دراسة تحليلية تربوية لكتاب “مختصر جامع بيان العلم وفضله وما ينبغي في روايته وحمله للمحمصاني”

د. ذوقان أحمد سعود عبيدات1

1 أستاذ مساعد في التربية الإسلامية، الجامعة الإسلامية بمنيسوتا أمريكا

البريد الالكتروني :thougan2022@gmail.com

HNSJ, 2024, 5(11); https://doi.org/10.53796/hnsj511/8

تحميل الملف

تاريخ النشر: 01/11/2024م تاريخ القبول: 15/10/2024م

Citation Method


المستخلص

تهدف الدراسة إلى التعريف بكتاب “مختصر جامع بيان العلم وفضله”، وذلك ببيان منهجية الكتاب، مع التعريف بكل من الإمام ابن عبد البر القرطبي- صاحب الكتاب الأصل-، وبالشيخ أحمد بن عمر المحمصاني – صاحب الكتاب المختصر-، مع بيان للجوانب التربوية المستنبطة من المختصر، مع التمثيل لها بشواهد من الكتاب المختصر، وقد استخدم الباحث المنهج الإستقرائي التحليلي، وكان من أبرز نتائج الدراسة أن تم استخلاص مبادئ في الجانب المعرفي، ونظرية تعلم متكاملة من أهداف، ومحتوى، وأساليب تدريس، وتقويم، والعوامل المؤثرة في اكتساب العلم، وقضايا خاصة بالمعلم والمتعلم.

الكلمات المفتاحية: مختصر جامع بيان العلم وفضله، المحمصاني.

Research title

An analytical educational study of the book “A Summary of the Comprehensive Explanation of Knowledge, Its Virtue, and What is Necessary in its Narration and Carrying by Al-Mahmasani”

Published at 01/11/2024 Accepted at 15/10/2024

Abstract

The study aims to introduce the book “Mukhtasar Jami’ Bayan al-Ilm wa Fadluhu” by explaining the book’s methodology, introducing both Imam Ibn Abd al-Barr al-Qurtubi – the author of the original book – and Sheikh Ahmad bin Omar al-Mahmasani – the author of the Mukhtasar book – with a statement of the educational aspects derived from the Mukhtasar, with examples of them from the Mukhtasar book. The researcher used the analytical inductive method, and one of the most prominent results of the study was that principles were extracted in the cognitive aspect, and an integrated learning theory of objectives, content, teaching methods, evaluation, and factors affecting the acquisition of knowledge, and issues specific to the teacher and the learner.

Key Words: Mukhtasar Jami’ Bayan al-‘Ilm wa Fadluhu, al-Mahmasani.

المطلب الأول: التعريف بالدراسة

المقدمة:

لقد خلق الله الإنسان وحثه على طلب العلم بقوله: ( وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا ) [طه: 114]، ورفع من شأن العالم بقوله تعالى: (قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُون َوَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ) [الزمر: 9]، والعلم أطرافه ثلاثة: عالم ومتعلم ومادة علمية، وقد أفردت كتب التربية الإسلامية في ثناياها الكثير من كفايات المعلم والمتعلم، وفصلت في الكثير من الموضوعات والمواد العلمية، إلا أن أبرز ما كتب في هذه الكفايات وغيرها من موضوعات العلم الأخرى، كتاب جامع بيان العلم وفضله للإمام ابن عبد البر القرطبي الأندلسي، وهذا الكتاب شمل الكثير من الأحاديث النبوية، وآثار الصحابة، وأقوال العلماء في كفايات المعلم والمتعلم، والعوامل المؤثرة في اكتساب التعلم، ونظرية التعلم (الأهداف، المحتوى، الأساليب، التقويم) وغيرها من الموضوعات الأخرى، التي تبرز قيمة هذا الكتاب وأهميته.

ونظراً لأهمية الكتاب البالغة، قام المحمصاني باختصاره مع المحافظة على نفس الترتيب الموجود في الكتاب الأصل من حيث الفصول والأبواب، وبناءً على ما سبق، تأتي الدراسة الحالة للكشف عن منهجية المحمصاني في كتابه مختصر جامع بيان العلم وفضله، واستنباط الجوانب التربوية منه.

مشكلة الدراسة وأسئلتها:

تتمثل مشكلة الدراسة في ندرة التعامل مع الكتب التراثية عمومًا، وكتب الفقهاء التربويين خصوصًا، وذلك جلي في قلة الإستفادة منها في عالم الواقع، من خلال الإفادة منها في مجالات الحياة كافة، النفسية، والتربوية، والاجتماعية، وغيرها من المجالات الحياتية الهامة، مما يحرم الأجيال المتعاقبة من فرص الاطلاع النظري، والتوظيف العملي، لمكانز هذه الكتب، ومن هنا جاءت هذه الدراسة في محاولة للإفادة التربوية من كتاب ” مختصر جامع بيان العلم وفضله “، واستنباط الجوانب التربوية منه، وعليه فإن الدراسة الحالية تهدف إلى الإجابة عن السؤال المحوري الآتي: ما منهجية بن عمر المحمصاني في كتابه “مختصر جامع بيان العلم وفضله” وجوانبه التربوية؟ ويتفرع عن السؤال المحوري الأسئلة الفرعية الآتية:

    • من هو الشيخ بن عمر المحمصاني، ومن هو الإمام ابن عبد البر القرطبي؟
    • ما منهجية كتاب “مختصر جامع بيان العلم وفضله”؟
    • ما الجوانب التربوية المستنبطة من كتاب “مختصر جامع بيان العلم وفضله”؟

أهداف الدراسة:

تتطلع هذه الدراسة إلى:

  • التعريف بكل من الشيخ بن عمر المحمصاني، والإمام بن عبد البر القرطبي.
    • الكشف عن منهجية كتاب “مختصر جامع بيان العلم وفضله”.
  • الكشف عن الجوانب التربوية المستنبطة من كتاب “مختصر جامع بيان العلم وفضله”.

أهمية الدراسة:

بالإضافة إلى ما سبق يمكن أن تقدم هذه الدراسة:

  • نواة لنظرية تربوية يمكن الاستفادة منها في توظيفها واقعاً عملياً من قبل المؤسسات التربوية والتعليمية.
  • تسليطاً للضوء على ما لدى واحد من كبار علمائنا المسلمين في مجال التربية والتعليم.
  • قد تفيد هذه الدراسة الباحثين الجدد في الإطلاع على نموذج دراسة تحليلية تربوية لكتاب مختصر لأحد أمهات الكتب التراثية التربوية.

مصطلحات الدراسة:

الجوانب التربوية: هي الجوانب التي تتعلق بالجانب المعرفي، ونظرية التعلم من أهداف ومحتوى وطرائق تدريس وتقويم، والعوامل المؤثرة في اكتساب التعلم، وكفايات المعلمين والمتعلمين.

الدراسات السابقة:

في حدود اطلاع الباحث، فقد وقف على أربعة دراسات ذات صلة بموضوع الدراسة، ويأتي ذكرها على النحو الآتي:

  1. دراسة بركات ( 2023م )، وهدفت الدراسة التعرف إلى الفكر التربوي الإسلامي لدى الإمام محمد ابن عبد البر القرطبي وتطبيقاته في العملية التربوية، وقد استخدم الباحث المنهج التاريخي الوصفي التحليلي البنائي، وبينت نتائج الدراسة أن لدى ابن عبد البر تصورًا فكريًا وتربويًا متكاملًا عن جوانب الطبيعة الإنسانية المختلفة النفس، والجسم، والعقل، والروح، والخير والشر، والجبر والاختيار، والفرد والمجتمع، والوراثة والبيئة، والأخلاق، وبينت نتائج الدراسة أن هناك تطبيقات تربوية عملية للفكر التربوي، وبينت وجود مجموعة من المبادئ التربوية التي تعزز العملية التربوية، وأوصت الدراسة بضرورة إجراء دراسة عن الفكر التربوي الإسلامي لدى علماء المسلمين.
  2. دراسة لطفي ( 2022 )، وهدفت الدراسة إلى إبراز معالم المنهاج التربوي في الفكر الإسلامي التراثي، عند ابن عبد البر أنموذجًا، من خلال كتابه “جامع بيان العلم وفضله”، وقد استخدمت الباحثة المنهج التاريخي الوصفي، وقد توصلت الدراسة إلى أن معالم المنهاج التربوي، يمكن الاعتماد عليها في المؤسسات التربوية، شريطة اختيار الأنسب منها للفئة المستهدفة، وأوصت الدراسة بالبحث في الفكر التربوي لجل العلماء الجهابذة الذين تميزوا بتكوينهم العلمي الرصين أمثال: الإمام الباجي، والإمام ابن العربي، وغيرهم.
  3. دراسة جليسة، ( 2015م )، وهدفت الدراسة إلى الوقوف على أهم الآراء التربوية للإمام ابن عبد البر القرطبي من كتاب جامع بيان العلم وفضله وما ينبغي في روايته وحمله، ورصد التطبيقات التربوية التي أشار إليها الإمام ابن عبد البر القرطبي، وإيضاح كيفية الاستفادة منها في ميدان التربية والتعليم في الواقع المعاصر، وقد استخدمت الباحثة المنهج الوصفي، وتوصلت الدراسة إلى أن للفكر التربوي الإسلامي طابعه الخاص، وأن علماؤنا المسلمين تميزوا بالوعي التربوي في طلب العلم وما يتعلق به، وأوصت الدراسة بالبحث في التراث الإسلامي، للوقوف على سمات الفكر التربوي عند علماء المسلمين.
  4. دراسة كايد ( 2005 )، وهدفت الدراسة إلى الكشف عن جوانب الفكر التربوي عند الإمام ابن عبد البر الأندلسي لبيان إسهاماته في مجال التربية والفكر التربوي، وقد استخدم الباحث المنهج التاريخي الوصفي والتحليلي، وتوصلت الدراسة إلى استناد أفكار الإمام التربوية الى عقيدته الدينية المرتبطة بالمنهج الفكري الإسلامي، الذي كان عليه أهل السنة والجماعة، وإن تأثرت بعض أفكاره بالفلسفات الأخرى، التي انتقلت إلى العربية خاصة الفلسفة اليونانية، وأوصت الدراسة بضرورة التفكير الجاد في وضع فلسفة تربوية نابعة من التراث الفكري العربي الإسلامي.

التعقيب على الدراسات السابقة:

تلتقي الدراسة الحالية مع الدراسات السابقة جميعها، في تناولها للآراء والأفكار التربوية للكتاب الأصل، إلا أن الدراسة الحالية تتميز عن الدراسات السابقة بكونها:

  1. أول دراسة في حدود علم الباحث تتناول بشكل مباشر بالدراسة والتحليل، كتاب مختصر جامع بيان العلم وفضله وما ينبغي في روايته وحمله، حتى أنها أول دراسة تتناول الكتاب الأصل بالتحليل التربوي الموسع.
  2. استخلاص الدراسة الحالية لمبادئ في الجانب المعرفي، ونظرية تعلم متكاملة من أهداف ومحتوى وأساليب تدريس وتقويم، والعوامل المؤثرة في اكتساب العلم، وقضايا خاصة بالمعلم والمتعلم، وبالتالي، فهي أشمل من غيرها من الدراسات السابقة، رغم تقاطعها مع الدراسات السابقة في بعض مجالات البحث.

منهج الدراسة:

استخدم الباحث في دراسته المنهج الإستقرائي التحليلي.

مخطط الدراسة:

جاءت الدراسة في خمسة مطالب كما يلي:

المطلب الاول: التعريف بالدراسة.

المطلب الثاني: التعريف بالشيخ بن عمر المحمصاني، وبالإمام بن عبد البر القرطبي.

المطلب الثالث: التعريف بكتاب “مختصر جامع بيان العلم وفضله”.

المطلب الرابع: الجوانب التربوية المستنبطة من كتاب “مختصر جامع بيان العلم وفضله”.

المطلب الخامس: ختام الدراسة.

المطلب الثاني: التعريف بالشيخ بن عمر المحمصاني وبالإمام ابن عبد البر القرطبي

أولاً: التعريف بالشيخ بن عمر المحمصاني:

هو الشيخ أحمد بن عمر بن محمد غنيم المحمصاني البيروتي الأزهري، من رجال الإصلاح الديني، خطيب من أهل بيروت، تعلم بها وانتقل إلى مصر، فتخرج على يد الشيخ محمد عبده في الأزهر، كما أخذ عن الشنقيطي الكبير وعاد إلى بيروت، فكان من أعضاء (المقاصد الخيرية) وخطب في بعض المساجد وتوفي بها، من كتبه: (تحذير الجمهور من مقاصد شهادة الزور) رسالة كتبها سنة 1327ه. و(مختصر جامع بيان العلم وفضله). (الزركلي، 1980، 189).

ثانياً: التعريف بالإمام ابن عبد البر القرطبي:

هو الإمام العلامة حافظ المغرب شيخ الإسلام، أبو عمر يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر بن عاصم النمري الأندلسي القرطبي المالكي، صاحب التصانيف الفائقة، مولده سنة (368ه) طلب العلم بعد سن الثانية والعشرين، وأدرك الكبار وطال عمره، وعلا سنده وتكاثر عليه طلبة العلم، وجمع وصنف ووثق وضعف وسارت بتصانيفه الركبان، وخضع لعلمه علماء الزمان، عاش خمس وتسعين سنة ومات سنة 463.

ومن تصنيفاته: التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد، والاستذكار لمذاهب علماء الأمصار فيما تضمنه الموطأ من معاني الرأي والآثار، والاستيعاب في أسماء الصحابة، وجامع بيان العلم وفضله وما ينبغي في روايته وحمله، والكافي في مذهب مالك (15 مجلد)، والاكتفاء في قراءة نافع وأبي عمرو، والتقصي في اختصار الموطأ، والانباه عن قبائل الرواة، وغيرها الكثير من الكتب المفيدة والنافعة (الذهبي، 2008، ج18، 153- 163).

المطلب الثالث: التعريف بكتاب “مختصر جامع بيان العلم وفضله”

أولاً: الكتاب هو اختصار لكتاب “جامع بيان العلم وفضله” للإمام بن عبد البر القرطبي:

وقد اختصره الشيخ بن عمر المحمصاني البيروتي في 428 صفحة، وقد احتفظ الشيخ بن عمر المحمصاني بعنوان الكتاب الأصل، وأضاف عليه فقط كلمة مختصر في العنوان، للدلالة على طبيعة الكتاب من حيث أنه كتاب اختصار لجامع بيان العلم وفضله.

ثانياً: أبان الشيخ بن عمر المحمصاني عن منهجه في اختصاره لكتاب جامع بيان العلم وفضله

فقال: “وجدته كتابًا حافلًا لا يستغني طالب العلم عن فوائده الجمة، وفرائده المهمة، فأعملت الفكر في تلخيص ذلك، مع الحرص على الإتيان بجمله وعباراته في أكثر الأبواب كما هي، كما فيها من المتانة والبراعة، والفصاحة والبلاغة، ولم أحذف منه سوى الأسانيد وما تكرر في بعض الفصول والأبواب، أو ما يستغنى عنه بغيره، ليسهل تناوله واكتفاءً بما لا بد منه”. (المحمصاني، 1994، 11).

ثالثاً: أهمية الكتاب:

تتضح أهمية الكتاب بما يلي:

  1. الكتاب مرتب من حيث الأبواب المتتابعة والمعنونة، والتي تداخلها أقوال الصحابة والتابعين، مرقمة ترقيمًا تتابعيًا تراكميًا.
  2. الكتاب مدينة علم واجبة الإعتناء والاقتداء بها، لمن أراد تتبع النفع والاستزادة به.
  3. اشتمل الكتاب على فهارس تسهل التعامل مع الكتاب نفسه، من حيث الرجوع إليها في الموضوعات التالية: الآيات، والأحاديث، والمسانيد، والأماكن، والبلدات، والكنى الواردة في المتن، ومصادر ومراجع التحقيق، والموضوعات.

المطلب الرابع: الجوانب التربوية المستنبطة من كتاب “مختصر جامع بيان العلم وفضله”

أولاً: الجانب المعرفي:

  1. الفروق الفردية: وهي الانحرافات الفردية عن متوسط المجموعة في صفة أو أخرى جسمية أو عقلية أو نفسية، وقد يكون مدى هذه الفروق صغيرًا أو كبيرًا (ملحم، 2006)، فقد روى مالك عن زيد بن أسلم أنه قال في قول الله عز وجل: (نَرْفَعُ دَرَجاتٍ مَنْ نَشاءُ) [الأنعام: 83]، قال: بالعلم يرفع الله درجات من يشاء في الدنيا (المحمصاني، 1994، 149)، وعن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله –صلى الله عليه وسلم-: (فضل العالم على العابد كفضلي على أمتي) (المحمصاني: 1994، 352)، ومن ذلك ما رواه أبو هريرة عن رسول الله –صلى الله عليه وسلم- أنه قال: (للأنبياء على العلماء فضل درجتين، وللعلماء على الشهداء فضل درجة) (المحمصاني، 1994، 39).
  2. اقتران العلم بالعمل:

إن العمل المرتبط بالعمل هو علم راسخ في ذهن المتعلم، ويضيف إلى معارفه الشيء الكثير، حيث أن الكثير من العلوم تتلاشى وتختفي، لأن الجانب التطبيقي، والممارسة العملية غائب عنها، فعن أنس بن مالك أنه قال: جاء رجل إلى رسول الله –صلى الله عليه وسلم- فقال: يا رسول أي الأعمال أفضل؟، قال: (العلم بالله عز وجل)، قال: يا رسول الله أي الأعمال أفضل؟ قال: (العلم بالله عز وجل)، قال: يا رسول الله أسألك عن العمل وتخبرني عن العلم!، فقال رسول الله –صلى الله عليه وسلم-: (إن قليل العمل ينفع مع العلم، وإن كثير العمل لا ينفع مع الجهل) (المحمصاني، 1994، 46)، ومن ذلك قول أبي الدراداء: إن أخوفه ما أخاف إذا وقفت على الحساب أن يقال لحي: قد علمت فماذا عملت فيما علمت (المحمصاني، 1994، 169)، وقول أبي الدرداء ويل لمن لا يعلم ولا يعمل مرة، وويل لمن يعلم ولا يعمل سبع مرات (المحمصاني، 1994، 171)، فهذه الآثار تظهر أهمية ارتباط العلم بالعمل، وأنه لا يعد العالم عالمًا ما لم يكن عاملًا بما يعلم، ومن ذلك: أن رسول الله –صلى الله عليه وسلم- قال: (إن أفضل الناس أفضلهم عملًا إذا فقهوا دينهم) (المحمصاني، 1994، 213).

  1. مناسبة مستوى العلم للفئة المتعلمة:

لا بد من مراعاة المستوى التعليمي للمتعلم، وذلك فيما يُطرح عليه من معارف وعلوم، وذلك طمعًا في تحقيق النتاج المنتظر عند المتعلم على شكل سلوكات وممارسات عملية، قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم-: (آفة العلم النسيان، وإضاعته أن يحدث به غير أهله) (المحمصاني، 1994، 99)، وقال عكرمة: إن لهذا العلم ثمنًا قيل: وما ثمنه؟ قال: أن تضعه عند من يحفظه ولا يضيعه (المحمصاني، 1994، 100).

ثانياً: نظرية التعلم في مختصر جامع بيان العلم وفضله:

اشتمل كتاب مختصر جامع بيان العلم وفضله على جملة من الأحاديث، والآثار، والأقوال، التي يمكن من خلالها استخلاص نظرية للتعلم والتعليم، وذلك على مستوى الأهداف والمحتوى التعليمي والأساليب والتقويم.

  1. الأهداف: إن من جملة الأهداف الكبرى في عملية التعلمي والتعلم تعظيم القرآن، فعن رسول الله –صلى الله عليه وسلم- قال: (لا تكتبوا عني شيئاً سوى القرآن، فمن كتب عني شيئًا سوى القرآن فليمحه) (المحمصاني، 1994، 61)، وأنه لا كتاب مع كتاب الله (المحمصاني، 1994، 62)، ولهذا فإن القرآن الكريم هو المقدم في الفهم والتعلم والعمل به، فعن الضحاك أنه قال: يأتي على الناس زمان يكثر فيه الأحاديث حتى يبقى المصحف بغباره لا ينظر فيه (المحمصاني، 1994، 63)، ولهذا فإن القرآن الكريم لا يقدم عليه كتاب أحد مهما بلغ علمه، فعن عبد الله بن يسار قال: سمعت عليًا يخطب: يقول: (أعزم على كل من عنده كتاب إلا رجع فمحاه، فإنما هلك الناس حيث تتبعوا أحاديث علمائهم، وتركوا كتاب ربهم) (المحمصاني، 1994، 62).
  2. المحتوى التعليمي: يتركز الاهتمام في التعلم على تعلم القرآن والسنة، فعن عبد الله بن عمر بن العاص: أن رسول الله –صلى الله عليه وسلم- قال: (العلم ثلاثة فما سوى ذلك فهو فضل آية محكمة، وسنة، وفريضة عادلة) (المحمصاني، 1994، 192)، ويضاف إلى القرآن والسنة تعلم الفقه، وقول الرسول –صلى الله عليه وسلم-: (تركت فيكم أمرين لن تضلوا ما تمسكتم بهما، كتاب الله، وسنة نبيه)( المحمصاني، 1994، 193).
  3. طرق وأساليب التدريس: نظرًا لتنوع المحتوى الدراسي، والموضوعات المراد تدريسها، تنوعت الأساليب التدريسية ومنها:
  4. الرحلة: تنوعت أهداف الرحلة ما بين جمع للعلم، أو نشر للعلم، أو تحقق من بعض الأحاديث النبوية، ومن الأمثلة ذلك، ما رواه زر بن حبيش قال: جاء رجل من مراد يقال له صفوان بن عسال إلى رسول الله –صلى الله عليه وسلم- وهو في المسجد متكئ على برد له أحمر، قال: فقلت: يا رسول الله إني جئت أطلب العلم، قال: (مرحبًا بطالب العلم، إن طالب العلم لتحف به الملائكة، وتظله بأجنحتها، فيركب بعضها بعضًا، حتى يبلغوا السماء الدنيا من حبهم لما يطلب، فما جئت تطلب؟) قال: قلت: يا رسول الله لا أزال أسافر بين مكة والمدينة، فأفتني عن المسح على الخفين، وذكر الحديث (المحمصاني، 1994، 41) ومن ذلك ما قاله سعيد بن المسيب: إني كنت لأسير الليالي والأيام في طلب الحديث الواحد (المحمصاني، 1994، 85)، وقال الشعبي: لو أن رجلًا سافر من أقصى الشام إلى أقصى اليمن ليسمع كلمة حكمه ما رأيت أن سفره ضاع. (المحمصاني، 1994، 86).
  5. العرض والسماع والنقل وهي أساليب التلقي المباشر، والتفاعل ما بين المعلم وطلبته، وما بين المتعلمين بعضهم ببعض، وهي من أكثر الأساليب تأثيرًا في زيادة الحصيلة المعرفية، وبناء المعارف الهرمية، ودوامها لدى المتعلم، كما أن هذه الأساليب تبين عن الحال التي يجب أن يكون عليها المتعلم في تلقيه للعلم، وهذه الأساليب تجعل من المتعلم متعلمًا ومعلمًا في نفس الوقت، ومن أمثلة العرض: عن إسماعيل بن رجاء: أنه كان يأتي صبيان الكتاب، فيعرض عليهم حديثه كي لا ينسى. (المحمصاني، 1994، 93). ومن أمثلة السماع والنقل: ما رواه زيد بن ثابت أن النبي –صلى الله عليه وسلم- قال: (نضر الله امرأً سمع منا حديثًا فأداه عنا كما سمعه، فإنه رب حامل فقه غير فقيه، ثلاث لا يغل عليهن قلب مسلم( (المحمصاني، 1994، 43).
  6. التدوين: حيث أن التدوين من أساليب حفظ المعلومة لمدارستها لاحقًا، إما مع المعلم، أو مع مجموعة المتعلمين، كما أن التدوين من الأساليب المعينة على الحفظ، وذلك من خلال دراسة المعلومة لأكثر من مرة، مما يعين على عدم إرهاق الذاكرة في الحفظ من أول مرة سماعية، ويجعل المجال مفتوحًا لتدوين أكبر قدر من المعلومات المتلقاة من المعلم، وبالتالي فإن الحفظ يسهم فيما بعد بتعلم المعلومة، والعمل بها، ونشرها، وكلها ثمار متحصلة من جراء التدوين، ومن ذلك: ما رواه أنس بن مالك أن النبي –صلى الله عليه وسلم- قال: (قيدوا العلم بالكتاب) (المحمصاني، 1994، 69)، وقال الخليل بن أحمد: (ما سمعت شيئًا إلا كتبته، ولا كتبته إلا حفظته، ولا حفظته إلا نفعني) (المحمصاني، 1994، 72).
  7. التدرج: وهو من الأساليب الفعالة إذا ما أحسن فهمه وتفعيله في الحجرة الصفية، وهو قائم على مبدأ الأخذ بالعام ثم الخاص، والبسيط ثم المركب، والكل ثم الجزء، ويراعي هذا الأسلوب قدرات المتعلم وإمكاناته، وهو عائد إلى مراعاة سن المتعلم، وظروف الموقف التعليمي، وإمكانات المتعلم، وقدراته العقلية، ومن أمثلة ذلك: عن يونس بن يزيد قال: قال لي ابن شهاب: يا يونس لا تكابر العلم، فإن العلم أودية، فأيها أخذت فيه قطع بك أن تبلغه، ولكن خذه مع الأيام والليالي، ولا تأخذ العلم جملة، فإن من رام أخذه جملة، ذهب عنه جملة، ولكن الشيء بعد الشيء، مع الليالي والأيام (المحمصاني، 1994، 95)، كما أن من التدرج في العلم يكون من خلال عدم التلقي له مرة أو دفعه واحدة، وإنما لابد من الاستراحة، والترويح عن النفس، فعن ابن شهاب أنه كان يقول: روحوا القلوب ساعة وساعة. (المحمصاني، 1994، 96).
  8. الملازمة: وتعني الحرص على الجلوس في مجالس العلم لتلقيه من المعلمين، والمواظبة على هذا الجلوس، قال لقمان لإبنه: يا بني ما بلغت من حكمتك؟ قال: لا أتكلف ما لا يعنيني، قال: يا بني أنه قد بقي شيء آخر، جالس العلماء وزاحمهم بركبتيك، فإن الله يحيي القلوب الميتة بنور الحكمة، كما يحيي الأرض الميتة بوابل السماء (المحمصاني، 1994، 97).
  9. الوقوف على التعلم السابق (القبلي) لدى المتعلم: وفائدة ذلك متمثلة في أن المعلم يسهل عليه تحديد نقطة البدء أو الانطلاق التي يكون منها بداية درسه، مما يعني توفيرًا في الوقت، والجهد، واقتصادًا لمعرفة مهدرة في غير مكانها، فيختصر المعلم ملالة قد تصيب المتعلم من جراء اجترار معلومة قديمة لا تضيف للمتعلم في الوقت الحالي أي جديد، بل على العكس قد تصرفه عن التعلم، وفي المقابل يوفر الوقوف على التعلم السابق عند المتعلم استنهاضًا لدافعية هو أحوج ما يكون لها في التعلم اللاحق، ومن ذلك أن خالد بن عرعرة التيمي قال سمعت علي بن أبي طالب يقول: “ألا رجل يسأل فينتفع، وينفع جلساءه” (المحمصاني، 1994، 104) وعن ابن عباس: ما سألني رجل عن مسألة، إلا عرفت أفقيه هو أو غير فقيه (المحمصاني، 1994، 105).
  10. الحوار والنقاش وطرح المسائل والسؤال: وهي من أساليب التدريس المباشر وثمرتها، في أن المعلم والمتعلم قد يتبادلون الأدوار فيصبح المتعلم معلمًا، والمعلم متعلمًا، من ذلك أن سعيد بن المسيب قال: ما ترون فيمن غلبه الدم من رعاف فلم ينقطع عنه، قال يحيى بن سعيد، ثم قال سعيد: أرى أن يوميء برأسه إيماءً. (المحمصاني، 1994، 109)، وقال رسول الله –صلى الله عليه وسلم-: “شفاء العين السؤال”. (المحمصاني، 1994، 79).
  11. التقويم: وهو أن يقف المعلم على تحقق النتاج التعليمي عند المتعلم وتحصيله له، فعن هشام بن عروة: أن أباه قال له كتبت؟ قال: نعم، قال: عارضت؟ قال: لا، قال له: لم تكتب، (المحمصاني، 1994، 72)، وعن علي بن الحسن قال: قلت لابن المبارك: يكون في الحديث لحن أقومه؟ قال: نعم، لأن القوم لم يكونوا يلحنون، اللحن منا (المحمصاني، 1994، 74).

ثالثاً: العوامل المؤثرة في اكتساب العلم

    1. استمرارية العلم: فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: رسول الله –صلى الله عليه وسلم-: (إذا مات الإنسان انقطع عمله إلا من ثلاث أشياء، صدقة جارية، أو علم ينتفع به بعده، أو ولد صالح يدعو له) (المحمصاني، 1994، 29)، وروى أن المسيح –صلى الله عليه وسلم- قيل له: إلى متى يحسن التعلم؟ قال: ما حسنت الحياة (المحمصاني، 1994، 87).
    2. الحرص على التعلم: عن أنس بن مالك قال: رسول الله –صلى الله عليه وسلم-: (طلب العلم فريضة على كل مسلم) (المحمصاني، 1994، 21)، وعن مالك بن انس: لا ينبغي لأحد يكون عنده العلم أن يترك التعلم (المحمصاني، 1994، 86)، ويرى الباحث أن المداومة على طلب العلم تقتضي الحرص على التعلم للانتفاع به، ومتى حدث الحرص على طلب العلم، والمداومة عليه، تحصلت استمراريته المادية والمعنوية، كما أن من صور الحرص على التعلم، الحرص على طلب تعلم العلم النافع، فعن جابر أن النبي –صلى الله عليه وسلم- قال: (سلوا الله علمًا نافعًا، وتعوذوا بالله من علم لا ينفع) (المحمصاني، 1994، 151)، وهنا العلم النافع يشمل العلم الدنيوي، والعلم الأخروي.
    3. التأكد والتثبت: قال رسول الله –صلى الله عليه وسلم-: (احذروا زلة العالم) (المحمصاني، 1994، 258)، وذلك يعني أنه لا بد من التأكد من صحة المعلومة المأخوذة من عالم، لأن البناء على معلومة خاطئة تفضي إلى أخطاء أكبر، ومن ذلك أيضًا أنه لا بد من التأكد من صحة نسبة المعلومة إلى العالم ابتداءً.
    4. الإخلاص في طلب العلم: طلب العلم عمل، وفي العلم والعمل لا بد من النية، لكن ميزة العلم أن النية قد تأتي بعده، فتصلح العلم وتصلح به، ويصبح طلب العلم مقبولًا، ولكن العمل لا بد أن تسبقه النية، عن حبيب ابن أبي ثابت قال: (طلبنا هذا الأمر وليس فيه نية ثم جاءت النية بعد) (المحمصاني، 1994، 191)، وعن وكيع ابن الجراح يقول: سمعت سفيان الثوري يقول: كنا نطلب العلم للدنيا فجرنا إلى الآخرة (المحمصاني، 1994، 191) وبهذا يتضح أن العلم قد يقود من الدنيا إلى الآخرة –حتى ولو كانت بعد العلم-، مما يؤدي إلى اكتساب العلم نفسه.
    5. نشر العلم: قال رسول الله –صلى الله عليه وسلم- (من الصدقة أن يتعلم الرجل العلم فيعمل به ثم يعلمه) المحمصاني، 1994، 111)، وقال رسول الله –صلى الله عليه وسلم-: (ما تصدق رجل بصدقة أفضل من علم ينشره) (المحمصاني، 1994، 112)، فإن نشر العلم يقتضي تعليمه للآخرين، وبالتالي يفضي ذلك إلى اكتسابه.
    6. الحرص على ملازمة العلماء: من الأمور التي يُكتسب به العلم، ملازمة العلماء، والحرص على ذلك، والحرص على الانتفاع بعلومهم ومعارفهم المختلفة، بل والبحث عن العلماء للانتفاع بهم، فعن داوود بن الجراح قال: قدم سفيان الثوري عسقلان فمكث ثلاثًا لا يسأله أحد عن شيء فقال: أكتر –استأجر لي ركوبًا- لي أخرج من هذا البلد، هذا بلد يموت فيه العلم (المحمصاني، 1994، 147).
    7. الاستعداد للتعلم: ويكون من خلال التجهيز والأخذ بالظروف المادية التي تسهل من اكتساب التعلم، فالبيئة المادية والمعنوية من الأمور المعينة التي تهيء اكتساب التعلم بكل سهولة ويسر، بل أنه يكون شرطًا أساسيًا لاكتساب التعلم، عن شعبة قال: كان قتادة لا يحدث عن رسول الله –صلى الله عليه وسلم- إلا وهو على طهارة (المحمصاني، 1994، 393).
    8. التنافس في طلب العلم: ويتم اكتساب التعلم من خلال التنافس المحموم في طلبه، والذي قد يثير حسد الآخرين، ولكنه حسد محمود (غبطة)، وتكون مادة التعلم القرآن والسنة، وفيهما وفي الإقبال على تعلمهما تنافس يبيح الحسد، ويفضي إلى اكتساب التعلم، فعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله –صلى الله عليه وسلم-: (لا حسد إلا في اثنتين: رجل آتاه الله مالًا فسلطه على هلكته في الحق، ورجل أتاه حكمة فهو يقضي بها ويعلمها) ( المحمصاني، 1994، 31).
    9. استثارة دافعية المتعلم: يصعب الإقبال على تعلمه واكتسابه دون نية ودافعية موجهة من قبل المعلم تجاه المتعلم، قال الخليل بن أحمد: اجعل تعلمك دراسة لك، واجعل مناظرة المتعلم تنبيهًا لما ليس عندك، وأكثر من العلم لتعلم، وأقلل منه لتحفظ (المحمصاني، 1994، 118)، ويرى الباحث أن مدارسة المعلم للمتعلم ومناظرته له، مولد لدافعيته واقباله على التعلم، كما أن استثارة الدافعية تكون من خلال التوضيح للمتعلم إلى شرف تعلم بعض العلوم كالفقه، وفي ذلك قال رسول الله –صلى الله عليه وسلم-: (من يرد الله به خيرًا يفقهه في الدين) ( المحمصاني، 1994، 33).
    10. التعلم الإتقاني: من صور اكتساب التعلم، التعلم الإتقاني وهو: التأكد من استيعاب الطالب للموضوع أو المهمة الدراسية الحالية قبل الإنتقال إلى المهمة التالية، ويهدف هذا التعلم إلى رفع كفاية كل طالب في الوصول إلى المستويات التحصيلية حسب قدراته (جامعة القدس المفتوحة، 1993، 180)، وتعد شهادة المعلم للمتعلم أو إجازته له شهادة له باتقان تعلم علم معين أو فن معين، فمن ذلك ما قاله عبيد الله أبي الأشعث أحمد بن المقدام العجلي إذ جاءه قوم يسألونه إجازة كتاب قد حدث به فأملى عليهم:

كتاب إليكم فافهوه فإنه

 

رسولي إليكم والكتاب رسول

فهذا سماعي من رجال لقيتهم

 

لهم ورع في فقههم وعقول

فإن شئتم فارووه عني فإنما

 

تقولون ما قد قلته وأقول

(المحمصاني، 1994، 374).

رابعاً: قضايا خاصة بالمعلم والمتعلم:

  • قضايا المعلم:
    1. فضل المعلم:

عن أبي الدرداء أنه قال: (العلم والمتعلم شريكان والمتعلم والمستمع شريكان، والدال على الخير وفاعله شريكان) (المحمصاني، 1994، 31)، ولا شك أن العالم يُجزى على تعليمه للمتعلم وإفادته له، وبهذا كان له فضل كبير.

    1. كفايات المعلم: وهي كثيرة في الكتاب منها:
  • تكرار كلامه إذا لم يفهمه المتعلم، من ذلك ثبت أن النبي كان إذا تكلم بكلمة أعادها ثلاث مرات، وذلك ليفهم عنه كل من جالسه من قريب وبعيد (المحمصاني، 1994، 131).
  • رفع معنويات المتعلم وإعداده لتلقي العلم من ذلك عن زر بن حبيش قال: جاء رجل من مراد يقال له صفوان بن عسال إلى رسول الله –صلى الله عليه وسلم- وهو في المسجد متكئ على برد له أحمر قال: فقلت: يا رسول الله إني جئت أطلب العلم، قال: مرحبًا بطالب العلم إن طالب العلم لتحف به الملائكة، وتظله بأجنحتها، فيركب بعضها بعضًا حتى يبلغوا السماء الدنيا من حبهم لما يطلب فما جئت تطلب؟ قال: قلت: يا رسول الله لا أزال أسافر بين مكة والمدينة فأفتني عن المسح على الخفين، وذكر الحديث) (المحمصاني، 1994، 41).
  • الحرص على إفادة المتعلم، عن خالد بن عرعرة التيمي قال: سمعت علي بن أبي طالب يقول: ألا رجل يسأل فينتفع جلساءه، (المحمصاني، 1994، 104)، وكان الربيع بن سليمان يقول: قال لي الشافعي: يا ربيع لو قدرت أن أطعمك العلم لأطعمتك إياه (المحمصاني، 1994، 106).
  • الحرص على إبراز شخصية المتعلم العلمية: عن حجاج بن عمرو بن غزية أنه كان جالسًا عند زيد بن ثابت فجاءه ابن فهد رجل من اليمن، فقال يا أبا سعيد إن عندي جواري ليس نسائي اللائي أكن بأعجب إلي منهن وليس كلهن يعجبنني أن تحمل مني أفأعزل؟ فقال زيد: أفته يا حجاج، قال: قلت: غفر الله لك إنما نجلس إليك لنتعلم منك فقال: أفته، قال: قلت: هو حرثك إن شئت سقيته وإن شئت عطشته وكنت أسمع ذلك من زيد بن ثابت. فقال زيد: صدق. (المحمصاني، 1994، 110).
  • تجنب مواطن الشبهات والفتن ما امكن: قال ابن عوف: كان الرجل يفر بما عنده من الأمر جهده، فإذا أخذ لم يجد بدًا (المحمصاني، 1994، 153) وعن حذيفة قال: إياكم ومواقف الفتن، قيل: وما مواقف الفتن يا أبا عبد الله؟ قال: أبواب الأمراء يدخل أحدكم على الأمير، فيصدقه بالكذب، ويقول له ما ليس فيه (المحمصاني، 1994، 155).
  • تجنب التكلف في الإكثار من طرح المسائل دونما اعتبار: فعن الحسن أنه قال: إن من شرار عباد الله الذين يجيؤون بشرار المسائل، ويفتنون بها عباد الله (المحمصاني، 1994، 332).
  • ابتعاد العالم عن القول في دين الله بالرأي والظن والقياس على غير أصل. فعن عوف بن مالك الأشجعي قال: رسول الله –صلى الله عليه وسلم-: (تفترق أمي على بضع وسبعين فرقة أعظمها فتنة قوم يقيسون الدين برأيهم، يحرمون به ما أحل الله ويحلون به كا حرم الله) (المحمصاني، 1994، 320)، وعن داوود الأودي قال: قال لي الشعبي، احفظ عني ثلاثاً لها شأن إذا سألت عن مسألة فأجبت فيها، فلا تتبع مسألتك أرأيت؟ فإن الله يقول في كتابه ( أرأيت من اتخذ إلهه هواه): [الفرقان: 43] والثانية: إذا سئلت عن مسألة فلا تقس شيئاً عما لا تعلم، فقل: لا اعلم وأنا شريكك. (المحمصاني، 1994، 334).
  • توقير العالم للعلماء واحترامهم: عن محمد بن أبي بكر بن داسة قال: سمعت أبا داوود سليمان بن الأشعث السجستاني يقول: رحم الله مالكًا كان إمامًا، رحم الله الشافعي كان إمامًا، رحم الله أبا حنيفة كان إمامًا (المحمصاني، 1994، 354).
  • التأني وعدم التعجل في الإجابة: عن سفيان بن عينية قال: أجسر الناس على الفتيا أقلهم علمًا (المحمصاني، 1994، 356).
  • عدم التحرج من الإجابة بــ “لا أدري” إذا سئل فيما لا يعلم، قال أبو الدرداء: قول الرجل فيما لا يعلم لا أعلم نصف العلم (المحمصاني، 1994، 224).
  • الاستعداد وعلو الهمة للقيام بالواجب التعليمي: عن ضرار بن مرة قال: كانوا يكرهون أن يحدثوا عن رسول الله –صلى الله عليه وسلم- وهم على غير الوضوء (المحمصاني، 1994، 393).
  • انكار العالم لأهل البدع والأهواء، قال أبو حزم: صار الناس في زماننا يعيب الرجل من هو فوقه في العلم ليرى الناس أنه ليس له حاجة إليه ولا يذاكر من هو مثله، ويزيد على من هو دونه فذهب العلم وهلك الناس (المحمصاني، 1994، 396).
  • المواظبة على طلب العلم: روى عن الحسن أنه قال: لقد غبرت لي أربعون عامًا، ما قمت ولا نمت إلا والكتاب على صدري. (المحمصاني، 1994، 398).
  • التواضع: قال بعض العلماء: ليس معي من العلم إلا أني أعلم أني لست أعلم (المحمصاني، 1994، 119).
  • مراعاة المستوى المعرفي للمتعلم: قال ابن عباس: حدثوا الناس بما يعرفون، أتريدون أن يكذب الله ورسوله (المحمصاني، 1994، 124)، وعن ابن مسعود قال ما أنت محدث قومًا حديثًا لا يبلغه عقولهم إلا كان لبعضهم فتنة (المحمصاني، 1994، 124).
  • الموازنة بين الكلام والاستماع وتفضل الاستماع على الكلام في معظم الحالات: عن يزيد بن أبي حبيب قال: إن من فتنة العالم أن يكون الكلام أحب إليه من الاستماع قال: وفي الاستماع سلامة وزيادة في العلم والمستمع شريك المتكلم، وفي الكلام توهم وتزين وزيادة ونقصان (المحمصاني، 1994، 126).
  • تعزيز المتعلم: عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله –صلى الله عليه وسلم-: (من حمل على أمتي أربعين حديثًا، لقي الله يوم القيامة فقيهًا عالمًا) (المحمصاني، 1994، 44).
  • قضايا المتعلم:
  1. الصغر أفضل سنوات التعلم، من ذلك يقال: من أدب ابنه صغيراً قرت به عينه كبيرًا، (المحمصاني، 1994، 75). ويقال: من أدب ولده أرغم أنف عدوه (المحمصاني، 1994، 77)، وعن موسى بن علي بن أبيه أن لقمان الحكيم قال لابنه: يا بني ابتغ العلم صغيرًا، فإن ابتغاء العلم يشق على الكبير (المحمصاني، 1994، 78).
  2. كفايات المتعلم:
    • طرح الاسئلة والاحاح في طلب العلم: قالت عائشة رضي الله عنهما: رحم الله نساء الأنصار، لم يمنعهن الحياء أن يسألن عن أمر دينهن (المحمصاني، 19994، 79)، وقال رسول الله –صلى الله عليه وسلم-: (شفاء العي السؤال) المحمصاني، 1994، 79).
    • احترام وتوقير المعلم: عن معمر عن طاووس عن أبيه: إن من السنة أن يوقر العالم، (المحمصاني، 1994، 103).
    • الإخلاص وطلب العلم لذاته: عن جابر قال: قال رسول الله –صلى الله عليه وسلم-: (لا تعلموا العلم لتباهوا به العلماء، ولا لتماروا به السفهاء، ولا لتجتازوا به المجالس، فمن فعل ذلك، فالنار النار) (المحمصاني، 1994، 159)، وعن إبراهيم التيمي قال: من طلب العلم لله عز وجل، آتاه الله منه ما يكفيه (المحمصاني، 1994، 163).
    • الابتعاد عن المناظرة والجدال والمراء: قال الأوزاري: بلغني أن الله إذا أراد بقوم شرًا، ألزمهم الجدل، ومنعهم العمل (المحمصاني، 1994، 271)، وعن عبد الله بن مسعود عن النبي –صلى الله عليه وسلم- قال: (ألا هلك المتنطعون ثلاثًا) (المحمصاني، 1994، 278).
    • الاتباع لا التقليد: والمقصود بالإتباع هنا للكتاب والسنة، والتقليد للعالم (المحمصاني، 1994، 294)، وعن زياد بن فريد قال: قال عمر: ثلاث يهدمن الدين، زلة عالم، وجدال منافق بالقرآن، وأئمة مضلون (المحمصاني، 1994، 295).
    • الصبر: من ذلك، قالوا: من لم يحتمل ذل التعلم ساعة، بقي في ذل الجهل أبدًا، (المحمصاني، 1994، 90)، وقيل لابن المبارك: إلى متى تطلب العلم؟ قال: حتى الممات إن شاء الله (المحمصاني، 1994، 87)، وفي هذا دلالة على ضرورة التحلي بالصبر في طلب العلم، مما يستوجب همة عالية، وجلادة فائقة في طلب علم الدنيا والآخرة.
    • الحلم: وكان الليث بن سعد كثيراً ما يقول لأصحاب الحديث: تعلموا الحلم قبل العلم (المحمصاني، 1994، 115)، وعن الحسن قال: كان طالب العلم يرى ذلك في سمعه وبصره وتخشعه (المحمصاني، 1994، 1116).
    • التواضع: قالوا: المتواضع من طلاب العلم أكثر علمًا، كما أن المكان المنخفض أكثر البقاع ماءً (المحمصاني، 1994، 132).
  3. من مناهج المتعلم في تلقي العلم: فمن ذلك عن داوود بن زهير الضبي: قال: سمعت فضيل بن عياض يقول: أول العلم الإنصاف، ثم الاستماع، ثم الحفظ، ثم العمل، ثم النشر (المحمصاني، 1994)، ومن ذلك أيضًا، ما سمعت شيئًا إلا كتبته، ولا كتبته إلا حفظته، وما حفظته إلا نفعني، ومن أكثر من مذاكرة العلماء لم ينس ما علم، واستفاد ما لم يعلم (المحمصاني، 1994، 140).
  4. منابع العلم والمعرفة بالنسبة للمتعلم: وهي القرآن، والسنة، والاجتهاد فيما لا نص فيه، فمن ذلك، عن معاذ أن رسول الله –صلى الله عليه وسلم- لما بعثه إلى اليمن قال له: كيف تصنع إن عرض لك قضاء؟ قال: أقضي بما في كتاب الله، قال: فإن لم يكن في كتاب الله؟ قال: فبسنة رسول الله –صلى الله عليه وسلم- قال: فإن لم يكن في سنة رسول الله، قال: أجتهد رأيي لا آلو، قال: فضرب بيده في صدري، وقال: الحمد لله الذي وفق رسول رسول الله، لما يرضاه رسول الله (المحمصاني، 1994، 225).
  5. علاقة طالب العلم بالمال: هي علاقة مقتصرة على تزود طالب العلم بما يعينه من مال على طلب العلم، دون السعي وراء لذاته، ففي علاقة الوسيلة الموصلة إلى غاية أكبر هي تحصيل العلم، قال يحيى بن يمان: سمعت سفيان الثوري يقول: العالم طبيب هذه الأمة، والمال داؤها، فإذا كان يجد الداء إلى نفسه فكيف يعالج غيره (المحمصاني، 1994، 180).

المطلب الخامس: ختام الدراسة:

النتائج:

  1. اهتمت الأمة الإسلامية بموضوع العلم اهتمامًا كبيرًا، ومن ذلك ضرورة الوقوف على جوانبه المتعددة، والتعريف بأطرافه الثلاثة (العالم، والمتعلم، والمادة العلمية)، ولعل من أبرز الكتب التي تناولت موضوع العلم كتاب جامع بيان العلم وفضله لابن عبد البر القرطبي، ونظرًا لما يحتويه الكتاب من فائدة عظيمة، قام المحمصاني باختصاره تحت نفس المسمى الأصل ولكن أضاف للعنوان كلمة مختصر للدلالة على طبيعة الكتاب.
  2. جعل المحمصاني ترتيب كتابه على نفس ترتيب الكتاب الأصل، من حيث الاحتفاظ بنفس عناوين الأبواب الموجودة في الكتاب الأصل، مع الاختصار ما أمكن في الأحاديث، والآثار، والأقوال المتكررة الأسانيد في بعض الفصول والأبواب.
  3. إن من أهم مبادئ الجانب المعرفي: الفروق الفردية، واقتران العلم بالعمل، ومناسبة مستوى العلم للفئة المتعلمة، أما نظرية التعلم في مختصر جامع بيان العلم وفضله، فقد أشارت إلى الأهداف، والمحتوى، وأساليب التدريس، والتقويم، والعوامل المؤثرة اكتساب العلم، مع الإشارة إلى قضايا المعلم والمتعلم، وخصوصًا في جانب الكفايات التعليمية التعلمية.

التوصيات:

  1. إجراء دراسات تحليلية تربوية على كتب تراثية تربوية أخرى إسهامًا في إخراج مكانز هذه الكتب، والوصول إلى نظرية متكاملة في مجال التربية والتعليم.
  2. عمل ندوات ومؤتمرات تسعى إلى التعريف بجهود العلماء السابقين، في مجال التربية والتعليم، وإخراجها إلى دائرة الضوء.

المقترحات:

  1. عمل دورات تأهيل للمعلمين الجدد، موضوعاتها كفايات المعلمين والمتعلمين، ونظرية التعلم، والعوامل المؤثرة في اكتساب التعلم.

قائمة المراجع:

    1. بركات، صالح، ( 2023م )، الفكر التربوي الإسلامي لدى الإمام محمد ابن عبد البر القرطبي وتطبيقاته في العملية التربوية، المفرق، جامعة آل البيت، المجلة الأردنية في الدراسات الإسلامية، مج19، ع1، ص 173 – ص 195.
    2. جامعة القدس المفتوحة، ( 1993م )، طرائق التدريس والتدريب العامة، منشورات عمان، جامعة القدس.
    3. جليسة، سمر، ( 2015م )، الآراء التربوية للإمام القرطبي من كتاب جامع بيان العلم وفضله وما ينبغي في روايته وحمله وتطبيقاتها، مصر، جامعة عين شمس، مركز تطوير التعليم الجامعي، ع29، ص 181 – ص 223.
    4. الذهبي، شمس الدين، ( 2008م )، سير أعلام النبلاء، ج 18، ط2، بيروت – الرياض، مؤسسة الرسالة.
    5. الزركلي، خير الدين، ( 1980م )، الأعلام قاموس تراجم لأشهر الرجال والنساء من العرب والمستعربين والمستشرقين، ط5، بيروت، دار العلم للملايين.
    6. كايد، سليمان، ( 2005م )، الفكر التربوي عند ابن عبد البر الأندلسي، عمان، الجامعة الأردنية، أطروحة دكتوراه.
    7. ليلى، لطيفة، ( 2022م )، معالم المنهاج التربوي في الفكر الإسلامي التراثي: ابن عبد البر أنموذجًا، رماح، مركز البحث وتطوير الموارد البشرية، المجلة العربية للنشر العلمي، ع47، ص 224 – ص 242.
    8. المحمصاني، أحمد، ( 1994م )، مختصر جامع بيان العلم وفضله وما ينبغي في روايته وحمله، ط1، بيروت- دمشق، دار الخير.
    9. ملحم، سامي، ( 2006م )، سيكولوجية التعلم والتعليم الأسس النظرية والتطبيقية، ط2، عمان، دارة المسيرة.