
وهذا التمثل المشجع حول مدى فعالية المجهود الفردي في إنجاح دمج طفل توحدي، يمكن تفسيره بالوظيفة التي تلعبها التمثلات في حياة الأفراد، فكما أشار جيوردان وفيشي Giordan et Vecchi اللذان أكدا على ثلاث وظائف متميزة للتمثلات وهي:
– وظيفة لحفظ أو الاحتفاظ بالمعارف التي لم يعد من الممكن الوصول إليها بشكل مباشر، وأهمية هذه الوظيفة تتجلى في تمكن الفرد من الحفاظ على المعلومات الضرورية لمواجهة وضعيات جديدة، بالتالي كلا الطرفين من المعلمين والآباء كل يوافق على ضرورة توفير تكوينات حول الاضطراب كمحاولة للتوافق مع وضعية التوحد كذلك ليستثمروا بشكل جيد ما يملكونه أو استحصلوه من معلومات، فأول ما يشغل الآباء بعد تشخيص الطفل بالتوحد هو محاولة لفهم الاضطراب، كذلك الأمر للمعلم فبمجرد أن أضعه أمام تخيل موقف وجود طفل توحدي مع باقي التلاميذ في قسمه يطرح تساؤلات متعلقة بطبيعة ومحاولة فهم التوحد.
– وظيفة التنسيق والتنظيم وتسمح للفرد بإقامة العلاقات المناسبة لكي يسهل عليه تذكرها وإعادة إنتاجها. وأسرة الطفل التوحدي تجد نفسها مضطرة للبحث على متخصصين وأسر تقاسمها نفس الوضع مقابل الانسحاب من علاقات أخرى والإحساس بالعزل.
– أخيرا تمكن التمثلاث من تنظيم وبناء إدراك الواقع تمهيدا لنشاط معين أو لتوقع محدد، وإدراك الدمج المدرسي كنشاط محدد أسهم في تشكله مجموعة من المتغيرات كما أشرنا سابقا تتحكم لنا بشكل آلي في تعاطي الفرد مع الوضعية.
كل هذه الوظائف تتحرك وتنشط، في كل مرة، يجد فيها الفرد نفسه مشكلة أو وضعية معينة. (Beitone et al.2013)
وبالمعطيات الكمية للاستبيان يمكن تأكيد كل ما سبق كون النتيجة هي أن النسبة الأكبر من العينة لديها تقييم مشجع حول دور اسهاماتهم الفردية في إنجاح عملية دمج الطفل التوحدي. ما يؤكد الفرضية الفرعية الثالثة في البحث.
وهذا الرسم البياني يوضح التوافق الحاصل بين الأسئلة التي تشير إلى مدى فعالية الاسهامات الفردية في إنجاح الدمج من خلال الرغبة في التكوين المستمر والوعي بخصوصية التوحد كاضطراب أيضا مدى دور الكفاءة الفردية في الحصول على نتائج جيدة.
والرسم التالي يوضح تأكيد الفرضية بنسبة 86% وأن هناك إدراك لمدى فعالية المجهود الفردي في الحصول على نتائج مع الحالات التوحدية.
الأجوبة على المحور الثالث مع التحليل ب spss
السؤال الأول | السؤال الثاني | السؤال الثالث | السؤال الرابع | السؤال الخامس | السؤال السادس | السؤال السابع | السؤال الثامن | السؤال التاسع | السؤال العاشر | |
تتفق | 37.0 | 33.5 | 42.4 | 25.8 | 45.4 | 10.3 | 53.5 | 48.0 | 41.3 | 43.2 |
لا تتفق | 10.1 | 34.0 | 1.5 | 29.9 | 3.6 | 45.8 | 3.7 | 2.2 | 2.8 | 2.1 |
- الفرضية الرئيسية:
ومن خلال هذه النتائج يمكننا تأكيد الفرضية الرئيسة في البحث أي أن اتجاهات الآباء والمدرسيين تشجع على الدمج المدرسي للطفل التوحدي كاستراتيجية للحد من الصعوبات المعرفية والسلوكات العنيفة لهؤلاء الأطفال. وتحققت الفرضية بنسبة 63% كما يوضح لنا ذلك الرسم التالي:
ولم تبين النتائج أي اختلاف بين الآباء والمدرّسين حول تمثلهم للدمج فكلا الطرفين يحمل تمثلات تشجع على الدمج المدرسي وإمكانية كونه الحل في دمج هؤلاء الأطفال وهذا يوضحه لنا الرسم البياني التالي:
خلاصة
بينت الدراسات حول العالم اختلاف بين وجود تمثلات مشجعة أو العكس، وهذا راجع لخصوصية كل مجتمع وكون التمثلات الاجتماعية حول أي موضوع مكون شديد التأثر بالعوامل الإيديولوجية والثقافية… وهذا ما نسميه بخصوصية الظاهرة الإنسانية، بالإضافة لكون التمثلات المصرح بها من طرف المفحوصين مغلفة بمجموعة من الميكنزمات الدفاعية وقد يغيب فيها الصدق أحيانا، كمجتمع مغربي ليزال الوعي بأهمية الإجابة الصريحة في البحوث العلمية ضعيفا ويحاول المفحوص الإجابة في الاستبيان بطريقة مثالية وليست صريحة، رغم التوجيهات وتوضيح أن المعلومات سرية وليست هناك أي معلومات تظهر هوية الباحث، لغياب عنصر الثقة بين الفرد والبحث العلمي أيضا بين الأفراد ذاتهم، أيضا عدم الوعي بأهمية الإجابة الصريحة في توجيه البحث. بعيدا عن البعد الجماعي يعتبر البعد الفردي هو الآخر عنصر أساسي يتطلب تفسيره جهدا أعمق.
لائحة المراجع
مراجع بالعربية
القريطي يوسف. (2001). مدخل إلى التربية الخاصة. دبي: الطبعة الثانية دار العلم.
سهير محمد سلامة شاش. (2016). استراتيجيات دمج ذوي الاحتياجات الخاصة . مصر: الطبعة الأولى مكتبة زهراء الشرق.
علي خليل الحمد، و نعيم علي العتوم. (2016). الدمج لذوي الاحتياجات الخاصة. عمان: الطبعة الأولى دار المسيرة للنشر والتويع.
محمد زياد حمدان. (2015). تصنيف ونظرية للسلوك الاجتماعي: نحو إطار علمي لدراسة وتنمية الاجتماع الإنساني. الأردن: دار التربية الحديثة.
محمد كمال أبو الفتوح، و أحمد عمر. (2011). اتجاهات معلمي المدارس الابتدائية نحو دمج الأطفال الأوتيزم (الأطفال الذاتويين) مع أقرانهم العاديين في المدارس العامة (دراسة سيكولوجية في ظل بعض المتغيرات). مجلد الأعمال الكاملة للمؤتمر العلمي الثاني لقسم الصحة النفسية بكلية التربية بجامعة بنها بجمهورية مصر العربية، 415-464.
مراجع بلغات أجنبية
Beitone , A., dollo, c., & hemdane, e. (2013). les sciences économique et sociale: enseignement et apprentissage . bruxelles : boeck superieur.
crocq , m.-a., & guelfi , j.-d. (2015). manuel diagnostique et statistique des troubles mentaux. elsevier masson 5e éd lssy-les-moulineaux.
gary, t., & andrew, l. (2007). DECONSTRUCTING SPECIAL EDUCATION AND CONSTRUCTING INCLUSION. university press: 2nd édition mcgraw-hill education .
Jodelet, D. (1989). les représentations sociale: un domaine en expansion dans représetations sosiales . paris : presses universitaires de france.
jodelet, d. (2015). Représentations sociales et mondes de vie. france : archives contemporaines .
rogé, b. (2015). autisme comprende et agie . france : dunod.
serban, l., jacquet, m.-m., & lhote, c. (2020). Les mécanismes de défense Théorie et clinique. france: 3e édition dunod.
stein, c. (2011). l’enfant imaginaire . france : champs assais.
tourette. (2001). accueil de l’enfant handicapé : famille et structures, in manuel de psychologie des handicaps. sprimont: edition mardaga.
willem, d. (1985). Représentations Sociales : définition d’un concept. connexions.