جهود العقاد في النقد الأدبي كتاب “أبو نواس الحسن بن الهانئ” أنموذجًا
Al-Aqqad’s efforts in literary criticism of the book “Abu Nawas Al-Hasan bin Al-Hani” as a model
سلمان ساجد غالب العمري1
1 اللغة العربية وآدابها-أدب ونقد.
بريد الكتروني: sska2008@hotmail.com
HNSJ, 2024, 5(12); https://doi.org/10.53796/hnsj512/32
تاريخ النشر: 01/12/2024م تاريخ القبول: 15/11/2024م
Citation Method
المستخلص
يتناول هذا البحث جهود عباس محمود العقاد في النقد الأدبي، متخذًا من كتابه “أبو نواس الحسن بن الهانئ” نموذجًا لدراسة منهجه النقدي. يستعرض البحث منهج العقاد التحليلي العقلي، واعتماده على التحليل السيكولوجي للشاعر، إلى جانب رؤيته التجديدية للشعر العربي. يسلط الضوء على كيفية إعادة العقاد قراءة شخصية أبو نواس، حيث تجاوز الصورة النمطية التي اختزلته في كونه “شاعر المجون”، كاشفًا عن أبعاد نفسية واجتماعية أعمق في شعره. كما ركّز البحث أيضًا على الأثر الذي أحدثه كتاب العقاد في الدراسات الأدبية، حيث أدخل البُعد السيكولوجي في تحليل النصوص الأدبية. ويسعى إلى إبراز أثر هذا الكتاب في النقد الأدبي الحديث، من حيث الانتقال من النظرة الشكلية إلى التحليل النفسي والاجتماعي للنصوص الأدبية والشخصيات الأدبية.
الكلمات المفتاحية: العقاد، أبو نواس، النقد الأدبي، التحليل السيكولوجي، المنهج التحليلي.
Abstract
This research deals with the efforts of Abbas Mahmoud Al-Akkad in literary criticism, taking his book “Abu Nawas Al-Hassan bin Al-Hani” as a model for studying his critical approach. The research reviews Al-Akkad’s analytical-rational approach, his reliance on the psychological analysis of the poet, in addition to his innovative vision of Arabic poetry. It sheds light on how Al-Akkad re-read the character of Abu Nawas, as he went beyond the stereotypical image that reduced him to being a “poet of debauchery”, revealing deeper psychological and social dimensions in his poetry.
The research also focused on Al-Akkad’s book’s impact on literary studies, as he introduced the psychological dimension into the analysis of literary texts. It seeks to highlight this book’s impact on modern literary criticism, in terms of moving from the formal view to the psychological and social analysis of literary texts and literary characters.
Key Words: Al-Akkad, Abu Nawas, literary criticism, psychological analysis, analytical approach.
المقدمة:
يُعد عباس محمود العقاد (1889-1964) أحد أبرز أعلام الفكر والأدب العربي في العصر الحديث، إذ جمع بين الأدب، الفلسفة، النقد، والشعر، مما أكسبه مكانة رفيعة في الأدب العربي، كما كان العقاد من أبرز دعاة التجديد في الأدب العربي، وخاصة في مجال النقد الأدبي، حيث قدم رؤى أصيلة اعتمدت على المنهج العقلي التحليلي بعيدًا عن المناهج التقليدية.
يُعد كتاب “أبو نواس الحسن بن الهانئ” أحد أعمال العقاد النقدية المتميزة، إذ ألقى الضوء على شخصية الشاعر العباسي أبو نواس، كاشفًا عن أبعاد جديدة في فهم شعره وشخصيته. اعتمد العقاد في تحليله على منهج سيكولوجي فلسفي، مركّزًا على الظروف النفسية والاجتماعية التي أحاطت بالشاعر، إلى جانب تحليله الفني لنصوصه (العقاد، 2017).
يهدف هذا البحث إلى تسليط الضوء على جهود العقاد في النقد الأدبي مع التركيز على كتابه “أبو نواس الحسن بن الهانئ” بوصفه نموذجًا حيًا لهذه الجهود. وسنتناول في هذا البحث المنهج النقدي الذي اعتمده العقاد، رؤيته للشخصية الأدبية، وتحليله الفني لشعر أبو نواس.
المنهجية المتبعة في البحث:
تم اتباع منهجية تحليلية وصفية تعتمد على تحليل النصوص الأدبية ومراجعة الأفكار النقدية التي قدمها عباس محمود العقاد في كتابه “أبو نواس الحسن بن الهانئ” (عبدالله، 2005). وقد تم تطبيق الخطوات التالية في البحث:
1. المنهج الوصفي التحليلي: وصف السياق التاريخي والثقافي الذي أثر في إنتاج العقاد لهذا الكتاب، وكذلك دراسة السيرة الذاتية لأبي نواس كمدخل لتحليل شخصيته وتأثير بيئته في شعره، ومن ثم تحليل رؤية العقاد النقدية والأسس التي اعتمد عليها في تناول شخصية أبي نواس ونصوصه الشعرية.
2. المنهج النقدي المقارن: مقارنة رؤية العقاد لأبي نواس بالرؤى التقليدية التي اختزلت الشاعر في صورة شاعر المجون والخمر، وإبراز الفروق بين المنهج التقليدي في دراسة أبي نواس ومنهج العقاد القائم على التحليل النفسي والاجتماعي.
3. المنهج السيكولوجي: تحليل الجوانب النفسية لشخصية أبي نواس، كما تناولها العقاد، مع توضيح كيفية توظيف العقاد للمنهج النفسي في النقد الأدبي.
4. المنهج الاستقرائي: استقراء النصوص الشعرية التي استخدمها العقاد كمادة تحليلية، ودراسة الأبعاد النفسية والاجتماعية التي استخلصها العقاد من هذه النصوص.
أهمية البحث:
تبرز أهمية البحث من عدة جوانب، من أبرزها:
1. إبراز التجديد النقدي: يسلط الضوء على جهود العقاد في تجديد المنهج النقدي العربي، من خلال التركيز على المنهج السيكولوجي الذي تجاوز الأساليب النقدية التقليدية.
2. تقديم قراءة جديدة لأبي نواس: يعيد البحث الاعتبار لشخصية أبو نواس التي طالما اختُزلت في جانب المجون والخمر، كاشفًا عن أبعاد أخرى في شعره تتصل بفلسفة الحياة والحرية النفسية.
3. إثراء الدراسات الأدبية: يقدم البحث نموذجًا عمليًا لتطبيق المناهج الحديثة في النقد الأدبي، مثل المنهج السيكولوجي والتحليل النفسي للشخصيات الأدبية.
4. توضيح أثر العقاد في النقد العربي الحديث: يظهر البحث كيف أسهم العقاد في تطوير أدوات النقد العربي، حيث دمج بين الفلسفة والتحليل الأدبي، مما فتح آفاقًا جديدة للدراسات النقدية المعاصرة.
أهداف البحث:
هدف البحث الحالي إلى:
1. دراسة منهج العقاد النقدي: تحليل المنهج الذي استخدمه العقاد في دراسته لشخصية أبي نواس، مع التركيز على توظيف التحليل السيكولوجي والاجتماعي في نقد النصوص الأدبية.
2. إبراز مكانة كتاب “أبو نواس” في النقد الأدبي: توضيح كيف أسهم هذا الكتاب في تغيير النظرة النقدية لأبي نواس، وفتح المجال أمام القراءات الجديدة التي تنظر إلى الشاعر من زاوية أعمق من الزاوية التقليدية.
3. تحليل رؤية العقاد لشعر أبي نواس: فهم كيفية تناول العقاد لموضوعات شعر أبي نواس، ولا سيما موضوعي المجون والخمر، وكيف كشف عن دلالاتها النفسية والفلسفية العميقة.
4. إبراز أثر هذا الكتاب في النقد العربي الحديث: بيان كيف أثرت رؤية العقاد النقدية في تطوير المناهج النقدية في العالم العربي، ولا سيما في اعتماد البُعد النفسي والاجتماعي في تحليل النصوص الأدبية.
5. إثراء الدراسات النقدية الأكاديمية: توفير نموذج بحثي يمكن أن تستفيد منه الدراسات الأكاديمية في مجال النقد الأدبي، وخاصة في تحليل الشخصيات الأدبية الكبرى مثل أبو نواس.
الإطار النظري:
يُعد النقد الأدبي من العوامل المهمة والمؤثرة في الأدب على اعتباره يقف على تحليل الأعمال الإبداعية ويقيمها ويُظهر الجيد منها والرديء؛ فقد نشأ النقد عند العرب قديمًا، وكانت بدايته في العصر الجاهلي، حيث كان عبارة عن ملاحظات يقدمها البعض على الشعر والشعراء تقوم على الذوق الخاص، وتطور مع مرور الزمن، والذي زاده تطورًا تنافس الشعراء الذي يقوم على العصبية القبلية (دغمومي، 1999)، واجتماعهم في الأسواق وعند أبواب الملوك والرؤساء، حيث كان للشاعر وكلامه وقع كبير على الناس في تلك الفترة؛ وسبب ذلك تجويد الشعر وتعقب الشعراء بالتجريح والتقريظ، وبدايته كانت تتناول اللفظ والمعنى الجزئي، وكل اعتماده كان على التأثير في الآخرين وانفعال القائل، دون أن يكون له أسس وقواعد مدونة يرجع إليها النقاد في البيان والتعليل، حتى ينتهي إلى مكانة الشاعر بين أصحابه وقيمة الشعر الذي نظمه، فقد تنوعت المذاهب الشعرية آنذاك، وكانت واضحة عند النابغة وزهير وغيرهما، كما وجد الرواة الذين يتعصبون للشعراء ويأخذون عنهم، وبقي الحال كذلك إلى أن جاء الإسلام، وتطور الشعر حيث اختصم الشعراء ووقفوا موقفين: منهم من انتصر للإسلام بأن نظم الشعر دفاعًا عنه، ومنهم من هاجمه وحاربه عن طريق نظم الأبيات لهذه الغاية (ضيف، 1995).
فالنقد الأدبي ساير جميع تطورات الحياة، وتأثر النقد الحديث بالمبادئ والاتجاهات النقدية الأجنبية، فعند اختيار دراسة النقد الأدبي يكون الهدف الرئيسي هو إبراز إسهامات النقاد المهمة في تقييم الأعمال النقدية بشكل عام (فيدوح، 2010)، واعتمد النقاد على مقاييس نقدية تقوم على بلورة العملية النقدية، بدليل التطورات المستمرة التي تحدث على النقد وتنهض بالعملية النقدية دون توقف. وبعد الانفتاح الذي حدث مع الغرب، عانى النقد العربي من التأخر الزمني كونه قطع أشواطًا بارزة مقترحًا في ذلك الكثير من النظريات والمناهج المهمة في دراسة النصوص ونقدها، وجاء النقد العربي وجعلها مرجعًا له، ووجد نفسه أمام مصطلحات فكرية مختلفة يصعب فهمها، وهذا أوجد خللًا وفجوة بين النقد العربي والنقد الغربي (أرنست، 1980).
الفصل الأول: جهود العقاد في النقد الأدبي
أولًا: ملامح منهج العقاد في النقد الأدبي
هناك العديد من ملامح منهج العقاد في النقد الأدبي نوردها باختصار:
1. المنهج التحليلي العقلي: اعتمد العقاد على التحليل العقلي المنطقي في مقاربته للنصوص الأدبية. لم يكن يعزل النص عن بيئته أو ظروفه النفسية والاجتماعية، بل اعتبره انعكاسًا مباشرًا لعالم الشاعر الداخلي وظروفه الموضوعية. هذه الرؤية جعلته يتجاوز النظرة الشكلية إلى المحتوى الإنساني والمعنوي للنص (العقاد، 2005).
2. البُعد السيكولوجي: اهتم العقاد بتحليل الشخصية الأدبية نفسياً، وهو ما يظهر بوضوح في كتابه عن أبو نواس. كان يعتقد أن معرفة الشاعر تتطلب الغوص في أعماق نفسه لفهم الظروف التي شكلت أسلوبه الشعري. من هذا المنطلق، قدّم العقاد رؤية جديدة عن أبو نواس تختلف عن التصورات النمطية التي ركزت على المجون والخمر فقط (خليل، 2003).
3. النقد القيمي والأخلاقي: لم يكن العقاد يفصل بين الأدب والأخلاق، لكنه أيضًا لم يكن داعية إلى “الأدب الأخلاقي” بالمعنى الوعظي. كان يرى أن النصوص الأدبية تعكس القيم الحياتية والاجتماعية، لذلك ركّز على القيم التي يطرحها النص، سواء من حيث المضمون أو البناء الفني (الشريف، 1988).
4. رؤية شمولية للشاعر والشعر: لم يكتفِ العقاد بتناول النصوص الشعرية بمعزل عن الشاعر، بل حاول تقديم صورة شاملة للشاعر نفسه. ووفق هذا المنظور، كان “أبو نواس” ليس مجرد شاعر للخمر والمجون، بل إنسانًا مرهف الحس متأثرًا ببيئته، وهو ما يتجلى في الرؤية الجديدة التي قدمها العقاد (أرقب، 2013).
الفصل الثاني: قراءة في كتاب “أبو نواس الحسن بن الهانئ”
أولًا: دوافع العقاد لتأليف الكتاب
جاءت دوافع العقاد لتأليف كتاب “أبو نواس” من رغبته في تقديم قراءة مختلفة للشاعر الذي اختُزل في كونه شاعر المجون والخمر. حاول العقاد أن يردّ على هذه النظرة السطحية بإبراز الأبعاد النفسية والفكرية العميقة في شعره. رأى أن أبو نواس لم يكن مجرد شاعر اللهو، بل كان مبدعًا مجددًا استوعب ثقافات عصره وصاغها بأسلوب فريد (العقاد، 2017).
ثانيًا: المنهج النقدي في الكتاب
اتبع العقاد في كتابه “أبو نواس” منهجًا نقديًا مركبًا يجمع بين المنهج السيكولوجي والتحليلي، وقد اعتمد على الخطوات الآتية (السعافين والشيخ، 2013):
1. دراسة السيرة الشخصية: افتتح العقاد الكتاب بعرض السيرة الذاتية لأبي نواس، متتبعًا أصوله الاجتماعية، نشأته في بيئة فارسية، وعلاقته بالمجتمع البغدادي. رأى العقاد أن هذه الظروف شكلت وعي الشاعر وهويته الثقافية، وأثّرت على رؤيته للعالم (قميحة، 2005).
2. التحليل النفسي للشاعر: حاول العقاد الكشف عن العقد النفسية التي حكمت شخصية أبو نواس، مشيرًا إلى تأثير التناقضات الاجتماعية على مزاجه وسلوكه. واعتبر أن تمرده الظاهري على القيم الدينية والأخلاقية لم يكن مجرّد تقليد، بل هو انعكاس لتجربة نفسية عميقة (حيدوش، 1990).
3. دراسة المضامين الشعرية: لم يقتصر العقاد على تحليل شخصية أبو نواس، بل درس أيضًا موضوعات شعره. ركّز على شعر الخمر، لكنّه لم يتعامل معه كغرض شعري ترفيهي فقط، بل اعتبره نوعًا من البحث عن الحرية المطلقة في الحياة، معبرًا عن فلسفة وجودية دفينة (الشريف، 1988).
4. التحليل الفني: تطرّق العقاد إلى الأساليب الشعرية لأبي نواس، كاستخدام الصور البلاغية، المفارقات، واللغة الحوارية. وأشار إلى كيف كان أبو نواس مجددًا في بنية النص الشعري، حيث تجاوز الأغراض التقليدية للشعر العربي (نجم، 1991).
ثالثًا: قضايا نقدية رئيسية في الكتاب الفاخوري (1996)
1. الصورة النمطية لأبي نواس: ناقش العقاد الصورة التقليدية لأبي نواس التي اختزلته في “شاعر المجون”، وأعاد تفسيرها عبر تحليل البيئة النفسية والاجتماعية التي أدّت إلى هذا السلوك.
2. الشعر بوصفه انعكاسًا للعقل الباطن: رأى العقاد أن شعر أبي نواس يكشف عن صراع داخلي، حيث انعكست فيه المتناقضات النفسية التي عانى منها، مثل الحنين للوطن والشعور بالاغتراب.
3. رؤية جديدة للمجون: بدلاً من التعامل مع المجون بوصفه انحلالًا أخلاقيًا، اعتبره العقاد تعبيرًا عن توق الإنسان إلى الحرية والتمرد على القيود الاجتماعية، وهو ما يجعل من “المجون” في شعر أبي نواس تجربة وجودية.
الفصل الثالث: أثر جهود العقاد في النقد الأدبي
أولًا: الأثر على الدراسات الأدبية
ساهمت جهود العقاد في تغيير النظرة النقدية للشعراء، حيث أصبح الاهتمام بالشاعر كشخصية إنسانية ونفسية، وليس مجرد منتج أدبي، أكثر وضوحًا في النقد العربي الحديث (طرابيشي، 1987).
ثانيًا: أثر الكتاب في الرؤية النقدية لأبي نواس
أحدث كتاب “أبو نواس” نقلة نوعية في قراءة التراث الشعري العربي. إذ تحوّلت دراسة الشعر من التركيز على المعاني والأغراض إلى النظر في الدوافع النفسية والاجتماعية للشعراء (نقاش، 1988).
الخاتمة:
مثّل كتاب “أبو نواس الحسن بن الهانئ” مثالًا واضحًا على جهود العقاد النقدية، حيث جمع بين التحليل السيكولوجي والدراسة الفنية، مما أضفى بُعدًا عميقًا لفهم شخصية الشاعر ونصوصه. أعاد العقاد الاعتبار لأبي نواس بوصفه شاعرًا مبدعًا، وليس مجرد “شاعر المجون”.
لقد أحدثت جهود العقاد تحولًا نوعيًا في النقد الأدبي العربي، حيث أصبح التحليل السيكولوجي والاجتماعي ركنًا أساسيًا في دراسة الأدب، وهو ما يستمر تأثيره في النقد الأدبي الحديث.
النتائج والاستنتاجات الموسعة:
1. دراسة العلاقة بين حياة الشاعر وشعره: ركز العقاد على الربط بين حياة أبي نواس الشخصية وشعره، مؤكدًا أن الشعر ليس مجرد انعكاس لحياة الشاعر بل يتفاعل مع تجاربه بشكل أكثر تعقيدًا. كما أشار إلى أن أبا نواس كان يُوظف بعض الصور الحسية في شعره، ليس فقط للتعبير عن رغباته بل أيضًا لاستفزاز المجتمع التقليدي ونقل رؤيته المتفردة للعالم.
2. نقد النظرة التقليدية: أعاد العقاد النظر في الأحكام التاريخية التي وُضعت على أبي نواس. ورفض اقتصار رؤية الشاعر على الجانب “المجون” فقط، معتبرًا أن هذا التبسيط يُهمل العمق الفكري والفني في شعره. هذه النظرة النقدية سمحت للقارئ العربي برؤية أبي نواس كشاعر عميق ومجدد، بعيدًا عن الصور النمطية.
3. التحليل الفني للأسلوب الشعري: قدم العقاد تحليلًا دقيقًا لأسلوب أبي نواس، موضحًا أنه كان من أكثر الشعراء الذين استفادوا من إمكانات اللغة العربية. كما أشار إلى تجديده في الأغراض الشعرية التقليدية، مثل الخمريات والغزل، حيث أضفى عليها طابعًا شخصيًا وثقافيًا يعكس تطور العصر العباسي.
4. المقارنة مع غيره من الشعراء: وضع العقاد أبا نواس في مقارنة مع شعراء عصره ومن سبقوه، ليظهر تفرده وأسلوبه المميز. وأشار إلى أن أبا نواس كان قادرًا على منافسة التراث الشعري بأسلوب حداثي، ما جعله نقطة تحول في الشعر العربي.
5. دور الثقافة المتعددة في إبداع أبي نواس: لفت العقاد الانتباه إلى تأثر أبي نواس بالثقافات الفارسية واليونانية والهندية، التي كانت حاضرة في المجتمع العباسي. كما أشار إلى أن هذه التأثيرات جعلت أبا نواس يتجاوز الشاعر التقليدي إلى أن يكون شاعرًا عالمي النزعة.
6. التأثير الأخلاقي والفكري: انتقد العقاد التركيز فقط على الجانب الأخلاقي في شعر أبي نواس، مؤكدًا أن الأدب يجب أن يُقرأ في سياقاته الثقافية والاجتماعية، وليس من منظور أحادي. واعتبر أن أبا نواس يُظهر في شعره جرأة فكرية تتحدى القيود الاجتماعية، وهو ما يعكس حرية العصر العباسي.
7. التجديد في موضوع الخمريات: تناول العقاد خمريات أبي نواس كرمز للتحرر من التقاليد. واعتبر أن الخمرة عنده لم تكن مجرد أداة للمجون، بل وسيلة للتأمل والبحث عن معنى أعمق للحياة.
8. النزعة الفلسفية: استنتج العقاد أن أبا نواس، في شعره وتأملاته، كان يُعبر عن صراع داخلي بين المادية والروحانية، وبين اللذة والتوبة. إذ أن هذا البُعد الفلسفي جعله شاعرًا يعكس تجارب إنسانية معقدة.
9. أهمية النقد المنهجي المتكامل: العقاد، من خلال تناوله لأبي نواس، أكد على أهمية اعتماد النقد المنهجي الذي يجمع بين الدراسة الأدبية والاجتماعية والنفسية والفنية.
10. تأثير العقاد على النقد الأدبي: قدم العقاد نموذجًا للتعامل مع الأدب العربي القديم بروح العصر، مما فتح المجال أمام نقاد آخرين لإعادة قراءة التراث الأدبي بعيدًا عن التحيز.
المراجع:
ارقب، أحمد. (2013). نقد النقد يوسف بكار ناقدا. ط1 عمان: دار اليازوري العلمية للنشر والتوزيع.
أرنست، جون. (1980). معنى التحليل النفسي، ترجمة سمير عبده، ط1، بيروت: منشورات دار مكتبة الحياة.
حيدوش، أحمد. (1990). الاتجاه النفسي في النقد العربي الحديث، (د.ط)، الجزائر: ديوان المطبوعات الجامعية.
خليل، إبراهيم محمد. (2003). النقد الأدبي الحديث من المحاكاة إلى التقليد. ط1، عمان: دار المسيرة للنشر والتوزيع.
دغمومي، محمد. (1999). نقد النقد وتنظير النقد العربي المعاص. سلسلة رسائل وأطروحات ومنشورات كلية الآداب بالرباط، ط1، الدار البيضاء: مطبعة النجاح الجديدة للنشر والتوزيع.
السعافين، إبراهيم والشيخ، خليل. (2013). مناهج النقد الحديث. ط1، القاهرة: الشركة العربية للنشر والتوزيع والطباعة.
الشريف، أحمد إبراهيم. (1988). المدخل إلى شعر العقاد. ط5، بيروت: دار الجيل، للنشر والتوزيع.
ضيف، شوقي. (1995). تاريخ النقد الأدبي عند العرب. ط1، مصر: دار المعارف للنشر والتوزيع.
طرابيشي، جورج. (1987). عقدة أوديب في الرواية العربية. ط5، بيروت: دار الطليعة للنشر والتوزيع.
عبد الله، محمد حسين. (2005). مدخل إلى النقد الأدبي الحديث. ط1، مصر: الدار المصرية السعودية للنشر والتوزيع.
العقاد، عباس محمود. (2005) أنا. (د.ط) مصر: دار النهضة للنشر والتوزيع.
العقاد، عباس محمود. (2017). أبو نواس الحسن بن الهانئ. ط2، القاهرة: مؤسسة هنداوي للنشر والتوزيع.
الفاخوري، حنا. (1996). الجامع في تاريخ الأدب العربي الأدب الحديث. ط1، بيروت: دار الجيل للنشر والتوزيع.
فيدوح، عبد القادر. (2010). الاتجاه النفسي في نقد الشعر العربي. ط1، عمان: دار الصفاء للطباعة والنشر والتوزيع.
قميحة، جابر. (2005) منهج العقاد في التراجم الأدبية. ط1، القاهرة: مكتبة النهضة المصرية للنشر والتوزيع.
نجم، خريستو. (1991). في النقد العربي الحديث، في النقد الأدبي والتحليل النفسي. ط1، بيروت: دار الجيل للنشر والتوزيع.
نقاش، رجاء. (1988). عباس محمود العقاد بين اليمين واليسار. ط1، الرياض: دار المريخ للنشر والتوزيع.