السياسة الخارجية الصينية تجاه دول مجلس التعاون الخليجي (مبادرة الحزام والطريق)

د. صلاح مصلح أبو ختلة1

1 أستاذ العلوم السياسية المشارك، جامعة القدس المفتوحة، فلسطين.

بريد الكتروني: r.m.n.h76@gmail.com

HNSJ, 2023, 4(8); https://doi.org/10.53796/hnsj487

Download

تاريخ النشر: 01/08/2023م تاريخ القبول: 16/07/2023م

المستخلص

تعتبر العلاقات بين الصين ودول مجلس التعاون الخليجي علاقات تاريخية قديمة، إلا أنها تأثرت بنمط النظام الدولي خلال الحرب الباردة والاحتكام إلى الأيدلوجية وطبيعة علاقة دول مجلس التعاون مع الولايات المتحدة الأمريكية، لذلك بدأت العلاقات الدبلوماسية بينهما في الربع الأخير من القرن العشرين، وتسارعت مع مطلع العقد الأول من القرن الواحد والعشرين، لتنمو بوتيرة متسارعة جداً نتيجة التغير في استراتيجيات سياسة الصين الخارجية، والتغيرات في أوضاع منطقة الخليج، ومن هنا بدأ البناء المشترك لمبادرة حزام واحد طريق واحد، وهو الاتجاه الرئيسي للتعاون بين الصين ودول مجلس التعاون الخليجي، بشكل أصبحت الصين مؤخراً أكبر شريك تجاري مع دول مجلس التعاون الخليجي بدلاً من الاتحاد الأوروبي.

تستكشف الدراسة ديناميات العلاقة المتنامية وطبيعتها ومجالاتها، وتستند في معالجة ذلك على اقتراب المصلحة الوطنية، وللوصول إلى ذلك قسمت الدراسة إلى ثلاثة محاور: الأول ويتطرق إلى سمات السياسة الخارجية الصينية، والثاني مبادرة الحزام والطريق الاقتصادية كأساس لعلاقات الصين مع دول العالم، أما الثالث فقد تناول السياسة الخارجية الصينية تجاه دول مجلس التعاون الخليجي على ضوء مبادرة الحزام والطريق.

الكلمات المفتاحية: السياسة الصينية، دول مجلس التعاون الخليجي، الحزام والطريق، عقد اللؤلؤ.

Research title

Chinese Foreign Policy towards the GCC Countries

(The Belt and Road Initiative)

HNSJ, 2023, 4(8); https://doi.org/10.53796/hnsj487

Published at 01/08/2023 Accepted at 16/07/2023

Abstract

The relationships between China and the GCC countries are ancient historical relations. Still, some factors have influenced them, such as the pattern of the international system during the Cold War, the appeal to ideology, and the nature of the GCC countries’ relationship with the United States of America. Therefore, diplomatic relations between them began in the last quarter of the twentieth century and accelerated with the beginning of the twenty-first century’s first decade. That leads to growth at a very rapid pace because of the change in China’s foreign policy strategies and changes in the conditions of the Gulf region. Hence, the joint construction of the One Belt, One Road initiative began; this is the primary area of cooperation between China and the GCC nations. As a result, China has just surpassed the European Union as the GCC nations’ top commercial partner.

This study explores the dynamics of the growing relationship, its nature, and its domains based on addressing its approach to national interest. The study was divided into three axes:

  1. It presents the characteristics of Chinese foreign policy.
  2. It views the Belt and Road economic initiative as a basis for China’s relations with the countries of the world.

It deliberates Chinese foreign policy towards the GCC countries considering the Belt and Road initiative.

Key Words: Chinese politics, Gulf Cooperation Council Countries, Belt and Road, String of Pearls.

مقدمة

تعد المنطقة العربية بصفة عامة ومنطقة الخليج بصفة خاصة، من أكثر المناطق حساسية وخصوصية على مستوى العالم، لما تتمتع به هذه المنطقة من توفر مصادر الطاقة ومقومات اقتصادية، إلى جانب موقعها الجغرافي الاستراتيجي ما بين قارات العالم الثلاث القديمة آسيا وأفريقيا وأوروبا، وبما تطل به على بحار ومضائق ذات بعد دولي تتنافس جميع دول العالم للسيطرة عليه، ذلك في ظل كثافة سكانية عالية، وأسواق استهلاكية كبيرة على مستوى العالم، مما يشكل أهمية للاقتصاد الصيني المتسارع والمتصاعد في نموه.

لذا فقد اتبعت الصين في سياستها الخارجية مبدأ المبادرة في الانفتاح على دول العالم، والتقارب مع الدول النامية، وقد أصبحت منطقة الخليج العربي مصب اهتمام كبير للصين بعد أن ظل دورها محدوداً وهامشياً يقتصر على التبادلات التجارية والثقافية، بعيداً عن تحقيق أي وجود فعلي أو إقامة مناطق نفوذ لها أسوة بالقوى الدولية الأخرى، ذلك نتيجة تغير استراتيجيات السياسة الخارجية الصينية، والتطور الاقتصادي السريع للصين، إلى جانب التغيرات في أوضاع منطقة الخليج، ليبدأ البناء المشترك لمبادرة حزام واحد طريق واحد، وهو الاتجاه الرئيسي للتعاون بين الصين ودول الخليج العربي، بشكل أصبحت الصين أكبر شريك تجاري مع دول الخليج بدلاً من الاتحاد الأوروبي.

وتكمن أهمية الدراسة في كونها تدرس فترة شهدت فيها البيئة الدولية والإقليمية تحولات حادة أثرت على النظام الإقليمي والدولي وتفاعلاته البينية، فأفرزت تحولات وتغيرات بات ينظر إليها كمرحلة تحول لقيام نظام عالمي جديد، وبذلك أصبح من المطلوب رصد السياسة الخارجية للقوى الدولية التي تسعى إلى ترسيخ وجودها في منطقة الخليج العربي، والتي تعتبر الصين أحد أهم القوى الدولية الفاعلة على الساحة الدولية، وبذلك فإن هدف الدراسة محاولة الوصول لفهم معمق وواسع في طبيعة السياسة الخارجية الصينية تجاه دول مجلس التعاون الخليجي وأهم الأهداف التي يسعى الساسة الصينيون تحقيقها في إطار مبادرة الحزام والطريق، في إطار ذلك حددت الدراسة إشكالياتها حول واقع السياسة الخارجية الصينية تجاه دول مجلس التعاون الخليجي، والتي يمكن بلورتها في التساؤل الآتي: ما هي ديناميات السياسة الخارجية الصينية تجاه دول مجلس التعاون الخليجي في إطار مبادرة الحزام والطريق؟

وقد استندت الدراسة في منهجيتها على منهج المصلحة القومية أو المصلحة الوطنية: هو أحد المناهج المفسرة للعلاقات الدولية، ويعتبر أن السعي نحو تحقيق المصلحة القومية للدولة هو الهدف النهائي والمستمر لسياستها الخارجية، بمعنى أخر، فإن المصلحة القومية تشكل عامل الارتكاز والمحرك الأساسي في تخطيط السياسة الخارجية لأي دولة في العالم، وفي هذا الصدد يقول جوزيف فرانكل في كتابه العلاقات الدولية: “المصلحة الوطنية هي المفتاح الأساسي في السياسة الخارجية، ويرتد هذا المفهوم في جوهره إلى مجموع القيم الوطنية، تلك القيم النابعة من الأمة والدولة في نفس الوقت، غير أن هذا المفهوم لا يخلو من غموض، وإذا كان من الصعب بيان المقصود بالمصلحة الوطنية بفكرة مجردة، فان من المستحيل أن نجد إجماعاً على ما تعنيه في قضية معينة. إن الجدل المتكرر حول السياسة الخارجية يتركز حول التفسيرات المختلفة لمتطلبات المصلحة الوطنية”. وانطلاقاً مما سبق فان الباحث سيستخدم هذا المنهج لملائمته مع موضوع الدراسة خصوصاً بعد انتهاء الحرب الباردة وانتهاء عصر القطبية الدولية، والذي طغت فيه الواقعية على المثالية في العلاقات الدولية حيث يرى جون ميرشيامر رائد الواقعية الهجومية وستيفن والت أستاذ العلاقات الدولية في جامعة هارفارد بأنه “ينبغي أن تحظى المصلحة القومية بالصدارة المطلقة في أولويات السياسة الخارجية”.[1]

وللوصول إلى ذلك قسمت الدراسة إلى ثلاثة محاور: الأول ويتطرق إلى سمات السياسة الخارجية الصينية، والثاني مبادرة الحزام والطريق الاقتصادية كأساس لعلاقات الصين مع دول العالم، أما الثالث فقد تناول السياسة الخارجية الصينية تجاه دول مجلس التعاون الخليجي على ضوء مبادرة الحزام والطريق.

المحور الأول: سمات السياسة الخارجية الصينية

تسعى العديد من القوى الدولية وفق التغيرات الحادثة في الساحة الدولية وتراجع مكانة قوى فاعلة، وتقدم قوى طامحة إلى تبوء مكانتها في النظام الدولي، إلى تبني سياسة أكثر فاعلية على كافة الصعد السياسية والاقتصادية والثقافية من أجل ترسيخ مكانة لها في النظام العالمي الجديد، والذي بدأت ملامحه تتشكل بانتهاء النظام الأحادي القطبية، وبروز نظام دولي يتسم بالتعددية القطبية التي ترتكز على التحالفات الدولية.

ولعل الصين من أبرز تلك الدول والقوى التي رسخت لها مكانة في النظام الدولي خصوصاً بعد انهيار الاتحاد السوفيتي، والتطور الاقتصادي الهائل في الصناعات الصينية، بتبنيها نظام اقتصادي فعال ومؤثر على المستوى الدولي، الأمر الذي أتاح لها مكانة كقوة صناعية ضخمة ومؤثرة على مستوى العالم، إلى جانب التغير في الرؤية والاستراتيجية الصينية في سياستها الخارجية وأدواتها، الأمر الذي رسخ مكانتها ودورها على المجتمع الدولي، في ظل الحصانة الدولية التي تتمتع بها بامتلاكها مقعد دائم وحق الفيتو في مجلس الأمن، وواقع المقاومات العسكرية والبشرية والجغرافية التي تمتلكها.

في إطار تلك المكانة والمقومات الاقتصادية والعسكرية والبشرية، يمكن الإشارة إلى أربع حقائق ملموسة للصين هي:[2]

الأولى: إن الصين تحولت لكي تكون مصنع العالم في إنتاج السلع المتنوعة من مختلف أنواع الجودة، ومختلف الأسعار، ومن ثم فهي سلع يستطيع الفقير أن يشتريها ويسد بها احتياجاته، كما يستطيع الغني أن يشتريها ويسد بها مطالبه وتطلعاته. ولهذا تنافس السلع الصينية في أسواق البلاد النامية كما تنافس في أسواق البلاد المتقدمة.

الثانية: إنه مع انفجار الأزمة المالية العالمية تطلع العالم بأسره وخاصة الدول المتقدمة إلى الصين لكي تساهم في إنعاش الاقتصاد العالمي ومساعدته في الخروج من حالة الركود التي وصل إليها وبالفعل فإن خطة الإنعاش الصينية كان لها دورها على المستوى العالمي وحرص الصين على رفع قيمة عملتها وعدم تخفيضها كان قرارا علميا مدروسا وحكيما واستجابة بروح المسؤولية لمتطلبات الاقتصاد العالمي.

الثالثة: حرص الصين على شطب نحو عشرة مليارات دولار من مديونية الدول النامية في إفريقيا وهو ما لم تقم به أية دولة غنية وفي نفس الوقت حرص الصين على استثمار مبالغ ضخمة من احتياطاتها في أذون الخزانة الأميركية. هذا الإحساس بالمسؤولية من الصين لا نجده من دول أخرى نامية أو متقدمة تجاه غيرها من الدول على الساحة الدولية، يكفي الإشارة إلى أن نسبة الواحد في المائة التي قررتها الأمم المتحدة منذ بداية السبعينيات من القرن الماضي لكي تكون مساعدات رسمية من الدول المتقدمة للدول النامية لم تحققها أية دول من الدول المتقدمة.

الرابعة: والأهم فهو رفع مستوى معيشة الشعب الصيني حيث زاد حجم الطبقة المتوسطة، كما ارتفع مستوى الفقراء، وانخفض عدد الصينيين تحت خط الفقر، واستطاعت الصين رفع أكثر من 400 مليون مواطن من تحت خط الفقر خلال السنوات العشر الماضية. بعبارة أخرى إن الحكومة المسؤولة أمام شعبها تفي بوعودها وهذا بخلاف موقف حكومات أخرى في مختلف القارات وخاصة في البلاد النامية.

ووفق تلك الحقائق والمقومات، بدأ تطور السياسة الخارجية الصينية بأخذ المبادرة للتحول الدبلوماسي الصيني والاصلاح والانفتاح واتباع اسلوب التغيير، واشتهرت سياسة الصين الخارجية بالمعارضة القوية للقوى العظمى (الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي) في ذلك الوقت مع التقارب الوثيق بالدول النامية، ومع اعتماد سياسة الاكتفاء الذاتي الاقتصادي وسعت الصين من وجودها الدولي من خلال زيادة مشاركتها بشكل كبير في المنظمات الحكومية وغير الحكومية ولاسيما المالية منها.[3]

وتتبنى تحركات تقوم على رؤية عالمية تسمح لها بتعضيد قوتها، فهناك تحركات نحو التحالفات السياسية والاقتصادية والعسكرية بشكل متنوع وبطرقة سلسة بدرجة كبيرة للغاية، وهذه الرؤية الصينية ما هي في الواقع إلا برمجة لنهاية قوة عالمية وصعود أخرى، فتقيم الصين علاقات مع مناطق متعددة من العالم في شكل تحالفات اقتصادية وعسكرية، وفي بعض الأحيان الاثنين معاً، وهي تمارس بناء التحالفات بنفس الطريقة التي اتبعتها الولايات المتحدة نهاية الحرب العالمية الثانية، حيث أقامت شبكة تضم عددا من الدول عبر العالم يعضدها تحالفات عسكرية وسياسية وروابط اقتصادية.[4]

وقد اتسمت السياسة الخارجية الصينية بخصائص وسمات تتقيد بأسس ومبادئ تتمسك القيادة الصينية بها، حيث عبر وزير الخارجية الصيني “يانغ جيتشي” عن أهم سمات السياسة الخارجية الصينية بقوله: “إن الصين تنتهج بكل ثبات سياسة خارجية سلمية ومستقلة، وتعمل على بناء عالم متناغم يسوده السلام الدائم والرخاء المشترك، وتسعى الدبلوماسية الصينية إلى السلام والتنمية والتعاون”، وهذه السمات تتمثل في:[5]

1-تلتزم جمهورية الصين بمبدأً الاستقلال في السياسة الخارجية.

2-تعمل الصين على معارضة نزعة الهيمنة وتنشد حفظ السلام العالمي. 3تسعى الصين نحو إقامة نظام سياسي واقتصادي دولي جديد عادل ومنصف.

4-تنتهج الصين سياسة الانفتاح الشامل على الخارج وتستعد لإجراء التبادل التجاري والتعاون الاقتصادي والفني، والتواصل العلمي والثقافي على نطاق واسع مع بلدان ومناطق العالم على أساس المساواة والمنفعة المتبادلة لتدعيم الرخاء المشترك.

5-تشارك الصين بشكل فعال في نشاطات دبلوماسية متعددة الأطراف، وتعد قوة ثابتة لحفظ السلام والاستقرار على المستويين الدولي والإقليمي.

6-تحرص الصين على تطوير علاقات الصداقة والتعاون المشترك مع جميع دول العالم على أساس المبادئ الخمسة، وهي: الاحترام المتبادل لسيادة الدول ووحدة أراضيها، عدم الاعتداء المباشر، عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى، المساواة والمنفعة المتبادلة، التعايش السلمي.

لقد سعت الصين الى تصدير سياستها الخارجية الى العالم باعتبارها قوة رائدة في الساحة الدولية من خلال المزج بين الاهداف، والوسائل، والاستراتيجيات، والجيبوليتيك والأمن والطاقة، ومن الأهداف الرئيسية للسياسة الخارجية الصينية نجد:[6]

الهدف الأول: تعزيز التنمية الاقتصادية والعمل ببرنامج التحديث والاصلاح الاقتصادي الذي بدأت به الصين تأكيدا على ان التنمية هدف رئيسي للسياسة الخارجية الصينية وتعطي الصين الأولوية القصوى للهدف الاقتصادي أكثر من الهدف السياسي لان الاستراتيجية الصينية تعتمد على الاقتصاد والمال والطاقة.

الهدف الثاني: وزيادة القدرات العسكرية للمحافظة على السيادة والاستقلال وقد جعلت القوة الاقتصادية تلعب دوراً هائلاً في تحديث المؤسسة العسكرية ولعل دخول الصين في النادي النووي خير دليل على ذلك، كما أن القوة البشرية قد ساعدت الصين في الحشد وزيادة قوتها العسكرية وبناء جيش صيني قد يعتبر اقوى الجيوش في العالم وتم الاسراع في هذه العملية نتيجة للنزاعات الاقليمية.

الهدف الثالث: تدعيم وضعها القومي بتحسين علاقاتها الخارجية حيث حاولت الصين تصدير علاقاتها مع الدول الأوروبية والشرق الأوسط والدول الإفريقية ودول المغرب العربي.

الهدف الرابع: انتهاج الصين سياسة الانفتاح مع المحافظة على الليونة التي تنتهجها الصين حتى تبرز على أنها لاعب هام في الأسواق العالمية، وهذا ما يتجلى في زيادة المبادلات التجارية الصينية وتدفق الاستثمارات الخارجية، ولذا فإنه يمكن التوصل إلى أن اهداف السياسة الخارجية الصينية هي أهداف حيادية لا تسعى للتدخل في الشؤون الداخلية لأي دولة، وانما فقط تسعى لتنظيم المنفعة المشتركة بينها وبين الدول والتزام مبداً التعاون وانشاء الصين لعلاقات مختلفة مع بدان العالم.

ولهذا كانت السياسة الخارجية الصينية منذ أواخر عام 2012م، أكثر انفتاحاً بعد انتقال السلطة إلى الرئيس شي جين بينغ”، إذ بدأت الصين بالتخلي تدريجيا عن مبداً “بناء القدرات وانتظار الوقت”، فاتبعت نهجاً جديذاً في العلاقات الدولية، بدخولها مرحلة جديدة أكثر انفتاحاً، مقارنة بالعهود السابقة، حيث يعد عهد الرئيس الصيني شي جين بينغ” منعطفاً مهماً في السياسة الخارجية، من حيث الوضوح والطموح وتغير الخطاب السياسي الرسمي، فأثار تصريحه عام 2016م، الكثير من الجدل عندما صرح قائلاً: “إن العالم على وشك تغيير جذري، فنحن نشهد تدهوراً حاداً في الاقتصاد الأمريكي، وانهياراً تدريجيًا للاتحاد الأوروبي، وسوف ينتهي هذا كله بإعادة ترتيب النظام العالمي الجديد”.[7]

وبذلك فإن معالم محاور السياسة الخارجية الصينية تتمثل فيما يلي:[8]

1-احتواء القوى العظمى: ترغب الصين في تشكيل نظام دولي جديد متعدد الأقطاب، رافضة نظام الأحادي القطبية، والهيمنة الأمريكية على العالم، غير راغبة في سياسة المواجهة والتحدي للولايات المتحدة الأمريكية، معتمدة على سياسة الاحتواء، والحلول السلمية، في إطار الندية والمساواة.

2-توسيع جبهة الأصدقاء: (روسيا والاتحاد الأوروبي)، نجحت الصين في إقامة اتفاقيات صداقة وتعاون مشترك مع روسيا، خصوصاً في ظل تزايد أهميتها بالنسبة لبكين، حيث تشتركان معاً في رفضهما للسيطرة والهيمنة الأمريكية، ورغبتهما في إيجاد بيئة دولية متعددة الأقطاب، وروسيا مصدر أساسي لإمداد الصين بالنفط والسلاح والتكنولوجيا، أما بالنسبة للاتحاد الأوربي، تسعى الصين إلى زيادة مصالحها معه، خاصة في مجال التجارة الحرة والاستثمار المباشر، وهو الشريك الثالث من حيث حجم الاستثمارات الأجنبية في الصين.

3- الجوار الآسيوي الآمن والمستقر: تدعو إلى اتباع سياسة استراتيجية مشتركة، تقوم على تعزيز الثقة السياسية المتبادلة التي من شأنها أن تنحي الخلافات جانباً، وتحقق العيش في تناغم على أساس الاحترام المتبادل والمساواة المتبادلين، والتبادل الاقتصادي، والتصدي للتحديات المشتركة والتعاون في مكافحة الإرهاب، ومنع الانتشار النووي، وزيادة التبادلات الثقافية والشعبية والالتزام بسياسة الانفتاح.

4- الشراكة الإيجابية المتكاملة مع الدول النامية: تعمد إلى إقامة شراكات اقتصادية مع كافة الدول النامية في أسيا وأفريقيا وأمريكا اللاتينية، خاصة في ظل اعتقادها بأنها أصبحت مكوناً مهماً من مكونات النهوض العام للدول النامية.

5- حرص الجانب الصيني على إجراء التعاون العملي مع البلدان العربية وفقاً لمبدأ المنفعة المتبادلة والكسب المشترك، وخاصة من خلال التشارك في بناء “الحزام والطريق”، الذي سيتم في عملية تناسق استراتيجيات الجانبين للتنمية، وتوظيف ما لديها من المزايا والإمكانيات الكامنة، والدفع بالتعاون الدولي في مجال الطاقة الإنتاجية، وتوسيع دائرة التعاون في البيئة التحتية ومجال تسهيل التجارة والاستثمار، هذا إضافة إلى الطاقة النووية والفضاء والأقمار الصناعية، والطاقة الجديدة، والزراعة والمالية وغيرها، بما يحقق التقدم المشترك والتنمية المشتركة، ويعود بمزيد من الفوائد على أبناء شعوب الجانبين.

المحور الثاني: مبادرة الحزام والطريق الاقتصادية

ينظر العالم إلى القرن الحادي والعشرين إلى أنه قرن آسيا بامتياز، ففي الوقت الذي أثرت فيه توازنات القوى السياسية والعسكرية وتحولاتها على ازدهار طريق الحرير قديماً، فمما لا شك فيه أن توازنات القوى الآسيوية وتحالفاتها وتحولات القوى العالمية الراهنة، في مواجهة تحالفات القوى الأوروبية والأمريكية ومصالحها العالمية دفعت لطرح فكرة إعادة إحياء طريق الحرير، فبداية الطرح كان في خطاب الرئيس الصيني “شي جين بينغ” في أكتوبر 2013م أمام البرلمان الإندونيسي حيث اقترح فيه أن تعمل الصين ودول جنوب شرق آسيا معًا على إحياء طريق الحرير البحري،[9] كما عبر عنها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين خلال زيارته إلى كوريا الجنوبية في نوفمبر 2013م، برغبته في إعادة وصل الطريق عبر شبكة السكك الحديد، والسعي إلى حل الازمة في الجزيرة الكورية لما له من تأثير مباشر على سير هذا الخط، وإحياء طريق الحرير التجاري التاريخي بين دول أسيا وصولاً الى أوروبا، لتشكل هذه الطروحات بداية محاولات إحياء “طريق الحرير”، كنموذج على تنظيم المصالح الاقتصادية بين مراكز ثقافية وحضارية بل وقوى سياسية مختلفة.[10]

ويرتبط الأمر بالاستراتيجية الصينية الهادفة إلى تعزيز وتنمية الاقتصاد الصيني، والذي يفرض إقامة علاقات أوسع واشمل إقليمياً ودولياً، لذا وردت مبادرة الحزام والطريق ضمن القرارات التشريعية في اجتماعات الدورة الثالثة “دبلوماسية المحيط” للحزب الشيوعي الصيني في أكتوبر 2013م، حين أكد الرئيس “شي” التزام الصين ببناء علاقات ودّية وذات منفعة متبادلة مع جاراتها، بحيث تنتفع هذه الدول من تطوّر الصين، فيما تنتفع الصين من جوار مزدهر، وبهذه الطريقة ربط الرئيس بأسلوب مفاهيمي فكرة “الحلم الصيني” بالتنمية الإقليمية، وكان هذا المؤتمر بمنزلة الانطلاقة الرسمية لـ”استراتيجية طريق الحرير” الصينية.[11]

ويعرف المشروع رسمياً باسم “الحزام والطريق”، وهو مبادرة صينية قامت على أنقاض طريق الحرير القديم، ويهدف إلى ربط الصين بالعالم عبر استثمار مليارات الدولارات في البنى التحتية على طول طريق الحرير الذي يربطها بالقارة الأوروبية، ليكون أكبر مشروع بنية تحتية في تاريخ البشرية، ويشمل ذلك بناء مرافئ وطرقات وسككا حديدية ومناطق صناعية، تشارك فيه 123 دولة، تسعى الصين من خلاله تسريع وصول منتجاتها إلى الأسواق العالمية، بما في ذلك آسيا وأوروبا وأفريقيا وأميركا الجنوبية والوسطى.[12] أي ربط الصين بالعالم الخارجي عبر شبكات من الطرق البرية والبحرية تمتد بين القارات، حيث يتكون طريق الحرير من ثلاث طرق برية رئيسة، وطريقان بحريان هي:[13]

  • الطريق الأول: يربط الصين بدول أوروبا، ويمر بسيبيريا جنوب روسيا، ويمتد إلى بحر البلطيق.
  • الطريق الثاني: يربط شرق آسيا من الشمال والجنوب، والجنوب الشرقي، فضلاً عن بلدان شمال أفريقيا، ويمر ببلدان آسيا الوسطى وإيران ودول شبه الجزيرة العربية وصولاً إلى أوروبا.
  • الطريق الثالث: يبدأ من الصين، ويمر بجنويها وصولاً إلى الهند.
  • الطريق الرابع (بحري): يبدأً من بحر الصين إلى المحيط الهندي مروراً ببحر العرب والبحر الأحمر إلى البحر الأبيض المتوسط.
  • الطريق الخامس (بحري): يبدأ من بحر الصين الجنوبي إلى المحيط الهادئ.
  • الطريق القطبي: أضافته الصين عام 2018م لتنمية القطب الشمال، وسوف يقلل الوقت الذي تقضيه سفن الشحن التجاري من 48 يوما إلى 20 يوما فقط.[14]

وقعت الصين أكثر من 200 وثيقة تعاونية بشأن البناء المشترك لـ “الحزام والطريق” مع 151 دولة و32 منظمة دولية، وتمثل الدول التي تشارك في بناء “الحزام والطريق” 83٪ من الدول التي تقيم العلاقات الدبلوماسية مع الصين و78٪ من الدول الأعضاء في الأمم المتحدة، بالنسبة إلى الشرق الأوسط، وقعت الصين الوثائق التعاونية لـ “الحزام والطريق” مع 21 دولة عربية وجامعة الدول العربية، أصبح “الحزام والطريق” منتجًا عالميًا شعبيًا ومنصة للتعاون الدولي،[15] وفي إطار التنفيذ قسمت هذه المبادرة حسب صانع القرار الصيني، ووفقا لتنفيذها الى ثلاثة مراحل هي:

  • المرحلة الاولى: (2016-2013) وهي مرحلة التعبئة الاستراتيجية.
  • المرحلة الثانية: (2019-2016) وهي مرحلة التنفيذ الاستراتيجي.
  • المرحلة الثالثة: (2049-2019) وهي مرحلة التقييم الاستراتيجي.

وعلى الرغم من أن الجوهر الأساسي الظاهر من مبادرة حزام واحد طريق واحد هو جوهر اقتصادي، حيث يتيح للصين فرصة تصدير طاقاتها الإنتاجية الفائضة، وتصدّير المواد الخام والطاقة التي تحتاجها الصين، إلا أن هناك أهداف في السياسة الخارجية تتمثل في:[16]

1. ل الوصول إلى التكافؤ الاستراتيجي مع الولايات المتحدة الأمريكية في آسيا،

2. زيادة نفوذ الصين في الولايات الواقعة على طول طريق الحرير، بدءاً من شرق آسيا، مروراً بالمحيط الهندي وآسيا الوسطى، وصولاً إلى الشرق الأوسط ومنه إلى أفريقيا وأوروبا، وهو ما يمثل إعادة تشكيل المناخ الأمني للصين، ويأمن عدم قطع طرق التجارة الصينية في حالة المواجهة مع الولايات المتحدة الأمريكية، نظراُ لكونها محاطة بسلسلة من الأصدقاء والحلفاء الأمريكيين.

3. إضعاف الهيمنة الأمريكية: يتألف تصوّر طريق الحرير من أراضٍ أوراسية مترابطة لا تشمل الولايات المتحدة الأمريكية.

4. توجّه الصين العالمي (النفوذ الاستراتيجي): قروض بكين لا تشترط على الدول تغيير اقتصاداتها المحلية بحسب توجّهات السوق الحرّة، والشركات الصينية المدعومة من قبل الدولة تتمتع بالمرونة الكافية لعقد صفقات لا تشترط أن تكون عائداتها أرباحاً نقدية في المقام الأول، بل يمكن أن تشمل النفوذ الاستراتيجي أو القوة الناعمة.

إلى جانب تلك الأهداف، فقد طرحت أهداف سياسية أخرى نتيجة بعض الإجراءات التي اتخذتها الحكومة الصينية، وهي:[17]

1. تحقيق طموح الصين لتكون القوة العظمى الأولى على مستوى العالم، أو على الأقل الثانية عالميا خلف الولايات المتحدة.

2. تشكيل نظام عالمي جديد: ويظهر عبر تشكيل “تحالف مغاير للغرب” يجمع روسيا والصين وإيران وقد تنضم إليها دولاً أخرى، خصوصاً بعد تدشين الصين قاعدة عسكرية في جيبوتي، تم افتتاحها في عام 2017م، والتي جاءت في إطار مبادرة الحزام والطريق، وأخرى على الساحل الأطلسي في غينيا الاستوائية، وسعيها لتدشين قاعدة عسكرية في منطقة الشرق الأوسط على البحر الأحمر، وميناء جودار الرئيسي في باكستان القريب من مضيق هرمز، وميناء الدقم في عمان، وبالتالي هي تدعم التواجد الأمني والعسكري والسياسي والاقتصادي بدول الحزام والطريق.

لقد تنامى إدراك لصين لمحاولات الولايات المتحدة الأمريكية التضييق عليها عبر استراتيجية السيطرة على المداخل والممرات المائية، الأمر الذي جعل الصين تسعى إلى اعتماد استراتيجية قائمة على السيطرة والاستحواذ على سلسلة من الموانئ في المحيط الهندي خاصة في دول مثل كامبوديا، لاوس وتايلاند، والتي بدأت الصين فيها بنشر سلسلة من القواعد العسكرية الخاصة بها في المياه الإقليمية لهذه الدول عبر استراتيجية عرفت باسم اللآلئ الصينية أو ما يسمى باستراتيجية “عقد اللؤلؤ” لحماية خطوط التجارة الصينية، وهو أحد مكونات مبادرة الحزام والطريق. [18] وتهدف من خلالها بكين إلى تأمين ممرات ونقاط عبور على شكل عقد اللؤلؤ لتربط بها مناطق نفوذها والموانئ التي طورتها وأنشأتها في عدد من الدول على طول الطريق البحري ضمن استراتيجية الحزام والطريق، وهو يربط مصادر الطاقة في الخليج ببحر الصين. [19]

إن مبادرة الحزام والطريق تتضمن أهدافاً تهدف إلى تعزيز السياسة الخارجية للصين، مستندة إلى تعزيز مصالح الصين السياسية والاقتصادية على المستويين الإقليمي والدولي، مع سعي الصين لأن يكون لها دور ومساهمة رئيسية في الاقتصاد العالمي والذي يعتبر مؤشراً على صعودها وتأثيرها، ويمكن إجمال الأهداف المركزية التي تسعى الصين إلى تحقيقها وراء مشروع طريق الحرير، ما بين أهداف محلية وإقليمية ودولية وأهداف سياسية واقتصادية وثقافية، في الأهداف التالية:[20]

الأول: التعاون الاقتصادي، تحقيق التعاون الاقتصادي العالمي بتنسيق السياسات والتجارة والتمويل والتعاون الاجتماعي والثقافي، وسيضمن مشاركة دول تستحوذ على نحو 55 في المئة من الناتج الإجمالي العالمي، و75% من احتياطيات البترول.[21]

الثاني: تعزيز الاقتصاد العالمي المفتوح، وتشجيع دول الطريق على تنسيق سياساتها الاقتصادية، لتعزيز السلام والتنمية العالية، بما يشمل إعادة تعريف الاقتصاد العالمي وفق رؤية صينية.[22]

الثالث: تحسين روابط النقل وتقليل تكلفة التجارة إلى أوروبا وأجزاء من أوراسيا، لتحقيق ربط أفضل للدائرة الاقتصادية لشرق آسيا من جهة والدائرة الاقتصادية الأوروبية من جهة أخرى، وذلك من خلال تقليل تكاليف نقل البضائع واختصار طول الطرق المؤدية إلى أوروبا.[23]

الرابع: تعزيز التجارة بين الدول المشاركة يضمن الوصول إلى الموارد الطبيعية خاصة البترولية، وتتكامل هذه الرغبة الصينية مع مصالح الدول الغنية بالموارد الطبيعية في آسيا الوسطى والشرق الأوسط.

الخامس: تدويل العملة الصينية، تعيد الصين تشكيل اقتصادها ليكون اقتصادًا مفتوحا يعزز من قدرتها على صانعة القرار في الاقتصاد العالي ويساهم في تدويل العملة الصينية، ليكون لها دور رئيس في تحقيق التنمية على المستوى الدولي.[24]

السادس: تعزيز تحقيق السلام وزيادة رصيد بكين من القوة الناعمة في العالم.

السابع: تنمية منطقة التبت وخلق جوار جغرافي أكثر أمناً، بتخفيف التهديدات الأمنية في مناطق الاضطرابات، بما في ذلك الحركات الانفصالية للتبت والإيغور وتجارة المخدرات وتسلل المتطرفين.

الثامن: التأثير الاقتصادي والدبلوماسي في العالم بصفة عامة، وفي أسيا بصفة خاصة؟ فغياب الولايات المتحدة كقوة استراتيجية في أوراسيا يعزز الفرص الصينية لتوسيع قوتها الدبلوماسية والاقتصادية.

التاسع: التصدي للقضايا الاستراتيجية المتعلقة بالطاقة والأمن، وتأمين الاستغلال الاستراتيجي للصين، في حال إغلاق مضيق ملقا بين المحيط الهندي وبحر الصين الجنوبي ممر 75% من الواردات النفطية.

العاشر: رغبة الصين في القيام بدور في إعادة التوازن الاقتصادي وتصحيح الاختلالات الاقتصادية على المستوى الدولي، في ظل تذمر عدد كبير من الدول النامية من فاعلية المؤسسات الغربي.[25]

المحور الثالث: السياسة الخارجية الصينية تجاه دول مجلس التعاون الخليجي في ضوء مبادرة الحزام والطريق

تعتبر منطقة الخليج العربي منذ ظهور أول حضارة بشرية عليها، من الطرق المائية والبحرية المهمة وملتقى حضارات الشرق القديم، وقلب منطقة الشرق الأوسط، فعبر الفرات نستطيع الوصول إلى البحر المتوسط، وعبر دجلة وتركيا نصل إلى البحر الأسود، وعبر ايران إلى بحر الخزر، ثم روسيا وأفغانستان، وإضافة إلى أهميتها الجغرافية والاستراتيجية فإنها تحظى بأهمية اقتصادية بالغة وثروات نفطية وغازية تعد مصدراً رئيسياً للطاقة في العالم، وبدخول النفط مرحلة الإنتاج والتسويق، وبشكل خاص إلى البلدان الصناعية في أوروبا، والولايات المتحدة الأمريكية واليابان والصين وسواها، ارتبطت المنطقة بالتأثيرات والمتغيرات السياسية والاقتصادية العالمية، كما أصبحت الدول المطلة عليه والمتاخمة له متأثرة بتغيرات الأوضاع الدولية أكثر من غيرها، وقد اعتبرت منطقة الخليج العربي من الناحية الجغرافية مفصلاً استراتيجياً في علاقات الصراع بين الشرق والغرب، حيث تقع على محور طرق المواصلات البحرية والجوية بين أوروبا والشرق الأوسط وغرب أسيا وجنوب شرق أسيا، ولا تبعد في الوقت نفسه كثيرا عن الحدود الجنوبية للاتحاد السوفيتي سابقاً، الذي يفصله الخليج عن الوصول إلى المياه الدافئة في المحيط الهندي، وبالتالي إمكانية وصوله إلى بحر العرب والقرن الإفريقي، هذه المميزات الجغرافية والاستراتيجية جعلت المنطقة محل أطماع الدول والقوى الإقليمية والدولية.[26]

رفعت الأهمية الاستراتيجية للخليج العربي وتيرة التنافس بين القوى العظمى عليها؛ للحصول على موارد الطاقة اللازمة للقطاع الاقتصادي والصناعي، لتشكل أساس معادلة العلاقات مع الدول المستوردة ودعم الاعتماد المتبادل بينها، وقد كانت على رأس هذه الدول الصين العملاق الاقتصادي والصناعي.[27]

بدأت تتشكل شبكة المصالح الشرق أوسطية الصينية على خلفية تأثير عدد من العوامل الحيوية التي يتمثل أبرزها في الآتي:[28]

1. تأثير العامل النفطي: بسبب اتساع حجم الاقتصاد الصيني المضطرد فقد بدأت الندرة النفطية تطل برأسها بما دفع الصين إلى محاولة تغطية احتياجاتها النفطية من مناطق الشرق الأوسط.

2. تأثير العامل التجاري: يتميز الانتاج الصيني بالوفرة وانخفاض التكاليف وعلى خلفية حاجة الصين المتزايدة للنقد الأجنبي فقد بدأت أسواق الشرق الأوسط أكثر جاذبية لقطاع الصادرات الصيني.

3. تأثير العامل الجيواستراتيجي: تتميز المنطقة بوجود الممرات الحاكمة وشديدة التأثير على حركة النقل البحري الدولي وعلى وجه الخصوص ممر قناة السويس وممر باب المندب ومضيق هرمز، وبذلك أدركت بكين أن تأمين الملاحة في هذه الممرات يضمن استمرارية النفاذ والوصول إلى الأسواق العالمية، وعلى وجه الخصوص أسواق الاتحاد الاوروبي وشمال إفريقيا وبلدان شرق المتوسط ومنطقة الخليج.

4. تأثير العامل الأميركي: النظرة الأميركية للصين باعتبارها مصدراً للخطر ضدها، وقيامها باستهداف الصين عن طريق إذكاء تأثيرات الاضطرابات وإقامة الأحلاف العسكرية – الأمنية، من أجل تطويق الصين، وقد كان الخليج العربي جزء من المنظومة السياسية والأمنية والاقتصادية الأمريكية.

لقد دفعت هذه العوامل مجتمعة دوائر صنع قرار السياسة الخارجية الصينية إلى القيام بتصميم نموذج جديد وأهم ما فيه الجمع بين أهداف السياسة الخارجية الصينية وأهداف الأمن القومي الصيني الخارجية،

وبقي المقام الأول للسياسة الخارجية الصينية مدفوعة بالبحث عن الأمن في مجال الطاقة والرغبة في زيادة أسواقها وفرص الاستثمار التي تلقاها في الخارج، ودفع العلاقات الاقتصادية في مجال الطاقة.[29]

في إطار العوامل السابقة التي حكمت السياسة الخارجية الصينية، اتبعت الصين سياسة براغماتية “نفعية” في تعاملها مع النظم السياسية الموجودة في المنطقة وفقاً لمصالحها، وقد اتسع دور الصين في المنطقة خلال العقدين الأخيرين، وتزامن ذلك مع تحول في السياسات الصينية الداخلية والخارجية، لتحدد مجموعة من الثوابت أو المحددات تجاه الخليج العربي خاصة والشرق الأوسط عامة، حددتها في المحددات التالية:[30]

1. حماية المصالح الاقتصادية: خصوصا واردات النفط فعلى الرغم من تعزيز الصين لإنتاجها المحلي، إلا أن واردات النفط تمثل، ٦٠% من حاجات الطاقة الصينية”)؟، وهكذا أصبحت حاجة الصين المتزايدة إلى النفط ومن ثم الاهتمام بأمن الطاقة ركيزة أساسية من ركائز السياسة الخارجية الصينية تجاه المنطقة.

2. تجنب التصادم مع أمريكا: عدم رغبة الصين في حدوث تصادم بين سياساتها وسياسات الولايات المتحدة تجاه المنطقة، وعدم حدوث تأثيرات سلبية في العلاقات التجارية المتنامية معها.

3. النظرة الخاصة للصين إلى الشرق الأوسط: تأتي في إطار سياستها العامة الداعية إلى بناء بيئة استقرار وسلام دولية، لأن قضايا الصراع العربي -الإسرائيلي معقدة جداً، والميل الصيني إلى بناء تعاون اقتصادي مع البلدان العربية أكثر من ميلها إلى بناء تعاون سياسي.

4. تبني الصين رؤية خاصة لحل مشاكل الشرق الأوسط: تعتمد التعاون الإقليمي كأساس للسياسة الأمنية، وعدم الرغبة في التورط عسكريا، والقناعة بأن التعاون الثنائي والمتعدد وبناء التنمية الاقتصادية سوف يحد من الأزمات في المنطقة، ويعالج مشكلة الإرهاب، والتزام اعتماد القنوات الدبلوماسية في تطبيق سياساتها وتشجيع اتجاهات حوار الحضارات الثنائية والمتعددة).

5. العلاقات القوية بين الصين وإيران، وهي علاقات لها جذور تاريخية، ويقيم البلدان شراكة وتعاوناً في مجالات: السلاح والطاقة والتجارة والتعاون السياسي والعلاقات الثقافية.

وحددت ثلاثة أهداف استراتيجية لها بمنطقة الخليج، الهدف الأول الطاقة والمعادن، والهدف الثاني حماية خطوط الملاحة وخاصة الموانئ التي يعتبر منها البترول، مضيق باب المندب ومضيق هرمز، والثالث إبعاد خطر القرصنة البحرية عن خطوط الملاحة. [31]

ولتعظيم حجم العلاقات بين دول الخليج والصين، كان لدول الخليج نصيب كبير في مبادرة الحزام والطريق، فخلال خطاب الرئيس الصيني “شي جين بينغ” في 5 يونيو 2014م، بالدورة السادسة من منتدى التعاون العربي- الصيني، أشار إلى أن “الصين والبلدان العربية هم أصدقاء قدامى بسبب طريق الحرير”، و”نحن شركاء التعاون الطبيعي للبناء المشترك للحزام والطريق، يجب أن نثابر على التجارة والبناء، والمبادئ المشتركة، والبناء المشترك بين الصين والبلدان العربية للحزام والطريق؛ فإذا أردنا الوصول إلى قمة عالية علينا الوقوف أولًا على أرض صلبة، وعلينا الاعتماد، وترقية علاقة الصداقة التقليدية بين الصين والبلدان العربية”.[32]

لتصدر الحكومة الصينية في 13 مايو 2016م وثيقة مهمة بعنوان “وثيقة سياسة الصين تجاه البلدان العربية”، توضح إجراءات السياسة الصينية من أجل تقوية علاقاتها العربية من خلال خمسة مجالات:[33]

1. المجال السياسي: (التبادل الرفيع المستوى، آليات التشاور والتعاون بين الحكومات، التواصل بين الأجهزة التشريعية والأحزاب السياسية والحكومات المحلية، التعاون في الشؤون الدولية، القضايا المتعلقة بتايوان).

2. مجال الاستثمار والتجارة (الحزام والطريق، التعاون في الطاقة الإنتاجية، التعاون الاستثماري، التجارة المتبادلة، التعاون في مجال الطاقة، بناء البنية التحتية والأساسية، التعاون في مجال الفضاء، التعاون في مجال الطاقة النووية للأغراض المدنية، التعاون المالي، بناء آليات وأُطر التعاون الاقتصادي والتجاري).

3. مجال التنمية الاجتماعية (الرعاية الطبية والصحة، التعليم وتنمية الموارد البشرية، التعاون في مجال العلوم والتكنولوجيا، التعاون الزراعي، مواجهة التغير المناخي والتعاون في حماية البيئة والغابات).

4. مجال التواصل الإنساني والثقافي (التواصل الحضاري والديني، التعاون في مجالات الثقافة والإذاعة والسينما والتلفزيون والإعلام والنشر ومراكز الفكر، التبادل الشعبي والتواصل بين الشباب والنساء، التعاون في مجال السياحة).

5. مجال السلام والأمن (الأمن في المنطقة، التعاون العسكري، التعاون في مجال مكافحة الإرهاب، التعاون في مجالات الشؤون القنصلية والهجرة والقضاء والشرطة، الأمن غير التقليدي).

أبدت الدول العربية عامة ودول مجلس التعاون الخليجي الخليج خاصة، موقفاً إيجابياً من مبادرة الرئيس الصين طريق الحرير البري والبحري، والتي تتلائم مع حجم الاتفاقيات المالية والاقتصادية التي تربط بين الطرفين، لتترجم بشكل مباشر خلال زيارة الملك السعودي سلمان بن عبد العزيز في مارس 2017م إلى الصين، بتوقيع اتفاقيات بين المملكة السعودية والجمهورية الصينية بقيمة قد تتجاوز 65 مليار دولار، سعت من خلالها الدولتان لتعزيز التعاون في مجال الطاقة، والمالية، والبنية التحتية، ودفع التكامل بين رؤية السعودية 2030م ومبادرة الحزام والطريق، وتعزيز الدور الصيني في الخلافات الإقليمية خاصة مع إيران، وتعزيز الانفتاح السعودية نحو الدول الآسيوية.[34]

لتستكمل تلك العلاقات بزيارة أمير الكويت صباح الأحمد الصباح في 7 يوليو 2018م إلى الصين لتوطيد العلاقة الاستراتيجية بين البلدين، بعد أن وقعت الكويت كأول دولة مذكرة تفاهم للتعاون في مجال “مبادرة الحزام والطريق” عام 2013م، لجعل الكويت مركزاً مالياً وتجارياً في شمال الخليج، وممراً اقتصادياً ضمن الممرات الاقتصادية التي تعمل عليها المبادرة، وطرح الأمير بادرة إنشاء مدينة الحرير على مساحة تشكل 10% من مساحة الكويت الإجمالية بالتعاون مع الصين، ضمن رؤية الكويت لتحويل اقتصادها من اقتصاد ريعي يعتمد على النفط إلى اقتصاد متنوع يعتمد على الخدمات،[35] وقد كانت تلك الزيارات والاتفاقيات نتيجة حتمية لمؤتمرات عديدة عقدتها الصين في الخليج كان تركيزها ابتداء على ما كان يسمى بطريق الحرير البحري، ثم تطور الأمر إلى طرح الشراكة بمبادرة الحزام والطريق، والفكرة الأساسية لهذا التحرك هي تعزيز الطرق البحرية والبرية والجويّة وأنظمة الاتصالات عبر قارة آسيا مروراً بالخليج.[36]

لقد ازداد الطلب وبشكل كبير على رأس المال الصيني، حيث تسعى العديد من دول مجلس التعاون الخليجي إلى تنفيذ خطط “رؤية” للتنمية الاقتصادية والتنويع”، ولا شك أن نموذج التنمية الاقتصادية في الصين يجذب حكام منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، الذين يرفضون تقديم أي تنازلات ديمقراطية، ذلك يفرض حالة من التوازن في العلاقات على الصين بين (دول الخليج وإيران)، وعلى دول الخليج بين (الصين والولايات المتحدة الأمريكية)، وكلما كانت مواقف دول الخليج موحدة ستكون النتائج أكثر إيجابية في الجوانب السياسية والاقتصادية والأمنية مع الصين.[37]

حجم التبادل التجاري بين الصين ودول مجلس التعاون الخليجي[38]

المصدر: المركز الاحصائى لدول مجلس التعاون الخليجي

حركة التجارة بين الصين ودول مجلس التعاون الخليجي

المصدر: المركز الاحصائى لدول مجلس التعاون الخليحي

اتخذت دول الخليج العربي العديد من الخطوات والإجراءات للاستفادة من الفرص والإمكانيات المتنوعة، التي توفرها مبادرة “الحزام والطريق” للدول المشاركة فيها، أهمها:[39]

1. تنسيق ومواءمة استراتيجياتها وخططها التنموية مع المبادرة: إذ رحبت الدول العربية عموما، ودول الخليج العربي خصوصا، بمبادرة “الحزام والطريق”، ويدا العديد منها التخطيط بشكل إيجابي لمواءمة استراتيجياتها وخططها التنموية الطموحة، لتتناغم وتتوافق مع رؤى وأهداف واستراتيجيات المبادرة، ومن ذلك رؤية “المملكة 2030” في السعودية، ورؤية “الكويت 2035″، ورؤية الإمارات لإحياء طريق الحرير”، ورؤية قطر الوطنية 2030″، ورؤية “عمان 2040”.

2. ترابط المنشآت والبنى التحتية: تشارك الشركات الصينية، من خلال المبادرة في إنشاء العديد من الموانئ في دول الخليج، مما سيؤدي إلى زيادة القدرات المتاحة والترابط، ومن ثم تقليل تكاليف النقل، وقد حققت مشروعات التعاون نتائج مثمرة في مجال إنشاء البنية التحتية ورفع مستوى المعيشة وتوفير فرص العمل.

3. تحسين القدرات الصناعية لدول الخليج: تعمل الصين من خلال المبادرة على تحسين القدرات الصناعية لدول الخليج. حيث قامت دول الخليج، بتخصيص مناطق اقتصادية خاصة لإقامة مشروعات مرتبطة بالمبادرة، مثل السعودية (جازان)، سلطنة عمان (الدقم)، الكويت (الجزر الخمس).

4. التعاون المصرفي والمالي: يمكن لدول الخليج الاستفادة من انضمامها للمبادرة من خلال عضويتها في المؤسسات المالية التي أطلقتها الصين لتقديم التمويل والاستثمارات للدول على طول “الحزام والطريق”، وعلى رأسها البنك الأسيوي للاستثمار في البنية التحتية.

5. التعاون التجاري والاستثماري: تسهيل التجارة والاستثمار في الدول والمناطق على طول “الحزام والطريق”، بجانب خفض تكاليف الصفقات وتكاليف ممارسة التجارة، وإطلاق الإمكانية التنموية، وتوسيع وتعميق درجة اشتراك مختلف الدول في العولمة الاقتصادية بشكل متزايد.

لقد دأبت الصين على مدى العقدين الماضيين مع دول مجلس التعاون الخليجي على بناء علاقاتها الاقتصادية والسياسية والأمنية، وقد أثمرت هذه الجهود بأن حلت الصين في عام 2020م محل الاتحاد الأوروبي كأكبر شريك تجاري لدول مجلس التعاون الخليجي مع تجارة ثنائية بلغت في عام 2022م بقيمة 315.8 مليار دولار أمريكي، ودخلت في مشاريع البنية التحتية الضخمة، مثل استاد لوسيل في قطر وخطوط السكك الحديدية عالية السرعة في المملكة العربية السعودية، وأمست الإمارات العربية المتحدة أكبر سوق تصدير للصين، وأكبر شريك تجاري غير نفطي في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، ومركزًا لإنتاج لقاحات COVID-19 الصينية، كما أصبحت الصين أكبر مستورد للنفط الخام العماني، حيث تستورد ما يقرب 78.4% من إنتاجها، ومن المقرر أن تلعب عمان دورًا مهمًا في مبادرة الحزام والطريق الصينية، وتُظهر مستويات المشاركة المتزايدة، بسعي كلا الجانبين إلى تعميق علاقاتهما على مدى العقود المقبلة، فقد وُصفت الزيارة التي قام بها رئيس مجلس التعاون الخليجي والعديد من وزراء دول مجلس التعاون الخليجي للصين في يناير 2022م بأنها “غير مسبوقة”، والتي أثمرت بالدعوة إلى إقامة شراكة استراتيجية، وتعزيز مفاوضات اتفاقية التجارة الحرة، واكتملت هذه الزيارات بزيارة الرئيس الصيني “شي جين بينغ” إلى الرياض ديسمبر 2022م، حيث استقبل بحفاوة كبيرة وتم عقد قمتين بخلاف القمة السعودية الصينية، عقدت صينية خليجية، وقمة صينية عربية في نفس الزيارة. [40]

إن مشروع الحزام والطريق يحمل في جوانبه العديد من الأهداف الخارجية للسياسة الصينية الاقتصادية منها والسياسية، وفي ظل الإمكانات التي تتمتع بها دول مجلس التعاون الخليجي من موقع جغرافي جيوسياسي مميز، وإمكانات هائلة في مجال الطاقة تساعدها في الاستفادة من هذا المشروع في الجانب الاستثماري بكافة الجوانب والطرق، بشكل يعزز من مستوى الدخل القومي لها بعيداً عن الدخل النفطي، ويرفع من مستوى الاقتصاد المحلي لها، مستغلة حالة التوازن التي تلعبها الصين في سياستها معها لعاملين الأول حساسية علاقتها مع إسرائيل وإيران لبعض دول مجلس التعاون الخليجي، والآخر حساسية علاقة دول مجلس التعاون الخليجي مع الولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا.

وقد سعت الصين إلى تجاوز التحديات التي تواجه علاقتها مع دول الخليج المتمثلة في، علاقتها المتميزة مع إيران، وعلاقة دول الخليج مع الولايات المتحدة الأمريكية، وعلاقات الصين المتنامية مع إسرائيل، حيث جدد الرئيس الصيني في قمة الرياض إعلان الصين دعمها إقامة دولة فلسطينية على حدود 1967م، وهو الموقف الذي ينسجم مع سياسات دول مجلس التعاون الخليجي والدول العربية، كما ابتعدت الصين عن الملفات التي تشكل استفزازاً للولايات المتحدة الأمريكية في علاقتها مع دول مجلس التعاون الخليجي، أما بخصوص إيران فقد نجحت الصين في مفاجأة العالم بدبلوماسيتها الهادئة بالتوسط لعقد لقاء بين وزيري الخارجية السعودي والإيراني في بكين، نتج عنه إعادة العلاقات الدبلوماسية بين السعودية وإيران، والتوافق على مسار سياسي لحل الأزمة في اليمن.

يبقى التحدي الأكبر لدول مجلس التعاون الخليجي هو عدم وجود استراتيجية خليجية للتعامل مع الصين، فلا زالت العلاقة هي علاقة منفردة بين دول مجلس التعاون الخليجي والصين، لا من خلال مجلس التعاون كاستراتيجية موحدة تخدم جميع دول المجلس بعيداً عن حجم الأهمية التي توليها الصين للدول والتي تتفاوت من دولة إلى أخرى، الأمر الذي صعب من الوصول إلى اتفاقية التجارة الحرة بين الصين ودول مجلس التعاون، والتي بدأت مفاوضاتها عام 2004م، ولم يتم التوصل إلى اتفاق حتى اللحظة.

خاتمة

سعت الصين ومعها دول مجلس التعاون الخليجي خلال العقد الأول والثاني من القرن الواحد والعشرين على زيادة مستوى العلاقات بين الطرفين على كافة المستويات الاقتصادية والسياسية والأمنية، ذلك بعد أن أدرك صانع القرار السياسي في الصين أهمية المقومات الجيواستراتيجية للدول مجلس التعاون الخليجي، وحجم التأثير الذي ممكن أن تلعبه في المرحلة الراهنة خصوصاً في ظل مبادرة الحزام والطريق، فأصبحت دول مجلس التعاون الخليجي لها أهميتها الاستراتيجية في دائرة اهتمام السياسة الخارجية الصينية، وأصبحت تنظر لها كشريك رئيسي في مشروع الحزام والطريق، وفي سبيل تعزيز الثقة بفضل العديد من العوامل المرتبطة بعلاقات كلا الطرفين الإقليمية والدولية، فقد التزم الطرفان في سبيل تعزيز الثقة بمبدأً المناقشة والبناء المشترك والتعاون لتحقيق المصالح المشتركة لكلاهما، تلك العلاقات دفعت مجلس التعاون الخليجي لاستخدام مصطلح الشراكة الاستراتيجية للتدليل على أهمية العلاقات التي تربطها مع الصين.

وتسعى الصين من خلال مشروع الحزام والطريق إلى تحقيق جملة من الأهداف على المستوى الاقتصادي والسياسي الإقليمي والدولي، وترسيخ مكانتها كقوة عظمى على المستوى الدولي في الجانب الاقتصادي ومن ثم السياسي، ويشكل المشروع فرصة لدول الخليج العربي للنهوض بمستويات التنمية بها، وتوسيع دائرة الاستثمار لاقتصادها والتخفيف من الاعتماد على مصادر النفط كأساس للدخل القومي، وهو ما دأبت للعمل عليه دول الخليج وفق خططها المعلنة.

وبذلك فإن الاستثمار الأمثل والأمثل لمشروع الحزام والطريق يتوقف على دول مجلس التعاون الخليجي أكثر من الصين، وعلى مدى وضوح خططها ورؤيتها لمشروع وطني تنموي في كافة المجالات، مستغلين كافة الامكانيات البشرية والمادية ورؤوس الأموال، وورقة التعامل باليوان الصيني والتنافس الصيني الأوروبي الأمريكي لتحسين واقع التعاون والشراكة مع الصين.

هوامش الدراسة

  1. اسماعيل صبري مقلد (1991)، العلاقات السياسية الدولية (دراسة في الأصول والنظريات)، (القاهرة: المكتبة الاكاديمية)، ص18-19.
  2. محمد جلال، (2009): الركائز الاستراتيجية لسياسة الصين الخارجية، (مركز الجزيرة للدراسات، 9 نوفمبر).

    (https://studies.aljazeera.net/ar/reports/2009/201172123279750464.html, 15.06.2023)

  3. محمد كاظم ابتسام العمري، (2019): السياسة الصينية حيال منطقة الشرق الأوسط بعد عام 2001م، (مجلة قضايا سياسية: العدد 32-33)، ص112.
  4. دايد العابدين، (2021): الطموح الجيوبوليتيكي الصيني، (مجلة دائرة البحوث والدراسات القانونية والسياسية، المجلد 5، العدد 2)، ص 472.
  5. مها شحادة، (2017): السياسة الخارجية الصينية تجاه النظام الدولي “البعد الثقافي نموذجا” (2015-1991)، (جامعة الأزهر غزة: رسالة ماجستير غير منشورة)، ص58.
  6. علاء الدين سعيداني، (2019): السياسة الخارجية الصينية تجاه المنطقة العربية الجزائر أنموذجا 2000 – 2018م، (جامعة محمد بوضياف المسيلة: رسالة ماجستير غير منشورة)، ص18.
  7. إياد نصار، (2021): دور التكنولوجيا والمعلوماتية في تنفيذ أهداف السياسة الخارجية الصينية تجاه روسيا(2020-2013)، (جامعة الأقصى: رسالة ماجستير غير منشورة)، ص40.
  8. نور أبو مغصيب، (2022): الدبلوماسية الناعمة في السياسة الخارجية الصينية تجاه منطقة الخليج العربي في فترة2013-2020م، (جامعة الأقصى: رسالة ماجستير غير منشورة)، ص50-51.
  9. كسيو مينغ كيان وآخرون، (2017): العلاقات العربية الصينية، (بيروت: مركز دراسات الوحدة العربية)، ص164.
  10. نادية محمود مصطفى ، العلاقات الدولية في التاريخ الاسلامي : منظور حضاري مقارن (مركز الحضارة للدراسات السياسية ،دار البشير للثقافة والعلوم ، 2015)، ص377.
  11. كسيو مينغ كيان وآخرون، (2017): العلاقات العربية الصينية، مرجع سابق، ص165.
  12. سعدي القيسي، (2021): الحزام والطريق من المشاريع الصينية العملاقة لربط الصين بالعالم، (مجلة الحوار المتمدن الإلكترونية: الدد 6937، 23 يونيو) (https://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=722892, 10.06.2023)
  13. عدنان البدراني، (2022): تحديات مبادرة الحزام والطريق: دراسة حالة الصين والدول المشاركة، (مجلة المعهد: العدد 8)، ص107-108.
  14. عدنان حميد، (2020): مبادرة الحزام والطريق: الأهداف والتحديات، (مجلة تكريت للعلوم السياسية: العدد 19)، ص173.
  15. وزارة الخارجية الصينية: فتح العقد المجيد القادم لبناء “الحزام والطريق” يد بيد، (جمهورية الصين الشعبية: 13 مارس 2023م).

    (http://ye.china-embassy.gov.cn/ara/xwdt/202303/t20230313_11039989.htm, 25.06.2023)

  16. Kadira Pethiyagoda, (2017): What motivates the New Silk Road in China, and how should the West respond?, (The Brookings Institution: 17 May). (https://www.brookings.edu/articles/whats-driving-chinas-new-silk-road-and-how-should-the-west-respond/, 11.06.2023)
  17. وائل الغول، (2023): طريق الحرير الصيني.. مخاوف من “فخ الديون” وعقبات قد تؤدي لـ”فشل المبادرة”، (قناة الحرة: 29 مارس).

    (https://www.alhurra.com/arabic-and-international/2023/03/29/%D8%B7%D8%B1%D9%8A%D9%82-%D8%A7%D9%84%D8%AD%D8%B1%D9%8A%D8%B1-%D8%A7%D9%84%D8%B5%D9%8A%D9%86%D9%8A-%D9%85%D8%AE%D8%A7%D9%88%D9%81-%D9%81%D8%AE-%D8%A7%D9%84%D8%AF%D9%8A%D9%88%D9%86-%D9%88%D8%B9%D9%82%D8%A8%D8%A7%D8%AA-%D8%AA%D8%A4%D8%AF%D9%8A-%D9%84%D9%80%D9%81%D8%B4%D9%84-%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%A8%D8%A7%D8%AF%D8%B1%D8%A9, 12.06.2023)

  18. شريفة كلاع، (2021): جيوسياسية الصين ومكانتها الدولية من خلال استراتيجية عقد اللؤلؤ، (المجلة الجزائرية للأمن والتنمية: المجلد 10، العدد 1، يناير)، ص545.
  19. Neeraj Singh Manhas, (2020): China’s Policy of ‘String of Pearls’, (International Journal of Social Impact: Volume 05, Issue 3), P.25.
  20. محمد مطاوع، (2020): طريق الحرير الجديد في الاستراتيجية الصينية الأهداف الكبرى، والوزن الاستراتيجي، والتحديات، (مجلة سياسات: العدد 46، أيلول / سبتمبر)، ص31-34
  21. Michael Fleet, (2017): China’s Belt and Road Initiative: Harnessing Opportunities for Canada, in: Cracks in the Liberal International Order:2018 Global Trends Report (Waterloo: Balsillie School of International Affairs), pp. 95-96.
  22. Paulo Duarte, (2017): China’s One Belt One Road: Which Impacts on Regional and Global Integration?, (IAPSS World Congress: 5 Apr), p.8.
  23. Michael Clarke, (2018): The Belt and Road Initiative: Exploring Beijing’s Motivations and Challenges for its New Silk Road, (Strategic Analysis: vol; 42, no. 2 March), p. 91.
  24. Justyna Misiągiewicz & Marcin Misiągiewicz, (2016): China’s One Belt, One Road Initiative: The Perspective of the European Union, (Annals Universities Maria Curie-Skłodowska, section K- Politologia: vol. 23, no.1), p. 34.
  25. Yiping Huang, (2016): Understanding China’s Belt & Road Initiative: Motivation, Framework and Assessment, (China Economic Review: vol. 40), p. 315.
  26. حشوف ياسين، (2018): منطقة الخليج العربي: المكانة والبعد الجيواستراتيجي دراسة في المؤثرات الاستراتيجية لنظام الإقليمي الخليجي، (مجلة دفاتر السياسة والقانون: العدد 19، يناير)، ص345-347.
  27. ابتسام محمد العامري، (2017): الدور الصيني في أفريقيا، دراسة في دبلوماسية القوة الناعمة، (مجلة المستقبل العربي: العدد 466)، ص125.
  28. نبيل سرور، (2013): السياسة الخارجية الصينية بعد الحرب الباردة (1990-2011)، (الجامعة الإسلامية لبنان: أطروحة دكتوراه غير منشورة)، ص233-234.
  29. فريدة العلمي، (2018): البراغماتية: السياسة الخارجية الصينية في الشرق الأوسط بعد الثورات العربية، (مجلة الأستاذ الباحث للدراسات القانونية والسياسية، العدد التاسع، المجلد الثاني، مارس)، ص1210.
  30. علاء محمد، (2013): السياسة الصينية تجاه الصراع العربي -الإسرائيلي: الثوابت والمتغيرات، (مجلة المستقبل العربي: المجلد 36، العدد: 418، ديسمبر)، ص8-9.
  31. أحمد البرصان، (2018): التواجد الصيني في منطقة الخليج: الانحياز للمصالح، (مجلة آراء حول الخليج: العدد 132، 31 ديسمبر)، ص7.
  32. Xi Jinping, (2014): Promote the Silk Road Spirit, Strengthen China-Arab Cooperation, (CPC Central Committee Bimonthly: Qiushi Journal, 5 June). (http://en.qstheory.cn/2021-02/05/c_607637.htm, 15.06.2023)
  33. وزارة الخارجية الصينية، (2016): وثيقة سياسة الصين تجاه الدول العربية، (جمهورية الصين الشعبية: 13 يناير).

    (https://www.fmprc.gov.cn/ara/zxxx/201601/t20160119_9598170.html, 18.06.2023)

  34. العربية، (2017): مذكرات تفاهم بين السعودية والصين ب65 مليار دولار، (العربية: 16 مارس).

    (https://www.alarabiya.net/aswaq/economy/2017/03/16/-%D8%A7%D9%84%D8%AA%D8%AC%D8%A7%D8%B1%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%B3%D8%B9%D9%88%D8%AF%D9%8A%D8%A9-%D8%AA%D9%88%D9%82%D8%B9-, 15.06.2023)

  35. خالد الخالدي، (2018): زيارة أمير الكويت للصين” بحث عن توازن قوى، (صحيفة العربي الجديد: العدد 1413، 15 يوليو).
  36. محمد بلعاوي، (2018): مسارات السياسة الصينية في المنطقة العربية ومآلاتها، (مركز الجزيرة للدراسات والأبحاث: 23 يوليو).

    (https://www.aljazeera.net/opinions/2018/7/23/%D9%85%D8%B3%D8%A7%D8%B1%D8%A7%D8%AA-%D8%A7%D9%84%D8%B3%D9%8A%D8%A7%D8%B3%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%B5%D9%8A%D9%86%D9%8A%D8%A9-%D9%81%D9%8A-%D8%A7%D9%84%D9%85%D9%86%D8%B7%D9%82%D8%A9, 20.06.2023)

  37. Adel Abdel Ghafar, (2022): SINO-GCC RELATIONS: PAST, PRESENT, AND FUTURE TRAJECTORIES, (ISSUE: JUNE).
  38. (https://mecouncil.org/publication/china-gcc-relations-past-present-and-future-trajectories-2/, 25.6.2023)

    المركز الإحصائي لدول مجلس التعاون الخليجي، (2022): العلاقات الاقتصادية مجلس التعاون الخليجي والصين، (مجلس التعاون الخليجي: المركز الإحصائي)، ص3.

  39. هدي ذاري، المتمرس عبدالفتاح، (2023): أبعاد مبادرة الحزام والطريق على منطقة الخليج العربي، (مجلة قضايا سياسية: العدد 69)، ص477 – 478.
  40. Adel Abdel Ghafar, (2022): SINO-GCC RELATIONS: PAST, PRESENT, AND FUTURE TRAJECTORIES, (Middle East Council on Global Affairs: 1 JUNE).

    (https://mecouncil.org/publication/china-gcc-relations-past-present-and-future-trajectories-2/, 12.06.2023)