مَقَامُ الاستِعَارَاتِ اللَّفْظِيَّةِ فِي قِيَامِ الأَنَاقَةِ اللُّغَوِيَّةِ

د. شهاب أحمد حسن الجبوري1، أ. م. د. إبراهيم أوزاي2

1 كليـة التـربيـة، قسم تعليم اللغات الأجنبية، جامعة غازي، أنقرة، تركيا

Email: mr.shihab.81@gmail.com

2 كليـة التـربيـة، قسم تعليم اللغات الأجنبية، جامعة غازي، أنقرة، تركيا

Email: ozay@gazi.edu.tr

HNSJ, 2024, 5(10); https://doi.org/10.53796/hnsj510/7

تحميل الملف

تاريخ النشر: 01/10/2024م تاريخ القبول: 11/09/2024م

Citation Method


 

المستخلص

يَتَناوَلُ هَذا البَحثُ مَقامَ الاستِعاراتِ اللَّفظِيَّةِ وَأَثَرَها في تَحقيقِ الأَناقَةِ اللُّغَوِيَّةِ، إِذْ تُمَثِّلُ الاستِعارَةُ فَنّاً بَيانيّاً يَرتَقي بِاللُّغَةِ مِن مُستَوى التَّعبيرِ العادِيِّ إِلى مُستَوى الجَمالِ وَالإِبداعِ اللُّغَوِيِّ، ويَعتَمِدُ البَحثُ عَلى دِراسَةِ كَيفِيَّةِ تَفاعُلِ الاستِعاراتِ اللَّفظِيَّةِ مَعَ النُّصوصِ المُختَلِفَةِ لِتُضفِيَ عَلَى اللُّغَةِ طابِعاً راقِياً وَجاذِباً، مِمّا يُعَزِّزُ مِن قِيمَتِها الأَدَبِيَّةِ وَالجَماليَّةِ، وَكَذَلِكَ يَبحَثُ دَورَ الاستِعارَةِ في تَوسيعِ أُفُقِ المَعنى، وَتَميمَةِ المُتلَقِّي مِن استِشعارِ طَبَقاتٍ خَفِيَّةٍ مِنَ الدَّلالاتِ، مِمّا يَجعَلُ اللُّغَةَ وَسيلَةً غَنِيَّةً لِلتَّعبيرِ الفَنِّيِّ وَالبَلاغِيِّ.

الكلمات المفتاحية: اسْتِعَارَة، أَنَاقَةٌ لُغَوِيَّة، الْجَمَالُ اللُّغَوِيُّ، الْبَلَاغَة، الْبَيَانُ، الْمَعَانِي.

Research title

The Role of Verbal Metaphors in Establishing Linguistic Elegance

Shehab Ahmed Hasan AL-JUBOURI1, İbrahim Özay2

1 Assistant Teacher, Faculty of Education, Department of Foreign Language Education, Gazi University, Ankara, Türkiye Email: mr.shihab.81@gmail.com

2 Associate Professor, Faculty of Education, Department of Foreign Language Education, Gazi University, Ankara, Türkiye Email: ozay@gazi.edu.tr

HNSJ, 2024, 5(10); https://doi.org/10.53796/hnsj510/7

Published at 01/10/2024 Accepted at 11/09/2024

Abstract

This research addresses the role of verbal metaphors and their impact on achieving linguistic elegance. Metaphor, as a rhetorical art, elevates language from ordinary expression to a level of beauty and linguistic creativity. The study examines how verbal metaphors interact with various texts, adding a refined and attractive quality to the language, thus enhancing its literary and aesthetic value. Furthermore, the research explores the role of metaphor in broadening the scope of meaning and enabling the audience to perceive hidden layers of significance, making language a rich medium for artistic and rhetorical expression.

Key Words: Metaphor, Linguistic Elegance, Linguistic Beauty, Rhetoric, Eloquence, Meaning.

المقدِّمة

الكلام صفة المتكلِّم، والأناقة أسلوب لغويّ يحدِّد رصانة القول بلاغيّاً، فهي إحدى سمات التعبير الإنسانيِّ في القدرة على استخدام الألفاظ بطريقة فنيَّة تقدِّم الفكرة بأسلوب جميل غير معقَّد المعنى والتركيب، كعمليَّة تستهدف تحسين الكلام وتهذيب اللغة وتزيينها بلاغيّاً، وذلك باستخدام الاستعارات، بصورة متوازنة، فهي مدعاة تأثير اللغة الأنيقة؛ وجذب انتباه المستمع أو القارئ بجمالها اللفظي من جانب، وجانبٍ آخر تشكِّل المعاني بقوالب لغويَّة واضحة المعنى والدلالة، وعندها ستكون الأناقة اللغويَّة ليست أداة للتواصل، بل وسيلة للتأثير والإقناع، وإظهار الذوق الرفيع والفكر العميق في الوقت نفسه.

والأناقة في الكلام ما وصفها أبو هلال العسكري (العسكري، 395 هــ، صفحة 57) بمعرض قوله:” فإذا كان الكلام قد جمع العذوبة، والجزالة، والسهولة، والرصانة، مع السلامة والنصاعة، واشتمل على الرونق والطلاوة، وسلم من حيف التأليف، وبَعُدَ عن سماجة التركيب، وورد على الفهم الثاقب قبله ولم يردَّه، وعلى السمع المصيب استوعبه ولم يمجَّه؛ والنفس تقبل اللطيف، وتنبو عن الغليظ،… والفهم يأنس من الكلام بالمعروف، ويسكن إلى المألوف،… ولا يقبل الكلام المضطرب إلا الفهم المضطرب”. وبهذا الوصف يتألَّق القول بمعنى ظريف، وفهم حصيف، وهذا ما تقصده هذه المقالة من الأناقة اللغوية، إذ ترى ضرورة إكساء العبارات بألفاظٍ تجمِّل مظهرها، وتفعم بجودة المضمون جوهرها فلا يحيد عند سماعها فهمٌ، ولا يسأم حديثها قومٌ، ولا يختلُّ عند تركيبها نظمٌ حتى تكون أقدر على دفع المعنى الضال، وأبلغ على مطابقة مقتضى الحال.

وحين يلزم الأمر الأناقة في الكلام فإنَّه يستدعي استعمال أدوات لغويَّة لعلَّ منها ما يعرف بالاستعارة التي طالما أضفت النصَّ إبداعاً، وبياناً من غير تكلُّف أو تألُّف، فالاستعارات تشكِّل فنًّا يُجوِّد البنية اللفظيَّة ويرقِّي معانيها اللغوية، إذ يتخطَّى بالمفردات؛ كلاسيكيَّة اللغة إلى رمزيَّتها لرسم صور بلاغيَّة أنيقة التعبير والإيحاء، فتضفي الجمل حيويَّة وعمقًا، ممَّا يتيح للقارئ التفكُّر المرن في عوالم المعاني التشاركيَّة، وهذه المقالة ستتحرَّى مقام الاستعارات اللفظيَّة ومواطنها، وكيف تساهم في إثراء النصوص، وفاعليَّتها في تحقيق الأناقة اللغويَّة، لتتحوَّل بها أدوات ألسنة الصنَّاع؛ جسوراً للخيال والإبداع.

إشكاليَّة البحث، وأسئلته

عقديَّة علاقة الاستعارات اللفظيَّة بالأناقة اللغويَّة، هي أبرز نقاط الإشكال في هذا المقال، فالأناقة اللغويَّة ذات مفهومٍ تفاوتيٍّ بين الأفراد، وهذا ما يصعُب تحديد تعريفه بدقَّة، ومحدوديَّة تعميمه، وكذلك الاستعارات إذ لا تحقِّق كلَّها عين الأثر في قيام الأناقة اللغويَّة، فقد يكون من العسير استعارة لفظ يحقِّق الأناقة اللغويَّة ويتناسب المقال مع الحال.

وممَّا يُشكِل التعاطي مع النصِّ اللغويِّ الأنيق؛ تنوُّع الأذواق ومعايير الجمال اللغويِّ بتنوّع الثقافات الاجتماعيَّة، فليس كلُّ ما يعدُّ أناقة لغويَّة في ثقافة معيَّنة، له نفس الاعتبار لدى الثقافات الأخرى، وهذا يحدِّد مقاييس معيَّنة تنطبق نتائجه على ثقافات ضمن مجتمعات دراسيَّة محدَّدة، فمن الاستعارات اللفظيَّة ما تحسِّن المظاهر النصيَّة، وتعسِّر فهمه واستيعابه، لذا هذه الإشكاليَّة تستلزم التوازن بين وضوح اللفظ، والأناقة اللغويَّة.

وفي ظلِّ هذه الإشكاليَّات تنبثق من هذا المقال أسئلة تحدِّد السياق العام لمساره البحثي، ليجيب بواقعيَّة عنها ضمن محاور بحثه، ومن هذه الأسئلة:

  1. ما الأناقة اللغوية؟ وكيف تحدَّد في النصِّ؟
  2. كيف تضيف الاستعارات اللفظيَّة طابعاً جماليّاً على اللغة؟ وما أثرها على الفهم والمعنى؟
  3. ما صعوبات توظيف الاستعارات اللفظيَّة لقيام الأناقة اللغويَّة؟ وهل لها تأثير سلبي؟
  4. هل بتنوِّع الاستعارات اللفظيَّة في سياقات مختلفة تتنوَّع الأناقة اللغويَّة؟
  5. كيف تؤثِّر الاستعارات اللفظيَّة على تفاعل القارئ مع النص وتحسين تجربة القراءة؟

أهداف البحث

لغرض الوقوف على مقتضيات المنفعة المرجوَّة من دراسة هذا البحث كان لا بدَّ من تحديد الغاية منه والتي تجسَّدت بالأهداف الآتية:

  1. تحليل دور الاستعارات اللفظيَّة ومساهمتها الجماليِّة في التزيين اللغويِّ، وأناقة النصوص.
  2. تحديد معايير الأناقة اللغويَّة وعلاقتها بالاستعارات اللفظيَّة.
  3. استكشاف التفاعل بين الجمال اللغويِّ والوضوح اللفظيِّ عند توظيف الاستعارات.
  4. فهم تأثير الاستعارات على المتلقِّي وإدراكه للنص.
  5. مقارنة الأنماط اللغويَّة بتعرُّف أثر الاستعارات على الأناقة اللغويَّة في سياقات لغويَّة متنوّعة.

أهمية البحث

يحاكي هذا المقال جماليَّات الأساليب اللغويَّة بما يضمن أحقيَّتها في الأصالة المعنويَّة وتقديمها بما يحفظ تركيبها النّصِّيَّ، ويضمن وضوحها، وفهمها، وهذا ما تسعى إليه الأهميَّة من دراستها للأناقة اللغويَّة، ثُمّ لتُميِّز بحثها عن غيره بالأهميَّة الآتيَّة:

  1. للأناقة اللغويَّة خاصيَّة في زيادة الفهم، وتساعد الكُتَّاب والمبدعين على تحسين مهاراتهم اللغويَّة.
  2. يساهم البحث بتوفير إطارٍ نظريٍّ جديد؛ يساعد النقاد في تحليل النصوص الأدبيَّة من منظور الأناقة اللغويَّة المستعارة.
  3. تساعد مادة البحث في تعليم الأدب، وتدريس مهارات الكتابة الإبداعيَّة وتحسين مهارة التحدث اللغويِّ عن طريق فهم دور الاستعارات.
  4. إظهار التنوُّع الثقافيِّ الَّذي يساهم في تذوُّق الأناقة اللغويَّة، ويساعد على التفاهم الثقافي المتنوِّع.
  5. يثري الدراسات اللغويَّة بما يزيل ضبابتها، ويظهر علاقة الأسلوب بالجمال اللغويِّ، وهو ما يمكن أن يفتح مجالات جديدة للبحث الأكاديميِّ.

التعريفات الإجرائيِّة لمصطلحات البحث

الاستعارات اللفظيَّة: هي ما تنوب ألفاظُها؛ ألفاظاً أخرى متجاوزة معانيها الأصليَّة لتجسيد معنى مجازيٍّ، لوجود ترابط جوهريٍّ بين معاني الكلمات ودلالاتها، بهدف جماليَّة النصِّ وأناقته الفنيَّة والدلاليَّة، ولغرض التقارب بين الألفاظ ومعانيها، لتعزيز مستويات التواصل اللغويِّ.

الأناقة اللغويَّة: هي المهارة المعبِّرة عن الأفكار بسياقٍ جماليٍّ جذَّاب، يتأطَّر باختيار الألفاظ المناسبة بأساليب لغويَّة ذات طابع نُسقيّ مميَّز، يُظهر الرقيَّ اللغويَّ من حيث؛ وضوح الدلالة، وجمال الأسلوب، ويكون غنيّاً بالرموز والإيحاءات التي تُزيِّن النصَّ دون أن تحدَّ معناه، بغية الوصول إلى أفهام المتلقِّين ومداركهم.

أولاً: الاستعارات اللفظيَّة: المفهوم والأهميَّة

بما أنَّنا في سياق الاستعارة فمن اللَّازم التعريف بها، وبيانها في مُدارات الكلام وما تفيد من مقام في تحقيق كفاية جواهر الكلم من أصالة النظم وحصافة المعنى. فالاستعارة” ضربٌ من التشبيه، ونمطٌ من التمثيل، والتشبيه قياس، والقياس يجري فيما تعيه القلوب، وتدركه العقول، وتستفتي فيه الأفهام والأذهان، لا الأسماع والآذان” (الجرجاني، 474 هــ، صفحة 20). وقول (الجرجاني) يفصِّل نمطيَّة الاستعارة ويؤكِّد خاصيَّتها الفنيَّة وجودتها في المعاني المقدَّمة بظلِّها، فهي أقرب ما تكون تشبيها، تقاس جودتها بما (تدركه العقول، وتعيه القلوب)، وهذان أمران يُحدِّدان سلامة القول من سقامته، بقدر ما يفهم منها، فلا غاية ترتجى من قولٍ يحلو لفظه ويسيء معناه.

وفي بيان منزلة الاستعارة في اللفظ، فإنَّها تُبرزه بصورة مستجدَّة ونبيلة وتوجب له بعد الفضل فضلاً، وتكتسب بها اللفظة فوائد، فلها في كل موضع شأن مفرد، وشرف منفرد، وفضيلة مرموقة، وتعطي الكثير من المعاني باليسير من اللفظ، والتصنُّع بها يكون الكلام في حدِّ البلاغة، ومعها يستحق وصف البراعة. (الجرجاني، 474 هــ، الصفحات 42-43)

وما يمكن إفادته من هذا الكلام أنَّ الاستعارة لا تنحصر بالمظهر القولي للفظ بقدر انعكاساتها المعرفيَّة والدلاليَّة عن المعاني التي تحملها، فهي مضمون ذو فائدة يزيِّنه لفظ فنِّيٌّ، وهذان ركنا الأناقة اللغويَّة التي نبغيها في الحديث وتسعى هذه الدراسة لإبرازها.

  1. التعاطِي اللغويُّ من الاستعارات اللفظيَّة

تستعين معظم الألفاظ الإبداعيَّة بأساليب بلاغيَّة أحدها الاستعارة، إذ تعدُّ أداة لغويَّة فعَّالة تسهم في تجويد التعبير وإثراء التواصل بمعانٍ تبلغ أذهان المتلقِّين، متَّخذة ذلك بعمليَّة ربط مفهوم بمفهوم آخر تأسيساً على أوجه التشابه بينهما من غير استعمال أركان التشبيه، وللاستعارات العديد من مواطن الاستخدامات اللغويَّة التي يمكن معرفتها بظلِّ المعالم الآتية:

  • الأدب

فهو من أوسع العلوم استخداماً للاستعارات، فالكثير من الأدباء والشعراء يتَّخذون الاستعارات أسلوباً لتمثيل الأفكار المجرَّدة بغية توضيحها، مثال ذلك، وصفهم البحر (بـوحشٍ هائج) يعكس معنى تصويريّاً عن خطورة البحر وعنفه، ولا يقف استعمال الاستعارات عند المعاني، بل يتعدَّاه إلى جماليَّة النص وأناقته.

  • الخطابات العامة اليوميَّة

تستخدم شرائح اجتماعيَّة عديدة الاستعارات في مقابلاتهم التواصليَّة بشتى الأغراض، منها ما هو سياسيّ، وإعلاميّ، واقتصاديّ (تسويقيّ)، ودينيّ، وغاية كلّ هذه توضيح أفكارهم وتقديمها بأسلوب مؤثِّر يهدف إلى إقناع المتلقِّين.

  • علم النفس اللغويِّ

بظاهرة لغويَّة مميَّزة أحياناً يُستخدم علم النفس اللغويّ لتحليل بعض السلوكيَّات والحالات العقليَّة على سبيل المثال، قد يوصف العقل بأنَّه (آلة) بحاجة إلى (إعادة تشغيل) أو (تنظيف) للتعبير عن استعادة الصحة العقليَّة.

  • التعليم والتعلُّم

بهدف تبسيط المفاهيم العلميَّة، وتحفيز الخيال والإبداع لما للاستعارات من قدرة تصويريَّة تسهِّل العلم لمتعلِّميه، وربط الأفكار بطرائق غير تقليديَّة.

وخلاصة ما ينبغي قوله في سياق وظيفة الاستعارات في المجالات اللغويَّة أنَّها أداة لغويَّة فعاَّلة، لها الإمكانيَّة الإثرائيَّة في التوازن الجمالي للنصِّ ودلالته، وتحصل بوجودها جودة المادَّة سواء الأدبيَّة منها والعلميَّة وتحسين التواصل اللغويِّ؛ فهماً وعُمْقاً للسياق والهدف المراد تحقيقه، مما يجعلها عنصراً أساسياً في بناء النصوص المعبِّرة والمؤثِّرة.

  1. الاستعارات وإمكاناتها المعرفيَّة

الاستعارة عمليَّة ظهور لغويٍّ جديد، ولغتان متداخلتان بعلاقات كلميَّة تنصهر بظلِّها عناصر لتشكِّل تراكيب جديدة، تتقارب فيها العناصر المتباعدة، لتقدِّم وصفاً لغويّاً جديداً نتيجة تجانس علاقات الكلمات فيما بينها بطريقة حرفيَّة. (عيد، 1979، صفحة 400)

وبقياس النظريَّة المعرفيَّة تعدُّ الاستعارة نواة المعنى وأداته المعرفيَّة ولها القدرة على الاستكشاف وتمكِّن من بلوغ التفاهمات الإنسانيَّة، ووسيلة لفهم الواقع وإدراكه، وليست صورة نعتيَّة له. (مفتاح، 1990، الصفحات 48-49)

فبحسب الاتجاه المعرفيِّ للاستعارة هي أحد أركان المعرفة في النشاطات العقليَّة المصاحبة للإنسان لغرض فهم ما ينبغي معرفته، فالنشاط العقليِّ يعتمد بالدرجة الأولى على الصور الاستعاريَّة وهذه عمليَّة ترتبط بها تصوُّرات خارجيَّة تعكس المعاني الذهنيَّة الصادرة عن الاستعارة، فالأشكال التصويريَّة المتنوّعة؛ هي نتاج عقليٌّ باطنيٌّ لا تتجزأ عن الانفعالات الخارجيَّة. (العقاد، 2006، صفحة 39)

فلوظيفة الاستعارة دور في تنميَة الجانب المعرفيِّ لدى المتكلِّمين، وقدرتها على تفسير ما يصعب على الفكر فهمه، فاللغة مهما تطوَّرت تظلُّ قاصرة عن استيعاب الفكر المتجدِّد. وهذا ما يؤكِّده إيكو من أنَّ؛ اللغة تُوجِد استعارات خارج سياقاتها الرسميَّة وذلك لضرورة تسميَة الأسماء بما توحي إليه من دلالات. (أوكان، 2001، صفحة 132)

وعليه يمكن أن تتفاعل الاستعارة مع سياق عمليَّات تركيبيَّة تتطلَّب معانٍ جديدة، وهذا ما يفهم أنَّ بعض الكلمات المستعارة قد تأخذ معنى مختلفاً عن معانيها الأصليَّة المستخدمة في المجالات الأدبيَّة، فلا تعني الاستعارات برأي (ريتشاردز) انتقالة لفظيَّة، بقدر ما هي تفاعل بين الصياغات المختلفة، بناءً على أنَّ النغمة الموسيقيَّة لا تُعرف خاصيَّتها بمعزل عن النغمات المجاورة لها، وهذا مثل الألفاظ فلا يتحدَّد معنى الكلمة إلا بمعاني ما يجاورها من ألفاظ. (Ricœur, 1975, p. 105)

فالاستعارة ما يراها الحاتمي المشار إليه في (أبو العدوس، 1997، صفحة 74) بأنَّها” ما تتَّضح فيه العلاقة بين الأطراف، ولا يخلُّ بمبدأ التناسب بين الأشياء، بل يحفظ لها تمييزها واستقلالها”.

وفي مجمل ما تقصده هذه الدراسة؛ التشاركيَّة التي تقيمها الاستعارات اللفظيَّة بين مضمون النصِّ وجماليَّته، وما تحدثه هذه العلاقة يمكن فهمها في المعطيات اللغويَّة الآتية:

  • مرونة الاستيعاب: الاستعارة توضِّح المعاني المجردة بربطها بمفاهيم متداولة، كقول (الوقت مال) تمثيل الوقت بتصويره مغنماً ثميناً، كالمال.
  • الطابع الإبداعيّ: غالباً ما تُحدث الاستعارات علاقات جديدة بين أفكار غير مترابطة، تنشِّط الابتكار، وتحفِّز الإبداع، والتفكير الخلَّاق.
  • التواصل الثقافيّ: تستمدُّ الاستعارات مادَّتها من الثقافات المختلفة فتبلورها بعمليَّة بلاغيَّة تجعلها وسيلة فعَّالة لفهم المتغيّرات المعرفيَّة الثقافيَّة.
  • تنمية التفكير الناقد: للاستعارة مساهمتها التحليليَّة للأفكار عن طريق فهم التشابه والاختلاف بين الاستعارات، وهي طريقة جديدة لتعلُّم التفكير.
  • تعلُّم الخبرات وتنظيمها: تُكسِب الاستعارات مضامين علميَّة عن طريق التفكُّر فمثلاً، عندما نقول (الحياة رحلة)، يدعونا لتفكُّر الحياة بوصفها مراحل متعدِّدة وتحديات.

ثانياً: الأناقة اللغويَّة

  1. مفهوم الأناقة اللغويَّة

جاء في معجمي الصحاح (الجوهري، 398 هــ، صفحة 60)، والقاموس المحيط (الفيروزآبادي، 817 هــ، صفحة 79). معنى كلمة” أنيق من الأناقة” أي: حَسَنٌ معجِبٌ. وفي معجم اللغة العربيَّة المعاصرة لعمر (عمر، 2008، صفحة 132) كلمة” أناقة” مصدر ” أنِقَ” بمعنى” أحسن اختيار ألفاظه وطُرق تعبيره، وجمال مظهره، فأعجب الناس بلباقته وشياكته. فالمعاني التي أوردتها المعاجم لكلمة” أناقة” إنَّما تدلُّ بوضوح على حُسن تخيُّر الألفاظ في الكلام وانتقائها بما يتناغم مع آذان المستمعين، ويتآلف مع أفهام المتلقِّين، فالحكم على جودة المقول ما يبلغ معناه الأذهان وينسج بإتقان، فالمعنى مع اللفظ منصهران، وكلاهما عن بعض لا يتنافران، يدركان ما يعهدان، من مقاصد ببيان وإفنان.

  1. عناصر الأناقة اللغويَّة

في الحديث عن عناصر الأناقة اللغويَّة؛ نستحضر الوظيفة الأساسيَّة لها لتعرُّف المجالات التي تستدعيها، والهدف من استعمالها، ومن هذه المحدِّدات يمكن معرفة عناصر الأناقة اللغويَّة بالمكونات الآتية:

  • البلاغة: وبها يتم استعمال اللغة بتعبير دقيق استعانة بصورها البيانيَّة، كالاستعارة والتشبيه، التي تكسو الكلام معناً ومضموناً.
  • الإيجاز: اختصار الألفاظ بغزارة المعاني وغنى الأفكار، من غير اضمحلال للمعنى.
  • الإيقاع والانسجام: كلَّما كان اللفظ منسجم الإيقاع والتركيب سهُل فهم معناه، وحُسِّن للنفوس لقياه.
  • التسلسل المنطقيّ: ترتيب الأفكار بطريقة متَّسقة؛ تبني العبارة بإحكام بعيداً عن العشوائيَّة.
  • فصاحة اللغة: وهذا عامل مهم في النسج اللغويِّ للكلمات بطريقة مناسبة تفضي إلى سياق يتجنَّب معه استعمال الألفاظ الغريبة أو ما لا يلائم المواقف التواصليَّة.
  • الإيحاء: ربَّما التلميح يُضفي غموضاً وجمالاً على النصِّ مقارنةً بالتصريح، وهو ما يُحفِّز المتلقِّي على التفكير.
  • الأساليب المتنوّعة: مما يمنح النصَّ حيويَّة وجاذبيَّة؛ بتغيير الأساليب بين الجمل والفقرات، والتقليل من الرتابة.
  • توازن التركيب: يعطي التوازن النصَّ انسجاماً داخلياً، فالجمل، والفقرات المتوازنة تجعل النصَّ سَهْل القراءة والفهم.
  • التضمين والاقتباس: ما تحتويه النصوص والعبارات من اقتباسات أدبيَّة مأثورة؛ يوصل النصَّ بالتراث الثقافيِّ، وهذا ما يعزِّز مبدأ الاندماج الثقافيِّ والتعايش الحضاريِّ.
  1. العلاقة بين الأناقة اللغويَّة والمعاني البلاغيَّة

الأناقة اللغويَّة والبلاغة مفهومان تربطهما علاقة تكامليَّة فكلاهما يمهران صنيعة اللغة، إلَّا أَنَّهما مختلفا الأهداف والوسائل، فالأناقة اللغويَّة تستهدف جماليَّة التعبير وصلاحه، وطريقة اختيار الكلمات التي تمنح العبارات توازناً مقبولاً لدى السامع، وكذلك تهتم بتناغم الألفاظ في التراكيب بصورة معبِّرة، تتجلَّى فيها مظاهر البساطة من دون إخلال أو تعقيد يثير اهتمام المتلقِّي، وما يتعلَّق بإيصال المعاني فإنَّه يمثِّل الجانب البلاغيّ، ولعلَّ أكثر أحَّد أدواتها المؤثِّرة والفعَّالة؛ الاستعارة التي لها خاصيَّة أسلوب الإقناع أو الإمتاع أو إثارة التأمُّل، ولها غاية معيَّنة تسعى لتحقيقها بوضوح وهنا سنفصِّل بين الأناقة اللغويَّة والبلاغة من حيث التآلف، والاختلاف.

  • مواطن الالتقاء
  1. انتقاء الألفاظ: الأناقة اللغويَّة والبلاغة تهتمان بحسن اختيار المفردات، غير أنَّ البلاغة تقصد التأثير والإقناع، بينما تهتم الأناقة اللغويَّة بجمال اللفظ وتناغمه.
  2. توازن الكلمات ومعانيها: تهتم البلاغة بالمعنى ولا تهمل الشكل، بينما تهتم الأناقة اللغويَّة بالشكل ولا تنفك عن المضمون.
  3. الإثارة والاستجابة: تخلق الأناقة اللغويَّة، والبلاغة كلتاهما؛ استجابة تُجاه عباراتهما، سواء كانت هذه الاستجابة في كيفيَّة تقديم الأفكار التي تقدِّمها البلاغة، أو في التألُّق الظاهريِّ للتعبير الذي تمثِّله الأناقة اللغويَّة.
  • مواطن الاختلاف
  1. غالباً ما تهدف البلاغة إلى الإقناع، في حين تهدف الأناقة اللغوية إلى إمتاع الذوق اللغويِّ وإبراز الصورة الجماليَّة الفنيَّة للنصِّ.
  2. الأفكار والمحتوى هدف البلاغة، والشكل والتنسيق مقصد الأناقة اللغويَّة.

فلا تتطلَّب البلاغة الكتابيَّة أو الكلاميَّة حصيلة لغويَّة مفعمة أو جزلة منتقاة، بل ما يعرف من ألفاظ اللغة باختلاف مستوياتها، لاستعمالها حين مقتضيات الحاجة منها في الظرف والمقام المناسبين لها. (المعتوق، 1996، صفحة 55)

فمن كمال الأدوات البلاغيَّة التي يراها العسكريُّ (العسكري، 395 هــ، صفحة 10) ” كلُّ ما تُبلَّغ به المعنى قلبَ السامع فتمكِّنه في نفسه كتمكُّنه في نفسك مع صور مقبولة معرض حسن”. وإنَّما جُعل حسن العرض وقبول الصورة شرطاً في البلاغة؛ لأنَّ الكلام إذا كانت عبارته رثَّةً ومعرضه خَلَقاً لم يُسمَّ بليغاً، وإن كان مفهوم المعنى، مكشوف المغزى.

وهذا يقودنا إلى خاصيَّة العلاقة التي تجمع المعنى باللفظ لتكوِّن وحدة نصيَّة تمتلك جمال الصورة الفنيَّة، وقوة المعاني الجليَّة، وهذا لا يخرج عن سياق ما أورده الجرجاني (الجرجاني، 474 هــ، صفحة 4)” الألفاظ لا تفيد حتى تُؤلَّف ضرباً خاصّاً من التأليف، ويُعمد بها إلى وجهٍ دون وجهٍ من التركيب والترتيب، فلو أنَّك عمدت إلى بيت شعر… فعددت كلماته عدّاً كيف جاء واتفق، وأبطلت نضده ونظامه الذي عليه بني، وفيه أُفرغ المعنى وأجرى، وغيَّرت ترتيبه الذي بخصوصيَّته أفاد، وبنسقه المخصوص أبان المراد”. فلا لفظ يستقيم ظلَّ معناه سقيما، وهو أحد تصوُّرات هذا البحث التي تبحث رمزيَّة النصِّ في ظلِّ المعنى.

ثالثاً: الآثار الاستعاريَّة المتحقِّقة في الأناقة اللغويَّة

تتصدَّر الاستعارة بشكل واسع بيئة الكلام الإنسانيِّ، فهي أداة تعبيريَّة، ومصدراً للترادف وتعدُّد المعنى، ومتنفساً للعواطف والمشاعر الانفعاليَّة، ووسيلة للتجسير بين الفجوات، فالوجه الأساسي للاستعارة؛ إنتاج أنواع من الاستخدامات اللغويَّة التي تدعو القارئ لاكتشاف أنواع معيَّنة من ترابط الأفكار وتداعيها، وهذه هي الغاية الاستعاريَّة، بل وتتجاوز الاستعارة بظلِّ النظريَّة التفاعليَّة الاقتصار على كلمة واحدة، وهي تحصل من تفاعل بين بؤرة المجاز، والإطار المحيط بها، إذ تؤكِّد هذه النظريَّة أنَّ الاستعارة لها جانب جماليٌّ وتشخيصيٌّ، وتجسيديٌّ، وتخييليٌّ، وعاطفيٌّ بعلاقة تشاركيَّة مع الأفكار. (أبو العدوس، 1997، الصفحات 7-8)

فما يلزم تحليله في هذا المجال؛ بيان تأثير الاستعارات في تحقيق الأناقة اللغويَّة، فمن الأفكار التي تؤكِّدها النظريَّات المعرفيَّة للاستعارة أنَّها تتكيَّف مع الواقع بحسب الطابع الإنسانيِّ، فإنَّها تتحرَّى من المعاني والألفاظ أنسبها فتظهرها في مواقف وتخفيها في مواقف تواصليَّة أخرى، فإنَّها تستثمر ما يفيد قوله فيما يناسب سماعه لتضيف لوناً لغويّاً يمتع، وينفع في الآن نفسه. (Kövescses, 2010, p. 326)

فللاستعارة الإمكانيَّة من امتلاك الطاقات الإيحائيَّة إذا علت منازل الرمز، واستندت عليه لإبداء أثرها الفنِّيِّ والنفسيِّ، كما تلعب الوحدات الصوتيَّة، والإيقاعات الموسيقيَّة ونغماتها، دوراً في تهيئة أذهان المتلقِّين ونفوسهم، وتوسيع آفاق أفهامهم حتى تكون قادرة على استيعاب المعاني المحدَّدة أو المطلقة، ومن ذلك ما ورد من استعارات بشعر الحطيئة التي يستعطف بها عمر بن الخطَّاب (رضي الله عنه وأرضاه) ارتقت بكلماتها حدَّ الأناقة اللغويَّة التي ساهمت بإطلاق سراحه، والتي يقول فيها:

ماذا تَقُولُ لِأَفْرَاخِ بِذِي مَرَخٍ زُغْبُ الحَوَاصِلِ لَا مَاءَ وَلَا شَجَرُ

أَلْقَيْتَ كَاسِبَهُمْ فِي قَعْرٍ مُظْلِمَةٍ فَاغْفِرْ عَلَيْكَ سَلامُ اللَّهِ يَا عُمَرُ

أَنْتَ الإِمَامُ الَّذِي مِن بَعْدِ صَاحِبِهِ أَلْقَى إِلَيْكَ مَقَالِيدَ النَّهَى وَالْبَشَرُ

فقد استعار الحطيئة لضعف أطفاله لفظ الأفراخ، وهي اللفظة التي أثارت الفاروق رضي الله عنه وأرضاه، فأخلى سبيله، وهذا سرُّ نجاح الحطيئة في إحداث أقوى تأثير استعاريّ لتطلَّ منها المعاني والإيحاءات مما يثير في النفس الرأفة وهي استعارة صادرة من أعماق مشاعره. (الصاوي، 1979، صفحة 472)

فمن الضرورة ما يستلزم في الاستعارة كأداة لتحقيق الجودة الكلاميَّة والضمانة الدلاليَّة، تقديمها مقولاً يبدي الحَسانة اللفظيَّة مترفِّعاً عن وضاعتها، وهذا حدُّ معيارها المتحقِّق برؤية هذه الدراسة، فالاستعارة بأن يتوافق ضمير الكلام مع ظاهره، وصونه من انحرافه لتميزه عن ما يكون لغواً أو فضاضة لسانيَّة لا تترك أثراً في أُذن تسمع، ولا نفس لها ترتع، ولا هو مما يُبدَع، فتحقيق معايير الاستعارة لها أثر واضح في تقويم النصوص وتكوين لغة ذات مقاس تتآلفه النفوس وتعيه الأذهان، وعلى هذا النمط يمكن نسج الكثير من الجمل، مثلما نقول عن الخائف؛ مؤدَّب، وبدلاً عن ثرثار؛ مُطلق اللسان، وعن الوقح؛ صريح، ونطلق بدل كلمة عجوز؛ مُسن، ونستبدل جملة عاطل عن العمل، يبحث عن فرصة عمل، وكذلك يمكن استبدال كلمة متلصِّص؛ مراقب الأوضاع، وكذلك نقول: ذا حاجة تعبيراً عن الفقير كألفاظ أقلَّ وطأة وأكثر ظرافة.

أوَّلاً: أثر الأناقة اللغويَّة على الفهم والإدراك

في حالات لغويَّة تواصليَّة معيَّنة تستدعي استجابات إدراكيَّة ناتجة عن تفاعل بين إثارة ومثير، يتحقَّق بحدثها؛ حدث الإدراك وفهم المعاني بشكلها المراد، وما الأناقة اللغويَّة إلَّا حالة لغويَّة متميِّزة لها الأثر البالغ على تجويد الفهم والإدراك والتواصل، ولمعرفة نتاجاتها المعرفيَّة والجماليَّة وقابليَّتها التأثيريَّة في تلبية حاجات الفهم وقواعد الرسم الفنِّي للكلمات، تتجسَّد في المحطات البلاغيَّة الآتية:

    1. تحسين الإدراك والفهم: ويتضمَّن:
  • توضيح الأفكار: مبدأ الأناقة اللغويَّة؛ الاعتناء بانتقاء الألفاظ، وتنظيم الأفكار، وتجنُّب التعقيد اللغويِّ الذي يثبت نموذجيَّة التعبير بصورة منظَّمة أنيقة، مما يسهّل استيعابه وإيصال مراده.
  • التحفيز العاطفيَّ والمعنويَّ: إنَّما يجذب المشاعر من النصوص جمالها، فيجعل الأفكار المجرَّدة حسّاً عاطفيّاً لدى المتلقِّي، وهذا الحال يؤدِّي إلى فهم الفكرة بإدراك واسع.
  • الصور الفنِّيَّة: تتنوَّع في ظلِّ البلاغة العديد من الصور كالاستعارات، والتشبيهات التي لها القوَّة البلاغيَّة على تنفيذ مهام لغويَّة بتفسير المعاني المتشابهة بطريقة تُحسِّن فهمها بوضوح، وتزيد من القدرة على تذكُّر المعلومات.
    1. تمكين التواصل الفعّال وتشمل:
  • لفت الانتباه: تتكفَّل أناقة الأسلوب بلفت المستمع أو القارئ بظرافة فكلَّما كانت اللغة محكمة ومغريَة، كلَّما تفاعل معها أكثر.
  • الإقناع والإمتاع: من أهداف الأناقة اللغويَّة احترامها المتلقِّي فهي تهتم بجودة جوهر الأفكار ومظاهرها، وهذا يعزِّز الثقة بين طرفَي التواصل اللغويِّ بما تحرص عليه من إقناع المتلقِّي بما يتذوقه من أناقة الأسلوب.
    1. الحدُّ من سوء الفهم وتشمل:
  • دقَّة التعبير: تركِّز الأناقة اللغوية باختيارها ألفاظاً ذات مغزى لغوي فعَّال لتنتهي بها إلى خير تعبير ومقال، بغية إيصال الفكرة بوضوح من غير التباس.
  • تهدئة النفوس: هذابة أسلوب الحديث لها القدرة على امتصاص حالات الغضب في مواطن الاختلاف فهو يعكس انطباع الاحترام فيساهم بسلاسة التواصل وتراجع درجات التوتر.
    1. الاحتفاظ الجيِّد بالمعلومات وتشمل:
  • الآثار الجماليَّة: للأثر اللغويِّ الجذَّاب مركز عقليٌّ ومعْلَم تذكُّريٌّ لا تنفكُّ عنه الأذهان مهما طال زمانه، فله خاصيَّة استذكاره متى ما أُريد استحضاره.
  • تحفيز التفكير: كذلك هي طبيعة الأساليب الأنيقة تحفِّز الخيال وتوقده بمشاعل الفكر لتنيره بالفهم وتفسير المواضيع ذات الاهتمام بمتطلباته.

ثانيَّاً: الأناقة اللغويَّة في الاستعارات الحديثة

رهان الأناقة اللغويَّة المعاصرة مرتبط بالمتغيِّر الاستعاريِّ الذي يتفاعل مع التحوُّلات الثقافيَّة والفكريَّة السريعة في عصرنا، فاللغة بوظيفتها التواصليَّة آخذة باستكشاف استعارات جديدة تعيد صياغة واقعها اللغويِّ بما تتطلّبه والحاجة منها، وهنا يستلزم خلق توازن بين الابتكار الجماليِّ والدِّقة المفاهيميَّة التي يمكن اصطلاحها؛ (الأناقة اللغوية) والتي لها قدرة على تصيير المفردات إلى جسور تربط بين المعاني المتعدِّدة وتسهِّل المسير حتى يبلغ الفهم مداه، فلا تُستمد الأناقة من الرسم اللفظيِّ للكلمات أو الزخرفة البلاغيَّة وحسب، بل من القدرة على المزج بين الرمز والواقع بطريقة تجعل اللغة نفسها أداة لفهم العالم المعاصر وإعادة تشكيله بآفاق استعاريَّة مستوحات من فضاءات متعدِّدة فرضتها الحياة المعاصرة لتتكيَّف مع ظروفها وأحوالها.

وواحدة من هذه الظواهر المعاصرة التداخل بين العربيَّة واللغات الأخرى الذي تنامى بشكلٍ مفرط لا سيما في البلدان العربيَّة التي يكثر فيها العمَّال الأجانب، وهذا ما عكس تراجع استعمال اللغة الأم بفعل تسرُّب الألفاظ الأجنبيَّة فأنابت ببعض مفرداتها عن اللغة المجتمعيَّة السائدة (المعتوق، 1996، صفحة 18). فإنَّها وبمرور الزمن ستتحوَّل إلى حالة لغويَّة تلزم المتكلِّمين استعارة ألفاظٍ تتناسب وطبيعة العلاقات اللغويَّة للوصول إلى تفاهمات تحسِّن التواصل اللغويِّ بينهم لإقدارهم على الفهم والإدراك.

وحتَّى نتمكَّن من توضيح الصورة اللغويَّة المعاصرة أكثر ونبيِّن كيفيَّة الاستعمالات الاستعاريَّة؛ لا بدَّ من ثمَّة تشكيلات معبِّرة عن الأناقة اللغويَّة لألفاظ استعاريَّة عربيَّة، وأُخرى أجنبيَّة يشيع استعمال بعضها، وبعضها تحدِّده جوانب ثقافيَّة ومعرفيَّة تمتلكها فئات معيَّنة، وعلى النحو الآتي:

  • مستقر ماليّاً بدلاً من غنيٍّ.
  • متفرِّغ بدلاً من عاطل عن العمل.
  • معتنٍ بصحَّته بدلاً من مهووس باللياقة البدنيَّة.
  • مُستمتِع بحياته بدلاً من مبذِّر.
  • متحفِّظ بدلاً من خجول.
  • متفائل بدلاً من واهم.
  • متطلِّع المعرفة بدلاً من فضولي.
  • مرن بدلاً من متقلِّب.
  • متعمِّق بدلاً من معقَّد.
  • حذِر بدلاً من جبان.
  • منفتح الذهن بدلاً من متردِّد.
  • متجدِّد بدلاً من متعسِّف.
  • مستقلّ بدلاً من انعزاليّ.
  • واسع الفكر بدلاً من كئيب.
  • مدرك الواقع بدلاً من متشائم.
  • ذو شخصيَّة قويَّة بدلاً من عنيد.
  • ناقد بنَّاء بدلاً من سلبيّ.

وهذه فئة من الألفاظ الأنيقة التي يمكن استعارتها كبدائل عن ألفاظ قد تكون ذات جفوة مثال ذلك:

  • بسيط الفكر، أو غير مُدرك: بدلاً من غبيِّ.
  • يفضِّل الراحة أو لا يبذل الجهد: بدلاً من كسول.
  • مستاء، أو مضطرب العواطف: بدلاً من غاضب.
  • مثير للقلق، أو يستدعي الانتباه: بدلاً من مزعج.
  • ليس بأفضل حالاته، أو غير موفق: بدلاً من سيِّء.
  • غير مطِّلع، أو محدود المعرفة: بدلاً من جاهل.
  • يولي اهتماماً بنفسه، أو يميل إلى الذاتيَّة: بدلاً من أنانيٍّ.
  • مفتقر اللباقة، أو صريح جدّاً: بدلاً من وقِح.
  • يبدي ملاحظات متكرِّرة، أو يدلي بشكاوى متواصلة: بدلاً من متذمِّر.
  • يعمل بدون تروٍّ، أو يتصرَّف باندفاع: بدلاً من متهوِّر

وهناك العديد من الكلمات المستعارة من لغات أجنبيَّة مستخدمة في اللغة العربيَّة المعاصرة، بهدف إضفاء طابع الأناقة في الكلام، وهذه بعضاً من أمثلتها:

  • بريستيج (Prestige) للدلالة على المكانة السامية.
  • كاريزما (Charisma)للتعبير عن الشخصيَّة الجذّاَبة.
  • دبلوماسي (Diplomatic) من يوصف بلباقة التعامل.
  • كلاسيكي (Classic) تطلق على من يتعامل بتقليديَّة.
  • إتيكيت (Etiquette) تشير لمهذِّب السلوك.
  • شانس (Chance) تشير للمحظوظ.
  • ريلاكس (Relax) تشير إلى الهدوء والسكينة.
  • سمارت (Smart) تطلق على ذي ذكاء.

وكذلك استعارت اللغة العربيَّة ألفاظاً من اللغة التركيَّة نتيجة التفاعل الثقافيِّ والتاريخيِّ بين العالم العربيِّ والعثمانيِّ، فهناك العديد من المفردات والألفاظ التركيَّة التي استخدمتها اللغة العربيَّة تعبيراً عن الأناقة اللغويَّة، وهذه أمثلة منها:

  • باشا / عند إعطاء مكانة قياديَّة للشخص من باب التعظيم.
  • أفندم / تعني: سيدي، وتطلق من باب الاحترام.
  • خانم / تعني: سيدة، وتطلق كلقب احترام للنساء.
  • بيك / تعني: زعيم، وتُستخدم كلقب احترام.

رابعاً: الاستنتاجات والتوصيات

في إطار ما عنته هذه المقالة فإنَّها توصَّلت إلى النتائج التي تبيِّن إفادة الأناقة اللغويَّة من الاستعارات اللفظيَّة، وكذلك قدَّمت المقالة جملة من التوصيات التي يمكن أن تساهم في تسوية معياريَّة لبعض الإشكاليّات التي تحدّ من توظيف الاستعارة في تحسين الكلام، وهي على النحو الآتي:

    1. النتائج:
  • إغناء الألفاظ بالمعاني: تتجاوز الكلمات معانيها الحرفيَّة بإحضار الاستعارات اللفظيَّة، ما يُوجِد رؤى لغويَّة، ويشكِّل عبارات نديَّة.
  • تنشيط الأفكار: بطريقة ربط المعلومات المتنوِّعة، تحفِّز الاستعارة التفكير، فتدفع المتلقِّين تُجاه بناء تصوُّرات جديدة تخلق عندهم قابليَّة الإبداع.
  • الاختصار والتركيز: من وظائف الاستعارة بلاغيّاً؛ إيجاز ما تعقَّد فهمه باليسير من الكلمات التي تجعل النصَّ ذا تركيز أكثر وتزيد من تأثيره.
  • التكييف التآلفيّ: للاستعارة خاصيَّة ربط المكونات المختلفة بنظام لغويِّ متكامل يعرض الفكرة بسلاسة لفظيَّة، ومفاهيم جزليَّة.
  • إظهار بداعة الأساليب الشخصيَّة: يبرز الأسلوب الاستعاريَّ؛ بداعة المتحدِّث أو الكاتب وأناقته اللغويَّة، فهي مساحته في الإبداع اللغويِّ وذوقه الشخصيِّ المتفرِّد.
    1. التوصيات:
  • التوظيف الاستعاريِّ: وذلك بحثِّ الكُتَّاب والمتحدِّثين على توظيف الاستعارات بطريقة فنيَّة لإضفاء الطابع الجماليِّ على عباراتهم من غير إفراط أو تفريط بها.
  • تنويع الأنواع: وهي مهمَّة بلاغيَّة تتنوَّع فيها أنواع من الاستعارات (ميتافيزيقيَّة، بيانيَّة، إلخ) بغرض التلطُّف الأسلوبيِّ.
  • مراعاة التوازن بين غريب اللفظ وشيوعه: ضرورة مراعاة استعارة كلمات يفهما السامع والقارئ دون أن يُفقد غموض معانيها؛ أناقتها اللغويَّة.
  • ترويض العقل على فهم الاستعارة: وهذا الجانب يخصُّ المتلقِّيَ فهو بحاجة إلى تدريب نفسه وتنميَة قدراته الاستيعابيَّة لتمكِّنه من فهم الأساليب اللغويَّة ذات الطابع الإبداعيِّ وتفسيرها، والاستمتاع بالأناقة اللغويَّة.
  • الأدب ذخيرة اللغة: وموطن رقيِّها، وفيه ما تميَّز لفظه وجاد معناه، فلا مناص منه في تطبيق تجاربه الأسلوبيَّة واعتمادها في السياقات الكلاميَّة اليوميَّة.

المراجع العربيَّة:

أوكان، عمر. (2001). اللغة والخطاب. الرباط: دار أفريقيا الشرق.

الجرجاني، عبد القاهر. (474 هــ). أسرار البلاغة. القاهرة: مطبعة المدني.

الجوهري، أبو نصر إسماعيل بن حمَّاد. (398 هــ). الصحاح تاج اللغة وصحاح العربيَّة. القاهرة: دار الحديث.

الصاوي، أحمد عبد السيِّد. (1979). فنُّ الاستعارة دراسة تحليليَّة في البلاغة والنقد مع التطبيق على الأدب الجاهلي. الإسكندريَّة: الهيئة المصريَّة العامة للكتاب.

العدوس، يوسف أبو. (1997). الاستعارة في النقد الأدبيِّ الحديث الأبعاد المعرفيَّة والجماليَّة. الأردن: الأهليَّة للنشر والتوزيع.

العسكري، أبو هلال. (395 هــ). كتاب الصناعتين الكتابة والشعر. (البجاوي، علي محمد، وإبراهيم، محمد أبو الفضل، المحررون) دار الفكر العربي.

العقاد، أحمد. (2006). المعرفة والتواصل عن آليَّات النسق الاستعاري. الرباط: دار أبي رقراق للطباعة والنشر.

عمر، أحمد مختار. (2008). معجم اللغة العربية المعاصرة. القاهرة: عالم الكتب.

عيد، رجاء. (1979). فلسفة البلاغة بين التقنيَّة والتطوُّر. مصر: الإسكندريَّة منشأة دار المعارف.

الفيروزآبادي، مجد الدين بن محمد بن يعقوب. (817 هــ). القاموس المحيط. القاهرة: دار الحديث.

المعتوق، أحمد محمد. (1996). الحصيلة اللغوية أهميتها – مصادرها – وسائل تنميتها. عالم المعرفة.

مفتاح، محمد. (1990). مجهول البيان. الدار البيضاء: دار توبقال للنشر.

المراجع الأجنبيَّة

Kövescses, Z. (2010). Metaphor A Pratical Introduction. Oxford University 2 Ed.

Ricœur, P. (1975). La Métaphore Vive. Seuil.