تقدمات النساء في نقوش جنوب وشمال الجزيرة العربية

أ. د. رحمة بنت عواد السناني1

1 استاذ التاريخ القديم بكلية الاداب، جامعة طيبة، المملكة العربية السعودية.

Email: dr.rahmh2013@gmail.com

HNSJ, 2023, 4(9); https://doi.org/10.53796/hnsj493

Download

تاريخ النشر: 01/09/2023م تاريخ القبول: 07/08/2023م

المستخلص

وثقت هذه الدراسة الاف التقدمات لنساء الجزيرة العربية القديمة لكافة معبودات مناطقها، وتنوعت تلك التقدمات من حيث نوعها فهي أما إلزامية على الجميع من اصحاب المحاصيل والثمار رجال كانوا او نساء، أو اجبارية مفروضة من كهنة المعبودات كتكفير عن الخطايا والآثام ؛ تقدم للمعبودات لترضى وتعفو عن المذنبين.

توصلت الدراسة إلى مجموعة من النتائج من بينها؛ تقارب النساء مع الرجال في الجزيرة العربية من حيث انواع التقدمات المقدمة للمعبودات وإن اختلفت في دوافعها حيث كانت الدوافع لدى المرأة اكثر تنوعاً وتساوت النساء في كافة طبقات مجتمعات الجزيرة العربية القديمة من حيث التقرب للمعبودات بين النساء الاحرار والإماء والخادمات كما وثقت النقوش ذلك.

الكلمات المفتاحية: النقوش – التقدمات – المعبودات – التماثيل.

Research title

Women’s Oblations in inscriptions in Southern and Northern Arabian Peninsula

Dr. Rahma Bint Awaad Al-Sanani1

1 Old History Professor Faculty of Arts at Taiba University K.S.A

Email: dr.rahmh2013@gmail.com

HNSJ, 2023, 4(9); https://doi.org/10.53796/hnsj493

Published at 01/09/2023 Accepted at 07/08/2023

Abstract

This study documented thousands of offerings to the women of the ancient Arabian Peninsula to all the deities of its regions, and these offerings varied in terms of their type, as they are either obligatory for all owners of crops and fruits, men or women, or compulsory imposed by the priests of deities as atonement for sins and misdeeds; Offer to idols to be satisfied and pardon the guilty.

The study reached a set of results, including; The rapprochement of women with men in the Arabian Peninsula in terms of the types of offerings presented to deities, although they differed in their motives, as the motives of women were more diverse, and women were equal in all layers of ancient Arabian peninsula societies in terms of approaching deities among free women, slaves and maids, as documented by the inscriptions.

Key Words: inscriptions -offerings – deities – statues.

المقدمة:

مشكلة البحث:

إن الجانب الديني في حضارة الجزيرة العربية القديمة جانباً يعتريه الغموض بصفة عامة؛ لقلة النقوش التي تتحدث بالتفصيل عن الديانة وطقوسها المتنوعة، ويزداد الغموض إذا ما حاولنا معرفة ماهية التدين لدى النساء في حضارة الجزيرة العربية القديمة وعلاقتهن بالمعبودات؟ وكيفية ممارسة الشعائر والطقوس الخاصة بتلك المعبودات؟ وماهي التقدمات والقرابين والنذور التي قدمتها النساء للمعبوات المختلفة. ومن هنا تنبع أهمية هذه الدراسة في محاولة لسبغ غور هذا الجانب الديني لدى نساء الجزيرة العربية القديمة لا سيما فيما يتصل بالتقدمات التي كن يقدمنها لمعبوداتهن.

المقدمة:

تُعد التقدمات التي توهب للمعبودات من اهم الشعائر العملية في كافة الديانات منذ نشأة الحضارات البشرية، حيث اعتاد الناس أن يقدموا لمعبوداتهم اعز واغلى ما يمتلكون تعبيراً عن اجلالهم وتقديسهم لها، لما تؤديه تلك المعبودات من دور اساسي في مختلف شؤون حياتهم اليومية؛ لذا حرصوا على تقديم القرابين والنذور والإهداءات المتنوعة لمعبوداتهم؛ لكسب رضاها ولتسبغ عليهم نعمها، وتقدم ممارسة شعيرة التقدمات لنا دلالة مؤكدة على قوة التدين والارتباط الوثيق بالمعبودات وهي الشعيرة التي تمارس من جميع فئات المجتمعات القديمة كما دلت نقوشهم وتقدماتهم المتنوعة؛ كونها تمثل الصورة الوضحة للعلاقة الخارجية بين المتعبدين ومعبوداتهم.

مشكلة البحث:

قلة الكتابات والبحوث التي تركز على التقدمات الدينية التي كانت المرأة في حضارة الجزيرة العربية القديمة تبادر بتقديمها للمعبودات في مختلف المناسبات حيث يكتنفها الغموض لكون معظم النقوش المختلفة التي تم اكتشافها حتى الآن تتسم بالعمومية وتشير بصفة عامة إلى انواع من الممارسات والشعائر الدينية دون تفصيل.

تساؤلات البحث:

يمكن إجمال تساؤلات البحث فيما يأتي: ماهي انواع التقدمات التي بادرت لنساء بتقديمها للمعبودات في حضارة الجزيرة العربية؟ وهل اختلفت مسمياتها من منطقة لأخرى؟ وماهي ضوابط تقديمها من الناحية الدينية؟ وماهي المناسبات التي حتمت على المرأة في الجزيرة العربية المسارعة في تقديم القرابين والنذور والتقدمات المختلفة للمعبودات في معابدها ؟

أهداف البحث:

يهدف البحث إلى تحديد أنواع التقدمات التي كانت المراة تقدمها لمعبوداتها في الجزيرة العربية، وتحديد مسميات تلك التقدمات في مناطق الدراسة، وهل كانت هناك ضوابط محددة لتقديم تقدمات النساء في معابد الآلهة، وتحديد المناسبات المختلفة التي كانت النساء تسارع خلالها إلى تقديم التقدمات للمعبودات المختلفة.

أهمية البحث وأسباب أختياره:

ترجع أهمية هذا البحث وأسباب اختياره إلى عدة أمور، أهمها:

  • أهمية دور المرأة في حضارة الجزيرة العربية القديمة ومكانتها التي أثبتتها لها النقوش المكتشفة.
  • العلاقة القوية التي ربطت المرأة بمعبوداتها؛ مما يشير إلى شدة تدينها وارتباطها بالمعبودات ويقينها بمساعدتها لها في احتياجاتها المختلفة.
  • قلة الدراسات والابحاث- حتى الآن- التي خصصت لدراسة تقدمات النساء للآلهة المختلفة في المنطقة؛ بحيث يكاد ينعدم وجود دراسة ركزت على هذا الجانب في دراسة تعتمد على قراءات النقوش والاثار المكتشفة المتصلة بهذا الجانب.

حدود البحث :

سيقتصر البحث على منطقتي جنوب وشمال الجزيرة العربية القديمة خلال الألف الاول قبل الميلاد.

منهج البحث:

اعتمد على المنهج التاريخي الاستقرائي والمنهج الوصفي.

المقدمة: تتضمن مقدمة البحث ، أهميته، تساؤلات البحث , أهدافه، أسباب أختياره، وحدود البحث الزمانية والمكانية، والمنهج المتبع فيه.

تقسيمات البحث:

ستنقسم الدراسة الى : تمهيد وفيه لمحة موجزة عن مسميات التقدمات في المنطقة من خلال النقوش وانواع التقدمات واماكن تقديمها.

ويأتي بعد ذلك مبحثين:

ويتضمن المبحث الاول: أنواع تقدمات النساء للمعبودات في الجزيرة العربية من حيث: تقدمات النفس والاولاد، تقدمات المحاصيل الزراعية والثمار والاملاك المتنوعة، تقدمات التماثيل البرونزية والمذهبة والذهبية، تقدمات طقوسية (مباخر – مجامر – تماثيل ذات دلالة طقوسية) هذا فضلاً عن تقدمات النقوش ( المساند)، أما المبحث الثاني فيتحدث عن: الغرض من تقدمات نساء الجزيرة العربية من حيث : تقدمات الشكر والثناء على المعبودات، تقدمات اجبارية محددة بحسب الاوامر الالهية، تقدمات للحصول على امور مكاسب اضافية من المعبودات كوهب الاولاد الاصحاء والثمار الوفيرة والشفاء من الامراض، علاوةً عن تقدمات كنّ يسارعن إليها؛ لطلب الحماية من المعبودات.

الخاتمة:

تتضمن أهم النتائج التي توصلت إليها الدراسة.

قائمة المصادر والمراجع:

تحتوي اهم المراجع التي استفاد منها البحث.

الملاحق:

تتضمن مجموعة من الاشكال والصور المتصلة بالبحث والتي تزيد من قيمته العلمية إن شاءالله.

الدراسات السابقة:

يتسم موضوع البحث بندرة الدراسات العلمية المحكمة التي تركز على الموضوع، بحسب الاطلاع على مصادر المعلومات المتوفرة في مركز الملك فيصل للدراسات والبحوث وقواعد معلومات الرسائل الجامعية، ومكتبة الملك فهد الوطنية ، وإن وجدت دراسات تناولات التقدمات والقرابين والنذور بشكل غيرمباشر ودون تركيز على المرأة وتقدماتها، ومن بينها:

– عقاب، فتحية، المرأة في المعبد في الجزيرة العربية من القرن السابع قبل الميلاد الى الرابع الميلادي قرأه في ضوء النقوش، الدارة، السنة 36، ع3، 1431ه .وتناولت دور الكاهنات في المعابد بصفة خاصة.

  • القحطاني ، محمد سعد، تقدمات نذرية للمعبودات في اليمن القديم( تقدمات النفس والممتلكات) دراسة من خلال النقوش والاثار، اليمن ، صنعاء. كاسكل، ف، لحيان المملكة العربية القديمة، ترجمة. البكر، منذر، جامعة البصرة، مجلة كلية الاداب، 1971.تحدث عن النذور المقدمة للمعبودات بصفة عامة وقد افاد منه البحث فيما يخص نذور النساء.

– الحاج، محمد علي، مكانة المرأة في مملكة قتبان في ضوء نقوش مسندية جديدة، مجلة العلوم الانسانية، ع4، 2020. تحدث عن المرأة بصفة عامة وركز على المرأة القتبانية فقط. في حين يركز هذا البحث على التركيز على تقدمات النساء بصفة خاصة في جنوب وشمال الجزيرة العربية القديمة من حيث انواعها ومناسبات تقديمها ودلالاتها المتنوعة.

التمهيد:

وقد عبرت نقوش الجزيرة العربية المختلفة عن تقديم القرابين والنذور والاهداءات بصيغ متعددة حيث وردت لفظة أكرب (اكرب) بمعنى تقرب للمعبودات بقربان، وورد في اللهجة السبئية كذلك لفظ هقني (هقني) وهي سلأ في اللهجة القتبانية والمعينية (سلأ)، في حين ورد في الكتابات اللحيانية بـ هودق (هودق )، وكلها تأتي بمعني التقديم للمعبودات ووهبها القرابين والنذور المتنوعة. وأن أختلف الهدف من التقدمات من شخص لأخر، على أن التقدمة في اصل نشأتها كانت بمثابة الهدية التي يقدمها المتعبد لمعبوداته ليحظى ببعض المنافع الدنيوية غالباً او ليتجنب الوقوع في بعض المصائب او ليطلب من خلال تقدماته العون من المعبود أو الصفح عنه فيما لو وقع في محظور ما.

وتشير نقوش الجزيرة العربية القديمة الى انواع من التقدمات التي حرص المتعبدون على تقديمها للمعبودات ؛ فهي إما تكون تقدمات: الزامية اجبارية مثل تقديم عشور الاراضي للمعابد ومعبوداتها في كل موسم زراعي، أو تكون تقدمات وقتية بمعنى أنها تُقدم في مناسبات مختلفة : كأن يتقرب بها للمعبودات شكراً وامتناناً بمناسبة عودة من رحلة تجارية أمنة او عودة من حرب او سفر بالسلامة او لميلاد اطفال اصحاء او للشفاء من العلل والامراض، ومن ناحية اخرى قد توهب التقدمات للمعبودات طلباً للحصول على الولد الصالح او الغلال الوفيرة أو لسلامة البدن والحواس او للوقاية من العين والحسد أو للسلامة من الاعداء، الجدير بالذكر ان من ضمن التقدمات الوقتية ما يبادر المتعبدون بتقديمه لمعبوداتهم بناء على الاوامر الالهية الخاصة بطلب تقدمات واضاحي او نحوها بمناسبات تحدد من قبل كهنة المعابد.

وبادر سكان الجزيرة العربية القدامى – كما تؤكد نقوشهم – الى تقديم القرابين والنذور وكل ما من شأنه أن يستجلب لهم رضا المعبودات ويدفع عنهم غضبها ؛ لينعموا بخيراتها ولتمنحهم السعادة والراحة والاستقرار، وتثبت النقوش والاثار أن النساء في الجزيرة العربية اسهمن بقسط وافر في المسارعة للمعابد وتقديم التقدمات لكافة المعبودات؛ وتنوعت الاسباب التي كانت تدفع النساء الى بذل التقدمات السخية لمعبوداتهن وان ركز جلها على الناحية الدينية والاجتماعية حسبما ورد في النقوش حتى الان.

وستحاول هذه الدراسة المعنونة بــ” تقدمات النساء في نقوش جنوب وشمال الجزيرة العربية القديمة” معرفة انواع تقدمات النساء التي حرصن على توثيقها في داخل المعابد وتأكيد تقديمها بصفة منفردة غالباً بذكر اسمائهن في نقوش التقدمات للمعبودات علها ترضى، والتعرف على اغراض تلك التقدمات التي حظيت بها المعبودات من قبل نساء الجزيرة العربية القديمة ثم تحاول استخلاص ما وصلت اليه المرأة من مكانة سياسية واقتصادية واجتماعية فضلاً عن المكانة الدينية للنساء من خلال نصوص تلك التقدمات.

المبحث الأول: أنواع تقدمات النساء للمعبودات في الجزيرة العربية

أولاً: تقدمات النفس والاولاد:

تجود المرأة في نقوش الجزيرة العربية القديمة بنفسها واولادها وتجعلها في مقدمة تقدماتها لمعبوداتها؛ مما يدل على شدة التقوى في نفسها والتقديس الشديد لمعبوداتها، وغالباً ما تتبع نقوش تقدمات النفس نسقاً متماثلاً بحيث تذكر المرأة اسمها واسماء اولادها ، والمعبود الذي تقربت اليه، واسم المعبد الذي تمت التقدمة فيه ثم وضع تلك التقدمة تحت حماية المعبود الذي تقربت له بهذه التقدمات، على أن تقدمات المرأة لنفسها او اولادها للمعبودات – على الارجح- كانت تقدمة رمزية لا فعلية بحيث تحظى ومن قدمتهم للمعبودات برضاها وحمايتها؛ فهي تقدمة معنوية ضمنية الغرض منها طلب الرعاية من المعبودات للنفس والابناء والاهل(الحسني، 2012، ص 292).

ومن نقوش تقدمة النفس لدى النساء ما ورد في نقش (YM 2536) ومفاده: أن خراش (سيدة) تقربت بتقديم نفسها للمعبود ود في معبده ذو مسمعم [1]*، اذن قدمت خراش نفسها كقربان نذري لمعبود القمر المعيني ود في معبده، وفي نقش اخر (Rb 645) تقدم سيدة اخرى تدعى عم عند بنت ذرأ كرب نفسها واولادها وممتلكاتها كقربان للمعبودة ذات حميم معبودة الشمس [2]*، وفي نقش ) JA 345) تضع سيدة ……… فُقد اسمها لكنها وضعت نفسها وحواسها وابنتها سكينة في حماية المعبود القتباني أنباي[3]*، وفي نقش ( NNN 27)من منطقة ناعط دون على لوح حجري كتب بحروف غائرة تضع سيدة اخرى تدعى شخشخ -التي تنتسب الى بيت واسرة هلك أمر- نفسها في حماية المعبود نوشم (القحطاني، ص72؛ 1962, p. 101. Jamme,) .

وتقدم سيدة سبئية نفسها واولادها للمعبودة نوشم في نقش- وجد في منطقة صرواح ارحب شمال شرقي صنعاء- يتكون من سطرين فقدت بدايته التي تحمل اسم المرأة لكن دل عليها كلمة ب ن ت التالية، وقرئ النقش : …. بنت مشبوم من بيت او ربة بيت ( الشخص المسمى) شبمهو قدمت للمعبودة نواشم نفسها وولدها وذريتها، وفي نقش اخر من منطقة ريبون من حضرموت ( RH 24) تقدم صاحبته سمهان بنت عم أنس نفسها قربان للمعبودة عثترم[4]*، ومن نقوش معبد عثترم المسمى حضران في ريبون – أيضاً- نقش يؤرخ بالقرن السادس ق.م تقريباً تقدم سيدة حضرمية فُقد اسمها واسم ابيها واسرتها لكن دلت عليها كلمة ب ن ت ، قدمت نفسها للمعبود عثترم في معبده، ومن نقوش تقدمة النفس كذلك نقش (JA 2815) لسيدة تدعى لأية وثقت من خلاله تقديم بنتها سدة لمعبودها عزيان[5]*، ومن نقوش معبد اله القمر السبئي إيل مقه[6]* بمعبده معربم في منطقة المساجد جنوب مأرب نقش ( GL 1128-1129) وقرئ : …. (صاحبة النقش) بنت يثع ذوطم قربت للمعبود إيل مقه ذو معرب ابناؤها صدق إل و إل أوس ولحيعثت وعثت……( الحمادي، 2006، ص122)، ومن شمال الجزيرة العربية ما يفيد بقيام امرأة لحيانية بإهداء ابنتها للمعبود سلمان ثناءا له، او ربما لتكون أمة في معبده كما يرى كاسكل (كاسكل،1971،ص )187)، ولعلها وضعت ابنتها تحت حماية ورعاية هذا المعبود وكان ذلك من قبيل الاهداء الرمزي او ما عرف بتقدمة النفس للمعبودات.

ومن نقوش مملكة قتبان نقش (MUB 206=CSAI 143) والذي تذكر صاحبته السيدة رثد أنها قدمت للإلهة ذات صنتم[7]* سيدة المعبد قلبان تقدمات نذريه من املاكها الخاصة (الحاج، 2020، ص127 ) ويتضمن نقش لنساء من بينهن نعمود ونعم جد بنات نبال يهصبح ما يفيد بأنهن اوقفن انصبتهن من ارض تبل ( تبال) من اجل معبودهن تألب ريام السبئي(صالح، 1985، ص 41).

ثانياً: تقدمات المحاصيل الزراعية والثمار والاملاك المتنوعة:

وشاركت النساء الرجال في الجزيرة العربية في المبادرة بتقديم هذا النوع من التقدمات، حيث وجد نقش تتحدث فيه سيدة معينية – تنسب نفسها الى والدتها كاهنة المعبود ود – فتقول : سلمى ابنة كاهنة (ود) عدت ونذرت كل ما تملكه ل(المعبود) ود، فهي تقدم كل املاكها لمعبودها اله القمر المعيني ود، وفي شمال الجزيرة العربية وجد في جبل عكمة نحو 35 نقشاً لنساء لحيانيات يقدمن النذور للمعبود ذو غابة[8]*، وتمثلت التقدمات في التقرب لمعبودهن بما يمتلكن من اموال واراضي ونخيل وابل وثمار؛ ومن نماذج تلك النقوش نقش قرئ:

  • امة سلحت ذي غابة أطللت (قدمت) .
  • الطلل بكل بعد(عن) نخلها بـ تأل.
  • فرضي عنها واسعدها. وتتقرب لحيانية اخرى – كذلك في نقش أخر من شمال الجزيرة االعربية – لمعبودها ذو غابة بتقديم املاكها حيث قرئ:
  • أمة رفا بنت.
  • ربح أطلت (قدمت).
  • الطلة(الزكاة) لكهل ( ربما من اسماء الشهور اللحيانية) لذي غابة.
  • بعد(عن) ثبراتها ( الثبرة الاراضي الزراعية) (صقر، ص 1426-1427).

ومن نقوش النساء اللحيانيات الاخرى التي تتحدث عن تقديم الثمار للمعبودات؛ نقش فُقد فيه اسم المرأة الاول وتقول السيدة:…..سلمة (مبعوثة أو مندوبة) ذي غابة أطلل (قدم) بعد(عن) دثأة (ثمار فصل الربيع). ومن نقوش اللحيانيات التي تشير الى تقديم الطلل (الزكاة) – غالباً ما تكون من الثمار والمحاصيل الزراعية- نقش ( أبوالحسن: 1999) وتتحدث من خلاله لحيانية تدعى سموه بنت سمر سلحة ود وانها اشتركت مع بعلها زيد من قبيلة يفعان في تقديم الطلل(الزكاة) لذي غيبة بــ (هذا) المصد ( الجبل) فاسعدهما( ابو الحسن، 2002، ص 43).

ثالثاً: تقدمات التماثيل البرونزية والمذهبة والذهبية:

قدم سكان الجزيرة العربية القدامى لمعبوداتهم التماثيل بمختلف اوضاعها وهيئاتها جالسة كانت او واقفة كاملة او نصفية، واختلفت مادة صناعة تلك التماثيل ما بين حجرية او معدنية من الذهب الخالص أو من البرونز أو تماثيل مذهبة كما كانوا يذكرون في نقوشهم، ويطلق المقدمون على تلك التماثيل في النقوش صلم (صلم)( P .373 1970, Hoefner, ، ولم تقتصر تقدمات التماثيل على التماثيل البشرية فقد تكون حيوانية مثل تماثيل : الثور والوعول والفرس والبغل، وغالباً ما يقدم المتعبد التمثال منفرداً لكن قد يشترك في تقديم التمثال اكثر من شخص؛ وربما يعزى ذلك لارتفاع تكلفة صناعتها والتي قد لا يقدر على تحملها بعض المتعبدين فرادى() الحمادي،ص172)، ويرجح أن تقدمات التماثيل كانت تمثل المتعبدين انفسهم وتنوب عنهم في المعابد؛ طلباً لرعاية وحماية المعبودات في الحروب والشدائد والازمات والامراض من ناحية(شميدت 1992، ص873) ولتظل هذه التماثيل اثار تخلد تقدمات مقدميها في معابد معبوداتهم وتبقيهم تحت نظرها وفي رعايتها(الحمادي، 2006، ص168).

واسهمت النساء في الجزيرة العربية القديمة بتقديم التماثيل لمعبوداتهن كما وثقت نقوشهن؛ ومن بينها نقش لسيدة سبئية من صرواح تدعى كريبة قدمت مع زوجها يصبح إل الى معبودتها أم عثتر( ربة الشمس) أربعة تماثيل مصنوعة من البرونز؛ شكراً لها لأنها اهدتها اربعة اطفال كلهم اصحاء وهم ثلاث بنات وولد( صالح،1985، ص 38)، وتقدم سيدة اخرى تدعى عم رام مع ابنتها وهما من عائلة حنغم للإله ايل مقه تمثالين من البرونز وذلك لسلامة اجسادهن(السعيد، 2002، ص 10)، وفي نقش اخر لسيدة ) Ym 2403) تقدم صاحبته قرباناً انثوياً تمثالاً لمعبودها لأنها انجبت بنتاً بعد ولادة ميسرة (عقاب ،1431 ص 108) .

وتوثق امرأة تدعى نويت في نقش حُفر على لوح حجري يتكون من اربع وجهات تقدمتها الى معبودتها اثرت – في معبدها- وتمثلت التقدمة المذكورة في صنم برونزي( تمثال) حيث قرئ: نويت مملوكة أو خادمة أب عم القفل وهبت امها أثرت في معبدها يسل (يثل) كما قدمت لها صنماً برونزياً ووضعت في حماية أثرت ولدها وحواسها واهل بيتها(الحسني، 2011، ص453 )، كما تُهدي سيدة – يبدو انها ذات مقام رفيع أو وظيفة مرموقة- تدعى أسيل صاحبة البيتين واهدت للمعبود عثتر تمثالين من ضريبة العشر المقررة عليها(نامي، 1943، ص18)، وفي نقش سبئي( JaS 751, RES. 4938-8) تتحدث صاحبته المدعوة أب حلك من قبيلة ذبيان عن تقديمها للمعبود ايل مقه ثهوان بعل أوم تمثاله من الذهب، والى نفس المعبود وفي نفس معبده تقدم سيدة اخرى فقد اسمها الاول الا انها تذكر- في نقشها (JaS 742 ) انها قدمت اربعة تماثيل وتمثاله- ربما تمثال يرمز لمعبودها- الذي وعدته به لأبنائها : اب كرب وسعد أوم وزيدم وكهل إل أ ب عند والاخيرتين اناث(ابو الجزر، 1994، ص15-16)، ويتحدث نقش قتباني جديد من مدينة مريمة[9]* عُرف النقش بــ (حاج- العادي 86) عن سيدة تدعى أب وسل من بيت أهل أنس وإل شرح من بني دقل قدمت للمعبودة ذات صنتم تمثال من البرونز من قيمة ريع اخرجته اب وسل للمعبودة، ووضعـــت نفسها وقواها وابنها المسمــــــى نبط عم وممتلكاتها في رعايتها، ووادعت تمثالها هذا للمعبودة ذات صنتم من كل من يحاول الحاق الاذى به أو نقله من مكانه في المعبد(الحاج ،2020، ص130-131 ) ( شكل رقم 1).

ويتحدث نقش(Ja 722) الموثق بأسماء عدد من النساء فًقد اسم الاولى وذكرت منهن :كعبب وثوب ثوان وداد سمى وهن بنات كلودد من اسرة أل شوقم، وكن إماء ( خادمات) لإل نعم برل، وقدمن قربان تمثالين تمثال رجل واخر لامرأة برونزيين مذهبين للمعبود إيل مقه؛ لأنه اكرمهن فولدت امهن بنتاً خامسة (ابو الجزر،1994، ص 20-21؛ الحمادي،2006 ، ص257) ، وتتحدث سيدة سبئية تدعى شوف من قبيلة لنهأ عن انها كتبت هذا المسند في معبد اوم وقدمت تمثالاً ذهبياً للإله ايل مقه في المعبد المذكور لأنه هداها في مشكلة كانت تمر بها .

وتؤكد على ذلك سبئية اخرى تدعى صفنات الابذلية تخبرانها اشتركت مع زوجها سعد كرب في تقديم تمثال مصنوع من البرونز للمعبود ايل مقه ثهوان رب اوم(صالح، 1985، ص37، 39) ، وفي نقش( Ja706) من معبد أوام تتحدث سيدة سبئية اخرى تسمى نفسها بـ امةايل مقه أي عابدته أو تابعته في نقشها عن القربان المقدم للمقه ومناسبته ونوعه فتقول :” ه ق ن ي ت / إ ل م ق ه / ث ه و ن ب ن ب ع ل أ و م / ص ل م ت ن/ ذت / ذ ه ب ن/ م ر ض/ م ر ض ت/ ع ي ن ه و/ و رأ/ ك هع ن ه و /،وقرئ: قدمت صاحبة النقش للإلهايل مقه ثهوان سيد معبد اوام تمثال ادمي انثوي برونزي مذهب وعدت به سيدها الالهايل مقه لإعانته لعبدته نضيرة بشفائها من مرض اصاب عينيها ورأت انه قد اعانها وشافاها من ذلك المرض (Jamme,1962,P.195 ( .

وتقدمت نساء اوسان كذلك للمعبودات بتقدماتهن من التماثيل فهذه سيدة فُقد اسمها الاول لكنها نعتت نفسها – في نقشها – بــ البغثية اخت يصدق إل فرعم شرح عثت ملك اوسان، وتوثق تقديمها لتمثال برونزي لسيدها يصدق ايل شرح عثت بن الاله ود في معبده، ويبدو انها قدمت التمثال إهداءا منها لأخيها إجلالاً وتقديراً له، ومن تمنع العاصمة القتبانية تقدمة من سيدة تدعى لبأ بنت ال عم ذو هنعمة من بيت ذأبم ذي يجر تتحدث أنها أهدت الإلهتين بنتي ال في معبدهما أمر تمثال نصفي أنثوي فقد رأسه، ويظهر من النقش( Ja 868 ) أن صاحبته كانت كاهنة لعشيرة ( ذي يجر) وهي التي كانت تتولى منصب الكهانة وقد قدمت تمثالاً لمعبودها (الحمادي،2006، ص 217، 305). على أنه كثيرا ما تقدم المرأة تمثالا يمثلها في معبد الاله الذي تتولى كهانته، ومن ذلك نقش السيدة برأت زوجة رثد ايل من عائلة شحز التي كانت تتولى المناصب الدينية فـــي قتبان، وتولت برأت- كما توثق في نقشها- منصبين معاً فهي قظرت عم ذو ربحو ورشوت عم ذو ديمتم[10]*، وقدمت التمثال فـــي معبد عم ذو ربحو وكان التمثال لأمرأه تمثلها(عقاب،1431، ص 125-126). (شكل رقم2).

ويقوي ذلك نقش قتباني اخر دون على قاعدة حجرية مستطيلة وحُفر النقش بشكل غائر ويرجح ان هذه القاعدة كانت تحمل تمثال صاحبة النقش – الذي كان يمثلها في معبد الاله أنبي المسمى رصف – المسماة أب صدق حيث ذكرت فيه: انها صدق أب (ورم) وهب إل المنتمية الى ذو هران وذرأن قدمت للإله انبي الحامي تذكارها في معبد رصف، ووضعت تمثالها في حماية الاله انبي واعاذته به من كل من يحاول ابعاده من موضعه في معبد رصف(الحمادي،2006 ،ص 521).

ولم تقتصر التقدمات للمعبودات على الحرائر من نساء الجزيرة العربية القديمة بل تقدمت الأماء كذلك بتقدماتهن من التماثيل للمعبودات ومن ذلك نقش لنساء هن: نعم جد بنت تحي عز والثانية هنأ بنت ثون الثالثة نعمة من ال تحي عز أمة (عبدة) سعد شمس الكبسي قدمن قربانهما النذري للمعبود ايل مقه وهو تمثال امرأة مصنوع من البرونز المذهب(ابو الجزر،1994، ص33 ) .

ولم يقف الأمر في تقدمات النساء في الجزيرة العربية على التماثيل البشرية بل قدمن التماثيل الحيوانية ومن بينها: تمثال حيواني يمثل مهرة (فرس) حفرت عليه مقدمته انها قدمته لربة الشمس في عقيدتها(صالح، 1985، ص 39) ( شكل رقم 3)، كما يؤكد ذلك نقش (Lion 1)الذي تم العثور عليه في وادي حريب القتباني وتتحدث صاحبته عن تقدمة عبارة عن تمثال لأسد كامل منحوت من البرونز، وقد تم نحته بدقة متناهية تشير الى مهارة النحات الذي شكله، فالوجه والاطراف والجسم شُكلت بإتقان، ويقف تمثال الأسد على قاعدة مستطيلة الشكل حًفر عليها النقش المذكور ومفاده : أن شبعم بنت شكير من العائلة ذو مسجم قروح من بيت لحي ذو مسجم قدمت للمعبودة ذات صنتم لبأي (أي لبوتين) مصنوعتان من البرونز، تم العثور عن احداهما فقط(الحمادي،2006، ص305) .

وتندر تقدمات التماثيل في شمال الجزيرة العربية لكنها وجدت ومن بينها؛ تقديم سيدة لحيانية تدعى أمة يتعاد بنت واد قدمت قرباناً لمعبود الموتى اللحياني سلمان، كانت قد نذرته من اجل ابنتها قن بن حثل وامها عل هذا المعبود يطيل عمرها ويسعدها(صالح ، 1985، ص30) ، كما تقدمت المرأة اللحيانية شخلة بنت قاسم بصلمين لمعبودها في نقش( الذييب 47) وقرئ: ” شخلة بنت قاسم قدمت الصنمين للمعبود هن أكتب، فرضي عنها وذريتها”، فالسيدة شخلة قدمت قربانها لمعبودها لنيل رضاه عليها وذريتها، ولم يوضح النقش هل التمثال يمثل السيدة أم هو تمثال للمعبود هن أكتب؛ ليمارس امامها المتعبدون طقوسهم الموجهة له(الذييب، 1441 ،ص 154- 155).

رابعاً: تقدمات طقوسية (مباخر – مجامر – تماثيل ذات دلالة طقوسية):

اشتركت النساء مع الرجال في الجزيرة العربية في التقرب للمعبودات بتقديم تقدمات تتصل بالطقوس التي كانت تمارس في معابد المنطقة، ومن ذلك ما تتحدث عنه سيدة قتبانية في نقش (FB-a-l- AdI 2) والمسماة ابنة المنتمية الى بيت وهب وهو عبد للقيل نبط علي البرانطي، وتوثق – من خلال نقشها- تقربها للمعبودة ذات صنتم في معبدها المسمى قلبان حيث قدمت لها عمودين من احجار البلق وما يرتبط بها من احجار بناء المكان المقدس فيشو[11]*،والذي اقيم غالباً في مدينة مريمة في وادي حريب، وذلك من خلال الريع المقرر على املاك السيدة ابنة من للإلهة ذات صنتم(الحاج ،2020 ، ص127)، وفي نقش قتباني أخر ( حاج – العادي 87 ) المدون على لوحة مستطيلة من حجر البلق – يرجح انه تم العثور عليه في معبد المعبودة اثيرة غرب مدينة مريمة بالقرب من معبد المعبود حوكم – والمؤرخ بالفترة ما بين القرن الثاني – الاول ق.م تتحدث سيدة قتبانية تدعى فارعة من اهل بيت ( زوجة) هوف إل بن وقش عن أنها قدمت للمعبودة ذات صنتم لوحين من الحجر، او ما يعرف بـ بحتين( عضو ذكري) مصنوع من الحجر الجيري كجزء من الاتاوة او النذور المقررة على فارعة(الحاج ،2020، ص 135-136 ) (شكل رقم 4). وتتقرب السيدة قسم بنت صمأد في احد النقوش الدينية للمعبودة ذات حميم ذات رحبان بتقدمة تشير اليها في نقشها بــ بحت كذلك، ويرجح أنها عضو تناسلي انثوي(1979, p.232 , Pireen)، وتتقدم سيدة معينية لمعبد رصفم بتقدمة غريبة وردت في نقش (Graf 6) وقرئ نقشها: داية بنت انس ذو كلبم المتزوجة من بيت عم علي ذي شبعان قدمت للآلهة بنتي إل؟؟ في المعبد رصفم لنفسها وحياتها ، وحُفر نقش داية على تمثال انثوي صغير لامرأة ترتدي ثوب طويل وتظهر جالسة على كرسي يقوم على قاعدة صغيرة وله مسند للظهر، وكاتبة الاهداء تبين ان التقدمة هو هذا التمثال ( , p.142 , 1962 ( Jamme .

وتكرس سيدة معينية تقدمة لها في تمنع عاصمة قتبان، وتذكر في نقشها بأنها كرست ( سلأت) قرباناً لمعبودها يتمثل في بنتي إل، وورد ذكر هذه التقدمة في عدد من النقوش الاخرى من بينها نقش معيني ذكرت صاحبته لحيم بنت كلب من اسرة عش من بيت صادق انها قدمت بنت إل في معبد رصف، ويرى عبدالعزيز صالح أن هذه التقدمة ( بنتي إل) تماثيل ذات دلالات طقوسية، ربما يستفيد منها المعبد في طقوسه في شعائر الوحي والاستخارات مثل اقداح الاستقسام؛ ويفسر ذلك بازدواجهما في بعض النقوش بعبارة بنتي إل؛ أي ان احدهما للإيجاب والاخرى للسلب أو للموافقة والنهي في امور الاستخارة في مسأل المعابد(صالح،1985، ص 43-45).

ومن تقدمات النساء المرتبطة غالبا بممارسة الشعائر والطقوس الدينية في المعابد المباخر التي تستخدم في تبخير المعبد اثناء اداء الطقوس الدينية والاحتفالات الدينية (شكل رقم 4)، ومن نماذجها نقش (CI 422) المدون على قاعدة مبخرة قدمت لمعابد الاله عثتر، وحرصت المقدمة على توثيق تقربها لمعبودها بهذه المبخرة بالنقش المذكور ومفاده: أن أمة شمس الوهرانية ( نسبة الى منطقة أو اسرة تسمى وهران) قدمت للإله عثتر هذا المقطر(المبخرة) من اجل أنها اسعدها بالنعم والاولاد الصالحين(الحمادي، 2020، ص 452-453)، وتتحدث سيدة اخرى تدعى امة انها تقربت كذلك لمعبودتها بنات إيل بهذا المقطر ( المبخرة) من اجل ابنتها قحط أمة اختيان؛ لسلامتها، وحفر النقش المذكور على الوجه الامامي للمبخرة المكعبة الشكل ذات القاعدة الهرمية والمصنوعة من الرخام ( ابو الجزر، 1994، ص 18؛ الحمادي، 2020، ص463 , 1994, p. 156-171 Maraqten, ).

ومن المباخر المقدمة من قبل النساء للمعبودات وإن لم تذكر المقدمة اسم المعبود ولا المعبد مبخرة – موجودة حالياً في متحف سيئون- عُثر عليها في مستوطنة سونة شرقي وادي عدم وقد حفر عليها نقش تقول كاتبته المسماة نعجم بنت ال انها قدمت لإلهها المعبود هذه المبخرة من اجل ابنتها، كما تم العثور على مبخرة اخرى في معبد حدث المخصص للمعبودة الشمس في منطقة ظربم ، وقد حُفر عليها نقش مفاده: ان صاحبة النقش على المبخرة التي تسمى ذونمم المنتمية لقبيلة سفقين قدمت للإلهة الشمس سيدة حدث في معبدها الواقع في ظربم المبخرة (المدون عليها النقش) لسلامتها وسلامة بيتها (بريتون،1980 ، ص 117؛ نتائج المسح السياحي (1996/1999م)، ج4، جامعة صنعاء ، الهيئة العامة للسياحة، ص86).

ومن نقوش التقدمات الغربية من نساء شمال الجزيرة العربية نقش(أبو الحسن 46) ، وقرئ: ” …ن / ح….. م أ ب هـ بنت لحي قَرَبا المحار للمعبود ذي غيبة، فرضي عنهما و(عن) ذريتهما….ذ”، فالسيدة – التي فُقد اسمها- هي بنت لحي قدمت قربان للمعبود ذي غابة طمعاً في نيل رضاه، وأن يسبغ عليها وعلى ذريتها مرضاته، وحددت نوع القربان بأنه هـ م ح ر، ويعني الصدف (شكل رقم5 )، ولم تذكر في نقشها لماذا تقربت بالمحار. (الذييب،1441، ص 153)، وماهي علاقته بالمعبد وطقوسه[12]*.

خامساً: تقدمات النقوش ( المساند):

تندرج لوحات المساند او الكتابات ضمن التقدمات التي يبادر المتعبدون بتقديمها للمعبودات في معابدها لأغراض مختلفة؛ حيث أن المساند المنحوتة على لوحات حجرية أو برونزية – والتي تثبت غالباً على جدران المعابد مؤكدة على تقوى مقدميها- يتطلب نحتها الكثير من الجهد والمال ؛ لذا يقل هذا النوع من التقدمات في المنطقة، ومع ذلك فقد وجدت .

وتعد المساند من اعظم الوثائق شاناً وقدراً (شكل رقم 6)، وكما قدم الرجال من بني مرثد – على سبيل المثال لا الحصر- قرابينهم من المساند للمعبود إيل مقه في معبده ذو هران، قدمت نساء بني مرثد هذا النوع من التقدمات للمعبود السبئي، ومن ذلك نقش حفر على لوح برونزي صغير زخرف اعلاه وُثقب من زواياه الاربع كدلالة مؤكدة على تعليقه على احد جدران معبد ذوهران، ومفاد النقش: اب ……….ح( فُقد اسمها الاول)…لك المرثدية بنت عنان قدمت للإله ايل مقه في معبده المسمى وهران هذا المسند الذي وعدته به من اجل سلامتها ولكي ينعم بنعمه على قبيلتها بني مرثد(الحمادي، 2020،497)، ومن بين تقدمات النساء من المساند – كذلك – ما تضمنه نقش (C I H 504-3) ويمثل تقدمة عبارة عن لوحة مكتوب عليها النقش المتقرب به للآلهة، والذي تقدمت به سيدة تدعى قيل زأد، و ذكرت انها تقدم هذا المسند للمعبودة ذات بعدن تكفيراً عن خطأ اقترفته ابنتها الصغيرة التي دخلت معبد ذات بعدن واستقت من ماء البئر الخاصة بالمعبودة وهي على غير طهارة(النعيم، 2000، ص 451-452).

المبحث الثاني: الغرض من تقدمات نساء الجزيرة العربية :

تعددت اغراض التقدمات التي سارعن النساء الى تقديمها لمعبودات ومعابد المنطقة في الجزيرة العربية القديمة وتنوعت، حيث بادرن في تقديمها تعبيراً عن الشكر والثناء على تلك المعبودات عندما انعمت عليهن بنعم شتى، أو تطلعن – من خلال تقدماتهن الموثقة- للحصول على نعم اخرى منها مثل : الاولاد والبنات الصالحين، أو الثمار والغلال الوفيرة، أو الشفاء من الامراض والآفات، او النجاة من الحروب للأزواج والاولاد او العودة من السفر سالمين ، كما وجدت في تقدماتهن ما يشير إلى انهن قدمنها للمعبودات بمناسبات مختلفة ونزولاً على رغبة ممثلي تلك الالهة الكهنة في معابدها، واخيرا كثيراً ما تقدم المرأة تقدماتها للمعبودات طلباً للحماية والرعاية الالهية.

أولاً: تقدمات الشكر والثناء على المعبودات:

ومن قبيل نقوش الشكر والثناء على المعبودات التي وقفت خلف الكثير من تقدمات نساء الجزيرة العربية نقش حفر على مبخرة من قبل سيدة تدعى ذو نمم من قبيلة شفقيت تمثل تقدمتها للمعبودة الشمس سيدة حدث في معبدها في ظربم ، وتورد السبب الذي جعلها تقدم المبخرة وهو التعبير عن امتنانها وشكرها للمعبودة المذكورة التي سلمتها وسلمت بيتها المسمى انعم وابنها إل وهب وأب كرب بالإضافة الى ان شمس سيدة حدث سلمت كذلك اعنابها ( كرومها)( الحمادي، 2006، ص470) ربما مزرعتها من الفيضانات والسيول، وبالتالي حفظت اقتصادها واموالها.

وتخبرنا داية بنت انس ذو كلبم عن تقربها بتقديم تمثال صغير لأمرأه في معبد رصفم وتعبر من خلال هذه التقدمة عن شكرها للآلهة لتوليها الكهانة مع ثلاثة من ابنائها(القحطاني، ص 51-52)، أما نقش (Ja 722) فتتقدم من خلاله عدد من الاخوات كعبب وثوب ثوان وداد سمى بنات كلودد من اسرة شوفم يتقدمن بتمثالين احدهما لرجل والاخر لأمرأه مصنوعان من البرونز المذهب ؛ وذلك تعبيراً منهن عن شكرهن للمعبود ايل مقه لأنه اضاف لأسرتهن بنتاً خامسة ، ويطلبن ان يمنح المعبود امهن الرضا لعدم كون المولود ذكر(الحمادي، 2006 ، ص257) .

وتتقدم السيدة السبئية من صرواح والمسماة كريبة مع زوجها يصبح إل الى معبودتها ام عثتر ( ربة الشمس في العقيدة السبئية) بتقدمة عبارة عن اربعة تماثيل برونزية شكراً للمعبودة وحمداً انها وهبتها اربعة اطفال ثلاث بنات وولد وكلهم أصحاء واحياء يرزقون وبذلك اسعدت قلبي الاب والام، وختمت نقشها بسؤال ام عثتر لها ولزوجها واولادهما الصحة والعافية وتضرعت عليها لتمنحهما المزيد من الابناء الاصحاء( صالح ، 1985، ص38)، وفي نقش(Ja 472) ما يفيد شكر صاحبته للآلهة كونها انجبت اطفالاً من الذكور، وتتحدث سيدة اخرى في نقشها( Ym 2403) عن تقديمها قرباناً انثوياً أي تمثال انثى تشكر به الهتها لأنها منت على ابنتها فكانت ولادة ابنتها ميسرة (عقاب، فتحية، 1431، ص 108).

وتتحدث سيدة سبئية تسمى شوف من قبيلة لنهأ عن انها دافعت عن اخيها في قضية ما، وعندما نجحت في مسعاها سجلت هذه التقدمة المتمثلة في اهداء مسند او لوح كتب عليه نقش مع تمثال من االذهب للمعبود ايل مقه في معبده أوم؛ معربة له عن شكرها كونه هو من ارشدها – ربما عن طريق الاستخارة – الى أن تبلغ قضية اخيها الى سيد حروان فُحلت(صالح،1985،ص 39) ، ومن نقوش تقدمات الشكر والامتنان للنساء في الجزيرة العربية نقش لسيدة تسمى غضر رب بنت حيو غل تابعة لبني ذاخر ( أ م هـ / ب ن/ ذ خ ر م) تحدثت فيه غضر رب عن تقديمها تمثال ذهبي لمعبودها نسر في معبده بمنطقة قرضان؛ وذلك من فبيل الشكر والحمد للمعبود نسر لأنه اعان وساعد على قيام سلم بين غضررب واختها عندما تقدمت غضر رب لطلب ذلك السلم لما عانته من مآسي بسبب عداوتها مع اختها، وربما كانت هذه العداوة بسبب الميراث وتوزيعه مما ادى الى المشاكل والعداوة والبغض والحقد الدفين، لكن تم حله في النهاية بصدق ومباركة من المعبود نسر الذي تدخل بسبب طلب من صاحبة النقش، ونذرت ان هو اعانها أن تقدم له تمثال يمثلها في معبده قرضان.

كما تحمد صاحبة النقش ( Ja 2091) وتدعى لطوف او لتوف المعبود إيل مقه وتقدم له تمثالاً مصنوعاً من البرونز المذهب؛ شكراً له لأنه اعاد زوجها المسمى ربيب نسرا البتعي بالسلامة من صعدة بعد أن امره سيداه ال شرح يحضب واخيه يأزل بين ملكي سبأ وريدان بتولي وظيفة العاقب والمتفق في صعدة، حيث قدمت لطوف تمثالاَ مذكراَ، كما ذكرت مناسبة اخرى لهذا الاهداء تتمثل في اعانتها ومعافاة جسدها من الالام والامراض التي اصابتها نتيجة ولادة متعسرة انجبت خلالها غلام مات بعد ولادته(الحمادي، 2006، ص 221-22، 205-206) .

ويتمثل في نقش ( حاج – العادي88 ) لسيدة من قتبان تُسمى خنفر دثان التي قدمت للمعبودة اثرت[13]*تمثال وقاعدته؛ والسبب خلف تقديم التمثال وقاعدته للمعبودة أثرت؛ هو طلب السلامة لولدها ايل عم( الحاج ، 2020، ص137-138) ، ومن هذا القبيل من النقوش نقش للسيدة ……… بنت عنان من قبيلة مرثد؛ لذا وصفت نفسها بالمرثدية حيث تقدمت بقربان يمثل لوحة مسندية محفورة على لوح من البرونز زخرفت اعلاه للمعبود ايل مقه في معبده المسمى هران لكي ينعم على قبيلتها بني مرثد (الحمادي، 2006 ، ص 497).

وتتقدم السيدة حيوة في نقش(Jas 764 -5 ) للمعبودايل مقه بتمثالين؛ من قبيل الشكر والحمد لمنحه اياها اولاد وليحفظ ايل مقه حياة ابنتها اخت إل(ابو الجزر، 1994، ص15-17) ، تركت سيدة سبئية تدعى حيوة نقشاً لها يفيد انها تقربت لمعبودها ايل مقه بقربان وتوسلت اليه فبشرها بغلام، كما وعدها أن يطيل عمر ابنتها أخت ايل( ابو الجزر، 1994، ص 17؛ صالح، 1985، ص38) ، مما يؤكد أن حب الاطفال كان حاضر بقوة خلف مبادرة الامهات بتقديم التقدمات للمعبودات، وتتقدم السيدة عم رام وابنتها – وهما من عائلة حنعم – للمعبود ايل مقه بتمثالين من البرونز وسألنه سلامة اجسادهن من المرض(السعيد، 2002، ص10) وتتقدم السيدة أمة يتعاد بنت داد بتقدمتها ونذرها للمعبود اللحياني سلمان اله الموت؛ من اجل ابنتها قن بنت حثل لعل المعبود سلمان يطيل عمرها ويسعدها أي الابنة.

كما تقدم سبئية ثانية سمت نفسها صفنات الابذلية مع زوجها المدعو سعد كرب تقدمة تمثل تمثال من البرونز للمعبود إيل مقه ثهوان رب أوم؛ مستنجدة به ليرشداهما الى اية او دلالة تطمئنهما الى أنها وزوجها سيكسبان القضية القائمة بين زوجها ومولاه، كــــــما توسلت للمقه بأن يهبها ولداً كما سبق وانبشرها بنبوءة سابقة(صالح،1985، ص32، 39)، وهكذا كانت عاطفة الامومة من بين اهم الدوافع التي دفعت النساء في الجزيرة العربية للتقرب للمعبودات بالتقدمات النفيسة.

وتتقدم سبئية اخرى تدعى جدن عم للمعبود هوف إل بتقدمة عبارة عن تمثال من البرونز المذهب؛ حمداَ وشكراً له ان سلم زوجها في كل الغزوات التي غزاها في السلم وبالحرب، ولسلامة ابنها سعد شمس وسلامة جسد تابعته (هي) جدن عم بجاه هوف إل، فهي قدمت التمثال بمناسبة سلامة زوجها كم طلبت من معبودها هوف بمناسبة تقدمتها سلامة جسدها وابنها سعد( الحمادي، 2006، 233.)، وتتقدم امرأتان – من الاماء غالباً- احدهما تدعى نعم جد بنت تحي عز والاخرى هنأ ثون ونعمة من أل تحي عز أمة (عبدة) سعد شمس الكبسي، بتقدمتهما وتتمثل في تمثالهما الانثوي المصنوع من البرونز المذهب للمعبود إيل مقه؛ لأنه وهب ومنح إماؤه (عابدته) التحيعزيات مع ازواجهن ….. في الدورة السادسة السقي” (ابو الجزر، 1994، ص33). ربما سرع دورهم في سقي مزارعهم ومواشيهم وفق ما كان يتبع في توزيع حصص المياه بين اصحاب المزارع والمواشي بالعدل.

وتقدمت سيدة تدعى مبشمة الصرواحية للمعبود إيل مقه ثهوان بعل أوم بتمثال برونزي مذهب؛ شكراً حمداً له بموجب ما وعدته اياه امته مبشمة كلما منحها ولداً وابقاه على قيد الحياة فها هي تقدم له ما وعدته سابقا من تقدمات( Jamme, 1962,. P. 201.)، ومن نقوش معبد أوم السبئي – كذلك- نقش لسيدة تدعى أمة إيل مقه بنت خنذق، وذكرت في نقشها أنها قدمت للمعبود ايل مقه ثهوان سيد أوم تمثال ادمي انثوي برونزي مذهب كانت قد وعدت سيدها ايل مقه اياه لإعانته عبدته نضرة بشفائها من مرض ما اصاب عينها، فنذرت لايل مقه التقدمة ان هو اعانها وشافاها من المرض وحدث ذلك، ولم تحدد أمة إيل مقه- في هذا النقش- قرابتها بالسيدة نضيرة حتى تنذر من اجل شفاؤها هذا التمثال(ابو الجزر، 1994، ص32-33؛ الحمادي، 2006، ص213).

وكما قدم الرجال قرابينهم ونذورهم المتنوعة للمعبود إيل مقه في معابده ؛ للشفاء من الامراض والسلامة من الاوبئة والآفات قدمت النساء تقدماتهن لمعبوداتهن لهذه الاسباب، ومن ذلك نقش لأمرةتدعى أب حلك الذبيانية ( نسبة الى منطقة ذبيان الواقعة في صرواح أرحب) حيث تذكر السيدة أب حلك انها قدمت للمعبود إيل مقه سيد أوم تمثال انثوي برونز مذهب؛ عبـــــرت من خلاله عن شكرها وحمدها معبودها إيل مقه ، وقوته وقدرته في حمايتها وشفاؤها من نزلة برد خطيرة اصابتها في سنة اسمها كرب بن كرب، فهي تشكر إيل مقه الذي انجاها من وباء حدث في تلك السنة(الحمادي، 2006، ص 229).

ومن نقوش شمال الجزيرة العربية التي تؤكد حرص النساء على التقدم للمعبودات بالقرابين والنذور رغبة في المزيد من النعم ؛ نقش لحياني لسيدة تدعى شملة بنت قاسم التي قدمت لمعبود قومها هانئ الكاتب تمثالاً وسجلت عليه تقربها؛ من اجل رضاه وسعادتها (صالح، 1985، ص 32).

ثانياً: تقدمات اجبارية محددة بحسب الاوامر الالهية.

وتتمثل في كثير من النقوش من بينها نقش الصلوي المدون على لوح برونزي مستطيل تم العثور عليه في الجوف وقد كُتب بلهجة مدينة هرم المعينية وهو خاص بسيدة تسمى قلاف بنت مالت التي تعترف بخطئها بحق معبد المعبود ذو سموي في معبده أذ أن حيث جاها موعد الحيض وهي في المعبد ولم تخرج واستمرت في تأدية طقوسها الدينية، فخالفت شرط رئيسي من شروط الطهارة؛ فأوجب عليها كهنة المعبد كتابة هذا المسند المتضمن اعترافها العلني بالذنب ومن ثم تقديم التقدمات واعلان التوبة( . النعيم، 2000، ص 418-419).

ومن انواع التقدمات المفروضة من قبل كهنة المعابد ما ورد في نقش معيني حُفر على لوحة من الحجر الجيري في يثل يؤرخ بالقرن الرابع ق.م تقدمت به سيدة تدعى سلمت من قبيلة خذب تعبر من خلاله عن ندمها وتوبتها وتقديمها كفارة – بأمر من كهنة الالهة نكرح[14]*– لارتكابها خطيئة بحق ابنها، لتوانيها في علاجه من مرض ما الم به( الحمادي، 2006، ص 180-109) ، كما قدمت سيدة معينية تدعى سمنة بنت ال من مدينة هرم بنقش يؤرخ بنهاية عصر ملوك سبأ قرابين اثبتتها في نقش تعترف فيه بارتكابها ذنباً ؛ لذا طُلب منها المبادرة بتقديم القربات والكفارات في معبد ذو سماوي واعلان التوبة(النعيم، نورة، 2000، ص 432-433).

ومن نقوش معبد ذات حميم في ريبون نقش للسيدة المسماة قسم بنت صمأد والذي تعلن فيه عن تقديمها بحت ( عضو تناسلي انثوي) للمعبودة ذات حميم؛ من اجل ان ترضى عنها في معبدها رحبان(الحمادي، 2006، ص274)، ومن الواضح أن قسم ارتكبت جرماً ما اغضب ذات حميم ؛ فطلب منها الكهنة تقديم تقدمة للمعبودة علها ترضى، كما أوجب كهنة معبد الالهة ذات بعدن – على الارجح- على امرأة تسمى أب علي – كما ورد في نقشها- على تقديم تقدمة للمعبودة المذكورة في معبدها؛ لترضى عنها وتكشف غضبها عنا ؛ كون هذه المرأة سمحت لابنتها دخول معبد ذات بعدن وهي غير طاهرة – لم يحدد النقش النجاسة هل هي حيض ام امر اخر- فدخلت البنت واستقت من البركة المقدسة بعدن.

ومن نقوش النساء في سبأ نقش لسيدة تسمى خولية تعلن فيه عن توبتها عن خطيئتها لأنها مثلت امام معبودها وهي علـــى غير طهارة، فلما غضبــــــت عليها الالهة اوجـــب الكهنة عليها تكفير الخطأ بالمسارعة لتقديم القرابين لكي تستعيد رضا معبوداتها (النعيم، 2000، ص 451-452، 431-432) ، كما تقدمت سيدة فٌقد اسمها الاول ……… للمعبود عثتر ذو ذبيان في معبده المسمى ذبيان، تمثال من البرونز؛ بموجب ما امرها به الاله عثتر ذو ذبيان في مكان سؤله ( مسأل) لما أراها من رؤيا لسلامة ابنها المسمى إل نصر، ويبدو انها نذرت له هذه التقدمة عندما رأت رؤيا بشرتها بسلامة ابنها(الحمادي،2006 ،ص21 1 ).

ثالثاً: تقدمات لطلب الحماية من المعبودات:

ومن نوع هذا النقوش نقش ( حاج – العادي 86 ) لسيدة القتبانية تُدعى أب وسل التي قدمت للمعبودة ذات صنتم تمثالاً – يمثل المتقربة- ووضعت نفسها وقواها وابنها نبط عم في حماية هذه المعبودة من خلال حماية هذا التمثال(الحاج، 2020، ص 130-131) ، وفي نقش سبئي تقدم سيدة تدعى أمه مقطرن( مبخرة) من اجل ابنتها قحطم امة ولتحميها الالهة، ومن نقوش طلب الحماية للأبناء نقش مبخرة متحف سيئون والذي تكرس فيه المرأة المسماة نعجم بنت ال المبخرة كتقدمة لمعبود في معبده – لم تذكره- لكنها اشارت الى سبب التقدمة وهو رغبتها في وضع ابنتها تحت حماية المعبودات. وتتقدم سيدة بتمثالها- تم العثور عليه في حنو الزير- للمعبودة اثيرة في معبدها يثل لترجوها ان تسبغ عليها بحمايتها كما يحدثنا نقش المقدمة ( (UAM 522 (الحمادي، 2006،ص 221،306، 466).

ومن نقوش معبد الاله ايل مقه المسمى معربم ، نقش تضع فيه السيدة يثع ذو طم ابناءها : صدق إل وإل أوس ولحيعثت وعثت تقدمة للمعبود إيل مقه في معبده ؛ ليكونوا في حمايته ورعايته( ابو الجزر،1994، ص122)، ومن نقوش النساء التي يعبرن من خلالها عن شكرهن للمعبودات نقش سيدة تدعى نويت تتحدث فيه عن تقديمها تمثال للمعبودة أثرت امها ؟ في معبدها يثل، كما التزمت بأن تقدم لمعبودتها أثرت تمثالاً برونزياً لتحظى هي أي نويت وحواسها وولدها وأهل بيتها بحماية المعبودة أثرت في معبدها( نامي، 1943، ص 18 )، وتقدم سيدة قتبانية تسمى أب صدوق عربم من قبيلة ذران نذورها وتقدماتها للمعبود انباي شيمان الحامي في معبده رصف والمتمثلة في تمثال يمثلها ، وترجو ان يصون تمثالها ويحميه ممن يحاول تغيير موضعه في معبد رصفم (صالح، 1985، ص 35-36) .

الخاتمة

مما سبق يبدو أن النقوش قدمت معلومات قيمة عن تقدمات النساء في الجزيرة العربية القديمة، وأن قلت كمية نقوش تقدمات النساء في شمال الجزيرة بالعربية عنها في جنوبها، ولعل ذلك يعزى لقلة الكشوفات والتنقيبات في شمال الجزيرة العربية وتأخرها مقارنة بجنوبها. ومن اهم ما توصلت إليه هذه الدراسة:

  • تقارب النساء مع الرجال في الجزيرة العربية من حيث انواع التقدمات المقدمة للمعبودات وإن اختلفت في دوافعها حيث كانت الدوافع لدى المرأة اكثر تنوعاً.
  • تساوت النساء في كافة طبقات مجتمعات الجزيرة العربية القديمة من حيث التقرب للمعبودات بين النساء الاحرار والإماء والخادمات كما وثقت النقوش ذلك.
  • حظيت المرأة في مجتمع الجزيرة العربية القديم بحرية كاملة بممارسة طقوسها واختيار معبوداتها وانواع تقدماته.
  • نالت الاسرة المكانة الاولى من حيث نوع الدوافع التي تكمن خلف كثرة تقدمات النساء في نقوش الجزيرة العربية القديمة، حيث توجهت لمعبوداتها بالتقدمات والدعوات بإنجاب الابناء او صحتهم او سلامة الازواج من الحروب أو حل مشاكل تعرضوا لها.
  • تؤكد نقوش التقدمات الدينية وكثرتها وتنوعها أمر تدين المرأة في الجزيرة العربية القديمة وقوة ارتباطها بالمعابد ومعبوداتها وحرصها على أن تحظى برضا الالهة وبركاتها.
  • حرصت المرأة في كثير من تقدماتها على توثيق اسمها كاملاً واسم زوجها أو قبيلتها أو البيت الذي تنتمي إليه؛ تأكيدا على رغبتها في ترك ما يثبت شدة تدينها وحرصها على التقرب لمعبوداتها سواء كانت تلك التقدمات طواعية أو إلزامية.

الملاحق

شكل رقم 1: نقش ( حاج- العادي 86 ) الحاج، محمد علي ، مكانة المرأة القتبانية.

شكل رقم2: تمثال الكاهنة القتبانية برأت؛ https://twitter.com/3rbcivilization/status/966288025662689280

شكل رقم 3: نماذج من التقدمات لتماثيل حيوانية تمثال لفرس من البرونز نُقش عليه الاهداء، المتحف البريطاني.

شكل رقم 4: تمثال لعضو تناسلي ذكري( البحت) مصنوع من الحجر الكلسي من هيئة الاثار – صنعاء.

شكل رقم 5: نقش السيدة بنت لحي التي قدمت قَرَبا المحار للمعبود ذي غيبة في دادان(العلا)؛ الذييب، المرجع السابق، ص 153.

شكل رقم 5: من نماذج تقدمات المباخر في جنوب الجزيرة العربية القديمة؛ المتحف الوطني بصنعاء.

شكل رقم 6: من نماذج تقدمات المساند المزخرفة من الاعلى، بريتون، فرانسوا 1999م.

المصادر والمراجع

-المصادر والمراجع العربية:

ابو الجزر، فاطمة(1994)، اسماء الاعلام المؤنثة في النقوش السبئية، رسالة ماجستير غير منشورة، جامعة اليرموك، الأردن.

ابو الحسن، حسين(2002)، نقوش لحيانية من منطقة العلا دراسة تحليلية مقارنة، وزارة المعارف،الرياض.

بريتون، جان فرانسو واخرون(1980)، تقرير اولي وادي حضرموت تنقيبات 1978/1979م، وزارة الثقافة والسياحة، المركز اليمني للأبحاث والاثار، عدن .

الحاج، محمد علي( 2020)،”مكانة المرأة في مملكة قتبان في ضوء نقوش مسندية جديدة”، مجلة العلوم الانسانية، ع4 .

الحسني، جمال(2011)،”نقوش قتبانية جديدة من متحف جامعة عدن”، الندوة العلمية، عدن بوابة اليمن الحضارية، دار جامعة عدن للطباعة والنشر، عدن .

– …………… (2012) الاله عم والهة قتبان (700ق.م -170م) رسالة ماجستير، جامعة طنطا،، كلية الآداب، مصر.

الحمادي، هزاع محمد(2006)،النذور والقرابين في الديانة اليمنية القديمة،رسالة دكتوراه، كلية الاثار، القاهرة.

الذييب، سليمان(1441هـ)، “المرأة اللحيانية(الدادنية)”، منشورات المجلة العربية، الرياض.

السعيد، سعيد فايز(2002)، “نقوش سبئية جديدة في ذكر المرض”، العصور مج 12، ج2،الرياض .

شميدت يورجن(1922)، المعابد من الموسوعة اليمنية، صنعاء.

صالح، عبدالعزيز(1985)، المرأة في النصوص والاثار العربية القديمة، جامعة الكويت ، اصدرات مجلة دراسات الخليج والجزيرة العربية القديمة، الكويت.

صقر، فايزة محمود(ب.ت)، “احوال المرأة في شمال غرب الجزيرة العربية منذ القرن الثامن ق.م”، دراسات في اثار الوطن العربي، مج12.

عقاب، فتحية(1431هـ)،” المرأة في المعبد في الجزيرة العربية من القرن السابع قبل الميلاد الى الرابع الميلادي قرأة في ضوء النقوش”، الدارة، السنة 36، ع3، الرياض .

  • القحطاني ، محمد سعد(ب.ت)، تقدمات نذرية للمعبودات في اليمن القديم( تقدمات النفس والممتلكات) دراسة من خلال النقوش والاثار، اليمن ، صنعاء.
  • كاسكل، ف(1971)، لحيان المملكة العربية القديمة، ترجمة. البكر، منذر، جامعة البصرة، مجلة كلية الاداب، البصرة.
  • نامي، خليل يحي(1943)، نشر نقوش سامية قديمة من بلاد العرب وشرحها، المعهد العلمي الفرنسي للأثار الشرقية، القاهرة .
  • نتائج المسح السياحي (1996/1999م) (ب.ت)، ج4، جامعة صنعاء ، الهيئة العامة للسياحة، صنعاء.
  • النعيم، نورة(2000)، التشريعات في جنوب غرب الجزيرة العربية حتى نهاية دولة حمير، مكتبة الملك عبداالعزيز ،الرياض.
  • المصادر والمراجع الاجنبية:
  • -Hoefner. M(1970) .

Die. Religionen, Altsyriers, Altarubins und der Mundaer, Sttgart Berlin Koln Mainz .

Jamme. A(1962).

. Sabaean Inscriptions from Mahram Bilqis ( Marib) the Johns Hopkins Press Baltimore .

-Maraqten. M (1994). Typen aitsudara bischer Altare. InArabia Felx, Betragezur Sprach und tultur des vorislamlchcn Arabien, Festschrift Walter w. Muller Zum60. Geburtstag. Wiesba den .

Pireen . J. F.L(1979) . Apport des inscriptions al, interrelation de Ba- Qut fah, Raydān- Vol.2, Bltriz Louvain . .

  1. * ود:اله القمر الرئيس في معين، ثم مملكة أوسان ولم تقتصر عبادته على معين واوسان وانما انتشرت في كافة انحاء الجزيرة العربية مع الجاليات التجارية التي انتشرت في المنطقة. الشيبة، دراسات في تاريخ اليمن القديم، ص 77.
  2. * ذات حميم: الهة الشمس في ديانة مملكة سبأ منذ القرن السابع ق.م وعُبدت في قتبان كذلك بهذا الاسم.عربش، عالم الالهة في مملكة قتبان قبل الاسلام، ص 18.
  3. * أنبائ: يأتي في المنزلة الثانية بعد عم من حيث المكانة والذكر في النقوش، واسمه يعني المتكلم، ويوصف في بعض الكتابات ب شيمن الحامي الذي يسبغ حمايته على اتباعه، محمد بافقيه، نقوش ودلالات، ص 16، 17، 20. ابو العيون، الوعل في الحضارة اليمنية القديمة، ص 38-39.
  4. * عثتر: قدس في كافة ممالك جنوب الجزيرة العربية بصفته ابن للمعبودين الشمس والقمر. منقوش، الديانة اليمنية، ص68، من الغريب أن يذكر في النقش بصفته معبودة انثى.
  5. * عزيان: إلهة عُبدت في مملكة سبأ وهي الالهة العزى عند عرب شمال الجزيرة العربية القديمة، ظهرت عبادتها في ممالك جنوب الجزيرة العربية منذ القرن الثاني ق.م. الحسني، الاله عم وآلهة قتبان، ص 163
  6. * إيل مقه: الاسم الاشهر لمعبود القمر في مملكة سبأ ظهر لأول مرة في نقوش المنطقة في عصر المكرب السبئي سمهو علي ينوف (850-820ق.م). السناني ، الالهة والمعابد في جنوب الجزيرة العربية خلال الالف الاول قبل الميلاد، ص
  7. * ذات صنتم:الهة الشمس، وصنتم نعت للشمس بمعنى تلك الهادئة أو الشمس الباردة وهي من معبودات تمنع العاصمة القتبانية الرئيسية منذ القرن السابع ق. . الحسني، الاله عم وآلهة قتبان، ص41-42.
  8. * أو ذو غيبة: اله لحيان الرئيسي و من اكثر اسماء الالهة ورودا في النقوش اللحيانية، ويرى بعض الباحثين ان اسمه يعني صاحب الغابة أي راض ديدان لخصوبتها، او هو اله القمر الذي يظهر ويغيب . أبو الحسن، نقوش لحيانية، ص 314-316.
  9. * مدينة مريمة: تسمى حالياَ هجر العادي.
  10. * عم ذو ربحو: نعت لأله القمر القتباني ، وظهر هذا النعت لأول مرة في النقوش في وادي بيحان في القرن الرابع ق.م،وربحو اسم معبده في العاصمة القتبانية تمنع لذا عُرف به حيث أن معظم نقوشه بهذا الاسم وردت من المعبد المذكور. الحسني، الاله عم وآلهة قتبان، ص135-136.

    عم ذو ديمتم: نعت لأله القمر عم وعُبد بهذا الوصف في تمنع وهجر حنو الزير، وينعت بهذا الاسم كاله للمطر. محمد عبدالقادر بافقيه وكريستيان روبان، نقش أصبحي من حصي، ريدان، ص 18.

  11. * ربما اشارة الى قدس الاقداس.
  12. * للمحار فوائد عديدة منها؛ صلاحيته للأكل كغذاء، يدخل في صناعة الآلآت الموسيقية مثل: الآت النفخ التي تصنع بإحداث ثقب في قمة الصدفة لتماثل البوق وتستخدم في الشعائر والطقوس الدينية المقامة في المعابد، كما أن المحار مكان لإنتاج اللؤلؤ وهو من الاحجار الكريمة المعروفة منذ القدم،كما أن للمحار رمزية دينية منذ القدم حيث يرمز للحياة عند بعض الشعوب القديمة. الذييب، المرأة اللحيانية، ص153.
  13. * أثرت: أو أثيرة معبودة الشمس القتبانية ظلت عبادتها تمارس حتى نهاية مملكة قتبان، ومعنى اسمها سيدة اللمعان ووجدت في نقوش مملكتي قتبان ومعين. جواد علي، المفصل في تاريخ العرب قبل الاسلام، ج6، ص169.
  14. * نكرح:الالهة الحامية لمدينة قرناو العاصمة المعينية ، ومعنى اسمها الالهة الشافية. رحمة السناني، الالهة والمعابد في جنوب الجزيرة العربية القديمة خلال الالف الاول قبل الميلاد، ص269.