ملامح البنى الثقافية في الفن الشعبي (البوب آرت)

د. سامره فاضل محمد علي1

1 المديرية العامة تربية بابل – 2023/م

HNSJ, 2023, 4(9); https://doi.org/10.53796/hnsj4918

Download

تاريخ النشر: 01/09/2023م تاريخ القبول: 15/08/2023م

المستخلص

تناول البحث الموسوم (ملامح البنى الثقافية في الفن الشعبي البوب آرت) أربعة فصول اهتم الفصل الأول منها بالإطار المنهجي والمتمثل بمشكلة البحث التي طرحت تساؤلاً عن أهم البنى الثقافية القابعة خلف الفن الشعبي (البوب آرت) ، فضلا عن أهمية البحث والحاجة إليه وهدفه الموسوم (الكشف عن ملامح البنى الثقافية في الفن الشعبي (البوب آرت) . في حين احتوى الفصل الثاني على الإطار النظري الذي تضمن على ثلاثة مباحث أولهما الثقافة بنية وما تحويه من آليات اشتغالية ، وكان المبحث الثاني تحت عنوان مقاربات في الثقافة وفنون ما بعد الحداثة أما الثالث فقد كان الفن الشعبي( البوب آرت) ، بينما تضمن الفصل الثالث تحليل نماذج عينة البحث البالغة (5) نماذج . وصولا إلى الفصل الرابع المتمثل بعرض نتائج البحث ومن أهمها: ارتباط فنون ما بعد الحداثة بآليات الفكر الرأسمالي ارتباطاً وثيقا وتلعب تمثلات الآلة والتقنية دوراً بارزاً في أعمال الفن الشعبي ، كما في كل نماذج عينة البحث . ثم الإستنتاجات والتوصيات والمقترحات .

Research title

Features of cultural structures in folk art (pop art)

Dr. Samra Fadel Muhammad Ali1

1 Directorate General of Education of Babylon – 2023

HNSJ, 2023, 4(9); https://doi.org/10.53796/hnsj4918

Published at 01/09/2023 Accepted at 15/08/2023

Abstract

The research tagged (Features of Cultural Structures in Popular Art, Pop Art) dealt with four chapters, the first of which concerned the methodological framework represented by the research problem that raised a question about the most important cultural structures behind popular art (Pop Art), as well as the importance and need for research and its marked goal (disclosure On the features of cultural structures in popular art (pop art), while the second chapter contained the theoretical framework, which included three sections, the first of which was culture as a structure and what it contained of functional mechanisms, and the second section was titled Approaches to Culture and Postmodern Arts, while the third was Folk art (Pop Art), while the third chapter included an analysis of the research sample forms (5) models, leading to the fourth chapter represented by presenting the research results, the most important of which are: Postmodern arts are closely related to the mechanisms of capitalist thought, and representations of the machine and technology play a prominent role in the works of folk art, as in all models of the research sample. Then conclusions, recommendations and suggestions.

الفصل الأول

مشكلة البحث

تنشأ الثقافات الإنسانية وتتمايز عن بعضها بفعل اختلاف البيئات الطبيعية والعوامل الاقتصادية ومسار تاريخ الأمم والشعوب ، فتنهض حضارات وتزدهر ثقافات بفعل توافر الخيرات واستقرار المجتمعات ، وتندثر حضارات وتخبو ثقافات بفعل كوارث الطبيعة أو الحروب والغزوات ، أو بفعل اندماج ثقافات معينة بثقافات أخرى أكثر عصرية ومسايرة لظروف الحياة ، وقد تتلاقح الثقافات وتؤثر إحداها في الأخرى بفعل الاختلاط والاحتكاكات والتواصل ، ولكل ثقافة إنسانية فنونها الخاصة ونشاطها الإبداعي النابع من خصوصيتها البيئية والاجتماعية ، وهذه الفنون قد تتفاعل مع فنون ثقافات أخرى وتؤثر أو تتأثر بها فتطور نظرتها الجمالية بحسب قربها أو بعدها عن تلك الفنون والحضارات ، فقد اخذت فنون عصر الحداثة الأوربية الكثير من فنون الحضارات الأخرى ، حيث استمد فنانو الانطباعية تأثيرات الفنون اليابانية والمطبوعات الشرقية ، فيما تأثر ماتيس بالفنون الإسلامية ، واستمد غوغان مؤثرات فنون وثقافة جزر المحيط الهادي ، كما استفاد بيكاسو من فنون الثقافة الأفريقية وتأثر بالأقنعة الزنجية . ومع ذلك تبقى لكل ثقافة مهما كانت صغيرة خصوصيتها وتفردها ، ويلعب الزمن دوراً في تغيير الثقافات والفنون ، وتمر كل حضارة بمراحل زمنية وأطوار من الارتقاء والتألق أو الخفوت والتدهور ، وقد مرت الحضارة الغربية بوجه عام بالعديد من التحولات كان آخرها التحول الكبير من مرحلة الحداثة إلى ما بعدها ، وقد رافق هذا التحول ، تبدلات وتغيرات كبيرة في البنى الاقتصادية حيث سادت الرأسمالية والسياسة الاستعمارية واقتصاد السوق حياة الغرب التي تأثرت بفعل هيمنة الآلة والعقلية التقنية وعالم السرعة وتطور المواصلات والاتصالات وهيمنة العقل الأدائي وفلسفة البرجماتية على حياة الإنسان ، وقد رافق هذه التحولات الكثيرة والكبيرة تبدلا على نطاق واسع في أنماط الفنون وتياراتها وأساليبها وتقنياتها تبعاً لتغاير البنى الفكرية والثقافية ، وبرزت تيارات فنية جديدة واندثرت أخرى ، فيما شهدت بعض التيارات الفنية تحولاً نحو رؤى جمالية أوسع وممارسات فنية أكثر تنوعاً ، ومنها فن (البوب آرت) أو الفن الشعبي الذي تطور عن ممارسات الدادائيين وتقنيات الكولاج (التلصيق) التي اشتهر بها التكعيبيون . لذا يمكن تلخيص مشكلة البحث بالإجابة عن التساؤل التالي : ما هي أهم ملامح البنى الثقافية القابعة خلف الفن الشعبي (البوب آرت) .

أهمية البحث والحاجة إليه :

  1. يسلط الضوء على تجارب فناني البوب في أوربا وأمريكا . ويبحث في الأبعاد الفنية والجمالية لهذا الفن .
  2. يقدم قراءات معرفية ونقدية في مفاهيم حركة ما بعد الحداثة في الفن الأوربي ، لذا يفيد طلبة الدراسات الأولية والعليا في حدود دراسة مرحلة ما بعد الحداثة والفن الشعبي .
  3. يسلط الضوء على الأمور التي تمثل منفعة علمية وفائدة للمجتمع وتطوير الذائقة الجمالية لدى افراد المجتمع .

هدف البحث : ( الكشف عن ملامح البنى الثقافية في الفن الشعبي (البوب آرت) )

حدود البحث :

  1. الحدود المكانية / قارتي أوربا وأمريكا .
  2. الحدود الزمانية / 1955-1987 .
  3. الحدود الموضوعية/تناول نتاجات الفن الشعبي(البوب آرت ) بمختلف تقنياتها وخاماتها .

تحديد المصطلحات :

البنية : لغوياً : البنية : قوام الشيء ، تركيبه[1](1) .

اصطلاحاً : وهي منظومة من علاقات وقواعد تركيب ومبادلة تربط بين مختلف حدود المجموعة الواحدة ، بحيث تعين هذه القواعد معنى كل عنصر من العناصر[2](2) .

الثقافة : لغوياً: مصدر ثقف يقال ثَقْفاً وثَقَفاً وثَقافَةً: صارَ حَاذِقاً خَفِيفاً فَطِناً، وثَقفهُ بالفتح صادَفَه أو أخذه أو ظَفَرَ به أو أدْرَكَهُ ، واليُقَافُ الخِصامُ والحِلادُ وما تُسَوَّى به الرِّماحُ، وثَقَفَه تثقيفاً: سَوَّاهُ، وثاقفَهُ فَتَقَفَه كَنَصَرَهُ: عَالَبَهُ فَغَلَبَهُ فِي الْحِزْقِ [3](3) .

اصطلاحاً : الثقافة (بالمعنى الخاص) هي تنمية بعض الملكات العقلية، أو تسوية بعض الوظائف البدنية، ومنها: تثقيف العقل، وتثقيف البدن. ومنها: الثقافة الرياضية والثقافة الأدبية أو الفلسفية.

والثقافة (بالمعنى العام) هي ما يتصف به المرء الحاذق المتعلم من ذوق وحس انتقادي ، وحكم صحيح [4](1) .

البنى الثقافية اجرئياً : هي النسيج المعرفي والناتج الفكري المتراكم الذي يصنع منظومة من السمات الثقافية المتنوعة تعيد انتاج الواقع ، وتؤسس سلطة مركزية بالفعل الاجتماعي للوصول الى خلق منهج عقلاني قادر على استكشاف ظواهر المجتمع الخفية وتحليل الانساق المعرفية والجمالية الباطنية وربطها بالسياقات الوجودية المنبثقة من سلطة التاريخ وكينونة المعنى .

الفصل الثاني

المبحث الأول : الثقافة بنية

لقد تباينت الاجتهادات حول مفهوم الثقافة ، إذ كان على النقيض من مفهوم الطبيعة أو الفطرة ، ثم تطور ليصبح مرادفاً لتطوير وتنمية الفكر ، ولم يكن هذا المفهوم قبل أربعة قرون واضحاً ومتميزاً عن التعليم والتقدم ، حيث يرجع مصطلح الثقافة إلى عهد حديث نسبياً رغم قدمه ، فقد شاع استخدامه في اللغة اللاتينية بمعنى التقديس وبمعنى الحرث والزراعة ، وفي اللغة الألمانية ارتبطت الثقافة بالمظاهر الحضارية في المجتمع ، أما في اللغة الفرنسية فقد ارتبطت بالإنتاج الأدبي والفني والجمالي الرفيع كما ينظر المفكرون الأنجلو سكسونيون للثقافة من الزاوية الانثروبولوجية التي تشمل نمط الحياة والسلوك ، وقد جـاء توضيحها عند العالم البريطاني ( ادوارد تيلور ) في كتابه الثقافة البدائية ، بأن الثقافة هي مركب يشتمل المعارف والمعتقدات والفن والأخلاق والقوانين والعادات وكل التقاليد والإجراءات التي اكتسبها الإنسان كعضو ينتمي إلى مجتمع معين ، وهذا التعريف يتضمن مجمل الأشكال الرمزية للانتماء الاجتماعي ، وهي كل ما صنعه وحققه الإنسان وأبدعه من مظاهر في البيئة الطبيعية والاجتماعية [5](2).

ويتكون الرصيد الثقافي من عدة مصادر أبرزها ( التراث الموروث عبر الأجيال ، والتراكمات الفكرية والفنية ورصيد الحضارات السابقة والمعاصرة ، والذاتية الخصوصية للمجتمع ، والمتغيرات العالمية والمحلية ، والثقافة العالمية المتحركة ) ، فمفهوم الثقافة عبارة عن وحدة عضوية متكاملة لكل ما ينتج عن تفاعل البشر مع معطيات الواقع المادي والمعنوي المتغير ، والتي تشكل مجموع عاداتهم وقيمهم ومعتقداتهم ومثلهم واتجاهاتهم واهتماماتهم ومعارفهم وافكارهم التي اتفق عليها المجتمع ، وهذا المفهوم يؤكد على أن الإنسان بطبيعته فاعل ومؤثر في واقعه وقادر على إقامة علاقات مع الآخرين في عموميات الثقافة وخصوصياتها وبدائلها ، وقد مرت الصيغ التعبيرية في الثقافة البشرية بأربع مراحل مختلفة في التصور البشري وهي ( مرحلة الشفهية ، ثم مرحلة التدوين من خلال الرموز والنقوش المصورة ، ثم مرحلة الكتابة ، وأخيراً مرحلة ثقافة الصورة ) ، ولكل مرحلة خصائصها المميزة التي لا تزول مع ظهور مرحلة جديدة ، بل أن صيغها تبقى وتظل فاعلة مع صيغ المرحلة الجديدة [6](1)

فالثقافة هي بمثابة تصور عام أو انطباع ذهني يتخذه الفرد أو المجتمع أو الباحثون عن طبيعة سلوك وتصرفات ونتاج فرد أو مجتمع معين آخر، وهذا التصور العام يكون مؤلفاً من عدة صور أو مواقف أو أفعال مرتبطة بأفكار وسلوك ذلك الفرد أو المجتمع ، وبذلك فهي تشكل بنية متكاملة منغلقة على ذاتها يصعب اختراقها بالنسبة للأشخاص الطارئين عليها الذين لا يفهمون طبيعة ذلك الفرد أو المجتمع ، أو لا يعيشون حياته أو بيئته ولا يفهمون أسباب وعلل سلوكه وأفكاره ، مثل الشخص المتحضر الذي يشاهد طقوس ورقصات القبائل البدائية فلا يستطيع فهمها أو تفسيرها أو الاقتناع بأهميتها وجدواها ، في حين يكون هؤلاء البدائيون مؤمنين تماماً بأهمية ودوافع هذه الرقصات والطقوس التي تعبر عنها[7](2).

وإجمالاً فان الثقافة هي مركب بنيوي معقد يتضمن العقائد والمعارف والفنون والأخلاق والقوانين والعادات ، ويمكن استخدام كلمة ثقافة للتعبير عن احد المعاني الأساسية الثلاثة التالية التي يتم فهمها وتقديرها من قبل المجتمعات المتحضرة وهي :

  1. التذوق المتميز للفنون الجميلة والعلوم الإنسانية ، وهو ما يعرف أيضاً بالثقافة عالية المستوى .
  2. النمط المتكامل من المعرفة البشرية والاعتقاد والسلوك الذي يعتمد على القدرة على التفكير الرمزي والتعلم الاجتماعي .
  3. مجموعة الاتجاهات المشتركة والقيم والأهداف والممارسات التي تميز مؤسسة أو منظمة أو جماعة ما [8](3) .

إن الثقافة سلوك يُعلّم وهي في هذا تختلف عن الحاجات الأولية للإنسان مثل التنفس والتغذية ، فكل إنسان لابد أن يأكل ليعيش ، وعلى هذا فان السلوك الغريزي المرتبط بحاجته للغذاء لا يعلم ، أما كيفية إرضاء هذه الحاجة الأولية ، أي كيف نأكل ، وأية طريقة نتخذها في تناولنا للطعام ، وماذا نأكل ، فان هذا جزء من الثقافة ، أي من ثقافتنا نحن [9](4) .

ويرى (ادوارد تايلور) إن الثقافة هي الكل ، متشابك ومتداخل يشتمل على المعارف والفن والأخلاق والقوانين والعادات ، وكل ما يملكه الإنسان مما يؤهله ليكون عضواً في المجتمع . أما “ليزلي هوايت” فانه يقول : إن الثقافة هي الانضمام لظاهرة ما ، كما إنها تنتقل بيسر وسهولة من بيئة إنسانية إلى أخرى ، وأن تاريخ الثقافة ما هو إلا تاريخ الإنسان ، كما ان البيئة الثقافية تؤثر في صياغة الفنان لنتاجه الفني ، فثقافة الفنان ورؤاه ، تحدد موضوعاته وأساليبه التشكيلية في العمل الفني ، ومن ثم فالتطور الثقافي يحتم على الفنان أن يطور معالجاته الفنية للعناصر الأساسية المشكلة لعمله الفني ، وهذا بدوره قاد إلى ظهور تحولات كثيرة تشعبت إلى أفكار وأساليب على وفق أطر جديدة ([10]) .

صار في عصر الحداثة احتدام فكري وفني وثقافي واسع بين عدد كبير من التيارات الفنية الكبرى المتصارعة والتي تحاول كل منها السيادة والتغلب على باقي التيارات وفرض هيمنتها ورؤيتها على الشارع أو المناخ الثقافي العام ، ففي فرنسا تصارعت تيارات الانطباعية التنقيطية والسريالية وغيرها ، وفي ألمانيا كانت التعبيرية هي السائدة ، وفي إيطاليا ظهرت المستقبلية بقوة وعنفوان العصر الحديث ، عصر الآلة والسرعة والميكانيكية ، وقد كانت المعارض الفنية مسرحاً للتنازعات الفكرية والفنية والنزاعات الخاصة بكل تيار فني يحمل هموماً ثقافية مختلفة خاصة به ([11]) . كما شهدت هذه المرحلة في الفن الأوربي صراعات وتصورات ثقافية أخرى سادت على المستوى الفردي والشخصي داخل كل نزعة حداثة وتيار فني على مختلف توجهات الفنانين ، حيث ظهر داخل كل مدرسة فنية من مدارس الحداثة فنانون يحملون توجهاتهم الفردية ورؤاهم الذاتية المختلفة عن بعضها رغم تمثيلها للتيار الفني الواحد نفسه ، ففي التكعيبية كان أسلوب (بابلو بيكاسو) (وجورج برك) يختلف عن أسلوب (فرديناند ليجيه) ، وفي السوريالية كانت اعمال (سلفادور دالي) مختلفة عن اعمال (خوان ميرو) ، ولكن حصيلة كل هذه التوجهات والسمات الفردية كانت تصب في تشكل الصورة العامة للتيار الفني الواحد والذي بدوره يصب في شكل الثقافة العامة لمرحلة الحداثة في الفن الأوربي([12]).

فالبنى الثقافية تجسد التجارب الإنسانية ، و تقوم على النتاج الفكري المتراكم ، الذي يتمتع بالخصوصية ، ويَتميز بالبَصمة التاريخية المتفرِدة ، وأن الوَعي التاريخي بالثقافة يقوم على الأنماط الاجتماعية القابلة للتأويل ، والأشكالِ السياسية القابلة للتطبيق ، مِما يؤدي إلى صناعة منظومة مِن السمات الثقافية المتنوِعة التي تعيد إنتاجَ الواقع ، والثقافةُ تَعد التاريخَ دليلا حيويا وظاهرة ثقافية مستمرة ونشاطا فكريا متواصلا ، لمنعِ حدوث تعارض بين الحقائق الاجتماعية والأشياء الحياتية ، والحَيلولةِ دون حدوث صِدَام بين الثقافة والسلوك ، والتوافق بين الحقائق والأشياء من جهة ، والثقافة والسلوك مِن جِهة أُخرى ، يَكشف طبيعةَ الشروط المعرفية المفروضة على أنساق الواقع المعاش ، للسيطرة على ماهيته والهَيمنة على جَوهره ، وتوجيهه نحو صِناعة تصورات واهمية عن الحياة تكون بمثابة مسلمات صالحة للتوظيف لتحقيق مصالح شخصية ، ولا يمكن الكشف عن عناصر السيطرة وعوامل الهيمنة إلا بتكوين أدوات نقدية قادرة على تفكيك الظواهر الاجتماعية وتركيبها وتطبيقها[13](1).

المبحث الثاني

مقاربات في الثقافة وفنون ما بعد الحداثة :

لقد نشأت فنون ما بعد الحداثة متأثرة بالتطورات والأحداث المتلاحقة التي شهدها الغرب منذ منتصف القرن العشرين وتحديداً مع نهاية الحرب العالمية الثانية ، وقد كان لتلك الحرب وما تزامن معها وتلاها من صراعات داخلية في عدة دول أثر كبير على الفكر الغربي الذي وقف عاجزاً أمام آلة الحرب الضخمة وحالة الفوضى التي أحدثتها ، وهذا التناقض الواضح بين مظاهر الحداثة والمدنية المدعاة ومظاهر التدمير على أرض الواقع [14](2) .

لقد رأى هايدجر في القرن العشرين زمناً يهدم فيه العقل نفسه ليضيع في وعي آلي وثقافة مصطنعة ، ويمكن تلخيص فلسفته من خلال نقده للأزمنة الحديثة وما بعدها والتي حددها في هيمنة العلم والتكنولوجيا ، بارتقاء الفن والثقافة سوية بحيث يساند أحدهما الآخر ويبرز اتجاهاته ، والانسلاخ عن المقدس [15](3) ، كما يذهب إلى ان التقنية كنشاط إنساني واعي هي وسيلة لتحقيق هدف اشباع الحاجات الإنسانية ، غير انها ما لبثت ان سيطرت على الإنسان واخذت تنتزع منه إنسانيته ، حتى أصبح خادماً للعلم والتقنية بدل ان يكون العلم في خدمته ، وهكذا أصبحت ثقافة الإنسان وقوته مجرد مظهر من مظاهر الآلية والعلمية التي لا يستطيع التحكم بها. وذلك بسبب غياب التأمل بالنسبة للإنسان المعاصر المنبهر بالتقدم التكنولوجي والعلمي ، حيث أصبح يتبع مسار العلم والتقنية والآلات في كل نتاجه الفكري والفني [16](4). في حين يرى الفيلسوف (يورغن هايرماس) أن ما بعد الحداثة هي حالة قائمة على تدمير الحداثة وتقويضها ، أي ضرب المرتكزات الأساسية للحداثة وهي (العقل ، الذاتية ، العدمية) ، وهي بذلك تضرب أساس الحضارة الغربية وجوهرها وتقدم بدلاً عن هذه الأسس الصلبة مجرد قوالب فارغة لمفاهيم الوجود والاختلاف مع الآخر مع الحرص على الاحتفاظ بغموض أسسها المعيارية الداخلية ([17]) .

ويقول الفيلسوف (جيل دولوز) في كتابه (منطق الحس) عن الفنان (فرنسيس بيكون) ، أن التجريدات الهندسية لدى (بيت موندريان) أدت إلى قطع أي علاقة بالطبيعة ، وكانت النتيجة هي إفراط تام في الانتظام والسيطرة مما أدى إلى نوع من التطهير البصري ، وقد أدى ذلك إلى اقتصار الحيوية داخل الرسم ، بينما جاءت التعبيرية التجريدية بمثابة ردة فعل لهذا التوجه بوصفها النقيض له ، حيث تم في التعبيرية التجريدية نشر الفوضى إلى ابعد حد ، فمع فقدان اللوحة الوضوح والدقة ، فإنها تبقى في حالة ارتباك لا فكاك منها ([18]) .

ويرى ( دولوز) أن الشكل الاصطناعي نقيض حقيقي للشكل الواقعي وهو يقدم تصوراً مشوهاً عن الأصل الطبيعي للشيء ، وان الصور التي يقدمها فنانو ما بعد الحداثة هي خليط هجين لصور ذات أشكال وأصول متعددة ([19]) .

يعيش الفنان في عصر ما بعد الحداثة موقف الفيلسوف ولكن العمل الذي يبدعه لا تحكمه القواعد ولا يمكن الحكم عليه بأحكام قاطعة بتطبيق أي تصنيفات مألوفة عليه ، وبالتالي فهو يعمل بلا قواعد ، ولابد لفهم عمله من فهم التناقض بين المستقبل والماضي أي وفق صيغ التناقض مع الحداثة وتراث الرسم الكلاسيكي الأوربي([20]) . إن جوهر أي عصر ينعكس كما يقول هايدجر في صورة العالم التي يتبناها ذلك العصر ، وقد تميز الانتقال إلى الحداثة بحسب رأيه ، ليس فقط باستبدال صورة العالم القديمة ، بل باستبدال كافة جوانب الثقافة القديمة المرتبطة به وقد بلغ ذلك التحول والاستبدال إلى حدود تحويل العالم نفسه إلى صورة ، وتحويل الثقافة وتفسير العالم من خلال الصور ولم تعد الثقافة مسألة فهم وشرح معنى العالم ، بل أصبحت الثقافة تعني تقديم صورة أو مجموعة صور للعالم والعصر([21]) . ففي خمسينيات القرن الماضي بدأت في الغرب أوراق نعي الحداثة وإعلان موتها ، وإعلان بداية تشكل الوعي بتغير جوهري في أنماط الثقافة ، حيث بدأت بوادر حركة ما بعد الحداثة التي بادرت إلى ضرب مرتكزات الحداثة الكبرى وهي الذاتية والعقل والقدوة حيث يشير (جان فرانسوا ليوثار) إلى أن مصطلح ما بعد الحداثة ما هو إلا حالة الثقافة بعد التحولات التي أثرت على ضوابط العلم والأدب والفنون بدءاً من نهاية القرن التاسع عشر ، وقد أكد على أن التحول والتغير الذي يطرأ على العلم في القرن العشرين وتحديداً في المجتمعات التي شهدت تقدماً كبيراً وخاصة في المجتمع الأمريكي حيث تتغير قوانين العلم ويصبح الفن مع هذا الواقع أكثر تفتحاً وتنوعاً وأكثر استيعاباً لمختلف الأنظمة التعبيرية الأمر الذي جعله بمثابة حركة عالمية واسعة الانتشار بعد وصول عدد كبير من فناني أوربا إلى أمريكا([22]) .

تم التحول الى الفلسفة الوجودية والنزعة الذاتية اللامركزية وثقافة العولمة كدعائم مميزة للبُنى الفكرية للغرب في القرن العشرين ، حيث تبدلت فيها الصورة البصرية المعتادة للأعمال الفنية ، لتصل الى حدها الأقصى كما في الفن المفاهيمي وفن السيبرانية والفنون الاختزالية ، والتي اعتمدت على الفكرة بشكل عام وركزت على مخاطبة العقل ، وجعلت من المتلقي محورا وهدفا لها في الوقت ذاته ، كونه حاملاً للفكرة ومستقبلاً لها ومشاركاً بها ، كما ارتبطت فنون ما بعد الحداثة بالمراحل الفنية السابقة واللاحقة لها ، والتي يطلق عليها (بعد ما بعد الحداثة) والتي سادت في الربع الأخير من القرن العشرين وحتى الآن ، ولذلك كان من الضروري وضع إطار معرفي دقيق للمصطلحات – الحداثة – التحديث – ما بعد الحداثة وتحديد النسق الفكري الذي يربط بينها والتركيز على مدى تكاملها أو تناقضها وقدرتها على التعبير عن الإطار المعرفي والمناخ الثقافي للقرن العشرين[23](2) .

فن ما بعد الحداثة ليعلن التحرر التام من الارتباط بأي مركز، وضرب العقل بهجوم اللامعقول عليه ، بوصفه مصدرا لكل حقيقة لدى الفنانين الذين انطلقوا من اللاوعي ، حيث الرغبات المكبوتة . غير أنها لم تتحرر تماما من فكرة المركزية ، وذلك لأن فنانها قد أتى بمركزية جديدة ، وهي مركزية اللاشعور أو اللاوعي الفاقد للنظام ، و بميله نحوه حطم كل ما هو ثابت ، مما عمل على انتشار العبث والفوضى اللذين دفعا الفرد إلى مزيد من الغربة اليائسة ، وتحويل الواقع إلى أسطورة زائفة ، تغلفها الطقوس السحرية لديانة كاذبة [24](3) ، وهو ما تجلى في مجموعة من الأعمال عبرت عن مشاعر القلق والضياع والفردية والتمزق ، وليس لها من الفن سوى مظهره فحسب ، ولعبت دورا جوهريا في تزييف الحقيقة والواقع ، لأنها وكما يقول “ارنست فيشر” جاءت لتقدم لنا التفاصيل بعد إفراغها من كل معنى والانطباعات الحسية التي ليس بينها أي رابط على الإطلاق ، وعندما رفض هذا النوع من الفن أشباه الحقيقة ، فانه قد رفض بذلك الحقائق نفسها رفضا تاما ، فكان ما هو حقيقي يذوب ويتلاشى[25](1).

اصبح فنان ما بعد الحداثة أكثر حرية في اختياره للمواد التي يعمل عليها ، إذ لم تعد المادة قيداً يحمل معه صفات وخصائص تقنية بعينها ، حيث ان انتهاء مرحلة عزلة الفنون بعضها عن البعض الآخر قد جعل الجمهور وجهاً لوجه أمام غياب الوصف المسبق للفن ، فصار العمل الفني يجلب صفاته معه حين يحضر ، وهكذا صار لكل فنان طريقته في زحزحة الصفات الفنية من مكانها إلى المكان الذي تكون فيه جزءاً عضوياً من فن جديد عليها [26](2) .

لقد تجاوزت فنون ما بعد الحداثة مدارس الحداثة التقليدية ، وساعدت على التحرر من القيود التقليدية ، حيث يمكن الجمع بين عناصر غير متجانسة تخرج عن المألوف وتمتد إلى بقية الفنون التعبيرية مثل الرقص والباليه والموسيقى والأفلام السينمائية [27](3) .

إن التحول الثقافي الذي حدث في ستينيات القرن العشرين وترسخ كحالة متجانسة في مطلع السبعينيات جلب الانتشار الواسع للإعلان كونه الفن الرسمي للرأسمالية ، وحمل الفن الى استراتيجيات الاعلان , وتظهر ثقافة الاستهلاك الواسعة في فنون ما بعد الحداثة وعلاقته بالقوى التي تظهرها ( ثورات الموضة ، فن البوب ، التلفاز ، والأشكال الأخرى من صور الإعلام) ، فتماثيل ما بعد الحداثة تظهر جزئية وكلية بفعل التنوع في التجارب والرؤى والتردد المستمرين للأنماط الثقافية المتفرقة في ألغاز التحول والتغير السريعين [28](4) .

اتسمت فنون ما بعد الحداثة بسمات ثقافية متنوعة مثل : ( التعددية ، التنوع ، التفاعلية ، الجدة ، الانفتاح ، اللا تشخيصية ، التفكيكية ، الاستعارية أو الشفرة المزدوجة ، الاستقلالية ، الذاتية ) [29](5).

اتسمت البنية الثقافية لفنون ما بعد الحداثة ببعض آلاليات في التنفيذ :

  1. ففي التعبيرية التجريدية أكدت البنية الثقافية التمثيل الذاتي للرسم وكيفية الرسم بتلقائية والتأكيد على المشاعر والأحاسيس ومتازت بتوجاهتها للاشكلية .
  2. حركة (البوب ارت) اتسمت البنية الثقافية برفض كل ما هو ذاتي ، لتتجه نحو عالم الواقع وطبيعة المجتمع .
  3. اما الفن البصري فقد جاءت البنية الثقافية من المنطلق الأساسي لهذا الفن من استثمار معطيات الإحساسات البصرية , والأثر الذي يتركه المشهد المصور في عين المشاهد , وتقصي الايهامات البصرية المضللة للعين .
  4. وفي الفن الاعتدالي فقد كرست البنية ثقافة على اساس الفكرة بدلا من العمل الفني ذاته كشيء [30](1).
  5. التصوير الاختزالي (الاعتدالي) اعتمد اختزال الأشكال بأبسط شكل واختزال الألوان بلون واحد وكذلك الأحجام.
  6. تؤكد البنية الثقافية للفن المفاهيمي على الفكرة أو المفهوم , لتصبح الفكرة هي الآلة التي تصنع الفن.
  7. اما الفن الكرافيتي فالبنية الثقافية له توضح انه فن ينجز بسرعة ويقرأ بسرعة وينتشر بسرعة ويتلاشى بسرعة, واتسم بالعفوية والتلقائية في الأداء والبساطة والسرعة في التنفيذ [31](2).

المبحث الثالث

فن البوب آرت التقنيات وآليات التشكيل الفني :

صارت البنية الثقافية لتيارات فنون ما بعد الحداثة واتجاهاتها تستند إلى فعل المغايرة والاختلاف ، إذ أن الروابط والعلاقات البنائية القديمة جميعها قد تشظت وتفككت بتحول القوى الإدراكية للفنان إلى عالم التصورات الذاتية ، وبات المتلقي غير قادر على التفاعل مع مفهوم الذات ، فأحل الحدس محل الملاحظة ، وغير الواقعي بديلاً للواقع [32](3) .

جاءت فنون ما بعد الحداثة على نمط البنية الثقافية ، فصار فنانوها أكثر حرية في اختيارهم للمواد التي يعملون بها ، فلم تعد المادة قيداً يحمل معه صفات وخصائص تقنية بعينها ، حيث ان انتهاء مرحلة عزلة الفنون بعضها عن البعض الآخر قد جعلت الجمهور وجهاً لوجه أمام غياب الوصف المسبق للفن ، فبات العمل الفني يجلب صفاته معه حين يحضر ، وهكذا صار لكل فنان طريقته في زحزحة الصفات الفنية من مكانها إلى المكان الذي تكون فيه جزءاً عضوياً من فن جديد عليها [33](4).

إن السمة المميزة للفن ، هي صعوبة التمييز بين الرسم والنحت في حالات كثيرة ، حتى ان عدداً من ممثلي الفن الشعبي من الذين صنفوا على إنهم رسامين أنتجوا نحتاً ، في حين رفض النحاتون هذه الصفة الملازمة لهم ، مطالبين بأن تستبدل بها صفة (صناع أشياء) [34](1) . و تتميز أعمال الفن الشعبي بكونها ذات تكوينات مؤقتة ، وكان من السهل استخدام مجموعة جديدة من مواد التشكيل لا تخضع للقيم التشكيلية التقليدية للشكل ، وهكذا فقد استخدم الفنانون في أعمالهم المخلفات الصناعية وحطام الأشياء والمهملات والمنتجات سريعة التلف والمواد الاستهلاكية , وكان وجود هذه المواد في حد ذاتها يبدي عملية تغير وتحول ويمثل واقعة أو حدثاً داخل البيئة ، حيث أن إدماج عمليات التغير في مشروع العمل الفني يطرح مبدأ جديداً لشكل فني لا يكتمل أبداً ، ويتكون من أجزاء يمكن فصلها وتغييرها وإعادة ترتيبها نظرياً بطرق عديدة دون ان يضر ذلك بالعمل الفني ، وما عادت الأجزاء في العمل تشكل القيمة الجمالية ، بل أن جمال العمل بكليته ، وقد تساهم هذه التغيرات في تحقيق وظيفة الفنون [35](2) ..

عمد فنان الفن الشعبي الى استعارة صور الأشياء المستعملة الشعبية وصور نجوم السينما والرسوم المتحركة والإعلان والعلامات التجاريـة وغيرهـا تاركاً للمشاهد التجاوب مع الموضوع مباشرة ، وليس مع موهبة الفنان وشخصه ، وأقحم الفن الشـعبي الصورة لما لها من تأثير عظيم في صميم الثقافة البصرية ، ولا يقتصر جهد الفنانين في تصوير العالم السـلعي بوصفه عالم الفن المرغوب ، والسعي وراء المهمش والمبتذل من الموضـوعات والاشـياء بطريقة مبسطة وسطحية في طريقة العرض ، إذ يبدو التناظر الكلي بين الفن وعـالم السـلع الاستهلاكية واضحا فيه ، وهو ما أدى الى زوال الحدود بين الفن واللا فن ، وعلى إحداث تشظيات كبيرة في الذائقة الجمالية لدى الفنان والمتلقي على حد سواء [36](3).

يرى (فردريك جيمسون) أن معظم اتجاهات فن ما بعد الحداثة توضح شيئين ، اولهما أن غالبية هذه الاتجاهات ظهرت هنا كرد فعل محدد تجاه الانماط السائدة من الحداثة التي غزت الجامعة والمتحف وشبكة معارض الفن وما اليها ، وقد غدت في نظر جيل الستينيات هي السلطة العدو ويجب تدمير آثارها حتى يظهر الجديد . وثانيهما محو بعض الفواصل الاساسية فيها ، واهمها تآكل الفاصل القديم بين الثقافة العليا وبين ما يسمى بالثقافة الجماهيرية او الشعبية [37](1) .

لذا تناول الفنانون الأمريكيون أشكالاً على صلة بالعالم الصناعي وثقافة الاسـتهلاك ، ليستقوا موضوعاتهم من الحياة اليومية ، مستخدمين أشياء مبتذلة وتقديمها بأسـلوب بـارد ، حيادي ، فقد وجد الأمريكيون في فن البوب انعكاساً حقيقيـاً للمجتمع الذي يحيط بهم ، كما رأوا فيه تأكيدا على فرادة رؤيتهم ، فكـانوا يركزون اهتمامهم على الصور الاعتياديـة للثقافـة الشـعبية ، مثـل لوحـة الإعلانات ومواضيع الفكاهة وتصميمات الصحف والمجلات الطباعية ومنتجات الأسـواق ، فهذه الحركة تهدف إلى تعزيز هذه الثقافة ونشرها عبر وسائل الإعلام والاتصال الجماهيري ، مما قاد الفنانين الى الخوض في تجارب اكثر جرأة مع المواد الجاهزة ، ليتطور مفهومها فيما بعد الى فن التجميع [38](2).

إن البنية التصميمية العامة لفن البوب تختلف وتتنوع باختلاف التأثيرات الثقافية التي تتبدل في مواقفها المعلنة إتجاه اختيار موضوعات التصميم التي تكون متداولة ولها وظيفة نفعية أكثر من كونها مجرد أشياء ، فتكون البنية التصميمية للصورة هي حدث متجمد ولا نحتاج أن ننظر إليهِ مرة أخرى ، فالحادث أو الحدث هو العمل الفني الذي يتضمن تفاعل المستهلك مع الأشياء لإعطاء تصور معين ، ولذلك كان (ريتشارد هاملتون) يشير إلى المميزات النوعية المرغوبة في تصاميم فن البوب : أن تكون شعبية ، منتجة للجماهير ، واطئة الكلفة ، شبابية ، ذات فتنة ، و فكرة صياغتها جديدة .

يستقي فن البوب مادته غالباً من إعلانات الشوارع والمسلسلات التلفزيونية الرخيصة ومن المجلات المصورة المخصصة للأطفال والمراهقين ، كما أن للسـلعة والدعاية التي تروج لها حضور وفير ، وهذه سمة المجتمع الاستهلاكي الـذي يسطح الثقافة ، ويسخر من العقل الانساني ، ويحول منجزات العلم الى بضاعة تطـرح فـي السوق ، وقد ينطوي فن البوب ارت على مغزى واضح يتعدى حدود العمل الفني ليطبـع الحضارة المعاصرة ، كما تسود فيه ملامح العولمة [39](3)

تختلف بنية الصورة التصميمية المختارة في طبيعة تشكّلها مفاهيمياً عن الغرض الأصلي الذي أنتجت من أجلهِ ، ففكرة الأثر المنعكس من خلال الشكل هو تفعيل لفكرة أن تكون تلك الصورة تشييدية تهتم بسياق المحيط الإجتماعي والفني والجمالي على حدٍ سواء ، وهذهِ النسبية في تقرير أسس الترابط بين أن تكون الصورة واقعية معبرة ، أو تجريدية تحمل دلالات رمزية ، وفي ذلك تؤكد ( برايت ) أن العلاقة بين الصور المنتجة على السيارات و الطائرات الورقية أو الآلات الموسيقية أو صور الأمراء أو الشخصيات الدينية أو الفنية أو الشخصيات الكارتونية وبين حياة الناس الذين أنتجوها ضمن مواصفات الفن الشعبي هي عبارة عن أحاسيس شعرية وعاطفية ، تحاكي وسائل الإعلام المركّزة والشاملة التي تكون ذات وجود كلي في مجتمع الولايات المتحدة الأمريكية [40](1).

المؤشرات التي انتهى إليها الإطار النظري :

  1. تمثل الثقافة في كل عصر انعكاساً لمؤشرات البيئة والحياة والدين والسلوك الاجتماعي للأفراد والمجتمع .
  2. الوجود الإنساني هو الذي ينتج الثقافة والفن وهو وجود حيوي متغير يتأثر بظروف الحياة والعصر والبيئة.
  3. العقل المبدع ينطلق في ابداعاته من مرتكزات ثقافية عميقة الأثر في النفس الإنسانية وهذه المرتكزات الثقافية هي التي تعطي للفن صيغته الحضارية وسماته الإبداعية .
  4. فكر ما بعد الحداثة يعد بمثابة تحول تاريخي نحو الفكر الرأسمالي وهيمنة التكنولوجيا والنزعة الاستهلاكية.
  5. تلعب التكنولوجيا دوراً هاماً في رسم صورة المجتمعات الاستهلاكية وتقديم صورة السلعة المروجة اعلامياً واعلانياً وفنياً .
  6. تمثل التعبيرية التجريدية ترجمة آلية لروح التقنية العملية من حيث السرعة والآلية والخلو من المعنى .
  7. يعتمد فن السوبريالية على الصور الفوتوغرافية الدقيقة وتمثل أعماله منجزات الحضارة والعمارة العصرية بأدق صورها .
  8. تعطي تيارات الفن البصري والفن الحركي لأفعال الحركة والآلية أهمية قصوى ، وتحاكي حركة الآلات وهندسة العمارة بأسلوب فني يستفيد من دراسة حاسة الابصار عند الإنسان والأوهام البصرية ، فيما يعتمد الفن الحركي على الآلات والاجزاء المصنعة آلياً .
  9. الفن المفاهيمي فن يبحث عن المضمون ويعد الشكل مجرد واسطة لنقل المضامين ، لكنه يستخدم وسائل صناعية كثيرة واشياء مصنعة في تحقيق اعماله وافكاره .
  10. تعتمد تيارات فن الأرض والفن الأقلي على استخدام الآلات والتقنيات الصناعية في تحقيق اعمالها الفنية.
  11. يمثل الفن الكرافيتي فناً رافضاً لهيمنة السلطة والثروة ورأس المال على الحياة في المجتمعات المتطورة ، وهو يستخدم الجدران والساحات وانفاق القطارات مساحات لعرض اعماله التي تجمع بين اللغة والصورة والرمز .

الفصل الثالث : إجراءات البحث

أولاً مجتمع البحث

بالنظر لسعة مجتمع البحث ، ولكون البحث قد غطى مدة زمنية طويلة ومكان يمتد عبر أوربا وأمريكا الشمالية فقد تعذر على الباحثة إمكانية حصره إحصائيا ، إلا انها تمكنت من وضع إطار لمجتمع بحثها ، اعتماداً على ما تم جمعه من المصورات المنشورة في الكتب والمجلات الفنية فضلاً عن شبكة المعلومات الدولية ( الانترنيت ) .

ثانياً : عينة البحث

قامت الباحثة باختيار (5) أعمال فنية من نتاجات فن البوب آرت (الفن الشعبي) وبطريقة قصدية وفق المبررات التالية :

  1. شهرة وانتشار الأعمال المختارة .
  2. تعود لفنانين كبار من فناني البوب آرت .
  3. اختيار نماذج ذات تقنيات وخامات مختلفة .

ثالثاً : أداة البحث

اعتمدت الباحثة حالياً على مؤشرات الإطار النظري بوصفها موجهات لعملية تحليل العينة .

نموذج رقم ( 1 )

الفنان : توم وسليمان

العمل : حياة جامدة (Still Life)

التاريخ : 1963

الخامة : مواد مختلفة

العائدية : متحف لوس انجلوس

تصور اللوحة مطبخاً منزلياً مليئاً بأدوات وأجهزة الطبخ والأواني والزجاجات ، وجدار المطبخ منقوش عليه زخارف متنوعة والى جوارها شباك تتدلى ستائره على الجانبين والى اليسار ثلاجة كهربائية تظهر فوقها ثلاث زجاجات وفي مقابلها منضدة هي عبارة عن مائدة طعام مزينة بمختلف أنواع الأطباق والمأكولات . يقدم العمل لمحة موجزة عن نمط الحياة في المجتمع الأمريكي انطلاقاً من طرح صورة المطبخ المنزلي المعاصر في أمريكا ، حيث قدم الفنان عناصر واقعية متداولة بشكل يومي في حياة الناس المعاصرين وهي تهيمن على نمط معيشتهم وعلى رأسها (الثلاجة وزجاجات المشروبات والمائدة ومحمصة الخبز) وهي عناصر يطالعها الفرد عدة مرات كل يوم طوال حياته وتمثل الشاغل الرئيسي لحياة كثير من الأفراد الذين تنحصر حياتهم في حدود حاجاتهم البيولوجية ، حيث يعيش هؤلاء من اجل العمل والكسب والأكل والنوم والتسوق ، وهذه هي حدود دوامة الحياة في المجتمع البعد حداثي ، حيث تختفي من حياة الإنسان اهتمامات الفكر والفن والأدب ولا يعود لها تأثير في نمط حياته ، فالفنان لم يذهب إلى تصوير المكتبة المنزلية أو جهاز الموسيقى أو البيانو ، وهي العناصر الثقافية والروحية التي بدأت تختفي تدريجياً من حياة المجتمع المعاصر ، وتركت مكانها للمطابخ الكبيرة والفخمة المليئة بالموائد والثلاجات والطباخات . ففي الماضي لم يكن هناك بيت يخلو من مكتبة أو آلة موسيقية ، والآن تنحصر قيمة الراحة المنزلية في حدود غريزة الأكلة والرغبة في تحضير الطعام بأساليب ووصفات غريبة ومتنوعة ، وبذلك أصبح المطبخ يمثل عنصر الاهتمام الرئيسي في المنزل الحيوي الفعال في عالم ما بعد الحداثة وأصبحت مفرداته واثاثه جزءا من ثقافة العصر وقيمة الإنسان الذي يملكه وأصبحت أنواع الأطعمة هي التي تميز الناس عن بعضهم بمستوى معيشتهم وترفهم ورقيهم وثرائهم .

نموذج رقم ( 2 )

بوب ارت (الفن الشعبي)

الفنان : جاسبر جونز

العمل : الفصول (The Seasons)

التاريخ : 1987

الخامة : مواد مختلفة على كانفاس

الأبعاد : 190.5 × 127سم

العائدية : مجموعة فيليب جونسون – نيويورك

هذا العمل واحد من سلسلة مؤلفة من أربعة اعمال تدعى (الفصول) وتمثل فصول السنة وهي (الشتاء والربيع والصيف والخريف) وهذا الجزء يمثل فصل الصيف ، وهو مقسوم طولياً إلى نصفين متساويين تظهر على الجزء الأيسر من اللوحة أوراق الأشجار وجزء من سلم خشبي وصورة (الموناليزا) وكذلك جزء من عمل (ليونردودافنشي) الشهير حول قياسات جسد الإنسان فيما تظهر على الجزء الأيمن من اللوحة شكل جسد بشري عديم الملامح والتفاصيل يقف بصورة مائلة ، وقد عمد الفنان إلى اختزال المؤثرات اللونية على جزئي العمل والتي اقتصرها على الوان البني والأخضر والأحمر والأزرق التي تظهر في العلم الأمريكي في الجزء الأيسر من اللوحة والذي وظفه الفنان بتقنية الكولاج (الالصاق) وقد وضعه الفنان تحت صورة الموناليزا التي تعد أعظم رمز فني خالد في القرن الكلاسيكي النهضوي للفن الأوربي والعالم الغربي بشكل عام . أكد الفنان (جاسبر جونز) على صورة الجسد الإنساني عديم الملامح ، حتى يتحول الإنسان إلى مجرد رمز ، بوصفه صانع الحضارة وهو من ينفذ أوامر وأفكار ومخططات العقل البشري ، كما تظهر اليد في الجزء الأيسر من اللوحة بوصفها رمزاً للعمل والمهارة والتنفيذ ، وهكذا تتحول اليد إلى علامة والجسد إلى رمز وهما كلاهما يجتمعان لتحقيق هدف الفنان وفكرته الجوهرية في اعلاء قيمة الجسد وتمجيد صورته ، ايماناً منه بأن الجسد هو القمة وهو الثمن الحقيقي والسلعة الأكثر رواجاً وتسويقاً واستهلاكاً في مجتمعات ما بعد الحداثة . فالحياة في عالم الغرب قائمة على استغلال الجسد في كل مجالات التصنيع والاستهلاك واعادة التشكيل والتحوير والتعديل ولذلك يرتبط هذا الاتجاه بالرمز الآخر الأكثر رواجاً لعالم الصناعة والاستهلاك وهو لأمريكا التي يرمز لها العلم الأمريكي في الجانب الأيسر من اللوحة .

نموذج رقم ( 3 )

الفنان : اندي وارهول

العمل : علب بريلو

التاريخ : 1964

الخامة : صناديق جاهزة (set of boxes)

العائدية : متحف نيويورك

العمل عبارة عن مجموعة صناديق جاهزة من علب بريلو مرتبة على خمسة صفوف اثنان منها بلون فاتح والباقية بلون غامق ، والعمل يعبر عن نزوع الفنان (اندي وارهول) أي استخدام المواد الجاهزة وهي عبارة عن صناديق من مادة الكرتون المقوى تستخدم لحفظ ولتسويق علب بريلو للمواد الغذائية وهي رائجة في السوق الأمريكية وذات شهرة في عالم الاستهلاك والتجارة ولذلك سعى الفنان إلى توظيفها في عمل فني باعتبارها واجهة من واجهات المجتمع الصناعي الاستهلاكي الذي يحترم العلامات التجارية ويعدها علامات واسماء مهمة توازي في اهميتها الرموز الكبرى للفن والأدب والتاريخ التي كان الفن التشكيلي يمجدها ، والتي اخذت تنحسر وتترك مكانها واهميتها وشهرتها لأسماء وعلامات الصناعة والتجارة مثل (بريلو) وغيرها من مظاهر الحياة المعاصرة التي ترتكز على مفهوم ومبادئ السوق وآلياته ومضامينه ، لكن وارهول يحاول التسلط على عقل وذائقة المتلقي من خلال وضع الأشياء الجاهزة المتداولة في الحياة اليومية ومعاملتها بوصفها نتاج فني وانجازات جمالية يجب على المتلقي تأملها والنظر إليها وتقبلها بوصفها أعمالا فنية مقدمة وفق رؤية فنية وخيال ابداعي يتخذ من الشكل الخارجي للصناديق التي تحمل العلامة التجارية الشهيرة بعده منظرا فنيا يمكن استيعابه جمالياً والدخول في تفاصيله الداخلية والبحث عن أسلوب وطريقة تجميع هذه العلب وفق نسق فني ابتدعه الفنان وقام بترتيب هيئته الخارجية على أساس فكرة ان هذه الصناديق هي عبارة عن عناصر فنية أو أجزاء من بناءات فنية يمكن للفنان والمتلقي على حد سواء فهمها وقراءة طرق ترتيبها وفق علامات فنية وصياغات تشكيلية تمنح المتلقي قدرة على اعادة ترتيب السياقات السائدة في هذا العمل الذي ينتمي إلى تيار الفن الشعبي (Pop Art) بصورة واضحة ، حيث الاعتماد على المواد الجاهزة وادخالها في بناء تشكيلي معين داخل فضاء جمالي يحاكي واقع الحياة في المجتمع الاستهلاكي الذي يمجد الاسماء التجارية والعلامات والرموز الشهيرة في عالم الصناعة والتسويق .

نموذج رقم ( 4 )

الفنان : روبرت راوشنبرغ

اسم العمل : أوداليسك (Odalisk)

التاريخ : 1955

الخامة : مواد متنوعة

العائدية : لاتوجد

يمثل عمل الفنان روبرت راوشنبرغ قاعدة خشبية مربعة وضعت عليها مخدة بيضاء يخترقها عمود خشبي يرفع صندوقاً خشبياً تظهر على جانبه الأيسر مساحات لونية ورموزا واشارات ، كما اضاف الفنان راوشنبرغ صورة امرأة عارية جالسة بشكل جانبي ، والجانب الأيمن من الصندوق مفتوح ويستقر فوق الصندوق ديك محنط ، والعمل بمجمله مؤسس على فكرة تركيب الأشياء المأخوذة من مفردات الحياة اليومية ، الوسادة البيضاء والديك والصندوق والصور الفوتوغرافية وكل هذه الأجزاء يجمعها بناء معماري شيده الفنان بشكل عمودي من مواد مألوفة في البيئة العصرية لما بعد الحداثة ، وهو بذلك يعكس روح المكان الذي يعيش فيه وهو الدول الصناعية المتقدمة التي تصنع كل مفردات البيت المعاصر وتوفر للمجتمعات الاستهلاكية ذخيرة جمالية وفنية مستوحاة من مكونات المكان بعد الحداثي الراهن حيث تسيطر روح السلعة الاستهلاكية على كل قطع الأثاث والمعروضات الصناعية وكذلك المنجزات الفنية التي تتقمص السلعة التجارية أو المفردة الصناعية التي تتبادل وجودها مع المنتج الصناعي ويخاطب حواس المتلقي المشبعة بخصائص وسمات الاشكال الصناعية والتي تتأثر بالرغبة في معرفة المخبوء داخل غلاف السلعة التجارية التي تأتي عادة معبأة في صناديق عليها علامات ورموز وأرقام تخص المنتج ، لذا فقد جعل الفنان راوشنبرغ احد جوانب الصندوق مفتوحاً لكي يستطيع المتلقي الدخول بنظره إلى داخل الصندوق والتأمل في اعماقه بحثاً عن معنى أو مضمون حقيقي كامن وراء الشكل المعروض وهو بذلك يخاطب الرغبة الداخلية لجمهور المتلقين في فتح جدران الصندوق والدخول إلى عوالم العمل الفني الداخلية التي تعبر بمجملها عن فكرة مركزية ، هي خليط من الأشياء المادية الملموسة ومن أفكار وممارسات وسلوك المتلقي والتي بمجملها تشكل وجها من اوجه الثقافة الاستهلاكية المعاصرة التي يمثل فن (البوب آرت) واحداً من تجلياتها وافرازاتها الفكرية والوجدانية المؤثرة في مسار الفن والفكر الجمالي المعاصر .

نموذج رقم ( 5 )

الفنان : روبرت راوشنبرغ

العمل : الولاية (the state)

التاريخ : 1963

الخامات : زيت ومواد متنوعة على كانفاس

القياس : 243.2 × 177.2 cm

العائدية : متحف الفن – شيكاغو

يتألف العمل من مجموعة صور فوتوغرافية مطبوعة بطريقة (السلك سكرين) تظهر فيها صورة بناية بيضاء وعمود إشارة مرورية وعلامة مرور عليها كلمة (Stop) ، واللوحة مشغولة بضربات فرشاة في مناطق مختلفة بألوان متنوعة مثل الأحمر والبرتقالي والأبيض والأصفر ، كما تظهر عقارب ساعة عليها ضربات باللون الأبيض والأزرق وصورة لنصب الحرية بشكل مائل ، وبقربها صورة فوتوغرافية لمكوك الفضاء في لحظة انطلاقه . واللوحة في حقيقتها عبارة عن تجميع لصورة فوتوغرافية متنوعة يمثل الغرض منها الدعوة لكسر الحدود بين الواقعي والمسجل وبين الفن والحياة ، حيث يمكن للفوتوغراف أن يقدم تسجيلاً بمنتهى الدقة للحياة مع كونه عمل فني متميز ، وان أسلوب اللصق (الكولاج) مع استخدام الخامات المتعددة يحقق وسيلة واسعة التأثير في المتلقي فهو يعيد تشكيل الصور في تراكيب جمالية بصرية لا تعتمد في قوة تأثيرها على المشاهد من حيوية الواقع المرئي وحده ، بل من اعادة صياغة المشهد البصري ، أمامه فتقدم الحياة في صيغ فنية جمالية مرئية من خلال عين الفنان وعين المبدع ، وهكذا يصبح الفضاء الواقعي الفيزيائي مندمجا في فضاء اللوحة ويصبح ما يحيط بصورة البيانات والاجسام والأشياء متداخلاً في حدود الرسم واللون محركاً بذلك امكانات الخيال الفني والتصور الإبداعي ليخلق واقعاً جديداً من خلال اعادة انتاج المشهد اليومي المأخوذ من ورق الصحف أو المجلات أو الصور ، حيث يتشكل العمل الفني من عديد الصور الفوتوغرافية التي تم اختيارها بعناية من اجل ادخالها في بنية فنية ثقافية تدعى بنية ثقافة البوب التي تعتمد على اعلاء الهامش وضرب المركزي ، الأمر الذي يمهد لتوليد الفني والجمالي والإبداعي والثقافي المميز من خلال أفكار بسيطة وباعتماد خامات ومواد غير متوقعة ، شريطة ان تكون اليد التي تجمعها والذهن الذي يعيد صياغتها هو ذهن الفنان ويديه وذائقته الجمالية .

الفصل الرابع :

نتائج البحث :

  1. ترتبط فنون ما بعد الحداثة بآليات الفكر الرأسمالي ارتباطا وثيقا وتلعب تمثلات الآلة والتقنية دوراً بارزاً في أعمال الفن الشعبي كما في كل نماذج عينة البحث .
  2. تتداخل مفردات عصر الاستهلاك وصور الآلات وأجزائها في أعمال البوب آرت بشكل خامات لمواد يتم دمجها في بنية العمل الفني للفن الشعبي كما في نموذج (1, 3, 4, 5 ) .
  3. تظهر ملامح الثقافة بعد الحداثة في مظاهر السرعة والآلة والبساطة ، واللاوعي في انجاز العمل الفني لفن البوب آرت كما في نموذج ( 2 ، 4 ) .
  4. يلعب التجريب دوراً مركزياً في نتاجات الفن الشعبي بوصفها مجالاً لإدخال وتوظيف مختلف التقنيات والخامات المعاصرة كما في جميع نماذج العينة .
  5. يلعب الكولاج (فن التلصيق) دوراً رئيسياً في أعمال الفن الشعبي فهو العمود الفقري لعميات تجميع الصور والاجزاء المتناثرة التي يلتقطها فنان البوب من اجل تشكيل بنية عمله الشعبي كما في كل نماذج عينة البحث .
  6. الفضاء في فن البوب هو فضاء مركب داخلي يتمثل داخل بنية العمل وبين اجزائه ، وخارجي يحيط بالعمل وهو في كلا الحالتين فضاء افتراضي يتم التحكم فيه من قبل الفنان . كما في نموذج ( 3 , 4 , 5 ) .
  7. تلعب الصورة الفوتوغرافية دور الحامل الرئيسي لموضوعات الفن الشعبي وهي المحمول الأهم والأكثر تأثيراً في بنية العمل الشعبي كما في نموذج (1, 2, 4, 5)
  8. ثقافة الاستهلاك والتسوق هي التي جلبت فن البوب إلى قائمة فنون عصر ما بعد الحداثة وقد تم تطويره عن فن الكولاج وممارسات الدادائية لكنه اندمج بقوة في عالم السوق والصناعة المعاصر . كما في كل نماذج العينة .
  9. يلعب المتلقي دوراً هاماً في استكمال صورة عمل الفن الشعبي من خلال عمليات التحليل والتركيب التي يقوم بها ذهنه من اجل تذوق العمل الفني وفهمه . كما في كل نماذج العينة .

الاستنتاجات :

  1. إن الثقافة الاستهلاكية ترتبط بصورة مباشرة بوسائل الصناعة المعاصرة والتي تنعكس في اعمال الفن الشعبي على شكل تقنيات وخامات وصور واعلانات يتم توظيفها في العمل الفني .
  2. يسعى فنانو البوب أرت إلى توظيف كل ما يقع تحت ابصارهم من مواد ومفردات وخامات من اجل لفت انتباه المجتمع إلى الأشياء والخامات والصور التي باتت مألوفة لا ينتبه إليها احد .
  3. يسعى فن البوب إلى تفكيك البنى الراسخة للأشياء المتداولة في عصر ما بعد الحداثة ويحاول فك ارتباطها بأي غرضية أو نفعية مباشرة .
  4. يعمل بعض فناني البوب على مستوى بصري متعلق بسطح اللوحة ذي البعدين بينما يعمل فنانون آخرون على توظيف مختلف الخامات والمواد في اعمال ثلاثية الابعاد مجسمة بشكل كامل .
  5. قام فنانو البوب بإدخال مفردات الحياة اليومية مثل الاغطية والوسائد وكذلك الحيوانات المحنطة في نطاق نتاجات العمل الشعبي .

التوصيات :

    • اقامة ندوات ولقاءات فنية حول الاصول الفكرية والجمالية لفن البوب وعرض نتاجاته الفنية .
    • ضرورة طباعة الكتب والدوريات التي تعنى بفنون ما بعد الحداثة بشكل عام وفن البوب بوجه خاص .

المقترحات :

    • الابعاد الفكرية والجمالية لفن البوب في بريطانيا .
    • ملامح الفن الشعبي في الفن العراقي المعاصر . ( الفنانة هناء مال الله انموذجاً)

المصادر والمراجع

القواميس والمعاجم :

جميل صليبا : المعجم الفلسفي ، ج1، دار الكتاب اللبناني ، بيروت ، 1982.

مجد الدين أبو طاهر محمد بن يعقوب الفيروزابادي : القاموس المحيط ، تحقيق: مكتب تحقيق التراث في مؤسسة الرسالة ، اشراف :محمد نعيم العرقسوسي ، ط8 مؤسسة الرسالة للطباعة والنشر والتوزيع ، بيروت ، لبنان ، 2005 .

  • الياس معلوف : المنجد في اللغة والاعلام ، ط 3 ، دار الشرق ، بيروت ، 1986 .

المصادر العربية :

إبراهيم أبو عواد : البنى الثقافية والتجارب الإنسانية ، رأي اليوم صحيفة عربية مستقلة

ابراهيم الحيدري : النقد بين الحداثة وما بعد الحداثة ، ط1 ، دار الساقي ، بيروت ، 2012.

انور الصالحي : التأثير السيكولوجي للعادات الموروثة والمكتسبة في علم نفس الطفل ، الهيئة المصرية العامة للكتاب ، القاهرة ، 2011 .

باسم علي خريسان : ما بعد الحداثة ، دراسة في المشروع الثقافي الغربي ، ط1 ، دار الفكر للنشر ، دمشق ، 2006 .

بدر الدين مصطفى : فلسفة ما بعد الحداثة ، دار المسيرة ، ط ، عمان ، 2011 .

حسن محمد حسن : الأسس التاريخية للفن التشكيلي المعاصر ، ج 1، ط 2 ، دار الفكر العربي ، 1974 .

  • روجيه غارودي : البنيوية فلسفة موت الإنسان، تر. جورج طرابيشي، دار الطليعة، بيروت ، 1981.

ريم عاصم : فنون ما بعد الحداثة في الغرب – النشأة والتطور ، مجلة العمارة والفنون ، مج 3 ، ع 9 ، يناير 2018 .

سارة نيوماير : قصة الفن الحديث ، تر : رمسيس يونان ، سلسلة الفكر المعاصر ، ب.ت ،.

شاكر عبد الحميد : الفن والغرابة ، مقدمة في تجليات الغريب في الفن والحياة ، الهيئة المصرية العامة للكتاب ، القاهرة ، 2010 .

شاكر عبد الحميد : عصر الصورة ، ايجابياتها وسلبياتها ، عالم المعرفة ، المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب ، الكويت ، 1990 .

فاروق العادلي : المجتمع وثقافته ، الهيئة المصرية العامة للكتاب ، الاسكندرية ، 1973.

  • فاروق يوسف : أقنعة الرسم ، ط1، المؤسسة العربية للدراسات والنشر ، بيروت ،1996 .

محمد بوجنال : الفلسفة السياسية للحداثة وما بعد الحداثة ، شرط فهم صراعات الألفية الثالثة ، دار التنوير للطباعة والنشر ، بيروت ، 2010 .

محمود ، أمهز : الفن التشكيلي المعاصر (1870-1970) والتصوير ، دار المثلث للتصميم والطباعة والنشر ، بيروت ، 1981.

  • محمود امهز : التيارات الفنية المعاصرة ، ط2، شركة المطبوعات للتوزيع والنشر، بيروت ،2009 .

المصادر الاجنبية المترجمة :

إرنست فيشر:ضرورة الفن، تر: اسعد حليم ،الهيئة المصرية العامة للكتاب ،القاهرة ،1970،

  • بيتر بروكر : الحداثة وما بعد الحداثة ، تر : عبد الوهاب علوب ، منشور المجه الثقافي ، الامارات العربية المتحدة ، أبو ظبي .
  • بيتر بروكر : الحداثة وما بعد الحداثة ، ترجمة عبد الوهاب ، منشورات المجمع الثقافي ، أبو ظبي ، 1995 .
  • ديفيد هارفي : حالة ما بعد الحداثة ، بحث في أصول التغيير الثقافي ، ت : محمد شيا، المنظمة العربية للترجمة ، مركز دراسات الوحدة العربية ، ط 1، بيروت , 2005.
  • نك كاي : ما بعد الحداثة والفنون الأدائية ، تر: نهاد صليحة، ط2،الهيئة المصرية العامة للكتاب ،1999.

هربرت ريد : حاضر الفن ، ط 2 ، تر: سمير علي ، دار الشؤون الثقافية ، بغداد ، 1986 .

يوسف، فاروق: أقنعة الرسم، ط1، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، بيروت، 1996،

المصادر الأجنبية :

Barnouw , H , culture and personality , The Dorsey press , inc , Illinois.

https://www.raialyoum.com.

Sim , stuart : the Routledge com pantion to postmodernism , London and New York

Bright , Brenda , Night mares in the new metropolis : The cinematic poctics of low Riders , in studies in Latin American popular culture 16 , 1997.

الرسائل والاطاريح :

  • اياد محمود حيدر الشبلي : العولمة في فنون ما بعد الحداثة ، أطروحة دكتورة غير منشورة ، جامعة بابل ، كلية الفنون الجميلية ، 2012 .
  • رحاب خضير عبادي العلواني : الابعاد المفاهيمية والجمالية للمهمش في فنون ما بعد الحداثة ، اطروحة دكتوراه غير منشورة ، كلية الفنون الجميلة ، جامعة بابل ، 2008 .

المواقع الكترونية :

  • عصام محمد محفوظ : مفهوم الثقافة – مفهوم ثقافة الصورة ، 07/01/2022 ،

https://portal.arid.my/ar-LY/Posts/Details

  1. (1) الياس معلوف : المنجد في اللغة والاعلام ، ط 3 ، دار الشرق ، بيروت ، 1986 ، ص47 .
  2. (2) روجيه غارودي : البنيوية فلسفة موت الإنسان، تر. جورج طرابيشي، دار الطليعة، بيروت ، 1981، ص17 .
  3. (3) مجد الدين أبو طاهر محمد بن يعقوب الفيروزابادي : القاموس المحيط ، تحقيق: مكتب تحقيق التراث في مؤسسة الرسالة ، اشراف :محمد نعيم العرقسوسي ، ط8 مؤسسة الرسالة للطباعة والنشر والتوزيع ، بيروت ، لبنان ، 2005، ص1027.
  4. (1) جميل صليبا : المعجم الفلسفي ، ج1، دار الكتاب اللبناني ، بيروت ، 1982. ص378.
  5. (2) عصام محمد محفوظ : مفهوم الثقافة – مفهوم ثقافة الصورة ، 07/01/2022 ،https://portal.arid.my/ar-LY/Posts/Details
  6. (1) عصام محمد محفوظ : مفهوم الثقافة – مفهوم ثقافة الصورة ، مصدر سبق ذكره .
  7. (2) فاروق العادلي : المجتمع وثقافته ، الهيئة المصرية العامة للكتاب ، الاسكندرية ، 1973 ، ص8 .
  8. Barnouw , H , culture and personality , The Dorsey press , inc , Illinois.1963.p58 (3)
  9. (4) انور الصالحي : التأثير السيكولوجي للعادات الموروثة والمكتسبة في علم نفس الطفل ، الهيئة المصرية العامة للكتاب ، القاهرة ، 2011 ، ص83
  10. () محمود ، أمهز : الفن التشكيلي المعاصر (1870-1970) والتصوير ، دار المثلث للتصميم والطباعة والنشر ، بيروت ، 1981 ص7- 8 .
  11. () سارة نيوماير : قصة الفن الحديث ، تر : رمسيس يونان ، سلسلة الفكر المعاصر ، ب.ت ، ص121- 122 .
  12. () هربرت ريد : حاضر الفن ، ط 2 ، تر: سمير علي ، دار الشؤون الثقافية ، بغداد ، 1986 ، ص41 .
  13. (1) إبراهيم أبو عواد : البنى الثقافية والتجارب الإنسانية ، رأي اليوم صحيفة عربية مستقلةhttps://www.raialyoum.com.
  14. (2) ريم عاصم : فنون ما بعد الحداثة في الغرب – النشأة والتطور ، مجلة العمارة والفنون ، مج 3 ، ع 9 ، يناير 2018 ، ص404
  15. (3) ابراهيم الحيدري : النقد بين الحداثة وما بعد الحداثة ، ط1 ، دار الساقي ، بيروت ، 2012 ، ص 338 .
  16. (4) المصدر السابق نفسه ، ص340 .
  17. () محمد بوجنال : الفلسفة السياسية للحداثة وما بعد الحداثة ، شرط فهم صراعات الألفية الثالثة ، دار التنوير للطباعة والنشر ، بيروت ، 2010 ، ص 64 .
  18. () بدر الدين مصطفى : فلسفة ما بعد الحداثة ، دار المسيرة ، ط ، عمان ، 2011 ، ص285 .
  19. () شاكر عبد الحميد : الفن والغرابة ، مقدمة في تجليات الغريب في الفن والحياة ، الهيئة المصرية العامة للكتاب ، القاهرة ، 2010 ، ص197 .
  20. () بيتر بروكر : الحداثة وما بعد الحداثة ، ترجمة عبد الوهاب ، منشورات المجمع الثقافي ، أبو ظبي ، 1995 ، ص236 .
  21. () شاكر عبد الحميد : عصر الصورة ، ايجابياتها وسلبياتها ، عالم المعرفة ، المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب ، الكويت ، 1990 ، ص 72 .
  22. () باسم علي خريسان : ما بعد الحداثة ، دراسة في المشروع الثقافي الغربي ، ط1 ، دار الفكر للنشر ،دمشق ، 2006 ، ص205-206 .
  23. (2) ريم عاصم : فنون ما بعد الحداثة في الغرب – النشأة والتطور ، مصدر سبق ذكره ص 404 .
  24. (3) إرنست فيشر:ضرورة الفن، تر: اسعد حليم ،الهيئة المصرية العامة للكتاب ،القاهرة ،1970، ص294
  25. (1) مصدر سبق ذكره ، ص270 .
  26. (2) يوسف، فاروق: أقنعة الرسم، ط1، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، بيروت، 1996، ص29.
  27. Sim , stuart : the Routledge com pantion to postmodernism , London and New York , 2001 , P.37 . (3)
  28. (4) ديفيد هارفي : حالة ما بعد الحداثة ، بحث في أصول التغيير الثقافي ، ت : محمد شيا، المنظمة العربية للترجمة ، مركز دراسات الوحدة العربية ، ط 1، بيروت , 2005 ، ص 90 .
  29. (5) ريم عاصم : فنون ما بعد الحداثة في الغرب – النشأة والتطور ، مصدر سبق ذكره ، ص409- 411.
  30. (1) رحاب خضير عبادي العلواني : الابعاد المفاهيمية والجمالية للمهمش في فنون ما بعد الحداثة ، اطروحة دكتوراه غير منشورة ، كلية الفنون الجميلة ، جامعة بابل ، 2008 ، ص 142 – 143 .
  31. (2) المصدر السابق نفسه ، ص144-145.
  32. (3) حسن محمد حسن : الأسس التاريخية للفن التشكيلي المعاصر ، ج 1، ط 2 ، دار الفكر العربي ، 1974، ص34 .
  33. (4) فاروق يوسف : أقنعة الرسم ، ط1، المؤسسة العربية للدراسات والنشر ، بيروت ،1996، ص 29
  34. (1) محمود امهز : التيارات الفنية المعاصرة ، ط2، شركة المطبوعات للتوزيع والنشر، بيروت ،2009 ، ص468.
  35. (2) نك كاي : ما بعد الحداثة والفنون الأدائية ، تر: نهاد صليحة، ط2،الهيئة المصرية العامة للكتاب ،1999 ص45-46
  36. (3) اياد محمود حيدر الشبلي : العولمة في فنون ما بعد الحداثة ، أطروحة دكتورة غير منشورة ، جامعة بابل ، كلية الفنون الجميلية ، 2012، ص127 .
  37. (1) بيتر بروكر : الحداثة وما بعد الحداثة ، تر : عبد الوهاب علوب ، منشور المجه الثقافي ، الامارات العربية المتحدة ، أبو ظبي ، ص 256.
  38. (2) اياد محمود حيدر الشبلي : العولمة في فنون ما بعد الحداثة ، مصدر سبق ذكره ، 2012، ص127- 128
  39. (3) اياد محمود حيدر الشبلي : العولمة في فنون ما بعد الحداثة ، أطروحة دكتورة غير منشورة ، جامعة بابل ، كلية الفنون الجميلية ، 2012 ، ص 129 .
  40. Bright , Brenda , Night mares in the new metropolis : The cinematic poctics of low Riders , in studies in Latin American popular culture 16 , 1997 , P. 13 – 19 . (1)