د. محمد السيد حسن حسين1
1 أستاذ مساعد بقسم اللغة العربية، كلية العلوم والآداب بالقريات، جامعة الجوف، المملكة العربية السعودية.
بريد الكتروني: msh2581976@yahoo.com
HNSJ, 2023, 4(4); https://doi.org/10.53796/hnsj447
تاريخ النشر: 01/04/2023م تاريخ القبول: 14/03/2023م
المستخلص
يتناول هذا البحث صورة مصر في عيون شعراء العربية، في شعر الجواهري، ومما حفز على القيام بتلك الدراسة غزارة إنتاج الشاعر التي كانت محفزا للدراسة والبحث في ذلك الإبداع الأدبي.
ولم يجد الباحث دراسة سابقة تناولت هذا الموضوع بالبحث والدراسة، على الرغم من كثرة الدراسات الرائدة التي تناولت شعر الجواهري شكلا ومضمونا، وقد اعتمد البحث على المنهج الوصفي التحليلي في معالجة موضوع البحث، مع الاتكاء على مناهج أخرى كالمنهج التاريخي والنفسي.
قسمت الدراسة لمقدمة وتمهيد وأربعة مباحث وخاتمة، تتناول المقدمة التعريف بموضوع البحث ومنهجه والدراسات السابقة، وأهداف الدراسة وتساؤلاتها، والمنهج المتبع، وتقسيم الدراسة، ويتناول التمهيد التعريف بالشاعر وأهم المؤثرات في شعره، ويتناول المبحث الأول الجانب الموضوعي والفكري، ويتناول المبحث الثاني سمات التشكيل الفني للصورة الشعرية التي تناولها الشاعر في قصائده عن مصر، والمبحث الثالث يعالج جانب الإيقاع الموسيقي في قصيدة مصر، وخُـصص المبحث الرابع لمعالجة سمات المعجم الشعري والألفاظ، وتأتي خاتمة البحث لترصد أهم ما توصل إليه البحث من نتائج.
الكلمات المفتاحية: مصر- الشعراء- الصورة- المعجم- الجواهري.
The image of Egypt in the eyes of Arab poets
Al-Jawahiry as a model – an analytical study
Dr. Mohammed Al-Sayed Hassan Hussein 1
1 Assistant Professor, Department of Arabic Language, College of Arts and Sciences, Qurayyat, Al-Jouf University, Saudi Arabia.
Email: msh2581976@yahoo.com
HNSJ, 2023, 4(4); https://doi.org/10.53796/hnsj447
Published at 01/04/2023 Accepted at 11/03/2023
Abstract
This research deals with the image of Egypt in the eyes of Arab poets, in the poetry of Al-Jawahiry, and what motivated the conduct of this study is the abundance of the poet’s production, which was a catalyst for study and research in that literary creativity.
Previous Studies: The researcher did not find a previous study that dealt with this subject with research and study, despite the large number of pioneering studies that dealt with Al-Jawahiry’s poetry in form and content.
The research relied on the analytical descriptive approach in addressing the subject of the research, while relying on other approaches such as the historical and psychological approaches. The study was divided into an introduction, a preface, four sections, and a conclusion. The introduction deals with the definition of the subject of the research, its methodology, previous studies, the objectives and questions of the study, the method used, and the division of the study. The preface deals with the definition of the poet and the most important influences in his poetry. The poetics dealt with by the poet in his poems about Egypt, and the third section deals with the aspect of musical rhythm in the poem of Egypt, and the fourth topic was devoted to addressing the features of the poetic lexicon and words, and the conclusion of the research comes to monitor the most important findings of the research.
Key Words: Egypt – Poets – Image – Lexicon – Al Jawahiri.
مقدمة البحث
يتناول هذا البحث صورة مصر في عيون شعراء العربية، متخذا من شاعر العراق الكبير الجواهري أنموذجا للدراسة والبحث، وذلك من خلال رصد رؤية الشاعر للوطن المصري وأبنائه في فترة مهمة في تاريخ مصر الحديث، زخرت بكثير من الأحداث المهمة والتغيرات السياسية، ومما حفز على القيام بتلك الدراسة غزارة إنتاج الشاعر التي كانت محفزا للدراسة والبحث في ذلك الإبداع الأدبي.
الدراسات السابقة: لم يجد الباحث دراسة سابقة تناولت هذا الموضوع بالبحث والدراسة، على الرغم من كثرة الدراسات الرائدة التي تناولت شعر الجواهري شكلا ومضمونا.
تساؤلات الدراسة: تسعى الدراسة للإجابة عن عدد من التساؤلات، منها:
- ما المضمون الفكري الذي تناوله الشاعر في حديثه عن مصر؟
- كيف وظف الشاعر الصور الفنية في حديثه عن مصر؟
- كيف وظف الشاعر عناصر الإيقاع الموسيقي في قصيدة مصر؟
- ما نوع الأسلوب الذي استخدمه الشاعر في ثنايا الحديث عن مصر؟
- ما سمات المعجم الشعري لدى الشاعر؟
أهداف الدراسة: تسعى الدراسة لتحقيق الأهداف التالية:
1-إبراز المضمون الفكري في تناول الشاعر صورة مصر
2-الكشف عن تشكيلات الصورة الفنية في شعر الشاعر عن مصر
3-بيان النواحي الإيقاعية والأسلوبية في شعر الشاعر عن مصر
4- رصد ملامح المعجم الشعري لدى الشاعر في تناوله صورة مصر.
منهج البحث: سيتكئ البحث على المنهج الوصفي التحليلي في معالجة النتاج الشعري للشاعر في موضوع البحث، مع الاتكاء على مناهج أخرى كالمنهج التاريخي والنفسي.
تقسيم الدراسة:
اقتضت طبيعة الدراسة تقسيمها لمقدمة وتمهيد وأربعة مباحث وخاتمة، تتناول المقدمة التعريف بموضوع البحث ومنهجه والدراسات السابقة، وأهداف الدراسة وتساؤلاتها، والمنهج المتبع، وتقسيم الدراسة، ويتناول التمهيد التعريف بالشاعر وأهم المؤثرات في شعره، ويتناول المبحث الأول الجانب الموضوعي والفكري أو ملامح رؤية الذات الشاعرة لمصر وأبنائها من خلال النتاج الشعري للشاعر، ويتناول المبحث الثاني سمات التشكيل الفني للصورة الشعرية التي تناولها الشاعر في قصائده عن مصر، والمبحث الثالث يعالج جانب الإيقاع الموسيقي في قصيدة مصر، وخُـصص المبحث الرابع لمعالجة سمات المعجم الشعري والألفاظ، وتأتي خاتمة البحث لترصد أهم ما توصل إليه البحث من نتائج.
التمهيد: حياة الجواهري وأهم المؤثرات في شعره:
ولد الشاعر محمد الجواهري في مدينة النجف عام 1900 م، من أسرة عريقة في العلم والأدب والشعر تعود للشيخ محمد حسن صاحب كتاب جواهر الكلام، وقد درس على يد عدد من الشيوخ وأخذ عنهم علوم اللغة، وقد نظم الشعر في سن مبكره متأثرا بالبيئة التي نشأ فيها، واستجابة لموهبة كامنة فيه، وكانت أولى قصائده عام 1921 م ( الجواهري،1998، ص33)
وتنوعت البلاد التي سافر اليها الشاعر، فمنها إيران مرتين عام 1924،1928 وقد تأثر الشاعر بالطبيعة هناك، وكتب فيها شعرا ،وسافر أيضا الي مصر عام 1950م حينما دعاه طه حسين للمشاركة في المؤتمر الثقافي للجامعة العربية بمحافظة الإسكندرية، وسافر إلى فرنسا، ولبنان، ودمشق.
وحياة الشاعر مليئة بكثير من الصراعات؛ حينما عارض كثيرا من الإجراءات والسياسات المرفوضة بالنسبة له، وكان من بين تلك الأحداث استقالته من البلاط الملكي عام 1930م، حينما أصدر جريدته( الفرات) والتي ألغت الحكومة امتيازها بعد ذلك، ثم في عام 1936 حينما أصدر جريدة( الانقلاب) بعد الانقلاب العسكري الذي قاده بكر صدقي، وقد عارض الشاعر سياسة الحكم من خلال جريدته، وحُكم عليه فيما بعد بالسجن ثلاثة أشهر، مع إيقاف الجريدة عن الصدور شهرا (الجواهري،1998، ص35 )
ولم تتوقف معارضات الشاعر؛ إذ إنه أصدر جريدة (الرأي العام) منتقدا سياسات الحكومات المتعاقبة، وكان يلجأ إلى تغيير اسم الجريدة لأسماء أخرى، وعندما دخل المجلس النيابي عام 1947 ما لبث أن استقال من المجلس؛ احتجاجا علي سياسة الاستعمار التي أرادت فرض معاهدة ( بورت سموتوث ) وحينما دعاه طه حسين إلى المشاركة بالمؤتمر الثقافي للجامعة العربية وصل الى مصر وقال قصيدته التي أولها: ( يا مصر تستبق الدهور…)
وسافر الى مصر مرة أخرى، وهكذا كانت حياته تنقلا من مكان إلى مكان بحثا عن الحرية والعدل، وهو لا يتراجع عن قول الحق حتي لو كلفه ذلك كثيرا، ولعل مما يؤيد ذلك لجوؤه السياسي إلى سوريا بعد أن فضح الحكم الرجعي في العراق، وقد أقام في سوريا سنتين، وحتي عندما قامت ثورة تموز 1958م تعرض لمضايقات من الثورة بلغت حد الاعتداء عليه وتوقيفه، فسافر إلى بيروت عام 1961م واستقر بعد ذلك في تشيكو سلوفاكيا، وعاد للعراق مرة أخرى عام 1968م بدعوة من الحكومة العراقية آنذاك، واستقبلوه بحفاوة، واقامت له وزارة الإعلام حفلا لتكريمه، وفي أواخر السبعينيات سافر مرة أخرى إلى تشيكوسلوفاكيا وبعض الدول العربية، واستقر به المقام في سوريا (الجواهري، 1998م ، ص 39)
ولا يكاد يذكر اسم الجواهري في الجرائد والمجلات والكتب إلا ويشار إليه بشاعر العرب الأكبر أو الشاعر الكبير، وقد تنوع إنتاجه الأدبي بين الشعر والنثر الفني الجدير بكثير من الدراسات أما شعره فهو متنوع الاتجاهات والمذاهب، ويزخر بكثير من الأغراض الشعرية ( الجواهري 98ص39)
المبحث الأول
رؤية الذات الشاعرة لمصر” ملامح الجانب الموضوعي “
لا شك أن الشاعر محمد الجواهري يحمل لمصر كثيرا من الحب والتقدير والمكانة الكبيرة، ومما يؤيد ذلك حديثه عن مصر في بعض قصائده، والتي تعكس ولعه الشديد وتقديره لمكانة مصر على مر التاريخ، وسوف يتناول هذا المبحث ملامح الصورة التي رسمها الشاعر لوطنه الثاني مصر وأبنائها من خلال استقراء شعره وقد ورد حديثه عن تلك الجزئية في عدة قصائد منها: قصيدة (إلى الشعب المصري) وقصيدة ( رسالة إلى محمد علي كلاي)، وقصيدته (في رثاء حافظ إبراهيم) وقصيدته (في رثاء شوقي) وقصيدته (عن عبد الناصر) وغيرها من القصائد التي سنوردها في هذا المبحث، ويلاحظ من خلال هذه القصائد أن حديثه اتخذ محورين أساسيين: المحور الأول: الحديث عن مصر بشكل مباشر، والمحور الآخر: الحديث عن مصر من خلال بعض الشخصيات المصرية كعبد الناصر وأحمد شوقي، وحافظ إبراهيم، ومن أهم المضامين الفكرية التي دار حولها حديثه عن مصر.
م | القصيدة | الصفحة |
1 | إلى الشعب المصري | 315 |
2 | رسالة إلى محمد علي كلاي | 604 |
3 | في رثاء حافظ إبراهيم | 112 |
4 | في رثاء شوقي | 117 |
5 | ذكرى عبد الناصر | 556 |
6 | مقالة كبرت | 337 |
7 | الدم الغالي | 342 |
أولا: الإشادة بمصر وتاريخها:
ويتضح ذلك من خلال قصيدته إلى الشعب المصري والتي ألقاها عام 1951م بعد حضوره المؤتمر الثقافي لجامعة الدول العربية، ونزوله ضيفا رسميا علي وزارة المعارف المصرية، ثم الحكومة المصرية آنذاك، يقول الشاعر (الجواهري، 1998م ، ص 315)
يامصر تستبق الدهور وتعثر والنيل يذخر والمسلة تزهر
وبنوك والتاريخ في قصبيهما يتسابقان فيصهرون ويصهروا
والأرض ينقذ من عماية أهلها نور يرف علي ثراكِ وينشرُ
ثم يتطرق الشاعر واصفا مظاهر الحضارة المصرية منذ عهود قديمة، يقول (الجواهري، 1998م،ص 315-316)
هذا الصعيد مشت عليه مواكب للدهر مثقلة الخطي تتبختر
في كل مطرح وكل ثنية حجر بمجد العاملين معطر
يهزأ من الأجيال في ختراتها الكرنك الثاوي بها والاقصر
يصل الحضارة بالحضارة ما بني فيك المعز وما دحى الاسكندر
وتناثر الجمرات حولك نابغ يخفي واخر عبقري يظهر
ووسعتي اشتات الفنون كأنها فلكٌ يدورُ وأنت أنت المحور
في الأبيات السابقة إشارات واضحة تشيد بتاريخ مصر الممتد عبر الزمن الموغل في القدم علي امتداد أرض مصر في الوادي والدلتا، وكانت حضارة مصر متوالية بناها أبنائها ومن أقاموا فيها مثل المعز الإسكندر الأكبر المقدوني كل عصر يسلم إلى العصر الذي بعده حتى ضمت مصر الفنون جميعها، وكأن تلك الفنون والحضارات فلكا يدور حول محوره- مصر- وهو ما يعكس افتنان الشاعر بمصر وتقديره لحضارتها ومكانتها الممتدة عبر الزمن.
ثانيا : وصف طبيعة مصر الساحرة:
لم يقتصر الشاعر في رسم صورة مصر علي وصف حضارتها الممتدة، بل تطرق إلى وصف طبيعتها الساحرة من مناخ وأراض وضباب وسحاب، يقول (الجواهري، 1998م، ص316 )
يامصر لم تبخس جمالك ريشة مرت ليه ولم يخنك مصور
لله جوك أي مبعث فتنة حتى الطبيعة عنده تتنصر
الليل عندك غير ماعرف الدجى في أرض غيرك والصباح المسفر
وكأنما من صنع جوك وحده قمر علي كبد السماء منور
وكأن مذهبة الأصيل ملاءة بمذاب ما نضت القرون تعصفر
وتمورت حبات رملك بينها رفق الدهور وعنفها يتمور
ومشي الضباب على سماكِ كأنه مما أثارته الحوادث عسير
فالشاعر في الأبيات السابقة معجب أشد ما يكون الإعجاب بالطبيعة الساحرة بالبيئة المصرية متمثلا في جمالها الفاتن الذي صوره الشعراء والفنانون؛ فالجو رائع، والليل مختلف عن بقية البلاد، والصباح مشرق، وتبدو مصر وكأنها قمر ينير السماء وحبات رمالها التي تفتن الشاعر وذلك الضباب الرائع.
ثالثا: وصف شجاعة الشعب المصري وبطولاته:
وكان للشعب المصري نصيب من وصف الشاعر وإعجابه؛ فهذا الشعب الأصيل لا تفني غاياته، ولا يتراجع في سبيل أمته، وهو باق، وكل الظالمين إلى زوال ، يقول الشاعر: (الجواهري، 1998م، ص316 )
يامصر مصر الشعب لا غايته تفنى ولا خطواته تتقهقر
باق وكل معمر فإلى مدى عال وكل منيعة تتدهور
جبروته الأعلى فلا نيرونه شيء ولا فرعونه المتجبر
فالشاعر يرى الشعب المصري باق على مر الزمان بصبره وقوته وشجاعته وعدم استسلامه للطغاة، ولعل مما يؤكد ذلك نيرون وفرعون، ويستطرد الشاعر واصفا مواقف الشعب المصري تجاه الظالمين، يقول الشاعر: (الجواهري، 1998م، ص )
يلوى على مالا يطاق ويرتضي مالا يليق ويستكين ويصبر
يزري به المتحكمون فيزدري وتنال منه الحادثات ويسخر
حتى يظن به الظنون مؤمل ويحار في تعليله متفكرا
ويروح يسدر في الغواية سادر ويشط في غلوائه مستهتر
فإذا استوى اجل وحانت ساعة وتكفأت فرص وحم مقدر
واستنفد المتضاربون قداحهم وانفض عن خسر الربيح الميسر
القى لهم يده وشد ذراعه فإذا يد الطاغي أذل وأقصر
فهذا الشعب من وجهة نظر الجواهري قد تحمل ما لا يطاق، ولكنه تحلى بالصبر والاستكانة، وتحمل ظلم حكامه في سخرية واضحة جعلت الاخرين يظنون به الظنون، ومن ناحية أخرى تجعل الظالمين يتمادون في غوايتهم، ولكنه الشعب الصابر القوي الذي يمنح الطغاة الفرص؛ ليتراجعوا عما يفعلون، فإذا ما تيقن أن ظلمهم مستمر أعلن الثورة وأهلك الظالمين.
حض مصر على مقاومة الاستعمار :
يخاطب الشاعر مصر طالبا منها أن تواجه المستعمرين، وأن تقتحم الغمرات، يقول الشاعر (الجواهري، 1998م، ص 317 )
ثم اقذفي المستعمرين بوعيه نارا تشب وصاعقا يتمطر
وتقحمي الغمرات صدرك محتم ومداك متسع ووجهك مسفر
يا مصر ليس بمنقذ أوطانه حرج الفؤاد ولا عديم معشر
والملك ينسف من قواعد أسه صدر بمضطرم الحذاذه موغر
وصف ورثاء بعض أدباء مصر:
يتطرق الشاعر أحيانا لوصف بعض الأدباء المصريين، منهم طه حسين الذي وجه للشاعر دعوة لزيارة مصر سنة 1951، وقد كتب الشاعر هذه القصيدة ووجهها للشعب لمصري عامةً، وخصَّ طه حسين بالذكر فيها باعتباره أديبا لامعا يقول عنه: (الجواهري، 1998م، ص 318 )
طه هو نور الفكر اوفى حرمة والمجد اوفر والمكانة اوقر
سبعون من سوح الجهاد قضيتها للخير تعمل جاهدا وتفكر
تستن زحمة دربها وتجوزه وتشق خابط ليلها وتنور
فطه حسين يمثل عنده نور الفكر العربي المستنير وقد قضى حياته يعمل فكره جاهدا من اجل ان يرتقي بالفكر والادب ثم يمضي الشاعر مصورا جهاد طه حسين فيقول: (الجواهري، 1998م، ص 318 )
ويقيم من رهج القيامة حاقد ويثور الدنيا عليك مثور
وتمر مرفوع الجبين مجليا تحثو التراب بوجهه وتغبر
لله درك أي هم شاغل يحيا به الليل الطويل ويسهر
ويشير الشاعر إلى بعض مؤلفات طه حسين، وفي الطليعة منها كتاب (المعذبون في الأرض) يقول الشاعر الجواهري:
يا صاحب المعذبين وعنده مما يعانون العذاب الأغبر
ومنور الجيل الجديد كما هدى في الليل مختبطا شهاب نير
ففي الأبيات إشارة إلى كتاب ( المعذبون في الأرض) وقد صور فيه طه حسين وفيه يصور مشاهد عديدة من الواقع المصري في أربعينيات القرن العشرين.
ثم يوجه الشاعر شكوى إلى طه حسين، فكلاهما يعاني ويدرك معاناة الآخر، وليس لأن طه حسين وزير، وكلاهما امتد به العمر، يقول الشاعر: (الجواهري، 1998م، ص 319 )
أشكو اليك لأن مثلك عارف مثلي وليس لأنك المستوزر
ركدت بيا الخمسون لاحلابتها توقي العثار ولا العنان يقصر
وناهبت شعري بمحض غبارها فبياضه بسواده يتنضر
وقد يتطرق الشاعر أيضا لرسم صورة لمصر في ثنايا قصائد أخرى يتحدث فيها عن بعض أبناء مصر كرثائه شاعر النيل حافظ إبراهيم؛ إذ يتطرق خلال القصيدة إلى ذكر احتلال مصر ومقاومة أبنائها، وخصوصا الشعراء لهذا المحتل الغاشم يقول الشاعر عن حافظ إبراهيم-الجواهري (الجواهري، 1998م، ص 113 )
مشى بمصر فلم يعثر بها ورمى محتل مصر فلم يخطئه مرماه
وقد يتطرق لوصف بلفظة الكنانة، ويصف معاناته، يقول: (الجواهري، 1998م، ص 337 )
يا ابن الكنانة والأيام جائرة والدهر مغرمة بالحر بلواه
ياابن الكنانة ماذا أنت مشتمل عليه مما سطى موت فغطاه
وقد يتحدث الشاعر عما حدث في المجتمع المصري عقب ثورة يوليو 1952م، وما أحدثته من تغيير في طبقات المجتمع على يد قائدها جمال عبد الناصر، يقول الشاعر موجها خطابه له: (الجواهري، 1998م، ص 557)
وبرمت بالطبقات يحلب بعضها بعضا كنا لحب الرعاة الشاء
وودت لو لم تعترف شريهما لا الأغنياء بها ولا الفقراء
وجهدت ان تمضي قضائك فيهما لتشيد مجتمعا يفيض هناء
فالأبيات تشير إلى الجهود الرامية آنذاك بالقضاء على الطبقية، ومحاولة الثورة تحقيق العدالة الاجتماعية بعدما مضت في طريق البناء.
ويشير الشاعر أيضا إلى فشل الثورة في تغيير المجتمع المصري؛ إذ إن من يريدون الهدم كثيرون، يقول الشاعر: (الجواهري، 1998م، ص 557)
أسفا عليا فلا الفقير كفيته بؤسئا ولا تلطى الغني كفاء
قد كان حولك ألف جار يبتغي هدما ووحدك من يريد بناء
وقد يشير أيضا إلى بعض الإنجازات المصرية، كمشروع السد العالي الذي قامت مصر بإنشائه بهدف الحفاظ على مياه النيل من الضياع، وحماية البلاد من الفيضان وتوليد الكهرباء، يقول الشاعر(الجواهري، 1998م، ص 558)
ورأيت في أسوان قدرة ساحر يسعى ليوسع ميتا احياء
وبعثته حيا ودوست مشككا وصفعت همازا مشاء
وقمرت شر مقامر وكسبته وسلبته أوراقه السوداء
ورددت كيد مكايد في نحره واصطدته بشباكه إغراء
ولففت رأس الافعوان بذيله وقطعته وخطبتها بتراء
وصنعت معجزة القناة ورعتهم وسقيتهم حمم الجحيم الماء
فالأبيات تشير صراحة إلى جهود جمال عبد الناصر والمؤامرات التي حيكت حوله لمنعه من استكمال مشروع السد.
وفي ثنايا القصيدة أيضا يخاطب الشاعر مصر واصفا إياها بعدة صفات تنم عن عميق حبه وعظيم تقديره لمصر وحضارتها ومكانتها، يقول الشاعر (الجواهري، 1998م، ص 559)
يا مصر يا حلم المشارق كلها مذ عانت الأحلام والأهواء
يا بنت نيلك من عذوبة جرسه نغمات جر رفة وصفاء
وربيبة الهرمين شاخا إذ هما يتبنيانك صبوة وفتاء
فمصر عنده حلم المشارق، وهي بنت النيل، وهي ربيبة الهرمين العظيمين صاحبة الحضارة العظيمة منذ قديم العصور، وهي في وقت السراء تلقي بسحرها وتقضي بصبرها على الضراء، وفي وقت الأزمات تتحلى بالصبر، يقول (الجواهري، 1998م، ص 559)
تلقين في السراء سحرك كله وتموعين بصبرك الضراء
وقد يشير الى دور مصر في خدمة العالم ودورها في تقديم الغذاء كما حدث في قصة يوسف عليه السلام عندما مرت سبع سنوات عجاف على مصر وسبع سنبلات خضر يقول الشاعر-الجواهري 559)
وتمونين الدهر سبعا خصبة يكفى بها سبعا له جدباء
ويمزج الشاعر بين الطبيعة ومصر موظفا عناصر الطبيعة لرسم صورة لمصر، يقول ( الجواهري، ص 559)
مشت القرون وخلفت اسحارها ترمي عليك الطل والأنداء
والصبح يصبغ وجنة مشبوبة والليل يكحل مقلة وطفاء
والشمس تلحف سمرة عربية والنجم يرقص قامة هيفاء
ودرجت في حقل الحضارة غضة وبدائته تفاحة خضراء
في الأبيات السابقة نلمح الطل والندى، والصباح الذي يصبغ وجنة مصر، والليل الذي يكحل مقلة مصر، والشمس التي تمنح أبناءها سمرة عربية، والنجم الذي يرقص قامة هيفاء، ونرى مصر وقد غدت لينة في حقل الحضارة كتفاحة خضراء، والشاعر هنا متأثر بما لمسه في مصر من مظاهر الطبيعة الغناء.
ومصر على مستوى الحروف تمثل عشقا للشاعر بحروفها الثلاثة، يقول الشاعر-( الجواهري، 1998م، ص 559)
يا مصر أحرفك الثلاثة كنَّ لي لولا الغلو، الوجد والإغماء
ويصف الشاعر شوقه لزيارة مصر على مدى عشرين عاما قضاها بين الأمل والأمنية، وهو الذي كتب فيها قصائد كثيرة لم تشفع لديها لزيارته، ولذا فهو يحسد زائريها، يقول الشاعر( الجواهري، ص 559)
عشرين عاما لم أزرك وساعة منهن كانت منية ورجاء
لمْ؟ لست أدري غير أن قصائدا عشرين لم تشفع لديك لقاء
وظللت أحسد زائريك وخلتني رتعاء تحسد أختها العجفاء
من كل حدب ينسلون ولم أكن وهواك فيهم نسلة نكراء
وهبي ثقيل الدم كنت فلم أطق أفما أطقت فديتك الثقلاء
ورغم أن للشاعر وطنا آخر يحبه ويجله ويعطيه كثيرا فإنه يحن الى مصر، ويجد أن الدينا كلها فيها، ويعجب بجوها الرائع، يقول (الجواهري، 1998م، ص 559)
يا مصر لي وطن أجل عطائه ويحب في سماحة وعطاء
يغشى الدروب علي حتى انني لأكاد أفقد في الزحام رداء
وبمصر لي وطن أطار بجوه مالا أطار بغيره أجواء
أجد العالم كلها في سفحه سبحان خالق كونه أجزاء
ويبالغ الشاعر في حبه لمصر؛ إذ يشبهها بسدرة المنتهى، يقول الشاعر (الجواهري، 1998م، ص 560)
يا سدرة في المنتهى لن تعترف إلا الظلال الخضر والأوفياء
وفي نهاية قصيدته يشيد الشاعر بزعيمها عبد الناصر الذي قاد حركة الكفاح ضد المحتل موجها له ولروحه التحية يقول الشاعر: (الجواهري، 1998م، ص 560)
عاطى ظلالك ناصرا فلطالما عاطى الجموع ظلاله وافاء
وعليك يا فخر الكفاح تحية في مثل روحك طيبة ونقاء
أن تقض في سوح الجهاد فبعدما سعرت فيها الرمل والرمداء
ولقد حملت من الأمانة ثقلها لم تلقها برما ولا اعياء
المبحث الثاني: سمات التشكيل الفني للصورة الشعرية
أولا: التصوير الفني:
نالت الصورة اهتمام نقادنا القدامى فأشاروا لدورها وأهميتها، ورأوا أن أفضليتها تعود لما لها من أثر في الأسماع والقلوب(العسكري، 1952م، ص269)
الصورة وعاء ينقل من خلاله الشاعر مشاعره للمتلقين وهي عند بعض النقاد “الوسيلة الفنية الجوهرية لنقل التجربة” ( هلال، 2004م، ص417) ولها قيمة كبرى في البناء الشعري، إذ تعد وسيلة ومعيارا مهما” في الحكم علي أصالة التجربة، وقدرة الشاعر علي تشكيلها في نسق، يحقق المتعة والخبرة لمن يتلقاه”( عصفور، 1980م، ص5 )
ويرى عصفور أن قيمة الصورة تنبع من طريقتها الخاصة التي تقدم بها المعنى، ومدى التأثير الذي يمكن أن تحدثه في المتلقي(عصفور، 1983م، ص 328) وقد تنوعت أنماط الصورة الفنية، وتوزعت ما بين التشبيه والاستعارة والكناية، وذلك على النحو التالي:
التشبيه:
يسعى التشبيه للغوص في تجربة الشاعر، ليستخرج منها معنى فائقاً للعادة، وتحويله عن طريق المقارنة والتشبيه لشيء آخر مختلف تماماً( الرباعي، 1984م، ص128) ومن الأنماط التشبيهية التي اتكأ عليها الشاعر ليرسم صورة لمصر قوله في قصيدته ( إلى الشعب المصري): (الجواهري، 1998م، ص 316)
ووسعت أشتات الفنون كأنها فلكٌ يدورُ وأنتِ أنتِ المحور
حيث يشبه الشاعر مصر التي تتسع لكل الفنون بأنها محور تدور حوله الأفلاك التي هي الفنون، وهو ما يعكس نظرة التقدير والتبجيل التي يحملها الشاعر لمصر.
وقوله أيضا في حافظ إبراهيم وقد شبه أفكاره بسيماه: (الجواهري، 1998م، ص 112)
عرائس من بنات الفكر حاملةٌ من حافظ أثرا حلوا كسيماه
وقد شبه فقد مصر والمصريين للشاعر حافظ إبراهيم بالعين حين تفقد مقلتها، وللمقلة أهميتها التي لا تعوض أبدا، وشبه فقده بالمحارب الذي يفقد يده اليمنى في الحرب، يقول: (الجواهري، 1998م، ص 114)
إنَّـا فقدناه فقدَ العينِ مقلتها أو فَـقْـدَ ساعٍ إلى الهيجاءِ يمناه
والتشبيه يعكس أهمية وقيمة الشاعر لدى وطنه وأبناء وطنه، ومن نماذج التشبيهات الواردة بالديوان قوله في وصف رحيل أحمد شوقي: (الجواهري، 1998م، ص 117)
زمــانٌ وفــــيٌّ بميـعــادِه فظلما يُقـــالُ ليــــــالٍ غُــــدُرْ
كما يُقْرَعُ الجرسُ للناشئيـــ ـــــن تأتي إلى الناسِ منه النُّــذُر
فالشاعر يصور الزمان بإنسان يفي بموعده فيأتي لا متأخرا ولا متقدما ليحصد الأرواح، ورغم ذلك يقال عليه- ظلما- إنه غدار، وهذا الزمان يعطي إنذارات للبشر لتنبيههم وتذكيرهم كما يذكر الجرس في المدارس الطلاب بموعد الرحيل ومغادرة المدرسة.
ويشبه الشاعر أحمد شوقي بالشاعر الإنجليزي شكسبير: (الجواهري، 1998م، ص 118)
شكسبيرُ أمثِــه لمْ يصبْـــ ـــه بالعـيّ داءٌ ولا بالحصـر
ويشبهه أيضا بالكنز الذي افتقدناه: (الجواهري، 1998م، ص 118)
خسرناكَ كنزا إلى مثلِـه إذا أحْـوَجَـتْ أزمةٌ يُفْــتَـقَـر
وما كنتَ منْ زمنٍ واحدٍ ولكنْ نتاجَ قرونٍ عُـقُــر
فالشاعر أحمد شوقي كما يراه النقاد كان ألمع شاعر في تاريخ أدبنا العربي لتعدد نواحيه الفنية وتشعب آثاره الأدبية(ضيف، 2010م، ص 5 )
وعند حديثه عن مصر يصور الشاعر مصر بالمحور الذي تدور حوله أفلاك الفنن المختلفة، يقول: (الجواهري، 1998م، ص 316)
ووسِعْـتِ أشتاتَ الفنونِ كأنَّـها فـلكٌ يدورُ وأنتِ أنتِ المحورُ
الاستعارة:
الاستعارة هي استعمال اللفظ في غير ما وُضع له لعلاقة المشابهة بين المعنى المنقول عنه والمعنى المستعمل فيه، مع وجود قرينة تصرف عن إرادة المعنى الأصلي( الهاشمي، د.ت، ص 258) ومن نماذج الاستعارة الواردة بالديوان قوله في وصف رحيل أحمد شوقي: ( الجواهري، 1998م، ص 117)
زمانٌ وفيُ بميعادِه فظلما يُقالُ ليالٍ غُدُرْ
فالشاعر يصور الزمان بإنسان يفي بموعده فيأتي لا متأخرا ولا متقدما ليحصد الأرواح، ورغم ذلك يقال عليه- ظلما- إنه غدار، وقد حذف الشاعر المشبه به وأتى بصفة من صفاته.
ومن نماذج الاستعارة التصريحية قول الشاعر وقد شبه شوقي بالجواد الأغر، وحذف المشبه: ( الجواهري، 1998م، ص 118)
تتبعْـتُ آثارَ شــــــوقي وقـــــدْ وقــفـتـمْ عــلـى مَــنْ يقصُّ الأثَـر
لقَـدْ فاتَ بالسَّــبْـقِ كُـلَّ الجيا دِ في الشعرِ هذا الجوادُ الأغَــــرّ
ومن الاستعارات التصريحية تشبيهه لمصر بسدرة المنتهى: ( الجواهري، 1998م، ص 560)
يا سدرة في المنتهى لم تعترف إلا الظلال الخضر والأوفياء
ويصور الشاعر الزمان بأشخاص يسيرون في مواكب يحدث كل منهم الآخر عن حضارة مصر العظيمة، يقول الجواهري: (الجواهري، 1998م، ص 316)
مَشَتِ القرونُ متمماتٍ، سابقٌ منها يُحَدِّثُ لاحقا ويخـبِّـرُ
الكناية:
تسهم الكناية في التشكيل الجمالي للصورة الفنية، وتكسب الصورة بعدا إيحائيا دلاليا، كما أن الصور الكنائية تتسم بالتكثيف والإيجاز، ومن الكنايات التي وردت بالديوان:
قوله عن حافظ إبراهيم: ( الجواهري، ص 113)
يا ابنَ الكنانةِ والأيامُ جائرةٌ والدهرُ مغرمةٌ بالحرِ بلواه
فالكنانة هي مصر، وقوله أيضا وقد كنى عن موت شوقي بأنه رهين الحفر: ( الجواهري، 1998م، ص 117)
طوى الموتُ ربَّ القوافي الغُررْ واصبحَ شوقي رهينَ الحُـفَــرْ
ويلجأ الشاعر للكناية ليصور صمود الشعب المصري وتطلعاته التي لا تفنى، يقول الشاعر: ( الجواهري، 1998م، ص 316)
يا مصرُ مصرَ الشعبِ لا غاياتُــه تَــفنى ولا خطـواتُـــه تتقهـقـرُ
باقٍ وكلُّ معمَّـــر فإلى مدى عال وكلُّ منيعةٍ تتدهورُ
ولكنه لا ينسى أبدا موطنه فيشير لعزة العراق ومجده وحضارته التي كانت يوما ما مصدر إشعاع للعالم كله، يقول الشاعر: ( الجواهري، 1998م، ص 318)
ويكاد يجهل أن بغدادا بها كانت يد الدنيا تطول وتقصر
ثانيا: استدعاء التراث وتوظيفه:
علاقة الشاعر المعاصر بالتراث علاقة وثيقة الصلة، وهي علاقة تتسم بالاتصال، ولهذا أسبابه التي لا تخفى، كانت بداياتها في عصر النهضة بمحاولات إحياء التراث، على يد البارودي وتلاميذه، ومرت تلك العلاقة بأطوار متعددة، كانت محطتها الأخيرة توظيف الشخصية التراثية، أو التعبير بها، وهي تقابل التعبير عن الشخصية التراثية التي تنظم نظما تقريريا حياة الشخصية ( زايد، 1997م، ص 13) وعلاقة الشاعر المعاصر بالتراث تعد انعكاسا لوعي الشاعر بتراث أمته من حيث كونه منجزا إنسانيا، لا شيئا قادما من الماضي يلزم تقبله كما هو، ومن هنا ينقل الشاعر المعاصر تأثير التراث إلى ذاته، وتضحى ذات المبدع حينئذٍ عاملا مهما في البحث عن التراث وتكوين رؤية واضحة له، والإبداع في طرق ظهور التراث في النص الأدبي الجديد ( الصكر، 1999م ، ص 218)
ولا يحق للناقد أن يطالب الشاعر “بالانفصال في صوره عن أسلافه، لأنه يصبح كالمنبت لا أرضا قطع، ولا ظهرا أبقى، والفن لا يعرف الثورة النهائية على الماضي والانفصال الحاد” (ضيف، 1998م، ص46) ومن خلال تتبع شعر الجواهري عن مصر وجد الباحث أن هناك مصادر للتراث اتكأ عليها الشاعر ووظفها، ومن هذه المصادر:
التراث الديني: (القرآن الكريم)
يعد توظيف التراث الديني وسيلة ناجحة، وذلك لميزة جوهرية في هذه التراث تتفق مع طبيعة الشعر ذاته وهي كونها مما يفضل الذهن والعقل أن يحفظه ويداوم تذكره ( فضل، 1987م، ص59) ومن نماذج توظيف التراث الديني :
قوله في قصيدته في رثاء عبد الناصر: ( الجواهري، 1998م، ص 559)
وظللت أحسدُ زائريكِ وخلتني رتعاءَ تحسدُ أختَـها العجفاء
من كل حَدَبٍ ينسلون ولمْ أكن -وهواكِ- فيهم نسلةً نكراء
حيث تأثر الشاعر بالآية القرآنية ﴿ حَتَّىٰ إِذَا فُتِحَتْ يَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ وَهُم مِّن كُلِّ حَدَبٍ يَنسِلُونَ﴾ سورة الأنبياء، آية 96، والآية تتحدث عن يأجوج ومأجوج وهم من سلالة آدم ، عليه السلام ، بل هم من نسل نوح أيضا من أولاد يافث أبي الترك ، والترك شرذمة منهم ، تركوا من وراء السد الذي بناه ذو القرنين
ومن التراث الأدبي:
نلحظ إشارة الشاعر إلى بعض أعلام العربية، مثل شاعر العربية الكبير أبي الطيب المتنبي، والخليل بن أحمد البصري، صاحب علم العروض، عند حديثه عن أحمد شوقي، يقول الجواهري: ( الجواهري، 1998م، ص 118)
قرون مضت لم يَسُدَّ العراقُ من ” المتنبي” مكانا شَغَر
ولم تتبدل منها سماء البلاد ولا حال منها الثرى والنهر
ولم يتغير عَروض الخليل ولا العربُ قد بدلوا بالتتر
ويعود الشاعر مرة أخرى في ثنايا حديثه عن مصر إلى سرد اسم المتنبي مرة أخرى، مذكرا بما حدث للمتنبي من ظلم واضطهاد على يد كافور الإخشيدي حاكم مصر الذي رحل المتنبي إليه تاركا سيف الدولة، وذلك إشارة لما حدث مع الجواهري الذي رحل لمصر جراء التضييق عليه في العراق، ولكنه رحل عن مصر غاضبا عام 1951م، وكتب قصيدته، ولم يكملها استجابة لطلب طه حسين، يقول الجواهري: ( الجواهري، 1998م، ص 337)
ما انفك يا مصرُ والإذلال تعويد يسومك الخسفَ كافورٌ وإخشيدُ
مقالة كبرت الحبُّ شافعها حب المسودين لو شاؤوا لما سيدوا
ومن التراث التاريخي:
أشار الشاعر إلى بعض الأحداث والرموز التاريخية عند حديثه عن ماضي مصر في قصيدته(إلى الشعب المصري) والتي أشاد فيها بتاريخ مصر ومجدها، يقول الشاعر: ( الجواهري، 1998م، ص 316)
في كل مطرح وكل ثنية حجرٌ بمجد العاملين معطر
يهزأ من الأجيال في خطراتها الكرنك الثاوي بها والأقصرُ
مشت القرون بها متمماتٍ سابقٌ منها يحدث لاحقا ويخبِّرُ
يصل الحضارة بالحضارةِ ما بنى فيك المعز وما دحا الإسكندر
فالأبيات تزخر بالتاريخ المصري القديم، والأماكن التاريخية كالأقصر ومعبد الكرنك، إضافة للشخصيات التاريخية كالمعز والإسكندر الأكبر المقدوني، ولا يكتفي الشاعر بذلك بل يشير لتاريخ الشعب المصري وأنه باق مهما توالي عليه الظالمون، يقول: ( الجواهري، 1998م، ص 316)
جبروته الأعلى فلا نيرونه شيء ولا فرعونه المتجبر
المبحث الثالث: خصائص الإيقاع الموسيقي.
تناول الشاعر الحديث عن مصر في سبع قصائد، هي:
م | القصيدة | الصفحة | البحر الشعري |
1 | في رثاء حافظ إبراهيم | 112 | بحر البسيط التام |
2 | في رثاء شوقي | 117 | بحر المتقارب التام |
3 | إلى الشعب المصري | 315 | بحر الكامل التام |
4 | مقالة كبرت | 337 | بحر البسيط التام |
5 | الدم الغالي | 342 | مجزوء الكامل |
6 | ذكرى عبد الناصر | 556 | الكامل التام |
7 | رسالة إلى محمد علي كلاي | 604 | بحر السريع |
وقد نظمها جميعا من الشعر العمودي الخليلي، على أبحر متعددة، كما يلي:
- قصيدة( في رثاء حافظ إبراهيم) والتي مطلعها:
نعوا إلى الشعر حرا كان يرعاه ومن يَشُــقُّ على الأحرار مَـنعاه
//5//5 /5//5 /5/5//5 /5/5 //5//5 ///5 /5/5//5 /5/5
فقد وردت من بحر البسيط التام، ووزنه: مستفعلن فاعلن مستفعلن فاعلن، وقد دخل الخبن في تفعيلة مستفعلن في حشو البيت، وقد وردت العروض مقطوعة ولها ضرب مقطوع مثلها، والقطع حذف ساكن الوتد المجموع، وتسكين ما قبله( نبوي، 2000م، ص77)
- جاءت قصيدة الشاعر في تأبين شوقي والتي ألقاها عام 1932م، من بحر المتقارب التام، والتي مطلعها: ( الجواهري، 1998م، ص 117)
طوى الموتُ ربَّ القوافي الغررْ وأصبحَ شوقي رهينَ الحفرْ
//5/5 //5/5 //5/5 //5 //5/ //5/5 //5/5 //5
ووزن بحر المتقارب هو: فعولن فعولن فعولن فعولن، وقد جاء كل من العروض والضرب محذوفين، أي إسقاط السبب الخفيف من آخر التفعيلة.
- وجاءت قصيدة( إلى الشعب المصري) على وزن بحر الكامل التام، ومطلعها:
يا مصر تستبق الدهور وتعثر والنيل يزخر والمسلة تُزهرُ
/5/5//5 ///5//5 ///5//5 /5/5//5 ///5//5 ///5//5
وقد دخل زحاف الإضمار في الحشو، والإضمار هو تسكين الثاني المتحرك من التفعيلة، وهو زحاف شائع في الكامل.
- قصيدة( مقالة كبرت) وهي القصيدة التي كتبها الشاعر ولم يتمها بناء على طلب من صديقه طه حسين، وهي مكونة من بيتين فقط، هما:
ما انفك يا مصر والإذلال تعويد يسومك الخسف كافورٌ وإخشيد
مقالة كبرت الحبُّ شافعها حب المسودين لو شاؤوا لما سيدوا
- قصيدة الدم الغالي، وقد كتبها من مجزوء الكامل، ومطلعها:
خلي الدم الغالي يسيلُ إنَّ المُـسيلَ هو القتيلُ
وقد جاءت العروض مذيلة والضرب مثلها، والتذييل زيادة سبب خفيف على آخر التفعيلة.
- قصيدة ( ذكرى عبد الناصر) وقد كتبها على وزن الكامل التام، ومطلعها:
أكبرت يومك أن يكون رثاء الخالدون عهدتهم أحياء
- قصيدة (رسالة إلى محمد علي كلاي) جاءت من بحر السريع، ووزنه مستفعلن مستفعلن مفعولات، ومن المعلوم أن تفعيلة الصرب لا تأتي على هذا الوزن(مفعولات) بل لها صور أربعة، هي: فاعلن/5//5 والصورة الثانية فاعلان /5//55 والصورة الثالثة فعلن /5/5 والصورة الرابعة فعلن ///5 والعروض لها صورتان: فاعلن، و فَعَـلُن ( نبوي، 2000م ، 115) وقد ورد الضرب بالصورة الثالثة في قصيدته، ومطلعها:
يا مطعم الدنيا وقد هُـزِلَتْ لحما بشحم منه مقطوبِ
/5/5//5 /5/5//5 ///5 /5/5//5 /5 /5//5 /5/5
وجاءت العروض بالصورة الثانية، والضرب هنا من النمط الأقل شيوعا من حيث الاستعمال.
يلاحظ مما سبق أن الشاعر قد نوَّع في استخدام الأبحر الشعرية، وإن مال لبحر الكامل في صورتيه التامة والمجزوءة.
ويلاحظ أن الشاعر قد اعتمد على الشعر العمودي الموروث عن الخليل بن أحمد، ولم يلجأ إلى شعر التفعيلة في نتاجه الشعري بصفة عامة.
وقد توسل الشاعر بعناصر الموسيقا الداخلية المتمثلة في ظواهر صوتية شتى من أهمها الجناس، التصريع، رد العجز على الصدر، حروف المد، ويتولد الإيقاع الداخلي من موسيقية اللغة سواء أكانت مفردة أم جملة أم عبارة.
(1) التصريع:
ويقصد به أن “يجعل العروض مقفاة تقفية الضرب ، والتصريع مما استحسن حتى إن أكثر الشعر صرع البيت الأول منه، وإذا جاءت العروض مخالفة للضرب في وزنها جاز أن تكون موازنة له إذا كان البيت مصرعا”( القزويني، 1996م، ص 446) والمماثلة بين المصراعين تفيد الجرس الموسيقي حيث يتوافر الوزن في البيت كاملاً والقافية في الشطر الثاني والتقفية التي تجري مجراها أثر التصريع في البيت.( القزويني، 1996م، ص 447)
والتصريع خاص بالشعر العمودي فقط، وقد جاء بكثرة في الشعر، وبخاصة في أوائل القصائد، وتكرر كثيرا عند القدماء، وقد ورد في قصائد الشاعر عن مصر.
(2) الجناس
يكون الجناس بين اللفظين بتشابههما في اللفظ، حيث يشترك اللفظان في وجه من الوجوه مع ضرورة اختلاف معناهما ( القزويني، 1996م، ص 431)
وقد كان الجناس صورة من الصور البديعية سيئة الطالع، وربما يرجع ذلك إلى “إسراف الشعراء في عصور التكلف في استخدامها مما ألقى عليها ظلاً ثقيلا من سوء السمعة، ولكن بعض شعرائنا المعاصرين حاولوا توظيفها توظيفا جديدا يثرون به الجانب الموسيقي في القصيدة.( زايد، 2002م، ص 132)
ومن نماذج الجناس ما ورد في قول الجواهري: ( الجواهري، 1998م، ص 342)
خلي الدم الغالي يسيل ضوءا ينار به السبيل
فالجناس نوعه ناقص غير تام، بين كلمتين هما يسيل والسبيل.
المبحث الرابع: المعجم الشعري والألفاظ.
(1) المعجم الشعري:
المعجم الشعري هو” تردد الكلمات بنسب مختلفة أثناء نص معين، سواء بنفسها أو بمرادفها، أو بتركيب يؤدي معناها فتكون حقلا أو حقولا دلالية ” (مفتاح، 1992، ص 58)
والمعجم أيضا” الكلمات والألفاظ التي تشيع في كلام الشاعر دون إحساس منه في الغالب” ( المطوع، 1998م ، ص264 )
وتتشبع المفردات المعجمية بدلالات محددة، كون لغة المبدع لها وجود وكيان ( الورقي، 1983م، ص72). ويجب أن تتلاءم الألفاظ مع التجربة الإبداعية، التي هي في مضمونها تعامل بالألفاظ ( نوفل، 1984م، ص53)
وقد تعددت مصادر المعجم الشعري عند الجواهري على النحو التالي:
1 – معجم المكان والوطن: وتنوعت ألفاظه بين مصر، الكنانة، وغيرها من المدن والأماكن، وقد يذكر بعض الدول العربية كالعراق في سياق حديثه عن الموازنة بين المتنبي وشوقي، وقد يذكر بعض المدن الأوروبية مثل لندن. ( الجواهري، 1998م، ص 340)
وخفتْ للندن تلك اللصو ص تلبس ثوبَ الدجى العاكر
ومن ذلك قوله في رثاء حافظ إبراهيم: ( الجواهري، 1998م، ص 113)
مشى بمصر فلم يعثُـر بها ورمى محتلَّ مصرَ فلم يخطئه مرماه
وذكره مصر بلفظ الكنانة: ( الجواهري، 1998م، ص 113)
يا ابن الكنانة الأيام جائرةٌ والدهر مغرمة بالحر بلواه
وقوله عن أسوان: ( الجواهري، 1998م، ص 558)
ورأيت في أسوان قدرة ساحر يسعى ليوسع ميتا أحياء
وقوله عن قناة السويس: ( الجواهري، 1998م، ص 558)
وصنعتَ معجزة القناة ورُعتهم وسقيتهم حمم الجحيم الماء
وقوله عن العراق: ( الجواهري، 1998م، ص 118)
قرون مضت لم يسد العراق من المتنبي مكانا شغر
وذكر الشاعر الصعيد في قصيدته( إلى الشعب المصري): ( الجواهري، 1998م، ص 315)
هذا الصعيد مشت عليه مواكب للدهر مثقلة الخطى تتبختر
وحديثه عن الكرنك والأقصر باعتبارهما من المدن ذات التاريخ القديم: ( الجواهري، 1998م، ص 316)
يهزأ من الأجيال في خطراتها الكرنك الثاوي بها والأقصر
ويلاحظ أن الأماكن التي وظفها الشاعر في قصائده عن مصر تتوزع على عدد من المناطق والمدن المصرية، كالصعيد، والكرنك والأقصر، ولا يمنع هذا أن يتطرق الشاعر لذكر أماكن أخرى(كالعراق والكوفة والبصرة) في سياق تناوله صورة مصر، وتنوعت حالته النفسية تبعا للمكان الذي يتناوله
2 – معجم الأعلام التاريخية والأدبية المعاصرة والتراثية:
ذكر الشاعر بعض الأعلام، وظفها وفق رؤيته، ومنها:
أحمد شوقي، حافظ إبراهيم، طه حسين، المعز، جمال عبد الناصر، محمد علي كلاي.
ولكن الشاعر لم يكتف بتلك الأعلام العربية بل سرد أعلاما أجنبية، مثل شكسبير، نيرون، فرعون، الإسكندر، كافور الإخشيدي.
قوله: ( الجواهري، 1998م، ص 337)
ما انفك يا مصر والإذلال تعويد يسومك الخسفَ كافور و إخشيدُ
ولا شك في أن احتواء قصائده على هذا العدد من الشخصيات له دلالته التي لا تخفى على حب الشاعر لمصر، وتقديره لمكانتها الكبيرة.
- معجم الثورة والنضال:
يشيع في شعر الجواهري في ثنايا حديثه عن مصر ألفاظ الثورة والنضال بشكل واضح، وربما كان مرد ذلك هو أن الفترة التي عاصرها الشاعر قد زخرت بكثير من الأحداث السياسية والعسكرية في مصر والبلاد العربية آنذاك، و النضال هنا يراد به:
(1) نضال قومي في مصر وغيرها من البلاد العربية (2) نضال على المستوى الشخصي من شاعر ألقت الأقدار في طريقه كثيرا من الصراعات، ونضال قام به غيره كالأديب المصري طه حسين.
ومن هذه المفردات: الحماس، رمى، مرماه، الهيجاء، جياشة، أواه، التنازع، يأبى، فات بالسبق، الجواد الأغر، ترَسَّــل، الجمرات، تتقهقر، جبروت، المتجبر، ألقى يده، شَـدَّ ذراعه، اقذفي، نارا، تشب، تقحمي، الغمرات، صاعقا، الجهاد، يعانون، العذاب الأكبر، حلباتها، الدم، يسيل، الطغاة، السافحين، المناضل، الكفاح، الكرامة، جمرته، العزائم، البغي، خيول، النسر المحلق، عواصف، هوجاء، طاعنا، ملحمة،
قوله عن حافظ إبراهيم: ( الجواهري، 1998م، ص 113)
أخو الحماس رقيقا في مقاطعه تكاد تلمس نيرانٌ وأمواه
مشى بمصر فلم يعثر بها ورمى محتل مصر فلم يخطئه مرماه
وقوله عن صمود مصر ونضالها: ( الجواهري، 1998م، ص 317)
ثم اقذفي المستعمرين بوعيه نارا تشبُّ وصاعقا يتمطر
وتقحمي الغمرات صدرُك محتمٍ ومداك متسعٌ ووجهك مسفر
وقوله في قصيدة ( الدم الغالي) والتي قالها عام 1951م إثر المواجهة المسلحة بين المقاومة الشعبية المصرية والاحتلال الإنجليزي: ( الجواهري، 1998م، ص 342)
خلي الدم الغالي يسيلُ إنَّ الـمُسيلَ هو القتيلُ
هذا الدم المطلول يُخْــــــــ ـــــتصر الطريقُ به الطويلُ
هذا الدم المطلول إنْ عزَّ الكفيلُ هو الكفيلُ
وقوله عن رثاء جمال عبد الناصر: ( الجواهري، 1998م، ص 556)
يا أيها النسر المحلق يتقى فيما يميلُ عواصفا هوجاءَ
ينقضُّ عجلانا فيفلتُ صيدُه ويصيده إذ يحسن الإبطاء
ولففتَ رأسَ الأفعوانِ بذيله وقطعتَــه وخطبتَــها بتراء
معجم الموت والمعاناة:
شاعت ألفاظ الألم والمعاناة في قصائد الجواهري عن مصر، وهو أمر ظاهر متجلٍ عنده؛ ولهذا ما يبرره؛ حيث تدور معظم القصائد حول الصراعات والمعاناة التي تتعرض لها مصر وأبناؤها والموت الذي يلاحق أهلها، والظلم الذي يتعرضون له.
ومن تلك الألفاظ: نَـعَـوا، الحزن، ضحية، الموت، محنتها، فقدناه، الردى، المصاب، ينعاه، أواه، طوى، نُعَـزِّي، يقتل، تفنى، اتوى أجل، حانت ساعة، يتعثر، العذاب، تُغـَبِّر، العثار
قوله في رثاء حافظ إبراهيم: ( الجواهري، 1998م، ص 112)
نعوا إلى الشعر حرا كانَ يرعاه ومَـنْ يَشُــقُّ على الأحرارِ منعاه
ضحيةَ الموتِ هلْ تهوى معاودةً لعالمٍ كنتَ قبلا من ضحاياه
وقوله في رثاء شوقي: ( الجواهري، 1998م، ص 117)
طوى الموتُ ربَّ القوافي الغُــرَرْ وأصبح شوقي رهينَ الحفرْ
وقوله واصفا كفاح الشعب المصري ضد المحتل الإنجليزي: ( الجواهري، 1998م، ص 344)
كمْ فُـصِّدَت فيه العرو قُ دما ولمْ يُشْـــفَ الغليل
وقوله في رثاء عبد الناصر: ( الجواهري، 1998م، ص 556)
أكبرت يومك ان يكونَ رثاء الخالدونَ عهدتُهم أحياءَ
أو يرزقون؟ أجل، وهذا رزقُهم صنو الخلودِ وجاهةً وعطاءَ
ومن خلال استقراء قصائد الدراسة يمكن أن نرصد نمطين للمعجم الشعري للألفاظ، تدور فيهما ألفاظ الشاعر، وهما:
1 – معجم الألفاظ السهلة القريبة من لغة الحياة المتداولة: وهو كثير شائع في النصوص؛ لأنها تعكس الواقع المعاش والأحداث الراهنة، وكثير من هذه الألفاظ ظلت محتفظة بدلالتها القريبة المباشرة .
ومنها: جندية، المستوزر، اللكمات
2 – معجم تراثي: وهو معجم يلتزم الألفاظ التراثية التي تعكس ثراء لغة الشاعر واطلاعه على التراث، ومن ألفاظه: الهيجاء، سادر، الثرى، رهج، العثار، ضرعها، الحباب، أعجاس، زندك، مطي، شِـسْـع،
(2) الألفاظ:
اتسمت ألفاظ الجواهري بالسهولة والوضوح، وقلما يجد القارئ ألفاظا تشكل ظاهرة في الغموض، بحيث يحتاج المرء للمعجم ليدرك معناها، والمتأمل يجد أمثلة كثيرة توضح ذلك.
وقد يلجأ الشاعر لصرف بعض الأسماء الممنوعة من الصرف ليستقيم الوزن، ومن ذلك قوله عن رثاء جمال عبد الناصر: ( الجواهري، 1998م، ص 556)
يا أيها النسر المحلق يتقى فيما يميلُ عواصفا هوجاءَ
ينقضُّ عجلانا فيفلتُ صيدُه ويصيده إذ يحسن الإبطاء
وقوله: ( الجواهري، 1998م، ص 318)
ويكاد يجهل أن بغدادا بها كانت يدُ الدنيا تطولُ وتقصر
ويلاحظ أن لغة الشاعر لغة شعرية، تحوي التنوع الفردي المتميز في الأداء، بكل ما يحمله هذا التنوع من وعي واختيار، وانحراف عن ذلك المستوى العادي ( عبدالمطلب، 1994م، ص186) وتمكن من خلالها من نقل تجربته إلى جمهور المتلقين.
ونجح في انتقاء الألفاظ التي تناسب الحالة النفسية للمتلقين؛ والسياق العام للنص، فهو حينما يريد استنهاض الهمم يلجأ إلى ألفاظ تحمل القوة والخشونة تدفع للصمود لمواجهة العدو، وحينما يذكر الماضي المجيد ويذكِّر العرب بتاريخهم يتكأ على مفردات توائم تلك الحالة من ألفاظ تذكرهم بالماضي المجيد وأيام الشموخ.
خاتمة البحث: توصل البحث لمجموعة من النتائج، منها:
أولا: حرص الشاعر على أن يبرز دور مصر ومكانتها، وقد تبدى ذلك من خلال تناوله لعدد من الموضوعات، منها ما يتعلق بحركة النضال المصري ضد المحتل الإنجليزي، وعدد من الشخصيات المصرية البارزة.
ثانيا: توسل الشاعر بالصورة الفنية وأنماطها المتنوعة من تشبيه واستعارة وكناية، واتكأ على التراث بمصادره المتنوعة من تراث ديني وأدبي وتاريخي؛ لكي يرسم صورة لمصر.
ثالثا: جاء معجم الشاعر متنوعا ثريا، حافلا بالألفاظ السهلة البسيطة المنتقاة بعناية، وتنوعت أنماط المعجم الشعري لديه.
رابعا: جاء شعر الشاعر على النمط الخليلي التقليدي المتوارث، ولم يلجأ لشعر التفعيلة، وهو الشاعر التراثي، واستخدم الأبحر الشعرية ذوات الصورة الكاملة، ونوع في استخدام البحور.
المصادر والمراجع
القرآن الكريم.
الجواهري، محمد مهدي ( 1998م) الجواهري في العيون من أشعاره، دمشق ، دار طاس للدراسات والترجمة والنشر.
الخطيب القزويني(1996م) الإيضاح في علوم البلاغة، تحقيق د. عبد القادر حسين، ط1، القاهرة، مكتبة الآداب.
الرباعي، عبدالقادر (1984م) الصورة الفنية في النقد الشعري دراسة في النظرية والتطبيق، ط1، الرياض، دار العلوم للطباعة والنشر.
زايد، علي عشري (1997 ) استدعاء الشخصيات التراثية في الشعر العربي المعاصر، ط1،القاهرة، دار الفكر العربي.
زايد، علي عشري(2002م) دراسات نقدية في شعرنا الحديث، ط2، القاهرة، مكتبة ابن سينا للطبع والنشر.
ضيف، شوقي (1998م) شوقي شاعر العصر الحديث، ط13، القاهرة، دار المعارف.
ضيف، شوقي(2010م) شوقي شاعر العصر الحديث، القاهرة، الهيئة المصرية العامة للكتاب.
عبدالمطلب، محمد ، (1994م) البلاغة والأسلوبية، ط1، مصر ، الشركة المصرية العالمية للنشر، لونجمان.
العسكري، أبو هلال (1952م) الصناعتين، ، تحقيق علي محمد البجاوي، محمد أبو الفضل إبراهيم، القاهرة، دار إحياء الكتب العربية
فضل، صلاح ( 1987م) إنتاج الدلالة الأدبية، ط1، القاهرة، مؤسسة مختار للطباعة والنشر والتوزيع.
المطوع، إبراهيم بن عبدالرحمن (1998م) الشاعر المؤرخ عبيد مدني “حياته وشعره”، جدة، السعودية، دار العلم.
مفتاح، محمد (1992م) تحليل الخطاب الشعري- استراتيجية التناص، ط3، الدار البيضاء، بيروت، المركز الثقافي العربي.
نبوي، عبد العزيز(2000م) ، العروض التعليمي، ط3، الكويت، مكتبة المنار الإسلامية.
نوفل، يوسف حسن (1984م) في الأدب السعودي رؤية داخلية، ط1، الرياض، مؤسسة دار الأصالة للثقافة والنشر والإعلام.
الهاشمي، السيد أحمد ( د.ت) جواهر البلاغة في المعاني والبيان والبديع، ضبط وتوثيق يوسف الصميلي، المكتبة العصرية، بيروت.
الورقي، السعيد ، (1983م) لغة الشعر العربي الحديث مقوماتها الفنية وطاقاتها الإبداعية، ط2، القاهرة دار المعارف المصرية.