نظرية الحل الوظيفي ودورها في حل التنازع الإيجابي للجنسيات
تحسين مالك حميد غالبي1
1 الجامعة الإسلامية في لبنان، كلية الحقوق والعلوم السياسية، قسم القانون الخاص
اشراف الأستاذة الدكتورة: أودين سلوم
HNSJ, 2024, 5(7); https://doi.org/10.53796/hnsj57/34
تاريخ النشر: 01/07/2024م تاريخ القبول: 15/06/2024م
المستخلص
هدف هذا البحث الى دراسة دور نظرية الحل الوظيفي في حل تنازع الجنسيات. اتبع البحث المنهج الوصفي والمنهج المقارن. توصل البحث الى عدة نتائج أهمها أن أهم مشكلة تواجه الفقه والقضاء بالنسبة إلى ازدواج الجنسية هي مشكلة تحديد القانون الواجب التطبيق علي العلاقة القانونية المشوبة بعنصر أجنبي فيما اصطلح له بتنازع القوانين. كذلك توصل البحث الى أن المشرع العراقي في بعض ضوابط الإسناد قد خالف مبدأ دستوري، يقضي بالمساواة بين الرجل والمرأة في الحقوق والالتزامات، حينما أخذ بضابط جنسية الزوج دون الزوجة، وبالخصوص فيما يتعلق بالطلاق والنفقة والبنوة. أوصى البحث بعدم الآخذ بجنسية حق الإقليم والاكتفاء بجنسية حق الدم خاصة وأنهما يثبتان في الفرد في ميلاد واحد باستثناء حالات مثل فاقدي الأبوين وأطفال الشوارع . كذلك أوصى البحث المشرع العراقي واللبناني بالعمل على حماية الطفل ورعاية مصالحه من خلال الأخذ بتطبيق القانون الأصلح لحماية الطفل وتأمين رعايته وينحصر البحث عن ذلك القانون من بين كل من القانون واجب التطبيق على آثار التطليق، والقانون الشخصي للطفل.
الكلمات المفتاحية: الحل الوظيفي، التنازع الإيجابي، الجنسيات.
The theory of functional solution and its role in resolving the positive conflict of nationalities
Tahseen Malik Hameed Ghalibi1
1 The Islamic University of Lebanon, Faculty of Law and Political Science, Department of Private Law
HNSJ, 2024, 5(7); https://doi.org/10.53796/hnsj57/34
Published at 01/07/2024 Accepted at 15/06/2024
Abstract
The aim of this research is to study the role of functional solution theory in resolving nationality conflict. The research followed the descriptive and comparative approaches. The research reached several results, the most important of which is that the most important problem facing jurisprudence and the judiciary with regard to dual nationality is the problem of determining the law applicable to the legal relationship tainted by a foreign element in what is termed conflict of laws. The research also found that the Iraqi legislator, in some of the controls for attribution, violated a constitutional principle, which stipulates equality between men and women in rights and obligations, when he took into account the nationality of the husband and not the wife, especially with regard to divorce, alimony, and filiation. The research recommended not adopting territorial citizenship and being satisfied with jus sanguinis citizenship, especially since they are established in the individual at one birth, with the exception of cases such as those without parents and street children. The research also recommended that the Iraqi and Lebanese legislators work to protect the child and take care of his interests by adopting the law best suited to protect the child and secure his care. The search for that law is limited to both the law applicable to the effects of divorce, and the child’s personal law.
Key Words: Functional solution, positive conflict, nationalities.
المقدمة:
على عكس العدالة الشكلية، التي تحققها قواعد القانون الدولي الخاص، فإن البحث من خلال الحل الوظيفي، إلى تحقيق العدالة المادية، فهو ينطلق من مقدمة أساسية، هي عدم التقيد بحل عام مسبق، كما يفعل أنصار أو خصوم الإحالة، وإنما يحدد موقفه منها، في ضوء وظيفة قاعدة الإسناد، والهدف الذي تسعى لتحقيقه في إطار من التنسيق والتعاون بينها، وبين قاعدة التنازع الأجنبية، أي أنه يجب معرفة الغاية، وراء اختيار المشرع قاعدة الإسناد، لحكم مسألة معينة بذاتها، دون غيرها، فإن كان في الأخذ بالإحالة تحقيق لتلك الغاية، وجب الأخذ بها، أما إن كان فيه انتهاك لتلك الغاية، وإخلال صارخ لتوقعات الأفراد، وجب رفضها.
مما لا شك فيه أنه في قضايا القانون الدولي الخاص وفي معظم الفروض، يجنح القاضي الوطني إلى تطبيق قانونه عندما يطرح امامه اي مسألة تتعلق بمواطنيه أو بأموال موجودة في بلده أو عندما يحتوي النزاع المطروح امامه على أي عنصر يتعلق ببلده، وذلك يكون في معظم الأحيان بالاستناد الى قواعد قانونه المتعلقة بالقانون الدولي الخاص ولا سيما مسألة اختصاص المحاكم الوطنية، وبالاستناد الى مبدأ سيادة القانون اللبناني على اقليمه وبالتالي المحاكم اللبنانية، فإذا ما طُرحت امام القاضي اللبناني مسألة تتعلق بشخص مزدوج أو متعدد الجنسية، ويحمل في ذات الوقت الجنسية اللبنانية، يعمد آلياً إلى اعتبار أن هذا الشخص هو لبناني أولاً ويحذف بالتالي باقي الجنسيات ليطبق قانون الجنسية اللبنانية. فجنسية قاضي النزاع قد لا تكون هي الجنسية الواقعية أو المعبرة بالنسبة للشخص او العلاقة. فقد يحملها الشخص دون أن يكون له ادنى ارتباط أو اتصال بدولة هذا القاضي، كما في حالة التشريع اللبناني الذي يعتبر لبنانياً من تولّد من أب لبناني دون تحديد في الدرجة أو حتى مجرد اشتراط الاقامة. فيكفي أن يولد الشخص من أب لبناني حتى يصبح لبنانياً، وقد لا يكون له، هو أو لوالده، أدنى اتصال بإقليم الدولة اللبنانية([1]). هذا بالاضافة الى عدم احترام ارادة الشخص المتعدد الجنسية الذي يشكل احد عناصر النزاع.
إشكالية البحث:
أمام انتشار ظاهرة تعدد الجنسيات وما ينتج عنها من تنازع في القوانين واجبة التطبيق تثور إشكالية هذا البحث والتي مفادها: ما هو دور نظرية الحل الوظيفي في حل تنازع الجنسيات؟
أهمية البحث:
تكمن أهمية هذا البحث أنه من الصعوبة إعمال معيار الجنسية الفعلية، حتى لو كان خالٍ من اية عيوب، لان إعماله يصطدم بالعديد من التشريعات التي تفرض الحل الذي يرجح جنسية دولة القاضي المثارة امامه مسألة التنازع الايجابي للجنسيات متى كانت جنسيته من بينها. فعلى العاملين في الدولة ان يطيعوا ما قننه المشترع، ولا يمكن الخروج عن منطوق هذه التشريعات الى بتشريعات اخرى.
ولكن، ومهما يكن من أمر، فإن تحديد الجنسية الفعلية لشخص متعدد الجنسية ليس بالأمر الصعب اذا ما توفرت لدى القاضي النية الحقيقية لاستقصاء ومعرفة الجنسية الفعلية. فثمة مؤشرات موضوعية تشير الى الجنسية الفعلية التي يعيشها الشخص المتعدد الجنسية كما اشرنا أعلاه. فإصرار القاضي على ان جنسيته هي الجنسية الفعلية للشخص المتعدد الجنسية، اذا ما كان هذا الشخص يحمل جنسية هذا القاضي اساساً، ينطلق من خلفيات شخصية عند القاضي وهي الميل الطبيعي الى تظهير سيادة قانونه الوطني وتطبيقه, ولا ينطلق من منطلقات موضوعية كما ذكرنا اعلاه.
بناءً على ما تقدم، ظهر حل ثالث يرتكز على ترك الحرية للقاضي للأخذ بالجنسية التي تحقق نوعاً من العدالة وتمنع، الى حد ما الظلم؛ حل يتفق وطبيعة المسألة التي تثور مشكلة تنازع الجنسيات بمناسبتها، ويمثل جوهر ما يسمى بالحل الوظيفي.
منهج البحث:
نتبع في هذا البحث المنهج الوصفي لضرورة الوقوف على مفهوم نظرية الحل الوظيفي، والمنهج المقارن من خلال بيان موقف التشريع العراقي واللبناني من هذه النظرية.
تقسيم البحث:
المطلب الأول: ماهية نظرية الحل الوظيفي
الفرع الاول: التعريف بنظرية الحل الوظيفي
الفرع الثاني: الأسس التي تقوم عليها نظرية الحل الوظيفي
المطلب الثاني: التطبيقات العملية لفكرة الحل الوظيفي وفقا لضوابط الإسناد
الفرع الأول: تطبيق فكرة الحل الوظيفي بالنسبة للالتزامات
الفرع الثاني: الأحوال الشخصية
دخل إلى الوجود القانوني نصاً وفقهاً واجتهاداً، نظرية جديدة ترتكز على “الحل الوظيفي” والتي تعتبر أنه لا يجوز الأخذ بجنسية قاضي النزاع في كل الفروض، كما لا يجوز الأخذ ايضاً بالجنسية الفعلية في كل الفروض لأنه لا يجوز استبدال عقيدة بأخرى، بل على العكس يجب اعتماد الحل الوظيفي في مسألة التنازع الايجابي للجنسيات، أي ضرورة بحث كل حالة على حدة توصلاً لمعرفة الوظيفة التي تشغلها الجنسية في المسألة المطروحة للحل. وبكلام آخر، يترك للقاضي الاخذ بالجنسية الملائمة وذلك على ضوء كل قضية ووقائعها([2])
وللوقوف على ماهية هذه النظرية فإننا نتناول هذا المطلب من خلال فرعين نتحدث في الأول عن تعريف هذه النظرية، وفي الفرع الثاني نتحدث عن الأسس التي تقوم عليها.
يذهب جانب من الفقه إلى تعريف الحل الوظيفي بأنه الامتناع عن تكريس حلاً عاماً مجرداً ينطبق في كافة الحالات وجميع الفروض، بقبول الإحالة أو برفضها، وإنما يجب عدم التقيد بحل عام مسبق، ويجيء الحل المقضي به في مادة بعينها أو أكثر متفقا وروح قاعدة الإسناد الوطنية والغاية التي ترمي إلى تحقيقها، في إطار من التعايش والتنسيق والتعاون بينها وبين قاعدة التنازع الأجنبية. ([3])
وهذا الاتجاه ظهر لاعتماد القانون الذي يحقق الغاية، أو الهدف المقصود من قاعدة الإسناد، سواء كان هذا القانون هو قانون القاضي الذي ينظر النزاع، أم القانون الأجنبي. إذ تنطلق هذه النظرية من مقدمة أساسية مفادها، إن مسالة قبول أو رفض الإحالة لا يمكن أن تتقرر بناء على أفكار عامة ذات طابع نظري، وإنما استنادا إلى الوظيفة التي يمكن للإحالة أن تقوم بها، وذلك من خلال ربط الإحالة بمسالة أخرى هي مسالة الغاية من قاعدة الإسناد، والوظيفة التي تؤديها في نطاق العلاقات الأجنبية المشوبة بعنصر أجنبي ، وان حل هذه المسالة يتوقف في المقام الأول على تفسير قاعدة الإسناد الوطنية، للوقوف على غايتها الأساسية، دون الاهتمام بالاعتبارات الأخرى فيما إذا تعارضت مع وظيفة قاعدة الإسناد.
في حين يعرف البعض الأخر الحل الوظيفي بالنظر لضوابط الإسناد (التعريف بالمثال) بان قاضي النزاع لا يرتكن في الفصل في حالة التنازع الايجابي من اجل إسناد الاختصاص التشريعي لقانون الجنسية، إلى قواعد قاطعة محددة مسبقاً، سواء كانت جنسية قاضي النزاع من بين الجنسيات المتعددة أم لا، بلحاظ إن تنازع الجنسيات مسالة أولية على القاضي تحديد القانون الواجب التطبيق، في ضوء طبيعة المسالة الأصلية والهدف والغاية منها ([4])
ويرى أنصار هذا الاتجاه أن اعتماده يؤدي إلى تجاوز المشكلات التي تعترض اعتماد جنسية قاضي النزاع عند حضورها من بين الجنسيات المتعددة والجنسية الفعلية عند عدم حضور جنسية قاضي النزاع ضمن الجنسيات المتعددة، فهو يتجاوز مشكلة تحديد معنى الجنسية الفعلية بالمعنى العالمي وصعوبة تنفيذ الحكم عبر الحدود ([5])
وبالتالي يتم الوصول إلى معايير عالمية، قابلة للتطبيق من قبل الدول الأخرى، طالما انها اعتمدت ذات الحل بعدم النظر لتنازع الجنسيات على ان المطلوب فيه المحافظة على جنسية قاضي النزاع، عندما تكون ضمن الجنسيات المتعددة، او الجنسية الفعلية عند عدم حضورها، انما المطلوب الوصول للروح الجوهرية المعمقة لقاعدة التنازع، وهذا يعني ان ينظر للتنازع نظرة وظيفية غائية. ([6])
فاختيار القانون المختص تختلف دوافعه واسبابه، تبعا لقاعدة الاسناد الوطنية المعنية بالمسالة المعروضة على القاضي الوطني ووفقا للغاية التي تهدف هذه الغاية الى تحقيقها، وبهذا المثابة تم الانتقال بمفهوم الحالة من المفهوم الشكلي المجرد الى المفهوم الغائي. ([7])
فاذا تبين للقاضي ان تطبيق الاحكام الموضوعية في القانون الذي اشارت اليه قواعد الاسناد الوطنية سيؤدي الى حل غير عادل فيكون له ان يستشير قواعد الاسناد التي يتضمنها هذا القانون ويقبل الاحالة منها الى قانون اخر يحقق العدالة على نحو افضل.
ونعتقد ان هذا هو الدور الانتقائي للإحالة الذي يراه جانب من الفقه الالماني، وهو دور يراعي فيه القاضي النتيجة النهائية التي سينتهي اليها تطبيق القانون الواجب التطبيق(المختص). ففي ظل التطورات التي لحقت بقاعدة الاسناد في ذاتها، نحو سعيها للأخذ بالعدالة المادية، دون الاقتصار على تحقيق العدالة في مفهوم القانون الدولي الخاص، كان لابد من ان تتأثر جميع المفاهيم القانونية الاساسية في تنازع القوانين، بهذا الاتجاه الحديث، وفي مقدمة هذه المفاهيم، الاحالة.
ويعيب اتجاه من الفقه على هذا الراي، انه يترك للقاضي سلطة تقديرية مطلقة في الاخذ بالإحالة من عدمه، على ضوء ما قد يراه اكثر تحقيق للعدالة في كل حالة على حدة، وهو مبدا يتعارض مع مسلك القاضي عند تطبيق القاعدة القانونية وفقا للمبادئ العامة للقانون، اذ ليس من المقبول ان يطبق القاضي القاعدة القانونية، بطريقة تختلف من حالة الى اخرى، حتى وان كان تحت ستار العدالة.([8])
الا ان هذا الاشكال مردود، اذا ما سلمنا ان تقدير القاضي لإمكانية الاخذ بالإحالة، والمعيار المرشد للقاضي في هذا المضمار هو ان يؤدي قراره (الاخذ بالإحالة او رفضها) الى حل مادي معقول وعادي، بصدد العلاقات محل الخصومة، وهذا ما سيخضع فيه الى رقابة المحاكم العليا.([9])
فطالما كانت الغاية من قاعدة الاسناد، تختلف من مشرع لأخر، فانه من الطبيعي ان تتباين الحلول المتبعة بشان الاحالة، وطالما ان المشرع يقصد من غاية الاسناد البحث عن انسب القوانين، لحكم العلاقة دون سابق تنسيق مع غيره من المشرعين، فان ذلك يستتبع خللا في وظيفة قاعدة الاسناد في تحقيق الوصول الى اكثر الحلول ملائمة لمقتضيات التجارة الدولية، وبالتالي على القاضي ان يصحح هذا الخلل في وظيفة الاسناد، عن طريق ما يسمى بالحل الوظيفي وقبول الاحالة.
ونفهم من التعاريف المتقدمة للحل الوظيفي، ان جميعها تدور حول محور واحد مفاده الابتعاد عن الاحكام السابقة والمجردة للإحالة من جهة التشريعات المقارنة، والاعتماد في الموقف منها الى رؤية موضوعية تستند الى فهم قاضي الموضوع لكل حالة على حدة، ويستفيد الموقف من الاحالة من مقدار ما يحققه الاخذ بالإحالة من توقعات اطراف العلاقة المشروعة، ومبدا العدالة، وفي ضوء ذلك يمكن ان نعرف فكرة الحل الوظيفي بانها “محاولة التوفيق في موقف التشريعات من الاحالة بين قواعد الاسناد وغاياتها المتمثلة في تحقيق العدالة، ورعاية التوقعات المشروعة للعلاقات القانونية المشوبة بعنصر اجنبي، والوصول الى الانسجام بين النظم القانونية رعاية لمصالح التجارة الدولية”.
فسنداً لهذه النظرية، لا يرصد حكماً عاماً في الفرض التي تكون فيه الجنسية الوطنية من بين الجنسيات التي يحملها الشخص، وانما يجب ان ينظر الى المسألة لا على انها مسألة مستقلة، ولكنها ترتبط بمسألة اخرى اصلية تعرض تبعاً لها مسألة التنازع الايجابي للجنسيات ويكون من الانسب حلّها على ضوء هذه المسألة الاصلية من حيث طبيعتها والهدف والغاية منها. ففي حالة اللبناني مثلاً الذي ينظم وصية في بلد اجنبي كان قد حصل على جنسيته طبقاً لقانون هذه الجنسية، وجاء المستفيدين من هذه الوصية لتنفيذها في لبنان وطرحت مسألة القانون الواجب التطبيق على الوصية، فتحديد الجنسية الواجب إلباسها للموصي من اجل تحديد هذا القانون، لا يشكل المسألة الاساسية المطروحة على اهميتها، بل الاساس هو القانون الواجب التطبيق على الوصية من اجل تحديد اصحاب الحقوق وتنفيذ هذه الوصية.
الأسس التي تقوم عليها نظرية الحل الوظيفي
تقوم هذه النظرية على أساس معاملة الفرد متنازع الجنسية الفعلية معاملة مختلفة عن معاملته على أساس الجنسية الفعلية، فيتم التعامل مع كل قضية على أنها مسألة أولية مرتبطة بمسألة أصلية، فيتم التعامل مع كل مسألة على حده بموجب حكم ينسجم مع طبيعة المسألة الأصلية ذاتها التي عرض تنازع الجنسيات بصددها، بمعنى أن الحل الوظيفي يتعامل مع كل قضية بشكل نسبي وبموجب ذلك يختلف الحل من مسألة إلى أخرى على ضوء طبيعة العلاقة المرتبطة بها مشكلة تعدد الجنسيات. ([10])
ففكرة الحل الوظيفي تقوم على اختيار القانون الذي يتلاءم مع الغاية التي ابتغاها المشرع في وضع قاعدة الإسناد لحكم مسألة قانونية معينة دون غيرها، حيث تقوم هذه الفكرة على الترجيح والمفاضلة بين ضوابط الشخصية لمتعدد الجنسية، لكن على أسس مختلفة ومغايرة للأسس التقليدية القائمة على مبدأ عام مسبق للحل، وهذا ليس معناه إهمال تام لقانون القاضي أو قانون الجنسية الفعلية، بل يجب الأخذ به متى تبين أن هذا القانون هو الأصلح للتطبيق على متعدد الجنسية دون غيره. ([11])
ويمكن القول أن فكرة الحل الوظيفي تنطلق من أمرين هما: ([12])
الأول: أنه إذا طرحت مسألة تنازع الجنسيات أمام القاضي الوطني وطبق قانون الجنسية الأجنبية التي يحملها الفرد متعدد الجنسية، فذلك لا يعد إنكاراً للصفة الوطنية للفرد متعدد الجنسية.
الثاني: على القاضي المعروض أمامه مسألة تنازع الجنسيات أن لا يتقيد بحل عام يطبقه في جميع الحالات، وإنما ينظر إلى المسألة بوصفها مسألة تابعة تثور بشأن مسألة أصلية.
ومن ثم فإن المعيار القائم على الحل الوظيفي ينطلق من فكرة مفادها أنه عند تنازع الجنسيات ليس الهدف هو المحافظة على جنسية دولة قاضي النزاع عندما تكون من بين الجنسيات المتنازعة ولا الجنسية الفعلية عندما لا تكون جنسيته من بين الجنسيات المتنازعة، وإنما المطلوب هو إعمال الروح الجوهرية والمعمقة لقاعدة النزاع، وذلك في إطار النظرة الوظيفية للمسألة.
ولهذا، فإن قبول الإحالة في مسائل الأحوال الشخصية، لا يتأثر بكونها من الدرجة الأولى أو الثانية، وإنما هو مرهون بكون الحل النهائي للنزاع، من شأنه تحقيق الغايات السابقة لقاعدة الإسناد في قانون القاضي، في إطار من التنسيق بينها وبين قاعدة التنازع الأجنبية.
فبالنسبة للإحالة من الدرجة الأولى، فعدم الإخلال بتوقّعات الأفراد- والذي بناء عليه يتم قبولها- يتحقق لما يكون الأفراد مرتبطين بدولة القاضي، كأن يكون فيها محل إقامتهم، أو موطنهم، أو مركز أموالهم، أو يرتبط بها موضوع نزاعهم، مما سيؤدي لسهولة إحاطتهم بهذه القواعد، و لارتياحهم بتطبيق هذا القانون، أكثر من ارتياحهم لتطبيق قانون دولة أخرى، قد يتعذر عليهم الوقوف عليه. ومن ذلك مثلاً، لو مات فرنسي متوطن في ألمانيا عن أموال عقارية ومنقولة فيها، وعرض النزاع على القاضي الألماني، فسيسعى لتطبيق قانون جنسية المتوفي وقت الوفاة، أي القانون الفرنسي، لكن هذا الأخير يعقد الاختصاص للقانون الألماني، باعتباره قانون الموطن الأخير للمتوفى، هنا على القاضي الألماني تطبيق قواعد قانونه أخذاً بالإحالة من الدرجة الأولى.
و إن هذا الحل نموذجي، فهو يحقق التناسق بين قاعدة الإسناد الألمانية والفرنسية، كما أنه مقبول من كلا القانونين، وليس فيه إخلال بتوقعات الأفراد الذين يعلمون مسبقاً أن مورثهم متوطن في ألمانيا، كما انه يجنِّب القاضي المشاكل التي يثيرها تطبيق القانون الأجنبي، من دفع بالنظام العام وصعوبة في الإثبات وغيرها .
وعلى النقيض من ذلك، إذا تبين للقاضي الوطني أن الأخذ بالإحالة إلى قانونه، سيؤدي إلى إخلال صارخ بتوقعات الأفراد، و يتناقض والغاية من قاعدة الإسناد، تعين رفضها، وتطبيق القواعد الموضوعية في القانون الأجنبي([13])، ولعل أهم مجال قد يتحقق فيه هذا الإخلال الصارخ هو مجال الأحوال الشخصية، نتيجة لارتباطها بالعقائد الدينية، وتزداد الصعوبة متى كان القانون المحال عليه قانوناً طائفياً متعدداً فإذا أثير مثلا نزاع أمام القاضي العراقي، خاص بطلاق بين زوجين انجليزيين مختلفي الملة ومتوطنين في العراق ، فانه يتعين رفض الإحالة وتطبيق القانون الانجليزي، الذي عينته قاعدة التنازع العراقي، لان في الأخذ بها، تطبيق للشريعة الإسلامية باعتبارها الشريعة العامة، وفي هذا مساس باعتبارات العدالة، كما تصورها المشرع العراقي نفسه، وانتهاك لتوقعات الأفراد وعصفاً بالغاية من قاعدة التنازع.
أما بالنسبة للإحالة من الدرجة الثانية، فإن من بين ما يقيم التناسق والوحدة في الحلول بين الدول المتصلة بالعلاقة، هو أن يكون القانون المطبق واحدا، ولا يختلف سواء رفع النزاع أمام قضاء الدولة الأولى، أم الثانية، أم الثالثة. وهذا ما يتحقق عندما تحيل قاعدة الإسناد في القانون الأجنبي إلى قانون دولة ثالثة، وتقبل هذه الأخيرة باختصاص قواعدها الداخلية. وهو ما يتضح في المثال، الذي سبق وبينه الفقه الفرنسي وهو، سويسريان خال وابنة أخته، أبرما زواجهما في موسكو وتوطنا بها، حيث يجيز قانونها لهما هذا الزواج . فعلى فرض أنه ثار نزاع بشأن صحته في تاريخ لاحق، أمام المحاكم الألمانية، فإن قاعدة الإسناد الألمانية تعقد الاختصاص للقانون السويسري، بصفته قانون الجنسية المشتركة للزوجين. وهذا الأخير يرفض الاختصاص، ويشير إلى تطبيق القانون الروسي الذي بدوره يقبل الإحالة، ويعتبر هذا الزواج صحيحاً لو رفض القاضي الألماني الإحالة، وطبق القواعد الموضوعية في القانون السويسري، لاعتبر هذا الزواج باطلا، لأن القانون السويسري لا يجيزه. ([14])
وبالتالي فإن هذا الحل كان كفيلاً بحماية توقّعات الزوجين المشروعة، الذين لم يعولا يوماً على القانون الألماني، كما أنه حقق الاتساق القانوني بين الأنظمة المرتبطة بالعلاقة ، أي بين القانون الألماني، السويسري، الروسي، وأدى إلى توحيد الحلول ، إذ هو الحل نفسه الذي كان سيتوصل إليه القضاء السويسري لو طرح النزاع أمامه.([15])
كما أن القضاء الفرنسي، لما عرضت عليه سنة 1924 ،مسألة صحة زواج سوريين يدينان باليهودية، من الناحية الشكلية، تم بإيطاليا أثناء إقامتهما العابرة بها، وفقا للشكل الديني اليهودي الذي يقره قانون جنسيتهما المشتركة ، ثم استقرا بعد ذلك في فرنسا، فأسند الاختصاص للقانون الإيطالي، لأن قاعدة “لوكيس” كانت آمرة آنذاك في القانون الفرنسي، إلا أن القانون الايطالي رفض الاختصاص، وأسنده لقانون الجنسية المشتركة للزوجين، أي القانون السوري، الذي يعتبر هذا الزواج صحيحاً.
وهكذا، يظهر أن في الأخذ بالإحالة من الدرجة الثانية، حماية لتوقعات الأفراد المشروعة، الذين لم يتصورا، أن تطرح مسألة صحة زواجهما أمام القاضي الفرنسي، ولا بتطبيق قانون آخر عليهم، غير القانون السوري الذي رغبوا في الخضوع له، أما لو أن القضاء الفرنسي رفض الإحالة، لطبق القواعد الموضوعية في القانون الإيطالي، التي تبطل هذا الزواج، وهو ما يشكل انتهاكاً صارخاً لتوقعات الأفراد.([16])
وبخصوص أهلية الملتزم الصرفي، فمتى كانت الإحالة من قانون الجنسية، الذي يعتبر الشخص ناقص الأهلية، إلى قانون محل إبرام الصك، الذي هو غالبا قانون موطن الملتزم الصرفي، والذي يعتبره كامل الأهلية، فيحب الأخذ بها في مثل هذه الفروض، لان من شانها الإقرار بصحة الالتزام الصرفي، مما يجعل هذا الحل متوقّع من المتعاملين في الورقة ، ويحقق لهم الأمن القانوني.
وبعد أن اتضحت معالم قبول أو رفض الإحالة، وفقا لمنظور الحل الوظيفي، والتي كثيراً ما يؤدي الأخذ بها، إلى تحقيق وحدة الحلول على المستوى الدولي وتناسقها-وهو ما استنتجناه من الأمثلة السابقة- فإن للإحالة من منظور الحل الوظيفي، وظائف أخرى أكثر أهمية، إذ قد تكون في بعض الفروض، سبباً في تصحيح مسار وعيوب قواعد الاسناد.
التطبيقات العملية لفكرة الحل الوظيفي وفقا لضوابط الإسناد
تعد مشكلة التنازع الإيجابي للجنسيات من المشكلات التي تخلق آثاراً سلبية تلحق الضرر بأصحابها وبعد الحل الوظيفي من الحلول التي تتمتع بالمرونة في إيجاد حل لهذه المشكلة وهي إحدى النظريات الحديثة في هذا المجال، وذلك بمقارنتها بالنظريات التقليدية التي تتعلق بتطبيق قانون قاضي النزاع عندما تكون جنسيته من بين الجنسيات المتنازعة وتطبيق قانون الجنسية الفعلية عندما لا تكون جنسية القاضي من بين الجنسيات.
فوظيفة قاعدة الإسناد، تحقيق التعايش بين النظم القانونية المختلفة، ورعاية المصالح في ميدان التجارة الدولية، وحماية التوقعات المشروعة لأطراف العلاقة، كان لابد من استعراض الموقف من الإحالة بانتخاب بعض ضوابط الإسناد، كعينات للتأكد من سلامة فكرة الحل الوظيفي، والوصول من خلال إعمال أحكامها، إلى اتساق الحلول واختيار انسب النظم التشريعية، الوطنية والأجنبية، لذلك سنقسم هذا المطلب إلى فرعين نتناول في الفرع الأول ضابط الإسناد الحاكم للالتزامات، أما الفرع الثاني سنخصصه لدراسة مسائل الأحوال الشخصية.
تطبيق فكرة الحل الوظيفي بالنسبة للالتزامات
بالرغم من سلامة الأساس القانوني الذي بني عليه الأخذ بالحل الوظيفي، إلا إن استكمال ذلك الأساس يستلزم فحصه من الناحية العملية، والالتزامات تقسم إلى التعاقدية وغير التعاقدية ولأجل ذلك سندرس هذا الفرع على النحو الآتي:
أولا: العلاقة بين ضابط الالتزامات غير التعاقدية وفكرة الحل الوظيفي.
إن فكرة الإحالة نادرة الحدوث في نطاق الالتزامات غير التعاقدية، لان غالبية التشريعات تعقد الاختصاص فيه لقانون محل وقوع الفعل المنشئ للالتزام.
حيث تنص المادة 27 من القانون المدني العراقي لعام 1951 على ان ” الالتزامات غير التعاقدية يسري عليها قانون الدولة التي حدثت فيها الواقعة المنشئة للالتزام”.([17])
ومع ذلك يمكن الاحتياج لتطبيق الإحالة في ضوء المنهج التحليلي، والتفسير الغائي لقاعدة الإسناد، وتركيز الموقف على اعتبارات وأسباب اختيار قاعدة الإسناد، وإدراك هذه الغاية التي يسعى إليها المشرع الوطني سيسهم في قبول الإحالة التي تروم تحقيق المصلحة والعدالة. ([18])
فلو إن إحدى الجامعات العراقية، أرسلت وفداً من الطلبة والخبراء والتدريسيين، إلى لبنان لإجراء تجارب في مختبرات علمية، وخلال تواجد الطلبة في الأراضي اللبنانية حصل خطأ من احدهم، تسبب بضرر لزميل له في الرحلة وافترضنا إن دعوى التعويض عن ذلك الضرر، قد عرضت أمام القضاء العراقي، والذي سيطبق القانون اللبناني- قانون محل وقوع الفعل المنشئ للالتزام، وخلال فحص القاضي العراقي للقانون اللبناني، ولنفترض أن الأخير يقضي بتطبيق القانون العراقي- قانون جنسية أطراف العلاقة- وسيطبق القاضي العراقي بالتالي القواعد الموضوعية في قانونه. نعتقد مع جانب من الفقه ([19])، إن القاضي الوطني- العراقي- في هذه الحالة سيجد في إعمال القواعد الموضوعية في قانونه ما يحقق غاية قاعدة الإسناد الوطنية وذلك للأسباب الآتية:
أولا: إن المشرع حينما اخذ بقانون محل وقوع الفعل المنشئ للالتزام قد بين حكما وضابطا للوضع الغالب الذي يتفق مع توقعات الأفراد المشروعة.
ثانيا: رغبة المشرع في تركيز المسالة المتولدة عن الفعل الضار عن طريق الاهتمام بمكان الفعل المنشئ للالتزام غير العقدي. هذه هي الاعتبارات الأساسية في مبنى المشرع الوطني، ولكن بالتدقيق والتأمل في المثال أعلاه، نجد تخلف الاعتبارات التي اعتمدها المشرع في تقرير ضابط الإسناد، فوقوع الفعل المنشئ للالتزام كان أمرا عارضا لا يستقيم احتسابه معيارا للإسناد في حالتنا، كما أن إعماله يعد إخلالا بتوقعات الأطراف، الدائن المضرور والمدين المسؤول.
في ضوء ذلك سنكون أمام فرضيات قد تتكرر في المستقبل تنتفي معها غاية قاعدة الإسناد وحكمتها، والسؤال الذي يثار بهذا الصدد، ما هو دور القضاء في المعالجة لذلك وتحقيق اعتبارات قاعدة الإسناد، في الإجابة على هذا السؤال يرى جانب من الفقه انه يجب على القضاء في هذه الحالة تصحيح مسار قاعدة التنازع التي وضعها المشرع الوطني، من خلال الإحالة إلى القواعد الموضوعية للقانون المحال إليه القانون العراقي.
بما يؤدي إلى إخضاع العلاقة المذكورة إلى أكثر القوانين اتصالا بها، وتطبيق أكثر القوانين توقعا بالنسبة لأطراف العلاقة، ويحفظ لقاعدة الإسناد وظيفتها التي ترمي إليها في إطار من التنسيق بينها وبين غيرها، وبما ينسجم مع التوجهات الحديثة في أعمال القانون المحلي بوصفه القانون الذي يحكم الوسط الاجتماعي الذي حدثت فيه الواقعة التي ترتب عليها الفعل المنشئ للالتزام.
وهذا الاتجاه من الاتجاهات التي لاقت اهتمام كبير من قبل التشريعات الحديثة إيمانا منها بالمنطق السليم الذي يستند إليها، ينظر نص المادة 48/1 من القانون الدولي الخاص النمساوي لعام 1979، والمادة 35/3 من القانون التركي لعام 1982، والمادة 133 من القانون الدولي الخاص السويسري لعام 1987، والمادة 32/2 القانون الدولي الخاص المجري لعام 1979. ([20])
ثانياً: حالة الأخذ بقانون الإرادة وعلاقته بفكرة وظيفة قاعدة الإسناد.
إذا اختار المتعاقدان قانونا معينا ليحكم عقدهما الدولي طبقا لنص المادة (25) من القانون المدني العراقي، فانه يفهم من ذلك إن المقصود بقانون الإرادة، هو الأحكام المادية في القانون المختار، ولا مجال للأخذ بالإحالة في هذه الحالة، واستشارة قواعد الإسناد في القانون الأجنبي الواجب التطبيق، وبالتالي فعلى القاضي أن يذهب مباشرة إلى الأحكام الموضوعية في القانون المختار، ويطبقها على واقعة الدعوى.
فالقانون الصالح للتطبيق في مادة العقد، أو الأعمال الإرادية هو القانون الذي تعينه الإرادة العقدية بالذات، والتي تقتضي بأن لا تؤثر في تلك الإرادة أو تؤدي إلى تجاوزها. فاتجاه إرادة المتعاقدين إلى اختيار قانون معين لحكم علاقاتهم التعاقدية، يتم في ذات الوقت عن رغبتهم في إخضاع هذه العلاقة للقواعد الموضوعية التي يتضمنها هذا القانون . ومن ثم لا يجوز تطبيق قواعد الإسناد التي يتضمنها القانون الذي يختاره المتعاقدان، إذ قد يؤدي تطبيقها إلى إخضاع العلاقة العقدية إلى قانون أخر، مما قد يخل بتوقعاتهم. فما دام المتعاقدين قد اختارا القانون الفرنسي مثلا لحكم العقد الدولي المبرم بينهم، فلم يعد مقبولا أن نستشير قواعد الإسناد في هذا القانون، ونقبل إحالتها إلى قانون أخر، لان في ذلك تجاهل لضابط الإرادة، الذي وضعه المشرع كمعيار لاختيار القانون الواجب التطبيق على الالتزامات. فأطراف العلاقة حينما يختارون قانونا ليحكم عقدهم، فالمفترض أنهم يعرفون هذا القانون، وإنهم اختاروه ثقة منه في انه الأقدر على حسم المنازعات التي تثور بخصوص علاقاتهم، فهو حسب ما يرى جانب من الفقه، قانون يحقق مصالحهم ومصالح التجارة الدولية ويثق فيه الأفراد وفي ملائمته لحكم علاقتهم([21])
ومن هنا نعرف- في هذه الحالة- عدم ملائمة الإحالة في شان قاعدة الإرادة وفي ذلك تحقيق لغاية قاعدة الإسناد.
ولكن السؤال الذي يطرح بهذا الصدد، إلا يمكن التوفيق بين الإرادة العقدية ونظرية الإحالة، في معرض الإجابة يحبذ جانب من الفقه الألماني الأخذ بالإحالة، في هذا المضمار في فروض معينة، أيا ما كانت صحة الدوافع التي تملي ضرورة استبعاد الإحالة في إطار الالتزامات التعاقدية، التي يكون لإرادة الأطراف دور في اختيار القانون الواجب التطبيق عليها.
وبالتالي ينبغي عدم إتباع تلك القاعدة، في جميع الأحوال على نحو بعيد عن التحليل، للوصول إلى غاية قاعدة الإسناد، التي قد لا يكون أحد الأطراف ملتفت إليها وانعدمت نتيجة لذلك معرفتهم بالقواعد المادية في القانون الأجنبي. ولما كان رفض الإحالة مرده إلى الرغبة في احترام إرادة المتعاقدين وإرادة المشرع الذي قرر مثل هذه القاعدة، وبالتالي يقبل هذا الاتجاه الأخذ بالإحالة فيما لو تبين من ظروف التعاقد أن المتعاقدين قد أبديا رغبتهم في الخضوع لما تشير إليه قواعد الإسناد في القانون المختار. ويظهر من موقف أصحاب هذا الاتجاه تمسكهم بغاية ووظيفة قاعدة الإسناد، إذ يتعاملون معها ويوفقّون بينها وبين الإحالة ويرون إمكانية إعمالها كلما توفرت غاية قاعدة الإسناد.
وهنالك مسألة تحتاج إلى تأكيد وهي انتفاء اختيار لقانون العقد بالمرة، هنا نكون أمام وضع يتخلف فيه قانون الإرادة، فعند ذلك طرق مختلفة للإسناد تقوم على أساس التركيز الموضوعي للرابطة العقدية، سواء كان تركيزا تشريعيا أو قضائيا، فالمنهج التشريعي يقوم به المشرع بنفسه بعملية التركيز، عند تخلف قانون الإرادة.([22])
ويحدد بصورة آمرة القانون الواجب التطبيق، وحاصله تطبيق قانون الموطن المشترك للمتعاقدين، إن اتحدا موطنا وإلا فقانون محل إبرام العقد. ويوصف هذا المنهج بأنه عام وجامد، فهو يعمل بالنسبة لكافة العقود دون تمييز بينها ويفترض دائما أن مركز الثقل هو الموطن المشترك، فالجمود والإطلاق في هذه الضوابط، التي وضعها المشرع أمر من شانه أن يصفها بالقصور وعدم الواقعية، وعجزها عن تحقيق الغاية التي ترمي إليها القاعدة ذاتها، تأسيساً على ما تقدم يرى جانب من الفقه انه لما كان ضابط الإسناد المحدد سلفا من قبل المشرع قد يبدو غير ملائم في بعض الفروض، فانه يجب التنسيق بينه وبين قاعدة التنازع في القانون المعين، وعند ذلك قد يكون في الأخذ بالإحالة والرجوع إلى قواعد الإسناد ما يحقق مصالح الأطراف ويحمي توقعاتهم وعند ذلك تبدو الإحالة بوصفها أداة نموذجية لتحقيق التناسق والتعاون مع قاعدة الإسناد الأجنبية لبلوغ أهداف وغايات قاعدة الإسناد، ونصل من خلال الاستعانة بالإحالة، إلى بلوغ حلول مهمة في إطار العلاقات الخاصة الدولية، وتغني بالتالي عن إيجاد قواعد جديدة تلائم العلاقة المطروحة.
من الثابت في نطاق القانون الدولي الخاص، إن أهم مصاديق العلاقة بين وظيفة قاعدة الاسناد والاحالة، تظهر في مسائل الاحوال الشخصية، لتعلق الاخيرة بالعقائد الدينية، والتنوع المذهبي، لأطراف العلاقة محل النزاع، كما تبرز تلك العلاقة ايضا في غيرها من المسائل الا أن بحثها يستلزم دراسة اعمق واكثر شمولا وسنقتصر هنا على بحث الاحوال الشخصية كمصداق على تحقق فكرة الحل الوظيفي، اذ تعارضت المواقف حول امكانية اعمال الاحالة في مجال الاحوال الشخصية بين مؤيد ومعارض، اذ يرى البعض من الفقه الالماني في معرض تفسير نص المادة 14 فقرة 3 من القانون الدولي الخاص والتي تنص على ان ” تخضع الاثار العامة للزواج لقانون الدولة التي يتصل بها كل من الزوجين بالصلة الاكثر ارتباطا بأية طريقة اخرى كانت”، بضرورة استبعاد الاحالة من دائرة التطبيق، كون المشرع اختار الضابط المنصوص عليه في المادة المذكورة انفاً، بوصفه الحل الامثل والافضل لحكم الاثار العامة، بعد استعراض كل الضوابط الاخرى، ومن ثم استقر راي المشرع على الضابط المشار إليه، ونعتقد ان هذا الحكم يتأكد في المواطن التي تختلف فيها الاسس التي يقوم عليها القانون الواجب، الذي اشارت اليه قواعد الاسناد الوطنية، والقانون المحال اليه، كما وان اشارة هذه المادة لابد وان يفهم منها العمل بالقواعد المادية من هذا القانون دون قواعد القانون الدولي الخاص.
فقانون الموطن سيحقق توحيد الاختصاصين التشريعي والقضائي، فوق ذلك ان القاضي يفضل لأسباب متعددة تطبيق قانونه الوطني، فهو به اعلم وبنطاقه ادرى. فالقاضي سيكون وفقا لهذا الاتجاه بمنأى عن اللمم والخطأ، ويتجاوز صعوبة ما يعتبر من القواعد الموضوعية والإجرائية، ويتمكن بعدها من ضمان توقعات الاطراف المشروعة، فحينما تشير قواعد الاسناد الوطنية الى تطبيق قانون الجنسية –القانون الاجنبي- وكانت قواعد الاخير تسند العلاقة الى قانون الموطن، فيمكن من هذا الفرض قبول الاحالة لغرض تحقيق وظيفة قواعد الاسناد، اذ ان الاخذ بالإحالة من الدرجة الاولى لا يتعارض مع وظيفة قاعدة الاسناد، بل سيكون اكثر تحقيق لأهدافها، وبالتالي سيؤدي الى استقرار الحياة القانونية والمعاملات داخل اقليم الدولة وتحقيق لفكرة التعايش المشترك بين النظم القانونية ووحدة الحلول، تمهيدا لسهولة تنفيذ الحكم الاجنبي. ([23])
اما اذا ترتب على الاخذ بالقواعد الموضوعية لقانون القاضي اخلال بتوقعات الاطراف، فمن غير المستساغ في هذه الحالة الاخذ بالإحالة، لان اعمالها سيتسبب بإخلال صارخ في التوقعات المشروعة لأطراف العلاقة، وبالتالي تعارض الاسس التي تقوم عليها مسائل الاحوال الشخصية بين القانون الواجب التطبيق الاجنبي والقانون الوطني للقاضي المحال عليه.
فاذا اثير نزاع امام القاضي العراقي، بشان طلاق زوجين انكليزيين متوطنين في العراق فانه يتعين وفقا لقواعد الاسناد العراقية تطبيق القانون الانكليزي – قانون الجنسية – وقاعدة اسناد الاخير بدورها ستعقد الاختصاص لقانون الموطن- القانون العراقي- ومن ثم سيترتب على الاخذ الاحالة في هذه الحالة تطبيق قانون الاحوال الشخصية العراقي المستمد من الشريعة الاسلامية وفي ذلك اخلال بتوقعات اطراف العلاقة.
وعلى ما تقدم يمكن الوصول الى نتيجة مفادها، ان اصحاب الاتجاه الثاني يؤسسون لفكرة مفادها ان الاحوال الشخصية للأجانب يحكمها قانون الجنسية بصفة اصلية، وقانون الموطن بصفة احتياطية، دون العكس اي لا تجوز الاحالة من قانون الموطن الى قانون الجنسية.
في حين يرى اتجاه ثالث وجوب اتباع النسبية في التطبيق بخصوص الاحالة، ومنشأ هذا الرأي هو الحل الوظيفي لقاعدة الاسناد، فالمشرع الوطني حين وضع قاعدة الاسناد لتحديد قانونا معينا، فهو يفعل ذلك لأنه يرى فيه القانون الانسب لحكم المسالة المنظورة، ولكن هذا الحكم ليس له صفة الاطلاق، اذ قد يرى القانون الواجب التطبيق، المحدد بموجب قاعد الاسناد الوطنية، ان الانسب لحكم العلاقة القانونية هو تطبيق قانون اخر سواء كان قانون القاضي أم قانون ثالث.
وفي ضوء ذلك متى لم تكن ضوابط الاسناد الوطنية ضوابط مطلقة، فان المنطق القانوني، يقضي -في بعض الظروف- تحقيقا لهدف قاعدة الاسناد، ترك الاختصاص لما تحدده قواعد الاسناد في القانون الاجنبي، ومن ثم يبدو من غير المقبول رفض الاحالة في مسائل الاحوال الشخصية، والتضحية بالهدف الاساس الذي تسعى الاحالة الى تحقيقه، الا وهو تحقيق الاتساق في الاحكام على المستوى الدولي.
وبالتالي تضع الاحالة قاعدة الاسناد على مسارها الصحيح فترشدها وتضبط غايتها، والتخلص من ظاهرة عدم التنسيق بين المشرعين ومثال ذلك ما نصت عليه المادة (19/2) من القانون المدني العراقي، والتي جاء فيها ” يسري على الطلاق والتفريق والانفصال قانون الزوج وقت الطلاق أو وقت رفع الدعوى”، وكذا موقف المشرع المصري في المادة (13/2) من القانون المدني.
هذا الحل الذي جاء به المشرع العراقي ليس بمنجى من النقد والتجريح، اذ يؤدي الى عدم احترام الحقوق المكتسبة للزوج الاخر، لان مجرد تغيير الزوج لجنسيته يؤدي الى تغيير القانون المختص، وبالتالي تطبيق قانون جنسية الزوج الجديدة.
كما يتأكد عيب هذا الحكم بانفراد قانون واحد- قانون جنسية الزوج- علما ان الزواج رابطة بين زوجين تنشا وفقا لقانونيهما، او لقانون يكون الطرفين متبصرين به، ان لم يخضعا معا لقانون واحد، وهذا ما اخذت به اتفاقية لاهاي لعام 1955في المادة (8) منها اذ تنص على انه “اذا لم يكن الزوجان من جنسية واحدة فيكون قانون اخر جنسية مشتركة لهما هو القانون المعتبر بالنسبة لتطبيق المواد السابقة هو قانون جنسيتهما”.
ونهيب المشرع العراقي اعادة النظر في موضوع الاحالة في نطاق الاحوال الشخصية، والاقتداء بما ذهبت اليه التشريعات الالماني والتشيكي، من وضع ضوابط تقرر مناطاً جديداً للإحالة، متمثل بمراعاة روح قاعدة الاسناد الوطنية، وما تسعى اليه من اسس تحقق التعايش المشترك بين النظم القانونية المختلفة.
فإن الحل المتمثل بتطبيق قانون جنسية قاضي النزاع اصبح يتعارض مع روحية هذا العصر ويتجاهل ضرورة التطابق بين الجنسية القانونية والجنسية الواقعية للفرد، وهو غير عادل وغير منطقي وغير واقعي. في حين ان الحل الوظيفي يراعي ضرورات ومقتضيات الواقعية والعدل ويكرس مبدأ الملائمة للحالة المعروضة بمناسبتها مسألة التنازع الايجابي للجنسيات، لكنه وفي ذات الوقت يؤدي الى عدم الامان القانوني في كل مرة تطرح فيها هذه المسألة، حيث في كل فرض ممكن ان يختلف الحل عن الفرض الذي سبق وهكذا دواليك. فمن اجل حل هذه المسألة يبقى حل الجنسية الفعلية هو الافضل. فهو يتحاشى سيئات الحل الذي يعتمد قانون جنسية قاضي النزاع لجهة عدم الواقعية والملائمة والعدالة من جهة، ويتحاشى نقطة ضعف الحل الوظيفي المتمثلة بعدم الامان القانوني كما تم بيانه اعلاه. واذا كان هذا القضاء قد استبعد تطبيق قانون الجنسية الفعلية في فرنسا تحاشياً لتطبيق احكام قانونية في فرنسا تتناقض بشكل كامل مع القانون المدني الفرنسي، ولاسيما في مسائل الاحوال الشخصية، فإن الامر في لبنان مختلف تماماً حيث يذهب اللبنانيون الى الخارج بهدف العمل، في معظم الاحيان، ليستقروا ويحصلوا على جنسية بلدان هذا الخارج بالاضافة الى جنسيتهم اللبنانية ويقرروا بالتالي الخضوع طوعاً لقوانين هذه البلاد؛ في حين ينتقل المسلمون من اصول مغاربية الى فرنسا ويحصلون على الجنسية الفرنسية مع احتفاظهم بجنسيتهم الام وبإرتباطهم الوثيق ببلدهم الام، وتهرباً من القانون المدني الفرنسي، يلجأوون الى قضاء بلدهم الاصلي ويستحصلون على قرارات بالطلاق مبنية على ارادة الزوج المنفردة وفق احكام الشريعة الاسلامية. ومن ثم يطلبون اكساء هذه الاحكام بالصيغة التنفيذية في فرنسا؛ او يلجأ المسلمون الفرنسيون الى عقد زواج ثانٍ في بلدهم الاصلي الذي يبيح تعدد الزوجات (Polygamie)، الامر الذي يتعارض بشكل صارخ مع احكام القانون المدني الفرنسي ومع اسس قيام الجمهورية الفرنسية المدنية والعلمانية، ويدفع بالتالي الفقه والاجتهاد الفرنسيين الى إستبعاد تطبيق نظرية الجنسية الفعلية في التنازع الايجابي للجنسية الفرنسية مع جنسية اخرى. أما اللبنانيون الذين يهاجرون الى بلدان شتى في هذا العالم، يستقرون ويركزون شؤون حياتهم فيها ويحصلون على جنسيتها ويخضعون لقوانينها وبالتالي تصبح – بالنسبة للقانون اللبناني – التصرفات المتعلقة بالاحوال الشخصية التي ينشؤوها حسب قوانين هذه البلاد وكأنها صادرة عن شخص يحمل جنسية اجنبية وليس كالتصرفات الصادرة عن لبناني ذهب الى الخارج تهرباً من القانون اللبناني أو للتحايل على هذا القانون. ([24])
هذا مع العلم بأن معظم الأحكام القانونية لقوانين الأحوال الشخصية المدنية في البلدان التي يلجأ اليها اللبنانيون لا تتعارض بشكل عام قوانين الأحوال الشخصية اللبنانية بعكس ما هو عليه الحال بالنسبة للمسلمين المغاربة الذين يريدون اكساء القرارت القضائية الصادرة في بلادهم الأصلية حسب أحكام الشريعة الاسلامية، بالصيغة التنفيذية في فرنسا التي تعتنق القانون المدني في الأحوال الشخصية.
ففي لبنان لم يعد من المنطقي ولا من العدل بمكان ان يطبق الحل الكلاسيكي في مسألة التنازع الايجابي للجنسيات تحت اي عذر او سبب، لا سيما تلك التي أكل عليها الزمان وشرب. لذلك قررت محكمة التمييز اللبنانية في قرارها المذكور أعلاه تاريخ 1 تموز 1993 ان تهمل هذا الحل لمصلحة حل الجنسية الفعلية. وذلك عندما جاء في متن هذا القرار بانه يجب أن يطبق قانون جنسية الموصي الاجنبي لأن هذا الموصي كانت اقامته الدائمة والفعلية في كندا وليس في لبنان. وهذا امر منطقي وعادل ومتوافق مع ارادة الموصي التي ذهبت الى الخضوع الطوعي لقانون جنسيته الاجنبية. وهذا الحل يتوافق ايضاً مع حقوق الانسان في حرية التنقل حول العالم واعتناق الجنسية التي يريد. وبعد نحو خمسة عشر عاماً، اصدرت محكمة التمييز قرارها الصادر في 13/11/2008 المذكور اعلاه لتأكد مرة جديدة على ضرورة الاقلاع عن التطبيق الجائر لقانون جنسية القاضي ولاعتماد حل الجنسية الفعلية مع انها عللت قرارها على اساس الحل الوظيفي. ولكن من خلال تعليلها لهذا القرار اشارت الى ثلاثة مفاهيم قانونية مرتبطة بحل الجنسية الفعلية بمفهوم القانون الدولي الخاص.
فهي من جهة اولى، صادقت على قرار محكمة الاستئناف الذي طبّق قانون الجنسية الفرنسية على اللبناني الذي يحمل الجنسيتين – اللبنانية والفرنسية – لأنه الأكثر ارتباطاً بالمسألة المعروضة ما يعني ان الموصي هو أكثر اتصالاً بالقانون الفرنسي. فهو الذي يعيش في فرنسا مكتسباً جنسيتها وخاضعاً لقوانينها وانظمتها ومركِّزاً كل شؤون حياته فيها، انما يعيش في ظل هذه الجنسية – اي الجنسية الفرنسية – بشكل فعلي وواقعي. وبذلك يعتبر تطبيق القانون الفرنسي عليه انما هو تطبيق لقانون الجنسية الفعلية، اي التي يعيش هذا الموصي في ظلها فعلياً وواقعياً، لذلك يكون قانون هذه الجنسية هو الاكثر ارتباطاً وتناسباً مع مركز هذا الشخص.
ومن جهة ثانية، اعتبرت المحكمة ان تطبيق القانون الفرنسي في المسألة المعروضة هو في محله لاحترامه للمبادئ المكرسة في معاهدتي لاهاي المتمثلة باحترام ارادة الموصي وحق الخيار العائد له متى كان يحمل جنسيتين او اكثر، بأن يختار قانون احداها ليسود العمل القانوني. وبعبارة اخرى، هو احترام لإرادة الموصي باختيار الجنسية التي يعيش في ظلها وهي هنا الجنسية الفرنسية التي تعتبر جنسيته الفعلية التي يعيش في ظلها بشكل فعلي وواقعي. فهو أراد ان يذهب الى فرنسا ليستقر فيها ويرتب شؤون حياته في ظل قوانينها؛ فالجنسية الفعلية في هذه الحالة هي الجنسية الفعلية وليست اللبنانية التي لا يعيش في ظلها او في احسن الاحوال يتردد الى لبنان في المناسبات والأعياد ليعود بعد ذلك الى فرنسا ويمارس حياته الاعتيادية فيها.
ومن جهة ثالثة، لقد اعتبرت ايضاً هذه المحكمة ان تطبيق قانون الجنسية الفعلية في هذه الحالة ما هو الا ترجيح لنية الموصىي الحقيقية التي تتجلى في اعتناقه للجنسية الفرنسية والخضوع لقوانينها واعتبارها جنسيته الفعلية التي يعيش بشكل فعلي وواقعي في ظلها. وتجدر الاشارة في هذه العجالة بأن استثبات الجنسية الفعلية لا يتوقف فقط على ارادة الشخص باختيار جنسية معينة بل يتخطى ذلك الى الخضوع عملياً لقوانين هذه الجنسية عملياً.
لذلك، إن اعتماد محكمة التمييز على نظرية الحل الوظيفي لتعليل قرارها المذكور أعلاه، لا يلغي الملامح الواضحة للحل الذي يعتمد قانون الجنسية الفعلية وذلك واضح من خلال تعليل قرارها هذا الذي يرتكز على مسألتين اساسيتين:
- الاولى تتمثل في احترام ارادة الموصي الذي اختار البلد الذي سيعيش في ظله وبالتالي يكتسب جنسيته ويخضع لقوانينه.
- اما الثانية فتتمثل بضرورة تطبيق القانون الأكثر اتصالاً بالمسألة المعروضة وتامين الحل الملائم للنزاع.
ففيما الأولى تشير بوضوح الى ضرورة تطبيق قانون الجنسية الفعلية التي يعيش الموصي في ظل قوانينها بملىء ارادته وهو كان يعيش في ظلها اصلاً، تؤكد الثانية على صحة تطبيق القانون الفرنسي الأكثر اتصالاً بالمسألة المعروضة حيث يؤمن الحل الملائم للنزاع. ذلك ان هذا الحل الملائم للمسألة المعروضة ما هو الا تجسيد لمقتضيات الجنسية الفعلية التي يعيش الموصي في ظلها. فعنصر الملائمة هذا ينبثق من كون من الملائم ان يطبق على الشخص قانون الجنسية التي يعيش في ظلها بشكل فعلي وحقيقي ويركّز في ظلها كافة شؤون حياته. فمن الملائم بالتأكيد أن يخضع اللبناني الذي يعيش في فرنسا بشكل فعلي للقانون الفرنسي لأن أحكام هذا القانون هي التي تحكم شؤون حياة هذا اللبناني وليس قانون جنسيته اللبنانية الذي يعيش بعيداً عنه.
واذا كان لا بد من اعتماد حل ملائم وعادل لمسألة التنازع الايجابي للجنسيات، فلا مناص برأينا من اعتماد حل الجنسية الفعلية وذلك بالارتكاز الى الاسباب الآتية:
أولاً : إن هذا الحل يؤمن الأمان القانوني ذلك انه يمكن توقّع الحل الذي يجب أن يُعتمد للفرض المطروح من مسألة التنازع الايجابي للجنسيات. فمن اليسير على المحكمة الوقوف على العناصر الواقعية التي تحدد الجنسية الفعلية لشخص يحمل جنسيتان أو أكثر وهنا لابد من الاشارة الى أن تحديد الجنسية الفعلية يمكن ان يرتكز على معيارين: الأول ذاتي ويرتكز على عنصر الخضوع أو الولاء Allégeance اي ولاء شخص لدولة ما أراد أن يعيش بملىء ارادته في ظل سيادتها. الثاني موضوعي يرتكز على التموضع الحقيقي والفعلي لشخص ما (Effectivité de proximité) وفي هذا السياق يمكننا القول بأن أي تغيير لعناصر التموضع الفعلي يؤدي الى تغيير الجنسية الفعلية كتغيير المسكن الاعتيادي لشخص ما من دولة الى اخرى. وهذان المعياران يتكملان. فمعيار الإرتباط يسهّل تطبيق معيار الولاء. ([25])
ولا بد من القول في هذه العجالة الى انه في حال وجود جنسيتان فعليتان متنازعتان، وهذا امر نادر الحصول، يصار الى اعتماد قانون الجنسية الأكثر فعلية[85]، وهذا امر متاح وممكن لقضاة الاساس. وفي حال تعذر هذا الأمر يُفضل برأينا الاعتماد على ارادة الشخص المعني من اجل تحديد الجنسية التي ينبغي تطبيق قانونها.
ثانياً : ان اختيار حل الجنسية الفعلية يؤكد احترام ارادة الفرد الذي اختار جنسية ثانية غير جنسيته الأصلية وإرتضى العيش في ظلها وتموضع في ظل سيادة قانونها وعلى اقليمها.
وقد شددّت محكمة التمييز اللبنانية في قرارها الاخير-اي قرار تاريخ 13/11/2008 المذكور اعلاه- على احترام ارادة الفرد أي الموصي مرتكزةً على هذا المبدأ لتعليل النتيجة التي وصلت اليها. وهنا يمكننا الحديث عن الخضوع أو الولاء Allégeance الذي يؤخذ بعين الاعتبار لدى تحديد جنسية الشخص المزدوج او المتعدد الجنسية.
ففي حالة التنازع الايجابي للجنسيات يجب الوقوف على الجنسية التي اختارها الشخص. لم يعد ثمة من مكان لتطبيق المبادئ التي اعتنقها الفقه والاجتهاد السابقين، والتي تؤكد – أي المبادئ- على أن مسألة الجنسية هي من اختصاص الدولة فقط وليس للأفراد شأن في ذلك. ([26])
ولكن محكمة التمييز اللبنانية ومنذ زمن بعيد أقرت بشكل خجول بأهمية وبدور إرادة الشخص في تحديد الجنسية في حالة التنازع الايجابي للجنسيات : “وبما أنه لا يتبين أن السيدة أوجين فقدت جنسيتها اللبنانية هذه فإذا جاز لها أن تحتفظ بجنسيتها الأجنبية بالإضافة الى جنسيتها اللبنانية، يبقى أن التفضيل بين الجنسيتين هو للجنسية اللبنانية حفاظاً على سيادة القانون الوطني، واستناداً الى كون الجنسية المكتسبة أخيراً هي المفضلة بإرادة حاملتها المفترضة وبإرادة المشترع الأكيدة التي يعطيها لإخضاع صاحبها للقوانين وللمبادئ الوطنية….”. ([27])
وقد أكدت هذه المحكمة على الدور الاساسي للفرد في تحديد جنسيته في مسألة التنازع الايجابي للجنسيات بشكل غير مباشر في قرارها تاريخ 1/7/1993 المذكور أعلاه، وبشكل مباشر في قرارها تاريخ 13/11/2008 المذكور أعلاه أيضاً.
وهنا لا بد من الاشارة الى الترابط بين الجنسية الفعلية وإرادة الفرد، فهذه الارادة تلعب دوراً اساسياً في تجسيد العناصر التي تجعل جنسيته فعلية. فهو يختار بملىء إرادته ان يكون موظفاً، أو أن يعيش في دولة ما، أن يركّز أعماله فيها، أن يؤدي خدمة العلم في هذه الدولة…. وهذا يعني أن الجنسية الفعلية هي الجنسية المختارة من قبل الفرد. ولكن هذه الارادة المجردة وحدها لجنسية ما لا تكفي، إذ ينبغي أن تقترن هذه الارادة بأن يعيش هذا الفرد بشكل واضح وفعلي وواقعي لهذه الجنسية.
وهنا لا بد من الاشارة أيضاً الى أنه سنداً لمنطق القانون الدولي الحديث، ليس فقط مصلحة الدولة يجب أن تؤخذ بعين الاعتبار، بل يجب الالتفات الى مصلحة الفرد أولاً. والجنسية الفعلية للفرد هي التعبير الاساسي عن مصلحته وإرادته، وهي الانعكاس لفعل الارتباط الاجتماعي الذي من شأنه التوزيع الموضوعي للأشخاص. وهذا لا يتعارض مع مصلحة الدول في التوزيع العقلاني والمنطقي للأشخاص. فالشخص الذي يحمل جنسية دولة ما وارتباطه بها شبه معدوم، لماذا تتمسك هذه الدولة باعتباره أحد مواطنيها؟ في حين يحمل جنسية دولة اخرى يعيش على اراضيها وفي ظل قوانينها مركزاً أعماله وكل شؤون حياته فيها، ويتمسك بجنسيتها. فحتى لو اعتمدنا النظرية التقليدية التي تؤكد على الحق والسلطة المطلقة للدولة بمنح او بسحب الجنسية، فإنه من غير المنطقي أن تتمسك هذه الدولة بإلصاق جنسيتها بشخص ما لا تربطه بهذا الدولة الا الصلة القانونية دون اي ارتباط واقعي بهذه الدولة.
ولم يتردد القضاء الفرنسي من الوقوف على ارادة الفرد عند البحث عن الجنسية الواجب اعتمادها في مسألة التنازع الايجابي للجنسيات. ففي قرارين لمحكمة التمييز الفرنسية يبدو الاتجاه واضحاً للوقوف على ارادة الفرد هذه. ([28])
ثالثاً: إن اعتماد الجنسية الفعلية في مسألة التنازع الايجابي للجنسيات احتراماً لإرادة الشخص المعني بهذا المسألة يؤدي إلى احترام حقوق الانسان التالية:
أ- إن اعتماد هذا الحل يؤدي الى احترام حق الانسان بالحياة الخاصة (Droit au respect de la vie privée). ففي قرارها تاريخ 12/1/1999، اعتبرت المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان أن الرفض الاعتباطي لجنسية شخص ما، يعد انتهاكاً للمادة 8 من الاتفاقية الأوروبية لحقوق الانسان. وسنداً للاجتهاد الاوروبي المتعلق بالحق باحترام الحياة الخاصة، إن هذا الحق يحمي الهوية والازدهار épanouissement الشخصي لشخص ما، والى تطوير علاقات الشخص مع اقرانه ومع العالم الخارجي عن طريق الحصول على جنسية ما. وينقسم هذا الحق بدوره الى الحق بالهوية والحق بإقامة وتطوير علاقته الاجتماعية. فالحق بالهوية يتعلق بشكل مباشر باختيار الجنسية. فهذا الاختيار يتبعه اختيار الهوية وبذلك احترام للإرادة الشخصية للفرد فكما أن الفرد يحق له على سبيل المثال تغيير هويته المدنية في حال تغيير جنسه من جنس الى آخر، فإنه يحق له تحديد هويته بالاستناد الى الجنسية التي يسعى اليها. ([29])
أما فيما خص حق الإنسان بإقامة وتطوير علاقاته الاجتماعية، فقد اعتبرت محكمة العدل الاوروبية بأن الحق باحترام الحياة الخاصة يحتوي على حق الفرد بإقامة وتطوير علاقته مع أقرانه ومع العالم الخارجي. ان مفهوم الحياة الخاصة لا يحتوي فقط على الحماية ضد نشر معلومات خاصة بل ان هذا المفهوم يحتوي على حق الفرد بالمطالبة بحماية حقه بإقامة علاقات اجتماعية وتطويرها.
ب- ويؤدي اعتماد هذا الحل ايضاً الى احترام المادة 15 من الاعلان العالمي لحقوق الانسان الصادر في 10 كانون اول 1948 والتي تنص على انه “لكل فرد حق التمتع بجنسية ما؛ ولا يجوز، تعسفاً، حرمان اي شخص من جنسيته ولا من حقه في تغيير جنسيته”. وهذا يعني انه لكل انسان الحق بأن يتمتع بجنسية تربطه بدولة ما، ولكن وبذات الوقت له الحق أن يغيّر هذه الجنسية واختيار الجنسية التي يريد. والمقصود بالجنسية التي يريد الحصول عليها هي تلك التي يعيشها حقيقة وواقعاً من خلال الخضوع لقانون هذه الجنسية وانظمتها. ([30])
وهو بذلك اراد ان يغيّر جنسيته الاصلية ليحصل على جنسية جديدة ويعيش بظلها او بالأحرى الحصول على جنسية جديدة مع احتفاظه بجنسيته الأصلية وهو ما لا يؤثر في ارادته الحصول على جنسية جديدة ليعيش بظلها وسنداً لقوانينها. وبما ان تغيير الجنسية الاصلية أو اكتساب جنسية اخرى يتم عادة عن طريق الانتقال الى دولة اخرى للحصول على جنسيتها بعد ان يقيم فيها اقامة دائمة او شبه دائمة ويمارس حياته فيها في ظل قانون جنسيتها، تكون شرعة حقوق الانسان قد ارادت اعطاء الفرد جنسية محل اقامته وبالتالي الى التوحيد بين قانون محل الاقامة وقانون الجنسية.
خلاصة القول، ان القاضي عليه تطبيق قانون جنسية ما من بين الجنسيات التي يحملها متعدد الجنسيات، ولم يعد بالإمكان التذرع بالنظرية التقليدية التي تفرض تطبيق قانون جنسية قاضي النزاع عندما تكون جنسية هذا الاخير من بين الجنسيات المتنازعة[99]. وبالتالي اصبح عليه تطبيق قانون الجنسية التي تراعي مسألتين اساسيتين:
- مسألة ارادة الشخص المزدوج او المتعدد الجنسية. فبمعزل عن الأدب القانوني التقليدي الذي كان يعتبر ان مسألة الجنسية وتحديدها هي من اختصاص الدولة حصراً ولا دور للفرد بذلك، أصبح للشخص الدور الاساس في مسألة اختيار الجنسية وهذا ما اكده قرار محكمة التمييز اللبنانية الصادر في 13/11/2008 حيث اعتمدت المحكمة بشكل اساسي على نية الموصي لتحديد الجنسية الواجبة التطبيق.
- مسألة الجنسية المعاشة بشكل حقيقي وواقعي La nationalité vécue. كما اوضحنا في غير مكان من هذه الدراسة ان الجنسية التي يجب اعتمادها في حالة التنازع الايجابي للجنسيات هي الجنسية الفعلية اي الجنسية المعاشة حقيقة وواقعاً من قبل متعدد الجنسية. فكما ورد في القرار المذكور اعلاه ينبغي الوقوف على الجنسية المعاشة فعلاً.
وكأني بمحكمة التمييز في قرارها المذكور اعلاه قد ارادت رسم خارطة طريق لباقي المحاكم ترتكز على استثبات عنصرين من قبل القاضي لكيما يستطيع تحديد الجنسية الواجب اعتمادها في حالة الشخص الذي يحمل اكثر من جنسية: ارادة الشخص المعني؛ والجنسية المعاشة. وهذان عنصران من اليسير استثباتهما من قبل محاكم الاساس.
ولابد من القول في هذه العجالة بأن اعتماد حل الجنسية الفعلية لا ينبغي أن يمس سيادة الدولة في مسألة الجنسية ذلك أن احترام هذه السيادة يكون مصاناً لأن الدولة هي التي تلعب الدور الاساسي عندما تضطلع، اما لا، في جعل جنسية الفرد فعلية. وكيف يمكن لدولة أن تمارس قرارها السيادي باعتبار شخص ما من مواطنيها وهو غير خاضع عملياً لسيادة هذه الدولة؟ إن اعتماد جنسية غير جنسية القاضي لا يعني التنازل عن سيادة دولة هذا القاضي بل يعني القبول بواقع انتفاء السيادة الحقيقية والواقعية لهذه الدولة على شخص ما.
الخاتمة
نختتم هذا البحث بمجموعة من النتائج والتوصيات نجملها بالآتي:
- أهم مشكلة تواجه الفقه والقضاء بالنسبة إلى ازدواج الجنسية هي مشكلة تحديد القانون الواجب التطبيق علي العلاقة القانونية المشوبة بعنصر أجنبي فيما اصطلح له بتنازع القوانين .
- إن المشرع العراقي في بعض ضوابط الإسناد قد خالف مبدأ دستوري، يقضي بالمساواة بين الرجل والمرأة في الحقوق والالتزامات، حينما أخذ بضابط جنسية الزوج دون الزوجة، وبالخصوص فيما يتعلق بالطلاق والنفقة والبنوة.
- هناك نظريتان أساسيتان تحكمان قواعد الاسناد والتي يرجع إليها عند البحث عن القانون الواجب التطبيق على متعدد الجنسيات وهي “الجنسية الفعلية” “وقانون جنسية القاضي”
- المشرع اللبناني لم ينظم قواعد الاسناد بشيء من الاستقلالية والترتيب كما فعلت غالبية التشريعات القانونية كالعراق في القانون المدني، بل جعلها متفرقة بين عدة نصوص في القانون.
- نظرية الحل الوظيفي تمثل إحدى أهم وأحدث النظريات التي تعمل على إيجاد حلول منطقية وعقلانية لتنازع القوانين بخصوص متعدد الجنسيات، وعلى الرغم من التوجه التشريعي في تكريسها لم تتضح معالمه، إلا أن للقضاء دور كبير في تطبيق هذه النظرية كما فعل القضاء اللبناني ممثلا بمحكمة التمييز.
- عمل القضاء اللبناني من خلال تطبيق نظرية “الحل الوظيفي” على التعامل مع المراكز القانونية الناتجة عن هذه الاحوال بواقعية ومنطقية وعدالة للحفاظ على هذه المراكز التي اختارها اللبنانيون بملىء ارادتهم عندما غيّروا موطنهم الأصلي قاصدين بلداناً أكثر ملائمة لتطلاعتهم ومشاريعهم، ليكتسبوا جنسية هذه البلدان التي يستقرون فيها لسنوات عديدة تصل الى العشرات من السنين.
- إن الاستمرار باعتماد أسلوب الموقف الأولي من الإحالة بالقبول أو الرفض، قد يتسبب في بعض الأحوال في تضييع غاية قاعدة الإسناد، الرامية إلى انتخاب أفضل النظم القانونية لحكم العلاقة ذات العنصر الأجنبي، من بين قوانين الدول المرتبطة بالعلاقة القانونية محل النزاع.
- إن اعتماد المنهج التحليلي، والتفسير الغائي لقاعدة الإسناد، سيمكن القاضي العراقي من تجاوز الاشكاليات الناشئة من اعتماد بعض ضوابط الإسناد، إذ سيقف القاضي على غاية قاعدة الإسناد ومنها يتوصل إلى اهداف تلك القواعد وبالتالي الوصول إلى انسب القوانين لحكم العلاقة القانونية ذات العنصر الأجنبي.
- يتمتع القاضي الذي ينظر النزاع، بسلطة تقديرية واسعة في ضوء فكرة الحل الوظيفي ليتمكن في النتيجة من الوصول إلى أحكام تحقق الاتساق بين النظم القانونية المختلفة، وحلول ملائمة لمقتضيات التجارة الدولية، ولكن هذه السلطة والتقدير يكون تحت دائرة رقابة المحاكم العليا، وفق موجهات منضبطة ترتكز حول نقطة محددة هي وظيفة قاعدة الإسناد.
- نوصي بعدم الآخذ بجنسية حق الإقليم والاكتفاء بجنسية حق الدم خاصة وأنهما يثبتان في الفرد في ميلاد واحد باستثناء حالات مثل فاقدي الأبوين وأطفال الشوارع .
- نوصي المشرع العراقي واللبناني بالعمل على حماية الطفل ورعاية مصالحه من خلال الأخذ بتطبيق القانون الأصلح لحماية الطفل وتأمين رعايته وينحصر البحث عن ذلك القانون من بين كل من القانون واجب التطبيق على آثار التطليق، والقانون الشخصي للطفل.
- نهيب بالمشرع العراقي بتغيير قاعدة الأسناد الخاصة بانتهاء الزواج بحيث يخضع لقانون اخر جنسية مشتركة أكتسبها الزوجان أثناء الزواج، وإذا لم توجد فيسري عليه قانون الزوج وقت انعقاد الزواج، لأن هذا القانون يكون الطرفان على علم به ولا يوجد فيه مجال للغش وتغيير الجنسية كوسيلة لتغيير القانون الواجب التطبيق.
- نوصي القاضي العراقي واللبناني الذي يتصدى لهذه المراكز أن يتعامل مع هذا الأمر بواقعية ومنطقية وعدالة ويطبق على هذا المواطن قوانين الجنسية الفعلية أو الواقعية التي يعيشها احتراماً لإرادته ولواقع الأمور ولملائمة هذه القوانين للمراكز القانونية لهذا المواطن. اذ ليس من المنطقي والعادل ان يكون الشخص مطلّقاً في البرازيل مثلاً ومتزوجاً في لبنان على حد قول الرئيس سامي منصور. أصبح من غير المعقول اليوم تعنت القاضي وتمسكه بتطبيق قانونه الوطني على مواطنه فقط لأنه يحمل الجنسية اللبنانية أو العراقية التي يكتسبها لمجرد ولادته من أب لبناني أو عراقي.
- نهيب بالمشترع اللبناني أن يتعاطى مع مسألة تعدد الجنسيات بشكل أكثر واقعية ويعمد الى استصدار التشريعات اللازمة للتصدي لمسألة تعدد الجنسيات مستلهماً بذلك ما ناقشناه في هذه الدراسة، كما فعلت بعض الدول. فاعتماد مبدأ الجنسية الفعلية في حالة التعدد الايجابي للجنسيات من دون غش او احتيال على القوانين الوطنية، أصبح من الامور الملحة للأسباب وقد أحسنت محكمة التمييز اللبنانية عندما اعتمدت مبدأ الجنسية الفعلية في قراريها تاريخ 1/7/1993 و7/11/2008.
قائمة المراجع
- أشرف شعت، القانون الواجب التطبيق على متعددي الجنسيات وإشكالياته، مجلة الحقوق والعلوم الإنسانية، المجلد 10، عدد 2، الامارات العربية المتحدة، 2017،
- حفيظة السيد الحداد، الاتجاهات المعاصرة في الجنسية، دار الفكر الجامعي، الإسكندرية، 2002،
- سامي بديع منصور، القانون الدولي الخاص، الدار الجامعية، 1995
- سامي بديع منصور، نصري انطوان دياب، عبده جميل غصوب، القانون الدولي الخاص، تنازع الاختصاص التشريعي، الجزء الاول،ط1، المؤسسة الجامعية للدراسات، 2009
- سامي منصور، نصري دياب وعبدو غصوب، القانون الدولي الخاص-تنازع الاختصاص التشريعي-الجزء الاول
- شيكر ريمة، التحديات القانونية للحد من ظاهرة تعدد الجنسيات في القانون الدولي الخاص، مجلة المنار للبحوث والدراسات القانونية والسياسية، عدد 5، 2018
- عبد الرسول عبد الرضا، الجنسية والعلاقات الدولية، منشورات زين الحقوقية، ط2، 2011
- عبده جميل غصوب، محاضرات في القانون الدولي الخاص، ط.3، منشورات الحلبي الحقوقية، بيروت، 2009
- عكاشة عبد العال، الجنسية ومركز الاجانب في تشريعات الدول العربية، الدار الجامعية بيروت، 1987
- عكاشة محمد عبد العال، احكام الجنسية اللبنانية ومركز الاجانب، ج1، الدار الجامعية، 1996
- عكاشة محمد عبد العال، تطبيق القانون الأجنبي أمام القاضي اللبناني، مجموعة محاضرات ألقيت على المحامين المتدربين بنقابة المحامين اللبنانية في يوم الخميس الموافق 14/5/1998
- مصطفى سالم عبد وحوراء قاسم فانوس، معيار الحل الوظيفي في إطار تعدد الجنسيات، عدد خاص لبحوث التدريس مع طلبة الدراسات العليا، ج.1، مجلد 36، 2021
Margins:
- عكاشة عبد العال، الجنسية ومركز الاجانب في تشريعات الدول العربية، الدار الجامعية بيروت، 1987، ص 479 ↑
- سامي منصور، نصري دياب وعبدو غصوب، القانون الدولي الخاص-تنازع الاختصاص التشريعي-الجزء الاول، صفحة 339. ↑
- عكاشة محمد عبد العال، تطبيق القانون الأجنبي أمام القاضي اللبناني، مجموعة محاضرات ألقيت على المحامين المتدربين بنقابة المحامين اللبنانية في يوم الخميس الموافق 14/5/1998 ↑
- سامي بديع منصور، القانون الدولي الخاص، الدار الجامعية، 1995، ص370 ↑
- عبد الرسول عبد الرضا، الجنسية والعلاقات الدولية، منشورات زين الحقوقية، ط2، 2011، ص280. ↑
- عكاشة محمد عبد العال، احكام الجنسية اللبنانية ومركز الاجانب، ج1، الدار الجامعية، 1996، ص331 ↑
- حفيظة السيد الحداد، الاتجاهات المعاصرة في الجنسية، دار الفكر الجامعي، الإسكندرية، 2002، ص172. ↑
- هشام صادق وعكاشة محمد عبد العال، مرجع سابق، ص109. ↑
- إن تقدير القاضي للحل الموضوعي المادي في حالة الاخذ بالإحالة يخضع فيه لتقدير المحاكم العليا، فمثلا جاء في قانون المرافعات المدنية العراقي رقم 83 لعام 1969 في المادة (205/ 5 ان (للخصوم ان يطعنوا تمييز لدى محكمة التمييز… وذلك في الاحوال التالية “5. اذا وقع في الحكم خطا جوهري، ويعتبر الخطأ جوهريا اذا اخطأ الحكم في فهم الوقائع”.وبالتالي اذا استند القاضي الى حل غير موضوعي في تقدير الاحالة فللخصوم اللجوء الى المحكمة العليا ، للمزيد من التفصيل ينظر عبد الرحمن العلام، شرح قانون المرافعات المدنية رقم 83 لعام 1969 مع المبادئ القانونية لقرارات محكمة تمييز العراق مرتبة على مواد القانون، العاتك لصناعة الكتاب، ط2، 2008، ص40 وما بعدها. ↑
- أشرف شعت، القانون الواجب التطبيق على متعددي الجنسيات وإشكالياته، مجلة الحقوق والعلوم الإنسانية، المجلد 10، عدد 2، الامارات العربية المتحدة، 2017، ص. 438 ↑
- شيكر ريمة، التحديات القانونية للحد من ظاهرة تعدد الجنسيات في القانون الدولي الخاص، مجلة المنار للبحوث والدراسات القانونية والسياسية، عدد 5، 2018، ص. 422 ↑
- مصطفى سالم عبد وحوراء قاسم فانوس، معيار الحل الوظيفي في إطار تعدد الجنسيات، عدد خاص لبحوث التدريس مع طلبة الدراسات العليا، ج.1، مجلد 36، 2021، ص. 422 ↑
- عكاشة محمد عبد العال، تنازع القوانين، مرجع سابق، ص. 252 ↑
- عبده جميل غصوب، محاضرات في القانون الدولي الخاص، ط.3، منشورات الحلبي الحقوقية، بيروت، 2009، ص. 112 ↑
- المرجع أعلاه، ص. 114 ↑
- عكاشة محمد عبد العال ، تنازع القوانين، مرجع سابق، ص256،2 ↑
- المادة (21 من القانون المدني المصري، والمادة (22 من القانون المدني السوري لعام 1949، والمادة 22 من القانون المدني الاردني 1976. ↑
- هشام صادق، د. عكاشة محمد عبد العال، د. حفيظة السيد الحداد، مرجع سابق، ص111 ↑
- عكاشة محمد عبد العال، تنازع القوانين، مصدر سابق، ص230 ↑
- هشام صادق وعكاشة عبد العال، مرجع سابق، ص731. ↑
- سامي بديع منصور، مرجع سابق، ص121. ↑
- سامي بديع منصور، نصري انطوان دياب، عبده جميل غصوب، القانون الدولي الخاص، تنازع الاختصاص التشريعي، الجزء الاول،ط1، المؤسسة الجامعية للدراسات، 2009، ص603. ↑
- هشام صادق، د. عكاشة محمد عبد العال، د. حفيظة السيد الحداد، مرجع سابق، ص115 ↑
- كما جاء في قرار محكمة التمييز تاريخ 1/7/1993 المذكور اعلاه، حيث أن المحكمة وفي معرض تعليلها لقرارها اعتبرت بأن اللبناني الشيعي وبما أنه لم يذهب الى كندا للايصاء سنداً للقانون الكندي للتحايل على القانون اللبناني، فإنه يعتبر أجنبياً وبالتالي تصرفه ناتج عن شخص اجنبي بالنسبة للمحكمة. ↑
- وغني عن القول في هذه العجالة ان الدول التي تصدّر اشخاص الى العالم تعتمد ضابط الاسناد المتعلق بالولاء Allégeance لسيادة الدولة في مسائل الأحوال الشخصية؛ اما الدول التي تستقبل الأشخاص من الخارج كسويسرا مثلاً تعتمد ضابط الاسناد المتمثل بموطن الشخص وهو ضابط يقوم على فكرة الارتباط المكاني أو الواقعي rattachement du domicile: la notion de proximité (عكاشة عبد العال، الاتجاهات الحديثة في مشكلة تنازع الجنسيات، صفحة 125 . ↑
- قرار استئنافي لبناني، تاريخ 6/1/1950، النشرة القضائية 1950 صفحة 86. ↑
- محكمة التمييز اللبنانية، قرار تاريخ 18/3/1971، النشرة القضائية 1971 صفحة 1052. ↑
- القرار الاول صادر عن الغرفة المدنية الاولى لهذه المحكمة بتاريخ 17/5/1993، دالوز موجز 1993.349 (“La reconnaissance de la répudiation y est refusée sur le fondement de la contrariété à l’ordre public de l’Etat dont les époux avaient choisi de devenir les nationaux” مع تعليق لـ AUDIT B. و تعليق لـ J. DEPREZ في JCP 1993.II.22172، بالاضافة لتعليق لـ P. COURBE في Rev. Crit.DIP 1993.684. اما القرار الثاني، فقد صدر عن الغرفة المدنية الثانية بتاريخ 14/3/2002، دالوز موجز 2002.1177 ( Etat dont M.A. avaient fait choix de devenir le national » ؛ وقد نشر هذا القرار ايضاً في JCP 2002.II.10095 مع تعليق لـ H. FULCHIRON: “Vers la fin de la prohibition de la répudiation musulmane”. ↑
- الهيئة العامة لمحكمة التمييز الفرنسية، تاريخ 11/12/1992، JCP 1993. II.21991 مع خلاصات M. Jeol، تعليق G. MEMETEAU؛ RTD Civ. تعليق J. HAUSER ↑
-
وقد اكد ذلك الدكتور ادمون نعيم: “وما يجدر لفت النظر اليه هو ان شرعة حقوق الانسان قد اعلنت ان لكل انسان الحق بأن يختار الجنسية التي يعيشها حقيقة. وجنسية دولة محل الاقامة هي الجنسية التي يعيشها الشخص عادة، بمعنى ان تطبيق اقتراح شرعة حقوق الانسان يؤدي الى اعطاء الفرد جنسية محل اقامته وبالتالي الى التوحيد بين قانون محل الاقامة وقانون الجنسية”، الموجز في القانون الدولي الخاص، الطبعة الثالثة 1967. ↑