نشأة علم الدلالة عند العرب

بشرى محمود الطيلوني السنكري1

1 جامعة إسطنبول أيدن، تركيا

Email: bushratiloni@gmail.com

HNSJ, 2023, 4(6); https://doi.org/10.53796/hnsj4612

Download

تاريخ النشر: 01/06/2023م تاريخ القبول: 20/05/2023م

المستخلص

إن علم الدلالة من أهم أنواع العلوم اللغوية التي شغلت العلماء منذ زمن بعيد، ويعود السبب الرئيسي لهذا الاهتمام هو الكتب المقدسة عند الشعوب، فشعب الفيدا مثلا اهتم بهذا العلم انطلاقا من كتابه المقدس الذي يحتوي على تعاليم دينه، ولم يقتصر هذا على الشعوب الهندية الأولى، بل تجاوزه لشعوب أخرى، منها العرب الذين اهتموا اهتماما كبيرا بهذا العلم، فكانت معالم العلم وخطوطه العريضة لتكاد تأخذ شكلها الأخير على أيديهم، وذلك لما للقرآن الكريم من أهمية بالغة في حياتهم على جميع الأصعدة بشكل عام، وعلى استنتاج الأحكام المتعلقة بالدين الإسلامي بشكل خاص، ولما للكلمة من أهمية عند هذه الأمة.

-لذلك نجد أن معظم العلماء العرب تناولوا أبحاث علم الدلالة في مؤلفاتهم، وإن لم يكن ذلك العلم قد أخذ اسمه الواضح كعلم مستقل، ولكنه تداخل مع العلوم اللغوية الأخرى، سواء أكانت هذه العلوم صرفية، أم نحوية، أم أديبة، إذ أن القرآن الكريم أعاد بناء الكلمة ودلالاتها من الناحية الاصطلاحية الدينية، دون أن يستغني عن معناها الأصلي الذي كانت تدل عليه قبل مجيئه، مما أثمر عند العرب علما أقرب إلى النضج والتمام.

Research title

The emergence of semantics among the Arabs

Bushra Altilouni Alsankari1

1 Istanbul Aydin University, Türkiye

Email: bushratiloni@gmail.com

HNSJ, 2023, 4(6); https://doi.org/10.53796/hnsj4612

Published at 01/06/2023 Accepted at 20/05/2023

Abstract

Semantics is one of the most important types of linguistic Sciences that have occupied scientists for a long time, and the main reason for this interest is the sacred books of peoples

The people of the Vedas, for example, took an interest in this science based on his holy book, which contains the teachings of his religion, and this was not limited to the first Indian peoples, but exceeded it to other peoples, including the Arabs, who took a great interest in this science, the features of science and its outlines were almost taking their last form on their hands, because of the in particular, because of the importance of the word to this nation

Therefore, we find that most Arab scientists dealt with the research of semantics in their writings, although this science has not taken its obvious name as an independent science, but it overlapped with other linguistic Sciences, whether these sciences are morphological, grammatical, or literary, as the Holy Quran reconstructed the word and its semantics in terms of religious terminology, without dispensing with its original meaning that it denoted before his coming, which resulted in a science closer to maturity and completeness for the Arabs.

المقدمة:

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة، وأتم التسليم على المبعوث رحمة للعالمين، وعلى آله الطيبين الطاهرين، وعلى أصحابه الغر الميامين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

وبعد، لقد ظهر علم الدلالة بمفهومه ونظرياته الحديثة مع بداية القرن التاسع عشر، وبدأ يأخذ مكانه كعلمٍ مستقلٍ له أسسهُ وقواعده، إلا أنَّ لكلِ علمٍ مهما بدا حديثاً لا بُدَّ من جذور قد ارتكز عليها، -وخاصة أن علوم اللغات تُبنى على التراكم، وليس على التجاوز- ونحن إذا ما عدنا إلى جذور تراثنا العربي، وبعد البحث والاستقصاء، سنجد أن لهذا العلم جذوراً ضاربة في أصل اللغة، وغيرها من العلوم التي تناولها أسلافنا، وكذلك سنلمس تطوره من ألفه إلى يائه، غير أنه لم يتخذ شكله الذي وصل إلينا، ويستقل بنفسه إلا مع بدايات القرن التاسع عشر الميلادي.

وبناء عليه، قمت بالعودة إلى المركز في هذه الدائرة الكبيرة، ومنها بدأت بحثي في علم الدلالة، معتمدة على المنهج الوصفي التاريخي (الاستردادي)، مستشهدة بما وقع تحت يدي من كتب أصيلة في العلم، وبما أُلِّف حديثاً من مراجع وأبحاث تدور في الفلك ذاته، وقد جاء تقسيم بحثي كالآتي:

نشأة علم الدلالة عند العرب:

  1. علم الدلالة النشأة والماهية، وفيه بسطت القول عن نشأة علم الدلالة، والسبب المباشر لنشأته، وتعريفه، وكذلك اشتجاره مع العلوم الأخرى، وعلاقته بها، فجاء التقسيم:
  2. 1- سبب نشأة علم الدلالة عند العرب.
  3. 1- مصطلح الدلالة في القرآن الكريم، والمعجمات العربية.
  4. 1- تعريف علم الدلالة عند العرب القدامى.
  5. 1 علاقة علم الدلالة بالعلوم، وتداخله معها.
  6. نشأة علم الدلالة عند العرب، وتطوره، (أصوليون، فلاسفة).

وقد خصصت هذا المطلب للبحث في نشأة هذا العلم عند الأصوليين وفي مؤلفاتهم، وكذلك نشأته عند الفلاسفة كالفارابي، وابن سينا، وابن خلدون من حيث هو مؤرخ عربي كتب في علم الدلالة، فكان التقسيم على هذا النحو:

  1. 2- علم الدلالة في علم أصول الفقه، وتطوره:
  2. 1. 2- الإمام الشافعي في كتابه الرسالة (150-204ه).
  3. 1. 2 – الإمام الغزالي في كتابه المستصفى (450-505ه).
  4. 1. 2- وكذلك الآمدي في كتابه الإحكام في أصول الأحكام (551-631ه).
  5. 2 – علم الدلالة في الفلسفة والتاريخ العربي، وتطوره:
  6. 2. 2- الفارابي في كتابه إحصاء العلوم (260-339ه)
  7. 2. 2- ابن سينا في كتابه منطق المشرقيين (370-427ه)
  8. 2. 2- ابن خلدون في مقدمته (732-808ه)

المطلب الثالث: علم الدلالة في علوم اللغة، وتطوره.

أما المطلب الثالث فقد خصصته للحديث عن أرباب اللغة العربية؛ فتناولت خمسة من أساطينهم مشيرة إلى جهودهم في علم الدلالة ونشأته، فكان التقسيم على النحو الآتي:

  1. علم الدلالة عند اللغويين العرب:
  2. 3- الجاحظ في البيان والتبيين (165-255ه).
  3. 3- ابن جني في كتابه الخصائص (322-392ه).
  4. 3- ابن فارس في معجمه مقاييس اللغة (329-395ه).
  5. 3- الثعالبي في كتابه فقه اللغة (350-429ه).
  6. 3- عبد القاهر الجرجاني (400-471ه).
  7. علم الدلالة النشأة والماهية.

1.1- سبب نشأة علم الدلالة عند العرب.

1.2 – مصطلح الدلالة في القرآن الكريم، والمعجمات العربية.

1.3- تعريف علم الدلالة عند العرب القدامى.

1.4- علاقة علم الدلالة بالعلوم، وتداخله معها.

1 .1- سبب نشأة علم الدلالة عند العرب:

يعود السبب المباشر لنشأة علم الدلالة عند العرب المسلمين إلى القرآن الكريم الذي أثار نشاطاً فكرياً علمياً عندهم باعتباره الكتاب المقدس لديهم، وهذا شأن من سبقهم من الأمم ممن كان لديهم كتاب مقدس، وأبرزهم هنود (الفيدا)([1]).

ويعود اهتمام العرب بشكل خاص، والمسلمين بشكل عام، بعلم الدلالة إلى مركزية النص القرآني والأحاديث النبوية في استنباط الأحكام الشرعية التي يتعلق بها مناط الحكم على الأمور باعتبارها حلالاً أو حراماً، أوسنة، أو غير ذلك.

ولعل أول ما وصلنا من آثار تاريخية علمية حول غريب القرآن الكريم وتفسيره، والاهتمام بدلالة الألفاظ على معانيها، كانت مسائل نافع بن الأزرق([2]) لابن عباس([3]) -رضي الله عنه-. إذ أمسك قبل هذا كبار الصحابة عما لم يعرفوه من معاني القرآن الكريم، واعتبروه من التكلف غير المحمود، فهذا عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- يقرأ قول الله تعالى:(فَأَنْبَتْنَا فِيهَا حَبًّا وَعِنَبًا وَقَضْبًا وَزَيْتُونًا وَنَخْلًا وَحَدَائِقَ غُلْبًا وَفَاكِهَةً وَأَبًّاﱠ) [عبس: 27-31] فيقول: “كل هذا قد عرفنا فما الْأَب، ثم نقض عصا كانت فِي يده، وقال: هذا لعمر الله التكلُّف. اتبعوا ما تبين لكم من هذا الكتاب وما لا فدعوه.” ([4])

إلا أن امتزاج العرب مع غيرهم من الشعوب عن طريق دخول الكثير منهم في الإسلام بسبب الفتوحات التي توالت في الخلافة الراشدة، وتوسع رقعة الدولة الإسلامية، وانصهار العنصر العربي مع العنصر غير العربي في تطبيق الأحكام الإسلامية، وظهور الملل والنحل والأفكار المستحدثة التي لم تكن متداولة في عصر كبار الصحابة، جعل الحاجة ماسة إلى علم الدلالة الذي يفهم من خلاله الأحكام الشرعية المستنبطة من أدلتها التفصيلية في الكتاب والسنة. وكذلك لتقام الحجة الدامغة، الدافعة لكل شك وريبة على أصحاب البدع ممن أحدثوا في الدين ما لم يكن فيه، كان لابد لعلم الدلالة أن يساهم في ذلك عن طريق علم المنطق.

وبالعودة إلى مسائل نافع بن الأزرق إلى ابن عباس -رضي الله عنهما- نجد أن ابن عباس أول من سُئل عن معاني الألفاظ في القرآن الكريم، وأول من أجاب عنها من مخزونه الشعري الذي حفظه عن شعراء الجاهلية، وما هذا إلا نوع من أنواع الدلالة المعجمية للألفاظ الواردة في القرآن، ومن هذه المسائل:

قال (نافع بن الأزرق): يا ابن عباس: أخبرني عن قول الله عزّ وجلّ: (قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ)ﱠ [الفلق:1]

قال: هو الصّبح إذا انفلق من ظلمة الليل.

قال: وهل تعرف العرب ذلك؟

قال: نعم، أما سمعت زهير بن أبي سلمى وهو يقول:

الفَارِجُ الهمّ مَسْدُولاً عَساكِرُهُ … كَمَا يُفرَّجُ غَمَّ الظُّلمَةِ الفَلَقُ ([5])

ثم تُلي هذا العهد الدلالي ببذوره الأولى، وسُقي وترعرع، وما نقط المصحف، وضبطه بالشكل إلا أحد مظاهر علم الدلالة اللغوي المتمثل في الحرص على حفظ معاني وألفاظ القرآن([6])، والتي كانت أحد أهم مرتكزات هذا العلم الذي شهد النور في مصنفات العرب والمسلمين الموسوعية فيما بعد.

1.2 مصطلح الدلالة في القرآن الكريم، والمعجمات العربية:

ورد في القرآن الكريم فعل (دلّ) واشتقاقاته في ثمانية مواضع نذكر منها:

(فَدَلَّاهُمَا بِغُرُورٍ) ۚ [الأعراف:22] “فَدَلَّاهُما” يُقال: أَدْلَى دلوه: أرسلها. ودلاها: أخرجها. وقيل:” فَدَلَّاهُما” أي دَلَّلَهُمَا، من الدَّالَّةِ وهي الْجُرْأَةُ. أي جَرَّأَهُمَا على المعصِية فخرجا من الجنَّة.” ([7])

فمراودة الشيطان لآدم وزوجه والإشارة إليهما بالأكل من الشجرة دال، وفعلهما في الأكل مدلول ثبت في ذهنهما فأرشدهما بذلك إلى المعصية([8])

(وَحَرَّمْنَا عَلَيْهِ الْمَرَاضِعَ مِنْ قَبْلُ فَقَالَتْ هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَىٰ أَهْلِ بَيْتٍ يَكْفُلُونَهُ لَكُمْ وَهُمْ لَهُ نَاصِحُونَ) ﱠ [القصص: 12]

(أَلَمْ تَرَ إِلَىٰ رَبِّكَ كَيْفَ مَدَّ الظِّلَّ وَلَوْ شَاءَ لَجَعَلَهُ سَاكِنًا ثُمَّ جَعَلْنَا الشَّمْسَ عَلَيْهِ دَلِيلًا) ﱠ [الفرقان: 45] “ومعنى دلالتها عليه أنَّه لو لم تكن الشّمس لما عُرِفَ الظّلُّ، ولولا النُّور لما عُرِفت الظُّلمة، وَالْأشياء تُعرَف بأضدادها.” ([9])

ويظهر لنا جليًا من خلال هذا التفسير عناصر الدلالة في قوله تعالى: (دليلًا) فالشمس هي الدال والظل هو المستدل عليه، ولولا هذه الاستدلال بالشمس على مد الظل في الآية في الآية لما عرفناه

(فَلَمَّا قَضَيْنَا عَلَيْهِ الْمَوْتَ مَا دَلَّهُمْ عَلَىٰ مَوْتِهِ إِلَّا دَابَّةُ الْأَرْضِ تَأْكُلُ مِنْسَأَتَهُ) ﱠ [سبأ: 14]

“الدّلالة: ما يتوصّل به إلى معرفة الشيء، كدلالة الألفاظ على المعنى… وسواء كان ذلك بقصد ممن يجعله دلالة، أو لم يكن بقصد، كمن يرى حركة إنسان فيعلم أنه حيّ، قال تعالى: ما دَلَّهُمْ عَلى مَوْتِهِ إِلَّا دَابَّةُ الْأَرْضِ”([10]) فأكل الأرَضَة (دابة الأرض) للعصا دال على موت سليمان عليه السلام.

كانت هذه المواضع التي ورد فيها لفظ (دل) في القرآن الكريم وبعض تفاسيرها، وفي هذا الأفعال الواردة في القرآن الكريم عناصر الفعل الدلالي واضحة من حيث وجود الدال والمدلول. ودله على الشيء بمعنى أرشده فهو دال([11])، والإرشاد إلى أمر يستدعي وجود مرشِد، ومرشَد، ومرشَدٍ إليه، وجميع هذه الأفعال تستلزم معنى الدلالة وتتضمن عناصرها ما بين دال ومدلول، وتصور قائم في الذهن.

أما عن لفظ (دَلّ) في المعاجم العربية: فقد ورد لفظ (دَلّ) في القاموس المحيط بهذا المعنى: “والدَّالَّةُ: ما تَدِلُّ به على حَميمِكَ. ودَلَّهُ عليه دَلالَةً، ويُثلَّثُ، ودُلولةً فانْدَلَّ: سَدَّدَهُ إليه.”([12])

وفي معجم مقاييس اللغة لابن فارس قال: ” الدَّال واللام أصلان: أحَدهُما إِبَانَةُ الشَّيْءِ بِأَمَارَةٍ تَتَعَلَّمُهَا، وَالْآخَرُ اضطرابٌ فِي الشَّيءِ. فالأوّل قولهم: دَلَلْتُ فلانًا على الطريق. والدَّلِيلُ: الأَمَارَةُ فِي الشَّيءِ. وهو بَيِّنُ الدَّلَالَةِ والدِّلَالَةِ.”([13])

وفي تهذيب اللغة للأزهري: “دَلَلْتُ بهذا الطريق دَلالةً، أي: عرفتُه، ودلَلْتُ به أَدُلّ دَلالة، وقال أبو زيد: أَدلَلتُ بالطّريق إدلالاً. قال: وقلتُ: وسمعتُ أعرابيًا يقول لآخَر: أما تَندَلّ على الطّريق.”([14])

أما في لسان العرب فقد ورد لفظ (دل) بنفس المعنى الوارد في المعاجم الثلاثة الأول، أي: بمعنى الإرشاد والهدى والسداد، بالإضافة إلى معنى آخر وهو: دل المرأة، ودلالها على زوجها، فيقول: “والدَّالَّة: ما تُدِلُّ به على حميمك. ودَلُّ المرأَةِ ودَلالُها: تَدَلُّلها على زوجها، وذلك أن تُريه جراءةً عليه في تَغَنُّج وتَشَكُّل، كأنها تُخالفه وليس بها خلاف، وقد تدللت عليه.”([15])

1.3- تعريف علم الدلالة عند العرب القدامى:

لا بد قبل الخوض في تاريخ نشأة علم الدلالة من أن نعرّف الدلالة عند العرب القدامى، وهي كما يقول صاحب كشاف اصطلاحات الفنون: “الدَّلالة بالفتح هي على ما اصطلح عليه أهل الميزان والأصول والعربية والمناظرة، أن يكون الشيء بحالة يلزم من العلم به العلم بشيء آخر… والشيء الأول يسمى دالاً، والشيء الثاني يسمى مدلولاً” ([16])

وقسمها إلى أربعة صور وهي:

وبحسب الصورة التي عرضها صاحب الكشاف، يتضح لنا أن الدلالة تكون على ضربين اثنين لفظية، وغير لفظية.

ولم يخرج السيد الشريف الجرجاني في تعريفها عما عرفها به صاحب الكشاف، ولكن السيد الجرجاني بين كيفية دلالة اللفظ على المعنى باصطلاح علماء الأصول، وحصر استدلالهم في أربعة أنواع.([17])

كيفية دلالة النص على المعنى عند علماء الأصول بحسب تقسيم السيد الجرجاني:

وعبارة النص هو:ما يتبادر فهمه للأذهان من المعنى الحرفي للنص.”([18]) وأمثلته كثيرة جدًا في القرآن الكريم، منها قوله تعالى(ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا ) ﱠ [البقرة:275]

وإشارة النص هي:” المعنى الذي لا يتبادر فهمه من ألفاظه، ولا يقصد من سياقه أصالة ولا تبعًا، ولكنه معنى لازم للمعنى المتبادر من ألفاظه.”([19])

(أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَىٰ نِسَائِكُمْ) ﱠ [البقرة: 187]

وفيه إشارة إلى أن من أصبح جنباً صح صيامه؛ لأن اتساع الوقت في إباحة الأكل والشرب ومباشرة الزوجة إلى قبيل طلوع الفجر، يلزم منه أن يطلع الفجر وهو جنب.

ودلالة النص هي: “دلالة اللفظ على ثبوت حكم المنطوق به للمسكوت عنه لاشتراكهما في علة الحكم التي يمكن فهمها عن طريق اللغة.”([20])

ومثاله من القرآن الكريم(وَقَضَىٰ رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا ۚ إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا)ﱠ [الإسراء: 23]

فإن المنطوق به هنا تحريم التأفف، وهو نوع من أنواع الإيذاء، والمسكوت عنه تحريم الضرب والشتم، وله نفس حكم المنطوق به؛ لاشتراكهما في العلة وهو الإيذاء.

أما اقتضاء النص فهو: “دلالة الكلام على مسكوت عنه ويتوقف صدق الكلام أو صحته شرعًا على تقديره.”([21])

أي أن النص يحتاج إلى تقدير؛ ليصدق معناه أو يستقيم، ومثاله من القرآن الكريم: ﱡﭐ ﱳ ﱴ ﱵ ﱠ [النساء:23] والتقدير هنا: زواجهن.

من خلال التعريفين السابقين نستطيع أن نستنتج أن الدلالة لفظية وغير لفظية، وأن ميدان الدراسات التي تدور حوله الدراسات الدلالية هو: معنى اللفظة ودلالتها، وقد تكلم الشريف الجرجاني في كتابه التعريفات عن الدلالة اللفظية الوضعية، وقسمها إلى ثلاثة أقسام، وعرَّفها بقوله: “هي كون اللفظ بحيث متى أطلق أو تخيل فهم منه معناه، للعلم بوضعه.”([22])

أما أقسامها عند الشريف الجرجاني فهي:

1.4- علاقة علم الدلالة بالعلوم الأخرى:

اشتجر علم الدلالة بالعلوم اللغوية الأخرى، نظرًا لكون علم الدلالة يبحث في اللفظة ودلالتها، وتطور دلالتها بتطور الزمن واختلافه باختلاف موضعها، لذلك نجد أن علم الدلالة يشترك اشتراكاً واضحاً مع العلوم اللغوية، ويتداخل معها، ويتصل بها اتصالًا وثيقاً، فلا يكاد يخلو علم من هذه العلوم من الجوانب الدلالية فيه، سواء في الدلالة الصوتية، أو الصرفية، أو النحوية، أو المعجمية.

كذلك تداخل علم الدلالة مع العلوم الشرعية باعتبار محل البحث الذي يدور في فلكه العلم الشرعي هو: اللفظة القرآنية، والنص الشرعي.

ومما لا شك فيه أن مدار هذه العلوم كلها يعود إلى الأسس المنطقية التي أفدنا منها بشكل جوهري في علم الدلالة.

علم الدلالة، علم الأصوات:

وهي التي تستمد قيمتها الدلالية من الأحرف المكونة للفظة الواحدة كل حرف بمفرده، وتتجلى هذه الظاهرة في الكثير من المفردات العربية التي تحاكي الطبيعة، وقد مثّل لها ابن جني في كتابه الخصائص بكثير من الأمثلة، منها: (خضم، وقضم) فالقضم في اليابس، والخضم في اللين الرطب؛ لقوة حرف القاف في فعل القضم، وضعف حرف الخاء في الخضم.([23])

وبمثل هذا يتداخل علم الدلالة في دلالة صوت كل حرف على حدى مع دلالة ما يليه فيشكل لدينا الدلالة الصوتية في المفردات والألفاظ، قوةً وضعفاً، رقةً وقسوةً، بناء على تناغم أحرف المفردة وجرسها.

علم الدلالة، وعلم الصرف:

وتعريف علم الصرف اصطلاحاً كما في شذا العرف: “تحويل ‌الأصل ‌الواحد إلى أمثلة مختلفة، لمعان مقصودة، لا تحصُل إلا بها، كاسمَي الفاعل والمفعول، واسم التَّفضيل، والتَثنية والجمع، إلى غير ذلك”([24])

إذا لا يمكننا إغفال دور علم الصرف، ونحن بأشد الحاجة إليه في دراسة البنية الصرفية للكلمة، وبيان المعنى الذي تؤديه صيغتها الصرفية، فلا يكفي بيان معنى الكلمة المعجمي في (ر ح م) لبيان معنى: (استرحم)، بل لا بد من أن نضم إليه معنى الطلب التي أفدناه من حروف الزائدة الداخلة على بنيتها الصرفية، وهي: (الألف والسين والتاء)([25])

علم الدلالة، وعلم النحو:

اعتنى علماء اللغة العربية عناية خاصة بعلم النحو ووظائفه، وأكدوا أن نظامه نظام حاسم في تحديد معاني المفردات ودلالتها للغوية، وما ذلك إلا بهدف دراسة القرآن الكريم، وتراكيبه دراسة متعمقة صحيحة.

فتغير موقع الكلمة في الجملة يغير وظيفتها النحوية، فقولنا: (ضرب الأستاذُ التلميذَ) مختلف عن قولنا: (ضرب التلميذَ الأستاذُ) مع أن كلا الجملتين تتكون من المفردات نفسها، ولكننا في الأولى أخبرنا عن الفاعل، وفي الثانية أخبرنا عن المفعول به([26]).

علم الدلالة، والمعجم:

وبه أي: (المعجم) تتمثل وحدانية المعنى، وتثبت العلاقة بين الكلمة (الدال) وبين (المدلول) فيقابلها بمركزية المعنى المراد منها([27]).

وقد التفت العرب إلى أهمية تدوين مفردات لغتهم منذ البداية للحفاظ على جوهرها، وخشية أن تضطرب اللغة فتنحرف في طرق اللحن والخطأ. وقد ظهر ذلك في اهتمامهم بغريب القرآن الكريم. ومعرفة معانيه، فكان نواة هذا العمل العظيم ابن عباس، ثم تبعه تفسير الذي يحمل اسم (غريب القرآن) لأبان بن أبي رباح البكري.([28])

ما لبث هذا الجهد أن تبلور في القرن الرابع الهجري في المعاجم التي احتوت على جل الذخيرة العربية بين دفوف كتبها، وكانت هذه الرحلة قد بدأت منذ القرن الأول الهجري عندما ألف العرب رسائل صغيرة في معنى من المعاني كرسالة اللبأ واللبن لأبي زيد، والإبل والخيل والشاء، وخلق الإنسان للأصمعي. ثم ظهر أول معجم شامل في القرن الثاني، وهو: العين للخليل بن أحمد، وشهد القرن الرابع غزارة في التأليف والجمع في هذا العلم، فظهر عندنا معجم البارع لأبي علي القالي، وتهذيب اللغة للأزهري، ومقاييس اللغة لابن فارس، وغيرها الكثير.([29])

علم الدلالة، وأصول الفقه:

يمثل علم الدلالة الركن الأساسي في علم أصول الفقه، إذ أن مدار البحث وأسه ومركزيته تدور حول مفردات وتراكيب القرآن الكريم، وفهمها واستنباط الحكم الشرعي منها، ولا يتم فهم ألفاظ القرآن بتعريتها عن دلالتها التي أصبحت جزء من معناها في الإسلام؛ فمثلاً لا نستطيع أن نأخذ لفظ الصلاة التي كانت تدل في الجاهلية على الدعاء فقط، ونستنبط منها حكماً شرعياً، بل لا بد لنا من الالتفات إلى الدلالة الجديدة للفظ الصلاة التي أصحبت دلالة أساسية في الدين الإسلامي، وعليها تدور الأحكام الشرعية. ومثل هذا كثير وكثير جدًا، فالحج، والزكاة، والإيمان كل هذه المفردات اكتسبت دلالة جديدة لم تكن تعرفها العرب من قبل الإسلام. لذلك نجد أن بين علم أصول الفقه، وعلم الدلالة تلازم تام لا ينفصل أحدهما عن الآخر عند استنباط الأحكام.([30])

علم الدلالة، والفلسفة والمنطق:

إن الموضوع الأساسي الذي يتناوله المنطق هو الإنسان والقضايا العقلية التي تتجلى في أرقى صورها في الإنسان العاقل، وكذلك ارتبط كل من عالم المنطق وعالم الفلسفة ارتباطاً مباشراً بعلوم اللغة التي بها يستطيع فهم معاني الألفاظ؛ فكان لا بد من أن يلتفت المناطقة والفلاسفة إلى علم الدلالة، ويجعلوا جل تركيزهم عليه، جرياً على سنن اللغة وقوانينها في التعبير والخطاب([31])؛ لذلك تجدهم قد اهتموا اهتماماً بالغاً في علم الدلالة، وأصبح أحد أهم علومهم التي يعتمدون عليها جنباً إلى جنب مع علوم اللغة.

2- نشأة علم الدلالة عند العرب وتطوره (أصوليون، فلاسفة).

علم الدلالة في علم أصول الفقه، وتطوره:

    1. الإمام الشافعي (150-204ه).
    2. الإمام الغزالي (450-505ه).

2.3 سيف الدين الآمدي (551-631ه).

علم الدلالة في الفلسفة والتاريخ العربي، وتطوره:

2.4 الفارابي (260-339ه).

2.5 ابن سينا (370-427ه).

2.6 ابن خلدون (732-808ه).

نشأة علم الدلالة عند العرب وتطوره (أصوليون، فلاسفة)

إننا لا نستطيع أن نتجاوز الحقبة التاريخية التي دون فيه علم أصول الفقه لما لها من أهمية بالغة في علم الدلالة، ولا نستطيع أن نقتطع علم الدلالة عن تطوره التاريخي منذ نشأته على يد الشافعي رحمه الله تعالى، حتى وصوله إلينا بنظرياته الحديثة الآن.

وبما أن بحثي جزء تاريخي لنشأة الدلالة عند العرب، فقد تناولت في النقاط القادمة العلماء الذين كتبوا فيه من حيث النشأة فقط.

    1. الإمام الشافعي (150-204ه):

لم يكن قبل الشافعي محاولات لوضع أسس وقواعد لعلم أصول الفقه الإسلامي. وإن أول ما وصلنا في أصول الفقه هو كتاب (الرسالة) للشافعي، وكان محاولة لفهم النص القرآني، ووضع القواعد لفهم، وتحديد الدلالة المقصودة منه.([32])

جاء في كتاب الرسالة أن عبد الرحمن بن مهدي، كتب إلى الشافعي -وهو شاب- أن يضع له كتاباً فيه معاني القرآن، ويجمع قبول الأخبار فيه، وحجة الإجماع، وبيان الناسخ والمنسوخ من القرآن والسنة: فوضع له كتاب “الرسالة”.([33])

وبدأه الشافعي رحمة الله في البيان فعرف البيان بأنه الإبانة عن معاني مجتمعة الأصول متشعبة الفروع، وأن من يجهل اللغة العربية يختلف عنده فهم مراتب المعاني، وهو بهذا يؤكد على أن هذا الكتاب قد خوطب به أهل العربية، وأنهم أدرى بفنونها وأساليبها. ثم انتقل بعدها إلى توضيح الفرائض التي افترضها الله على عباده مستدلاً بكتاب الله عزوجل، فإذا ما انتهى من البيان انتقل إلى موضوع دلالي آخر، وهو ما نزل من الكتاب عاماً، يُراد به العام، ويدخله الخصوص، مبيناً العام والخاص وموضحاً إياه بالآيات، وينبه أثناء عرضه هذا إلى أن الكلام قد يخرج عن ظاهره كما يخرج عن عمومه، وطريق معرفة ذلك هي: القرينة اللفظية، يقول موضحاً ذلك كله، ومحدداً طرق المعرفة والاستدلال: “فإنما خاطب الله بكتابه العرب بلسانها على ما تعرف من معانيها، وكان مما تعرف من معانيها اتساع لسانها، وأن فطرته أن يخاطب بالشيء منه عاماً ظاهراً يراد به العام الظاهر، ويستغني بأول هذا منه عن آخره، وعاماً ظاهراً يراد به العام ويدخله الخاص، فيستدل على هذا ببعض ما خوطب به فيه وعاماً ظاهراً يراد به الخاص. وظاهراً يُعرَف في سياقه أنه يُراد به غير ظاهره. فكل هذا موجود علمه في أول الكلام، أوْ وسطه، أو آخره.”([34]) وهو في جملته الأخيرة التي أشار فيها إلى الدلالة السياقية، يسبق أهل عصره إلى النظرية السياقية في علم الدلالة. وفي هذا يقول الإمام أحمد بن حنبل -رحمه الله -: “لم نكن نعرف الخصوص والعموم حتى ورد الشافعي.”([35]) ثم ينتقل إلى السنة النبوية مبيناً تخصيصها للقرآن الكريم في بعض الأحكام، وتفصيلها في مواضع أخرى.

لقد استطاع الشافعي أن يكون رؤية دلالية للعلامة تختلف عن الرؤية اللغوية لها([36])، بل جعلها عقلية يستدل بها المخلوق على الخالق العظيم “وإنما توجههم إليه بالعلامات التي خلق لهم، والعقول التي ركَّبها فيهم، التي استدلوا بها على معرفة العلامات. وكل هذا بيان، ونعمة منه جل ثناؤه.”

ومن الجدير بالذكر أن أشير إلى أن تقسيم الدلالة إلى خمسة أقسام الذي اعتمده الجاحظ وزاد عليه وشرح، رواه ابن عساكر في تاريخه عن الإمام الشافعي.([37])

    1. الإمام الغزالي (450-505ه):

إنه الأصولي الفيلسوف والعالم الموسوعي الجليل، ولكن إن أردنا أن ننظر لمفهوم الدلالة عند الغزالي ينبغي أن ينظر إليه من زاوية الثقافة الأصولية، والذي اتضح بشكل جلي في كتابه المستصفى، ذلك أن الأحكام التي استنبطها من القرآن الكريم -خاصة- استند فيها على أسس نظرية نجدها بشكل واضح في كتابه هذا في علم أصول الفقه.([38])

بدأ الإمام الغزالي كتابه في تعريف الحد، ثم انتقل إلى مدركات العقول، ومنه إلى دلالة الألفاظ على المعاني، وقسمها إلى ثلاثة فصول، وقد قسم دلالة اللفظ على المعنى إلى ثلاثة أوجه، وهي: دلالة المطابقة، ودلالة التضمن، ودلالة اللزوم، ودلل على هذه الأوجه بطريقة منطقية، ونرى في هذا التقسيم أنه لم يخرج عن تقسيم المناطقة للدلالة اللفظية، ثم شرع في تقسيم اللفظ بالإضافة إلى خصوص المعنى وشموله، وقسم اللفظ ههنا إلى لفظ يدل على عين واحدة (شجرة، فرس…الخ) ولفظ يدل على أشياء كثيرة تتفق في المعنى، وسماه اللفظ المطلق، وهو المعرف الذي تدل تحت ذوات كثيرة (كالفرس، والإنسان…الخ)

وفي التقسيم الثالث خصصه للألفاظ المتعددة بالإضافة إلى المسميات المتعددة، وجعلها على أربعة منازل، واخترع لها أربعة ألفاظ، هي: المترادفة، والمتباينة، والمتواطئة، والمشتركة.

ثم جرى على تقسيم الأصوليين في دلالة النص على المعنى، فقال: “فيما يُقتبس من الألفاظ من حيث فحواها وإِشارتها وهي خمسة أضرب”([39]) إلى دلالة اقتضاء النص، ودلالة إشارة، وإيماء أو لحن الخطاب، ودلالة النص، عبارة النص، وقد زاد على تقسيم الأصوليين فرع، وهو: الإيماء، أو لحن الخطاب.

يقول منقور عبد الجليل في هذا في إشارة الغزالي على العملية التواصلية في الحركة والإيماء: “فتنصرف الدلالة من المعنى الرئيسي، إلى المعنى الإيمائي، أو ما يسمى في علم الدلالة الحديث (بالقيم الحافة)، وهي تعني جملة القيم الثقافية والاجتماعية وغيرها التي تصحب عملية التواصل…”([40])

من الملاحظ أن الإمام الغزالي لم يكتفِ في الكلام عن دلالة الألفاظ وتراكيبها والمعاني الدالة عليها، فنجد قد أفرد فصولاً كاملة عن دلالة الفعل، وخص به أفعال رسول الله ﷺ، يقول: “القول في ‌دلالة ‌أفعال النّبي عليه السَّلام وسكوتهِ واستبشارهِ وفيه فصول”([41]).

هكذا نجد أن الإمام الغزالي رحمه الله لم يناقش مسألة الألفاظ من الناحية الدلالة فقط، ولم يكتفِ بتقسيمات الأصوليين في دلالة النص، بل أضاف عليها من غزير علمه ومعرفته، وكذلك ناقش دلالة الأفعال، إذن؛ الدلالة عنده ليست دلالة لفظية فقط، إنما تشمل دلالة الفعل، وبهذا يكون الإمام الغزالي قد ألمَّ بطرفي الدلالة اللفظية وغير اللفظية، وناقشهما، وأضاف عليهما، وفصل فيهما القول.

2.3 سيف الدين الآمدي (551-631ه):

أما هذا العالم الجليل فقد ألف كتابه (الإحكام في أصول الأحكام) وله أسلوب فريد في التصنيف والمحاجة؛ لتمكنه من أدوات الجدل، وهو في كتابه هذا واضح المنهج، تبدو فيه اللغة العربية منظومة دلالية.([42])

وقد لا أستطيع أن ألم بكل ما كتب فيه وفصله هذا العالم الجليل، ولكني سأحاول أن أكتب ما وصلت إليه من خلال اطلاعي على كتابه المذكور آنفاً.

بدأ الآمدي كتابه بمقدمة كلامية بين فيها أقسام الكتاب، ثم انتقل إلى الكلام عن أصول الفقه وموضوعه وغايته، وتحدث عن المبادئ اللغوية وأصولها، والتي يستطيع القارئ من خلالها أن يعرف سعة علم الآمدي في لسان العرب، يقول: “وأمّا علم العربية، فلتوقّف معرفة دلالات الأدلة اللفظية من الكتاب والسنة وأقوال أهل الحل والعقد من الأمة على معرفة موضوعاتها لغةً من جهة: الحقيقة، والمجاز، والعموم، والخصوص، والإِطلاق، والتقييد، والحذف، والإضمار، والمنطوق، والمفهوم، والاقتضاء، والإشارة، والتنبيه، والإيماء…”([43])

وفي الفصل الذي يليه تحدث عن اللفظ مفرداً ومركباً، وقسمه إلى أقسام، وبدأ في الفصل الثاني في الكلام عن الدلالة، فجرى على تقسيم المناطقة في تقسيم الدلالة إلى دلالة لفظية، ودلالة غير لفظية، ولكنه اختلف مع المناطقة في تقسيم الدلالة اللفظية وغير اللفظية.

أما الدلالة اللفظية فهي عنده على شقين: (مطابقة، تضمين)

واعتبر الدلالة غير اللفظية هي (الالتزام)؛ لأن المعنى له لازم من الخارج لا يحتويه اللفظ، وإنما هو انتقال الذهن إلى مدلوله.([44])

ثم انتقل إلى مناقشة وقع المترادف اللفظي، فدلل على جواز وقوعه عقلا، ثم دلل على وقوعه في لغة العرب، فقال: ثم الدليل على وقوع الترادف في اللغة، ما نقل عن العرب من قولهم: (الصُّهْلُبُ وَالشَّوْذَبُ من أسماء الطَّويل، والْبُهْتُرُ والْبُحْتُرُ من أسماء القصير)”([45])

ثم بعد ذلك يعالج موضوع الحقيقة والمجاز عند الأصوليين، فيعرف الحقيقة، ثم يقسم الأسماء الحقيقية عند الأصوليين على النحو الآتي([46]):

ويناقش الآمدي في كتابه مسألة اللغة هل هي توقيفية أم لا في الأصل الثاني من كتابه تحت عنوان: مبدأ اللغات، وطرق معرفتها، ويبسط في هذا الفصل من الكتاب لآراء العلماء مستنداً على الآية الكريمة: ﱡﭐ ﱠ ﱡ ﱢ ﱣ ﱠ [البقرة:31] ونجده يميل إلى التوقيف.([47])

لقد اشتمل كتاب الآمدي على الكثير من القضايا الدلالية التي تناقش في العصر الحديث، وقد ضمَّن كتابه الكثير من القواعد الأصولية، والفقهية، واللغوية في غاية الضبط والصياغة، ولولا ضيق المقام لفصّل فيه القول، وبُسط فيه الكلام.

2.4 الفارابي (260-339ه):

في كتابه (إحصاء العلوم) بدأ كتابه في الفصل الأول تحت عنوان: في علم اللسان، فقسم علم اللسان إلى ضربين: حفظ ألفاظ أمة ما، والثاني: علم قوانين تلك الألفاظ. ونلاحظ أن بداية الفارابي في كتابه لا تخرج عن كونها بداية في علم الدلالة، حيث بدأ في اللغة، وقسمها بين اللفظ والقواعد المختصة باللفظ، ثم تابع بتقسيم اللفظ إلى مفرد ومركب، ثم تابع في تقسيمه في علم لسان كل أمة، فقسمها إلى سبعة أجزاء: “علم الألفاظ المفردة، وعلم الألفاظ المركبة، وعلم قوانين الألفاظ عندما تكون مفردة، وكذلك عندما تركب، وقوانين تصحيح الكتابة، وقوانين تصحيح القراءة، وقوانين الأشعار”([48]).

ثم تكلم في الأصوات المكونة للألفاظ المفردة، ثم تكلم عن ميزانها الصرفي من ثلاثية ورباعية، وصحيحها ومعتلها، وهو بهذا يتطرق إلى الدلالة الصرفية للمفردات.

ثم يقسم الألفاظ الدلالة إلى اسم وفعل ويعبر عنه بلفظ (كلم) وأداة، ويميز بين علاماتها الإعرابية في أولها وفي أطرافها، وما يلحقه أل التعريف، وما ينصرف ما لا ينصرف.

ثم يتكلم عن القوانين التي تتركب فيها الألفاظ وتنتظم؛ لتصبح أقاويل، كل أمة بحسب قوانينها، وبعدها ينتقل إلى قوانين الكتابة، وفيه إشارة إلى دلالة الألفاظ في الكتابة، ويتكلم في قوانين القراءة وضبطها من حيث النقط والشكل، ثم بعد ذلك ينتقل إلى الكلام في علم الأشعار، ويقسمها على الجهة التي تشاكل علم اللسان، ويجعلها على ثلاثة أقسام:

إحصاء الأوزان، النظر في نهايات الأبيات، ثم يشير إلى القسم المختص العلم الدلالة السياقية والدلالة اللفظية في آن معاً، فيقول: “والجزء الثالث يفحص عما يصلح أن يستعمل في الأشعار من الألفاظ عندهم مما ليس يصلح أن يستعمل في القول الذي ليس بشعر”([49])

ويعقد الفارابي الفصل الثاني من كتابه لعلم المنطق، ويبين ملاءمة علم المنطق لعلمي النحو والعروض من حيث أن لكل أمة قوانينها الخاصة في تراكيب ألفاظها، ثم نراه يتكلم عن علم المنطق من حيث الدلالة التي محتواها في النفس، وأن العلاقة التي تربط الدال بمدلوله في علم المنطق؛ لأن هذا العلم يعطي القوانين في النطق الخارج، وفي النطق الداخل.

وهكذا نجد أن “النظرية الدلالية عند الفارابي، لا تخرج عن إطار علاقة الألفاظ بالمعاني ضمن القوانين المنطقية.” ([50])

2.5 ابن سينا (370-427ه):

بدأ ابن سينا كتابه (منطق المشرقيين) بذكر العلوم، وثناها بعلم المنطق فتحدث فيه عن التصور والتصديق، ثم انتقل إلى الكلام عن اللفظ المفرد، والمعنى المفرد الذي يدل على الشيء من كونه هو لا يلتفت الذهن فيه معانٍ أخرى.

يكثر ابن سينا من ذكر الوجود الذهني للمدلولات في العالم الخارجي، وقد قسم الألفاظ إلى كلي وجزئي، ثم أشار إلى اللفظ العام والخاص، والمشترك.([51])

أما في دلالة اللفظ على المعنى، فقد قسمها من ثلاثة أوجه: (دلالة مطابقة، دلالة تضمين، ودلالة التزام)([52]).

وأشار إلى أن دلالة الالتزام هي دلالة خارجة عن الشيء كدلالة الأب على الابن، أما دلالة المطابقة والتضمن فتشتركان في كونهما ليستا خارجتين عن الشيء.([53]) فإذا كان الانتقال بواسطة العقل من الدال إلى المدلول، لعلمه بدلالة الوضع كانت الدلالة وضعية([54]).

وينص ابن سينا على أمر مهم يخص العلاقة بين دلالة المطابقة ودلالة الالتزام، إذ أن الوصول إلى دلالة اللفظ عن طريق دلالة الالتزام يمر عبر إجراء ذهني لدلالة المطابقة بين اللفظ وما يطابقه من مدلولات، أي أن الذهن يقوم بهاتين المرحلتين في آن.([55])

لقد جعل ابن سينا ذهن الإنسان هو مستودع البينات الدلالية التي تدل عليها الألفاظ، والتي عكست صور العالم الخارجي على النفس البشرية، وطبعت صورتها في ذهنه، واعتمد في توضيح العلاقة الدلالية بين اللفظ والمعنى على التجريد.

2.6 ابن خلدون (732-808ه):

يعقد ابن خلدون في كتابه المقدمة فصلا في العلوم ووجه الإفادة منها، ويقدم فيه جملة نصائح للمتعلم، ويشير فيه إلى أهمية علم المنطق لتسديد المتعلم، وصيانته من الخطأ، ثم يتبع الإشارة إلى أهمية تعلم علم المنطق بأمر مهم أيضاً ألا وهو معرفة الألفاظ، ودلالتها على المعاني الذهنية التي تردها، ونلاحظ هنا أن ابن خلدون ربط ربطاً مباشراً ما بين دلالة الألفاظ على معانيها، وما بين صورتها المطبوعة في الذهن، وقسم الدلالة إلى دلالة الكتابة، ودلالة الألفاظ ودلالة المعاني، فقال: “فأولاً دلالة الكتابة المرسومة على الألفاظ المقولة، وهي أحقّها، ثم دلالة الألفاظ المقولة على المعاني المطلوبة، ثم القوانين في ترتيب المعاني للاستدلال في قوالبها المعروفة في صناعة المنطق.”([56]).

ونجد في هذا التقسيم للدلالة عند ابن خلدون أموراً عديدة، ومعاني دقيقة، فهو يشير إلى مراتب الدلالة من حيث القوة والضعف، فأقواها دلالة المكتوب، وتليها دلالة المقول، ثم نراه يجمع بين علمي المنطق والنحو في قوله (القوانين التي ترتب المعاني). ثم ما يلبث ابن خلدون أن يعقد فصلاً في مقدمته بعلوم اللغة العربية، ويجعل أركانها على أربعة: اللغة، والنحو، والبيان، والأدب.

وعند كلامه عن النحو تجده يشير إلى أن الحروف في العربية والحركات والسكنات لها اعتبار في الدلالة على المقصود، وتأثر في المعنى، وعندما يتكلم عن اللغة يذكر المعاجم وأنواعها، وعندما يتكلم عن علم البيان يذكر أنه من العلوم اللسانية، ويتكلم عن المسند والمسند إليه وارتباطه في الدلالة، ويعرض دلالة المطابقة والالتزام في التراكيب بشكل لا يكاد يلاحظ، وإنما يذكره دون الخوض فيه.([57])

هكذا نرى أن علم الدلالة دخل ميادين العلوم الشرعية والفلسفية؛ لشدة الحاجة إليه في كلا الجانبين العلميين، وأن نشأة علم الدلالة لم تكن طفرة نظرية عند العرب، بل استندت إلى منابع كثيرة، سواء أكانت هذه المنابع (نقلاً) أم (عقلاً).

3- علم الدلالة في علوم اللغة، وتطوره.

  • علم الدلالة عند اللغويين العرب:

3.1 الجاحظ (165-255ه)

3.2 ابن جني (322-392ه)

3.3 ابن فارس (329-395ه)

3.4 الثعالبي (350-429ه)

3.5 عبد القاهر الجرجاني (400-471ه)

  1. الجاحظ (165-255ه):

أما الجاحظ في كتابه (البيان والتبيين)، فقد أسس لعلم الدلالة تأسيساً عجيباً! فجمع إلى دقة المعنى، وحسن العبارة، وقوة البيان، صواب الإشارات، فبدأ في تعريف البيان، وهو عنده اسم جامع لكل ما كشف النقاب عن المعنى، فجمع في تعريفه ما بين المعاني، والتصورات الذهنية، والعوامل النفسية المؤثرة في التعبير عند الإنسان، يقول في ذلك: ” وعلى قدر وضوح الدلالة وصواب الإشارة، وحسن الاختصار، ودقة المدخل، يكون إظهار المعنى.”([58])

ثم قسّم أصناف الدلالات على المعاني من لفظ وغير لفظ إلى خمسة أقسام، وهي لا تزيد، ولا تنقص برأيه، وأقسامها: اللفظ، ثم الإشارة، ثم العقد، ثم الخط، ثم الحال، وتسمى نُصبة.”([59])

فنجد هنا الجاحظ قد جمع بين نوعي الدلالة (اللفظية، وغير اللفظية) في تقسيمه الذي اعتمده في أصناف الدلالات، ونجده أيضاً قد جمع في هذه الكلمات القليلة، الكثير من النظريات الدلالية.

وقد نص الجاحظ أن الأداة الأولى للبيان هي اللفظ، وقد خصّه بالعديد من السمات التي تشمل بنيته الدلالية، وبنيته الصورية، فالمعاني مبسوطة إلى ما لانهاية، والأسماء محدودة معدودة، فاللغة قاصرة عن الإحاطة بعوالم الدلالية([60]).

أما الإشارة الفيزيولوجية (الجوارح) فهي ترجمان المعنى الخفي الذي وقر في النفس، وتنوب مناب اللفظ، ولها صدى يبلغ مداه أبعد من مدى الصوت.

وفي الدلالة الصوتية يسمي الصوت آلة اللفظ، ولا تكون الحروف كلاماً إلا بالتقطيع والتأليف، وأما الخط والكتابة فترتبط دلالتها بارتباط الصورة الذهنية، وأما النُّصبة، وهي الحال، فهي دلالة غير لفظية، وهي دلالة اعتبارية، يعتبر فيها الناظر إليها، المتفحص فيها ويقول فيها: “ومتى دل الشيء على معنى فقد أخبر عنه وإن كان صامتاً، وأشار إليه وإن كان ساكتاً.”([61])

من خلال هذا العرض السريع نجد أن الجاحظ جمع المعاني الكثير، والنظريات الحديثة في الألفاظ القليلة، مع حسن عرض، ودقة معنى، وعمق فهم.

ابن جني (322-392ه):

تناول ابن جنّي في كتابه (الخصائص) خصائص اللغة العربية ومميزاتها الدّقيقة جملةً وتفصيلاً مشيراً إلى الغرض منه: “وإنّما هذا الكتاب مبنيٌّ على إثارة معادن المعاني، وتقرير حال الأوضاع والمبادي، وكيف سرتْ أحكامها في الأحناء والحواشي” الخصائص، ج 1، ص 32.

تحدّث ابن جنّي عن أصل اللغة أإلهام أم اصطلاح؟

واحتج برأي من قالوا بكونها توقيفية بقوله تعالى: (وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلَائِكَةِ فَقَالَ أَنبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَٰؤُلَاءِ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ)ﱠ البقرة: 31

وقد أقرَّ ابن جنّي بذلك مع احتمال تأويل الآية على أن الله هو من أقدر آدم على أن واضع عليها.

كما أنه قَبِل مذهب من قال إن اللغة من الأصوات المسموعات كخرير الماء، وصهيل الفرس، وغيرها في مواضع أخرى من كتابه نفسه “ونحن لا نحتاج إلى كبير عناء حتى نلمح العلاقة الطبيعية بين الألفاظ الموضوعة لمحاكاة الأصوات التي تصدر من الحيوانات، فالعصفور يزقزق، والحمام يهدل… وعن الانفعالات الإنسانية المختلفة في قد القميص وقطّ القلم”([62])

ونهاية بقيت كفتا الميزان متأرجحة لديه، فتارةً يجد أن في هذه اللغة من غلوة السّحر ما يثير في نفسه الاعتقاد أنها توقيف من الله سبحانه وتعالى ووحي منه، وتارة أخرى يجدها من تواضع بشر خلقوا قبلنا كانوا أدق وأعمق أذهاناً وخواطراً.([63])

وقد قسم ابن جنّي في كتابه الخصائص الدلالة إلى ثلاثة أنواع: الدلالة اللفظية، والدلالة الصناعية، والدلالة المعنوية، ثم فاضل بينها قوة وضعفاً، فقال: “إلا أنها في القوة والضعف على ثلاث مراتب: فأقواهن الدلالة اللفظية ثم تليها الصناعية ثم تليها المعنوية.”([64])

فالدلالة اللفظية عنده هي: (الدلالة المعجمية، المعنى)، أما الصناعية فهي: (زمن بناء الفعل)، أما أضعفها المعنوية فهي: (الفاعل).

بحث ابن جنّي في قضية مناسبة حروف اللغة لمعانيها، ولاحظ أن الحرف العربي ليس مجرد صوت، وإنما هو تعبير عن غرض معيّن مناسب لصوت هذا الحرف ومدلوله، فلكل مجموعة أحرف دلالة، ولكل حرف على حدى صدى يوقعه في نفس السامع متوافقاً معه، وفصل القول وبسطه في الدلالة الصوتية في باب تصاقب الألفاظ لتصاقب المعاني.([65])

أما في الفرق بين الحقيقة والمجاز، فقد عقد بابين أولهما: كان في استعمالات المجاز، وأسباب العدول إليه، وعدد هذه الأسباب، فكانت ثلاثة أسباب، وهي: الاتساع، والتوكيد، والتشبيه.

وثانيهما: في المجاز إذا كثر لحق بالحقيقة، وبين فيه أن أكثر اللغة مجاز لا حقيقة، ومثل لذلك بفعل القيام، فقام زيد مثلاً يفاد منها معنى الجنسية، بمعنى قام زيد، كان منه القيام.([66])

كانت هذه نظرة خاطفة عن الدلالة عند ابن جني، ولو اتسع المقام لفُصّل الكلام.

  1. ابن فارس (329-395ه):

لا يخفى علينا أن أهمية المعاجم العربية في الحفاظ على كنز المعاني العربية، ولعل المعاجم العربية منذ نشأتها الأولى إلى أن استوت على سوقها في معجم العين كانت من أهم الروافد التي حفظت لنا العربية بشكلها الأول النقي.

أما أحمد بن فارس في معجمه مقاييس اللغة فهو صاحب نظرية دلالية، لما لمعجمه من صلة في كشف الصلة القائمة بين المعاني والألفاظ من وجوه عدة، كذلك في إشاراتها إلى تقليبات الجذور التي اعتمدها في معجمه.([67])

لقد كان صنيع ابن فارس في معجمه أن يقف على بداية كثير من المواد؛ ليضع بين أيدينا أصلاً أو أصلين تتفرع منهما الفروع مجازاً، أو تطوراً دلالياً.([68])

استعمل ابن فارس في معجمه مقاييس اللغة مصطلحين أساسيين للتعبير على الدلالة المحورية أولهما: الأصل، ومن ذلك قوله: “حَلَزَ: الحاء واللام والراء أصل صحيح”([69]) ويقصد بها هنا أنه جذر اللفظ.

والثاني: القياس، ومن ذلك قوله: “جَحَفَ الجيم والحاء والفاء أصل واحد، قياسه الذهاب بالشيء“([70]) ويقصد القياس الذي ينقاس عليه الجذر

كما أنه سمى معجمه بالمقاييس، يقصد به أوجه التشابه، أو الجوامع الاشتقاقية وهذا ما نسميه ب.. (الدلالة المحورية).([71])

وهذا إن دل على شيء فإنما يدل على رسوخ قدم العرب في هذا العلم، وأن التفاتهم إلى الدلالة المعجمية للكلمة لم يكن حديث النشأة، أو وليد اللحظة.

  1. الثعالبي (350-429ه): إن الواقف عند أبي منصور الثعالبي سيجد أن منهج التنظير الدلالي متكاملٌ لديه، وسيجده متنقلاً بين حقول الألفاظ الدلالية، سواء منها اللغوية، أو المجازية، أو دلالة نقدية.([72])

وهو في كتابه (فقه اللغة) لم يتعرض إلى تعريف الدلالة كما عرفها العلماء من حيث المفهوم المنطقي لها، ولكن موضوعات الكتاب تحمل في ثناياه منظومة دلالية متكاملة، يكاد القارئ يلمس أركانها في كل زاوية.

يبدأ الثعالبي كتابه بأسرار العربية، ويتحدث عن التقديم، والتأخير، ثم يتكلم عن الكناية عما لم يجرِ ذكره ويستشهد على ذلك بآيات من القرآن الكريم، والناظر في كتاب فقه اللغة للثعالبي يجد فيه من الغنى الدلالي ما يذهله، ففي عناوين الكتاب والخطوط الرئيسة نراه يتناول الدلالة النحوية، ودلالة الكتابة والخط أو الدلالة الإملائية دون أن يشير إلى هذا، وإنما يفعله سليقة، ونجده عندما يتحدث عن مجمل الحذف والاختصار وتحت هذا العنوان يتكلم عن سنن العرب في الكتابة ويمثل لذلك فيقول: “من سنن العرب: أن تحذف الألف من “ما” إذا استَفْهَمَتْ بها فتقول: بِمَ؟ ولِمَ؟ ومِمَّ؟ وعلامَ؟ وفيمَ؟([73]) وهذه اللفتة لم أجدها من قبل فيمن اطلعت على أعمالهم.

وتراه يتكلم في هذا السياق عن هذا حرفا حرفا فبالألفات ثم الباءات، ثم التاءات، والسينات، ففي السينات مثلاً يقف على السين فيبين مواضع زيادتها ودلالتها الصرفية في وزن (استفعل) وفي دلالتها في (سأفعل) و(سوف)، ويتكلم عنها في (استنوق) ويطلق عليها سين الصيرورة([74]). وهو وإن لم يتناول المعاني الاصطلاحية كما هي معروفة اليوم([75])، إلا أنه وبالإشارة إلى هذه النقاط في كتابه يدل على كونه فاهماً فهماً تاماً للدلالة، مستوعباً جلّ أجزائها في كتابه، فتراه ينتقل من الدلالة المجازية، إلى الإملائية، والنحوية، والصرفية، دون أن يتخذ من المصطلحات سلماً، وإنما يرتقي بنا دلالياً وكأن الدلالة عنده فطرة فُطر عليها، فهو يدركها ويدلل عليها دون أن يدخل في تعقيد الاصطلاحات.

  1. عبد القاهر الجرجاني (400-471ه): إن الجرجاني لم ينحُ نحوَ المناطقة والفلاسفة في إثبات إعجاز القرآن الكريم في كتابه (دلائل الإعجاز). بل أراد به الكشف عن إعجاز القرآن من جهة مختلفة متخذاً من لسانية الأسلوبية منهجاً، وقد تضمن سفره العظيم مباحث تتمحور حول قيمة اللفظ، وعلاقته بالمعنى.([76])

يعالج الجرجاني في كتابه (دلائل الإعجاز) المسائل الدلالية بشكل مفصل، فيخصص الجزء الأول من كتابه بحسب الموضوعات التي طرحها للدلالة البلاغية، ويتجلى لديه الدرس الدلالي بمنتهى الوضوح والدقة، وخصوصاً عندما يعرض لرأي المعتزلة في اللفظة ويبين فساد قولهم في الصرفة.

والصَّرفة بحسب المعتزلة: هي أن القرآن ليس معجز لذاته، وإنما لصرف الله همم العرب وعقولهم ومقدرتهم على معارضة القرآن، فبهذا يكمن الإعجاز([77]).

ويبدو لي أن الجرجاني قد ألف كتابه هذا للرد على هذه الشبهة التي تبناها المعتزلة بقول النَّظَّام.([78])

وبالعودة إلى الجرجاني، نراه في القسم الأول من الكتاب تظهر عنده الدلالة السياقية بوضوح تام، حتى أنه وإن لم يقل مصطلح (نظرية الدلالة السياقية) صراحة، إلا أن القارئ يستطيع أن يستنتج كامل النظرية السياقية من خلال الأمثلة التي أوردها على ذلك، فيقول: “وهل تجد أحداً يقول: هذه لفظة فصيحة، إلا وهو يعتبر مكانها من النظم، وحسن ملائمة معناها لمعاني جاراتها، وفضل مؤانستها لخواتها؟”([79])

وفي القسم الثاني من الكتاب يتناول المؤلف موضوع التقديم والتأخير ومواضعه (من استفهام، ونفي، وخبر، بتفصيل مذهل، من غير إطناب ممل، أو إيجاز مخل، ممثلاً لكل موضوع بالقرآن الكريم، ثم يضع دستوراً عاماً لكل ما ذكره، نستطيع أن نعتبره من خلاله منظراً دلالياً دون منافس.

أما في القسم الذي يبسط فيه القول في اللفظ والنظم، فيقول: “لا يكون لإحدى العبارتين مزية على الأخرى، حتى يكون لها تأثير لا يكون لصاحبتها”([80])

فالألفاظ عنده دالة على المعنى بلا شك، ولكن لا يكون لتلك المزية على الأخرى، حتى تسبك في عبارات وتأخذ مكانها في الجملة المكونة لها، ومحتوى الخطاب عنده مرتبط بشكل مباشر بالمخاطب، فكلما ازداد المخاطب علماً بمحتوى الخطاب، كلما كانت دلالته أسرع إلى إدراكه، والعكس صحيح، إذ الجهل بمحتوى الخطاب يؤدي إلى صعوبة إدراك دلالته ومعانيه.([81])

وفي فصله ما قبل الأخير يقول: ” ذاك لأنه ليس من عاقل يفتح عين قلبه، إلا وهو يعلم ضرورة أن المعنى في ضم بعضها إلى بعض، تعليق بعضها ببعض، وجعل لعضها بسبب من بعض.”([82]).

الخاتمة:

هكذا نجد، وبناء على ما ذُكر:

  • أن علم الدلالة علم عميق الجذور، بعيد الغور، عتيق الصلة بأبحاث اللغة العربية وبعلمائها، وأن علماء هذه الأمة لم يدخروا جهداً، ولم يكتموا علماً، فأتمّوا البناء إلا لبنة.

وكذلك نجد أيضا:

  • أن علم الدلالة علم وثيق الصلات بما حوله من علوم، من فلسفة ومنطق، وأصول فقه، ونحو، وغيرها.
  • وأن العرب إذ كتبوا بهذا العلم واستفاضوا في التأليف فيه، إنما فعلوا ذلك بدافع ديني ليحفظ المنبع الأول الذي يستقون منه الأحكام الشرعية.
  • وأن علم الدلالة لم يكن علماً مجهول الهوية عند أسلافنا، ولكن قواعده التي وضعها العلم الحديث لم تكن قد اتخذت شكلها النهائي إلا في القرن الماضي.
  • وأن التفكير الدلالي عند العرب تفكير أصيل في ألسنتهم وأذهانهم، وأنفسهم.
  • وإنني إذا اقتصرت في كلامي عن الأئمة المذكورين جميعهم -في بحثي هذا- على جانب واحد فقط من الجوانب العلمية عند الواحد منهم، إلا أني لا أنكر فضلهم في بقية العلوم التي برعوا فيها وكتبوا عنها، وكما هو معروف عن علماء العرب أنهم لم يختصوا بجانب واحد من جوانب العلم، بل كانوا علماء موسوعيين، استطاعوا أن يحوزوا قصب السبق في علوم اللغة، وغيرها من العلوم كافة.

قائمة المصادر والمراجع

  1. – القرآن الكريم
2-ابن خلدون، عبد الرحمن بن محمد. مقدمة ابن خلدون. دار البلخي. دمشق. طبعة أولى. 2004م.
3-ابن سينا، الحسين بن عبد الله بن الحسن. منطق المشرقيين والقصيدة المزدوجة في المنطق. مؤسسة هنداوي.
4-الأصفهاني، أبو القاسم الحسين بن محمد المعروف بالراغب (ت:502هـ). المفردات في غريب القرآن. تحقيق: الداودي عدنان. دار القلم/ دمشق- بيروت. الطبعة الأولى. 1412هـ.
5-الآمدي، سيد الدين علي بن أبي علي بن محمد بن سالم، أبو الحسن (ت: 631هـ) الإحكام في أصول الأحكام. تحقيق: عفيفي، عبد الرزاق. المكتب الإسلامي. دمشق- بيروت.
6-البغوي، أبو محمد الحسين بن مسعود (ت:510هـ). معالم التنزيل في تفسير القرآن. تحقيق: النمر، محمد عبد الله. دار طيبة للنشر والتوزيع. الطبعة الرابعة. 1997م.
7-التهانوي، محمد علي. موسوعة كشاف اصطلاحات العلوم والفنون. تحقيق دحروج، علي. مكتبة لبنان. الطبعة الأولى. 1996م.
8-الثعالبي، عبد الملك بن محمد بن إسماعيل، أبو منصور (ت: 429هـ). فقه اللغة وسر العربية. تحقيق: المهدي، عبد الرزاق. دار إحياء التراث العربي. الطبعة الأولى. 2002م.
9-الجاحظ، عمرو بن حر بن محبوب، أبو عثمان (ت: 255هـ). البيان والتبيين. دار ومكتبة الهلال/ بيروت. 1423هـ.
10-الجرجاني، عبد القاهر بن عبد الرحمن بن محمد الفارسي، أبو بكر (ت: 471) دلائل إعجاز القرآن في علم المعاني. تحقيق: شاكر، محمود محمد. مطبعة المدني/ القاهرة. 1992م.
11-الجمل، حسن عز الدين. معجم وتفسير لغوي لكلمات القرآن. الهيئة المصرية العامة للكتاب/ مصر. الطبعة الأولى. 2008م.
12الحاكم، أبو عبد الله، محمد بن عبد الله بن محمد بن النيسابوري المعروف بابن البيع. ت 405 هـ. المستدرك على الصحيحين. دار الكتب العلمية/ بيروت. الطبعة الأولى. 1990م.
13-الدالي، محمد أحمد. مسائل نافع بن الأزرق عن عبد الله بن العباس. الجفان والجابي للطباعة والنشر. الطبعة الأولى. 1993م.
14-الداية، فايز. علم الدلالة العربي النظرية والتطبيق. دار الفكر المعاصر. لبنان، بيروت. الطبعة الثانية. 1996م.
15-الذهبي، شمس الدين أبو عبد الله محمد بن أحمد بن عثمان بن قَايْماز ت748هـ. سير أعلام النبلاء. دار الحديث- القاهرة. 2006م
16الزحيلي، محمد مصطفى. الوجيز في أصول الفقه الإسلامي. دار الخير للطباعة والنشر والتوزيع. سوريا/دمشق. الطبعة الثانية.2006م.
17-الزركشي، بدر الدين، محمد بن عبد الله، أبو عبد الله (ت: 794هـ). البحر المحيد في أصول الفقه. دار الكتبي. الطبعة الأولى. 1994م.
18-الزركلي الدمشقي، خير الدين بن محمود بن محمد بن علي بن فارس. (ت1396هـ). الأعلام. دار العلم للملايين. الطبعة الخامسة عشر.2002 م.
19-الشافعي، محمد بن إدريس بن العباس، أبو عبد الله (ت: 204هـ). الرسالة. تحقيق: أحمد شاكر. مكتبة الحلبي/ مصر. الطبعة الأولى. 1940م.
20-الشريف الجرجاني، علي بن محمد بن علي الزين (ت816ه). التعريفات. دار الكتب العلمية. بيروت/لبنان. الطبعة الأولى.1983م.
21-الصغير، محمد حسين علي. تطور البحث الدلالي دراسة تطبيقية في القرآن الكريم. دار المؤرخ. لبنان، بيروت. الطبعة الأولى. 1999م.
22-الغزالي، محمد بن محمد، أبو حامد (ت:505 هـ). المستصفى. تحقيق: عبد الشافي، محمد عبد السلام. دار الكتب العلمية. الطبعة الأولى. 1993م.
23-الفارابي، أبو نصر محمد بن محمد بن طرخان. إحصاء العلوم. دار القومي. لبنان، بيروت. 1991م.
24-الفيروز أبادي، مجد الدين محمد بن بعقوب. القاموس المحيط مؤسسة الرسالة للطباعة والنشر. لبنان، بيروت. الطبعة الثامنة. 2005ام.
25-القرطبي، أبو عبد الله، محمد بن أحمد الأنصاري، ت671هـ. الجامع لأحكام القرآن. تحقيق: البردوني، أحمد. دار الكتب المصرية/ القاهرة. الطبعة الثانية. 1964م.
26-القزويني الرازي، أبو الحسين، أحمد بن فارس بن زكرياء (ت: 395هـ). معجم مقاييس اللغة. تحقيق: هارون، عبد السلام. دار الفكر. 1979م.
27-تهذيب اللغة، الأزهري الهروي، أبو منصور، محمد بن أحمد (ت:370هـ). تحقيق: مرعب، محمد عوض. دار إحياء التراث العربي/ بيروت. الطبعة الأولى. 2001م.
28-جبل، عبد الكريم محمد حسن. الدلالة المحورية في معجم مقاييس اللغة لابن فارس. مجلة كلية الآداب. جامعة المنصورة. العدد السادس والعشرين. 2000م.
29عبد الجليل، منقور. علم الدلالة أصوله ومباحثه في التراث العربي. منشورات اتحاد الكتاب العرب. دمشق 2001م.
30-عثمان بن جني الموصلي، أبو الفتح. الخصائص. الهيئة المصرية العامة للكتاب. الطبعة الرابعة.
31-عمر، أحمد مختار. علم الدلالة. عالم الكتب/ القاهرة. الطبعة الخامسة. 1998م.
32-كراعين، أحمد نعيم. علم الدلالة بين النظر والتطبيق. المؤسسة الجامعية للنشر والتوزيع. لبنان، بيروت. الطبعة الأولى. 1993م.
33-لسان العرب. ابن منظور الأنصاري الأفريقي، أبو الفضل، جمال الدين محمد بن مكرم بن علي (ت: 711هـ). دار صادر/ بيروت. الطبعة الثالثة. 1414هـ.
34-نهر، هادي. علم الدلالة التطبيقي في التراث العربي. دار الأمل للنشر والتوزيع. الأردن/ إربد. الطبعة الأولى. 2007م.
الرسائل والأبحاث:
35- الغامدي، إبراهيم عبد الله. معالم الدلالة اللغوية في القرن الثالث الهجري على مستوى الكلمة المفردة. رسالة مقدمة لنيل درجة الماجستير في اللغة العربية في جامعة أم القرى. المملكة العربية السعودية. عام 1989م.
المواقع الإلكترونية:
36-محمد، سامح عبد السلام. نشأة الدلالة وتطورها. مقال على الشابكة في موقع الألوكة. تاريخ النشر: 19/3/2014م.

Margins:

  1. () كراعين، أحمد نعيم. علم الدلالة بين النظر والتطبيق. المؤسسة الجامعية للنشر والتوزيع. لبنان، بيروت. 1993م. الطبعة الأولى. ص7.
  2. () نافع بن الأزرق بن قيس الحنفي، البكري الوائلي، الحروري، أبو راشد: رأس الأزارقة، وإليه نسبتهم. كان أمير قومه وفقيههم. من أهل البصرة. صحب في أول أمره عبد الله بن عباس، وكان من مؤيدي الثورة على عثمان بن عفان، قتل يوم دولاب قرب الأهواز عام ٦٥ هـ. الزركلي الدمشقي، خير الدين بن محمود بن محمد بن علي بن فارس، ت١٣٩٦هـ. الأعلام. دار العلم للملايين. الطبعة الخامسة عشر.2002 م. ج7 ص ٣٥٢.
  3. () عبد الله بن العباس بن عبد المطلب. ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم، حَبر الأمة، فقيه العصر، وإمام المفسرين. ولد قبل الهجرة بثلاث سنين. دعا له رسول الله صلى الله عليه وسلم (اللهم علمه التأويل، وفقهه في الدين) وكان كثير العلم لقب بالبحر، وبترجمان القرآن. توفي سنة 68 للهجرة. الذهبي، شمس الدين أبو عبد الله محمد بن أحمد بن عثمان بن قَايْماز ت748هـ. سير أعلام النبلاء. دار الحديث- القاهرة. ٢٠٠٦م. ج4. ص280 وما بعدها.
  4. () أخرجه الحاكم، وقال: صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه. الحاكم، أبو عبد الله، محمد بن عبد الله بن محمد بن النيسابوري المعروف بابن البيع. ت 405 هـ. المستدرك على الصحيحين. دار الكتب العلمية/ بيروت. الطبعة الأولى. 1990م. ج2. ص559.
  5. () الدالي، محمد أحمد. مسائل نافع بن الأزرق عن عبد الله بن العباس. الجفان والجابي للطباعة والنشر. الطبعة الأولى. 1993م. ص60.
  6. () محمد، سامح عبد السلام. نشأة الدلالة وتطورها. مقال على الشابكة في موقع الألوكة. تاريخ النشر: 19/3/2014م.
  7. () القرطبي، أبو عبد الله، محمد بن أحمد الأنصاري، ت671هـ. الجامع لأحكام القرآن. تحقيق: البردوني، أحمد. دار الكتب المصرية/ القاهرة. الطبعة الثانية. 1964م. ج7. ص180.
  8. () عبد الجليل، منقور. علم الدلالة أصوله ومباحثه في التراث العربي. منشورات اتحاد الكتاب العرب. دمشق 2001م. ص24.
  9. () البغوي، أبو محمد الحسين بن مسعود (ت:510هـ). معالم التنزيل في تفسير القرآن. تحقيق: النمر، محمد عبد الله. دار طيبة للنشر والتوزيع. الطبعة الرابعة. 1997م. ج6. ص86.
  10. () الأصفهاني، أبو القاسم الحسين بن محمد المعروف بالراغب (ت:502هـ). المفردات في غريب القرآن. تحقيق: الداودي عدنان. دار القلم/ دمشق- بيروت. الطبعة الأولى. 1412هـ. ص317.
  11. () الجمل، حسن عز الدين. معجم وتفسير لغوي لكلمات القرآن. الهيئة المصرية العامة للكتاب/ مصر. الطبعة الأولى. 2008م. ج2. ص113.
  12. () الفيروز أبادي، مجد الدين محمد بن بعقوب. القاموس المحيط مؤسسة الرسالة للطباعة والنشر. لبنان، بيروت. 2005م. الطبعة الثامنة. ص1000.
  13. () القزويني الرازي، أبو الحسين، أحمد بن فارس بن زكرياء (ت: 395هـ). معجم مقاييس اللغة. تحقيق: هارون، عبد السلام. دار الفكر. 1979م. ج2. ص259.
  14. () تهذيب اللغة، الأزهري الهروي، أبو منصور، محمد بن أحمد (ت:370هـ). تحقيق: مرعب، محمد عوض. دار إحياء التراث العربي/ بيروت. الطبعة الأولى. 2001م. ج14. ص47.
  15. () لسان العرب. ابن منظور الأنصاري الأفريقي، أبو الفضل، جمال الدين محمد بن مكرم بن علي (ت: 711هـ). دار صادر/ بيروت. الطبعة الثالثة. 1414هـ ج11، ص247.
  16. () التهانوي، محمد علي. موسوعة كشاف اصطلاحات العلوم والفنون. تحقيق: دحروج، علي. مكتبة لبنان. الطبعة الأولى. 1996م. ج1. ص787.
  17. () الشريف الجرجاني، علي بن محمد بن علي الزين (ت816). التعريفات. دار الكتب العلمية. بيروت/لبنان. الطبعة الأولى.1983م. ص104.
  18. () الزحيلي، محمد مصطفى. الوجيز في أصول الفقه الإسلامي. دار الخير للطباعة والنشر والتوزيع. سوريا/دمشق. الطبعة الثانية.2006م. ج2. ص138.
  19. () المرجع السابق نفسه. ج2. ص140.
  20. () الزحيلي، محمد مصطفى. الوجيز في أصول الفقه الإسلامي. ج2. ص143.
  21. () المرجع السابق نفسه. ج2. ص147
  22. () الشريف الجرجاني، علي بن محمد بن علي الزين التعريفات. ص105
  23. () عثمان بن جني الموصلي، أبو الفتح. الخصائص. الهيئة المصرية العامة للكتاب. الطبعة الرابعة. ج1. ص66.
  24. () الحملاوي، أحمد بن محمد (ت:1351هـ). تحقيق: نصر الله، نصر الله عبد الرحمن. مكتبة الراشد/ الرياض. ص11.
  25. () عمر، أحمد مختار. علم الدلالة. عالم الكتب/ القاهرة. الطبعة الخامسة. 1998م. ص13.
  26. () المرجع السابق نفسه. ص13.
  27. () نهر، هادي. علم الدلالة التطبيقي في التراث العربي. دار الأمل للنشر والتوزيع. الأردن/ إربد. الطبعة الأولى. 2007م. ص 216.
  28. () ‌أبان بن تغلب بن رباح البكري الجريريّ بالولاء، أبو سعيد: قارئ لغويّ، من غلاة الشيعة. من أهل الكوفة. كان جده رباح مولى لجرير بن عباد البكري (من بكر بن وائل) فنسب إليه. من كتبه (غريب القرآن) ولعله أول من صنف في هذا الموضوع، و(القراآت) و(صفين) و(الفضائل) و(معاني القرآن) توفي سنة 141هـ. الزركلي. الأعلام. ج1. ص26.
  29. () الداية، فايز. علم الدلالة العربي النظرية والتطبيق. دار الفكر المعاصر. لبنان، بيروت. 1996م. الطبعة الثانية. ص204-208.
  30. () نهر، هادي. علم الدلالة التطبيقي في التراث العربي. ص240.
  31. () منقور، عبد الجليل. علم الدلالة أصوله ومباحثه في التراث العربي. ص28.
  32. () المرجع السابق نفسه ص112.
  33. () الشافعي، محمد بن إدريس بن العباس، أبو عبد الله (ت: 204هـ). الرسالة. تحقيق: أحمد شاكر. مكتبة الحلبي/ مصر. الطبعة الأولى. 1940م. ج1. ص4
  34. () الشافعي، محمد بن إدريس بن العباس، أبو عبد الله. الرسالة. ج1. ص52.
  35. () الزركشي، بدر الدين، محمد بن عبد الله، أبو عبد الله (ت: 794هـ). البحر المحيد في أصول الفقه. دار الكتبي. الطبعة الأولى. 1994م. ج1. ص18.
  36. () منقور، عبد الجليل. علم الدلالة أصوله ومباحثه في التراث العربي. ص118.
  37. () أخبرنا أبو الفتح نصر الله بن محمد الفقيه، أنبأنا أبو البركات المقرئ، أنبأنا أبو القاسم الصيرفي، أنبأنا حمكان، حدثنا الزبير بن عبد الواحد الأسد آباذي، حدثنا الحسن بن سفيان بنسا، حدثنا أبو ثور قال: “سمعت الشافعي وكان من معادن الفقه، وجهابذة الألفاظ، ونقاد المعاني، يقول: حكم المعاني خلاف حكم الألفاظ؛ لأن المعاني مبسوطة إلى غير غاية، وممدودة إلى غير نهاية، وأسماء المعاني مقصورة معدودة، ومحصلة محدودة، ‌وجميع ‌أصناف ‌الدلالات على المعاني لفظ وغير لفظ خمسة أشياء لا تزيد ولا تنقص، أولها اللفظ، ثم الإشارة، ثم العقد، ثم الخط، ثم الذي يسمى النصبة والنصبة في الحال الدالة التي تقوم مقام تلك الأصناف، ولا تقصر عن تلك الدلالات، ولكل واحد من هذه الخمسة صورة مواتية من صورة صاحبتها، وحيلة مخالفة لحيلة أختها، وهي التي تكشف لك من أعيان المعاني في الجملة، وعن معانيها في التفسير، وعن أجناسها وأفرادها، وعن خاصها وعامها، وعن طباعها في السار والضار، وعما يكون لهواً بهرجًا وساقطاً مدحرجاً.” أخرجه ابن عساكر، علي بن الحسن بن هبة الله، أبو القاسم (ت571هـ). تاريخ دمشق. تحقيق: العمروي، عمرو بن غرامة. دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع. 1995م. ج51. ص356. ينظر الجاحظ، عمرو بن بحر بن محبوب الكناني، أبو عثمان (ت:255هـ). البيان والتبيين. دار ومكتبة الهلال/ بيروت. 1423هـ. ج1. ص82. وينظر أيضاً الغامدي، إبراهيم عبد الله. معالم الدلالة اللغوية في القرن الثالث الهجري على مستوى الكلمة المفردة. رسالة مقدمة لنيل درجة الماجستير في اللغة العربية في جامعة أم القرى. المملكة العربية السعودية. عام 1989م. ص32.
  38. () عبد الجليل، منقور. علم الدلالة أصوله ومباحثه في التراث العربي. ص 31.
  39. () الغزالي، محمد بن محمد، أبو حامد (ت:505 هـ). المستصفى. تحقيق: عبد الشافي، محمد عبد السلام. دار الكتب العلمية. الطبعة الأولى. 1993م. ص263 وما بعدها.
  40. () عبد الجليل، منقور. علم الدلالة أصوله ومباحثه في التراث العربي. ص32.
  41. () الغزالي. المستصفى. ص 274.
  42. () عبد الجليل، منقور. علم الدلالة أصوله ومباحثه في التراث العربي. ص 165.
  43. () الآمدي، سيد الدين علي بن أبي علي بن محمد بن سالم، أبو الحسن (ت: 631هـ) الإحكام في أصول الأحكام. تحقيق: عفيفي، عبد الرزاق. المكتب الإسلامي. دمشق- بيروت. ج1. ص8.
  44. () الآمدي. الإحكام في أصول الأحكام. ج1. ص15
  45. () المرجع السابق نفسه. ج1. ص 23
  46. () الآمدي. الإحكام في أصول الأحكام. ج1. ص27
  47. () الآمدي. الإحكام في أصول الأحكام. ج1. ص78.
  48. () الفارابي، أبو نصر محمد بن محمد بن طرخان. إحصاء العلوم. دار القومي. لبنان، بيروت. 1991م. ص10.
  49. () الفارابي. إحصاء العلوم. ص12.
  50. () عبد الجليل، منقور. علم الدلالة أصوله ومباحثه في التراث العربي ص 30.
  51. () المرجع السابق نفسه ص31.
  52. () ابن سينا، الحسين بن عبد الله بن الحسن. منطق المشرقيين والقصيدة المزدوجة في المنطق. مؤسسة هنداوي. ص61.
  53. () المرجع السابق نفسه ص 60.
  54. () عبد الجليل، منقور. علم الدلالة أصوله ومباحثه في التراث العربي143.
  55. () المرجع السابق نفسه.
  56. () ابن خلدون، عبد الرحمن بن محمد. مقدمة ابن خلدون. دار البلخي. دمشق 2004م. طبعة أولى. ج2 ص349.
  57. () ابن خلدون. المقدمة. ص367-374.
  58. () الجاحظ، عمرو بن حر بن محبوب، أبو عثمان (ت: 255هـ). البيان والتبيين. دار ومكتبة الهلال/ بيروت. 1423هـ. ج1. ص81.
  59. () الجاحظ. البيات والتبيين. ج1. ص 82.
  60. () عبد الجليل منقور.
  61. () الجاحظ. البيان والتبيين. ج1. ص87 .
  62. () عثمان بن جني الموصلي، أبو الفتح. الخصائص. الهيئة المصرية العامة للكتاب. الطبعة الرابعة. ج1. ص550.
  63. () المرجع السابق نسفه. ج1. ص22.
  64. () ابن جني. الخصائص. ج3. ص100.
  65. () ابن جني. الخصائص. ج2. ص147.
  66. () المرجع السابق نفسه. ج2. ص 444 وما بعدها.
  67. () الصغير، محمد حسين علي. تطور البحث الدلالي دراسة تطبيقية في القرآن الكريم. دار المؤرخ. لبنان، بيروت 1999م. الطبعة الأولى ص 30.
  68. () الداية، فايز. علم الدلالة العربي النظرية والتطبيق. دار الفكر المعاصر. لبنان، بيروت. 1996م. الطبعة الثانية. ص232.
  69. () ابن فارس. مقاييس اللغة. ج2. ص 96.
  70. () المرجع السابق نفسه. ج1. ص 427.
  71. ()جبل، عبد الكريم محمد حسن. الدلالة المحورية في معجم مقاييس اللغة لابن فارس. مجلة كلية الآداب. جامعة المنصورة. العدد السادس والعشرين. ج2. 2000م. ص212
  72. () الصغير، محمد حسين علي. تطور البحث الدلالي دراسة تطبيقية في القرآن الكريم. دار المؤرخ. لبنان، بيروت 1999م. الطبعة الأولى ص 34.
  73. () الثعالبي، عبد الملك بن محمد بن إسماعيل، أبو منصور (ت: 429هـ). فقه اللغة وسر العربية. تحقيق: المهدي، عبد الرزاق. دار إحياء التراث العربي. الطبعة الأولى. 2002م. ص226
  74. () المرجع السابق نفسه. ص243
  75. ()الصغير، محمد حسين علي. تطور البحث الدلالي دراسة تطبيقية في القرآن الكريم. ص 34.
  76. () عبد الجليل، منقور. علم الدلالة أصوله ومباحثه في التراث العربي. ص 147.
  77. () الزركشي. البرهان في علوم القرآن. ج2. ص 93.
  78. () النظام: شيخ المعتزلة، أبو إسحاق إبراهيم النظام بن سيار. تكلم في القدر وانفرد بمسائل، وهو شيخ الجاحظ، توفي في خلافة المعتصم سنة بضع وعشرين ومئتين. ينظر: الذهبي. سير أعلام النبلاء. ج8. ص529
  79. () الجرجاني، عبد القاهر بن عبد الرحمن بن محمد الفارسي، أبو بكر (ت: 471) دلائل إعجاز القرآن في علم المعاني. تحقيق: شاكر، محمود محمد. مطبعة المدني/ القاهرة. 1992م. ص44
  80. () الجرجاني. دلائل الإعجاز. ص258
  81. () عبد الجليل منقور. علم الدلالة أصوله ومباحثه في التراث العربي. ص152
  82. () الجرجاني. دلائل الإعجاز. ص 466