التّشْكيل الفَنّي فِي خُطَبِ عَبداِلله بن الزُّبَير

د. محمود محمد ربيع1، د. أماني محمد ربيع2

1 جامعة جرش – الأردن. بريد الكتروني: m.rabee@jpu.edu.jo

2 جامعة جرش – الأردن بريد الكتروني: Amaniraba1984@gmail.com

HNSJ, 2024, 5(9); https://doi.org/10.53796/hnsj59/10

Download

تاريخ النشر: 01/09/2024م تاريخ القبول: 17/08/2024م

Citation Method


المستخلص

تسعى هذه الدراسة إلى تناول خطب عبدالله بن الزبير وأهم الخصائص الفنية وأساليب التشكيل فيها، وخلصت الدراسة إلى أن لهذه الأساليب أثر جمالي، ودور في الارتقاء بمستوى الخطب، فضلاً عن أن هذه الخطب كانت انعكاساً للوقائع والمجريات السياسية وتعبيراً عن مواقفه إزاءها.

وجاءت الدراسة في: مقدمة، وتمهيد؛ تناول فن الخطابة في العصر الأموي وتطوره وانعكاسات المجريات السياسية خاصة عليه، وخمسة مباحث؛ المبحث الأول تناول حياة عبدالله بن الزبير وملامح شخصيته، وعلمه، وأهم خطبه التي مثلت مناسبات وأحداثاً بارزة في التاريخ الإسلامي. والمبحث الثاني توقف عند الثنائيات الضدية، والمبحث الثالث عرض لأهم الصور الفنية في خطبه، والمبحث الرابع تحدث عن الأثر الديني، أما الخامس فقد تطرق إلى اللغة وأساليبها في خطب عبدالله بن الزبير، أعقبتها الخاتمة التي دونت أهم النتائج التي توصلت إليها الدراسة، ثم قائمة المصادر والمراجع التي تمت الإفادة منها.

الكلمات المفتاحية: فن الخطابة – عبدالله بن الزبير – الثنائيات الضدية – الصور الفنية – الأثر الديني – اللغة .

المقدمة

شهد فن الخطابة في العصر الأموي تطوراً كبيراً؛ وكثر الخطباء جراء المستجدات الاجتماعية والسياسية المتلاحقة؛ التي جعلتهم ينقسمون إلى أحزاب لكل منها موقفه وانتماؤه. ويعد عبدالله بن الزبير من أهم خطباء هذا العصر؛ فقد اجتمعت فيه ملامح الخطيب الفصيح المفوه العالم بالدين واللغة؛ من هنا امتازت خطبه بأساليب نهضت بها فنياً ودلالياً.

جاءت هذه الدراسة من أجل استظهار أهم الأساليب الفنية والأسلوبية في خطب عبدالله بن الزبير، وقد قسمت إلى مباحث خمس: الأول تناول حياة عبدالله بن الزبير وعلمه وأهم خطبه، والمبحث الثاني توقف عند الثنائيات الضدية، والثالث: تحدث عن الصور الفنية، أما الرابع تطرق إلى الأثر الديني في خطبه، والخامس تناول اللغة وأساليبها، والخاتمة التي رصدت أهم النتائج التي توصلت إليها الدراسة، تلتها أهم المصادر والمراجع.

ولعل ما حدا بالباحثة إلى التطرق إلى هذا الموضوع هو استظهار ما فيها من خصائص فنية وأسلوبية، وبيان انعكاساتها وأثرها في الارتقاء بمستوى الخطب. واقتضت طبيعة الدراسة التوسل بالمنهج الوصفي التحليلي الذي يرصد النصوص الدالة وتحليلها من الناحية الفنية والجمالية. أما فيما يتعلق بالدراسات السابقة فلم يعثر – بعد التحري – على دراسات تناولت خطب عبدالله بن الزبير من الجوانب ذاتها التي تناولتها هذه الدراسة، ولكن ثمة دراسات وأبحاث تطرقت إلى خطبه بشكل عابر في إطار الحديث عن الخطابة في العصر الأموي وخصائصها بعامة، وقد رصدت بعضاً منها في قائمة المصادر والمراجع.

التمهيد

الخطابة في العصر الأموي

تعد الخطابة من أبرز الفنون النثرية في العصر الأموي؛ فهي لا تقل أهمية عن الشعر وباقي الفنون الأدبية، وقد نمت الخطابة في هذا العصر نمواً ملحوظاً؛ ولعل هذا مرجعه الظروف الاجتماعية والسياسية وما طرأ عليها تغيرات وتطورات، حيث غدت الخطابة ممثلة للمستجدات التي طرأت على المجتمع الأموي آنذاك، حيث ” يتصل النثر الفني خطابة وكتاباً اتصالاً مباشراً بحياة الدول، لدى الأمم والشعوب؛ فينمو بنموها ويرقى برقيها، ويموت بموتها ” [1].

وكثر الخطباء الأمويون بشكل ملحوظ ونشأت بينهم منافسة كبيرة، كل حسب فكره ومبادئه؛ وهو انعكاس للمستجدات السياسية خاصة، أفضى – في نهاية الأمر – إلى توالد أحزاب متعددة، متباينة في آرائها، واتجاهاتها وانتمائها.

ونهضت الخطابة حتى وصلت لمرحلة من الرقي والازدهار، حيث حملت بين ثناياها أساليب فنية وخصائص أسلوبية؛ وتنوعت صور التعبير، وكان للخيال حضور لافت في بعض الخطب، ولا سيما حين أبدى فيها الخطباء عناية خاصة، وهذا ما أكده أحمد الحوفي في سياق حديثه عن خطب ذلك العصر حين قال ” تنم خطب كثيرة عن العناية بإعدادها. والتأني في صوغها، والتدبر في ترتيب أجزائها، وتنسيق أفكارها، والتأنق في أسلوبها ” [2]؛ فمظاهر العناية هذه وغيرها الكثير جعلتها محط اهتمام دفع الأدباء والمؤرخين إلى توثيقها وتضمينها أمهات الكتب، ليأتي الدارسون والنقاد ويستظهروا ما فيها من سمات وجماليات ارتقت بمستواها.

من هنا برزعدد ليس بقليل من الخطباء الأمويين؛ والملاحظ في هذا العصر أن الخطباء والأدباء عامة قد قسموا مجموعات، فنجد خطباء الشيعة، وخطباء المرجئة، وخطباء الخوارج، وخطباء الزبيريين، وكان لكل منهم أدبه الذي انماز عما سواه من الطوائف الأخرى، وقد احتل أدب الزبيريين مكانة بارزة آنذاك، وعلى رأسهم خطب عبدالله بن الزبير، ولا نغلو إن قلنا الأخير قد برز وتفوق على معاصريه من الخطباء.

المبحث الأول:

  • حياته

عبدالله بن الزبير هو واحد من أهم خطباء العصر الأموي المفوهين، وأكثرهم شهرة، ولد عام الهجرة، وهو ينتمي إلى بيت النبوة من جهات عدة؛ ” عبدالله يمت إلى رسول الله – صلى الله عليه وسلم – بعدة صلات؛ فأبوه ابن عمة النبي صفية بنت عبدالمطلب، وابن أخي خديجة أم المؤمنين، وهو من السابقين إلى الإسلام …” [3]، لذا فنسبه المشرف يمتد إلى السيدة خديجة – رضي الله عنها -، وما يزيده شرفاً أنه ينتمي إلى أوائل من صدقوا برسالة محمد – صلى الله عليه وسلم – ، وصدقوه، وآزروه.

” والده الزبير بن العوام حواريّ رسول الله – صلى الله عليه وسلم – وأمه أسماء بنت أبي بكر” ؛ فنسبه عريق من جهة الأب وجهة الأم؛ فأمه أسماء وخالته عائشة بنت أبي بكر – رضي الله عنه -؛ الصّديق رفيق نبينا وأول من آمن برسالته ودعمه، ونصره حق النصر. وهذا كله أورث عبدالله حب الرسول والتعلق بالدين والشغف بالعلوم الدينية والقرآن الكريم.

و قد انفرد عبدالله بن الزبير بميزات ومنها أنه أول طفل يولد في الإسلام، وهو من العشرة المبشرين بالجنة؛ وهذا يعكس ما كان يتمتع به ورع وحسن إسلام والتزام بأوامر المولى وطاعته لله ورسوله.

وكانت العلاقة التي ربطت بين عبدالله وأم المؤمنين السيدة عائشة وطيدة إلى حد كبير؛ فقد احتل مكانة مرموقة في نفس السيدة عائشة – رضي الله عنها – حيث ” يذكر ابن عساكر أنه لم يكن أحب إلى عائشة بعد رسول – صلى الله عليه وسلم – وبعد أبيها من ابن الزبير، وأنها ما سمعت تدعو لأحد من الخلق مثل دعائها له وأنها أوصت بحجرتها ” [4]، وهذا يشف عن عمق محبتها لابن أختها عبدالله بن الزبير.

احتل عبدالله بن الزبير مكانة مرموقة؛ لما انمازت به من فضائل محمودة، ومن أهم ملامح شخصيته : الإقدام والجرأة في القول؛ فكان لا يخشى في الحق لومة لائم، وقد انعكس هذا على خطبه التي جسدت المواقف والأحداث البارزة – سياسياً ودينياً –؛ فانبرى لسانه في سبيل إعلاء كلمة الحق، ونصر أصحاب الحق، ومهاجمة الباطل وأصحابه.

كان عبدالله بن الزبير رجلاً عالماً فقيهاً، أثر عنه الخلق والصلاح ، مهتماً بالعلوم؛ العلوم الشرعية والقرآن واللغة خاصة وهذا ما عبر عنه أحمد الحوفي بقوله: ” اشتهر عبدالله بن الزبير بالتقوى والصلاح والعلم ” [5]. فضلاً عن أنه ” كان ذكياً عابداً، فما رأى الناس أحسن من صلاته، كان يقف كأنه لما يطيل من القراءة، ولما في صلاته من الخشوع، وما ترك باباً من أبواب العبادة إلا تكلفه ” [6]؛ فعرف بين الناس بإلإخلاص والخشوع في صلاته؛ وسائر العبادات والطاعات.

اشتهر عبدالله بن الزبير بفصاحته وعلمه الغزير، وانعكس هذا بشكل قوي على خطبه، وليس أدل على هذا من خطبه الكثيرة في مواقف شهيرة وحاسمة، وبرز في الخطابة حتى تفوق على الكثير من خطباء عصره، فكان يصعد المنبر، وهو أول من اعتلى المنبر، فنال إعجاب الناس واستحسانهم.

وتتعاقب السنوات، وتتغير مجريات الحياة السياسية بشكل كبير. فبعد تولي عبدالملك الخلافة، وتوليه العراق بعث الحجاج إلى عبدالله بن الزبير، وحاصر مكة، فتخلى عن عبدالله بن الزبير الكثير من أقاربه وأنصاره، واستبسل حتى قتل سنة 73 هـ ، وصلبه الحجاج بمكة [7].

  • خطب عبدالله بن الزبير

خطبة عبدالله بن الزبير بمكة بعد مقتل الحسين بن عليّ

لما قتل الحسين بن عليّ قام عبدالله بن الزبير في أهل مكة خطيباً، فعظَّم مقتله، وعاب أهل الكوفة خاصة، ولام أهل العراق عامة، فقال بعد أن حمد الله وأثنى عليه، وصلى على محمد صلى الله عليه وسلم:

” إنَّ أهل العراق غُدرٌ فُجرٌ إلاّ قليلاً. وإنَّ أهل الكوفة شرار أهل العراق، وإنهم دعوا حُسيناً لينصروه ويولُّوه عليهم، فلما قدم عليهم ثاروا إليه، فقالوا له: إما أن تضع يدك في أيدينا، فنبعث بك إلى ابن زياد ابن سمية سلماً، فيُمضي فيك حكمه، وإما أن تحارب. فرأى والله أنه هو وأصحابه قليلٌ في كثير، وإن كان الله – عز وجل – لم يطلع على الغيب أحداً أنه مقتول، ولكنه اختار الميتة الكريمة على الحياة الذميمة، فرحم الله حسيناً، وأخزى قاتل حسين! لعمري لقد كان من خلافهم إياه وعصيانهم ما كان في مثله واعظ وناهٍ عنهم، ولكنه ما حُمّ نازلٌ، وإذا أراد الله أمراً لن يدفع. أفبعد الحسين نطمئن إلى هؤلاء القوم، ونصدق قولهم، ونقبل لهم عهداً! لا ، ولا نراهم لذلك أهلاً، أما والله لقد قتلوه طويلاً بالليل قيامه، كثيراً في النهار صيامه، أحقَّ بما هم فيه منهم، وأولى به في الدين والفضل، أما والله ما كان يبدّل بالقرآن الغناء، ولا بالبكاء من خشية الله الحداء، ولا بالصيام شرب الحرام، ولا بالمجالس في حلق الذكر الركض في تطلاب الصيد، فسوف يلقون غياً[8][9].

خطبة عبدالله بن الزبير بمكة بعد مقتل أخيه مصعب

لما أتى عبدالله بن الزبير مقتل مصعب قام خطيباً، فقال:

” الحمدلله الذي له الخلق والأمر، وملك الدنيا والآخرة، يؤتي الملك من يشاء، وينزع الملك ممن يشاء، ويعزُّ من يشاء، ويذل من يشاء، بيده الخير وهو على كل شيءٍ قدير. ألا وإنه لم يُذلّ امرءاً كان معه الحق، وإن كان فرداً، ولم يعزّ أحداً من أولياء الباطل، ولو كان الناس معه طراً، إنه أتانا خبر من العراق حزننا وأفرحنا، وساءنا وسرنا، أتانا قتل مصعب بن الزبير – رحمه الله – فأما الذي حزننا من ذلك فإن لفراق الحميم لوعة يجدها حميمه عند المصيبة، ثم يرعوي بعدُ ذو الرأي والدين والحجى والنهى إلى جميل الصبر وكريم العزاء. وأما الذي سرنا من ذلك فإنا قد علمنا أن قتله شهادة، وأن الله جاعل ذلك لنا وله خيرة. إن أهل العراق أهل الغدر والنفاق أسلموه، وباعوه بأقل ثمن وأخسه، فقتل، وإن قتل فمَهْ! قد قتل أبوه وعمه، وهما من الخيار الصالحين. إنا والله ما نموت حبجاً ما نموت إلاَّ قتلاً قعصاً بأطراف الأسنة وظباة السيوف، ليس كما يموت بنو مروان في حجالهم، فوالله ما قتل منهم رجلٌ قطٌ في جاهلية ولا إسلام! ولئن ابتليتُ بالمصيبة بمصعبٍ لقد ابتليتُ قبله بالمصيبة بإمامي عثمان بن عفان. ألا وإنما الدنيا عاريَّة من الملك الجبار الذي لا يزول ملكه ولا يبيد سلطانه، فإن تُقبلْ عليّ لا آخذها أخذ الأشر البطر، وإن تدبر عني لا أبكِ عليها بكاء الخرف المهتر” [10].

خطبة مصعب بن الزبير بالمدينة

” يا أهل المدينة، احمدوا الله على ما أبلاكم وأولاكم من نفي عدوكم عن ساحة بلادكم، واتقوا الله، واسمعوا وأطيعوا، فقد غضبنا لما انتهك من حرمتكم حتى أقادكم الله من عدوكم، فأعينوا رحمكم الله ولائكم، وليبلغ أمير المؤمنين، أصلحه الله، ما يحب عنكم ” [11].

خطبة مصعب بن الزبير بالبصرة

عزل عبدالله الحارث بن عبدالله بن أبي ربيعة المخزومي عن البصرة، واستعمل عليه أخاه مصعباً، فلما قدمها دخل المسجد، فصعد المنبر، فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال:

بسم الله الرحمن الرحيم ” طسم تلك آياتُ الكتاب المبين نتلو عليك من نبأ موسى وفرعون بالحق لقوم يؤمنون إنَّ فرعون علا في الأرض وجعل أهلها شيعاً يستضعف طائفة منهم يذبح أبناءهم ويستحيي نساءهم إنه كان من المفسدين ” [12]، وأشار بيده نحو الشام. ” ونريد أن نمنّ على الذين استضعفوا في الأرض ونجعلهم أئمة ونجعلهم الوارثين ” [13]، وأشار بيده نحو الحجاز ، ” ونمكن لهم في الأرض ونري فرعون وهامان وجنودهما منهم ما كانوا يحذرون ” [14]، وأشار بيده نحو العراق ” [15].

زخرت خطب عبدالله بن الزبير بالعديد من الأساليب الفنية والأسلوبية أهمها:

المبحث الثاني:

الثنائيات الضدية

شاعت الثنائيات الضدية في خطب عبدالله بن الزبير؛ واتكأ – حاله – حال خطباء عصره على التضاد بشكل لافت، حيث ” يعد التضاد من أهم الفنون البديعية التي استحوذت على اهتمام الأدباء قديماً وحديثاً “[16]؛ ويظهر ميل عبدالله إلى استعمال التضاد؛ فمن خطبة الزبير في مكة بعد مقتل الحسين بن علي يقول ( ولكنه اختارالميتة الكريمة على الحياة الذميمة ) يظهر تقابل بين العبارتين أسفرعن صدى إيقاعي، وإبراز للمعنى المقصود وهنا أدى التضاد مهمته الجمالية في ترسيخ الكلام.

وفي موضع آخر من الخطبة يقول (فرحم الله حسيناً، وأخزى قاتل حسين ) يترحم عبدالله على الحسين بن عليّ وفي المقابل يذم في قاتله، وهذا ينم عن مشاعر الحزن في مقابل مشاعر الغضب، ولعل الغرض من التضاد هنا هو إقامة الموازنة بين حالين وموقفين، وهذا يسهم في تقوية المعنى، وبالتالي إبقائه في نفس المتلقي.

ومن الخطبة ذاتها ثنائيات ضدية كقوله ( طويلاً بالليل قيامه، كثيراً في النهار صيامه ) حيث الليل والنهار في تضاد؛ واستحضارهما في سياق واحد هو تأكيد على صلاح الحسين وتذكير بمناقبه، وقوة إيمانه، وهذا يشف عن هيمنة الفكرة على نفس عبدالله الذي بدا متأثراً بمقتل الإمام.

ويتبع حديثه عن الحسين وفضائله وأخلاقه حين يذكر صفاته الحميدة مرتكزاً على الثنائيات الضدية بقوله( ما كان يبدل بالقرآن الغناء، ولا بالبكاء من خشية الله الحداء ) وبالتضاد ينفي عن الإمام الحسين أن يكون من أولئك الذين يستبدلون كلام الحق بالغناء؛ ويؤكد أنه ممن يخشون الله – عز وجل – ولا شي يمكنه التأثير فيه أو إبعاده عن طريق الإيمان وهنا أدى التضاد دوراً في إبراز الحقائق فـ ” الضد أقرب إلى حضوراً بالبال إذا ذكر ضده ” [17].

وفي خطبته بمكة بعد مقتل أخيه مصعب يقول بعد حمدالله إنه تعالى ( ملك الدنيا والآخرة ) فهنا تذكير بعظمة الله وأن بيده كل شيء؛ وعبرعن ذلك بتوظيف التضاد، ليظهر شمولية في المعنى تتناسب وامتلاكه – عز وجل – لكل شيء في هذا الكون، وهذا أسلوب يكشف نزعة دينية واضحة؛ حيث التضاد ” يضيف إلى القول رونقاً وبهجة، ويجلو الأفكار، ويقوي الصلة بين الألفاظ والمعاني ” [18]، مما يضفي حلية جمالية على السياق والمعنى.

ويعمد إلى التضاد في خطبته خطبته بعد مقتل أخيه مصعب فيقول (يؤتي الملك من يشاء، وينزع الملك ممن يشاء ) فالتضاد هنا يسهم في إظهار قدرة الله، وعظمته، عن طريق الإشارة إلى إرادة الله في إيتائه الملك ونزعه ممن يشاء، وهذا يجعل المعنى أكثر قبولاً في النفس، وتدفعه إلى الإيمان بالله.

وفي موضع آخر يقول ( يعز من يشاء، ويذل من يشاء ) وظف التضاد لترسيخ الإيمان بالله – عز وجل – عن طريق جذب الانتباه والتذكير بقدرته تعالى، والتضاد يؤدي دوراً كبيراً في تعميق المعنى، وأهميته هنا تكمن في تقوية الوازع الديني، فهي تخاطب المشاعر الدينية في المقام الأول.

وعندما يقول في خطبته ( لم يذل امرءاً كان معه الحق، وإن كان فرداً، ولم يعز أحداً من أولياء الباطل، ولو كان الناس معه طراً ) فهو يحشد ثنائيات ضدية في سياق واحد استدعى مفردات متقابلة ليجسد من خلالها المعنى المقصود، فمن شأن هذا شحذ ذهن المتلقى، وإقناعه بالفكرة، فضلاً عن التناغم الصوتي.

ويعمد إلى التضاد في قوله ( إنه أتانا خبر من العراق حزننا وأفرحنا، وساءنا وسرنا ) ليعبر عن حالة شعورية، من شأنها إشراك السامع فيها من خلال استحضار التضاد. ولهذا صداه على المعنى والإيقاع وهذا ما عبر عنه الدارسون حيث التضاد ” يشكل ترجيعاً للمعنى على جهة التضاد، وترجيعاً صوتياً على جهة التنغيم [19]، ومن هنا فالتضاد هنا يشكل إحاطة بالمعنى، ونفيٌ لورود الضد في ذهن السمع، وينأى بالمتلقي عن الاحتمالات المستبعدة، ليغدو التضاد عاملاً في إثارة انتباه المتلقي ويجعله في تفاعل مع النص، وجعله في تفاعل مع السياق، مندمجاً وجو النص.

المبحث الثالث:

الصور الفنية

تعد الصورة الفنية أحد أهم المرتكزات التي اتكأ عليها الأدباء والكتّاب في العصر الأموي؛ والصورة كانت حاضرة في الأدب القديم – بكافة ضروبه -، وإن كان المسمى مختلفاً؛ حيث ” عرف العرب في تراثهم الأدبي القديم الصورة بالمفهوم الفني معنىً، ولكنهم لم يستخدموها لفظاً، وكانت الصورة عندهم مقصورة على الجانب البياني ” [20]؛ لذا كانت الفنون البيانية قوام الصورة في القدم.

وحظيت الصورة باهتمام الدارسين والنقاد قديماً وحديثاً أمثال الجاحظ ( 255 هـ )، وقدامة بن جعفر( 337 هـ)، والجرجاني (ت 471 هـ)، وقد خطا الجرجاني بالصورة الفنية خطوات واسعة إلى الأمام [21]، وكان ممن أولوها عنايتهم فالصورة عند الجرجاني ” الهيئة التي تتشكل فيها المعاني سواء كانت حقيقية أم مجازية ” [22]. ولا زالت الصورة الفنية تحظى باهتمام الدارسين حتى وقتنا الحالي.

وقد زخرت خطب عبدالله بن الزبير بفيض من الصور الفنية، حيث لجأ إلى صياغة صور فنية توسل بها للتعبير عن معانيه وأفكاره؛ حيث الخطبة وسيلة مهمة من وسائل التأثير في المجتمع آنذاك.

وتكمن أهمية الصورة في أنها ” الطريقة التي تعرض علينا نوعاً من الانتباه للمعنى الذي تعرضه، وفي الطريقة التي تجعلنا نتفاعل مع ذلك المعنى ونتأثر به ” [23]، وقوام هذا مهارة الأديب وقدرته على الملائمة بين المعاني والصور المناسبة، بوصفها عاملاً مؤثراً في المتلقي.

وتبدو على عبدالله بن الزبير في خطبه حالات عاطفية؛ استغلها لابتكار صور تفيض بطاقة إيحائية؛ فمن خطبة له بمكة بعد قتل أخيه مصعب يقول: (… أسلموه وباعوه بأقل ثمن وأخسه ) فهو يصور أخاه مصعباً وكأنه سلعة بيعت بأقل ثمن؛ تعبيراً عن استيائه واستنكاره لمقتله، ومثل هذه الصور تعكس ملكة ًخلاقة عند عبدالله؛ تسهم بشكل كبير في شد انتباه المتلقي والتأثير فيه.

وفي خطبته بعد مقتل أخيه مصعباً يقول (إنا والله مانموت حبَجَاً ) وهنا يغوص في المعاني ليجسد صورة بارعة؛ حيث يشير هنا إلى بني مروان، ومعرضاً بهم أنهم منغمسون في ملاذ الحياة، نافياً ذلك عن نفسه وقومه فهم على النقيض من هذا ولا يموتون من فرط التخمة. فعندما يتصور المتلقي مثل هذه الصور فهو يستحضر – في حقيقة الأمر – مدركات حسية على وجهها الحقيقي.

ففي قوله (ألا وإنما الدنيا عارية ) فهو يخلق صورة غاية في الإبداع عندما جسد الدنيا في هيئة محسوسة، فيصور الدنيا بشيء مستعار لمدة مؤقتة، دلالة إلى الدنيا ممر وليست مستقر، وأن الآخرة خير وأبقى؛ لينظر الإنسان لآخرته ويدّخرلها. وهنا تكمن براعة مثل هذه الصور؛ فهي ترتكز على الخيال لتغدو وسيلة للتعبير ، فيستعيد المتلقي بفعل الخيال الصورة الحسية المعبر عنها، وهذه الصورة تثير الانفعال النفسي لديه …[24]

ويأتي الجرجاني ليشف – بشكل أو بآخر – عن دور المتلقي في استقبال الصورة؛ فالصورة تخلق في النفس اشتياقاً للمعنى وكأنما تجتهد لتلقيه، ليغدو نيلها أجمل؛ وهذا ما تجسد في الصور التي شكلها عبدالله في خطب؛ وهذا ما عبر عنه في أسرار البلاغة ” التعبير بالصورة يحتاج من المتلقي إلى بعض عناء لاكتشاف المعاني والشيء إذا نيل بعد الطلب له، أو الاشتياق إليه، ومعاناة الحنين نحوه، كان نيله أحلى، وبالمزية أولى، فكان موقعه من النفس أجلّ وألطف ” [25].

وفي قوله من خطبته بعد مقتل أخيه ( فإن تقبل عليّ لا آخذها أخذ الأشر البطر) تتجلى حيث شخص الدنيا في هيئة إنسان يقبل عليه ويقصده؛ بيد أنه لا يأبه له، والإقبال هنا إشارة إلى متاع الدنيا وخيرها ونعمها غير أن عبدالله يقابلها بتكبر وعدم اكتراث، وهنا تتجلى براعة التصوير وتعكس سعة خيال، فضلاً عن قدرة الخطيب على خلق صورة وثيقة الصلة بفكرته المقصودة، وهنا لا بد أن ترتبط الصورة ارتباطاً وثيقاً بالمعنى، وقدرتها على توصيله للمتلقى هي المقياس الحقيقي لجودتها وجمالها في تشكيل النص [26].

وفي موضع آخر من الخطبة ذاتها يقول (وإن تدبر عني لا أبكِ عليها بكاء الخَرِف المُهتر ) فيؤكد على ترفعه عن الدنيا ولامبالاته إن لم يكن له نصيب من نعمها وملذاتها؛ فيشخصها على صورة إنسان أدبر عنه فإنه لا يبكي عليها وكأنما يصف علاقته بالدنيا بعلاقة بين شخصين؛ لذا فهو لا يبكي عليه بكاء الفاقد لعقله ولا يحزن عليها.

المبحث الرابع:

الأثر الديني

أبدى كتاب العصر الأموي اهتماماً واضحاً في التراث الديني؛ ومنهم عبدالله بن الزبير؛ حيث استدعى من الشريعة الإسلامية آيات واقتباسات ووظفها في خطبه بما يتناسب والسياق الدلالي.

والقرآن الكريم على رأس الروافد الدينية التي استحضرها الزبير في خطبه بما يتسق وسياق الكلام؛ فهو وأمثاله من الكتاب والخطباء استمدوا ” من أساليبه وطرائقه في التعبير، ومناهجه في سوق الأدلة، وصوغ الحجج، واحتذوا حذوه في أعمالهم الأدبية، واقتبسوا كثيراً من آياته المحكمات، وأصبح معجمهم اللغوي والأدبي الذي يعودون إليه في مختلف العصور والبلدان ” [27].

وقد لجأ عبدالله بن الزبير إلى الاقتباس من القرآن الكريم؛ ففي خطبته بمكة بعد مقتل الحسين بن علي يقول في خاتمة خطبته ( فسوف يلقون غياً ) حيث اقتبس من القرآن هذه الآية التي اختتم بها كلامه، وهذه الآية بمثابة وعيد لقاتل الحسين؛ الذي استرجع مناقبه وفضائله ثم أتبع هذا بالتعرض بيزيد ومن تسببوا في مقتله لينهي خطبته بالآية الكريمة، وهذا يثبت قدرة عالية على استدعاء الآيات القرآنية في سياقها المناسب.

ونراه في خطبته لمصعب بن الزبير يستهلها بآية ( طسم تلك آيات الكتاب المبين … إنه كان من المفسدين ) حيث يستدعي هذه الآية في سياق الحديث عن عبدالملك بن مروان وبني أمية؛ وهو بذلك اكتفى بالإشارة إليهم بهذه الآية التي عبرت عن فكرته بوضوح؛ وهنا يظهر أن اتكاء عبدالله على القرآن ليس اعتباطياً؛ فهو قائم على فهم، وتناسب بين الآية والمعنى المقصود.

وقد استقى من القرآن؛ آياته، ومفرداته، ومعانيه، وصوره ما يخدم رؤيته ومواقفه؛ ففي الخطبة ذاتها يقول ( ونريد أن نمنّ على الذين استضعفوا في الأرض ونجعلهم أئمة ونجعلهم الوارثين ) وهو يريد أخاه مصعباً؛ ويوحي بأنه يستحق الخلافة، وهو بها أجدر، واستدعاؤه لهذه الآية هو بمثابة إشارة كافية لفكرته التي عبر عنها، فأغنت عن تفصيل القول والتوضيح، وتوسل عبدالله بالقرآن من شأنه الارتقاء بالمعنى وخدمة السياق، فضلاً عن منح الخطبة فصاحة وبلاغة وهذا ما عبرعنه ابن الأثير فهو يرى ” أن لا يخلو الكتاب من معنى من معاني القرآن الكريم .. فهي معدن الفصاحة والبلاغة ” [28]؛ فالقرآن أصل البلاغة، ومنبع الفصاحة العربية، وهذا ما دعا عبدالله بن الزبير إلى استدعاء الآيات القرآنية في خطبه، حيث آزر القرآن خطبه، ومنحها قيمة دلالية عالية.

ويختتم الخطبة ذاتها بقول ( ونمكن لهم في الأرض ونري فرعون وهامان وجنودهما منهم ما كانوا يحذرون ) حيث استحضر الآية الكريمة يريد المختار الثقفي وشيعته؛ وقد اكتفى باستدعاء هذه الآية دون التصريح المباشر؛ ومن الجدير بالقول إن ميل عبدالله ومعاصريه من الكتاب لهذا الأسلوب يضفي على السياق مصداقية؛ وغايتهم أن” يضيفوا على نصوصهم قدسية وروحانية ” [29].

واهتمام عبدالله بن الزبير بالموروث الديني يضفى جواً روحانياً؛ فالاستدعاء الديني سببٌ مهم من أسباب إغناء الخطب وهذا يفضي إلى قوة التأثير في المتلقي وإقناعه، وقد عمد إلى الاستدعاء الجزئي للآيات من خلال دمجها بكلامه وجاء هذا عندما استهل خطبته بعد مقتل أخيه مصعب بمكة؛ حيث افتتحها بالحمد والثناء على المولى ودمجها بقوله تعالى : ( الحمد لله الذي له الخلق والأمر، وملك الدنيا والآخرة، يؤتي الملك من يشاء، وينزع الملك ممن يشاء، ويعز من يشاء، ويذل من يشاء، بيده الخير وهو على كل شيء قدير) فقد اقتبس من الآية الكريمة ما يخدم فكرته ويدعم المعنى؛ بيد أنه لم يستدع ِالآية بحذافيرها وقام بتغيير بسيط؛ عندما استعمل ضمير الغائب بدل ضمير المخاطب، وقد اتخذها وسيلة للتمهيد لفكرته، ليضيف إلى خطبته حلية تضفي رونقاً وبهاء وقداسة، لتغدو الخطبة مؤثرة في العقل والنفس.

ويظهر في خطب عبدالله بن الزبير لون آخر من ألوان التراث الديني حيث تظهر في خطبه ما ينم عن نزعة دينية قوية؛ كما في استهلاله السياق بالحمد والثناء على الله – عز وجل – ، والصلاة على النبي ويتجلى هذا في أكثر خطبه ونثره؛ فقد انتهج هذا الأسلوب غير مرة؛ وهذا يعكس ثقافة دينية واسعة بجانب فهم ومهارة في التوظيف.

المبحث الخامس:

اللغة

اللغة هي الأساس المكون للعمل الأدبي – أياً كان شكله – وهي وسيلة الكاتب في نقل أفكاره، ورؤاه، ومشاعره، وتجاربه للمتلقي؛ ومنها ينطلق الكاتب في نسج عمله. وفي خطب عبدالله بن الزبير عمد إلى التوسل باللغة لصياغة أفكاره ومعانيه؛ ناقلاً – من خلالها – ما يختلج نفسه وعقله.

و يستقي الكتاب ألفاظهم وتراكيبهم من المحيط والحياة؛ فـ ” الاستعمال اللغوي يرتبط بعوامل الزمان والمكان، والبيئة، والطبقات الاجتماعية ” [30] وهذا ما نراه في خطب عبدالله بن الزبير، حيث استنبط لغته من البيئة والظروف الاجتماعية، والحضارة الماثلة أمامه آنذاك. ومن خلال النظر في خطب عبدالله بن الزبير فلغته تجمع بين البساطة والقوة، وتفاوتت البساطة في مستوياتها؛ والبديع أن لغته ومفرداتها تكاد تقترب من لغة الناس وسائر المجتمع؛ لا غموض فيها ولا تكلف كما في قوله: ( إنه أتانا خبر من العراق حزننا وأفرحنا …) فاللغة هنا واضحة سهلة في متناول الفهم، وهي من المفردات المتداولة في المجتمع.

وما يظهر في خطب عبدالله بن الزبير أنه نأى بنفسه عن المفردات الصعبة، وعن تلك التي تورث الاستكراه في النفس، والغرابة، وهذا مما أثر عن النقاد القدامى فالجرجاني يدعو إلى الابتعاد عن التعقيد مثل تنافر الحروف والبشاعة في النطق والغرابة، والابتعاد عن المألوف والغرابة في السجع وغيرها [31]؛ وعبدالله – في خطبه – انتقى من الألفاظ الفصيحة الجزلة؛ لكنها معروفة بين الناس في ذلك العصر كما في قوله ( …إنا والله لا نموت حبجاً، ما نموت إلا قتلاً قعصاً ) حيث حبجاً، وقعصاً تعدان من الألفاظ المتداولة وقتها، ومنه قوله ( … لا آخذها أخذ الأشر البطر..) ولعل هذا يقترب من رأي العسكري حين رأى أن الجزل والمختار من الكلام ما ” تعرفه العامة إذا سمعته، ولا تستعمله في محاوراتها ” [32]؛ فبعض الكلام معروف بين الناس في المجتمع الواحد؛ ولكن لا يشترط أن يكون متداولاً في الحياة اليومية.

اتكأ عبدالله بن الزبير في لغته على أساليب مثل التوكيد كما في قوله: ( إن أهل العراق غدرٌ فجرٌ )، ( وإنهم دعوا حسيناً لينصروه …) ، وقوله: ( لقد كان من خلافهم إياه وعصيانهم ما كان في مثله واعظ وناهٍ عنهم … ). إضافة إلى أسلوب الأمر من مثل: ( احمدوا الله، واتقوا الله، واسمعوا وأطيعوا )، وجاءت صيغ الأمر متناسبة وجو الخطب؛ حيث ترتكز الخطبة على النصح والوعظ والتوجيه وكل هذا يقوم على أسلوب الأمر. ونرى أسلوب النداء كما في قوله ( يا أهل المدينة ) وفي هذا جذب لانتباه المخاطب. ويظهر أسلوب القسم المتمثل في قوله ( لعمري لقد كان من خلافهم …) كل هذه الأساليب منحت اللغة قوة تأثير.

وخطبه تزخر بألفاظ جزلة، بعضها مستمد من القرآن؛ وهي لغة مؤثرة تجذب السامع، فضلاً عن تجنبه كل ما هو سوقي؛ من مفردات تنفر منها الأذن، وهذا من شأنه أن يرفع من مستوى اللغة والخطاب، وهذا ما اتفق عليه النقاد قديماً وحديثاً ” فالجزل من الألفاظ ما ارتفع عن الساقط السوقي، ولم يصل حدّ الحوشية والتوعر، فضلاً عن صفتي المتانة والعذوبة ” [33].

والمتبصر في خطب عبدالله بن الزبير يجد أنه نأى بنفسه عن الألفاظ الدخيلة؛ والمستكرهة، وعن التكلف اللفظي، البعيدة منها عن الفهم؛ بجانب تعاضد الشكل والمضمون، ولعبدالله بن الزبير القدرة على تطويع اللغة والارتقاء بها بشكل يمكنه من التأثير في المتلقي.

الخاتمة

خلصت هذه الدراسة الموسومة بـ ” التشكيل الفني في خطب عبدالله بن الزبير” إلى بعض النتائج، أبرزها :

يعد فن الخطابة من أهم الفنون التي برزت في العصر الأموي، وقد نمت نمواً ملحوظاً نتيجة للمتغيرات الاجتماعية والسياسية، فغدت الخطابة خير ممثل لهذه المستجدات التي طرأت على المجتمع الأموي.

كثر الخطباء وتباينت آراؤهم واتجاهاتهم، وفق التغيرات السياسية، وانقسموا لأحزاب؛ فظهر خطباء الشيعة، وخطباء المرجئة، وخطباء الخوارج، وخطباء الزبيريين وكان على رأسهم عبدالله بن الزبير؛ الذي حظي بمكانة عالية ومرموقة في المجتمع الأموي.

يعد عبدالله بن الزبير من أهم الخطباء في العصر الأموي؛ فقد ونشأ وترعرع قريباً من بيت النبوة؛ ونهل منه حب العلم والقرآن والعلوم الشرعية؛ ليغدو شخصية دينية وأدبية جمعت بين الورع والفصاحة، والجرأة في قول الحق، فضلاً عن إمامته في الصلاة، وكان خطيباً مفوهاً حظي بحب الناس وتقديرهم.

تنماز خطب عبدالله بن الزبير بخصائص فنية وأسلوبية؛ نهضت بمستواها الجمالي والدلالي، فاستحقت الاهتمام واستبطان ما فيها من جماليات.

زخرت خطب عبدالله بن الزبير بسمات ميزتها عن خطب كثير من الكتاب الأمويين: الاتكاء على الثنائيات الضدية، وصياغة الصور الفنية، واستحضار التراث الديني، فضلاً عن لغته الرصينة التي زخرت بسمات ميزتها عن غيرها من الخطب، فكان لهذه الأساليب حضور لافت، وقد استحضرها بمهارة ووعي بما يتناسب وجو الخطبة، دون تكلف واجتلاب.

للأساليب الفنية في خطب عبدالله بن الزبير صدى مؤثر وانعكاسات جمالية، حيث أفضت إلى الارتقاء بمستوى الخطب، والنهوض بها.

المصادر والمراجع

  • القرآن الكريم

1 – ابن الأثير، ضياء الدين (ت 637 هـ )، المثل السائر في أدب الكاتب والشاعر، تحقيق: أحمد الحوفي، وبدوي طبانة، ج 1، دار نهضة مصر، القاهرة، 1959.

2 – أسعد، محمد، الصورة الفنية في الرسائل الأندلسية، دار الجندي، القدس، ط 1، 2018.

3 – بدوي، أحمد، أسس النقد الأدبي عند العرب، دار نهضة مصر، القاهرة، 1979.

4 – الجبيلي، سجيع، الحسين، قصي، الفنون الأدبية في العصر الأموي، دار الهلال، بيروت، ط 1، 2005.

5 – الجرجاني، أبو بكرعبدالقاهر(ت471هـ)، أسرارالبلاغة، تعليق: محمد رشيد رضا، دارالمعرفة، بيروت، (د. ت ).

6 – الجرجاني، أبو بكرعبدالقاهر( ت 471)، دلائل الإعجاز، تحقيق: محمود شاكر، مطبعة المدني، القاهرة، ط 3، 1992.

7 – الزيات، أحمد حسن، تاريخ الأدب العربي، دار نهضة مصر، القاهرة، 1975.

8 – أبو زيد، سامي، الأدب الإسلامي والأموي، دار المسيرة، عمان، ط 1، 2012.

9 – عبابنة، سامي، التفكير الأسلوبي، جدارا للكتاب العالمي، عمان، ط 1، 2007.

10 – عتيق، عبدالعزيز، علم البديع، دار النهضة العربية، بيروت، 1974.

11 – ابن عساكر، علي بن الحسين ( 571 هـ )، تاريخ مدينة دمشق، ط 1، ج 7، 2004.

12 – العسكري، أبو هلال ( ت 395 هـ)، كتاب الصناعتين، تحقيق:علي البجاوي،ومحمد أبو الفضل إبراهيم، المكتبة العصرية، صيدا، بيروت، 1986.

13 – عصفور، جابر، الصورة الفنية في التراث النقدي والبلاغي عند العرب، دار التنوير، بيروت، 1983.

14 – عطوان، حسين، نصوص من الأدب الأموي، دار المسيرة، عمان، ط 1، 2005.

15 – مشرقي، سهى، شعرية النثر الفني في عصري الطوائف والمرابطين، دار جرير، عمان، ط 1، 2922.

16 – الهروط، عبدالحليم، دراسات في الأدب الأندلسي، وزارة الثقافة، عمان، ط 1، 2012.

17 – واصل، عصام حفط الله، التناص التراثي في الشعر العربي المعاصر، دار غيداء، عمان، ط 1، 2011.

Margins:

  1. . الجبيلي، سجيع، الحسين، قصي، الفنون الأدبية في العصر الأموي، دار الهلال – بيروت، ط1، 2005، ص 441.
  2. . الحوفي، أحمد، أدب السياسة في العصر الأموي،دار القلم، بيروت، لبنان، ص338.
  3. . الحوفي، أحمد، أدب السايسة في العصر الأموي، ص 116.
  4. . ابن عساكر، علي بن الحسين( ت 571 هـ ) تاريخ دمشق، ج7، ط 1، 2004، ص 402.
  5. . الحوفي، أحمد، أدب السياسة في العصر الأموي، ص 117.
  6. . الزيات، أحمد حسن، تاريخ الأدب العربي، دار نهضة مصر، القاهرة، 1975، ص 70.
  7. . انظر، الحوفي، أحمد، ص121.
  8. . مريم: الآية 59.
  9. . عطوان، حسين، نصوص من الأدب الأموي، دار المسيرة، عمان، ط 1، 2005، ص 500.
  10. . عطوان، حسين، نصوص من الأدب الأموي، ص 502.
  11. . عطوان، حسين، ص 503.
  12. . القصص: الآيات 1 – 4.
  13. . القصص: الآية 5.
  14. . القصص: الآية 6.
  15. . عطوان، حسين، ص 504.
  16. . مشرقي، سهى، شعرية النثر الفني في عصري الطوائف والمرابطين، دار جرير، عمان، ط 1، ص 135.
  17. . بدوي، أحمد، أسس النقد الأدبي عند العرب،دار نهضة مصر، القاهرة، 1979، ص447.
  18. . عتيق، عبدالعزيز، علم البديع، دار النهضة العربية، بيروت، 1974، ص 81.
  19. . انظر، الهروط، عبد الحليم، دراسات في الأدب الأندلسي، وزارة الثقافة، عمان، ط 1، 2012، ص51.
  20. . أسعد، محمد، الصورة الفنية في الرسائل الأندلسية في عهد الموحدين، دار الجندي للنشر، القدس، ط 1، 2018، ص 64.
  21. . أسعد، محمد، الصورة الفنية في الرسائل الأندلسية، ص 69.
  22. . الجرجاني، دلائل الإعجاز، تحقيق: محمود شاكر، مطبعة المدني،القاهرة، ط 3، 1992، ص 254.
  23. . عصفور، جابر، الصورة الفنية في التراث النقدي البلاغي عند العرب، دار التنوير، بيروت، 1983، ص .363
  24. . انظر، أسعد، محمد، الصورة الفنية في الرسائل الأندلسية في عهد الموحدين، ص 71.
  25. . الجرجاني، أبو بكر عبدالقاهر ( ت 471 هـ)، أسرار البلاغة، تعليق: محمد رشيد رضا، دار المعرفة، بيروت، ( د. ت ) ص49.
  26. . انظر، الهروط، عبدالحليم، دراسات في الأدب الأندلسي، ص 139.
  27. . أبو زيد، سامي، الأدب الإسلامي والأموي، دار المسيرة، عمان، ط1، 2012، ص33.
  28. . ابن الأثير، ضياء الدين، المثل السائر في أدب الكاتب والشاعر، تحقيق: أحمد الحوفي، وبدوي طبانة، دار نهضة مصر، 1959، ج 1، ص 96.
  29. . واصل، عصام حفظالله، التناص التراثي في الشعر العربي المعاصر، دار غيداء، عمان، ط 1، 2011، ص77.
  30. . عبابنة، سامي، التفكير الأسلوبي، جدارا للكتاب العالمي، عمان، ط 1، 2007، ص 299.
  31. . انظر، الجرجاني، دلائل الإعجاز، ص 46.
  32. العسكري، أبو هلال، كتاب الصناعتين، تحقيق علي محمد البجاوي، ومحمد أبو الفضل إبراهيم، المكتبة العصرية، صيدا، 1986، ص 64.
  33. عبابنة، سامي، التفكير الأسلوبي، ص 301.