الحلول الدولية لمكافحة تعدد الجنسية

تحسين مالك حميد غالبي1

1 الجامعة الإسلامية في لبنان، كلية الحقوق والعلوم السياسية، قسم القانون الخاص

اشراف الأستاذة الدكتورة: أودين سلوم

HNSJ, 2024, 5(6); https://doi.org/10.53796/hnsj56/35

Download

تاريخ النشر: 01/06/2024م تاريخ القبول: 15/05/2024م

المستخلص

هدف هذا البحث الى دراسة الحلول التي قدمت لمعالجة ظاهرة تعدد الجنسيات على المستوى الدولي. اتبع البحث المنهج التحليلي . توصل البحث الى عدة نتائج أهمها أن أهم مشكلة تواجه الفقه والقضاء بالنسبة إلى ازدواج الجنسية هي مشكلة تحديد القانون الواجب التطبيق علي العلاقة القانونية المشوبة بعنصر أجنبي فيما اصطلح له بتنازع القوانين. كما توصل البحث الى أن تشريعات الدول لم تصل بعد إلى القضاء علي ظاهرة ازدواج الجنسية وواقع الحال ينطق بوجود هذه الظاهرة وقد تصدي لها الفقه والقضاء الدولي والداخلي لمعالجة المشاكل الناجمة عنه. خرج البحث بعدة توصيات أهمها ضرورة محاربة ظاهرة ازدواج الجنسية بكل السبل، إما بالتنسيق والتعاون بين الدول بصورة مجتمعة أو بالوسائل الدولية المختلفة من مؤتمرات دولية ودبلوماسية أو باتفاقات وجهود علمية عالمية، أو بالوسائل الوطنية وذلك بما تبذله كل دولة وبصورة منفردة وفي تشريعاتها الداخلية لتفدي ظاهرة ازدواج الجنسية. كذلك أوصى البحث بضرورة تعليق اكتساب الشخص الذي يقدم طلبا لاكتساب الجنسية على تخليه عن أي جنسية أخرى يحملها، وإعطاء الحق لمتعدد الجنسية باختيار احدى الجنسيات التي يتمتع بها عند بلوغه سن الرشد، والتخلي عن الجنسيات الأخرى.

الكلمات المفتاحية: الحلول الدولية، تعدد الجنسية.

Research title

International solutions to combat multinationality

Tahseen Malik Hameed Ghalibi1

1 The Islamic University of Lebanon, Faculty of Law and Political Science, Department of Private Law

HNSJ, 2024, 5(6); https://doi.org/10.53796/hnsj56/35

Published at 01/06/2024 Accepted at 15/05/2024

Abstract

The aim of this research is to study the solutions that have been presented to address the phenomenon of multinationalism at the international level. The research followed the analytical method. The research reached several results, the most important of which is that the most important problem facing jurisprudence and the judiciary with regard to dual nationality is the problem of determining the law applicable to the legal relationship tainted by a foreign element in what is termed conflict of laws. The research also concluded that the legislation of countries has not yet achieved the elimination of the phenomenon of dual nationality, and the reality of the situation indicates the existence of this phenomenon, and international and domestic jurisprudence and jurisprudence have addressed it to address the problems resulting from it. The research came out with several recommendations, the most important of which is the necessity of combating the phenomenon of dual citizenship by all means, either through coordination and cooperation between countries collectively, or through various international means, such as international and diplomatic conferences, or through global scientific agreements and efforts, or through national means, through what each country makes individually and in its internal legislation to avoid the phenomenon of dual citizenship. Nationality. The research also recommended that the acquisition of citizenship by a person who submits an application should be conditional on his renunciation of any other nationality he holds, and that a person with multiple nationalities should be given the right to choose one of the nationalities he enjoys when he reaches the age of majority, and to renounce other nationalities.

Key Words: International solutions, multinationality.

المقدمة:

تعتبر الجنسية الوسيلة التي تتمكن الدول بها من تحديد الأفراد المكونين لعنصر الشعب فيها، وأحد السبل الذي تلجأ إليه المحاكم باستخدام الجنسية ظرف اسناد لتعيين القانون الواجب التطبيق في النزاع المشوب بعنصر أجنبي فالفرد بلا جنسية يكون عرضة لمشاكل لا حصر لها حيث لا تقبل أي دولة أن يقيم فيها إلاّ لفترات محدودة وضمن قيود معينة، فضلاً عن انعدام الحماية القانونية والسياسية له أينما كان فهو اجنبي عن الدول أينما حل، فالدولة بدون عنصر الشعب لاتعد دولة لذا تسعى الدول لكل ما من شأنه أن يحدد عنصر الشعب فيها لتتمكن من ضبط اعداد حاملي جنسيتها والوفاء بما يترتب على هذه الجنسية من التزامات تجاه الوطنيين وبسط سيادتها عليهم. ([1])

فالجنسية ما هي إلاّ رابطة قانونية وسياسية بين الفرد والدولة وعلى الرغم من أهميتها لم تعد الجنسية تلك الرابطة الأبدية بين الفرد والدولة فقد أصبح من الممكن انهاء هذه الرابطة من جانب الفرد وفقاً لإرادته وهذا ما اعترف به الإعلان العالمي لحقوق الانسان في المادة الخامسة عشرة منه عندما نص غلى انه: “لا يجوز حرمان الفرد من الحق في تغيير جنسيته” ومع تهدم مبدأ الولاء الدائم شرعت كل دولة في تنظيم شروط اكتساب الأفراد لجنسيتها بشكل لاحق وذلك بتلاقي إرادة الفرد وإرادة الدولة فلا تكفي إرادة الفرد وحدها في اكتساب الجنسية بل لابد أن تقترن بإرادة الدولة. ([2])

وازدواج الجنسية يعني تعددها ويطلق عليه أيضاً تنازع الجنسيات الايجابي؛ وهو أن يكون للشخص أكثر من جنسية؛ أي أن يكون وطنياً في أكثر من دولة واحدة وهذا يتم نتيجة لتعدد الدول وعدم وجود تنسيق شامل فيما بين تشريعاتها حول طرق اكتساب الجنسية وفقدها، مما يؤدي إلى ظهور حالة ازدواج الجنسية وقت الميلاد أو في وقت لاحق له.

فتعدد الجنسية هو ثبوت جنسيتان أو أكثر للفرد الواحد في ذات الوقت وفقاً لقوانين الجنسية السارية في دولتين أو أكثر متمتعاً بجنسيات تلك الدول جميعها في وقت واحد وغالبا ما يكون التعدد ثنائياً وهو ما يعبر عنه بازدواج الجنسية ومع ذلك يمكن ان يتمتع الشخص في وقت واحد بثلاث جنسيات او اكثر وهذا دون ادنى شك يتنافى مع الفكرة الاجتماعية في الجنسية التي تقتضي اندماج الفرد في الجماعة الوطنية للدولة إذ لا يمكن لنا ان نتصور اندماج الفرد في الجماعة الوطنية لأكثر من دولة واحدة في وقت واحد مهما حشدت له من المغريات والمزايا . غير ان التساؤل الابرز في هذا المجال هو ماهي الاسباب التي تؤدي الى ازدواج وتعدد الجنسية

ويطلق على ازدواج الجنسية، تنازع الجنسيات الايجابي، كما يوجد بينه وبين مصطلح تنازع القوانين علاقة وثيقة، فالأسس التي تبنى عليها قواعد الجنسية من حيث فرضها واكتسابها هي أسس مختلفة، وكل دولة تأخذ من هذه الأسس ما يتفق وظروفها ومصالحها، منها ما تأخذ بحق الدم ومنها ما تأخذ بحق الإقليم وأخرى تأخذ بهما معا، كما أن بعضها يأخذ بمبدأ التبعية العائلية وبعضها الآخر لا يأخذ به، إذن تظهر حالة ازدواج الجنسية نتيجة لاختلاف السياسات التشريعية في مادة الجنسية للدول المختلفة . فلقد حاول المشرع في تشريعات معظم الدول وفي عدة مواقف وضع النصوص الكفيلة بالقضاء أو التقليل من وجود أشخاص يتمتعون بجنسية أخرى إلى جانب جنسية حق الدم وجنسية حق الإقليم والجنسية اللاحقة للميلاد أو المعاصرة له. ([3])

وتكون محاربة ظاهرة ازدواج الجنسية إما بالتنسيق والتعاون بين الدول وبالوسائل الدولية المختلفة من مؤتمرات واتفاقات وجهود علمية عالمية ،أو بالوسائل الوطنية وذلك بما تبذله كل دولة وبصورة منفردة في تشريعاتها الداخلية لتفادي ظاهرة ازدواج الجنسية .

من المتصور القول أنه في الإمكان القضاء على ظاهرة ازدواج الجنسية باتفاق كل الدول على توحيد تشريعات الجنسية في كل تفاصيلها أو على الأقل الاتفاق فيما بينها على بعض الأحكام التي من شأنها إزالة ازدواج الجنسية في الحالات التي يتم الاتفاق عليها، ولكن من الصعوبة بمكان، بل هو ضرب من الخيال أن تصل كافة الدول الي توحيد القوانين الوضعية الخاصة بالجنسية بحيث تتبنى جميعها تشريعات تفصيلية واحدة لثبوت الجنسية الاصلية والمكتسبة ، وأن تأخذ جميعها بقواعد واحدة في تغيير الجنسية وإزالتها ، لأن اتفاقا كهذا يتعارض مع حرية الدول في تبني أحكام تتفق مع ظروفها ومصالحها المتعارضة والمتضاربة في كثير من الأحيان مع مصالح دول أخرى.

ومع ذلك فمن الممكن أن تتفق دول تجمع بينها وحدة الظروف والمصالح على توحيد أسس الجنسية دون تفاصيلها ، كأن تتفق دولتان أو أكثر على تأسيس الجنسية على حق الدم وحده أو على حق الإقليم . فالمولود من أبناء دولة على إقليم دولة أخرى لا تثبت في الحالة هذه إلا جنسية واحدة أساسها إما حق الدم أو حق الإقليم حسبما تقرره الاتفاقية وكذلك لو اتفقت الدول فيما بينها علي تعليق كسب المرأة المتزوجة من أجنبي لجنسية زوجها علي فقدها لجنسيتها الأصلية . أن اتفاقات كهذه قد تؤدي الى تفادي ازدواج الجنسية في نطاق محدود ولكنها لاتعدمها بالمرة .

وهكذا يظهر أنه بالرغم من اتحاد أسس كسب الجنسية في هاتين الدولتين فأنه من المتعذر تلافي حالات ازدواج الجنسية وبصورة تامة عن طريق توحيد أسس الجنسية وحدها دون الاتفاق علي تفاصيلها اتفاقاً تاماً ، وعلى كل حال إذا كان التنسيق بين الدول لا يقضي تماماً علي ظاهرة ازدواج الجنسية ، فإن من المسلم به أن يكون لهذا التنسيق فوائد ملموسة في اتقاء ظاهرة ازدواج الجنسية ، وللتنسيق لمحاربة ازدواج الجنسية قامت جهود علمية بدراسات وعقدت مؤتمرات واتفاقات دولية كثيرة.

إشكالية البحث:

ما هي الحلول التي قدمت لمعالجة ظاهرة تعدد الجنسيات على المستوى الدولي؟

أهمية البحث:

تبرز أهمية هذه الدراسة من الإشكاليات الكبيرة التي تثيرها ظاهرة تعدد الجنسيات على المستوى الدولي والشخصي للأفراد من خلال تعدد التزاماتهم وتعدد القوانين التي يمكن أن يخضعوا لها، فكان من الأهمية بمكان من خلال الوقوف على الحلول الدولية لهذه الظاهرة.

منهج البحث: نتبع في هذا البحث المنهج التحليلي من خلال تحليل نصوص الاتفاقيات الدولية والاحكام القضائية للوصل إلى بيان الحلول الدولية في مكافحة تعدد الجنسية.

تقسيم البحث:

المطلب الأول: الاتفاقيات الدولية

الفرع الاول: الاتفاقيات الاقليمية التي تناولت حل مشكلة تعدد الجنسية

الفرع الثاني: الاتفاقيات الدولية التي تناولت حل مشكلة تعدد الجنسية

المطلب الثاني: القضاء الدولي

الفرع الأول: القضاء الدولي المختص بمنازعات الجنسية

الفرع الثاني: موقف القضاء الدولي من حل إشكالية تعدد الجنسيات

المطلب الأول

الاتفاقيات الدولية

اظهر تطور العالقات بين الأفراد الحاجة الى قواعد قانونية منظمة للمصالح ،ومانعة للنزاعات بينهم . وقد بدت تلك القواعد في مراحلها الأولى عرفية ، وانتهت فيما بعد ليكون للتشريع فيها الدور المميز، وكذلك الحال في العالقات بين الدول فقد فرضت هي الأخرى الاتفاق على قو اعد منظمة للسلوك الدولي . ولما كانت العالقات الدولية في مراحلها الأولى تتسم بالبساطة ، فقد كانت القواعد التي تعارفت على اتباعها الدول محدودة هي الأخرى. حتى اذا ما اتسعت مساحة العالقات الدولية وتنوعت موضوعاتها، فقد بدت الحاجة ملحة لتنظيمها، فعقدت لهذا الغرض الاتفاقيات التي كانت في بدايتها اقليمية النطاق، ثم اتسعت لتكون عالمية النطاق.

ولقد كان لنتائج لظاهرتي الصراع والتنافس بين الدول وما زال اثره في الدفع نحو اخضاع السلوك الدولي الى قواعد قانونية منظمة. بتعبير ادق ان التنافس و الصراع و آثارهما التي تمثلت في كثير من الاحيان بالحروب قد عمقت الإدراك لدى الدول بضرورة واهمية التعاون اعتماداً وتأسيساً على قواعد متفق عليها ، فتصاعد الجهد الدولي بهذا الشأن ، اذ يعكس كم الاتفاقيات الدولية التي عقدتها الدول فيما بينها هذا الاهتمام . ومن هنا نستطيع القول ان القانون الدولي انما هو في الواقع قانون اتفاقي . ومن هنا ايضاً اعتبرت الاتفاقيات الدولية المصدر الأساسي للقانون الدولي.

ومن جانب اخر فان التقدم العلمي والتكنولوجي والتفني وتنامي القضايا التي ينشغل بها العالم المعاصر . و ما تتطلبه ضرورة مواجهة التحديات التي تواجه المجتمع الإنساني ، التي تفوق مقتضيات معالجتها امكانية دولة او أكثر ، اوجب تحشيد امكانات الكثير من الدول . وكل هذا يفرض ان تتعاون الأسرة الدولية فيما بينها لهذا الغرض وليس غير الاتفاقيات الدولية ، من سبيل لهذا التعاون وتنظيمه. وربما تطلب الأمر مأسسة هذا التعاون من خلال انشاء منظمات متخصصة تكون مر اكز منظمة لعملية التعاون تلك.

وصفوة القول ان تشعب وتعقيد العالقات الدولية ، بات يفرض التعاون والتنسيق بين الدول لتجنب النزاعات. فاتجهت للوصول الى هذه الغاية نحو ابرام معاهدات ثنائية، أو اقليمية ، أو عالمية النطاق، وعلى مستوى مسألة تعدد الجنسيات فهناك العديد من الاتفاقيات الدولية التي حاولت معالجة الآثار السيئة المترتبة على هذه الظاهرة، ولاسيما الالتزام بالخدمة العسكرية مثال ذلك اتفاقية لاهاي لعام 1930 وكذلك اتفاقيات الثنائية الحاصلة بين الدول مثل اتفاقية سويسرا وفرنسا.

ويُعدّ التنازع فيما يخص الجنسية مشكلة قانونية تعاني منها العديد من الدول، وقد تم استحداث الاتفاقيات الدولية كحل لهذه المسألة. وتهدف هذه الاتفاقيات إلى إظهار القانون المُطبَّق في المسألة المُتعلقة بالجنسية في حالة التعدد، كما تساعد في إيجاد حلول لحالات التنازع فيما بين دولتين. والأمم المتحدة هي أيضًا جهة مهمة في وضع اتفاقيات الجنسية للأفراد الذين يسكنون في دولاً يطبِّق فيها القانون الدولي. تتضمن الاتفاقيات الدولية في هذا المجال اتفاقية 1961 الخاصة بتقنين وضع المزيد من القواعد بشأن حصول الأفراد على الجنسية، ومعاهدة 1997 الخاصة بتجنب حالات التعدد، بالإضافة إلى اتفاقية 1989 التي تنص على أنّ الأفراد غير المتعددين بالجنسية والمُقيمين في أيّ من دول الاتحاد الأوروبي يتمتّعون بحقوق مماثلة لحقوق المواطنين الأوروبيين. وبخلاف ذلك، تُعدّ الاتفاقيات الدولية شأنًا كبيرًا بالنسبة للدول المُتعدِّدة الجنسيات؛ حيث تسهم هذه الاتفاقيات في تفسير القوانين بشكل جيد وواضح وصريح. ويتوقع أن يظل هذا الموضوع هامًا في عالم القانون الدولي المُتنامي، وستظل بحوزة الأمم المتحدة مسؤوليتها الكبيرة في التأكد من الانسجام بين القوانين الدولية والقوانين الداخلية للدول.

وبالتالي نتناول هذا المطلب من خلال فرعين، نتحدث في الأول عن الاتفاقيات الاقليمية التي تناولت حل مشكلة تعدد الجنسيات، وفي الثاني نتحدث عن الاتفاقيات الدولية.

الفرع الاول

الاتفاقيات الاقليمية التي تناولت حل مشكلة تعدد الجنسية

هنالك عدة اتفاقيات دولية علي المستوي الإقليمي كان الهدف منها تفادي حالات ازدواج الجنسية ومكافحتها والحد منها وتقليل أخطارها ومنها:

أولاً: اتفاقية مونتفيدو عام 1933

وهي معاهدة تم توقيعها في مونتفيديو، أوروغواي، في 26 ديسمبر 1933، خلال المؤتمر الدولي السابع للدول الأمريكية. تقنن الاتفاقية النظرية التصريحية للدولة باعتبارها مقبولة كجزء من القانون الدولي العرفي، ودخلت الاتفاقية حيّز التنفيذ في 26 ديسمبر 1934.

وقد أبرمت فيها دول أمريكا الجنوبية اتفاقاً خاصاً بالجنسية عالجت بشكل واضح مسألة ازدواج الجنسية وخاصة اللاحق منها للميلاد والمتولد عن التجنس والضم والانفصال ، فقضت الاتفاقية بأن تجنس الفرد بجنسية احدى الدول المتعاقدة يترتب عليه فقد جنسيته الأصلية، وقضت الاتفاقية فيما يتعلق بالضم أن تحتفظ لسكان الدولة المضمومة بجنسيتهم ولا يدخلون في جنسية الدولة الضامة إلا إذا قرروا هم صراحة تغيير جنسيتهم الأصلية ، ومثل هذا القيد يحول حتما دون ازدواج الجنسية فيهم .

ثانياً: اتفاقية المجلس الأوروبي 1963

وضعت هذه الاتفاقية جملة من الأحكام من شانها أن تتحول من ظاهرة التعدد منها أن من يكسب جنسية جديدة بمحض إرادته يفقد جنسيته القديمة، وكذلك أنه من حق من يحمل جنسيتين أو أكثر أن يتنازل عن جنسية أو أكثر، متى كان قانون الدولة المتنازل عن جنسيتها يسمح بذلك. ([4])

ثالثاً: اتفاقيات جامعة الدول العربية

على مستوى جامعة الدول العربية فنجد أن جامعة الدول العربية بذلت جهود تهدف الي القضاء علي حالات انعدام الجنسية وازدواجها، وقد أثمرت هذه الجهود عن إقرار مجلس الجامعة لاتفاقيتين الأولي : اتفاقية عام 1952م بشأن جنسية أبناء الدول العربية المقيمين في بلاد غير التي ينتمون إليها بأصلهم . والثانية : اتفاقية الجنسية عام 1954م .نوجزهما كالآتي:

  1. اتفاقية جامعة الدول العربية 1952

انعقدت هذه الاتفاقية بين دول الجامعة العربية عام 1952م وصادقت عليها السعودية 1954م ، مصر 1954م ، الأردن 1955م والعراق 1956م ، متضمنة أحكاما تنهي حالات انعدام وازدواج الجنسية المتأتية من انتقال السلطة من الدولة العثمانية إلي الدول المنسلخة عنها ونشوء الجنسيات الجديدة حسبما تقره معاهدة لوزان النافذة عام 1924م في المادة (30)التي اعترفت تركيا بها ( بأن الرعايا الأتراك المقيمين عادة في أرض منسلخة عن تركيا بموجب أحكام هذه المعاهدة يصبحون من رعايا الدولة التي تنقل إليها تلك الأرض وفق الشروط التي يضعها قانونها المحلي ). وبذلك نقلت الجنسية العثمانية إلى جنسيات الدول الناشئة اثر تبدل السيادة . واعتمدت قوانين هذه الدول في تحديد الأصول الذي يتكون منهم شعب الدولة على التمتع بالعثمانية والسكن ، و أصبح كل عثماني قاطن في الإقليم المنفصل خلال فترة حددها قانون كل دولة تزول عنه الجنسية العثمانية ويحصل علي الجنسية الجديدة . ([5])

وقد عالجت جامعة الدول العربية من خلال هذه الاتفاقية مسألة الجنسية من جوانب متعددة ومنها محاربة ظاهرة ازدواج أو تعدد جنسية الأشخاص التابعين للدول العربية وهذا ما جاء في المادة الأولى من هذه الاتفاقية. حيث جاء فيها :

” كل شــخص ينتمــي بأصــله إلــى إحــدى دول الجامعــة العربية ولم يكتسب جنسـية معينـة ولـم يتقـدم لاختيار جنسـية بلـده الأصلي بموجـب المعاهـدات والقـوانين يعتبـر من رعايا بلده الأصلي”

ويترتب على هذه القاعدة المعمول بها وفقا لهذه الاتفاقية فإن ازدواج أو تعدد جنسية الشخص سوف تحارب قبل وقوعها وذلك نتيجة المعاهدات والاتفاقيات الدولية على هذا النحو المشار إليه من دول جامعة الدول العربية. ([6])

وهكذا وعلي هذه الصورة سارت تشريعات الدول العربية الناشئة في تنظيم جنسية التأسيس وكل ما اختلفت فيه هو التوقيت من حيث ابتداء الإقامة الصالحة ومدتها . وقد وجد نتيجة لهذا الاختلاف أن بعض الأشخاص ينتمون بأصلهم إلى بلد عربي ولم يحصلوا علي جنسية بسبب عدم اكتمال شرط الإقامة فيهم لوجودهم في بلد عربي غير البلد الذي ينتمون إليه بأصلهم ولكنهم في الوقت ذاته لم يكمل فيهم شرط الإقامة أيضا للبلد الذي وجدوا فيه فيكون والحالة هذه عديم الجنسية ، لذا جاءت هذه الاتفاقية لمعالجة حالة أمثاله إذ قضت المادة الأولى من اتفاقية 1952م بأن ( كل شخص ينتمي بأصله إلى احدي دول الجامعة ولم يكتسب جنسية معينة ولم يتقدم لاختيار جنسية بلده الأصلي في المحل المحدد بموجب المعاهدات والقوانين يعتبر من رعايا بلده الأصلي ، فإذا كسب جنسية البلد الذي يقيم فيه سقطت عنه جنسية بلده الأصلي ) .لقد أرادت الاتفاقية إنقاذهم من حالة انعدام الجنسية بإدخالهم في جنسية بلدهم الأصلي ، غير أنها اشترطت لإدراك ذلك عدم اكتساب جنسية دولة أخري . وتكون بهذا الشرط قد عملت الاتفاقية علي تجنب ظهور ازدواج الجنسية.([7])

  1. اتفاقية جامعة الدول العربية 1954

أقر مجلس جامعة الدول العربية في 5/2/1954 اتفاقية الجنسية والتي ضمت كل من الأردن ومصر والعراق وسوريا ولبنان والسعودية ومصر واليمن، والتي تصدت بشكل مباشر لمسألة تعدد الجنسيات، حيث نصت في المادة 6 منها على أن:

“لا يقبل تجنس أحد رعايا دول الجامعة العربية بجنسية دولة أخرى من دول الجامعة إلا بموافقة حكومته وتزول عنه جنسيته السابقة بعد اكتسابه الجنسية الجديدة”

وجاء في المادة 7 منها على أن:

“لكل عربي ولد في غير بلده من بلاد دول الجامعة العربية حق اختيار جنسية البلد الذي ولد فيه خلال السنة الاولى من تاريخ اتمامه الثامنة عشرة الميلادية متى وافقت على ذلك حكومتا البلدين وتسقط عنه في حالة اكتسابه هذه الجنسية جنسيته السابقة”

كما نصت المادة 8 على أن:

“لكل من له اكثر من جنسية من جنسيات دول الجامعة العربية الحق في اختيار احداهما خلال سنتين من تاريخ نفاذ هذه الاتفاقية فاذا انقضت السنتان دون وقوع هذا الاختيار فيعتبر انه اختار الجنسية الاحدث تاريخاً واذا اتخذ تاريخ اكتسابه اكثر من جنسية فيعتبر مختاراً لجنسية البلد المقيم فيه عادة وتسقط عنه حينئذ ما عداها من جنسيات” .

وقد تأثرت بها تشريعات بعض الدول العربية وأهم ما جاء فيها من قرارات والتي أريد بها محاربة ظاهرة ازدواج الجنسية وانعدامها الآتي :

  1. الوسائل الداخلية :

إن الوسائل الداخلية لتلافي ازدواج الجنسية المعاصر للميلاد واللاحق له يتحقق بأن يقوم مشرع كل دولة بإتباع الوسائل القانونية الآتية :

  • تيسير الاختيار

قد تثبت للمرء جنسيتان بالولادة بناء علي حق الدم وحق الإقليم وقد يحصل بعد ولادته علي جنسية جديدة بسبب الزواج أو تبدل السيادة فلمنع هذا الوضع وللتخلص من الازدواج تمنح قوانين بعض الدول للشخص متعدد الجنسيات حق اختيار أحداهن .

  • فقد الجنسية بمجرد الدخول في جنسية جديدة

وهذا ما اعتمدته تشريعات كثيرة في الانتقال من جنسية إلى أخرى بتبدل السيادة والتجنس والزواج . ففي تبدل السيادة تعطي التشريعات لأهالي الإقليم المنفصل حق تقرير الدخول في الجنسية الجديدة أو العودة إلى الجنسية القديمة ، فالذين فرضت عليهم الجنسيات نتيجة تبدل السيادة وانتقالها من الدولة العثمانية إلى الدول المنفصلة عنها حق التخلي عن الجنسية المفروضة عليهم واختيار الجنسية التركية أو جنسية البلد الذي ينتمون إليه أصلا ، ومتى مارسوا حق الاختيار وتوفرت فيهم شروطه فأن هذه القوانين تزيل عنهم جنسية التأسيس المفروضة عليهم ، وبهذا تحاشت هذه التشريعات ظهور ازدواج الجنسية . وذات الحكم ممكن اتباعه في كل من التجنس والزواج . وفي الزواج تقرر كثير من التشريعات فقد المتزوجة من أجنبي جنسيتها بمجرد دخولها في جنسية الزوج من ذلك القانون الكويتي والقانون السوري والقانون العراقي.([8])

  • تعليق اكتساب الجنسية بناء علي حق الإقليم علي عدم إسعاف حق الدم في الحصول علي جنسية من الجنسيات:

فاللقيط الذي يعثر عليه في إقليم دولة من الدول وكذلك المولود فيه من أبوين مجهولين تثبت له جنسية البلد الذي يعثر عليه فيه أو البلد الذي يولد فيه لتعذر حصوله علي جنسية الأب أو الأم وهذا ما قررته كثير من التشريعات العربية . ([9])

وما نود أن نوضحه أن مثل هذه الاتفاقيات من شأنها أن تتوصل إلى معالجة تنازع الجنسيات بصورة أيسر وأسرع ومثلها علي سبيل المثال فرض جنسية الأب وعدم فرض جنسية الدولة المولود علي إقليمها يحول دون ازدواج جنسية هؤلاء الأولاد . ومثله ارتباط بلجيكا عام 1949ممع فرنسا باتفاقية تخص الخدمة العسكرية لمن يحمل الجنسيتان الفرنسية والبلجيكية حيث التزمت كل من الدولتين بالاعتراف بالخدمة العسكرية التي يؤديها مزدوج الجنسيتين في أي من الدولتين واعتبرتاها خدمة مجزية في الدولة الأخرى .

الفرع الثاني

الاتفاقيات الدولية التي تناولت حل مشكلة تعدد الجنسية

من أبرز الاتفاقيات الدولية هي اتفاقية لاهاي لعام 1930 والتي ابرمت تحت إشراف جمعية عصبة الأمم المتحدة كمحاولة دولية لضمان حصول جميع الأشخاص على جنسية، والتي أعطت الحق للدول في تنظيم الجنسية والحد من ما يمسى زاهرة انعدام وتعدد الجنسيات، مع مراعاتها للاتفاقيات والعرف الدولي ومبادئ القانون العام.

حيث أقرت أربعة وثائق تتعلق بالجنسية ، الوثيقة الأولى عن الاتفاق بشأن التنازع في الجنسية ، والوثيقة الثانية بروتوكول بشأن التزامات الخدمة العسكرية في بعض حالات ازدواج الجنسية ، والوثيقة الثالثة بروتوكول خاص بحالة من حالات انعدام الجنسية ، بينما الوثيقة الرابعة خاص بانعدام الجنسية علي العموم . واتفاقية لاهاي هذه أقرت ضمنا بقاء حالة تنازع الجنسيات لأنها ليست إلا نتيجة حتمية لحرية الدول في تنظيم الجنسية ، لكنها أدخلت بعض المسائل بغية الإقلال أو معالجة أثارها ، منها القاعدة الخاصة بالأفراد الذين لهم جنسيات بالولادة ، فقضت اتفاقية لاهاي بأن بمقدورهم التنازل عن إحداهن بموافقة الدولة التي يتخلون عن جنسيتها ، كذلك قررت هذه الاتفاقية أن قضاء الدولة الثالثة التي لم تكن جنسيتها إحدى الجنسيات المتعددة أن يعطي التفضيل إلى الجنسية التي يكون الفرد أكثر ارتباطا فيها وهي التي تطابق محل إقامته ، أيضا أقرت الاتفاقية فيما يخص الخدمة العسكرية قاعدة إلزام الشخص المتعدد الجنسيات بأداء الخدمة للدولة التي يرتبط بجنسيتها حقيقة وفعلا([10])

ومن غير المشكوك فيه أن المعاهدات أو الاتفاقيات تقيد أطرافها وتلتزم بها سنداً لقاعدة احترام الدول للعهود، وأن الملتزم أسير التزامه([11])

وبالتالي فإن جميع الاتفاقيات والمعاهدات التي تدخلها الدولة في مجال الجنسية تكون لها قوة القانون، ويتضح لنا أن مشرعي الدول لم يألوا جهدا في وضع النصوص التشريعية التي من شأنها إما إنهاء حالة ازدواج الجنسية أو تفادي ظهورها ومع ما أحرزته الجهود العلمية والاتفاقات الدولية والنصوص الوطنية للدول المختلفة من تقدم ملحوظ في مكافحة ظاهرة ازدواج الجنسية إلا أن حرية الدولة في سن القواعد الخاصة بجنسيتها حال ويحول دون منع ظهور ازدواج الجنسية ، فهي لازالت قائمة ، ولا بد من إقرار واقع الحال ومن الاعتراف بوجودها والتوجه نحو إيجاد السبل الكفيلة بتذليل الصعوبات القانونية المترتبة علي وجودها وفيما يلي معالجتها .

المطلب الثاني

القضاء الدولي

تعد مسألة تنازع الجنسيات ظاهرة قانونية معقدة ومحيرة في القانون الدولي الخاص. وقد اهتم القضاء الدولي بالنظر في هذه القضية بطريقة شاملة ودقيقة، حيث اعتبرها من أهم المسائل القانونية التي تستوجب البحث والتحليل. وفي هذا الصدد، فإن موقف القضاء الدولي بخصوص تنازع الجنسيات كان بالتحديد مستندًا إلى القواعد والأحكام الموجودة في الأعراف الدولية والمعاهدات الدولية التي قامت بتنظيم هذه المسألة، والتي تهدف جميعها بشكل أساسي إلى حماية حقوق الأفراد الذين يتأثرون بظاهرة تنازع الجنسيات. ومن ضمن أهم هذه الأحكام والقواعد هي حق الفرد في الحصول على جنسية والحفاظ على جنسيته، بالإضافة إلى السعي إلى حل النزاعات الناجمة عن تنازع الجنسيات بطريقة إيجابية وسلمية، وعدم سماح بفقدان الجنسية إلا بعد النظر في مصلحة الفرد المعني به. وبالتالي، فإن موقف القضاء الدولي من تنازع الجنسيات يعكس الرغبة في توفير حماية قانونية فعالة للأفراد وتوفير الشفافية والعدالة في إدارة هذه الظاهرة المعقدة.

الفرع الأول

القضاء الدولي المختص بمنازعات الجنسية

إنّ معنى كلمة القضاء هو الحكم أو تطبيق القانون، أو الحق والفصل بين المتخاصمين من الناس أو الجماعات، وعندما نقول قضاء دوليّ هو الحكم أو تحكيم القانون بين المتخاصمين على مستوى العالم بواسطة طرف دوليّ مستقل أو هيئات قانونيّة مُحايدة تعتمد في حكمها على قانون دوليّ تعترف به معظم دول العالم، ويلتزم به أصحاب السيادة والقرار أينما كانوا، ويحتكمون إليه حال وجود مشكلة مع بلدٍ آخر مثلاً، كما يختص بحالات اغتيال وقتل الشخصيات العامّة العالمية، ولا سيّما قادة الدول والسياسيين، وقضايا عالمية أُخرى كانتهاك حقوق الإنسان في الدولة المُحتلّة، أو مخالفة الاتفاقيات العالمية المُنبثقة عنها، والموقعة مِن قِبل الأطراف الدوليّة الكبرى ومعظم دول العالم وكياناته المستقلّة.

وهناك العديد من الهئيات التي تمثل القانون الدوليّ، ومعظمها يجتمع تحت لواء الأمم المتّحدة، وتعمل هذه على تطبيق القانون وفض النزاعات والبت فيها حول العالم، ونذكر بعضها فيما يلي: My Player placeholder My Player placeholder

  • مجلس الأمن الدوليّ إنّ المسؤولية المُلقاة على كاهله هي حفظ السلم والأمن الدوليّين، ويتكون من خمس عشرة عضواً خمسة منهم دائمون، والعشرة الآخرين غير دائمين، ويتمتع كل عضو بصوت واحد خلال عملية التصويت على قضايا دوليّة كالاعتراف بالدول، أو تنفيذ عقوبة بحق بلدٍ أو نظام سياسي ما؛ بسبب تهديده للسلم العالمي وإلحقاق الضرر بأمن الإنسان وحقوقه، وتكون قراراته مُلزمة لجميع الأعضاء، ويتولّى رئاسته جميع أعضائه بالتناوب لمدّة شهر واحد.
  • مجلس حقوق الإنسان هو هيئة حكومية دوليّة تابعة للأمم المتّحدة، ويتألف من سبعةٍ وأربعين دولة عضواً في الأمم المتّحدة، ويُعنى هذا المجلس بحماية حقوق الإنسان في كل أنحاء العالم، ويبحث الحالات التي يتم من خلالها انتهاك حقوق الإنسان، ويُقدم التوصيات بشأنها على مدار العام، ويعقد اجتماعاته في مكتب الأمم المتّحدة في مدينة جنيف السويسريّة.

وما يهمنا من هذه الهيئات هو محكمة العدل الدولية باعتبارها الهيئة القضائية الدولية المختصة بنزاعات الجنسية على المستوى الدولي، فمحكمة العدل الدوليّة مقرها في مدينة لاهاي الهولندية، وهي الجهاز القضائي الرئيسيّ لهيئة الأمم المتّحدة، والوحيد الذي يقع مَقره خارج مدينة نيويورك الأمريكية، وتعمل المحكمة على تسوية الصراعات بين الدول، وإصدار الفتاوى والأحكام القضائية إلى الأمم المتّحدة وباقي أذرعها.

وتعتبر محكمة العدل الدولية التي تأسست في عام 1946والمعروفه أيضا باسم المحكمة العالمية الجهاز الرئيسي للأمم المتحدة لتسوية المنازعات. ومنذ تأسيسها، نظرت المحكمة في أكثر من 170 قضية، وأصدرت العديد من الأحكام في المنازعات التي قدمتها الدول وأصدرت الآراء الاستشارية استجابة لطلبات من قبل منظمات الأمم المتحدة. وقد تم التعامل مع معظم الحالات من قبل المحكمة بكامل هيئتها، ولكن منذ عام 1981 ، تم إحالة 6 حالات إلى دوائر خاصة بناء على طلب الطرفين.

وقد عالجت المحكمة في أحكامها خلافات دولية تتعلق بالحقوق الاقتصادية وحقوق المرور، وعدم استخدام القوة، وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول، والعلاقات الدبلوماسية، وأخذ الرهائن، وحق اللجوء والجنسية. وتقدم الدول هذه المنازعات أمام المحكمة للبحث عن حل غير متحيز لخلافاتها على أساس قانوني. وساعدت المحكمة في منع تصاعد النزاعات في الكثير من الحالات من خلال تحقيق تسوية سلمية بشأن مسائل مثل الحدود البرية والحدود البحرية والسيادة الإقليمية.

ويبدو من نص الفقرة الأولى للمادة (34) من النظام الأساسي لمحكمة العدل الدولية أن للدول وحدها الحق في أن تكون أطرافاً في الدعاوي التي ترفع إلى المحكمة، ويتأكد هذا المبدأ بنص المادتين (62) و(63) من النظام عندما يبحث في أمر تدخل الدول التي لها مصلحة في النزاع المعروض على المحكمة.

ومن هذا يتضح أن أبواب محكمة العدل الدولية ليست مفتوحة أمام الأشخاص الطبيعيين (الأفراد)، أو الحكميين (المنظمات والشركات والمؤسسات والهيئات الخاصة)، على أنه ليس في القواعد القانونية الدولية ما يمنع دولة ما من تبني ادعاء أحد مواطنيها ورفع الدعوى على الدولة المسؤولة عملاً بقواعد المسؤولية الدولية؛ شريطة أن يكون هذا المواطن قد استنفذ فرص المراجعة القانونية المفتوحة أمامه في البلد المسؤول. وقد تبنت محكمة العدل الدولية هذا الرأي في دعوى مافروماتيس الشهيرة. ([12])

ولكن ماذا عن المنظمات الدولية والأمم المتحدة على وجه الخصوص؟ الرأي السائد ـ وهو رأي تدعمه نصوص الميثاق واجتهاد المحكمة يقول: إن هذه المنظمات تتمتع بشخصية اعتبارية دولية، مما يجعل القول: إن للمنظمات الدولية الحق في اللجوء إلى المحاكم؛ تحكيمية كانت أم قضائية في دعاوى فيما بينها أو فيما بينها وبين الدول.

فهل ذلك يعني حق المنظمات الدولية (الأمم المتحدة تحديداً) في المقاضاة أمام محكمة العدل الدولية نفسها؟ في الواقع أن محكمة العدل الدولية في رأيها الاستشاري الذي تناول هذا الموضوع (قضية التعويضات) أجابت عن هذه النقطة بالنفي.([13])

أما في مجال الآراء الاستشارية فالآية على النقيض تماماً؛ إذ ليس للدول الحق في طلب مثل هذه الآراء بل يبقى ذلك محصوراً بالجمعية العامة ومجلس الأمن وغيرهما من الهيئات الدولية التي يسمح لها الميثاق بهذا الحق . ([14])

غير أن الدول ليست سواسية في علاقتها بالمحكمة، فهنالك في الواقع ثلاث فئات من الدول يمكنها مراجعة المحكمة:

  1. الدول الأعضاء في الأمم المتحدة: وعددها حتى إعداد هذا البحث (192) دولة وهي طبقاً للمادة (93) من الميثاق تعد أعضاء حكميين في نظام المحكمة الأساسي بحكم عضويتها في الميثاق، فلا يمكن لدولة أن تصبح عضواً في الأمم المتحدة من دون أن تنتسب إلى نظام محكمة العدل الدولية وكان ذلك ممكناً في ظل نظام المحكمة القديمة.
  2. الدول التي على الرغم من كونها غير أعضاء في الأمم المتحدة يمكن أن تصبح طرفاً في نظام محكمة العدل الدولية: وفق شروط تحدد في كل طلب على حدة من قبل الجمعية العامة للأمم المتحدة بناء على توصية مجلس الأمن([15])، وواضح أن القصد من السماح لمثل هذه الدول بأن تصبح أطرافاً في نظام المحكمة وبالتالي الإفادة من خدماتها؛ هو توسيع نطاق عمل المحكمة حتى تعم فوائد القضاء الدولي علاقات الدول جميعاً، كما أن القصد من منح مجلس الأمن صلاحية التوصية في هذا المجال “هو الاعتراف بالمسؤولية الملقاة على عاتقه في حفظ السلام والأمن الدوليين”.

وينبغي الإشارة إلى وضع الدول غير الأعضاء في الأمم المتحدة التي تنتسب إلى نظام المحكمة؛ إذ يخولها انتسابها هذا حق المشاركة في ترشيح قضاة المحكمة وانتخابهم سواء بسواء مع الدول الأعضاء، كما أن تقاعسها عن دفع التزاماتها تجاه المحكمة يوقف هذا الحق، كما أن هذا الانتساب أضحى يخولها حق المشاركة في المؤتمرات التي تدعو إليها الأمم المتحدة إجمالاً. وإن رفع انضمام ما ذكر من كيانات سياسية لعضوية الأمم المتحدة لم يعد هذا الموضوع وتفرعاته ذا بال.

  1. الدول التي ليست أعضاء في الأمم المتحدة ولا هي طرف في نظام المحكمة الأساسي: ومع هذا ترغب في اللجوء إليها؛ يحق لها مثل ذلك بموجب شروط يحددها مجلس الأمن وذلك مع مراعاة الأحكام الخاصة الواردة في المعاهدات المعمول بها، على أنه لا يجوز بحال من الأحوال وضع تلك الشروط بحيث تختل معها قاعدة المساواة بين المتقاضين أمام المحكمة.

وبموجب قرار مجلس الأمن الصادر في عام 1946حددت هذه الشروط كما يلي:

  • إيداع تعهد مسبق من هذه الدول بقبول اختصاص المحكمة وأحكامها، ومن الجائز لقبول الاختصاص أن يكون عاماً أو خاصاً بدعوى معينة.
  • أي نزاع ينشب حول صحة التصريح وأثره هو من اختصاص المحكمة. أما الدول التي أودعت تصريحات عامة لدى مسجل المحكمة فهي جمهورية ألمانيا الاتحادية وجمهورية فيتنام الجنوبية، وكانت كل من كامبوديا وسيلان وفنلندا وإيطاليا واليابان ولاووس قد أصدرت مثل هذه التصريحات قبل أن تنضم إلى عضوية الأمم المتحدة.

وأما الدول التي كانت قد أودعت تصريحات خاصة لدى مسجل المحكمة فهي اثنتان: ألبانيا في قضية ممر كورفو وإيطاليا في قضية الكنز المنقول من رومانيا، وكان ذلك قبل انضمام هاتين الدولتين إلى عضوية الأمم المتحدة. ([16])

والرأي الراجح أن الانسحاب من عضوية الأمم المتحدة يعني الانسحاب من نظام المحكمة، لكن لا شيء يمنع الدول المنسحبة من أن تستفيد من النصوص السابقة الخاصة بإفادة الدول غير الأعضاء من خدمات المحكمة.

وتختص محكمة العدل الدولية لا بسماع الدعاوى المرفوعة بين الدول وحسب؛ بل أيضا بإصدار آراء استشارية فتاوى فيما تسأل به من أمور، كما تختص بالنظر في بعض الأمور الإدارية المسندة إليها. ([17])

ومن البديهي أن أول وظيفة للمحكمة _ بما أنها هيئة قضائية_ هي الفصل في المنازعات التي تنشأ بين الدول، ولكن هذه المنازعات لا تقدم إلى محكمة العدل الدولية، كما أنها ما كانت تقدم إلى محكمة العدل الدولية الدائمة قبلها، إلا بموافقة الدول صاحبة الشأن إما قبل حدوث النزاع وإما بعده، وهذا ما يميز القضاء الداخلي من القضاء الدولي. ([18])

والحق أن محاولات جدية بذلت عبر السنين للوصول إلى الولاية الإلزامية المطلقة للمحاكم الدولية، فقد استهوت الفكرة رجال القانون والسياسة منذ مدة، بل لقد خطرت الفكرة للجنة التي أعدت عهد عصبة الأمم في عام 1919 ومن بعدها لواضعي ميثاق الأمم المتحدة في عام 1945 حتى لقد قيل_ وبحق_ إن مسألة منح محكمة العدل الدولية ولاية إلزامية على منازعات الدول القانونية كانت من أكثر المسائل التي أثارت جدلاً ونقاشاً طويلين في سان فرانسيسكو، غير أن تزعم الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي، وهما الدولتان الأكثر أهمية في ذلك المؤتمرـ للاتجاه المضاد جعل المؤتمر أخيراً يرتضي الحكم الوارد في المادة (36) من النظام الأساسي للمحكمة ونصه الآتي:

“تشمل ولاية المحكمة جميع القضايا التي يعرضها عليها المتقاضون، كما تشمل جميع المسائل المنصوص عليها بوجه خاص في ميثاق الأمم المتحدة وفي المعاهدات والاتفاقات المعمول بها.

للدول التي هي أطراف في هذا النظام الأساسي أن تصرح في أي وقت بأنها بتصريحها هذا ومن دون حاجة إلى اتفاق خاص تقر للمحكمة بولايتها الجبرية في نظر جميع المنازعات القانونية التي تقوم بينها وبين دولة تقبل الالتزام نفسه متى كانت هذه المنازعات القانونية تتعلق بالمسائل الآتية:

أ ـ تفسير معاهدة من المعاهدات.

ب ـ أية مسألة من مسائل القانون الدولي.

ج ـ تحقيق واقعة من الوقائع إذا ثبتت أنها كانت خرقاً لالتزام دولي.

د ـ نوع التعويض المترتب على خرق التزام دولي ومدى هذا التعويض”.

يجوز أن تصدر التصريحات المشار إليها آنفاً من دون قيد ولا شرط أو أن تعلق على شرط التبادل من جانب عدة دول معينة بذاتها أو أن تقيد بمدة معينة.

تودع هذه التصريحات لدى الأمين العام للأمم المتحدة وعليه أن يرسل صوراً عنها إلى الدول التي هي أطراف في هذا النظام الأساسي وإلى مسجل المحكمة.

التصريحات الصادرة بمقتضى المادة (36) من النظام الأساسي للمحكمة الدائمة للعدل الدولي المعمول بها حتى الآن تعد فيما بين الدول الأطراف في هذا النظام الأساسي بمنزلة قبول للولاية الجبرية لمحكمة العدل الدولية، وذلك في الفترة الباقية من مدة سريان هذه التصريحات ووفقاً للشروط الواردة فيها. وفي حالة قيام نزاع في شأن ولاية المحكمة تفصل المحكمة في هذا النزاع بقرار منها.

و القضاء الدولي مصدر احتياطي، وهو عبارة عن مجموعة مبادئ قانونية مأخوذة من أحكام المحاكم الدولية مثل: محكمة العدل الدولية، والمحكمة الجنائية الدولية، والتي تُصدر أحكام في القضايا المُتنازع عليها وحجة هذه الأحكام تقتصر على الأطراف (الدول) المتنازعة ولا تكون ملزمة لغيرها من الدول وحتى أنها لا تكون ملزمة لذات المحكمة التي أصدرتها، لكن يمكن للقضاة الأخذ بهذه الأحكام على سبيل الاسترشاد.

كما أنه كان لأحكام المحاكم الوطنية دور كبير وهام جداً في تطوير القانون الدولي العام فهناك العديد من القواعد التي تم الاستدلال بها من هذه المحاكم وتم تطبيقها في نطاق القانون الدولي، مثل: القواعد المطبقة على حصانات والامتيازات الدبلوماسية وغيرها من القواعد، وكان لأحكام المحاكم دور هام في مجال العلاقات الدولية فهي تستخدم كجزء من تفسير وتشكيل العرف الدولي والقانون، كما وتعتبر المصدر الأول للاستنباط في مجال القانون الدولي.

الفرع الثاني

موقف القضاء الدولي من حل إشكالية تعدد الجنسيات

بعد بيان اختصاص محكمة العدل الدولية في حل النزاعات الدولية المتعلقة بمسائل الجنسية، فإننا نورد في هذا الفرع مجموعة من أهم التطبيقات القضائية لهذه المحكمة والحلول التي توصلت اليها والقواعد القانونية التي كرستها :

اولا: قضية كانيفارو

عرضت على محكمة التحكيم الدائمة بلاهاي في إن شخصاً يدعى رفائيل كانيفارو المولود بالبيرو من أب ايطالي قد أصبح مزدوج الجنسية فهو يتمتع بالجنسية البيروفية، وقد ترتب على هذا الازدواج في الجنسية حصول تنازع بين حكومتي البيرو والحكومة الإيطالية بمناسبة مطالبة حكومة لبيرو كانیفارو بضريبة مالية باعتباره من رعايا الدولة البيروفية غير أن كانیفارو رفض فتوجه إلى الحكومة الايطالية بالحماية والدفاع عنه باعتباره يحمل الجنسية الإيطالية، وبالتالي فهو أجنبي بالنسبة للحكومة البيروفية وذلك حتى يستطيع التهرب من الالتزامات التي على عاتقه.([19])

فلما ثار النزاع في هذه المسألة بين الحكومتين رفع الأمر إلى القضاء الدولي أي محكمة التحكيم الدولي المنعقدة بلاهاي التي اعتبرته بعد النظر في الظروف التي أحيطت به انه بيروفي من حيث الجنسية الواقعية لأنه مارس حقوقه السياسية في البيرو حيث رشح نفسه لكي يكون عضو في مجلس الشيوخ وبالتالي انتهت في حكمها الصادر سنة 1912 والتي تفضل ترجيح الجنسية البيروفية عن الجنسية الإيطالية. ([20])

ثانياً: قضية (ماثيسون)

وقعت هذه القضية بين بريطانيا وفنزويلا وعرضت على محكمة التحكيم عام 1903 وتتلخص وقائع هذه القضية ، في أن هذا الشخص ولد في فنزويلا عام 1858 من أب بريطاني الجنسية وفي سنة 1864 صدر الدستور الفنزويلي ، ونص على فرض الجنسية الفنزويلية على كل من يولد في فنزويلا على أساس حق الإقليم بغض النظر عن جنسية الأب وكانت وجهة نظر بريطانيا أن هذا النص لا يحرم الشخص المذكور من حقه في الاحتفاظ بالجنسية البريطانية على أساس حق الدم ، فحكمت المحكمة بكونه من الجنسية الفنزويلية على أساس أن محل إقامته المعتادة ومعيشته كانت في فنزويلا وذكرت المحكمة في قرارها أن الجنسية الفعلية هذه تتفق مع مبادئ ومقاييس العدل والطبيعة. ([21])

ثالثا: قضية ناصر الاصفهاني

تتخلص وقائع قضية ناصر الأصفهاني ضد بنك التجارة في أن السيد الأصفهاني إيراني الجنسية، حيث كان يحمل الجنسية الإيرانية الأصلية بناءً على حق الدم من جهة الأب، ثم رحل عن إيران إلى الولايات المتحدة الأمريكية لمتابعة دراسته الجامعية هناك في إحدى الجامعات الأمريكية، وبعد أن غير الجامعة التي كان يدرس فيها حصل سنة1950 على دبلوم الهندسة في الصناعات البترولية من جامعة OKLAHOMA. وعلى اثر ذلك شد رحاله إلى ولاية تكساس الأمريكية ووجد وظيفة له في إحدى الشركات الأمريكية، والتحق بالجيش سنة 1952 وفي سنة 1953 تزوج من السيدة ko lander many الأمريكية الأصل. ([22])

وقد حصل السيد ناصر الأصفهاني على إذن بالإقامة الدائمة في الولايات المتحدة الأمريكية بمقتضى قانون خاص رقم 877.795 HR ، وفي أول أغسطس 1985 تجنس بالجنسية الأمريكية، وقام السيد أصفهاني بفتح حساب له بالريال الإيراني في بنك إيران، حيث أودع فيه كل ما يتقاضاها من اجر عن هذه الفترة. كما اشترى مجموعة من سندات الخزانة في 21 ديسمبر 1978، واستبدل مجموعة السندات والريالات بشيك واجب الدفع بالدولار الأمريكي، وقد رفض البنك الوفاء بقيمة الشيك قولا منه بأن ليس له رصيد، وبقي الرصيد على حاله غير كاف للوفاء بقيمة الشيك إلى أن تم تامين بنك إيران سنة 1979 بمقتضى قوانين التأمين الصادرة في هذا العام، وعلى اثر ذلك ادمج في بنك التجارة.

فرفع السيد الأصفهاني دعوى أمام المحكمة الفيدرالية في الولايات المتحدة الأمريكية مطالباً الوفاء بقيمة الشيك لكن البنوك الأمريكية حالت دون بلوغ الغاية المرجوة، فما كان من المدعي إلا إن رفع دعواه أمام محكمة التحكيم الإيرانية الأمريكية التي تشكلت – بعد اتفاقيات الجزائر سنة 1981 مطالبا بنك التجارة بالوفاء له و مطالبا كذلك بالفوائد”.

إن محكمة إيران دفعت بأن الدعوى لا تدخل في اختصاص المحكمة فهي لا تعترف بازدواج الجنسية وقد حسمت المحكمة الأمر في هذه المسألة، لا بإعمال أحكام الاتفاق المذكور كما زعم الطرفان وإنما بالرجوع إلى أحكام القانون الدولي التي تفيض من اتفاقية لاهاي سنة 1930، فقدرت المحكمة أن الجنسية التي يعني بها هي الجنسية الواقعية أو الغالبة ولما كانت هذه الجنسية الواقعية من الجنسية الأمريكية، عد المدعي أمريكيا.

رابعا: قضية نوتبوم “NOTTEBOM”

نوتباوم كان يتمتع بالجنسية الألمانية منذ ميلاده فيها سنة 1881 ثم هاجر سنة 1905 إلى (جواتيمالا) حيث استقر فيها عام 1943 إلا انه قبل ذلك كان قد سافر إلى (ليشتنشتين) سنة 1939 حيث قضى فيها بضعة اشهر وحصل فيها على الجنسية توقعا منه لاحتمال معاملته في (جواتيمالا) أثناء الحرب العالمية الثانية باعتباره منتميا لدولة معادية إلا أن محاولته هذه لم تفلح ، إذ اعتقلته السلطات (الجواتيمالية) سنة 1943 وصادرت أمواله وظل معتقلا بمعسكر أمريكي حتى سنة 1945 وخلال ذلك الوقت قدمت حكومة (ليشتنشتين) إلى محكمة العدل الدولية طلبا لحماية نوتباوم دبلوماسيا باعتباره منتميا إلى جنسيتها ولكن المحكمة رفضت هذا الطلب لان الجنسية التي يعترف بها على المستوى الدولي يجب أن تكون جنسية فعلية معبرة عن واقع الحال ومبنية على رابطة من الحقوق والواجبات، أما الجنسية التي حصل عليها (نوتباوم) من (ليشتنشتين) فلا تعكس شيئا من هذا ، فليس له موطن فيها أو محل إقامة أو مصالح أو أعمال ، كما لا توجد فيها ما يدل على نيته في اتخاذ شيء من هذه العناصر في (ليشتنشتين) وفي هذه القضية ، أكدت محكمة العدل الدولية فكرة الجنسية الفعلية وصدر الحكم في 6 نيسان سنة 1955. ([23])

وقد انتقد هذا الطرح حيث يبدو من الصعوبة أعمال معيار الجنسية الفعلية على فرض تحرره من كل غموض وتخلصه من كل ضغط يثيره. ([24])، وكذلك لا ينبغي أن تحجب الاهتمام السياسي في البلاد التي تكثر إليها الهجرة مثل فرنسا وخاصة في مسائل الأحوال الشخصية فاز شك أن فرنسا سترفض على الفرنسي الذي يحمل الجنسية الجزائرية التطليق بالإرادة المنفردة متذرعاً بأن الجنسية الجزائرية هي الأكثر فعالية وواقعية.

الخاتمة

بعد الانتهاء من إعداد هذا البحث نختتمه بمجموعة من النتائج والتوصيات وفق الآتي:

النتائج:

  1. أهم مشكلة تواجه الفقه والقضاء بالنسبة إلى ازدواج الجنسية هي مشكلة تحديد القانون الواجب التطبيق علي العلاقة القانونية المشوبة بعنصر أجنبي فيما اصطلح له بتنازع القوانين .
  2. إن تشريعات الدول لم تصل بعد إلى القضاء علي ظاهرة ازدواج الجنسية وواقع الحال ينطق بوجود هذه الظاهرة وقد تصدي لها الفقه والقضاء الدولي والداخلي لمعالجة المشاكل الناجمة عنه .
  3. الآخذ بفكرة الجنسية الفعلية أو الجنسية الواقعية في حالة تنازع الجنسيات ورغم وجاهته إلا أن الأخذ به يواجهه عدة صعوبات وتناقضات.
  4. أصبحنا في عصر تتسع وتنتشر فيه ظاهرة انتقال الاشخاص من بلد الى آخر لأسباب عديدة أهمها البحث عن ظروف حياة أفضل. لذلك اضحى من الضروري أن يتماشى القانون الوطني مع هذه الاحوال .
  5. هناك نظريتان أساسيتان تحكمان قواعد الاسناد والتي يرجع إليها عند البحث عن القانون الواجب التطبيق على متعدد الجنسيات وهي “الجنسية الفعلية” “وقانون جنسية القاضي”
  6. نظرية الحل الوظيفي تمثل إحدى أهم وأحدث النظريات التي تعمل على إيجاد حلول منطقية وعقلانية لتنازع القوانين بخصوص متعدد الجنسيات، وعلى الرغم من التوجه التشريعي في تكريسها لم تتضح معالمه، إلا أن للقضاء دور كبير في تطبيق هذه النظرية كما فعل القضاء اللبناني ممثلا بمحكمة التمييز.

التوصيات:

  1. نوصي بمحاربة ظاهرة ازدواج الجنسية بكل السبل، إما بالتنسيق والتعاون بين الدول بصورة مجتمعة أو بالوسائل الدولية المختلفة من مؤتمرات دولية ودبلوماسية أو باتفاقات وجهود علمية عالمية، أو بالوسائل الوطنية وذلك بما تبذله كل دولة وبصورة منفردة وفي تشريعاتها الداخلية لتفدي ظاهرة ازدواج الجنسية .
  2. تعليق اكتساب الشخص الذي يقدم طلبا لاكتساب الجنسية على تخليه عن أي جنسية أخرى يحملها، وإعطاء الحق لمتعدد الجنسية باختيار احدى الجنسيات التي يتمتع بها عند بلوغه سن الرشد، والتخلي عن الجنسيات الأخرى.

قائمة المراجع

  1. جاد عبد الرحمن، مجموعة قوانين الجنسية في الدول العربية ، دار النشر ،1999
  2. حسن الهداوي، دخول الأجنبية في جنسية زوجها العربي ، مجلة القضاء، العدد2 ، بغداد ،1980م
  3. حسن الرشيدي، أحمد، الوظيفة الإفتائية لمحكمة العدل الدولية ودورها في تفسير وتطوير سلطات واختصاصات الأجهزة السياسية للأمم المتحدة، الهيئة المصرية للكتاب، 1997،
  4. حسن الهداوي ، ازدواج الجنسية ، مطبعة الأديب ،2010،
  5. حسن الهداوي وغالب الداودي، القانون الدولي الخاص، الكتاب الأول في الجنسية والموطن ومركز الأجانب، مطبعة مديرية الكتب للطباعة والنشر، الموصل، 1988
  6. سلامة راشد، الوجيز في القانون الدولي الخاص، دار الشروق، القاهرة ، 2003
  7. شوقي سمير، دور الوظيفة الاستشارية لمحكمة العدل الدولية، المجلة الجزائرية للحقوق والعلوم السياسية، مجلد 3، عدد 2، 2018
  8. عكاشة محمد عبد العال. اتجاهات حديثة في مشكلة التنازع عن الجنسيات. دار الجامعة الجديد للنشر الاسكندرية 1996
  9. علي خالد دبيس، دور محكمة العدل الدولية في ضمان الالتزام بقواعد القانون الدولي الانساني، مجلة أهل البيت، عدد 7، 2015،
  10. علي علي سليمان ، مذكرات في القانون الدولي الخاص الجزائري ، ديوان المطبوعات الجامعية
  11. علي علي سليمان، مذكرات في القانون الدولي الخاص الجزائري ، ديوان المطبوعات الجامعية
  12. غالب علي الداوودي، ازدواج وتعدد الجنسية في القوانين العراقية السابقة، مجلة الرافدين، عدد 34، 2007
  13. فؤاد شباط ومحمد عزيز شكري، القضاء الدولي ، منشورات جامعة دمشق، 1966
  14. قصي محمد العيون شرح احكام الجنسية بالإضافة الى احكام محكمة العدل العليا في مسائل الجنسية الطبعة الاولى دار الثقافة للنشر والتوزيع عمان 2009،
  15. محمد الروبي، الجنسية ومركز الأجانب في القانون المقارن، دار النهضة العربية، 2005،
  16. محمد شوقي عبد العال، مقدمة لدراسة القانون الدولي العام، دار النهضة، 2018،
  17. محمد مجذوب، القضاء الدولي، منشورات الحلبي، 2009،

Margins:

  1. () انظر: محمد الروبي، الجنسية ومركز الأجانب في القانون المقارن، دار النهضة العربية، 2005، ص. 18
  2. () حسن الهداوي وغالب الداودي، القانون الدولي الخاص، الكتاب الأول في الجنسية والموطن ومركز الأجانب، مطبعة مديرية الكتب للطباعة والنشر، الموصل، 1988، ص.31.
  3. غالب علي الداوودي، ازدواج وتعدد الجنسية في القوانين العراقية السابقة، مجلة الرافدين، عدد 34، 2007، ص. 7
  4. قصي محمد العيون شرح احكام الجنسية بالإضافة الى احكام محكمة العدل العليا في مسائل الجنسية الطبعة الاولى دار الثقافة للنشر والتوزيع عمان 2009، ص 140.
  5. جاد عبد الرحمن، مجموعة قوانين الجنسية في الدول العربية ، دار النشر ،1999. ص. 36
  6. علي علي سليمان، مذكرات في القانون الدولي الخاص الجزائري ، ديوان المطبوعات الجامعية ، ص 235.
  7. حسن الهداوي، دخول الأجنبية في جنسية زوجها العربي ، مجلة القضاء، العدد2 ، بغداد ،1980م ، ص 15
  8. سلامة راشد، الوجيز في القانون الدولي الخاص، دار الشروق، القاهرة ، 2003
  9. المادة 5 من الاتفاقية والتي جاء فيها: ” يكتسب اللقيط جنسية البلد الذي ولد فيه ويعتبر مولوداً في البلد الذي وجد فيه حتى ثبوت العكس ومن ولد لام عربية في بلد عربي ولم تثبت نسبته الى ابيه قانوناً فيعتبر تابعاً لجنسية امه .اما اذا ثبتت نسبته قانوناً الى ابيه العربي ولم يكن قد اتم الثامنة عشرة الميلادية فيتبع جنسية ابيه وتزول عنه حينئذ جنسيته السابقة”
  10. حسن الهداوي ، ازدواج الجنسية ، مطبعة الأديب ،2010، ص. 60
  11. غالب الداؤدي، الجنسية والمركز القانوني للأجانب، مرجع سابق، ص. 15
  12. فؤاد شباط ومحمد عزيز شكري، القضاء الدولي ، منشورات جامعة دمشق، 1966، ص. 23
  13. علي خالد دبيس، دور محكمة العدل الدولية في ضمان الالتزام بقواعد القانون الدولي الانساني، مجلة أهل البيت، عدد 7، 2015، ص. 40
  14. محمد شوقي عبد العال، مقدمة لدراسة القانون الدولي العام، دار النهضة، 2018، ص. 20
  15. المادة 93 ف2 من الميثاق
  16. محمد مجذوب، القضاء الدولي، منشورات الحلبي، 2009، ص. 54
  17. حسن الرشيدي، أحمد، الوظيفة الإفتائية لمحكمة العدل الدولية ودورها في تفسير وتطوير سلطات واختصاصات الأجهزة السياسية للأمم المتحدة، الهيئة المصرية للكتاب، 1997، ص129
  18. شوقي سمير، دور الوظيفة الاستشارية لمحكمة العدل الدولية، المجلة الجزائرية للحقوق والعلوم السياسية، مجلد 3، عدد 2، 2018، ص66
  19. احمد عبد الكريم سلامة المبسط في شرح الجنسية بحث تحليلي انتقادي مقارن الطبعة الاولى ، دار النهضة العربية الاسكندرية 1993 ، مرجع سابق، ص215
  20. احمد عبد الكريم سلامة، المبسوط في شرح قانون الجنسية، ص 216.
  21. الب علي الداؤدي ، القانون الدولي الخاص الأردني ،مرجع سابق ، ص211
  22. جمال سلامة، أحمد الوقيد، تعدد الجنسية في القوانين العربية، مركز الدراسات العربية للنشر والتوزيع ، ط.1، مصر، 2015 مرجع سابق، ص 140
  23. علي علي سليمان ، مذكرات في القانون الدولي الخاص الجزائري ، ديوان المطبوعات الجامعية ، ص 190.
  24. عكاشة محمد عبد العال. اتجاهات حديثة في مشكلة التنازع عن الجنسيات. دار الجامعة الجديد للنشر الاسكندرية 1996 ، ص 85.