التنظيم القانوني لديوان الرقابة المالية في العراق وتطوره

فراس محمد شهاب أحمد1

1 جامعة كركوك، العراق.

HNSJ, 2024, 5(8); https://doi.org/10.53796/hnsj58/12

Download

تاريخ النشر: 01/08/2024م تاريخ القبول: 22/07/2024م

المستخلص

هدف هذا البحث الى دراسة النشأة والتنظيم القانوني لديوان الرقابة المالية في العراق وتطوره. وقد توصل البحث الى ان مدار الرقابة هو المال العام فحيث يوجد توجد الرقابة، وقد ادرك المشرع الدستوري الذي يمثل ضمير الامة اهمية هذا المال في الحفاظ على كيان الدولة ومقومتها، وفي ضوء هذه الحقيقة ينص الدستور على تشكيل ديوان الرقابة المالية ليتولى مراقبة المال العام اينما وجد وقد حدد قانون ديوان الرقابة المالية الاتحادي رقم 31 لسنة 2011 المعدل هذا المعنى في المادة (3) كما يمتد نطاق هذه الرقابة على كافة قطاعات الدولة العامة والخاصة لما لهذه القطعات من أثر على الاقتصاد القومي، إلا أن عملية الرقابة هذه لا تقدم النتائج المرجوة مالم يكن لها غطاء قانوني يسهل عملية الرقابة ويساعد على الاطلاع على جميع التفاصيل المالية، وتتم هذه الأعمال بصورة مستقله وحيادية مع احترام النتائج الصادرة عن الجهاز الرقابي والاخذ بالتوصيات التي تصدر عنه، والا تكون عملية الرقابة هي غاية وليس وسيلة يرتجى منها تحقيق الاهداف، لا نرغب بان نضفي هالة قاتمه على موضوع الرقابة المالية، بقدر ما نحرص على الخروج من الانتكاسة الاقتصادية والخلاص من افة الفساد المالي والرغبة في ان نرى ديوان الرقابة المالية فعالا متماشيا مع ما هو متبع في الدول المتقدمة، اضافة إلى ضرورة التزام هذا الجهاز بمضمون الإعلانات الدولية الصادرة عن المنظمات الخاصة بالرقابة المالية. والتي يعتبر العراق عضواً بها، حيث تعتبر هذه الإعلانات بمثابة تشريع دولي في هذا المجال.

الكلمات المفتاحية: التنظيم القانوني، ديوان الرقابة المالية.

المقدمة:

اعتمدت الدولة العراقية منذ تأسيسها على جهاز رقابي خارجي واحد وهو ديوان مراقب الحسابات المؤسس بالقانون رقم 17 لعام 1927، والذي كان يمارس أعمال الرقابة والتدقيق المالي والحسابي للمصروفات والإيرادات الحكومية على اختلاف أنواعها وتدقيق المهمات واللوازم الصناعية والتقنيات والترفيعات وكان يضم ملاكات وظيفية متواضعة تنسجم والحجم المتواضع للموازنة العراقية. ومع تطور عمل الحكومة العراقية وتنامي حجم الإيرادات المتأتية من الموارد النفطية في أواخر الستينات تم تأسيس ديوان الرقابة المالية بموجب القانون رقم (42) لسنة 1968م، وعد هذا القانون حالة متطورة في مجال الرقابة المالية. إذ توسع في اختصاصه ليشمل فضلا على أعمال الرقابة المالية على الإيرادات والنفقات العامة، أعمال رقابة الأداء، وأعمال المحاسبة القانونية للمؤسسات الاقتصادية الحكومية، والشركات المختلطة، بالرقم (194) لسنة 1980 ليتكيف وضع الرقابة المالية مع توجهات الحكومة نحو تشديد القبضة المركزية على الاقتصاد العراقي وليمتد عمل الرقابة المالية ليشمل كل المرافق العامة والمختلطة، وفي بعض الأحيان شركات القطاع الخاص، وبما لايتعارض مع اختصاص الجهة القضائية أو التنفيذية([1]).

أما في الفترة ما بعد 9/4/2003 فعندما قام الحاكم المدني بحل جميع الدوائر التي كانت تابعة لمجلس قيادة الثورة وديوان الرئاسة، تم حل ديوان الرقابة المالية بموجب القرار رقم (55) لسنة 2004 ومكاتب المفتشين العموميين في الوزارات، وبعد الاعتراض لدى مجلس الحكم من قبل موظفي الديوان، تم إعادة الديوان إلى وضعه الطبيعي وصدر قرار سلطة الاتلاف رقم (77) لسنة 2004 الذي تم بموجبه إعادة العمل بقانون ديوان الرقابة المالية رقم (6) لسنة 1990 مع إجراء بعض التعديلات على مواده المتعلقة بجهة الارتباط والجهات الخاضعة للرقابة، وقد كفل الدستور لسنة 2005 الاستقلالية لديوان الرقابة المالية الاتحادي في المادة (103) إذ اعتبره هيئة مستقلة ماليا وإداريا ويرتبط بمجلس النواب. وفي عام 2011 تم إصدار قانون ديوان الرقابة المالية الاتحادي رقم (31) واستمر العمل بموجبه كما سيأتي بيان هذا بالتفصيل.

إن اهمية البحث تأتي من اهمية ديوان الرقابة المالية الاتحادي، الذي بدوره يكتسب أهميته من الأهداف التي يرتجى تحقيقها من أعماله ولما كان في مقدمة هذه الأهداف هو الحفاظ على المال العام وحمايته من افة الفساد فإن أعمال الديوان لابد لها من أن تكون اكثر فاعلية واكثر إلزام وأقل اجراءات، سيما ان ديوان الرقابة المالية هو مؤسسة دستورية، ذات كوادر كفؤة وخبرات واسعة وهو مؤسسة عريقة قاربت عراقتها على العشرة عقود، بالتالي لا يمكن تجريدها من صلاحيات رئيسة تسهم في تحقيق أهدافها

و تتمحور الإشكالية الجوهرية في دراستنا حول نشأة ديوان الرقابة المالية وتطوره في العراق وقد نتج عن هذه الإشكالية التساؤل الرئيسي التالي كيف نشئ ديوان الرقابة المالية في العراق وكيف تم تطويره؟

وقد نتج عنها التساؤلات الفرعية التالية:

  1. كيف تم تنظيم ديوان الرقابة المالية الاتحادي؟
  2. ماهي خصائص ديوان الرقابة المالية؟

ولمعالجة الاشكاليات السابقة تم بحث الموضوع باعتماد المنهج التحليلي والوصفي ، فدراسة النظام الاجرائي لعمل الديوان تستوجب منا دراسة تحليلية للنصوص القانونية، سواء نصوص قانون ديوان الرقابة المالية أو القوانين الاخرى المتعلقة بعملية الرقابة، وتقيم هذه النصوص مقارنة مع قوانين اخرى واعتماد عرضها على المعاير الدولية لأجهزة الرقابة واستيضاح مدى ملائمتها للإعلانات الدولية في تنظيم الأجهزة الرقابية العليا.

وتم تقسيم الدراسة على الشكل التالي: سوف نتناول دراسة هذا الموضوع بصيغة مبحث واحد بعنوان تنظيم ديوان الرقابة المالية الاتحادي ونقوم بتقسيمه الى مطلبين حيث تناولنا في المطلب الأول تكوين الرقابة المالية وتم تقسيمه الى فرعين تناولنا في الفرع الأول الرقابة المالية وتطورها أما في الفرع الثاني فتناولنا المركز القانوني لديوان الرقابة المالية الاتحادي.

أما في المطلب الثاني فدرسنا خصائص ديوان الرقابة المالية وتم تقسيمه الى ثلاث أفرع تناولنا في الفرع الأول تبعية الديوان ومدى استقلاله أما في الفرع الثاني فدرسنا حصانة ديوان الرقابة المالية الاتحادي وفي الفرع الثالث درسنا تعزيز السلطة الرقابة العليا لديوان الرقابة المالية الاتحادي.

المبحث الأول

تنظيم ديوان الرقابة المالية الاتحادي

إن اﻟﺩﻴﻭﺍﻥ ﻤﺅﺴﺴﺔ ﺩﺴﺘﻭﺭﻴﺔ ﻤﺴﺘﻘﻠﺔ ﺘﺘﻤﺘﻊ ﺒﺼﻼﺤﻴﺎﺕ ﻤﺎﻟﻴﺔ ﻭﺇﺩﺍﺭﻴﺔ، ﻴﻤﺎﺭﺱ ﺍﻟﺭﻗﺎﺒﺔ ﺍﻟﻼﺤﻘﺔ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺠﻬﺎﺕ ﺍﻟﺨﺎﻀﻌﺔ ﻟﺭﻗﺎﺒته ﻭﺍﻟﻤﺘﻌﻠﻘﺔ ﺒﺈﺩﺍﺭﺓ ﺍﻟﻤﺎل ﺍﻟﻌﺎﻡ ﺒﺎﻹﻀﺎﻓﺔ ﺇﻟﻰ ﻤﻤﺎﺭﺴﺔ ﺍﻟﺭﻗﺎﺒﺔ ﻋﻠﻰ ﺇﺠﺭاءاﺕ ﺍﻟﺘﻌﺎﻗﺩﺍﺕ ﻭﻓﻕ ﺍﻟﺤﺩﻭﺩ ﺍﻟﻤﺭﺴﻭﻤﺔ ﻟﻬﺎ ﺒﺎﻟﻘﺎﻨﻭﻥ، ﻭﻴﺘﻜﻔل ﺒﺭﻗﺎﺒـﺔ ﺍﻷﺩاء ﻭﻓـﻕ ﻤﻌـﺎﻴﻴﺭ ﺍﻟﻜﻔاءة ﻭﺍﻟﻔﺎﻋﻠﻴﺔ والاقتصادية ﻭﺇﺒﺩاء ﺍﻟﺭﺃﻱ ﺒﺸﺄﻥ ﺍﻟﺒﻴﺎﻨﺎﺕ ﺍﻟﻤﺎﻟﻴﺔ ﻟﻠﺠﻬﺎﺕ ﺍﻟﺨﺎﻀﻌﺔ ﻭﺍﻟﻤﺸﻭﺭﺓ ﺍﻟﻔﻨﻴﺔ ﻟﻠﺠﻬﺎﺕ ﺫﺍﺕ ﺍﻟﻌﻼﻗﺔ([2]).

المطلب الأول: تكوين الرقابة المالية

لعل الرقابة المالية من أهم الموضوعات التي تمس الكيان التنظيمي للدولة، ذلك لأنها ضرورة لازمة لحماية المال العام، ولما لها من أثر فعال على سلوك الأفراد والجماعات أو ما يعكسه ذلك من آثار على الاقتصاد القومي بوجه عام([3])، كما تحتل الرقابة المالية والإدارية أهمية كبيرة في عمل المؤسسات وتمثل المرحلة الإشرافية فيها وتعد من أهم عناصر العملية الإدارية، ويأتي دور الأجهزة الرقابية لضمان تقديم الخدمات للمواطنين، بأسرع وقت وبأقل جهد وتكلفه، ويعد ديوان الرقابة المالية العراقي هيئة مستقلة ماليا وإداريا وله شخصية معنوية ويعد “أعلى” هيئة رقابية ومالية.

وتجدر الإشارة إلى أن مصطلح الرقابة المالية العليا إنما هو مصطلح حديث النشأة ظهر بعد نشوء المنظمة الدولية للأجهزة العليا للرقابة، “Intosai”([4]) في عام 1935، التي في عضويتها معظم أجهزة الرقابة المالية العليا في العالم، إذ تم استخدام مصطلح الرقابة المالية العليا بدلا من الرقابة الخارجية أو رقابة الأجهزة التي تتبع السلطة التشريعية، بعد أن لوحظ أن اشتراط عضوية الرقابة في المنظمة، واختصارها على أجهزة الرقابة التي تتبع السلطة التشريعية سوف لن يمنح فرص الانضمام لبعض هذه الأجهزة في عضوية المنظمة الدولية، لذلك كان طبيعيا أن ينصرف شرط العضوية إلى الوظيفة الرقابية التي تمارسها الدولة من أعلى مستوياتها التنظيمية وأصبح الانضمام إلى عضوية المنظمة الدولية، إنما يتم استناداً إلى وجود أجهزة رقابية مالية تمارس هذه الوظيفة بغض النظر عن تبعية هذه الأجهزة، اذ يستوي في ذلك ان تكون تابعة للسلطة التشريعية أو التنفيذية([5])، وقد درجت معظم التشريعات التي تنظم عمل أجهزة الرقابة في دول العالم بوضع تعريف للجهاز الذي تقوم بتنظيمه. وفي لبنان عرفت المادة الأولى من المرسوم الاشتراعي رقم (118) لعام 1959 ديوان المحاسبة بأنه (هيئة قضائية إدارية مرتبطة إداريا برئيس مجلس الوزراء، مهمتها السهر على إدارة الأموال العامة فيه، وذلك بمراقبة استعمالها، وبالبحث في صحة حساباتها، وقانونية معاملاتها، وبمحاكمة المسؤولين عن مخالفة القوانين والأنظمة المتعلقة بها).

أما في العراق عرفت المادة (5) من قانون ديوان الرقابة المالية الاتحادي رقم 31 لسنة 2011 المعدل ديوان الرقابة المالية بأنه (هيئة مستقلة مالياً وإدارياً له شخصية معنوية ويعد أعلى هيئة رقابية ومالية يرتبط بمجلس النواب ويمثله رئيس الديوان أو من يخوله.) وبهذا فإن المشرع العراقي قد واكب الرأي المحدث الآخذ بالرقابة المالية العليا.

الفرع الأول: الرقابة المالية وتطورها

دأبت العديد من الدول على تخصيص جهاز مختص للرقابة المالية بغية ضمان سير العمليات المالية بصورة صحيحة، والحفاظ على النزاهة في التعامل داخل أجهزة الدولة، وإعطاء صورة من الشفافية للجمهور توضح كيفية إدارة الدولة لأموالها.

فانصب القسم الأكبر على فرض السيطرة النوعية على أداء المؤسسات العامة، إضافة إلى الرقابة على الموازنة بدوريها الرقابة السابقة واللاحقة ولتحقيق جميع هذه العمليات كان على الدول أن تهيئ جهازاً مختصاً يتمتع بالاستقلال والاختصاص ومنحه الصلاحيات التي تمكنه من أداء الدور المناط به، ومما لاشك فيه إن الرقابة بمفهومها المعاصر وبشتى صورها، لم تنشأ بين ليلة وضحاها وإنما خضعت لتطورات تاريخية كبيرة إلى أن بدت في الصورة الراهنة، ولعل أهمية الرقابة على أموال الدولة، إنما تنبع من أهمية هذه الأموال ذاتها، يستوي في ذلك أن تكون هذه الأموال من أموال الدولة العامة أو الخاصة، ذلك أنها عصب الحياة بالنسبة لكينونة الدولة، ووسيلتها الأساسية في الحفاظ على وجودها وتأمين العيش الكريم لمواطنيها، وهي الوسيلة التي يمكن من خلالها تحقيق التنمية في مختلف مجالات الحياة، بل تأمين الرفاهية بأجل صورها لمختلف فئات الشعب.

ولإضفاء الوضوح أكثر على مفهوم الرقابة لابد من الإشارة إلى إن بعض الكتاب قاموا بوضع تعاريف للرقابة تشمل ثلاثة اتجاهات، حيث (يهتم أصحاب الاتجاه الأول بوظيفة الرقابة وأهدافها، وأصحاب الاتجاه الثاني، بإجراءات عملية الرقابة، وأصحاب الاتجاه الثالث، بأجهزة الرقابة)

ويمكننا تعريف الرقابة بأنها مجموعة الاجراءات التي يقوم بها جهاز مختص يتمتع بالاستقلالية، يعمل على التحقق من التصرفات المالية، بأن تكون وفق القوانين والضوابط النافذة، ويقوم بضبط المخالفات المالية ويعمل على رفعها، كما يوصي باتخاذ التدابير للحد من تكرار الاخطاء، ويتخذ القرارات اللازمة حيال ذلك، وله تقويم أداء اعمال الادارات وفق المعاير الدولية، كما يلزم بتقديم تقرير مفصل عن أعماله السنوية ويرفع إلى السلطة التشريعية.

أولاً: التطور التاريخي للأجهزة الرقابية المالية

تطورت الرقابة المالية بتطور الدولة، حتى غدت ركناً مهماً من أركان الإدارة في الدولة الحديثة إلى جانب التخطيط والتنظيم والتوجيه (التنسيق). وقد ساعد على تطور الرقابة المالية تطور الدولة وانتقالها من مرحلة الدولة الحامية، التي يقتصر دورها على الحفاظ على الأمن الداخلي والخارجي، إلى مرحلة الدولة المتدخلة في مختلف جوانب الحياة الاقتصادية والاجتماعية.

وكان من نتيجة ذلك زيادة الأموال العامة في الدولة وضرورة الحفاظ عليها من العبث والضياع، كما ساعد على تطور هذا النوع من الرقابة، تطور السلطات في الدولة وانقسامها إلى قضائية وتشريعية وتنفيذية. بالإضافة إلى وجود أنواع مختلفة من الرقابة لربط وتنسيق ممارسة هذه السلطات لاختصاصاتها ومن اجل تحقيق العدالة والديموقراطية والنمو والازدهار في إطار الدولة الواحدة، وكان للكوارث والأزمات الاقتصادية التي مرت بها الدول عبر التاريخ، دوراً في دفع المجتمعات إلى تطوير أجهزتها الرقابية المالية، من اجل المحافظة على الأموال العامة وتوظيفها من أجل تجاوز هذه الأزمات وإعادة البناء.

وتعود نشأة الرقابة المالية إلى أول ظهور لفكرة المحاسبة في جنوب العراق، الذي كان يقطنه السومريون قبل ثلاثة آلاف سنه قبل الميلاد، فقد تضمنت شريعة حمورابي في بلاد وادي الرافدين، نصوصاً قانونية، نظمت بموجبها شؤون المال العام وحرصت على موجودات السلطة، ورسمت معالم نظرية المساءلة على مخالفة بنودها، بما تظمنته من عقوبات صارمة ضد المتجاوزين على تلك الأموال، حيث نصت المادة السادسة من شريعة حمورابي على ” إذا سرق رجل مال تعود للإلهة أو القصر، فإن ذلك الرجل يعدم، ويعدم كذلك من تمسك بيده الحاجة المسروقة”([6]). وقد استندت وظيفة المحاسبة، في تلك الفترة، إلى الكاتب الذي كان يعمل محاسباً لتدوين الغنائم، ومما لاشك فيه أن فكرة وجود محاسبة تعد رقابة بحد ذاتها لأنه لا محاسبة من دون رقابة ولا رقابة من دون محاسبة، فكلاهما مرتبط بالآخر

وفي العصور الحديثة تعد فرنسا من أوائل الدول التي أوجدت هيئة مختصة للرقابة على الأموال العامة، حيث انشأ الملك (سانت لويس) غرفا للمحاسبة ومن أهمها غرفة محاسبة باريس في سنة 1256م، التي خضعت لتطورات عديدة إلى أن تمثلت في الرقابة القضائية التي تمارسها محكمة المحاسبة منذ عام 1807م وفي انكلترا فقد أُنشئت هيئة الرقابة المالية في عام 1866م، وفي الولايات المتحدة الأمريكية أُنشئت هيئة عليا للرقابة المالية بموجب قانون الموازنة الذي صدر عام 1921م.

وفي الدول العربية ارتبط إنشاء أجهزة مختصة في الرقابة المالية العليا بنشأة واستقلال كل دولة، فعلى سبيل المثال أُنشئ ديوان المحاسبات في سوريا سنة 1938، والذي أطلق عليه اسم الجهاز المركزي للرقابة المالية في سنة 1967م. وفي مصر أُنشئ ديوان المحاسبات في سنة 1942 ثم تطور هذا الجهاز إلى الجهاز المركزي للمحاسبات في سنة 1951 وتم تعديله في سنة 1959م، وفي الأردن أنشأت دائرة تحقيق وتدقيق الحسابات في 1931، وأصبحت ديوان المحاسبة في سنه 1952([7]).

اما في العراق فقد اهتمت الدولة العراقية منذ نشأتها عام 1921، في إضفاء محاولات جدية لبناء جهاز رقابي مختص يعمل للمحافظة على الأموال العامة، من خلال رقابته على الحسابات العامة وصحة صرفها وجبايتها، وشيئاً فشيء استطاع هذا البلد ترجمة تلك المحاولات إلى تطبيق واقعي في انشاء جهازه الرقابي بناء على ما أوصى به الدستور العراقي لعام 1925 بموجب القانون الصادر 1927، الخاص بإنشاء ماسمي حينها بـ(مراقب الحسابات العام) حتى عدت تجربته هذه أولى تجارب الدول العربية في أنشاء مثل تلك المؤسسة الرقابية العليا فضلاً عن كونها كانت تعد خطوة متقدمة إلى ماهو معمول به في دول العالم المتقدم آنذاك([8]). وان التغيرات السياسية والاقتصادية والتوسعات التي حدثت في هيكل ونشاطات الدولة العراقية كانت تستوجب باستمرار وجود رقابة أكثر حزما وتطورا ووضوحا في الهدف والأسلوب، وان إعادة النظر بوضع الرقابة المالية من حيث أهدافها ونطاق عملها واختصاصاتها وصلاحياتها وتشكيلاتها الإدارية لذا تم إصدار العديد من القوانين والتشريعات حيث مر ديوان الرقابة المالية بأّربع مـراحل متعاقبة تتمـثل كل منـها بصدور قانون مـن قوانين الرقابة المالية كما هو مدرج في أدناه:

المرحلة الأولى: من 1927 – 1968

بموجب القانون رقم (17) لسنة 1927 تم تأسيس دائرة تدقيق الحسابات العامة التي عرفت فيما بعد باسم ديوان مراقب الحسابات العام، وقد جرى تعديلان على ذلك القانون كانت الغاية منهما توسيع واجبات ديوان مراقب الحسابات العام([9]). وما يؤخذ على أعمال الديوان خلال الفترة أعلاه([10]):

أ‌ – إن نطاق عمل الديوان لم يكن مطلقا حيث حددت المادة الثانية من القانون الجهات والمجالات التي يستطيع الديوان أن ينهض بأعمال الرقابة فيها، وما عدى ذلك فإنَّه يقتضي نصا قانونيا.

ب‌- إن بعض اختصاصات الديوان الإدارية والمالية كانت وإلى حد ما مقيدة لأنها تخضع إلى موافقة وإشراف وزارة المالية، حيث أن اقتراح مراقب الحسابات العام بشـان ملاك الديوان، وكذلك تصرفه بميزانيته خاضعان لرقابة وموافقة وزارة المالية.

ج – ليس للديوان أي اختصاصات قضائية، الأمر الذي ساعد على عدم اكتراث الأجهزة التنفيذية بتقارير الديوان التي كثيرا ما تتضمن مخالفات في غاية الخطورة.

د – نص القانون على إن تعيين مراقب الحسابات العام يتم باقتراح من رئيس الوزراء وموافقة مجلس الوزراء وكذلك الحال في حالة عزله أو نقله، وبذلك فإن الديوان لم تتوفر له الاستقلالية اللازمة التي تؤمن له ممارسة مهامه بعيدا عن أي تأثير من السلطة التنفيذية.

هـ- الضعف الشديد الذي اتسم به ملاك الديوان الوظيفي من حيث التأهيل والعدد وذلك لأنه لم يساير التوسع الكبير الذي شهدته فعاليات ونشاطات الدولة، كما لم يواكب التقدم العلمي الذي طرأ على مهنة المحاسبة والمراقبة عن طريق الاتصال والتفاعل مع المؤسسات والجمعيات العلمية والمهنية.

 المرحلة الثانية: من 1968 – 1980

إن التحولات الاشتراكية التي شهدها البلد بعد عام 1963 وما نشأ عن تلك التحولات من خطط تنموية واسعة دفع بالدولة لأّن تعمل على تطوير جهاز الرقابة في العراق عن طريق توسيع صلاحياته واختصاصاته ورفع كفاءته لكي يتمكن من مسايرة التطور الحاصل في وظائف الدولة، حيث نص الدستور المؤقت على تأسيس سلطة للرقابة المالية تدعى بديوان الرقابة المالية ترتبط بمجلس قيادة الثورة (المنحل)، وتنوب عنه في الرقابة على أعمال السلطة التنفيذية وينظم شؤونها قانون خاص، وقد تم تشريع القانون رقم (42) لسنة 1968 والذي يمكن تحديد السمات الرئيسية له بما يأتي:

أ – وسع القانون من نطاق عمل الديوان من حيث الجهات الخاضعة لرقابته ومن حيث أنواع المعاملات الناشئة في تلك الجهات.

ب – منح القانون للديوان صلاحيات مالية وإدارية وفنية وقضائية تفوق الصلاحيات المنصوص عليها في القانون السابق مثل حصر إعداد وتنفيذ ميزانية الديوان بمجلس الرقابة، حصر تعيين موظفي الديوان وتنظيم شؤونهم بمجلس الرقابة، كما خـول القانون ديوان الرقابة مزاولة مختلف أنواع الرقابة وأكد على أهمية ممارسة رقابة الكفاءة والأداء.

هذا وتضمن القانون فقرات ونصوص عديدة معنية بعملية الإصلاح الإداري ولاسيما رقابة الكفاءة والأداء، وفيما يلي أهم فقرات القانون التي تناولت عملية تقويم الأداء والإصلاحات التي يمكن أن يقوم بها جهاز الرقابة حيث نعتقد بأنه من أفضل الفقرات التي تناولت عملية الإصلاح وكما يأتي:

أولاً: الحصر التام لعملية تقويم الأداء أو رقابة الكفاءة بديوان الرقابة المالية وكما جاءت بالمادة السابعة عشر (لسلطة الرقابة الاختصاص التام في رقابة الكفاءة المنصبة على المبادئ والأسس والقواعد والنظم التشريعية والإدارية والحسابية والاقتصادية التي تسيِّر الأعمال التفصيلية، ولأجل القيام برقابة الكفاءة لسلطة الرقابة البحث في القوانين والنظم المالية والإدارية النافذة من حيث القواعد والإحكام التفصيلية ومن حيث تطبيقها وكفاءة الدائرة وموظفيها المناط بها التطبيق والتنفيذ).

ثانيا: صلاحية تعديل القوانين بالاتفاق مع الوزير المختص وبموافقة السلطة التشريعية وكما ورد في المادة الثامنة عشر (أولا: إذا وجدت سلطة الرقابة نقصا أو عدم كفاية في نصوص قانون أو أحكامه عرضت ذلك على السلطة التشريعية، وطلبت من الوزير المختص إعداد لائحة قانون لتعديل ذلك القانون أو تبديله ويجب إعداد اللائحة وتقديمها إلى السلطة التشريعية خلال مدة ثلاثة أشهر أو مدة يتفق على تحديدها مع الرئيس) ويقصد بالرئيس هنا (رئيس مجلس الرقابة المالية).

ثالثا: صلاحية تعديل الأنظمة بالاتفاق مع الوزير المختص، وكما في المادة الثامنة عشر – ثانيا (إذا وجدت سلطة الرقابة نقصا أو عدم كفاية في نصوص نظام أو أحكامه وطلبت من الوزير المختص إعداد لائحة نظام يعدل بها ذلك النظام أو يبدل. ويجب إعداد لائحة نظام وتقديمها إلى مجلس الوزراء خلال مدة شهرين أو مدة يتفق على تحديدها مع الرئيس).

رابعا: صلاحية تعديل التعليمات أو المنشورات (إذا وجدت سلطة الرقابة نقصا وعدم كفاية في نصوص وأَحكام تشتمل عليها تعليمات أو منشور أو تعميم وما يجري مجراها، طالبت المخول بإصدارها قانونا بان يعدل تلكم الأحكام والنصوص أو يبدلها ويجب تحقيق ذلك خلال شهر واحد).

خامسا : صلاحية تعديل تنفيذ الإعمال (إذا وجدت سلطة الرقابة نقصا وعدم كفاءة مرده إلى نقص أو خلل في أوجه التطبيق وبالتنفيذ طلبت من الدائرة المختصة وضع منهاج عمل للتطبيق والتنفيذ، أو تعديل ما لديها من منهاج على نحو يتلافى به ذلك النقص أو الخلل ويجب إتمام ذلك خلال مدة شهر واحد أو مدة يتفق عليها مع سلطة الرقابة المالية).

سادسا: صلاحية تحديد كفاءة الموظفين “إِذا وجدت سلطة الرقابة أن النقص أو الخلل في التطبيق والتنفيذ راجع إلى عدم كفاءة الموظفين والمستخدمين أو عدم اختصاصهم طلبت من الدائرة والوزير تصحيح الوضع القائم في الدائرة، ويجب تحقيق ذلك خلال مدة شهرين أو مدة يتفق عليها مع الرئيس”.

نلاحظ بأن القانون أعلاه قد وضع أسس لعملية تقييم الأداء وعمليات الإصلاح الإداري وبشكل واضح وبنصوص قانونية صريحة من حيث الحصر التام لعملية الإصلاح والتوقيتات الزمنية لإجراء عملية التغيير فضلاً عن استخدام كلمة (ويجب) كثيرا في تلك النصوص أي معنى إلزام الجهة بضرورة تنفيذها خلال تلك المدة المحددة بالقانون.

المرحلة الثالثة: للفترة من 1980 – 1990

نتيجة للتنمية الاقتصادية والاجتماعية الشاملة التي شهدها العراق بعد عام 1968، حيث برزت الحاجة إلى وجود رقابة أكثر حزما وتطورا وأكثر وضوحا في الهدف والأسلوب لتأخذ مواقع متقدمة في الدولة، وتكون مراقباً على تنفيذ الخطط التنموية بأعلى درجة الكفاءة إلا أَن القانون قد حدَّ من صلاحيات الديوان التي تم الحصول عليها في القانون السابق قانون رقم (24) لسنة 1968 في مجال عمل الإصلاحات الإدارية حيث لم يرد ذلك إلا في عدة نصوص تتسم بالعمومية وليس التحديد كما ياتي:

(المادة ثانية/أولا: تقييم الخطط المالية والاقتصادية والسياسات المرسومة لتحقيق الأهداف المركزية للدولة والالتزام بها… رابعاً: تقييم كفاءة الأداء للأعمال والمشاريع للتحقق من مدى فاعلية الإجراءات والاستخدام الأمثل للموارد الاقتصادية).

(المادة الثامنة/أولا: لسلطة الرقابة المالية في سبيل تقييم كفاءة الأداء، إتباع الوسائل والأساليب التقنية المتطورة والمعايير العلمية والمهنية التي تراها مناسبة، ولسلطة الرقابة المالية البحث في القوانين والنظم المالية والإدارية النافذة من حيث القواعد والأحكام التفصيلية، ومن حيث كفاءة الدائرة وموظفيها في التطبيق والتنفيذ.

ثانيا: اذا وجدت سلطة الرقابة المالية أن عدم كفاءة الاداء مرده نقص أو عدم كفاية، أو خلل في قانون أو نظام أو تعليمات أو منشور أو تعميم أو في أَوجه التخطيط والتنفيذ، أَو عدم كفاءة العاملين أن تطلب من الجهات المسؤولة اتخاذ مايلزم لتلافي ذلك النقص أو الخلل).

المرحلة الرابعة: قانون رقم (6) لسنة 1990 المعدل بالقرار 77 لسنة 2004 من 1990 إلى 2011

كان لهذا القانون دور في تحديد مهام واختصاصات ديوان الرقابة المالية وزيادة فاعليته في المساهمة برفع مستوى أداء أجهزة الدولة، ولتمكين هذا الديوان من توفير متطلبات العمل الرقابي وما يحتاجه من موارد ومستلزمات خدمية ومعلومات سواء لغرض إبداء الرأي بحقيقة الأوضاع المالية ونتائج النشاط أو لتقويم مستوى أداء الأجهزة التنفيذية المشمولة برقابته، ولغرض إيجاد هياكل تنظيمية وإدارية تنّاسب ومراحل تطور الاقتصاد الوطني وتعطي الديوان المرونة الكافـية فـي تخـطيط وتوزيع مهـامه واختصاصاته عليها، ولتوفير الأشراف المركزي اللازم لتوجيه العمل الرقابي وتطوير قواعد وأصول وطرق ووسائل تنفيذه وتقويم نتائجها، إضافة لتمكين هذا الديوان من تغطية جميع الدوائر ومنشآت الدولة في محافظات العراق بأعمال الرقابة والتدقيق بأعلى مستوى من الكفاءة والفاعلية فقد شرع القانون رقم (6) لسنة 1990م، (قانون ديوان الرقابة المالية)، (المعدل)، بموجب الأمر رقم (77) لسنة 2004 الصادر عن سلطة الائتلاف المؤقتة.

المرحلة الخامسة: قانون رقم (31) 2011 المعدل بموجب قانون التعديل الاول رقم 104 لسنة 2012

بعد أَن نص الدستور العراقي لعام 2005 في المادة 103 منه على الهيئات المستقله ومن ضمنها ديوان الرقابة المالية الاتحادي، شرع القانون رقم 31 لعام 2011 المعدل، أَخذ المشرع بعين الاعتبار الهيكل التنظيمي الجديد لادارة الدولة وفق مبدء الفصل بين السلطات، ومراعياً الضوابط الدولية في إِضفاء الخصوصية على اجهزة الرقابة العليا من استقلالية وحصانة اعمال، فامتاز بالتأكيد على استقلالية عمل الديوان وظيفيا واداريا وماليا، كما أكد القانون على توسعة نطاق رقابته، ولم يُستثنى من رقابة الديوان فقط مايخص اعمال السلطة القضائية بحدود اختصاصها القضائي، وبالرغم من استقلاليته، عزز بارتباطه بمجلس النواب، وكان ضمن مهامه رفع تقارير سنويه عن اعمال الرقابة إلى مجلس النواب، كما اعتبر الذراع التنفيذي لرقابة مجلس النواّب حيث نصت المادة (6) (… خامساً: إجراء التحقيق الإداري في الأمور التي يطلب مجلس النواب بإجراء التحقيق فيها.). كما خول بأجراء التحقيق الاداري استثناءا.

ثانياً: التطور الوظيفي للأجهزة الرقابية المالية

تطور مفهوم الرقابة المالية بتطور المبادئ التي تحكم النشاط المالي للدولة، حيث اقتصرت في مفهومها المالي التقليدي على الرقابة المحاسبية القائمة على المراجعة المستندية، والتحقق من سلامة تطبيق القوانين المالية، بينما اتجهت الرقابة المالية في مفهومها الحديث إلى الجمع بين الرقابة المحاسبية التقليدية والرقابة الاقتصادية التي تستهدف تقييم الاداء وترشيد الادارة([11])، وقد شهدت الرقابة المالية تطوراً في التسميات والمفاهيم حيث تطورت في الرقابة المشروعية إلى الرقابة المحاسبية، ثم الرقابة المالية والرقابة الاقتصادية ثم الرقابة على البرامج، حيث ان الرقابة المالية – وفق المفاهيم الحديثة- لم تعد قاصرة على الإجراءات التي تتبع لمراجعة الحسابات والتصرفات المالية، بل تجاوزت هذا المفهوم إلى تقييم أعمال الأجهزة الخاضعة للرقابة، وقياس مدى كفاءتها وقدرتها على تحقيق الأهداف الموضوعة، والتأكد من الاهداف المتحققه هي ماكان يجب تحقيقه، وان تلك الأهداف تحققت وفقاً للخطط الموضوعة، وخلال الأوقات المحددة لها([12]).

الفرع الثاني: المركز القانوني لديوان الرقابة المالية الاتحادي

يعود الأصل التاريخي في الأساس الدستوري للديوان إلى المادة 104 من دستور التأسيس الأول الصادر عام 1925، والذي نص بموجبه على سن قانون تأسيس دائرة تدقيق جمع المصروفات، وتكرر الأمر ذاته طبقاً للمادة 69من الدستور المؤقت لسنة 1968، ثم المادة 46 من دستور 1970، وأخيراً المادة 103 من دستور 2005، حيث اعتبر ديوان الرقابة المالية هيئة مستقلة، ذات استقلال مالي وإداري ويرتبط بالسلطة التشريعية (مجلس النواب) وينظم عمله بقانون([13]), وبهذا فإن الاستقلالية التي منحها الدستور لديوان الرقابة المالية وعدم جعله مرتبطاً إداريا بالسلطة التنفيذية يوضح رغبة المشرع بجعل هذه الهيئة ذات مركز قانوني مستقل، يمكنها من متابعة مهامها بالكيفية التي رسمت لها، متجاوزاً عقبات الإدارة العامة ونفوذ السلطات الذي قد ينعكس سلبا على أداء الجهاز الرقابي

. كما ان النص الدستوري اكد على ان ينظم عمل الديوان بقانون، وبعد جهد جهيد تم إصدار قانون ديوان الرقابة المالية الاتحادي رقم (31) لسنة 2011 المعدل ” بعد إن استمر العمل بقانون رقم (6) لسنة 1990 بما لا يتعارض مع أمر سلطة الائتلاف المؤقتة رقم 77 لسنة 2004″ ما جعل العمل بموجبه بعد صدور دستور 2005 محل شبهة قانونية وعرضة للنقد. وقد عزز قانون ديوان الرقابة المالية الاتحادي رقم (31) لسنة 2011 المعدل من المركز القانوني للديوان فقد نصت المادة (2) منه:

(تعد مخالفة مالية لأغراض هذا القانون:

أولا: خرق القوانين والأنظمة والتعليمات.

ثانياً: الإهمال والتقصير المؤدي إلى ضياع أو هدر المال العام أو الإضرار العام أو الإضرار بالاقتصاد الوطني.

ثالثاً: الامتناع عن تقديم السجلات والوثائق والبيانات اللازمة لأعمال الرقابة والتدقيق والواجب مسكها أو عدم توفيرها للديوان أو الجهات التي يخولها.

رابعاً: الامتناع أو الرد على التقارير ومراسلات الديوان واعتراضاته وملاحظاته خلال المدة المحددة).

ويلاحظ من النص المتقدم ورود الفقرتين الثالثة والرابعة على وجه الإطلاق حيث اعتبر الامتناع أو التأخير يعد مخالفة دون أن يستثني أي جهة من النص، كذلك إلزام الجهات التي تخضع لرقابة الديوان بتقديم السجلات والوثائق والبيانات اللازمة لأنجاز اعمال الرقابة. كما إن قانون ديوان الرقابة أكد على استقلالية الديوان وخصص عنوان للفصل الثاني منه استقلالية الديوان ومهامه وصلاحياته، نصت المادة (5) على (الديوان هيئة مستقلة مالياً وإدارياً له شخصية معنوية ويعد أعلى هيئة رقابية ومالية يرتبط بمجلس النواب ويمثله رئيس الديوان أو من يخوله). ومن خلال النص يتضح جليا رغبة المشرع في دعم استقلالية الديوان والمركز القانوني له في السلم الرقابي حيث اعتبره السلطة الرقابية العليا، وهذا التوجه ليس جديد على المشرع العراقي، فقد نص قانون الرقابة المالية رقم (6) لسنة 1990 في المادة (1) منه الفقرة الثانية (يتمتع الديوان بالشخصية المعنوية والاستقلال المالي والإداري للقيام بجميع التصرفات القانونية المقتضات لتحقيق الديوان مهامه ويمثله رئيسه أو من يخوله) وبهذا فإن الشخصية المعنوية الصادرة بموجب المادة 46 من الدستور السابق تشير إلى المركز القانوني الذي يتمتع به ديوان الرقابة المالية من استقلالية بالعمل إداريا وماليا وكسلطة عليا للرقابة المالية.

المطلب الثاني: خصائص ديوان الرقابة المالية

سبق وان مر قانون ديوان الرقابة المالية في مراحل عديدة منذ نشأته وحتى اصدار اخر تشريع والتعديلات التي تلته، وكان في كل مرحلة نقاط قوة تعزز من دوره الرقابي، وتمكن اعضائه من اداء مهامهم بالشكل المطلوب، بمقابل نقاط ضعف تهبط من اداء مستوى الديوان على الصعيد المهني، وفي هذا المطلب سنشير إلى أهم خصائص ديوان الرقابة المالية الاتحادي بموجب قانونه الأخير.

الفرع الأول: تبعية الديوان ومدى استقلاله

ان المطالبة بفاعلية ديوان الرقابة المالية وفقا للدور المرسوم له في المحافظة على المال العام ضمن قانونه، كأهم الأجهزة الرقابية العامة، ينبغي ان يأتي من مدى اكتسابه اكبر قدر ممكن من المباديء العامة الواجب توافرها فيه للقيام بتلك الفاعلية، شانه في ذلك شأن بقية الأجهزة العليا في الدول، حيث ان مدى قرب أو بعد الجهاز الرقابي الأعلى عن تلك المباديء ترجع للضوابط التي تحكمها وتخطها التشريعات والنظم القانونية ومدى الالتزام بها وتطبيقها.

“ولما كان وجود اجهزة الرقابة العليا يعد نتيجة من نتائج غلبة الصفة الديموقراطية على اجهزة الحكم، حيث وجدت هذه الأجهزة لتقوم برقابة مالية خارجية نيابة عن السلطة التشريعية، فلا يمكن لهذه الأجهزة ان تقوم بدورها المطلوب بصورة فاعلة وناجحة، الا اذا كانت مستقلة كل الاستقلال عن السلطة التنفيذية”([14]) على اقل تقدير، وبالتالي يمكن القول ان الاستقلالية تأتي في مقدمة تلك المبادئ لأهمية صلة توافرها في فاعلية الأجهزة الرقابية، وكونها تعد المعيار الرئيس الذي يميز تلك الأجهزة، فضلاً عن ان توافرها يعد، في كثير من الاحيان، مظلة لضمان بقية المبادئ الأخرى، كالحصانة مثلاً، وعليه يعد توافر مبدأي الاستقلالية والحصانة للأجهزة الرقابية العليا ضمانة مهمة لتوفير الحرية اللازمة والكافية لضمان عمل مثل هذا النوع من الأجهزة، واكتساب مردود ايجابي لفاعليتها([15]ولأهمية معرفة ما سبق على موقف ديوان الرقابة المالية في العراق، سنتعرض لبيان مفهوم مبدأ استقلالية الأجهزة العليا وفقاً للإعلانات الدولية ورأي الفقه، ثم سنبحث تبعية ديوان الرقابة المالية في العراق، ومدى استقلاله وحصانته.

أولاً: مفهوم مبدأ إستقلالية الأجهزة الرقابية العليا وفقاً للإعلانات الدولية ورأي الفقه.

نشأت الحاجة الماسة لاستقلالية الأجهزة العليا للرقابة المالية في مواجهة تزايد النفوذ المتصاعد للسلطة التنفيذية ومحاولة بسط سلطتها على هذه الأجهزة، والمتأتي فعلا من تواكب عالم متغير واقتصاد متطور نشأ عنه تزايد لأنشطة الدولة([16]).

وفي ضوء ذلك غدت الاجهزة الرقابية العليا تنظر إلى ضرورة تبني فكرة مبدأ الاستقلالية في قوانينها، والتي ستفتقر بخلافها إلى أَهم مقوماتها الاساسية على اعتبار انها ستكون في هذه الحالة مجرد احدى الدوائر الحكومية، وتصبح رقابتها شكلية أكثر مما هي موضوعية، بحيث تلبي بشكليتها ما تريده السلطة التنفيذية من موافقات

ولم تتخل المحافل الدولية ولا حتى رجال الفقه، عن المطالبة المستمرة لتفعيل الاجهزة الرقابية العليا من خلال المطالبة باستقلالها عن السلطة التنفيذية (على اقل تقدير)، وحرصت منظمة الانتوساي كل الحرص على تفعيل مبدأ الاستقلال وعرفته “على انه حرية تصرف الجهاز الاعلى للرقابة في القضاية المتعلقة بمهمته الرقابية دون توجه خارجي أَو تدخل بأي شكل من الأشكال

فالمنظمة الدولية وان كانت قد تضمنت في عضويتها بعض اجهزة الرقابة المالية العليا التي لاتتمتع بالاستقلال عن السلطة التنفيذية، أو عدم تبعيتها للسلطة التشريعية كما هو مطلوب، الا انها مستمرة في دعم استقلالية تلك الاجهزة وضرورة تضمين هذا المبدأ في قوانينها المختصة وتطبيقاتها. كما ركزت اغلب الإعلانات الدولية في توصياتها المتواصلة على مبدأ الاستقلال، وأولته الاهتمام البالغ، لإدراكها اهميته على اثر فاعلية تلك الاجهزة بمصاحبته، وضعفها بخلافه، وهو ذات الامر الذي تكفلته المنظمات المتخصصه ايضاً.

فقد حث إعلان بكين (1991)([17]) على ضرورة منح الاجهزة الرقابية العليا، الاستقلال بجميع اشكاله وعناصره، الاداري والمالي والوظيفي، والنص عليها جميعاً في قوانين تلك الاجهزة، مدعومة بتطبيق واقعي وعملي، حتى يستطيع الجهاز الرقابي ان يؤمن بتطبيقها، رقابة فاعلة على ادارة المال العام بكفاءة واقتصاد وفاعلية([18]) كما وأشار إعلان ليما لعام (1977)([19])، إلى اعتبار مبدأ استقلال الاجهزة الرقابية العليا، اهم المباديء العامة لقيام مثل هذه الاجهزة وضمان فاعليتها، وهو بالتالي مايميزها عن بقية الاجهزة الرقابية الاخرى، لذا اثار الإعلان الاخير على ضرورة الرجوع إلى محكمة عليا للطعن في حال أي تدخل يتضمن المساس باستقلال الهيئات الرقابية العليا أو اختصاصاتها المالية([20])، اما عن مجموعة العمل العربية للأجهزة العليا الرقابية المالية والمحاسبية، فقد حرصت في توصيات المؤتمر الثالث لها المنعقد في تونس عام (1983)، على مبدأ الاستقلال، ووجوب دعمه بجميع الوسائل الكفيلة لقيامه، ان الاستقلال المفروض للهيئات الرقابية العليا يجب ان يرتبط ارتباطا غير قابل للبحث باستقلال أعضائها، الذين يجب ان لايخضع وبأي شكل من الاشكال للضغوطات من الجهات الخاضعة لرقابتهم اثناء تأديتهم وظيفتهم الرقابية، وإلاّ كانوا تابعين لها([21]). من هذا يتبين ان الاستقلال المطلوب للديوان يتمحور حول ثلاثة محاور رئيسه هي (الاستقلال الإداري، الاستقلال المالي، الاستقلال الوظيفي). أما عن رأي الفقه فقد ذهب في مفهومه لاستقلال الأجهزة العليا للرقابة إلى ثلاثة اتجاهات([22]).

الاتجاه الاول: يرى اصحابه ان مبدأ الاستقلالية لايكون الا بفرض هيبة القضاء على جهاز الديوان، لذا يجب على الدول ان تجعل من اجهزتها هيئة قضائية أو محكمة أدارية، كما في فرنسا ولبنان.

الاتجاه الثاني: يعتقد أَصحابه ان الاستقلالية المطلوبة للهيئات الرقابية العليا تتحقق بمجرد ارتباطها بالسلطة التشريعية، وهي ضمانة كافية لقيام هذا المبدأ، كما هو الحال في مراقب الحسابات البريطاني.

الاتجاه الثالث: يعتبر اصحاب هذا الاتجاه ان هذه الاجهزة يجب ان تكون سلطة رقابية قائمة بذاتها إلى جانب السلطات الدستورية الثلاث. ان هذه الدعوة وأن كانت تصطدم بالتقسيم الدستوري المعروف، الا انه تمثل رأياً ودعوة للمستقبل، لان الارتباط بالسلطة التنفيذية لايمكن تصورها وهي محل الرقابة، ولا بالسلطة القضائية فهي تعنى بتوقيع العقاب ولاتعنى بتحقيق الاهداف الرقابية، أما عدم الارتباط بالسلطة التشريعية، فلأنها تمثل تيارات سياسية متعددة يخشى معها الميل إلى جانب على حساب الاخر، فضلا عما قد يكون لها تمثيلاً حكومياً، وبالتالي ستكون هذه الحالة كغطاء امان للحكومة من خلال سيطرتها على الديوان كما في العراق([23]). بينما نرى ان هذا الاتجاه اصبح تطبيقا واقعيا وليس مجرد دعوة، يظهر ذلك في حال محكمة المحاسبات الفرنسية، فهي وان كانت ترتبط بالسلطة التشريعية، الا ان المشرع الدستوري الفرنسي عدها سلطة إلى جانب السلطات الثلاث دون ان يؤثر ذلك على التقسيم الدستوري، لانها سلطة من نوع خاص.

ثانياً: استقلالية ديوان الرقابة المالية الاتحادي:

ان الرقابة المالية سابقة في تكوينها وتأريخها على الدستور، لذلك لم تفعل الدساتير اكثر من انها صاغت هذا الوجود الواقعي بنص دستوري استجابة للإرادة الجماعية في بسط الرقابة المالية على الدولة، وتحقيق الهدف الرقابي وتحمل المسؤولية القانونية لا يمكنه ان يتولد الا في بيئة ديموقراطية حيث يسود النظام البرلماني ويكون للبرلمان هيبته وثقله الذي يعلو على ثقل السلطة التنفيذية، وهذا لا يتحقق الا في ضوء مبدأ الفصل الحقيقي بين السلطات، وأن الدستور العراقي لعام 2005 قد اخذ بمبدأ الفصل بين السلطات ونص صراحةً على استقلالية ديوان الرقابة المالية إدارياً ومالياً في المادة (103/أولاً)([24]).

أما في جانب الاستقلال الوظيفي، فقد أبعد الدستور أعلاه عن الديوان معنى السلطة، وجعله هيئة مستقلة ترتبط وظيفياً بمجلس النواب، وهو بذلك يكون مغايراً للدستور الذي سبقه لعام 1970م، الذي أورد مطلق عبارة السلطة الرقابية للديوان. وعليه، أبعد دستور2005 عن الديوان دائرة الشك في اعتباره سلطة رابعة إلى جانب السلطات الدستورية، خصوصاً وقد صرّح بارتباطه بالسلطة التشريعية. إن مجرد ارتباط الديوان بالسلطة التشريعية يعدّ بحدّ ذاته استقلالاً وظيفياً له. ومع ذلك، أشار الدستور النافذ بأن يخضع الديوان في تنظيم عمله للقانون الذي يحكمه، وذلك من خلال ما تضمنته المادة (103/أولاً) بقولها: (…وينظم القانون عمل كل هيئة منها). وبذات المعنى ذهب الاجتهاد القضائي([25]) في هذه المسألة إلى أن تفسير معنى الارتباط بمجلس النواب يذهب إلى معنى الارتباط الوظيفي به، كما ان القانون السابق وتعديله جاء موافقاً لما بعد تعديله في النص الصريح للاستقلال المالي والإداري وفي كلا الحالتين كانا منسجمين مع ما جاء به الدستور في أعلاه. فقد بيّن قانون الديوان قبل التعديل، منحه الاستقلال الإداري والمالي صراحة، بل ذهب أبعد من ذلك في اعتباره سلطة رقابية لتأكيد استقلاله الوظيفي لضمان فاعليته([26])، وبذات السياق جرى عليه النص بعد التعديل الأخير على قانون رقم (6) لسنة 1990م الملغي، لكنه رفع غطاء السلطة عنه، وأبقى الاستقلال الوظيفي غير صريح، وفقاً للمادة (1/أولاً) بقولها: (… وينشأ بموجب هذا الأمر ديوان الرقابة المالية كمؤسسة حكومية مستقلة، إدارياً ومالياً، ذات شخصية معنوية،…) أما القانون النافذ رقم (31) لسنة 2011 فأكد التوجه الاخير من حيث اعتباره هيئة مستقلة دون الاشارة إلى كونه سلطة مستقلة ويرتبط بمجلس النواب، على حد نص المادة (5) (الديوان هيئة مستقلة ماليا واداريا…ويرتبط بمجلس النواب…).

الفقرة الأولى: مدى استقلالية الديوان على الصعيد الإداري:

يتمثل الاستقلال الإداري للديوان، في وجوب أن تتوفر جميع الضمانات القانونية التي تتعلق بالأمور الإدارية لموظفي الديوان، كتعيين رئيس الديوان وبقية موظفيه، ونقلهم، وإنهاء خدمتهم، وغير ذلك مما يتصل بأوضاعهم الإدارية، مما يوفر لهم بمعيتها بيئة ممارسة الحياد والحرية والموضوعية في إجراء العمل الرقابي دون أي سيطرة أو تفضّل([27]). ففي الأصل إن استقلالية الديوان وأعضائه تأتي بالدرجة الأولى من النص الصريح للدستور النافذ على الاستقلال الإداري، ضمن المادة (103/أولاً)، فضلاً عن الاستقلال الوارد في قانون الديوان النافذ ضمن تعريف الديوان في المادة (5) منه بالقول: (…هيئة مستقلة ماليا واداريا له شخصية معنوية…)، ومع ذلك كان لا بد أن نبيّن استقلالية الأعضاء إدارياً وذلك كما يلي:

فمن الناحية الإدارية لتعيين رئيس الديوان ووكيليه، فقد رسم تعديل قانون الديوان رقم (77) لسنة 2004 صورة حسنة، في تعيين أيّ منهم أو في انتهاء خدمتهم أو إنهائها([28]). فقد نصت المادة (الأولى/ثانياً) على: (… ويعيّن رئيس الوزراء من يخلف رئيس الديوان ووكيليه لمدة (5 سنوات) من ثلاثة مرشحين من المختصين لكل منصب، وتقدم أسماؤهم من قبل مجلس القضاء الأعلى، وعلى مجلس القضاء عند تقديمه الترشيحات أن يأخذ بالاعتبار أي وجهة نظر للديوان، ولا يمكن لرئيس الديوان أو وكيليه الخدمة لفترة تزيد على مدتين متعاقبتين أو غير متعاقبتين). وبهذا النص أيضاً يكونُ إنهاء خدمة أيّ من الرئيس أو وكيليه محددة بالفترات الزمنية المعينة فيه، فلا يجوز نقل أيّ منهم خلالها.

أما عن عزل الرئيس ووكيليه فقد جعل التعديل السابق رقم (77) أمره بيد السلطة التشريعية بقوله في المادة (1/خامساً) بنصها (يُعزل رئيس الديوان ووكيلاه من مناصبهم فقط إذا صوّت ثلثا الجهة التي ستكوّن السلطة التشريعية الوطنية، لعدم صلاحية أو سوء التصرف داخل أو خارج منصبه، إهمال الواجب، إساءة جسيمة للمنصب)، أي إنَّ تحديد سبب العزل شرط واجب في نفاذه. علماً أنّ تقرير سبب العزل وإصداره هنا متعلق بالمجلس التشريعي فقط، وهو ما يضفي الضمانة الكافية لاستقلال الديوان (المتمثل برئيس الديوان ووكيليه) عن السلطة التنفيذية. ألا ان هذا السياق لم يعد معمولاً به حيث عزز القانون الجديد رقم (31) لسنة 2011 المعدل ارتباط الديوان بالسلطة التشريعية وأوكل لها تعيين رئيس الديوان على الرغم من القول باستقلاله وبهذا نصت المادة (22) منه على (تم تعديل الفقرة اولا من هذه المادة بموجب قانون التعديل الاول رقم 104 لسنة 2012.

أولاً: يوافق مجلس النواب بالأغلبية المطلقة على تعيين رئيس ديوان الرقابة المالية بناءاً على إقتراح مجلس الوزراء.

ثانياً: رئيس الديوان بدرجة وزير يعين لمدة أربع سنوات.

 ثالثاً: لرئيس الديوان صلاحيات وزير المالية فيما يتعلق بشؤون الديوان وملاكه وموازنته ومن خلال النص الأخير نثير الملاحظة التالية، ان تعين رئيس الديوان بناءً على اقتراح مجلس الوزراء وهو الهيئة العليا للسلطة التنفيذية يجعل الشك قريباً حول استقلالية العمل الرقابي حيث ان قمة الجهاز ممثلة برئيسها، وعندها يكون تعينه موكل إلى السلطة التنفيذية التي بدورها الجهة الأولى التي تمثل محل عمل الديوان، وإذا كان الجواب لدرء الشك عن هذا التساؤل إن دور مجلس الوزراء هو اقتراح فقط ويبقى التعيين مناط بمصادقة مجلس النواب بالأَغلبية المطلقة بموجب النص أعلاه. نرد على ذلك أن الدستور بالمادة 76 منه نص على (يكلف رئيس الجمهورية مرشح الكتلة النيابية الأكثر عدداً، بتشكيل مجلس الوزراء،..) بالتالي فإن الكتله التي جاءت بمجلس الوزراء لها أن تأتي برئيس الديوان..! وهذا يبقى في إطار الإشكالية الفرضية التي إذا ما أريد درؤها أعيد الحال لما كان عليه فيما يتعلق باختيار الرئيس. وقد عضد استقلاله الإداري عندما أعطى رئيس الديوان درجة وزير ومنحه جميع امتيازاته، فضلاً عن منحه سلطات مساوية لسلطات وزير المالية في توفير الدرجات الوظيفية لتعيينهم ضمن المادة (22) بنصها(ثانياً: رئيس الديوان بدرجة وزير يعين لمدة اربع سنوات، ثالثاً: لرئيس الديوان صلاحيات وزير المالية فيما يتعلق بشؤون الديوان وملاكه وموازنته). ومما سبق، نفهم أن الأصل في تعيين موظّفي الديوان ونقلهم أو إنهاء خدماتهم غير خاضعة إلا لرئيس الديوان باعتباره المسؤول عن تنظيم جهازه الرقابي إدارياً وفقاً لهذه المادة، وفي السياق ذاته، فقد أكدت المادة (37) من قانون الديوان على استقلاله في التنظيم الإداري، وعدم خضوعه إلا للقانون، بنصها (يخضع موظفو الديوان لأحكام التشريعات النافذة باستثناء ما ورد فيه نص خاص في هذا القانون) كما نصت المادة (39) (يكون للديوان نظام داخلي يحدد هيكلية دوائر الديوان وواجباتها واختصاصاتها وينشر في الجريدة الرسمية).

الفقرة الثانية: مدى استقلالية الديوان على الصعيد المالي:

ويقصد بالاستقلال المالي الواجب توافره للديوان هو توفّر الضمانات القانونية المتعلقة بأن يضع الديوان بنفسه تقديرات الاعتمادات المخصصة له في الموازنة العامة دون تعديل من السلطة التنفيذية، وبحرية استعمال هذه الاعتمادات([29]). وبهذا المعنى ذهب اتجاه ديوان الرقابة المالية في استقلاله المالي من خلال أن يكون له موازنة مستقلة، يتولى بنفسه إعداد مشروعها ويرسلها إلى وزارة المالية لإدراجها رقماً واحداً في الموازنة العامة للدولة، ودون أن يكون لوزارة المالية أو حتى لمجلس الوزراء تعديلها، ومن ثم إحالتها بعد ذلك إلى البرلمان كما هي، للتصويت عليها إما رفضاً أو قبولاً أو تعديلاً، باعتباره هو صاحب السلطة والاختصاص في التصويت على الموازنة العامة في الدولة. وهذا التوجه ليس جديداً على ديوان الرقابة المإلىة فقد نصت المادة (14/خامساً) من قانون رقم (6) لسنة 1990 م الملغي، المتعلقة باختصاص مجلس الرقابة المالية، بنصها (لإقرار مشروع الموازنة السنوية للديوان التي يعدّها رئيس الديوان وفق التوجيهات العامة للدولة، ويرسلها إلى وزارة المالية لإدخالها ضمن مشروع الموازنة العامة للدولة). وهذا ما يؤكده أيضاً الدستور النافذ في مادته (103/أولاً) على اعتبار الديوان هيئة مستقلة مالياً، ووجهة نظر المحكمة الاتحادية حول تفسيرها تلك المادة، بالقول: (حيث حصرت الفقرة (أولاً) منها (أي المادة 103 من الدستور) الاستقلال بالجانب المالي والإداري بالنسبة لديوان الرقابة المالية، وهيئة الإعلام والاتصالات وربطهما وظيفياً بمجلس النواب)([30]). وكذلك الحال فيما ذهبت إليه المادة الأولى من القانون المعدل في مادته الأولى من اعتبار الديوان مؤسسة حكومية مستقلة – كما سبق في تعريف الديوان – وهو ما أكده القانون الحالي رقم 31 لسنة 2011 المعدل في المادة (21) ( يختص المجلس بما يلي:

خامساً: اعداد واقرار مشروع الموازنة السنوية للديوان وفق التوجيهات العامة للدولة وارسالها إلى وزارة المالية لتوحيدها ضمن الموازنة العامة للدولة).

وعليه يقوم الديوان، ودون أي تدخل، بوضع القواعد الخاصة بتنظيم حسابات جهازه ونظم الصرف والجرد وغير ذلك من الشؤون الإدارية والمالية. كما أن رئيس الديوان يتمتع بجميع السلطات المخوّلة لوزير المالية فيما يتعلق باستخدام الاعتمادات المقرّرة في موازنة الديوان المحددة في الموازنة العامة للدولة. زد على ذلك، فإن للديوان صلاحيات مالية تتعلق بجميع أوجه الصرف والتصرف المالي بميزانيته ومنها منح المخصصات المالية الخاصة بموظفي الديوان وفقاً للمادة (30) من قانون ديوان الرقابة المالية الاتحادي رقم 31 لسنة 2011 المعدل. لذا، يتمتع الديوان باستقلال مالي تام، دون اي تدخّل من الحكومة في تقرير نفقاته أو في طريقة استعمالها. اما في لبنان فإن ديوان المحاسبة يضع مشروع نفقاته ويرسله إلى وزير الماليه وفي حال تعديله يبت مجلس الوزراء فيه بعد الاستماع إلى رئيس الديوان، فإن ضرورة موافقة مجلس الوزراء على تعديل مشروع موازنة الديوان المرسلة إلى وزارة المالية لايكفي لتأمين الاستقلالية اللازمة في هذا المجال، وتجدر الاشارة إلى ان موازنة الجهاز في دول عديدة غير قابلة للتعديل من جانب الحكومة بل يتم اقراره كقيد إجمالي من قبل السلطة التشريعية

الفقرة الثالثة: مدى استقلالية الديوان على الصعيد الوظيفي

ويتمثل الاستقلال الوظيفي للديوان في وجوب أن تتوفر له الضمانات القانونية التي تكفل قيامه بوظائفه دون أي تدخل أو إملاء، كالنص على وجود معنى هذا الاستقلال في الدستور والقانون المختص. كما وأن يكون للديوان روابط قوية ومباشرة بالسلطة التشريعية، وفي حرية الديوان بوضع لائحته الوظيفية، ونظام عمل موظفيه بنفسه. وبالتالي اهتمام كلّ من السلطة التشريعية والسلطة التنفيذية بتقارير الديوان والعمل بتوصياته دون ضغط أو تأثير([31]).

لقد جاء في تفسير المحكمة الاتحادية العليا في العراق في رأيها الصادر عام 2006([32])، المتعلق بمعنى الاستقلال الوارد في المادة (103) من الدستور، أنه يشير صراحة إلى الاستقلال المالي والإداري، أما الاستقلال الوظيفي للديوان فكان، حسب ذلك الرأي، مرتبطاً بمجلس النواب، فماذا تقصد تلك المحكمة بهذا المعنى؟ إن التسليم بالارتباط الوظيفي للديوان بمجلس النواب، على حدّ هذا التعبير، هو استقلال وظيفي بحد ذاته، فقد مرَّ أن الفقهاء يعدون هذا الارتباط ضمانة كافية لاستقلال الأجهزة الرقابية العليا، كونها ليست سلطة قائمة بذاتها، وبالتالي يقتضي أن ترتبط وظيفياً بإحدى السلطات الرئيسة، والتي يعدّ ارتباطها بالسلطة التشريعية هو أسلم حالة لاستقلالها. لذا، فإن ارتباط الديوان بمجلس النواب لا ينقص من استقلاليته الوظيفية شيئاً، بل هي الحالة المثلى المعمول بها في الدول المتقدمة( ([33]). ولتبيين ذلك وفقاً لرأي المحكمة، واعتماداً على ما سنجمله في تأكيد استقلالية ديوان الرقابة المالية على صعيد المجال الوظيفي، يمكن ذكر جمله مبررات حول تلك الاستقلالية، وهي:

  1. إن الأَخذ بارتباط الديوان بمجلس النواب هو استقلال بحدّ ذاته، فقد ذهب الفقهاء إلى أن معنى الارتباط هنا يشير الارتباط الوظيفي المتضمن معنى الخضوع والمسؤولية أمامه، وليس التدخل في وظائفه، لأن مجلس النواب ليس له أدوات تنفيذية بذاته، يمارس من خلالها متابعة أو تنفيذ أعمال الديوان، بل إن الديوان هو نفسه يعتبر أداة أو وسيلة للسلطة التشريعية، تعتمد على ما يملكه من تخصّص وتفرّغ لأداء المهام الرقابية ورفع نتائج أعماله لها لتتمكن من محاسبة ومساءلة السلطة التنفيذية عند سوء تصرفها بالأموال العامة([34]). كما ان قانون الديون قد نص على الاستقلال الوظيفي لموظفي الديوان ابتداءاً من رئيس الديوان، نصت المادة (22) من قانون ديوان الرقابة المالية الاتحادي رقم 31 لسنة 2011 المعدل على (… ثانياً: رئيس الديوان بدرجة وزير يعين لمدة أربع سنوات… ثالثاً: لرئيس الديوان صلاحيات وزير المالية فيما يتعلق بشؤون الديوان وملاكه وموازنته..) كما نصت المادة (38) على (يصدر رئيس الديوان بموافقة المجلس تعليمات لتسهيل تنفيذ أحكام هذا القانون)، مما تقدم يتضح أن رئيس الديوان هو من تُلقى على عاتقه مهمة وضع خطط العمل والهيكل الإداري والوظيفي في تنظم جهازه الرقابي وفقاً لقانون الديوان. ومما يؤيد ما سبق نص المادة (21) (…خامساً: يختص المجلس بما يأتي: اولاً: إقرار خطط العمل في الديوان..) هذا وان الاقرار يأتي لاحق لوضع الخطط، أي ان الرئيس هو من يضع الخطط ومن ثم تصادق من قبل المجلس.
  2. ما نصت عليه المادة (21) والمتعلق باختصاص مجلس الرقابة المالية يؤكد هذا المعنى، فقد نصت على (أولاً: إقرار خطط العمل في الديوان، ثانياً: وضع أسس العمل في الديوان وأساليب تنفيذها، ثالثآ: البت في المسائل التي تقتضيها مهام الرقابة والتدقيق والعمل على توفير الوسائل اللازمة لها…. رابعاً: تحديد نطاق عمل دوائر ومديريات الديوان وقواعد تنظيمها،… سادساً: إقرار الإطار العام لتقارير الديوان…). كما نصت المادة (36) من القانون ذاته (يكون للديوان نظام داخلي يحدد هيكلية دوائر الديوان وواجباتها واختصاصاتها وينشر في الجريدة الرسمية). يتضح مما سبق أن للديوان استقلالاً وظيفياً، وإن كان غير مطلق، إلا أنه في الوقت ذاته لا يعني أنه يشير إلى تدخّل مجلس النواب بوظيفته اليومية. إي إنّ معنى ارتباط الديوان بمجلس النواب هو ارتباط وظيفي، لكنّه لا يحدّ من مدى ذلك الاستقلال الوظيفي لأنه يأتي بمعنى الإشراف والخضوع والمسؤولية وليس بمعنى التدخل في وظيفته، باعتباره خاضعاً، فقط، لقانونه المختصّ الذي ينظمه.

وأخيراً يمكن القول إن الفكر الدستوري والقانوني والإداري في العراق لتكوين استقلالية الديوان لم ترتق إلى نفس تلك الأفكار المنظرة في فرنسا فبالرغم من الاعتراف الدستوري والقانوني باستقلالية الديوان مالياً وإدارياً، إلا أنه أبقى المجال الوظيفي له محلّ مناقشة وشك، وهذا ما نجده في محضر رأي المحكمة أعلاه وتفسيراتها. بينما أغلق الفكر الفرنسي الباب على تلك المجادلات في النص على سلطة محكمة المحاسبات الفرنسية وجعلها محكمة إدارية من نوع خاص، وهو بذلك قد جعل سلطتها من خارج السلطات الدستورية الثلاث، باعتبارها سلطة من نوع خاص. وبذلك يكون المشرّع الفرنسي قد أبعد المحكمة كل البُعد من التشكيك في مدى استقلالها الوظيفي حتى من السلطة التشريعية، وهو متأت من اعترافه بأهمية أثر وجود هكذا محكمة ووظيفتها أيضاً. بينما لم نجد هذا العمق الفكري في وضع التجربة الأنكلوسكسونية مع الاعتراف بمطلق استقلالية المراقب المحاسب العام لضمان فاعليته لكن دون أن يكون سلطة مستقلة أو حتى من نوع خاص. وبذلك يكون العراق قد أخذ فكرة ديوانه الرقابي الأعلى من النموذج الأنكلوسكسوني وشابهه بالكامل ضمن حدود ومدى منح هذا الاستقلال. لكن يمكن القول إن الارتباط الوظيفي للديوان بمجلس النواب قد ينسحب على السيطرة عليه من قبل الحكومة العراقية أيضاً، وذلك لأن الحكومة تتألف من أكبر كتلة نيابية وفقاً للمادة (76)([35]) من الدستور النافذ، وبالتالي سينسحب أثر ذلك على فاعلية الديوان تبعاً لهيمنتها عليه.

الفرع الثاني: حصانة ديوان الرقابة المالية الاتحادي

يُعدّ مبدأ الحصانة من نواشئ مبدأ الاستقلال واستمراره، إذ لا استقلالية دون حصانة، ولا حصانة بدون استقلال، ولا وجود لجهاز رقابة أعلى بغير هذين المبدأين

لذا فإن مطالبة ديوان الرقابة المالية بفاعليته كجهاز رقابة حيوي يحمي المال العام، ويقوّم الاعوجاج، لا يأتي إلا بالاعتراف بمنحه حقاً دستورياً وقانونياً لممارسة عمله في إطار محصّن ومستقل، واعتبار أن فرضهما وتلازمهما أمرٌ ضروريٌ، وبعكسه سيترتب فرض سلطة الحكومة عليه ويصبح إنشاء الديوان دون أي جدوى. ويعود فرض الحصانة والاستقلال والالتزام بتطبيقهما، إلى نظرة كل دولة في الكيفية التي تريدها لجهازها الرقابي ودرجة الخضوع له، وهي بلا شك تعود إلى درجة الاتصال بمبادئ الديموقراطية وفصل السلطات. وبما أن الديوان يتابع رقابة التصرف بالمال العام أينما وجد، فإن هذه الحالة ستضع الديوان في المواجهة السلطوية التي قد ترتد عليه سلباً في حال عدم توفر الحصانة القانونية المطلوبة له، والتي ينبغي تضمينها في كلّ من الدستور والقانون.

والحصانة بمفهومها القانوني: “هي إخراج بعض الأشخاص كلياً أو جزئياً عن الوضع القانوني المألوف في الدولة، لتمكين هؤلاء من ممارسة أعمالهم بحرية، وفعالية وكفاءة عالية لتحقيق الغرض المنشود من جراء منح هذه الحصانة”. ولمعرفة مدى الحصانة في ديوان الرقابة المالية في العراق، فإنَّه يمكن بيان ذلك من خلال تصنيف أنواع الحصانة وعلى النحو التالي:

1- حصانة إجرائية وتتعلق بإجراءات التعيين والنقل والعزل لرئيس الديوان وموظفيه ( قد مرّ بيانها سابقاً)، من خلال ما تضمنته المادة (24) قانون ديوان الرقابة المالية الاتحادي رقم 31 لسنة 2011 المعدل ( لمجلس النواب استجواب رئيس الديوان وفقا لإجراءات استجواب الوزراء المنصوص عليها في الدستور وله إِعفاؤه من منصبه وفقا لما منصوص عليه). والمتضمنة على أن لا يعاقب رئيس الديوان ووكيلاه بالعزل أو الإقالة، إلا أمام البرلمان. لذا فهي حصانة سياسية.

2- حصانة وظيفية وتتعلق بممارسة الأعمال الرقابية بعيداً عن هيمنة السلطة التنفيذية

سبق وان نصت المادة (22) من قانون الديوان رقم (6) لسنة 1991 الملغي على: (لا يجوز اتخاذ التعقيبات القانونية بحق رئيس الديوان فيما يتعلق بشؤون وظيفته”. ما يمنح رئيس الديوان حصانة قانونية وتتعلق بإمكانية مقاضاة رئيس الديوان وبقية موظفيه، وكذلك طرق فرض العقوبات المسلكية عليهم وكيفيتها. إلا أن القانون الجديد رقم31 لسنة 2011 المعدل، لم يتعرض لنص صريح بهذا الصدد، وبالتالي من المفترض إعادتها، ولطوال فترة تولي رئيس الديوان لمنصبه. كما وتضمنت المادة (22/ثانياً) على أن رئيس الديوان بدرجة وزير، وبالتالي فهي توفر له الحصانة المفروضة للوزراء فقط، والمنصوص عليها في الدستور النافذ ضمن المادة (83)([36]) منه. أما فيما يتعلق بحصانة وكيلي رئيس الديوان ورؤساء الدوائر فقد كانت متوفرة نسبياً وفقاً للمادة (21) من قانون (6) لعام 1991الملغي بنصها على: (ولا يجوز اتخاذ التعقيبات بحق وكيلي رئيس الديوان ورؤساء الدوائر فيما يتعلق بتصرفاتهم الرسمية في أداء مهام الرقابة والتدقيق إلا بعد الحصول على إذن من رئيس الديوان). الا ان القانون النافذ رقم (31) لسنة 2011 المعدل، لم يتضمن هكذا نص، سوى تناوله شروط التعين وفق التعديل الاخير بإشارة إلى انه منصب من الدرجات الخاصة والتي نصت عليه المادة (26) (تم تعديل هذه المادة بموجب قانون التعديل الاول رقم 104 لسنة 2012

أولاً: يكون لرئيس الديوان (2) نائبان بدرجة وكيل وزارة يعينون لمدة (4) أربعة سنوات قابلة للتجديد مرة واحدة وعلى أن تكون لهم خدمة فعلية لاتقل عن (10) عشرة سنوات في الديوان.

ثانياً: يعين نائب رئيس الديوان بنفس الشروط وطريقة تعيين رئيس الديوان).

ان عدم اهتمام التشريع الاخير بالحصانة الخاصة برئيس الديوان ونائبية يضعف من دورهم الرقابي وقدرة اتخاذهم للقرارات الحازمة، فيما يتعلق بتأدية العمل المناط بهم سيما بعد اتساع عمل الديوان وتطور اجهزة الدولة وتنوع مواردها وزيادة المشاريع المرسوم تنفيذها… الخ.

3- أما فيما يتعلق ببقية موظفي الديوان، فقد نصت المادة (37) (يخضع موظفو الديوان لأحكام التشريعات النافذة باستثناء ما ورد فيه نص خاص في هذا القانون) وبالتالي فهم يخضعون إلى قانون الخدمة المدنية وقانون انضباط موظفو الدولة، فيما يتعلق بعلاقتهم الوظيفية، اما طبيعة اعمالهم وتكليفهم فقد نص عليه القانون النافذ.

4- حصانة مالية وتتعلق باستقلال مالية الديوان، في إعداد مشروع موازنته وإيرادها كرقم واحد في موازنة الدولة العامة، دون أيّ تدخل من وزارة المالية على تعديلها، ما أكدته المادة (21) (خامسآ: اعداد واقرار مشروع الموازنة السنوية للديوان وفق التوجيهات العامة للدولة وارسالها إلى الوزارة المالية لتوحيدها ضمن الموازنة العامة للدولة.)، فضلاً عن التصرف بها وفق المنهجية التي يقرّها المجلس. وبالمجمل، يمكن القول إن للديوان حصانة سياسية وقانونية بنصّ القانون، وهي تشابه إلى حد كبير الحصانة المفروضة للنظام الأنكلوسكسوني، لكنها لا ترتقي بأيّ حال من الأحوال للحصانة الفرنكوفونية. فبالإضافة لما تمتلكه محكمة المحاسبات الفرنسية من حصانة سياسية مرتبطة بعزل رئيسها بيد الجمعية الوطنية، فإن الحصانة القانونية والقضائية للرئيس وبقية كبار الموظفين تكون متوفرة تلقائياً لهم، باعتبارهم قضاة في محكمة إداريّة خاصة، وبالتالي تكون حصانتهم مشابهة للحصانة المفروضة للقضاة العاديين، مما سينعكس إيجاباً على عملهم الوظيفي وموضوعيته دون أيّ وعد أو وعيد من السلطات الدستورية كافة.

الفرع الثالث: تعزيز السلطة الرقابة العليا لديوان الرقابة المالية الاتحادي:

نصت المادة (116) من دستور العراق لعام 2005 (يتكون النظام الاتحادي في جمهورية العراق من عاصمة وأقاليم ومحافظات لا مركزية وادارات محلية) وبالتالي بموجب النص السابق سيكون لسلطات الاقاليم الحق في ممارسة السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية وفق احكام الدستور باستثناء ماورد فيه من اختصاصات حصرية للسلطات الاتحادية([37]). وهنا يطرح السؤال التالي، ماهو دور ديوان الرقابة المالية الاتحادي في الاقليم؟ هل يستطيع تأدية مهامه الرقابية على اعمال حكومة الاقليم؟ ام ان دوره محصور بأعمال الحكومه المركزية؟ للإجابة على هذه الاسئلة، سنكتفي بالإشارة إلى النصوص القانونية التي افصحت عن تعزيز دور الرقابة المالية العليا في قانون ديوان الرقابة المالية الاتحادي رقم (31) لعام 2011 المعدل، حيث جاء في المادة (1) (اولاً/ الديوان: ديوان الرقابة المالية، حلت تسمية الرقابة المالية الاتحادي محل ديوان الرقابة المالية اينما وردت بهذا القانون بموجب قانون التعديل الاول رقم 104 لسنة 2012) وبهذا التعديل فإن المشرع يفصح عن ان ديوان الرقابة الاتحادي هو السلطة الرقابية العليا لجمهورية العراق، وان دوره يكون إشرافياً على عمل دواوين الرقابة المالية في الاقاليم وبهذا نصت المادة (28) (…رابعآ: يتولى الديوان اضافة لمهامة الاخرى الإشراف على دواوين الرقابة المالية في الاقاليم وله في سبيل تحقيق ذلك ما يأتي:

أ – مراجعة التقارير الرقابية الصادرة عن تلك الدواوين وتوحيدها في تقريره على المستوى الاتحادي.

ب- تنسيق عمل ديوان الرقابة المالية الاتحادي مع دواوين الرقابة في الاقاليم وفقا لآليات تعتمد من قبل مجلس الرقابة المنصوص علية في هذا القانون.

 ج- تنسيق آليات عمل دواوين الرقابة المالية في الاقاليم فيما بينها وفقا لضوابط يقرها مجلس الرقابة المالية).

كما تجدر الاشارة إلى ان الأقليم الحالي يستوفي مايعادل 17% من الموازنة العامة حيث نصت المادة (9) اولا من قانون الموازنة العامة لسنة 2016 على(تحدد حصة اقليم كردستان بنسبة 17% سبعة عشر من المائة من اجمالي النفقات الفعلية المبينة في (الجدول د/النفقات الحاكمة) الملحق بهذا القانون وتدفع من قبل وزارة المالية الاتحادية وبموافقة رئيس مجلس الوزراء.) من النص السابق يتضح ان موازنة الاقاليم غير مستقله وهي جزء من الموازنة العامة للدولة العراقية ولما كان الاصل في مهام ديوان الرقابة المالية، الرقابة على المال العام، هذا يعني ان عمله يوجب متابعة المال العام اينما وجد وهذا يكون من خلال الاشراف على دواوين الاقاليم وبهذا يكون ديوان الرقابة المالية هو الجهاز الاعلى للرقابة المالية وعلى كافة اصعدة الدولة.

الخاتمة:

ان مدار الرقابة هو المال العام فحيث يوجد توجد الرقابة، وقد ادرك المشرع الدستوري الذي يمثل ضمير الامة اهمية هذا المال في الحفاظ على كيان الدولة ومقومتها، وفي ضوء هذه الحقيقة ينص الدستور على تشكيل ديوان الرقابة المالية ليتولى مراقبة المال العام اينما وجد وقد حدد قانون ديوان الرقابة المالية الاتحادي رقم 31 لسنة 2011 المعدل هذا المعنى في المادة (3) كما يمتد نطاق هذه الرقابة على كافة قطاعات الدولة العامة والخاصة لما لهذه القطعات من أثر على الاقتصاد القومي، إلا أن عملية الرقابة هذه لا تقدم النتائج المرجوة مالم يكن لها غطاء قانوني يسهل عملية الرقابة ويساعد على الاطلاع على جميع التفاصيل المالية، وتتم هذه الأعمال بصورة مستقله وحيادية مع احترام النتائج الصادرة عن الجهاز الرقابي والاخذ بالتوصيات التي تصدر عنه، والا تكون عملية الرقابة هي غاية وليس وسيلة يرتجى منها تحقيق الاهداف، لا نرغب بان نضفي هالة قاتمه على موضوع الرقابة المالية، بقدر ما نحرص على الخروج من الانتكاسة الاقتصادية والخلاص من افة الفساد المالي والرغبة في ان نرى ديوان الرقابة المالية فعالا متماشيا مع ما هو متبع في الدول المتقدمة، اضافة إلى ضرورة التزام هذا الجهاز بمضمون الإعلانات الدولية الصادرة عن المنظمات الخاصة بالرقابة المالية. والتي يعتبر العراق عضواً بها، حيث تعتبر هذه الإعلانات بمثابة تشريع دولي في هذا المجال.

ولما كانت قوانين الرقابة لا تعمل بمعزل عن نظم والقوانين الاخرى للدولة فلابد من اخضاعها هي كذلك لهذا التحديث لتلائم متطلبات العصر، فلا فعالية لقانون رقابي اذا لم تكن القوانين والنظم المحيطة المعمول بها تحمل في ثناياها رقابة ذاتية من خلال نصوص قانونية تتوفر على اهم عنصر في القاعدة القانونية وهو الجزاء ولا شك أن العناية والاهتمام والتحديث لديوان الرقابة المالية سيكون بصالح الدولة بشكل عام والحكومة بشكل خاص.

المصادر والمراجع:

أولا: الكتب:

  1. عوف محمود الكفراوي، الرقابة المالية بين النظرية والتطبيق، (الإسكندرية: مطبعة الانتصار، 1998
  2. فهمي محمود شكري، الرقابة المالية العليا، (عمان – الأردن: دار مجدلاوي، من دون ذكر التاريخ
  3. ماهر موسى العبيدي، مبادئ الرقابة المالية، ط1، (بغداد – العراق: مطبعة المعارف، 1991
  4. محمد رسول العموري، الرقابة المالية العليا – دراسة مقارنة، الطبعة الأولى، (بيروت: منشورات الحلبي الحقوقية، 2005
  5. محمد عبد الله شريف، الرقابة المالية في المملكة العربية السعودية، الطبعة الاولى،(الرياض: من دون ذكر دار النشر، 1986

ثانيا: البحوث والمجلات:

  1. “دليل تعريفي عن ديوان الرقابة المالية في جمهورية العراق”، (العراق: منشورات الديوان، بلا سنة نشر).
  2. دعاء رمضان، أثر كتلة الاكثرية النيابية في تشكيل واستقرار الحكومة العراقية، بحث مقدم إلى كلية القانون جامعة كربلاء، 2010
  3. طارق الساطي، “أستقلالية الاجهزة العليا للرقابة المالية”، المجلة العربية للإدارة، الامارات العربية المتحدة، مجلد14، العدد(4)، (1990)
  4. عبد الرضا جمعة عريبي السراي، “دور الرقابة المالية في عملية الإصلاح دراسة تحليلية على عينة من تقارير ديوان الرقابة المالية في العراق”، بحث مقدم إلى الاتحاد العام للمحاسبيين العرب والمعهد العربي للمحاسبين القانونيين، بغداد، (2009).
  5. عبد صاحب نجم عبد الله، “استراتيجية الرقابة بالعراق”، بحث مقدم إلى المعهد العالي للدراسات المالية والمحاسبية، بغداد، بدون سنة نشر.
  6. ماجد محمد الخزرجي، “استقلال الاجهزة العليا للرقابة المالية والمحاسبية”، بحث منشور في مجلة الرقابة المالية، السنة الرابعة عشر، العدد(33)، تونس، كانون الاول، (1988).

ثالثا: المواقع الإلكترونية:

1_الموقع الرسمي لديوان الرقابة المالية الاتحادي. على الرابط: http://www.d-raqaba-m.iq/pages-ar/massege.aspx، تاريخ الزيارة 5/2/2024

2_مدحت المحمود، القضاء الاداري في العراق، مقال منشور على الرابط:

http://www.hamoudi.org/dialogue-of-intellenct/18/07.htm تاريخ الزيارة، 4/4/2024.

3_ موقع “منظمة الانتوساي” تاريخ الزيارة، 4/4/2024، على الرابط:

http://www.intosai.org/ar/news/previous-information/previous-information-2013.html

رابعا: الرسائل والآطاريح:

  1. احمد علي عبد الحكيم الصوافي، ديوان الرقابة المالية في العراق دراسة مقارنة، رسالة ماجستير، (بيروت: الجامعة الاسلامية في لبنان، 2012
  2. حسين محسن علي الأسدي، استقلالية وفاعلية اجهزة الرقابة العليا في الوطن العربي، رسالة ماجستير، (بغداد – العراق: كلية الادارة والاقتصاد، جامعة بغداد، 1983
  3. محمد كويفائية، الرقابة المالية ودورها الاقتصادي في القطاع العام، أطروحة دكتوراه، (سوريا: جامعة حلب، عام 1991

خامسا: القوانين:

  1. دستور العراق لعام 2005
  2. قانون الديوان رقم (6) لسنة 1990 قبل التعديل الديوان صلاحية السلطة الرقابية

سادسا: القرارت القضائية:

  1. اجتهاد المحكمة الاتحادية العليا في العراق بالعدد (228/ت/2006)، تاريخ 9/10/2006 عند استفسار مجلس النواب – لجنة النزاهة العامة عن معنى الاستقلال الوارد في الباب الرابع من الدستور لـ(الهيئات المستقلة) ومعنى الرقابة، في كتابها المرقم (م/ن/171) المؤرخ في 23/9/2006؛ منشور في المجلة القضائية، العدد الأول، نيسان، تاريخ 12/4/2007.
  2. اجتهاد المحكمة الاتحادية العليا في العراق بالعدد (228/ت/2006)، تاريخ 9/10/2006 عند استفسار مجلس النواب – لجنة النزاهة العامة عن معنى الاستقلال الوارد في الباب الرابع من الدستور لـ(الهيئات المستقلة) ومعنى الرقابة، في كتابها المرقم (م/ن/171) المؤرخ في 23/9/2006؛ منشور في المجلة القضائية، العدد الأول، نيسان، تاريخ 12/4/2007.
  3. قرار المحكمة الاتحادية العليا في العراق رقم 88 لسنة 2010، منشور في المجلة القضائية، بغداد (العراق)، العدد الرابع، شباط، سنة 2011.

Margins:

  1. () عبد صاحب نجم عبد الله، “استراتيجية الرقابة بالعراق”، بحث مقدم إلى المعهد العالي للدراسات المالية والمحاسبية، بغداد، بدون سنة نشر، ص1.
  2. () الموقع الرسمي لديوان الرقابة المالية الاتحادي. على الرابط: http://www.d-raqaba-m.iq/pages-ar/massege.aspx، تاريخ الزيارة 5/2/2024
  3. () محمد رسول العموري، الرقابة المالية العليا – دراسة مقارنة، الطبعة الأولى، (بيروت: منشورات الحلبي الحقوقية، 2005، ص6).
  4. () تمثل المنظمة الدولية للأجهزة العليا للرقابة المالية العامة والمحاسبة (الإنتوساي) منظمة مركزية للرقابة المالية الخارجية العامة, وتقدم للأجهزة العليا منذ 50 سنة إطارا وهياكل مؤسساتية لتبادل المعلومات والخبرات من أجل تحسين وتطوير الرقابة المالية العامة على المستوى الدولي, وكذلك تطوير الخبرات الفنية والعلمية كرد للاعتبار والنفوذ للأجهزة العليا للرقابة في كل دولة من دول المنظمة على أسس تطبيق الشعار القائل ” إن تبادل الخبرات يستفيد منها الجميع ‘. حيث أن تبادل التجارب والنتائج والآراء بين أعضاء الإنتوساي في هذه المجالات تمثل ضمانات لمواصلة التطوير المستمر للرقابة المالية العامة.إن منظمة الإنتوساي هي مؤسسة مستقلة وذاتية السيادة وغير سياسية ومنظمة غير حكومية ذات مركز استشاري خاص في المجلس الاقتصادي والاجتماعي بالأمم المتحدة. تم تأسيس الإنتوساي عام 1953 بمبادرة من قبل الرئيس السابق للجهاز الأعلى الكوبي السيد/إيميليو فرنانديث كاموس. ولقد اجتمع آنذاك 34 جهازا رقابيا لعقد المؤتمر الأول للإنتوساي في كوبا، أما حاليا فيبلغ عدد أعضاء الإنتوساي 192 عضوا كاملا وخمسة أجهزة أعضاء منتسبة. (للمزيد ينظر: موقع المنظمة على الرابط التالي: http://www.intosai.org/ar/about-us.html؛ تاريخ الزيارة9/ 2/2016).
  5. () فهمي محمود شكري، الرقابة المالية العليا، (عمان – الأردن: دار مجدلاوي، من دون ذكر التاريخ، ص11).
  6. () ماهر موسى العبيدي، مبادئ الرقابة المالية، ط1، (بغداد – العراق: مطبعة المعارف، 1991، ص5).
  7. () العموري، المرجع السابق، ص17.
  8. () احمد علي عبد الحكيم الصوافي، ديوان الرقابة المالية في العراق دراسة مقارنة، رسالة ماجستير، (بيروت: الجامعة الاسلامية في لبنان، 2012، ص(ب).
  9. () عبد الرضا جمعة عريبي السراي، “دور الرقابة المالية في عملية الإصلاح دراسة تحليلية على عينة من تقارير ديوان الرقابة المالية في العراق”، بحث مقدم إلى الاتحاد العام للمحاسبيين العرب والمعهد العربي للمحاسبين القانونيين، بغداد، (2009)، ص52.
  10. () “دليل تعريفي عن ديوان الرقابة المالية في جمهورية العراق”، (العراق: منشورات الديوان، بلا سنة نشر).
  11. () محمد عبد الله شريف، الرقابة المالية في المملكة العربية السعودية، الطبعة الاولى،(الرياض: من دون ذكر دار النشر، 1986، ص18).
  12. () العموري، المرجع السابق، ص18.
  13. () المادة (103) فقرة أولاً وثانيا، من الدستور العراقي، لعام 2005
  14. () ماجد محمد الخزرجي، “استقلال الاجهزة العليا للرقابة المالية والمحاسبية”، بحث منشور في مجلة الرقابة المالية، السنة الرابعة عشر، العدد(33)، تونس، كانون الاول، (1988)، ص2.
  15. () حسين محسن علي الأسدي، استقلالية وفاعلية اجهزة الرقابة العليا في الوطن العربي، رسالة ماجستير، (بغداد – العراق: كلية الادارة والاقتصاد، جامعة بغداد، 1983، ص22).
  16. () ان المقصود بالاشارة إلى تزايد سيطرة السلطة التنفيذية على الاجهزة الرقابية العليا هو ما يمثله الانحدار الحاصل في الدول النامية بشكل عام، والدول العربية بشكل خاص، (والعراق على وجه الخصوص). حول انحدار الدول العربية.
  17. () اختُتِم مؤتمر الإنتوساي الحادي والعشرين في 26 تشرين الأول/أكتوبر 2013 باعتماد “إعلان بكين”، وقد شارك في المؤتمر 591 مشاركا قدموا من 154 من الأجهزة العليا للرقابة المالية العامة والمحاسبة من 160 دولة وثلاثة أعضاء مشاركين و22 مراقب. وقد دعا المشاركون في المؤتمر من خلال “إعلان بكين” على وجه التحديد إلى تطبيق قرار الأمم المتحدة رقم A/66/209 حول تعزيز الأجهزة العليا للرقابة المالية العامة والمحاسبة، كما قاموا بالموافقة على 12 معيارا من المعايير الرقابية الجديدة، وقدموا دعمهم للخطط الرامية إلى تكثيف التعاون مع الأمم المتحدة في إطار إعداد خطة التنمية لما بعد عام 2015، كما أقرّ المؤتمر توصيات ملموسة للعمل الرقابي فيما يتعلق بمجالي “الرقابة الوطنية والحوكمة الوطنية” و”مساهمات الأجهزة الرقابية في ضمان التنمية المستدامة للسياسة المالية”. للمزيد: ينظر موقع “منظمة الانتوساي” تاريخ الزيارة، 9/9/2016م، على الرابط: http://www.intosai.org/ar/news/previous-information/previous-information-2013.html
  18. () طارق الساطي، “أستقلالية الاجهزة العليا للرقابة المالية”، المجلة العربية للإدارة، الامارات العربية المتحدة، مجلد14، العدد(4)، (1990)، ص23
  19. () ينظر: إعلان ليما لعام 1977، (بغداد: الإعلانات الدولية للرقابة المالية العليا، ديوان الرقابة المالية الاتحادي، 1992، ص39).
  20. () ينظر: إعلان ليما لعام 1977، المرجع ذاته.
  21. () الساطي، استقلالية، المرجع السابق، ص10.
  22. () الساطي، استقلالية، المرجع ذاته، ص43.
  23. () يرى البعض ان الحكومه تنبثق في العراق من اغلبية الكتل النيابية في مجلس النواب حسب المادة الدستورية رقم (76/أولا) بنصها ” يكلف رئيس الجمهورية مرشح الكتلة النيابية الاكثر عدداً، بتشكيل الحكومة… ” لذا فإن ارتباطه بها سيؤدي إلى ارتباطه حكماً بالحكومة الناشئة عنه، وبالتالي سيخضع له. حول ذلك ينظر: دعاء رمضان، أثر كتلة الاكثرية النيابية في تشكيل واستقرار الحكومة العراقية، بحث مقدم إلى كلية القانون جامعة كربلاء، 2010 ص68.
  24. () نصت المادة (103/أولاً) من دستور العراق لعام 2005 على: “يعد كل من البنك المركزي وديوان الرقابة المالية، وهيئة الإعلام والاتصالات، ودواوين الأوقاف، هيئات مستقلة مالياً وإدارياً، وينظم القانون عمل كل منها”.
  25. () ذهب اجتهاد قضائي للقول “حيث حصرت الفقرة (أولاً) منها (أي المادة 103 من الدستور) الاستقلال بالجانب المالي والإداري بالنسبة لديوان الرقابة المالية، وهيئة الإعلام والاتصالات وظيفياً بمجلس النواب”؛ ينظر: اجتهاد المحكمة الاتحادية العليا في العراق بالعدد (228/ت/2006)، تاريخ 9/10/2006 عند استفسار مجلس النواب – لجنة النزاهة العامة عن معنى الاستقلال الوارد في الباب الرابع من الدستور لـ(الهيئات المستقلة) ومعنى الرقابة، في كتابها المرقم (م/ن/171) المؤرخ في 23/9/2006؛ منشور في المجلة القضائية، العدد الأول، نيسان، تاريخ 12/4/2007.
  26. () إن منح قانون الديوان رقم (6) لسنة 1990 قبل التعديل الديوان صلاحية السلطة الرقابية، إلا أنه في الوقت ذاته بيّن ارتباطه بمجلس قيادة الثورة، وهو ما نعتقده تناقضاً بين الأمرين (بين السلطة وتقييدها بذلك الارتباط)، ينظر: المادة (1/أولاً) من القانون رقم6 لسنة 1990، مشار إليه سابقاً.
  27. () حول معنى الاستقلال الإداري، ينظر: الساطي، استقلالية، المرجع السابق، ص25.
  28. () إن حسن الصورة للوضع الإداري لرئيس الديوان ووكيليه، نعتقد أنها متأتية من:

    الترشيح: ويكون من قبل جهة مستقلة (مجلس القضاء الأعلى) مع الأخذ بنظر الاعتبار رأي الديوان نفسه.

    الاختيار: ويكون من أكثر جهة فنية متخصصة بالعمل الإداري (السلطة التنفيذية)، مع تقيدها في الوقت ذاته بالمرشحين المختصين الثلاثة فقط، لشغل تلك المناصب.

    انتهاء المدة والعزل: فتحديد مدة المنصب يرفّع التكاسل عن شاغليه طمعاً بتجديدها، ويخلف التنافس على اقتنانه إيماناً بتطوير كفاءة الأجيال الحديثة. أما العزل والإنهاء، فلم تجعل بيد السلطة التنفيذية وإنما بيد مجلس النواب، وفقاً لوجود أسباب معقولة موجبة للعزل، وبالتالي يبتعد شاغلو مناصب الرئيس ووكيليه عن عنصر القلق والطاعة والهيمنة للسلطة التنفيذية، باعتبار أن الوضع، بخلاف ذلك، سيؤثر على حيادية العمل الرقابي وموضوعيته، بما ستخلفه السلطة التنفيذية من وعد ووعيد لهم.

  29. () الساطي، استقلالية، المرجع السابق، ص26، 27.
  30. () اجتهاد المحكمة الاتحادية العليا في العراق بالعدد (228/ت/2006)، تاريخ 9/10/2006 عند استفسار مجلس النواب – لجنة النزاهة العامة عن معنى الاستقلال الوارد في الباب الرابع من الدستور لـ(الهيئات المستقلة) ومعنى الرقابة، في كتابها المرقم (م/ن/171) المؤرخ في 23/9/2006؛ منشور في المجلة القضائية، العدد الأول، نيسان، تاريخ 12/4/2007.
  31. () العموري، المرجع السابق، ص60 – 61 وما بعدها.
  32. () ينظر: اجتهاد المحكمة الاتحادية العليا في العراق بالعدد (228/ت/2006)، تاريخ 9/10/2006 عند استفسار مجلس النواب – لجنة النزاهة العامة عن معنى الاستقلال الوارد في الباب الرابع من الدستور لـ(الهيئات المستقلة) ومعنى الرقابة، في كتابها المرقم (م/ن/171) المؤرخ في 23/9/2006؛ منشور في المجلة القضائية، العدد الأول، نيسان، تاريخ 12/4/2007.
  33. () فهمي محمود شكري، المرجع السابق، ص48.
  34. () العموري، المرجع السابق، ص60- 61.
  35. () نصت المادة (76) من الدستور النافذ على: “يكلف رئيس الجمهورية، مرشّح الكتلة النيابية الأكثر عدداً، بتشكيل مجلس الوزراء، خلال خمسة عشر يوماً من تاريخ انتخاب رئيس الجمهورية”؛ ينظر: الدستور النافذ مسبقاً.
  36. () نصت المادة (83) من الدستور العراقي النافذ على: “تكون مسؤولية رئيس مجلس الوزراء والوزراء أمام مجلس النواب، تضامنية وشخصية”، مذكور مسبقاً.
  37. () المادة 121 أولا من دستور العراق 2005 (اولاً: لسلطات الاقاليم الحق في ممارسة السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية وفقا لاحكام هذا الدستور، باستثناء ما ورد فيه من اختصاصات حصرية للسلطات الاتحادية. )