براعةُ الاستهلال وتجلّياتُه في ديوان حازم القرطاجنّي (ت 684هـ) مدائحُهُ أُنموذجاً
أ.د. عبد الحسين طاهر محمد الربيعي1 أ.م.د. فاطمة علي ولي2
1 جامعة ميسان – كلية التربية الأساسية – جمهورية العراق
2 جامعة سامراء – كلية الآداب – جمهورية العراق
HNSJ, 2024, 5(5); https://doi.org/10.53796/hnsj55/1
Download تاريخ النشر: 01/05/2024م تاريخ القبول: 08/04/2024م
المستخلص
يهدفُ هذا البحث إلى معاينة ديوان الشاعر والناقد حازم القَرطاجنّي (ت 684ه)، بغيةَ الوقوف على براعة الاستهلال في مدائحه، وذلك عبر مبحثينِ متلازمين: الأول: في ما هية الاستهلال ومفهومه اللغوي والاصطلاحي، ووظيفته العضوية في بناء النصّ الشعري، في ضوء تأمل بناء النصوص، وعرض آراء النُقّاد القدماء والمحدَثين، والمبحث الثاني: دراسة إجرائية في ضوء تجلّيات براعة الاستهلال في مدائح الشاعر، بوساطة ارتباط الاستهلال بالعنوان من جهة، وارتباطه بالمتن والخاتمة المدحية من جهة أُخرى.
وقد آثرنا أن نعّول على قراءة مدائحه وتأمُّل بنائها الفنّي، مستعينين بالسياق ومناسبة القصيدة والجوّ النفسي للشاعر، ومدى ملاءمة استهلالاته لحالته الشعورية وبيئته وواقعه الاجتماعي.
ومما دفعنا إلى هذه الدراسة، أنّه لم يقف أحد على هذه الاستهلالات ورصد براعتها، على الرغم مما تستحقه من التنويه والبحث.
The ingenuity of the initiation and its manifestations in the Diwan of Hazem Al-Qarlamajni (died 684 H) praise as a model.
Dr. Abdul Hussein Taher Mohammed Al-Rubaie1 Dr. Fatima Ali Wali2
1 University of Maysan – College of Basic Education – Republic of Iraq
2 Samarra University – Faculty of Arts – Republic of Iraq
HNSJ, 2024, 5(5); https://doi.org/10.53796/hnsj55/1
Published at 01/05/2024 Accepted at 08/04/2024
Abstract
This research aims to review the Diwan of Hazem Al-Qarlamajni Andalusian (died 684 H)
In order to stand on the ingenuity of the initiation in the praises of the poet and the critic, through two interrelated topics: the first is about the nature of the initiation and its linguistic and idiomatic concept, and its organic function in building the poetic text, in the light of presenting the opinions of ancient critics and researchers. And the second topic, a procedural study in the light of the manifestations of the ingenuity of the initiation in the praises of the poet, by linking the preface with the title on the one hand, and its connection with the text and the conclusion of the praise poem on the other.
I influenced to count on reading his praises and reflecting on their artistic construction, using the context and the appropriateness of the poem and the poet’s psychological atmosphere, and the appropriateness of his initiations to his emotional state, his preparation and his social motive.
What prompted me was that no one had stopped to address the manifestations of the ingenuity of the initiation in the poetry of this poet, despite what it deserves of note and study.
1- تأصيل مُصطلح العنوان
الاستهلال في اللغة:
في معجم اللغة مادة (هلّلَ) تدور حول الانصباب، وارتفاع الصوت، قال ابن منظور: «هلَّ السحاب بالمطر، وهلَّ المطرُ هلّاً وانهلّ بالمطر انهلالاً واستهلَّ وهو شدّةُ انصبابه… والهلالُ الدفقة منه، وقيل هو أول ما يصيبُك منه … وقال غيرُه: أهلّ السَّحاب إذ اقطر قطراً له صوت… وانهلّت السماء إذ صبّتْ، واستهلّت، إذا ارتفع صوتُ وقعِها… واستهلّ الصبي بالبكاء: رفَعَ صوتَهُ وصاحَ عند الولادة، وكُلّ شيء ارتفع صوتُه فقد استهلّ»([1]).
ولم تزد المعاجم الحديثة أي مفهوم عمّا ذكرهُ الأقدمون لمادة (هَلَّلَ)، فمثلاً نطالع في المعجم الوسيط: «انهلَّ الدمع: تساقط، وانهلّت السماء، نزل مطرها، استهلّ الصبي: رفع صوته بالبكاء وصاح عند الولادة، واستهلنا الشهر ابتدأناه»([2]).
ويحضرنا قول الشاعر في هذا المعنى([3]):
ألَا يا اسلمي يا دارَ مَيَّ على البِلى ولا زال مُنهلاً بجُرعِاك القَطرُ
أمّا في الاصطلاح:
فنجد تعريفاتٍ كثيرةً وجلُّها مرتبط بالبداية، أي بدء الكلام، والبداية هي نقطة الانطلاق الأول إلى ما يتلوه عند ارسطو([4]).
وفي تراثنا النقدي والبلاغي أُعطي مفهومُ الاستهلال أو البداية عنايةً كبيرةً يضيق المقام بالوقوفِ على تفاصيلها، فهذا ابن رشيق القيرواني (456ه) يقول: «… فإن الشعر قفلٌ أولُه مفتاحُه وينبغي للشاعر أن يجوِّد ابتداءات شعره فإنّه أول ما يَقرع السمع وبه يُستدلّ على ما عنده من أول وهلة»([5]).
وليست بنا حاجة إلى التعليق على كلام الناقد القديم الذي أكّد أهمية البداية والافتتاح أو الاستهلال، وقد تنبّه هذا الناقد إلى حُسن الافتتاح في القصائد الجاهلية ولا سيمّا المعلقات فأنشأ يقول: «إنّ حُسن الافتتاح داعية الانشراح ومطيّة النجاح ولطافة الخروج إلى المديح سبب ارتياح الممدوح»([6]).
ويحسن بنا – في هذا الصدد – أن نورد ما قاله الشاعر الناقد حازم القرطاجنّي -موضوع بحثنا – في براعة الاستهلال: «وتحسين الاستهلالات والمطالع من أحسن شيءٍ في هذه الصناعة (يعني صناعة الشعر)، إذ هي الطليعة الدالة على ما بعدها المتنزلة من القصيدة منزلةَ الوجهِ من الغرّة، تزيدُ النفسَ بحسنها ابتهاجاً ونشاطاً لتلقي ما بعدها إن كان بنسبةٍ من ذلك، وربّما غطّت بحُسنِها على كثير من التخوِّن الواقع بعدها إذا لم يتناصر الحسن فيما وَلِيَها»([7]).
إنّ الحقبة الزمنية التي عاشها الشاعر الجاهلي فرضت عليه بناءً فنّياً للقصيدة العربية، وهو المنهج الذي أراد بعض النقاد مثل ابن قتيبة (ت 276ه) أن يُلزم الشعراء به، وهو منهجٌ تبناه هذا الناقد بدلالة قوله: «قال أبو محمد وسمعت بعض أهل الأديب يذكر أنّ مقصد القصيد إنّما ابتدأ فيها بذكر الديار والوصف والآثار فبكى وشكا وخاطب الربع واستوقف الرفيق ليجعلَ ذلك سبباً لذكر أهلها الظاعنين عنها، إذ كان نازلة العمد في الحلولِ والظعن على خلاف ما عليه نازلة المدر، لانتقالهم من ماء إلى ماء وانتجاعهم الكلأ، وتتبعهم مساقط الغيث حيث كان، ثم وصل ذلك بالنسيب، فشكا شدة الوجد وألم الفراق، وفرط الصبابة والشوق ليُميلَ نحوه القلوب، ويصرف إليه الوجوه، وليستدعي به إصغاء الأسماع إليه، لأنَّ التشبيب قريب من النفوس لائط بالقلوب لما قد جعل الله في تركيب العباد منه محبة الغزل وإلف النساء فليس يكاد واحدٌ يخلو من أن يكون متعلقاً به بسبب وضارباً فيه بسهم حلال أو حرام، فإذا علم أنه استوثق من الإصغاء إليه والاسماع له، عقّب بإيجاب الحقوق فرَحَلَ في سفره وشكا النصب والسهر وحر الهجير، وإنضاء الراحلة والبعير، فإذا علم أنّه أوجب إلى صاحبه حقّ الرجاء وذمامة التأميل، وقرّ عنده ما ناله من المكاره في المسير، بدأ في المديح، فبعثهُ على المكافأة وهزّه للسماح، وفضّله على الاشباه…»([8])، ثم أضاف قائلاً: فالشاعر المجيد من سَلَك هذه الأساليب وعدل بين هذه الأقسام، فلم يجعلْ واحداً منها اغلب على الشعر، ولم يُطل فيملّ السامعون، ولم يقطع وبالنفوس ظمأ إلى المزيد([9]).
وعلى الرغم من شيوع هذا المنهج، إلّا أنّ كثيراً من الشعراء قد خالفوه، مثل الشعراء الصعاليك، إذ ليست بهم حاجة إلى الوقوف على الأطلال ووصف الناقة والرحلة إلى الممدوح، فقد تغيّر نظام القصيدة الذي فرضته الأمكنة الجديدة وتغير عنصر الاستهلال من الوقوف على الطلل إلى نبذ الطلل والسخرية منه، وقد لخّص باحث معاصر بواعث هذا الخروج عن مخطط القصيدة العربية وتغير استهلالاتها قائلاً: «لقد فرضت الأمكنة – الصحراء – والأطلال والمرأة والناقة – على الشاعر بناءً شعرياً هندسياً متكرر الوحدات والوظائف كي يخرج على التقاليد، خروجاً على أعراف ثقافية، وكان أول خروج على هذه التقاليد تمّ على يد الشعراء الصعاليك، استجابة لخروج الصعاليك وآخرين على تقاليد المجتمع وأعرافِهِ، كان تمردهم على قالب الشعر الجاهلي تمرداً على الوظيفة للشعر نفسِه، ويُعدّ الشعراء الصعاليك أول من كسر الطوق المألوف لعلاقة الشعر بالمجتمع فأكدوا هويتهم الشعرية من خلال الموضوعات التي عالجوها»([10]).
2- الشاعر حازم القَرطاجَنّي – نشأته – ثقافتُه
هو حازم بن محمد بن حسن بن محمد بن خلف بن حازم القَرطاجنّي أبو الحسن([11]*)، ولد سنة ثمانٍ وستمائة أيام تدهور دولة الموحدين بالأندلس بعد انهيار كثير من مدنها على أثر الحملات الصليبية التي قادها الإسبان والمتحالفون معهم، وبعد معركة العُقاب الفاصلة التي اندحر فيها الموحدون سنة (609ه)، في هذهِ الظروف الاستثنائية ولد الشاعر حازم القرطاجنّي.
ومن الأحداث البارزة التي غيرت مجرى التاريخ الأندلسي، والتي وقعت في حياة الشاعر سقوط مدينة (بلنسية) بعد حصارها الشديد الطويل، وسقوط مدينة إشبيلية وسقوط مدينة الشاعر قرطاجنة نفسها.
وما أن نصل إلى العام (633ه) حتى نجد العدو الإسباني قد هاجم كبريات المدن الأندلسية وسط البلاد وشرقها ولاسيّما سقوط مدينة قرطبة المروِّع التي كانت عاصمة للأندلَس خمسمائة عام، ولم يبقَ للمسلمين سوى غرناطة وما حولها من المدن الصغيرة والقرى([12]).
شهرتُه الأدبية والنقدية
كان الشاعرُ موسوعياً يُجيد الشعر والنحو والعروض، وقيل إنّه كان يضرب بسهمٍ وافرٍ في العقليات، وقيل إنَّ الدراية أغلب إليه من الرواية([13]).
ومن أشهر المشيرين إلى شاعريته ورسوخ قدمه في البلاغة، معاصُرُهُ ابن سعيد المغربي إذ قال: «شاعرٌ مُجيد، وحسيبٌ مُجيد، وشعرُهُ يطوي الأقطار وذكره منشورٌ، وهو في نظمِهِ طويلُ النَفَسِ، مُثير القبس، مقتدرٌ على حوك الكلام، مديد الباع في ميدان النَّظُم، لا يخلو من الألفاظ المُبتدعة، والمعاني الموَّلدة، والمخترعة، وهو ممن استفدتُ من آدابهِ وأنشدني شِعْرَهُ»([14])، ونكتفي بهذهِ الإشارة إلى شهرتهِ توخيّاً للاختصار.
آثارُه
1- المقصورة: وهي قصيدةٌ طويلةٌ رَوِيُّها الألف، نَظَمَها الشاعرُ للخليفة الحفصيّ التونسي المستنصر، إذ استقرَّ الشاعر في بلاطه، وقد ركَّز فيها على مدحه ومدح أخيه يحيى «وفي هذهِ القصيدة المقصورة يبلغُ الشاعر أبو الحسن حازم القَرطاجنّي الذروة في الإبداع والبراعة النظمية، وقد جَعَل من مقصورته ألواحاً متجانسة عرض فيها شتّى الأغراض والفنون من مدح وغزل، وحكمة ومَثل، ومعالم، ومجاهل، ومنازل، ومناهل، ورياض، وأزهار، وأنهار، وأرض، وأعصار، ومدن وأمصار…»([15]).
وقد شرح هذه المقصورة أبو القاسم الشريف الحسني القاضي بغرناطة، وسمّى شرحه (رفع الحُجب المستورة عن معاني المقصورة)، ويقول محقق ديوان حازم: «ولم تضمِّن هذه المقصورة في هذا الديوان، لأنّها مع شرحها عمل مستقل يستحقّ أن يُنشرَ مُحقَّقاً وحدَه في كتاب»([16]).
ومطلع هذه المقصورة، التي صدّرها بمقدّمة غزلية، ثُمَّ تخلَّص إلى مدح أسلاف الخليفة المستنصر، وقد جرى فيها على طريقة الشاعر ابن هاني الأندلسي (ت 363ه) في مدحه للفاطميين، وقد نظمها على تشكيلة [الكامل]
لله ما قد هجتَ يا يومَ النوى على فؤادي من تباريحَ النّوى
2- قصيدة مُطوَّلة في النحو، على حرف الميم، وقد نشرها محقق الديوان الأُستاذ عثمان الكعّاك مُلحَقَةً بديوان الشاعر موضوع بحثنا، وقد صدَّر منظومته النحويةَ بأبيات في مدح الخليفة المُستنصر الحُفصي أبي عبد الله مشيراً إلى إكرامه لِمَنْ لجأ إليه من الأندلسيين.
3- كتاب (القوافي)، وهو كتاب عروضيّ.
4- ديوان شعره أو بالأحرى ما تبقّى من شعرِه، وقد ذكر محقّق الديوان أنّ هذا الذي نشرَهُ، معتمداً على مخطوط بالإسكوريال يحتوي على بعض ما تناثر من شعرِ حازم من المصادر، لا يمثّلُ إلّا جُزءاً ضئيلاً من شِعْرِهِ([17]).
5- كتاب (منهاج البُلغاء وسراجُ الأدباء) هو كتابه الأشهر، ومن خيرة آثارِهِ، وقد طبع محقّقاً تحقيقاً علمياً بطبعته الأولى 1966م، وتلتْهُ ثلاثُ طبعات في بيروت: 1971، 1986، 2001، وكلّ هذه الطبعات بتحقيق الأستاذ محمّد الحبيب بن الخوجة.
المبحث الأول
عُضويّة الاستهلال ووظيفتُهُ
عُدَّ الاستهلال مُنطلَق القصيدة وكيانُها وأول ما يُطالع المتلقي، وعبرَهُ تقاسُ قيمة القصيدة، ورصانة بنائِها، وسُمُوِّ فكرتها، وهو مرتبطٌ بالعنوان من جهةٍ ولما يتلوه، من مفاصل النصّ الشعري، من جهةٍ أخرى، وقد تنبّه الموروث النقدي العربي إلى أهميته في النصّ الشعريّ، مثلما بيَّنا في تمهيد البحث، وقد أفاض الدارسون المُحْدَثون ببيان هذه الوظيفة العضوية التي يضطلع بها الاستهلال، ومن هؤلاء الأستاذ صبري مسلم إذ قال: «الاستهلال وجهُ القصيدة، وأول ما يطالعنا من ملامحِها، إنَّهُ أَلَقُ عينها الواعد بكيان شعري مكتمل، فهو الانطباعُ الأول منها وإشارة البدء، والعتبة الثانية بعدَ عنوان القصيدة، وهو لا يُحدّد بعدد من السطور إلّا أنّه يتناسب مع حجم القصيدة وعدد سطورها أو أبياتها»([18]).
بيدَ أن هذا الباحث لم يَزد على ما ذكره ابن رشيق، وأضرابه النقّاد، شيئاً، إنّما الفرق في الصياغة، ومهما يكن من شيء فإنَّ الاستهلال ينقلُ النصّ الشعري من حالة التخيُّلِ إلى الواقع، أي من الغياب إلى حضور النصّ وإنجازه مسموعاً أو منظوراً إليه، ليتحول من المجهول والعدم إلى العَلَن، ومن الصمت إلى الصورة (أي الرسم بالكلمات) ومن الثبات والسكون إلى الحركة، ومن العقر إلى التوالد.
ولذا لابدَّ أن يكون الافتتاح أو الانطلاقة (التمهيد) – كي يُكتب له النجاح – مستوفياً لشروط أذواق المتلقين بما يتناسب مع مقتضى أحوالهم، وليس بعيداً ما قاله الناقد الشاعر حازم القرطاجنّي – موضوع بحثنا – المذكور آنفاً في تمهيد هذه الدراسة، فضلاً عمّا أكّده النقاد المشارقة على شاكلة ابن رشيق القيرواني.
ومهما يكن من شيء، فالاستهلال الشعري البارع غدا مفصلاً بنائياً حيوياً وعتبةً نصّيةً لها الأثرُ الفاعل في بنية النصّ الأدبي شعراً كان أم نثراً، وتتمثل وظيفته الكبرى في شدّ الأذهان، وجلب إنتباه المتلقي قارئاً كان أم سامعاً وهذه هي الركيزة الأولى التي ينطلق منها التلقي، فالاستهلال، والحال هذه، يُعَدُّ المؤسس لحياة النص الشعري الجديد، بعد أن كان خيالاً أو فكرةً خطرت يذهن المنشيء، والنصُّ – أيّ نصّ – ينطلق من الواقع، وليس ثمةَ معنىً شعري أو صورة تنطلق من الفراغ لذا تتشكّل لحظة حاسمة ليبدأ استهلال النص وتبدأ القصيدة وهي حركة نفسيّة يسودها التناقض بين الشاعر وما يحيطهُ، إذ ينطلق الاستهلال فيتلوهُ المتن ثم الخاتمة «وليس ثمةَ حركة نفسيّة تبدأُ بالانسجام، والقصيدةُ – في مجالها – هي بدء بالإحساس بالتناقض لدى الشاعر، وكلُّ قصيدة ناجحة لابدَّ أن تبدأ من حدود هذه النقطة الحرجة التي تنطوي – منذ البدء – على طاقة حركية هي المسؤولة في الواقع عن الحالة الشعرية التي يجدُ الشاعر نفسَهُ داخلها، وهو بهذا يجدُّ في تجاوز هذه الحالة في العبور منها بواسطة اللغة في الشعر إلى اللاشعر من جديد»([19]).
فالاستهلال هو الإشارة الأولى المُعلِنة عن التحوّل من المجرّد إلى الملموس، أي إلى نصّ أو مادة معرفية، فلا بدّ أن يكون هنالك متصدٍّ لهذا التحوّل والانقلاب، ولكي يكون هذا التحول شعرياً ناجحاً، فلا بدّ أن تكون انطلاقته ناجحة متساوقة مع ذوق متلقي النص والعرف السائد، مثلما بيّنا آنفاً([20]).
وعودٌ على وظيفة الاستهلال الشعري – بوصفه أول العتبات النصّية للقصيدة، بعد عنوانها، أي وظيفة شدّ انتباه المتلقي وجعله على أحسن استعداد لاستقبال النصّ ومواكبته الإصغاء إليه وتوقع انتقالاته، ولا يتأتى ذلك إلّا إذ كان النصُّ الشعري ذا أُسلوب تعبيري حَسَن تصاحبُه السهولةُ والرّقَةُ ووضوحُ المعنى ومناسبةُ المقام، فضلاً عن خُلُوِّه من التعقيد والغموض، وهذا هو شأن بداية كُلّ فنِّ تأثيري ولاسيّما الفنّ الشعري.
وثمة وظيفة عضوية ثانية للاستهلال عند الناقد ياسين النصير وهي تتمثّل جليّةً في قوله: «التلميح بأيسر القول عمّا يحتويه النص، وهذه الوظيفة ذات شُعبٍ عدّة، منها أنّ الاستهلال له موقع يرتبطُ به مع بقية عناصر النص برباط عضوي، وأن يكون الاستهلال في أحسن المواقع أو أكثرها استثارةَ»([21]).
ولكن توافر هذه الوظيفة في النص الشعري متوقفٌ على قدرة الشاعر الفنية على بثّ إشاراتٍ قادرةٍ على التلميح بمضمون النص ومقاصدِه وتوجهاتِه، ولم يكن هذا متأتياُ إلّا لمن وهبوا قدراتٍ فنيّة عالية وطُبعوا على الإيجاز وإصابة المعنى واستثارة المتلقي.
وحاصل ما نفهمُهُ من نصّ الناقد النصير، أنّ للاستهلالِ فاعليّةً تعبيريةً في بناء القصيدة، لموقعه أولاً، ولارتباطه بعناصرها الأخرى من عنوانٍ ومتن وخاتمةٍ ثانياً.
ولعلَّ هذا الارتباط يحيلنا إلى موروثنا النقدي، إذ قال القاضي الجرجاني في (وساطته): «على الشاعر الحاذق أن يجتهد في تحسين الاستهلال والتخلُّص وبعدها الخاتمة، فإنها المواقف التي تستعطف اسماع الجمهور وتستميلهم إلى الإصغاء»([22]).
ولفظة (ينبغي) التي اختارها الناقد القاضي الجرجاني تشيرُ إلى الإلزام، أي إنه ألزم الشاعر الفطن (الحاذق) بالاجتهاد، والاجتهاد مفردة توحي بالتأمُّل والتنوع والخروج عن النمطية، وكُلُّ ذلك لأجل تحسين الاستهلال، لمكانه الكمين من النص، وهو بدء الكلام وأول ما يَطرقُ السمعَ من الكلام وأول ما يبتدئ به الكاتب([23]).
المبحث الثاني
تجليات براعة الاستهلال في مدائح حازم القرطاجنّي – دراسة إجرائية –
لمّا كان موضوعنا المُحدّد ((براعة الاستهلال في مدائح حازم القرطاجنّي))، لذا آثرنا أن ندرسه على وفق المطالب الآتية، لِنلجَ ميدانه الفسيحً آخذين بالحُسبان حالة الشاعر الشعورية وأجواءه النفسيّة وما آلت إليه ظروفُهُ الاجتماعية من العيش في بلاط الحفصيين بعد هجرته من وطنه – الأندلس – مضطرّاً.
المطلب الأول: الاستهلال الشعري والعنوان
العنوان هذه العتبة النصّية التي تطالع المتلقي قارئاً كان أم سامعاً، بها القدرة على التوجيه إلى معالم النصّ وآفاقه بل ويعمل على تحديدها لدى المتلقي([24])، والعنوان هو «إعلان عن النص وإشارةٌ له ويتضمن إغراء القارئ باستقبال النص والدخول إليه»([25]).
فالعنوان سواء أكانَ عنوانَ كتاب أم عنوان نص إبداعي، له خطرُهُ في التوصيل والتأثير، لذا نشاطرُ باحثاً معصاراً فيما ذهب إليه قائلاً: «يهبُ النصُ كينونته بتسميته وإخراجه من فضاء الغفل إلى فضاء المعلوم، إذ النص لا يكتسبُ الكينونة ويحوزها في العالم إلّا في العنونة، هذا الحدث الذي يجعلُ المكتوب قابلاً للتداول والحياة، ومن هنا تكمن خطورة العنوان وقوته في الفتك بالمجهول والعدم وإنجاز الحضور بوصفِهِ حضوراً يقع في اللغة»([26]).
وتأسيساً على هذا فالعنوان يومئ إلى محتوى النص الشعري ويوّجه الأذهان إليه بما يتضمنه من ألفاظ ودلالات، وعدا هذا فالعنوان يكشف عن دلالة النصّ ويجلي غامضه وتحولاته.
ولسنا بصدد التفاصيل التي ذكرها النقد الغربي فيما يخصُّ وظيفة العنوان في الفنون الأدبية التأثيرية، إذ يضيق المقام بتناولها مفصلةً.
وبعدُ، فَلْنأتِ إلى مدائح الشاعر حازم القَرطاجني متأملين الصلة بين الاستهلال الذي بدأ به الشاعر وعنوان النص، فلنتأملْ قصيدته المطوّلة التي نظمها على هيكل (الطويل) متقدّماً بها إلى أبي زكرياء يحيى بن أبي حفص، وعنوانها التوّسل بالأمير الحفصي طالباً منه الحماية، وقد اتخذ هذا العنوان والاستهلالَ منفذاً للتعبير عمّا يؤِّرقُهُ وعمّا يحلُم به أن يتحقق على يد هذا الأمير من إعادة فتح الأندَلُس ولاسيما شرقها الذي عاث به الإسبان عيثاً فظيعاً. فلنتأمل استهلال هذه القصيدة لنقفَ على مدى ارتباطها بالعنوان([27])، يقول: [من الطويل]
مُنى النفس يدني منكمُ والنَّوى تقصي |
فَكمْ ذَا يُطيعُ الدهرُ فيكم وكم يعصي |
|
يُقرب في حال التَّنائي مزارَكم |
فيدنو ويَنأَى بالخيال وبالشخص |
|
فَيَنْقَادُ للأحلام منكم وللمنى |
ويأبَى على المشتاق فيكم ويَستعصي |
|
وكم رُمْت أعصي في هواكم فلم أطقْ |
خطوباً خطايا الدَّهر فيهنَّ لا أُحصي |
|
وكنتُ تأوَّلتُ النوى أنَّها ثَوى |
وهل بَعد نصِّ العيسِ أحتاجُ للنصِّ |
فالمتلقي المباشر لهذا الاستهلال هو الممدوح – الأمير الحُفصي، المذكور آنفاً وهو المستغاث به والمخاطب في النص – عبر الضمائر التي رفعت كفاية الخطاب الشعري على شاكلة قوله: (… يدني منكم)، و (يطيعُ الدهر فيكم)، و(يقرّب… مزاركم)، و (فينقاد للأحلام منكم وللمنى)، و (يأبى على المشتاق فيكم) و (أعصي في هواكم).
والشاعر حازم القرطاجني – هنا – يشكو محنتهُ المتمثلة في اغترابه عن وطنه الأندلُس ومدينه (قَرطاجنّة) الي اجتاحها العدو الإسباني اجتياحاً مُدمِّراً ففرّ الناجون من أهلها ومنهم الشاعر، والشاعر – وهو يُعبّر عن هذا الاغتراب المُذهل بوساطة سموّ شاعريته وعمق مرجعيته الثقافية فيرسم هذا الاغتراب عبر (النوى تقصي) و (التنائي) و (ينأى) و (يأبى) و (يستعصي) و (الخطوب) و (خطايا الدهر) و (النوى) و (نص العيس).
والملاحظ على خمسة الأبيات التي استهّل بها الشاعر حازم مدحته، إنّها صِيغت صياغةً بلاغية آسرة متكئة هذا التقابل الأخّاذ على شاكلة: (مُنى النفس يدني)، (النوى تقصي)، (منكم … عنكم)، (يطيع الدهر فيكم)، (يعصي الدهر…)، (يقرّب في خال التنائي مزاركم)، (يدنو)، (ينأى).
وعلى هذا النحو من التراكيب البديعية الجاذبة للمتلقي استطاع الشاعر أن يُلفت أنظار متلقيه إلى قصيدته في الاحتماء بالأمير الحفصي المُستغاث به بعد هذه الصياغات الفنية الجاذبة لذهن المتلقي ولاسيّما ما ورد في البيت الخامس الذي جاء بناؤه غايةً في الروعة والإثارة والطرافة والجدّة في صوغ معنى التفاؤل:
وكنتُ تأوَّلتُ النوى أنَّها ثَوى وهل بَعد نصِّ العيسِ أحتاجُ للنصِّ
فالشاعر هنا تأوّل (النوى) وهو ألم البعد، ثوىً، و (ثوى) أي إقامة من ثوى – يثوى – ثُواءً، ولكن سير العيس قطع الشك باليقين وأكد للشاعر أن (النوى) رحلة شاقةٌ وفرقةٌ فلم، تَعُد به حاجةٌ إلى تصحيف النص وتأويله، وهي نكتة بلاغية لطيفة.
فالعنوان، وإن اتكأ على المديح، لكنه حمل في طيّاته التوجُّهَ لبيان معاناة الشاعر من اغتراب وتهجير وضياع، رما إليها من مِحن، فالعنوان والحال هذه علامة أساسية أو انطلاقة تعلو الاستهلال، ونستطيع أن نقول: إنّ العنوان سواءً أكان مُعلناً مدوناً في كلمة أو تركيب أم كان مضمراً، هو الذي يوجِّهُ مسارات الاستهلال ويُسهُم في تسيير انتقالات الشاعر عبر متن القصيدة وصولاً إلى خاتمتها.
فلو تأملنا كلمات الاستهلال وتراكيبه المذكورة آنفاً وجدناها شديدة الصلة بما تضمنه العنوان من مدح الأمير الحفصي والاحتماء بسُلطانه، وما إلى ذلك مما تلجلج في صدر الشاعر مما ينشدُهُ أو علم به ليزيح همومَه ويحقق تطلعاتِه وآماله ويقتص من أعداء بلاده الذين اقلقوا مضجعه.
وجدير ذكرُه أنّ نصّ الاستهلال قد احتوى مضامين كثيرة كالاشتياق، وتذكر المعاهد، وما تهيّجُهُ من آهات وأحزان، ولعلّ هذا هو الموضع المناسب والمعنى الملائم الذي فضّله النقاد ومنهم الناقد الشاعر حازم الذي نحن بصدد دراسة الاستهلال في مدائحه، إذ أكد ارتباط الاستهلال بمفاصل القصيدة([28]).
والأُنموذج الثاني الذي تأملناه في ديوان الشاعر القرطاجنّي استهلاله لقصيدة دالية تقع في أثنين وسبعين بيتاً أنشأها على تشكيلة [الكامل] مهنِئاً الخليفةَ المستنصر بعيد الأضحى:
فبعد هذه العتبة النصيّة ينطلق الاستهلال من قلبِ هذا العنوان (التهنئة بالعيد وما يتصل بها) فلنتأملْ تعبير الشاعر حازم([29])
عيد بجودِك جِيدُهُ قد قُلِّدا |
وبيَمُن جدِّك يمنهُ قَد أُكدا |
|
فاهنأ به، وبألفِ عيدٍ بعدَهُ |
واسعدْ بلُقياه كما بكَ أسعْدا |
|
وابلغْ مرادَكَ في الزَّمانِ وأهلِه |
واخلدْ ودُمْ أبداً دَواماً سرمَدا |
|
وامْدُدْ لنا يَدكَ الكريمة نَسْتَلِمْ |
منها المكارمَ والعُلا والسُؤدَدَا |
|
ونرى الغوادي كيف ينشأ مُزْنُها |
طَلْقَ الأَسرةِ لا عبوساً أربدا |
فمتلقي استهلال حازم يَلحَظَ الصلة قويةً وثيقةً بين العنوان (التهنئة بالعيد) واستهلال القصيدة الذي آثرنا أن نقف على الفقرة الأولى منه، ويتمثل هذه الارتباط الوثيق في ألفاظ العيد الصريحة التي استدعت الصلة بين العيد والممدوح الذي قلّد جيد الممدوح بما لديه من جودٍ وكرم، (عيد بجودك جيّده قد قُلدا) وهو تعبير لا مزيدَ عليه من الفنية، وروعة الاستهلال، وإصابة المعنى، مع مبنىً رصين موائمٍ للموقف والمناسبة.
وتنبثقُ التهنئة الواسعة المديدة بالعيد بدلالة قوله (فاهنأ به وبألف عيدٍ بعدَه… البيت) فالأبيات الأولى من الاستهلال استدعت هذه التهنئة والدعاء والإشادة بكرم الممدوح والتشبث بأفضاله وعلاه وسؤدده.
ويمضي الشاعر عبر استهلاله المطوّل ذاكراً لفظة العيد وما حولها من معانٍ مختصة بخلال الممدوح النفسية مثل الكرم، والتقوى، والجهاد في سبيل الله حتى جاء العيد مبشرِّاً، حتى إنّ تسميته مشتقةٌ من عودته على الممدوح منجزاً وعده بالنصر المؤزر والفتح المُعجّل وفي كُلّ هذا يقول:
ما العيدُ في التحقيقِ إلاّ عادة |
ليديك في منح الأَيادي والجَدا |
|
أضحى نداك لكلِّ عيدٍ قادمٍ |
عيداً مفيداً للسرور مجَدِّدا |
وتستبدُّ بالشاعر المبالغة ليقولَ:
فلوَ انَّ ذا العيدَ احتذى حذو الورى |
فعلاً، أهلَّ إلى سناك وعيَّدا |
|
عيدٌ تَشَرَّفَ يومُهُ بَلْ شهرُه |
بكَ فاغتدى بين الشهورِ ممجّدا |
|
أيامُ تشريق وإشراق بما |
أطلعت فيها من سنا شمسِ الندى |
والممدوح المُستنصر حريصٌ على تطبيق مناسك الحجّ فضلاً عن تقديسه لهذه المناسبة:
ووقوف حجّ قد علت لك حجَّة |
فيه وسلطان على كلِّ العدا |
|
وقدوم عيدٍ عاد بالبشرى لكمْ |
وبمثلِ ما قد عادَ مِنْ خيرٍ بدا |
|
وسمته نعماكم فسمّي موسماً |
إنَّ الأَسامي قد تُبينُ المقصدا |
|
ودعوه عيداً إذ غدا لك منجزاً |
في النصر والفتح المعجَّل، مَوْعدا |
|
حشدَ الصَّنائعَ والمنى لك والذي |
يتلوه يُلْفى للصنائع أحْشدا |
|
وبدأْتَ فيه وعُدْتَ بالنعمى وما |
زالت هباتُك بادياتٍ عوّدا |
بعد تأمُّل هذا الوافي المعبِّر نجده منبثقاً من العنوان المذكور آنفاً والذي وجّهَ الاستهلال توجيهاً شعرياً، ونلحظُ هذه العلاقة العضوية بين العنوان، بوصفه العتبة الأولى للنص والاستهلال الذي يعدّ المنطلق ونقطة البداية المُشعرة ببدء النسيج النصّي الذي يعكس ما يُريده المنشئ من البحث والتعبير فيدخل بوساطة اللغة الى عالم الشعر عبر لحظة التناقض وهي الحركة النفسية التي يتجاذبها طرفان الشاعرُ وما يُحيطهُ، هذه الحركة النفسية تبدأ بالتناقض أي دخول الشاعر في حيِّز الشعر ويحاول الشاعر – في لا شعوره – جاهداً ليتخلص منها الى اللاشعر من جديد مثلما نوهنا بذلك في تمهيد هذا البحث.
المطلب الثاني: الاستهلال ومتن القصيدة
مرَّ بنا – في أثناء البحث – أنّ الاستهلال يُعَدُّ العتبةَ الثانيةَ، إذ إنّ العنصرين أو العتبتين – العنوان والاستهلال – يمرّ عبرهما المتلقي للدخول إلى عالم النص وأجوائه ومن ثمَّ يتذوقُهُ ويفهمُهُ ويتلقاهُ المتلقي الذي يليقُ به، فالدخولُ إلى متن القصيدةِ يتطلّبُ متلقياً يَقِظاً ذكيّاً لمّاحاً قادراً على التحليل والغوص في إعماق النص متمكناً من رصدِ بنية النص بما في ذلك العتبات النحوية واللغوية التي يتميز بها وفكّ شفرات النص وشرح رموزه.
إنّ متن القصيدة – في أغلب الأحيان – كفيلٌ بكشف الغموض الذي يحمله الشاعر وهذا يؤدي إلى شدّ انتباه المتلقي قارئاً كان أم مستمعاً ودفعه لاستكمال القراءة.
ولنتناولْ أنموذجاً من مدائح الشاعر حازم القرطاجنّي لنقع على الارتباط العضوي بين استهلاله ومتن القصيدة، فليكن هذا الاختيار قصيدته الدالية التي مَدَحَ فيها الخليفة المستنصر ومهنئاً إيِّاه بقدوم ابنه أبي يحيى، قال في مستهلها([30]):
أَزكى سَليلٍ زارَ أَكرمَ وَالدِ |
أَكْرِمْ بِمَوْرودٍ عليه وَوَاردِ |
|
قَمَرانِ في أُفقِ العلا مَا منهما |
عِند التَّقارن غيرُ نامٍ زائِدِ |
|
فَغَدَتْ لِعِزّهما النجوم سَواجِداً |
فَوْقَ الثَّرَى مَع كَلِّ نجمِ ساجدِ |
|
لله يَوْمٌ أَقْدَمَتْهُ سُعودُه |
نَعِمَ الورى مِنْهُ بِعيدٍ عَائِدِ |
|
نَاهِيكَ مِنْ يوْمٍ كريمٍ حاشرٍ |
أَنْمى الورى من كلِّ أَوْبٍ حاشدِ |
|
لَوْ أنَّ غسَّاناً رأته أنْسِيَتْ |
يومَ السَّباسب في الزَّمانِ البائِدِ([31]*) |
|
وعُهُودَ جلَّق إذ تُحيِّيهم بها |
وَسْطَ القصورِ الحُمْرِ بيضُ ولائِدِ([32]**) |
|
غنَّى الغَمامُ بسيله فترَنَّمتْ |
من خُضرِ أسمية وزُرْقِ موارد |
|
بارَى وليَّ العهدِ عهدُ وليِّه |
وغدا له كالزائرِ المتعاهد |
وهكذا نجد الاستهلال المطوَّل مُنبثقاً من عنوان النص القائم على التهنئة بزيارة الابن ولي العهد لأبيه الخليفة، وعدا هذا الارتباط، فلنبحثْ عن ارتباط هذا الاستهلال المطوَّل بمتن القصيدة أي موضوعها الرئيس، إذ يدخل الشاعر متن النص بعد أن استوفى استهلاله الشامل المنطلق من رَحِم العنوان – المدح والتهنئة، ليقولَ في متن القصيدة:
قد بانَ طيبُ الأَصلِ في طيب الجنى |
طيبُ الفروع دليلُ طيب محَاتد |
|
أركانُ مُلكٍ راسخٌ بنيانُهُ |
سامٍ إلى زُهْرِ الكواكب صاعد |
|
اللهُ شيَّده فدام وإنَّما |
يخشى البِلى ما اللهُ ليس بشائِدِ |
|
ليس الحياة أو الحيا لمؤمّل |
إلاّ ندى يحيى بنِ عبد الواحدِ |
|
مَلِكٌ نداهُ سائلٌ عن سَائِلٍ |
صِفْرِ الحقائِبِ قاصدٌ للقاصد |
في هذا المقطع من متن القصيدة تتدفّقُ قريحةُ الشاعر فيعبّر عن حصيلة الارتباط النسبي، إذ إنّ هذين الممدوحين هما غرسُ إيدي آبائهم الصيد (قد بان طيب الأصل من طيب الجني) ولِمَ لا؟ – فالأصلُ تتبعه الفروعُ – ثم بين أنهما من أركان المُلك الموحدي الذي رَسَخَ بٌنيانه وسما في العُلا (سام إلى زهر الكواكب صاعدِ) ولم لا يبارى زهر الكواكب وقد شَيَّدهُ الله سُبحانَهُ وتعالى، لذا دام بُنيانه، فليس ثمةَ بلى أو ضعف، ولذا لا يُؤمَّلُ إلّا ندى الممدوحِ (يحيى بن عبد الواحد).
ويستغرق الشاعر في إضفاء الصفات الحميدة المثالية – إن جاز التعبير – على ممدوحَيهِ، فيحيى بن عبد الواحد الخليفة الممدوح حليمٌ وجوادٌ والمؤيّد من الله – جلَّ ثناؤهُ – بالنصر المؤزَّرِ، وقد (وطئت سنابك خيله هام العدا من قبل وطئ منازلٍ ومعاهدِ)، ثم وصف خيول الجيش الموحدي وصفاً بليغاً غاية في الدقة، فهي (مجفرة الضلوع كأنما تطوي على الأعداء زفرة حاقدِ) وهذا معنىً لا يتأتى إلّا لِمن وُهب خيالاً عميقاً، ووصفها كذلك (بالمحلّقة الصيود) أي العُقاب التي تنقضّ بشدِّةٍ على الصيد، وفي كُلِّ ذلك يقول:
فالحِلْمُ منه مُخْلِفٌ إِيعادَه |
والجودُ مِنْهُ مُنجزٌ للواعدِ |
|
ومؤيّدٌ تسري أَمامَ جيوشه |
أبداً رياحُ النَّصر غيرَ رواكِدِ |
|
وطئت سنابكُ خَيْلهِ هامَ العِدا |
مِنْ قبلِ وطءِ منازِلٍ ومعاهد |
|
من كلِّ مُجْفَرةِ الضلوع كأَنَّما |
تَطوي على الأَعداء زفرةَ حاقد |
|
أو كــالمــحــلِّقــة الصَّيـودِ مـطـهّـمٍ | يــهـوي بـمـقـتـنـص الفـوارس صـائِدِ |
بعد ذلك، يصف هذه الخيول بالسرعة التي لا تصدّق حتى يعود قبل ان يرتد طرفك ثم يأتي بهذا التعبير الرائع غير المسبوق لوصف الحصان، إذ إنه نسي اسمه لكثرة ما وصف بأنه يقيّد الوحوش وكأنها لا تسير بجانبه، لسرعته وتركه إيّاها وكأنها واقفة، ثم يصف شجاعة ممدوحيه في أجمل تعبير تقابلى مع غير قليل من تسخير صور البديع لمؤازرة الدلالات، قائلاً:
يمضي فتسبق لحظَ ناظرِهِ وير |
جعُ قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ طرفُ الرَّاصدِ |
|
ولَوْ انَّهُ مُسْتَشكلٌ بعقاله |
لم تُلفه إلاّ عقال الشاردِ |
|
حتَّى لقد نسي الجوادُ اسماً له |
من طول ما سموه قيدَ أوابدِ |
|
شأتِ البوارقَ غيرَ جاهدةٍ ولَمْ |
يقطعن نومَ قطا الفلاةِ الهاجدِ |
|
أشهرْتَ منهم كلَّ جفن نائم |
لما أنمتم كلَّ جفنٍ ساهدِ |
وفي المقطع الأخير من متن القصيدة، الذي سبق الخاتمة، يمضي الشاعر مستغرقاً في وصف شجاعة ممدوحِه الملك يحيى بن عبد الواحد متجاوزاً مقدار الشجاعة والبسالة قائلاً فيه:
خَصَمَتْ سيوفُكَ عنكَ كلُّ مجادلٍ |
ألوى وقد ألوتْ بكلِّ مجالدِ |
|
وتواضعتْ شُمُّ المعاقلِ هيبةً |
من كلِّ دانٍ منك أو متباعدِ |
|
وأُذلَّ عزُّ الأَبلقِ الفردِ الذي |
أخذ التمرّدَ عن أخيه ماردِ |
فالشجاعة التي يراها الشاعر في ممدوحِهِ تتمثلُّ في أنّ سيوفَهُ البتّارة قد حسمت النزاعَ وخصمت كلَّ جدال، فليس ثمة جَدَلٌ، فلا ظنونَ، ولذا تواضعت الجبالُ الشّمُ لهذه العزّة والمَنَعَة هيبةً له وإحلالاً، وقد أذلّت عزّتَهُ الحصونَ (حضن الأبلق) و (مارد)، وبذا تتوالى عباراتُ وصف شجاعة الممدوح وهيمنته على أعدائه.
وهكذا تتآلف معاني متن القصيدة وتتمحور حول المدح والتهنئة بقدوم نجله – أبي يحيى – بعد فخره الفنّي بقصيدته، التي وجّهها إليه هازاً أريحيته، يقولُ:
وإليك منها روضةً مطلولةً |
تحمى بها أنفاسُ نفسِ الحاسدِ |
|
فانظرْ بعينِ رضاك منها أعيناً |
نظرتْ إليك بها عيونُ محامدِ |
|
وانفحْ بجودك للأَماني نفحةً |
حتَّى أرى كيف اهتزازُ الهامدِ |
|
فيراجعُ الآمالَ صدقُ رجائِها |
كالضوء يعلقُ بالذُّبال الخامدِ |
|
واهنأْ بمقدم مُقْتدٍ بكَ في العُلا |
حَذْو الشراك على مِثال واحدِ |
|
مَنْ أنتَ مُنْجِبُهُ لمضطلِعٌ بِما |
حمَّلتَهُ من كلِّ عبءٍ آيدِ |
|
يُزْهَى حُسام الملك إذ وصلتْ به |
منه يدٌ وصلتْ بأَطولِ ساعدِ |
وهكذا وجدنا استهلال هذه القصيدةِ مرتبطاً أشدَّ الأرتباط بمتنها عبر معانيه المتآلفة في إطار مدح الخليفة وتهنئته بزيارة نجله، فجاء المدح ذا معانٍ مترابطة متساوقة يأخذ بعضها برقاب بعض حتى لم يبقِ الّا بيتا الخاتمة الدعائية التي أغلق بها الشاعر مدحته الدالية.
المطلب الثالث: الاستهلال وخاتمةُ القصيدة في مدائح الشاعر حازم القرطاجنّي
علمنا – عبر بحثنا – أنَّ للعنوان، بوصفِهِ العتبةَ النصيّةَ التي توجه عناصر النص من استهلال ومتن، جاذبيةً وجماليةً إبداعية تسيِّر مفاصل القصيدة، وهو أيضاً يرتبطُ بخاتمة النص، الذي يُعدُّ آخر ما يتبقى من القصيدة من الأسماع، واشترُطَ أن تكون موحيةً بغرض القصيدة موائمةً له، ولما كانت الخاتمة كذلك، فسبيلها أن تكون مُحكمةً وأن تكون قُفلاً كما كان المطلعُ مفتاحاً([33]).
وأوجب الناقد الشاعر حازم القرطاجني – موضوع بحثنا – أن تكون نهاية القصيدة مناسبة للغرض الذي هي منه بسبب، فتكون سارَّةً في المديح وحزينة في الرثاء والتعازي وفي هذا يقول: «فأمّا ما يجبُ في المقاطع (قصدَ بها الخواتم) على ذلك الاعتبار، وهي أواخر القصائد فأن يُتحرّى أن يكون ما وقع فيها من الكلام كأحسن ما أندرج في حشو القصيدة، … وإنما وجبَ الاعتناء بهذا الموضع؛ لأنه منقطعُ الكلام وخاتمته، فالإساءة فيه معفية على كثير من تأثير الإحسان المتقدّم عليه في النفس ولا شيء أقبحُ من كدرٍ بعد صفوٍ وترميدٍ بعد إنضاجٍ»([34]).
ونحن في هذا المطلب نتحدث عن علاقة الاستهلال بخاتمة القصيدة، فالاستهلالُ – قد قدّمناه – معتدين على تأملاتنا في استهلال الشاعر حازم القرطاجني، وما كان يراه الموروثُ النقدي والمحدثون، ولمّا كانت مدائح حازم القرطاجني – جُلُّها – تتضمن غرضين: النسيب والمديح أو التهنئة والمديح، ويعبر عنها حازم بأنها اشّد موافقةً للنفوس الصحيحة الأذواق؛ لأنّ هذه النفوس قد تكون مُتعَبةً من أنحاء الكلام وأنواع القصائد([35]).
وعودٌ على بَدء، فالاستهلال الذي له خطرُهُ في النص الشعري بوصفه المنطلق ونقطة البداية، يستمدُّ ارتباطه العضوي بخاتمة النص بوصفها الركن الأساسي الذي يعمل على شدّ أوصال النص بفنيته المعبرة والمحملة بالعاطفة والأحاسيس والمشاعر المنبثقة من أعماق الشاعر وهو يريد أن يُوجز ما يريدُهُ ويومئ إلى مبتغاه، كي يكون ذلك كفيلاً بجذب السامع والاصغاء إليه.
فالخاتمة أيّا كانت تسميتُها مقطعا أو انتهاءً أو خاتمةً، تبقى العنصر المهم لارتباطها بأجزاء النص ولاسيّما الاستهلال ارتباطاً عضوياً وتبقى – كذلك – العنصر الأساسي في تكوين البنية الإبداعية والجمالية الفنية.
ولنأتِ إلى العمل الإجرائي:
الأنموذج الأول
قال الشاعر حازم القَرطاجني مهنئاً الخليفةَ بفتح حِمص (أي إشبيلية)([36]):
دامت لك البُشْرى ودامت للورى |
بِكمُ، ودمتَ على العُداة مظفرَا |
|
ومَلكْتَ ما ملك ابن داوُدَ الذي |
كلَّ الأَنام لأمره قد سخَّرا |
|
إنَّ البشائر والفتوحَ تتابعتْ |
فتنظَّمت في سلكِ مُلكِكَ جوهرا |
|
عَبَقَتْ مَنَاسِمُها فضاعت مَنْدلاً |
وتأرَّجَتْ مِسكاً، وفاحتْ عَنْبرا |
|
ولِفتح حِمْصٍ في الفتوح مزيَّةٌ |
فيحقُّ فيها أن يُسمَّى الأَكبرا |
|
مَدَّتْ إليكَ يدَ المُطيع وبَايَعَتْ |
منكَ الإِمامَ المرتضَى المتخيَّرا |
|
وهي العقيلةُ حُسنها مستأهِل |
أن يُصدَقَ الصُّنْعَ الجميل ويُمهرَا |
|
فقبلتها لا لازديادِ ضخامةٍ |
بل رَغْبَةً في أَنْ تُثَابَ وتُؤْجَرا |
|
لكُمُ على ذي الطوع نُعْمى مُفضلٍ |
إذْ كانَ مُضْطرًّا وكنتَ مخيَّرا |
|
حضرت لديك وفودُها وقلوبُ مَنْ |
قد غابَ قَدْ أَضْحتْ لَديْكم حُضَّرا |
وبهذا المبنى الرصين والمعاني المدحية اللافتة التي غيرّت جو المتلقي المباشر – الممدوح – واللافتة لأنظار متلقيها، وعظمة الموضوع – فتح إشبيلية -، يمضي الشاعرُ في هذا الاستهلال المطوَّل، منفِّساً عن آهاتِهِ ومعاناتِهِ وطواياه العميقة، التي وجد في التهنئة بالفتح، منفذاً للتعبير عنها، تفاؤلاً بإعادة فتح الأندلس وطرد الإسبان والمتحالفين معهم من القوى الصليبية المتوحشة في إطار حملتهم البغيضة التي أطلقوا عليها – حركة الاسترداد – التي عاثت جيوشها ببلاد الأندلس عيثاً فظيعاً.
ورَجَوْا لأندلسٍ وأَهليها بكم |
نصراً يدومُ على الزمان مُؤزَّرا |
|
بعد الجزيرة نصرةً تفري بها |
أَشلاءَ طاغيةِ النصارى الأَسبرا |
|
ثم يقول
\ 1 |
||
أنت الحقيقُ بأن تلبِّي صوتها |
وبأن تريق لنصرها كأس الكرى |
|
وبأَن تفوقَ مُجيبَ صوتِ زَبْطرَةٍ |
ويرد عصرُ هداك مُلْكَ الأَعسرا([37]) |
|
بشّر بني حمصٍ وأندلس بما |
سيعيد منها عامراً ما أَفقرا |
هذا الاستهلال الذي تتراءى براعته في قوة البناء وعمق المعاني والصلة بالعنوان والشمول الذي نقل المتلقي المباشر – الملك الحفصي – إلى أجواء الشاعر المبتهج المملوء فرحاً وطرباً لهذه البشائر الكبرى ووصول أخبار الفتح الأكبر – فتح حمص – مدينة إشبيلية، إحدى كُبريات المدن الأندلسية في وسط البلاد وقد دنّسها العدو الإسباني وقتل أهلها العُزّل وفرّ من نجا منهم، واليوم تعود لحضرة المسلمين، لذا كان لفتحها ودحر الأعداء، مذاق أيّ مذاق.
ولِفــتــح حِــمْــصٍ فـي الفـتـوح مـزيَّةٌ فـيـحـقُّ فـيـهـا أن يُـسـمَّى الأَكـبـرا
ولم لا يهنئ هذه التهنئة ويمدح بهذه المعاني وممدوحُه قد غدا مظفرّا على أعدائهِ؟، وقد ملك مقاليد الأمور وأصبح الآمر الناهي، مثلما ملكها سليمان بن داود (عليهما السلام) الذي سخّر الطيرَ لأمره.
وفوق هذا كُلّه فإنَّ ممدوح الشاعر هو الإمام المُفترضُ الطاعة؛ لأنّه المُتَخَيَّرُ الذي ارتضاهُ اللهُ – سبحانه وتعالى – إماماً، حسبما يقتضيه مبدأ الإمامة، فهو لم يأتِ من اختيار الناس، وإنما هو مُختارٌ وما عليهم إلّا طاعته واتباعِ نهجه والسير على هدِيه.
مَدَّتْ إليك يدَ المُطيعِ وبَايَعَت منكَ الإمامَ المُرتضى المُتخيَّرا
ولأجله ندب أهل إشبيلية الإمامَ لأنقاذهم، فبادرَ مجاهداً، لا لرغبة في توسيع ملكه الوسيع، ولكن لأجل الثواب والأجر والفوز برضا الله سبحانه وتعالى.
فــقــبــلتـهـا لِا لازديـادِ ضـخـامـةٍ بــل رَغْــبَـةً فـي أَنْ تُـثَـابَ وَتُـؤْجَـرا
وقد كانت استغاثة أهل حمص بالممدوح في إطار جماعي، إذ حضرت وفودهم مستغيثةً به، في هذا المعنى يقول الشاعر:
حــضــرت لديــك وفـودُهـا وقـلوبُ مَـنْ قــد غــابَ قَـدْ أَضْـحـَتْ لدَيْـكـم حُـضَّرا
وعلى هذه الوتيرة يسير الاستهلال من عرض المعاني الجزئية المتصلة بالتهنئة وعرض البشائر في الإطار الجماعي، وتلبية نداء من قبل الممدوح للأشبيليين الذين بايعوه على الطاعة؛ لأنّه إمامُهم (المُرتضى المتخيرا).
وبعد هذا الاستهلال يدخل الشاعر في أجواء النص ليأتي بالمتن المدحي الهائل متحدثاً عن شجاعة ممدوحه الفائقة وشجاعة أنصاره بما يتجاوز مقدار الشجاعة فينزاح الشاعر إلى المبالغة وأحياناً إلى الإيغال، ثم ينتقلُ إلى كرمه – والشاعر كعادته – يتكئ على المبالغات ليهزّ أريحية ممدوحه مرغباً تارةً ومحرضاً أُخرة، ويقول:
مــا بُــتّ مــثـلُ نَـداك فـي نـادٍ ولم يَــفْــرَعْ بــمـثـل حُـلاك داعٍ مـنـبـرا
وتتزايد المبالغات في هذه الرائية كُلما خطا الشاعر نحو النهايات حتى نلتقي بهذا الإيغال، يقول:
جَــلَّتْ صــفــاتُــك أن يُــبــيِّن واصــفٌ عـــنـــهــا ولو بــلســان قــسٍ عــبَّرا
فلا يمكن التعبير عن الصفات التي جُبُلَ عليها ممدوحه حتى ولو كان المعبرّ قس بن ساعدة الإيادي خطيب العرب المعروف، والكلام نثره وشعرُه ليس وبوسعه أن يعبر عن أفعال الخليفة ومكارمه.
وبعد هذهِ الإشارات الجُزئية لمتن القصيدة المُحْكم، يلتقي استهلاله الموحي المنوَّه به آنفاً، المنطلق من التهنئة بفتح حمص، بخاتمة قصيدته التي ربطها ربطاً عضوياً باستهلاله، إذ يقولُ مُخْتَتِماً هذه الرائية:
فاهنأْ ببُشرى طابَ نشرُ نسيمها |
فأَطابَ أَنفاسَ الرِّياح وعطَّرا |
|
وامْدُدْ لأفواه الوفُودِ أناملاً |
تَقْبيلُها يُسرٌ لمنْ قد أعسرا |
|
زارتْ فزادتْ حين لم تُغبب هوىً |
غير الفتوح، فلا أَغبَّت زوّرا |
|
فبقيتَ مسروراً بما ساءَ العِدا |
جَذلاً بإقبال المُنى مُسْتَبْشِرا |
|
يَزْدادُ مُلْكُكَ كلّ يومٍ بسطةً |
ويُطاولُ الدُّنْيا مدًى والأَدْهُرا |
فالبشرى هي فتح إشبيلية وقوله (فاهنأ ببشرى) قد التقى وارتبط لفظاً ومعنىً بمطلع الاستهلال (دامت لك البشرى ودمت للورى)، فثمة بشرى يسوقُها الشاعر في الإطار الجماعي، وهذا الانتهاء قد ربطه الشاعر بالاستهلال بكُلِّ فنِّية وإحكام.
وبذلك تكون براعةُ الاستهلال وحسن الختام في مدائح الشاعر حازم القرطاجني مصداقاً لما دعا إليه بوصفِهِ ناقداً عميق الاستيعاب صلب المرجعية الثقافية.
وعدا هذا، فإن براعته في صوغ استهلالته في مدائحه وارتباطها بما قبلها (العنوان) وما بعدها من متن وخاتمة، كل ذلك ينعكس على نفسِ المتلقي فتزداد بهجةً وتنشدّ إلى كُلّية النص وتصغي إليه مثلما رأينا في الأنموذج الذي وقفنا عنده آنفاً.
وحاصل ما قدّمنا فإن هذا الارتباط بين الاستهلال أو الابتداء وبين الخاتمة أو الانتهاء لهو دليلٌ على تماسُكِ النص، وقوة تأثيره في متلقيه، وهو دليلٌ أيضاً على براعةِ الشاعر وقوّة شاعريته وتكامل أدواته الشعرية، فالشاعر وهو بصدد التهنئة بالفتح يعرّج على شجاعة الفاتح وبُعْدِ همته، فالألفاظ والعبارات متناسقة في هذه المعاني، ثم يعود بعد المتن ذي المعاني الجزئية المرتبطة بالممدوح وأسباب الفتح وعظمته، ليختتمَ بما يتواءمُ مع ما ابتدأ به، إذ تومئ خاتمته إلى الموضوع نفسِه الذي عُرض في الاستهلال أي التهنئة بالفتح الأكبر.
الأُنموذج الثاني:
أمّا الأُنموذج الثاني الذي نسوقه شاهداً آخَرَ على ارتباط الاستهلال بالخاتمة فنجتزئُهُ من قصيدة رائية أيضاً يهنئ بها الخليفة الحفصي المستنصر بعيد الفطر([38])، قال في استهلالِها:
أَهَلّ هلالُ العيدِ منك إلى بدرِ |
ولاقاك منه بالطلاقة والبشرِ |
|
هل العيد إلّا مَوْعدٌ لك بالمُنى |
وباليمنِ والإِقبال والفتح والنصر |
|
ثلاثةُ أعيادٍ تجمعن للورى |
بوجهك، والفتحِ الذي هلَّ والفطر |
|
بوجهك شهر الفطرِ يُهدي بشائراً |
مؤرَّجةَ الأَنفاسِ عاطرةَ النشر |
|
تسابقُ أيَّام المسرَّات نحوكم |
فَمِنْ سابقِ منها ومُوفٍ على الأَثر |
|
ومنهنَّ يوما موسمٍ وبشارةٍ |
كما شاءت الآمال جاءا على قَدْر |
|
هنِئْتَ اقتبالاً بالفتوح، ولا عَدَتْ |
عِداك الرزايا من عوانٍ ومن بكر |
تطالعنا أبيات هذا الجزء من الاستهلال المتولِّد من رَحِم العنوان الكبير المتكئ على التهنئة بعيد الفطر والمفضي إلى مدح الخليفة، وهذه التهنئة قد استدعت تهاني أخرى بالنصر المؤزّر والفتوح، فثمةَ أعيادٌ ثلاثةٌ (تجمعنَ للورى) وهي وجه الممدوح، والفتح الذي هلَّ هلالُه، وعيد الفطر، فوجه الخليفة الممدوح يهدي إلى الفتح، والصومُ يهدي إلى عيد الفطرِ، وهكذا تتكثف مفردات العيد، الفطر، الفتح، النصر، المسرات، الأفراح، البشارة لتقضي إلى كُلّية الاستهلال المُحْكم الذي صاغه شاعرٌ قدير أدرك كيف يستهلُ خطابَهُ الشعري في مخاطبة الملوك واستمالة قلوبهم في مثل هذه المواقف والظروف الحَرجة، فهو – إذن – أجدر من يراعي مطابقة الكلام لمقتضى الحال، فضلاً عن إدراكه للبناء الشعري.
وبعد هذا الاستهلال المكّثف ينقل الشاعر – عبره – إلى متن القصيدة الذي تمحور حول مدح الخليفة الحفصي المستنصر، راسماً ما أُحيط به من أجواء مُفعَمة بالأفراح والمسرات على أثر الفتوح المتتابعة وبذل الجهد في حماية ثغور المسلمين وحصونهم.
ولم يتوان الممدوح عن غزو الأعادي بوساطة جيش مكين قد امتلك أسلحة، وهو في سلوكه وجهاده، أشبه شيء بالقادة المسلمين. فلنُصغِ إليه:
سُلالةُ عبد الواحدِ الأَوحد الذَّي |
أبوهُ أَبو حفصٍ وناهِيكَ مِنْ فَخرِ |
|
إمامٌ بجيش الرعب يغزو عُداتَه |
فَلوْ شاءَ لاستَغْنَى عن الجحفل المجرِ |
|
ويسري إلى الأَعداء كالبرق عَزْمه |
إذا لم يكن نجمٌ لهول الدُّجى يسْريِ |
|
ويدْأَبُ في أرضٍ بثابت جيشه |
ثَنى الوعر مثلَ السَّهل والسَّهل كالوعرِ |
|
وبالمنشآت البحرُ كالبرِّ ينثني |
إذا ما غزا والبرُّ بالجيش كالبحرِ |
وعلى هذا الشاكلة يمضي الشاعر مادحاً ثم ينتقلُ إلى كرمه وسماحته قائلاً:
تبارى يَداه في السَّماح، فللمنى |
ولليمن يمناه، ويسراه لليسر |
|
يُبيدُ نفوساً أو يُفِيدُ نفائساً |
بِسَيْبٍ له يَسْرِي وسيفٍ له يفري |
|
غمَامٌ بلا دَجْنٍ وصُبْحٌ بلا دُجى |
وبَذْلٌ بلا نَقْص وبحْرٌ بلا جَزر |
ويمثل هذا البناء الرّصين ومعاني المدح الجاذبة لمتلقيها والهازّة لاريحيته، يمضي الشاعر في متن القصيدة مُسخِّراً بعض الفنون البلاغية في تصرُّف شعري خلّاق فَلْنَسِتَمعْ إليه متأملين هذا التوظيف البديعي الخلّاق:
غمَامٌ بلا دَجْنٍ وصُبْحٌ بلا دُجى |
وبَذْلٌ بلا نَقْص وبحْرٌ بلا جَزر |
|
تلوحُ على أبنائه من صفاته |
سماتٌ كضوءِ الشمس فاضَ على البدرِ |
ثم يعود للترصيع في سياق المعاني المدحية المختلفة:
فقد شملتهمْ للسَّماح شمائلٌ |
أميريةُ الأَعراق حفصيَّة النجر |
|
فَمِنْ آنفٍ شُمٍّ ومن أوْجهٍ زهْر |
ومنْ نِعَمٍ بيضٍ ومن شِيَمٍ غُرِّ |
وتمدّه مرجعيته الدينية الوسيعة بهذا التداخل مع الشخصيات القرآنية، يقول:
فهل آيتا موسى الكليم لديكمُ بما حزتَ من حكم ومن نائل غمر
ثم يؤكد الشاعر على أن ولايته إلهية وإمامتُهُ ربانيّة وقد قضى الله ذلك.
وقد آثرنا أن نعرض الاستهلال عرضاً موجزاً ثم أشرنا إلى معاني المتن وانتقالاته، ولكن وكدنا أن نلحظ ارتباط الاستهلال بخاتمة القصيدة، فلنتأمل خاتمة هذه الرائية التي استهلها مهنِئاً بالعيد والفتح، يقول في خاتمتها:
قضى الله إذ ولاّكَ أمرَ عباده |
بتخْليدِ هذا الأَمر فيكم إلى الحشر |
|
فقد ضمنتْ تمكينَ ما اللهُ مرتضٍ |
من الدِّين باستخلافكم عدة الذكر |
|
إمامَ الهدى دُمْ للديانة والدّنا |
ولا زلتَ محفوفاً بأَنجمِك الزُّهر |
|
ولا بَرَحتْ غُر الفتوح بسَعْدِكُم |
تَوَالى اتِّساقاً مثلَ منْتظمِ الدُّرِّ |
نلحظُ أنّ هذا الاختتام الدعائي الذي ختم به الشاعر رائيته، يحمل في طيّاته العلاقة الوطيدة بينه وبين الاستهلال المنطلق من التهنئة بالعيد، والفتح، والبشائر، فقد تتابعت الجمل الدعائية في هذه الخاتمة المغلقة بالدعاء على شاكلة (إمام الهُدى دُم للديانة والدنا) و (ولا زلتَ محفوفاً بأَنجمِك الزُّهر) و (ولا بَرَحتْ غُر الفتوح بسَعْدِكُم … تَوَالى اتِّساقاً مثلَ منْتظمِ الدُّرِّ)
إنّ تتابعَ هذا الدُّعاء بدوام النصر والفتوح والمسرّات وارتباطه بالاستهلال – الذي وقفنا عنده – لهو دليلٌ على هذه البراعة الفنّية التي إمتاز بها ديوان الشاعر حازم القرطاجنّي وهو ما أردنا أن نتناوله بالعرض والتحليل في هذا البحث الموجز.
خاتمةُ البحث ونتائجُه
عشنا أياماً مع ديوان الشاعر الناقد حازم القَرطاجنّي (ت 684ه) متأملين ما تبقى من شعرِه الذي جمعه الأستاذ عثمان الكعاك، ولاسيّما مدائحهُ التي شكّلت مساحةً في الديوان، بقصد الوقوف على استهلالاته ومدى البراعة التي بلغها هذا الشاعر في تقديمه ابتداءاته تقديماً شعرياً، وأمكننا أن نشير إلى ما توصلنا إليه آملين منه أن يكون فاتحة لآفاق معرفية جديدة حول الشاعر الناقد موضوع البحث ولاسيّما في بناء قصائده المدحية الذي شكل الاستهلال مفصلاً من مفاصلها، لذا نوجز أبرز ما يمكن أن يعدّ من النتائج:
- لم يخالف حازم القرطاجنّي مفهوم الاستهلال الذي سمّاه ابتداءً في منجزه النقدي في كتابه منهاج البلغاء وسراح الأدباء، إذ جاءت استهلالاته ولاسيّما في مدائحه، مصداقاً لما دعا إليه بوصفه ناقداً معتبراً، والأمر نفسه وجدناه منطبقاً على خواتم مدائحه، إذ وردت مطابقةً لمقولاته النقدية التي أوردها عن خواتهم القصائد التي سماها (المقاطع).
- تعدُّ استهلالات مدائحه مطابقة لنقتضى الحال والظروف المحيطة به والواقع الاجتماعي، مع الأخذ بالحُسبان مخاطبة شخصيات المتلقين المباشرين وهم الملوك الحفصيون الذين لجأ إليهم وعاش في بلاطهم، لذا حرص على العناية الفائقة بهذه الاستهلالات في مدائحه وتحرّى الجمال والإبداع ما استطاع إلى ذلك سبيلاً، وقد وّفق – فينا نقدِّر – أيّما توفيق.
- استطاع الشاعرُ – بفضل مقدرته الفنية وموهبته الشعرية – أن يُسخِّرَ استهلالاته المطولة للتعبير عن واقعه الاستثنائي وهيمنة الاغتراب لفقدانه وطنه الأندلس، وتطلعه إلى إعادة فتح بلاده على يد ممدوحيه الحفصيين، فضلاً عن تعبيره عن موضوعه الرئيس المدح وما يتصل به من بواعثه مثل الفتح وإحراز النصر المؤزر على الأعداء والجهاد في سبيل الله، ويستدعيه ذلك إلى هزّ اريحية الممدوح بعرض الخلال النفسية الكبرى مثل الحلم والكرم والشجاعة والندرة.
- لاحظنا أن الشاعر قد اسبغ على ممدوحيه الحفصيين هالةً من العظمة والهيمنة على الأعداء وإنجاز النصر المؤزر، وقد استند الشاعر إلى نظرية الإمامة في خطاباته الإشهارية – عبر استهلالاته – فالممدوح إمام وقد وهب هذا المنصب الإلهي فهو المرتضى المتخيرَّ من الله سبحانه وتعالى، لذا فهو مفترض الطاعة، وقد طوقت هذه الفكر الشاعر ليأتي بمضامين متساوية مع مبدأ الإمامة التي آمن بها الممدوحون، وقد نجح الشاعر في تقديم هذه المضامين تقديماً شعرياً ناجحاً وهذا ما يفسر نيله الحظوة عنده ممدوحيه.
- ارتبطت استهلالاته بوصفها العتبة المهمة للنص الشعري والمنطلق والبداية لدخول لاجواء النص، بالعنوان من جهة، وبالمتن وخاتمة النص من جهة أخرى وهذا ما لوحظ في أثناء تناول النصوص بالعرض والتحليل.
- لاحظنا أنّ خواتيم مدائحه – بأنواعها – تقدِّمُ إيجازاً لما استهلَّ به الشاعر مطولاتِه المدحية، او تمثلّ استنتاجاتٍ أو خلاصة مكانية لما بثه الشاعر عبر استهلالاته ومتونه، وهذا – فيما نقدِّر – يومئ إلى رصانة البناء الشعري ويثرى البنية الإبداعية بما ينمازُ به من قوة توصيل مع دقة الإشارة وسلامة العبارة الشعرية، وكُلّ ذلك حسبناهُ من روافد براعة الاستهلال التي توجهنا لدراستها في ديوان حازم القرطاجنّي الأندَلُسي.
المصادر والمراجع
- القرآن الكريم جلَّ مَنْ أنزلَهُ
- الاستهلالُ فنّ البدايات في النص الأدبي: ياسين النصير، دار نينوى للنشر والتوزيع، سوريا، دمشق، (د.ط)، 2009م.
- الأطلال في الشعر العربي – دراسة جمالية: محمد عبد الواحد حجازي، دار الوفاء لدنيا الطباعة والنشر، الإسكندرية، ط1، 2001م.
- تاريخ النقد الأدبي والبلاغة حتى القرن الرابع الهجري: محمد زغلول سلام، منشأة المعارف بالإسكندرية، 1982م.
- تشكُّلات الاستهلال في القصيدة العربية المعاصرة: صحيفة الجمهورية www.gemeress.com 15/5/2010م.
- ثقافة الأسئلة: د. عبد الله الغذّامي، مقالات في النقد والنظرية، دار سعد الصباح، ط2، 1993م.
- الخطاب – ارسطو طاليس: تحقيق عبد الرحمن بدوي، دار القلم، بيروت – لبنان، (د.ط)، 1979م.
- ديوان حازم القرطاجنّي: تحقيق عثمان الكعّاك – مدير عام دار الكتاب بتونس، نشر وتوزيع دار الثقافة، بيروت – لبنان.
- ديوان ذي الرمة: غيلان بن عقبة العدوي (ت 117ه)، شرح الإمام أبي نصر أحمد بن حاتم الباهلي، تحقيق وتقديم وتعليق: د. عبد القدوس أبو صالح، مؤسسة الإيمان للتوزيع والنشر والطباعة، بيروت، 1402ه – 1982م.
- العمدة في محاسن الشعر وآدابه ونقده: ابن رشيق القيرواني، تحقيق عبد الحميد هنداوي، المكتبة العصرية، بيروت، ط1، 2001م.
- العنوان والاستهلال في مواقف النّفري: عامر جميل شامي الراشدي، دار ومكتبة الحامد للنشر والتوزيع، عمّان – الأردن، ط1، 2012م.
- سيماء العنوان – القوة والدلالة: خالد حسن حسين، (بحث) مجلة جامعة دمشق، المجلد /21، العددان: (3، 4)، 2005م.
- السيموطيقا والعنونة: جميل حمداوي، مجلة عالم الفكر، مج25/ع3، 1977.
- الشعر الحر في العراق حتى سنة 1958: يوسف الصائغ، مطبعة الأديب البغدادية، 1972م.
- لسان العرب: ابن منظور، تحقيق عبد الله علي الكبير وآخرين، دار المعارف، القاهرة، (د.ط)، (د.ت).
- المعجم الوسيط، المكتبة الإسلامية، إسطنبول – تركيا، (د.ط)، (د.ت).
- منهاج البلغاء وسراج الأدباء: حازم القَرطاجنّي، تقديم وتحقيق، محمد الحبيب بن الخوجة، دار الغرب الإسلامي، ط3، 1986م.
- هوية العلامات في العتبات وبناء التأويل، شعيب حليفي، دار الثقافة، (د.ط)، 2005م.
- الوساطة بين المتنبي وخصومه: القاضي عبد العزيز الجرجاني، تحقيق وشرح، محمد أبو الفضل إبراهيم، علي محمد، الناشر عيسى البابي الحلبي، (د.ط)، 1986.
Margins:
- () لسان العرب: ابن منظور: مادة (هلّل): 1/4688، 4689، تحقيق عبد الله علي الكبير وآخرين، دار المعارف، القاهرة، (د.ط)، (د.ت). ↑
- () المعجم الوسيط، مادة (هلّل)، دار النشر المكتبة الإسلامية، إسطنبول/ تركيا، (د.ط)، (د.ت): 992. ↑
- () ديوان ذي الرّمة – غيلان بن عقبة العدوي (117ه): شرح الإمام أبي نصر أحمد حاتم الباهلي، تحقيق وتقديم وتعليق: د. عبد القدوس أبو صالح، مؤسسة الإيمان للتوزيع والنشر والطباعة، بيروت، 1402ه – 1982م: 559. ↑
- () يُنظر: الخطاب: ارسطو: تحقيق: عبد الرحمن بدوي، دار القلم، بيروت، لبنان، (د.ط)، 1979: 103. ↑
- () العمدة في محاسن الشعر وآدابه ونقده، تحقيق عبد الحميد هنداوي، المكتبة العصرية، صيدا، بيروت، ط1، 2001م: 1/195. ↑
- () العمدة في محاسن الشعر وآدابه ونقده: 1/195. ↑
- () مناهج البلغاء وسراج الأدباء: تقديم وتحقيق: محمد الحبيب ابن الخوجة، دار الغرب الإسلامي، ط3، 1986: 309. ↑
- () الشعر والشعراء: 1/74 – 75. ↑
- () المصدر نفسه: 1/75 – 76. ↑
- () الاستهلال فنّ البدايات في الأدب العربي: ياسين النصير: 66 – 67. ↑
- (*) لمزيد من الاطلاع على حياة الشاعر ونشأته وآثاره الأدبية والنقدية يُنظر على سبيل الأمثلة ما يأتي: اختصار القِدح المُعلّى في التاريخ المُحَلّى/ ابن سعيد المغربي (ت 685ه): 20-21، شذرات الذهب في أخبار مَن ذَهَب/ ابن العماد الاصفهاني (ت 808ه): 5/387، بُغية الوعاة/ السيوطي (ت 911ه): 2014، أزهار الرياض في أخبار عياض/ أحمد المقرَّي التلمساني (ت 1041ه): 3/172، كشف الظنون عن أسامي الكتب والفنون/ حاجي خليفة (ت 1067ه): 323-353، وتناول مقصورته الدكتور مهدي علّام، في حوليات كلية الآداب – جامعة عين شمس، 1/1-31، 2/ 1-110، وثمة مصادر أخرى يضيقُ المقام بذكرها في هذه الدراسة الموجزة. ↑
- () تنظر المصادر الآتية: المعجب في تلخيص أخبار المغرب/ المراكشي: 360، الحلّة السيراء، ابن الأبّار القضاعي: 2/308، البيان المغرب في تلخيص أخبار المغرب، ابن عذاري: 26، وغيرها. ↑
- () تنظر مقدّمة تحقيق ديوانه – تحقيق الأستاذ عثمان الكعّاك: ص (ه) واختصار القدح المعلى في التاريخ المحلى، أبو عبد الله محمد بن خليل: 20، وبغية الوعاة، السيوطي: 1204، وغيرها. ↑
- () يُنظر: القدح المُعلّى في التاريخ المُحلّى، ابن سعيد علي بن موسى: 20. ↑
- () منهاج البلغاء وسراج الأدباء، (مقدمة المحقق): ص82، نقلاً عن الغرناطي، رفع الحجب المستورة عن معاني المقصورة، شرح المقصورة الحولية (2): 16، 1953م. ↑
- () الديوان: المقدّمة: الصفحة (و) و (ز). ↑
- () تنظر: مقدّمة التحقيق: ص (ز). ↑
- () تشكيلات الاستهلال في القصيدة العربية المعاصرة، صحيفة الجمهورية www.yemeress.com 15/5/2010، ص9-49. ↑
- () الشعر الحُرّ في العراق حتى سنة 1958م، يوسف الصائغ: 226. ↑
- () يُنظر: العنوان والاستهلال في مواقف النفري، عامر جميل شامي الراشدي: 101. ↑
- () الاستهلال فن البدايات في النص الأدبي: 24. ↑
- () الوساطة بين المتنبي وخصومه، القاضي عبد العزيز بن علي الجرجاني، تحقيق وشرح محمد أبو الفضل إبراهيم، علي محمد، الناشر عيسى البابي الحلبي، (د.ط)، 1986م – 1996م: 48. ↑
- () الاستهلال فن البدايات في النص الأدبي: 26. ↑
- () يُنظرُ: سيماء العنوان – القوة والدلالة، خالد حسن حسين، (بحث) مجلة جامعة دمشق، المجلد: 21، العددان: 3 -4، 2005م: 350. ↑
- () ثقافة الأسئلة، د. عبد الله الغذامي، مقالات في النقد: 48. ↑
- () السيموطيقيا والعنونة، جميل حمداوي: 352. ↑
- () انظر القصيدة في الديوان: 64 – 67. ↑
- () مناهج البلغاء وسراج الأدباء: 304. ↑
- () الديوان: 38 -41. ↑
- () انظر: القصيدة، ديوانه: 43 – 45. ↑
- (*) هنا يشير حازم إلى قول النابغة الذبياني:
رقاق النعال طيب حجراتهم يحيوّن بالريحانِ يوم السباسبِ
ويوم السباسب هو عيد الشعانين الديوان هامش: 43. ↑
- (**) هو من قول النابغة أيضاً:
تحييهم بيض الولائد بينهم وأكسية الإضريح فوق المشاجِبِ
الديوان: 43 هامش 2. ↑
- () تنظر: العمدة: 1/239، ويُنظر: الطراز: 3/183. ↑
- () منهاج البلغاء وسراج الأدباء: 285. ↑
- () المصدر نفسه: 303. ↑
- () انظر: القصيدة في ديوانه: 51 – 54. ↑
- () زبطرة: مدينة في طرف بلاد الروم، استولى عليها الروم من يد العرب، وسبيت فيها امرأة عربية وصاحت: وا معتصماه! فجهز المعتصم جيشاً لفتح عمورية، وإلى ذلك إشار أبو تمام:
لبيت صوت زبطريا هرقت له كأس الكرى ورضاب الخرد العرب
ديوان حازم: هامش صفحة: 52. ↑
-
() انظر القصيدة في الديوان: 55 – 57. ↑