الحوكمة في المؤسسات الحكومية في مملكة البحرين بين واقع اليوم واستشراف المستقبل
أحمد صالح خليفة الصقر1
1 باحث بسلك الدكتوراه، جامعة محمد الخامس المملكة المغربية، كليه العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية الرباط / أكدال
HNSJ, 2024, 5(9); https://doi.org/10.53796/hnsj59/13
تاريخ النشر: 01/09/2024م تاريخ القبول: 17/08/2024م
Citation Method
المستخلص
تعد الحوكمة في المؤسسات بمختلف أنواعها حكومية أو خاصة إحدى أهم القضايا التي استحوذت على اهتمام الجهات الرسمية سواء في الدول المتقدمة أو النامية، وذلك في محاولة لنشر هذا المفهوم وترسيخه، حيث تؤسس الحوكمة النظام الذي يحدد العلاقات بين الحكومات وأصحاب القرار أو أي من الأطراف المعنية الأخرى ممن يقعون في دوائر التأثير بأنشطة المؤسسات الحكومية.
في سياق المقارنة فإن المملكة البحرينية قد استطاعت بكل نجاح جعل الحوكمة ضمن سياساتها العمومية وفي استراتيجيتها، واعتبارها أداة من أدوات التدبير الإداري الحديث، فإنه في المقابل وبشكل عملي لم تكسب الرهان كله في جعل المؤسسات الحكومية تقدم خدماتها بالكفاءة المطلوبة سواء في الجودة للخدمات أو حتى الأساليب الإدارية والإجراءات لتقديمها والعمل على شمولية تطبيق معايير وأبعاد الحوكمة.
وبناء، على ما سبق فإن الإشكالية المحورية للموضوع حول البحث عن حقيقة وواقع تطبيق الحوكمة في المؤسسات العمومية بكل أبعادها كأساليب إدارية وتدابير حديثة تسموا بدورها في تقديم خدمات تلبي متطلبات المجتمع المتزايدة وفق معايير الجودة والكفاءة وملبية لطموحات التنمية المستدامة، وبالتالي يمكن صياغة الإشكالية المحورية في التالي: إلى أي مدى ساهمت الحوكمة في المؤسسات الحكومية البحرينية في تعزيز دورها وتطوير إدائها، وماهي المعالجات لاستشراف المستقبل؟
تعد الحوكمة في المؤسسات بمختلف أنواعها حكومية أو خاصة إحدى أهم القضايا التي استحوذت على اهتمام الجهات الرسمية سواء في الدول المتقدمة أو النامية، وذلك في محاولة لنشر هذا المفهوم وترسيخه، حيث تؤسس الحوكمة النظام الذي يحدد العلاقات بين الحكومات وأصحاب القرار أو أي من الأطراف المعنية الأخرى ممن يقعون في دوائر التأثير بأنشطة المؤسسات الحكومية.
في سياق المقارنة فإن المملكة البحرينية قد استطاعت بكل نجاح جعل الحوكمة ضمن سياساتها العمومية وفي استراتيجيتها، واعتبارها أداة من أدوات التدبير الإداري الحديث، فإنه في المقابل وبشكل عملي لم تكسب الرهان كله في جعل المؤسسات الحكومية تقدم خدماتها بالكفاءة المطلوبة سواء في الجودة للخدمات أو حتى الأساليب الإدارية والإجراءات لتقديمها والعمل على شمولية تطبيق معايير وأبعاد الحوكمة.
وبناء، على ما سبق فإن الإشكالية المحورية للموضوع حول البحث عن حقيقة وواقع تطبيق الحوكمة في المؤسسات العمومية بكل أبعادها كأساليب إدارية وتدابير حديثة تسموا بدورها في تقديم خدمات تلبي متطلبات المجتمع المتزايدة وفق معايير الجودة والكفاءة وملبية لطموحات التنمية المستدامة، وبالتالي يمكن صياغة الإشكالية المحورية في التالي: إلى أي مدى ساهمت الحوكمة في المؤسسات الحكومية البحرينية في تعزيز دورها وتطوير إدائها، وماهي المعالجات لاستشراف المستقبل؟
المطلب الأول: الحوكمة بين النشأة وضرورة الحاجة في المؤسسات الحكومية
المطلب الثاني: واقع التجربة البحرينية في ظل المقارنة ببعض التجارب الدولية وتصورات التطوير
المطلب الأول: الحوكمة بين النشأة وضرورة الحاجة في المؤسسات الحكومية
المعلوم، اليوم تعيش المؤسسات عصر التجديد، والبحث عن المزيد من التدابير التي تساعد في إدارة المجتمع وتوفير متطلباته، وكذا إدارة الأزمات والتحديات، حيث يشهد العالم تطورات سريعة في كافة القطاعات، ولاسيما القطاعات والهيئات الحكومية، لذا تجد المؤسسات الحكومية والخدمية عقبات عديده تحول دون تقدمها، وتفرض عليها الاستغناء عن الطرق القديمة التي كانت تستخدمها في السابق، ولأخذ بالسياسات الأكثر تطوراً والقائمة على المفاهيم والأساليب الحديثة التي تحقق الجودة والكفاءة[1]
يشير أحد الباحثين بأن نجاح أو فشل المؤسسات في تلبية حاجات ومتطلبات الأفراد والمجتمعات المتنوعة يعتمد على قدرة المؤسسات على ادارتها التي تتبناها بالعمل، لا بل إن تقدم أي مجتمع أو تخلفه أصبح يعتمد على نمط إدارته، فالإدارة الناجحة والفعالة هي مفتاح نجاح أي منظمة، وأساس بناء أي مجتمع ومفتاح تقدمه وتطوره[2]
وتعد الحوكمة من الأساليب الإدارية التي ظهرت حديثاً، فالحوكمة في المؤسسات الحكومية حاولت وضع حد لواقع تلك المؤسسات غير المنضبط مع تطلعات المجتمعات، والتي تأثرت بموجبها أنشطتها وخدماتها، والتي تتمثل في الفرق بين الواقع والمتوقع بفعل التعارض بين الخدمات المقدمة وتعاظم وزايد الطلبات التي قد تصل كمفهوم حديث إلى الرفاهية.
وتعتبر حوكمة المؤسسات من أهم الموضوعات التي نالت اهتمام المؤسسات الدولية والحكومية وبرامج التنمية في الوقت الحالي، ويرجع ذلك إلى سلسلة من الأحداث التي وقعت في خلال العقدين الأخيريين، والتي كانت السبب في هذه الاهتمام والأولوية التي تتمتع بها الموضوعات المتعلقة بالحوكمة.
وعلـى الرغـم مـن أن حوكمة المؤسسات ترجـع جذورهـا إلـى أوائـل القـرن التاسـع عشـر إلا أن هـذا المفهـوم لـم يبـدأ بالتبلـور إلا منـذ قرابـة ثلاثة عقـود، وممـا لا شـك فيـه أن الأحداث العالميـة بـدءاً مـن إفلاس الشـركة العالمية الكبرى فـي أمريـكا مثل شركة (إنرون) وشركة الاتصالات (وورلد كوم)، وتعـرض شـركات دوليـة أخـرى لصعوبـات ماليـة كبيـرة بسـبب الأزمة الماليـة العالميـة واكتشـاف تلاعب الشـركات فـي قوائمهـا الماليـة أدى إلـى زيـادة الاهتمام العالمـي بأهميـة الحوكمـة فـي الشـركات والمؤسسات الخاصة، وأصبح وجود حوكمة رشيدة في المؤسسة تعني وجود إدارة فعّالة وتحكم مؤسسي جيد في الأعمال مما يقود في النهاية إلى نجاح تلك المؤسسات في تحقيق أهدافها وخططها الاستراتيجية ويمكنها كذلك إدارة أزماتها المختلفة بكفاءة عالية.
وللعلم، منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية “OECD” [3] هي من أوائل من اهتم بموضوع الحوكمة والتطرق إلى تعريف لها، حيث عرفتها بأنها: ذلك النظام الذي يوضح كيفية إدارة المؤسسات والرقابة المالية والإدارية عليها.
في حين ذهب “Wolfensohn”[4] في تعريفة لحوكمة الشركات بأنها نظام يدور حول تحقيق العدالة والشفافية والمحاسبة.
وحيث يرى أخرون بأن حوكمة المؤسسات هي إستراتيجية تتبناها المؤسسة في سعيها لتحقيق أهدافها الرئيسية وذلك ضمن منظور أخلاقي ينبع من داخلها باعتبارها شخصية معنوية مستقلة وقائمة بذاتها ولها من الأنظمة واللوائح الداخلية والهيكل الإداري ما يكفل لها تحقيق تلك الأهداف بقدراتها الذاتية بعيداً عن تسلط أي فرد فيها وذلك بالقدر الذي لا يتضارب مع مصالح الأشخاص الآخرين من ذوي المصلحة[5].
ولقد قام فرانسوا كاستينغ (Francois Casting) بتلخيص مفهوم الحوكمة بوصفها مشاركة الأشخاص في عملية اتخاذ القرارات. يعتمد هذا النمط على التنظيم الجماعي لاتخاذ القرارات، حيث يشمل هذا التنظيم الجماعي مجموعة من الأطراف المختلفة على مستويات متعددة ومن مواقع متنوعة. تحقيق الكفاءة يعتبر الهدف الأساسي المنشود من الحوكمة[6].
وهناك من رأى بأن الحوكمة، أو ما تعرف ب “Governance”، هي مجموعة من القوانين والقواعد والإجراءات التي تهدف إلى تحقيق الجودة والتميز في الأداء من خلال اختيار الأساليب الصحيحة والفعّالة من أجل إدارة المؤسسات وتحقيق أهدافها
وتُعرّف الحوكمة أو الحوكمة الإدارية بكيفية ممارسة عملية صنع واتخاذ القرار والقيادة داخل المؤسسة بطريقة من شأنها إتاحة الفرصة أمام أصحاب المصلحة الأساسيين للمشاركة الكاملة في اتخاذ القرار، وبكيفية ممارسة القيادة والعلاقات داخل المؤسسة على أساس من مبادئ الشفافية، والمساءلة، والقيم والمبادئ، والثقافة التنظيمية والالتزام بالقانون[7]
وتُعرّف كذلك بأنها النظام الذي يتم من خلاله توجيه وإدارة المؤسسات وتحدد من خلاله الحقوق والمسؤوليات بين مختلف الأطراف، في إطار مجموعة من القوانين والإجراءات التي تضمن المساءلة والرقابة والشفافية والنزاهة والمشاركة للأطراف كافة [8].
ويمكن تعريفها بأنها مجموعة من العلاقات، والقواعد الرسمية وغيرها، التي تؤدي إلى صنع السياسات واللامركزية في اتخاذ القرارات، كما تتضمن بعض التفاعلات والتشابكات بين الأعضاء المشاركين في الهيئة الحكومية، التي تؤدي إلى صنع السياسات التعليمية، واتخاذ القرارات بشأن قضية معينة [9]
كما يرى (Hunger & wheelen) الحوكمة أو الحاكمية بأنها تمثل الدور الأساسي للإدارة، وهي تعكس طبيعة العلاقة بين ثلاث مجموعات أساسية في المؤسسة هي: أصحاب القرار، أصحاب العلاقة، الموظفين المعنين[10].
أما (Gopalsamy) فيرى أنها ليست مجرد إدارة شاملة للمنظمة بل هي أوسع نطاقا وأعم مفهوما، إذ إنها تتسع لتشمل إدارة كفوءة وعادلة وشفافة للوصول إلى أهداف محددة بشكل دقيق وواضح [11].
وهي نظام لبناء وتشغيل ورقابة المنظمة برؤية مستقبلية حريصة على تحقيق الأهداف الإستراتيجية بعيدة المدى إذ إنها تمثل نظام كلي للرقابة على الجوانب المالية وغير المالية وبواسطة هذا النظام توجه وتراقب المنظمة بأكملها.[12]
والحاكمية هي الآليات التي تشمل الهياكل والمسؤوليات والممارسات والتقاليد التي تعتمدها إدارة المؤسسة للتأكد من تحقيق رسالتها من خلال مجموعة ممارسات تقلل من المخاطر والأزمات التي تواجه المؤسسات وتسهم في استقرار المؤسسات وتحسن أدائها[13]
باختصار، الحوكمة هي اتباع نظام معين للتحكم في العلاقات بين الأطراف الأساسية التي تؤثر على أداء المؤسسات، مما يُساعد على تنظيم العمل وتحديد المسؤوليات لتحقيق الأهداف على المدى الطويل.
وتأسيساً على ما تقدم يتبين للباحث أن كل مؤسسة سواء كانت حكومية أو خاصة أو غير ربحية تمتلك شكل معين من الحوكمة تحدد العلاقة بين الإدارة العليا من ناحية، والموظفين وأصحاب المصالح والأشخاص المرتبطين بالمؤسسة من ناحية أخرى.
الفرع الأول: تطور حوكمة المؤسسات الحكومية
يعود مفهوم الحوكمة في القطاع العام إلى بدايات القرن الواحد والعشرون، حيث شهد العالم تحولاً كبيراً في النمط التنظيمي للدول والمؤسسات الحكومية نتيجة للتغيرات السياسية والاجتماعية والإدارية التي شهدها العالم بالإضافة إلى تعزيز الشفافية والمساءلة والكفاءة في الإدارة الحكومية.
وفي السنوات الأخيرة يتعبر الأخذ بمبادئ الحوكمة من قبل الحكومات مطلباً شعبياً ودولياً قبل أن يكون مطلباً تنظيمياً، كما أن تقديم خدمات ذات جودة بكفاءة وفاعلية هو مطلب للأفراد قبل أن يكون هدف حكومي، بالمقابل أن غياب مشاركة الأفراد في صنع السياسات واتخاذ القرارات كأداة مهمة لضمان أداء حكومي متميز يعتبر أحد أهم أسباب عدم الرضى المجتمعي بدور تلك المؤسسات، وحدوث أثار تؤثر على صيرورة المؤسسات وكيان الدولة ككل.
في سياق يتصل بتطور الحوكمة في المؤسسات فأن ظهورها وتبنيها في المؤسسات بفعل عوامل خلال فترات زمنية متفاوتة يمكننا حصرها في التالي:
أولاً: الحوكمة في القرن الثامن عشر والتاسع عشر: يرى بعض الكتاب أن الاقتصاد السياسي[14] هو بداية مفهوم الحوكمة تاريخياً وهو الأب الشرعي للحوكمة، والذي ظهر كأسلوب تنظيمي وسياسي للرفع من المستوى المادي للسكان، ومن أوائل من استعمل عبارة الاقتصاد السياسي هو الاقتصادي الفرنسي أنطوان مونكريتيان Montchretien) Antoine) وذلك في إطار تقديم بعض النصائح للأمير في إدارة الدولة آنذاك، كما قام آدم سميث باستخدام عبارة الاقتصاد السياسي في كتابه المشهور ثورة الأمم عام 1776م، الذي اعتبره علم يبحث في كيفية اغتناء الأمم ونمو ثروتها، وفي وقتنا الحاضر لا يمكن دراسة العلاقة بين الحاجات والموارد في حل المشكلات الاقتصادية دون تدخل كافة الفاعلين بالصورة الجيدة[15].
وعلى الرغم من جذور الحوكمة قديمة ويمكن إرجاعها لتطور مفهوم الاقتصاد السياسي وربطها أكثر بأفكار آدم سميث في كتابة ثروة الأمم حول فصل الملكية عن الإدارة وظهور نظريات الحوكمة المؤسسية، إلان إن المؤسسات بشكل عام كانت تتمتع بسلطة شديدة ولا يوجد الكثير من الحريات في المشاركة في اتخاذ القرارات وتحمل تبعياته.
ففي بعض الدول كانت المؤسسات في القطاع الحكومي والخاص يتفردون في عمليه اتخاذ القرار وكان الناس والموظفين ليس لديهم أي صلاحية في التعبير عن رأيهم، كذلك وفي العديد من الدول كانت الحكومات الاستعمارية تسيطر على السلطة بشكل كامل وكان المواطنين يعانون في الفهم بسبب ارتفاع المركزية والتعقيد والبيروقراطية وعدم الشفافية في اتخاذ القرارات.. إلخ.
بشكل عام، فإن الحوكمة في القرن الثامن عشر والتاسع عشر كانت تتميز بالتناقضات والتباينات من بلد إلى آخر، ولم يكن هناك نظام حكومي مثالي يمكن اعتماده بشكل عام، ولكن تحديات الحوكمة في ذلك الوقت ساعدت على تطوير الأفكار والمبادئ السياسية والقانونية التي ساعدت في تحقيق الحريات المدنية وتوسيع الديمقراطية في القرن العشرين.
ثانياً: الحوكمة في القرن العشرون: نشأت فكرة الحوكمة كمفهوم عام في القرن العشرين، وتعني الإدارة والإشراف على المؤسسات والمنظمات والحكومات بطريقة فعالة وشفافة ومسؤولة، وتقوم فكرة الحوكمة على أساس أن المؤسسات والحكومات يجب أن تكون مسؤولة ومتحررة وشفافة وتعمل بمصلحة جميع الأطراف المعنية.
وتطورت فكرة الحوكمة بمرور الوقت، وأصبحت قضية مهمة في العديد من المجالات، بما في ذلك القطاع المالي، والمؤسسات الخاصة، والمنظمات غير الحكومية، والمؤسسات الحكومية، والحكومات. حيث كانت فكرة الحوكمة في البداية التأكد من أن المؤسسات تتبع الممارسات الأخلاقية والمسؤولة وتعمل بشفافية ونزاهة وحرية وديموقراطية.
ثالثاً: الحوكمة في القرن الواحد والعشرون: أصبحت الحوكمة مركز العصب في برامج الإصلاح الاقتصادي التي تنفذها الحكومات والمؤسسات في الوقت الراهن، انطلاقا من رؤى اقتصادية وإدارية تهدف إلى نقل اقتصاديات البلدان إلى مرحلة أكثر عمقا وتنوعا واستدامة، ومن ناحية إدارية تسعى المؤسسات الحكومية والخاصة لوضع قواعد ومبادئ لإدارة المؤسسات والرقابة عليها وتحقيق العدالة والشفافية وضمان حق المساءلة وحماية حقوق أصحاب العلاقة في المؤسسات وتوزيع الأدوار والمسؤوليات عبر هياكل تنظيمية مُحكّمة.
الفرع الثاني: مبررات وضرورة الحاجة للحوكمة في المؤسسات الحكومية
أولاً: عوامل وأسباب وجود الحوكمة
أضحت المؤسسات في وقتنا الحاضر أكثر تعقيداً من ذي قبل، ويعزى السبب في ذلك إلى عوامل عديدة ومبررات أدت لذلك التعقيد، والتي ساعدت في نشأة وظهور مفهوم الحوكمة وتطوره وتبنية من قبل المنظمات الدولية والإقليمية والمحلية، ويمكن عرض هذه العوامل فيما يلي:
1: التطور والنهضة العلمية: حيث كانت الشرارة الأولى لانطلاق الثورة الصناعية والتي كان لها الأثر الكبير على إحداث تحول في منظومة العمل الإدارية والاقتصادية والاجتماعية في المؤسسات الخاصة آنذاك.
2: العولمة: وما عززته من الانتشار وسهولة الوصول للمستفيدين وأصاحب العلاقة وإزاحة الحدود وتقليص القيود ورفع مستوى الحرية وتذليل العقبات لتهيئة مناخ استثماري وإداري جيد، ومن الأسباب كذلك هو التطور التقني المتسارع وما صاحبه من ثورات تكنولوجية انسحبت على عالم الأعمال وغيّرت مفهوم المنافسة باستخدام أساليب الإبداع والابتكار.
3:عوامل اقتصادية: والتي تمثلت في انفجار الأزمات المالية العالمية، والتي يمكن وصفها بأنها أزمة ثقة في المؤسسات والتشريعات التي كانت تنظم الأعمال، وتصاعد قضايا الفساد في كبرى الشركات الأمريكية، وهذا تطلب الانتقال إلى أسلوب إداري حديث يسند على التمكين والتركيز على النتائج وإعطاء فرصة أكبر للمسؤولية الفردية وضمان مصالح وحقوق أصحاب العلاقة.
4:عوامل إدارية: وكانت أهم العوامل التي لعبت دوراً في ظهور الحوكمة المؤسسات في وقتنا الحاضر وذلك في ظل ما شهدته المؤسسات من انعزال عن الموظفين وأصحاب العلاقة، مما أدى إلى ضرورة التفكير في وجود ممثلين لهؤلاء الموظفين يقومون بتمثيلهم ونقل وجهة نظرهم ومن ثم تطور ذلك إلى إشراك كافة المعنيين باتخاذ القرارات
5: الفساد المالي والإداري: يعود السبب وراء ظهور الحـوكـمـة إلى انتشار الفساد المالي والإداري والأعمال غير المشروعة بشكل كبير، وهو ما أدي إلى انهيار المؤسسات الكبري وانخفاض الثقة في مجالس الإدارات والقائمين على إدارة المؤسسات، وكذلك تراجع مستويات الإدارة المالية والمحاسبين والمراجعين والمراقبين.
6: زيادة نسبة الأزمات: كما يعد أحد أسباب ظهور الحوكمة زيادة نسبة الأزمات والمخاطر الداخلية والخارجية المحيطة بالمؤسسات وهو ما بشأنه تهديد استقرارها والتأثير عليها سلباً وتوقف أعمالها.
7: نظرية الوكالة: وهي اتفاق شخص أو أكثر مع غيره لإنجاز أعمال أو خدمات بالنيابة عنه، بحيث يقوم الشخص الموكل إليه القيام بالأعمال أي الوكيل باتخاذ القرارات[16]
ثانياً: الحاجة لحوكمة المؤسسات الحكومية
إن الحوكمة جاءت لتعزيز مفاهيم ومبادئ عامة وأساسية كالمشاركة والشفافية والمساءلة وتعزيز المساواة والتمكين والعدالة والكفاءة وغيرها من المفاهيم الإيجابية، وهنا سوف نذكر أن لهذه المبادئ أسس وأصول جاءت بها الشريعة الإسلامية، وقد سبقت بها جميع المؤسسات الحديثة التي تسعى لوضع مبادئ عامة للحوكمة، وأن هذه المبادئ لا تعتبر أمراً جديداً بالنسبة للشريعة الإسلامية.
1. مبدأ المشاركة في اتخاذ القرار: فينص هذا المبدأ على أن جميع الرجال والنساء يجب أن يكون لهم صوت في اتخاذ القرار، إما مباشرة أو من خلال إحدى المؤسسات الرسمية التي تهتم بمصالحهم. فقد جاءت الشريعة الإسلامية بتعزيز وترسيخ مبدأ المشاركة والشورى، حيث يقول الله سبحانه وتعالى: ﴿وَأَمْرُهُمْ شُورَىٰ بَيْنَهُمْ﴾[17] ويقول تعالى: ﴿وشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ ۖ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ ۚ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ﴾[18]وهذه كانت سنة النبي صلى الله عليه وسلم، فعن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال: “ما رأيت أحداً أكثر مشورة لأصحابه من رسول الله صلى الله عليه وسلم[19]
2. مبدأ الشفافية: فينص هذا المبدأ على حرية انتقال المعلومات. حيث إن الإجراءات والمعلومات يجب أن تكون متاحة للأشخاص المهتمين بها، وأن تزود هذه المعلومات بصورة كافية يتيح فهمها ومتابعتها.
فقد نهى الله عز وجل عن كتمان الحق أو الشهادة، فيقول تعالى: ﴿ وَلَا تَلْبِسُوا الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُوا الْحَقَّ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ﴾[20] ويقول تعالى: ﴿ وَلَا تَكْتُمُوا الشَّهَادَةَ وَمَن يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ﴾[21] فمن توفرت لديه المعلومات أو الحقيقة فلا بد له من أن يكشفها لمن يستفيد منها، لا أن يكتمها أو يلبسها بلباس الباطل.وهكذا كان شأن النبي صلى الله عليه وسلم، فعندما كان النبي صلى الله عليه وسلم عائداً إلى البيت مع أم المؤمنين صفية رضي الله عنها، فمر رجلان من الأنصار، فسلما على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال لهما النبي صلى الله عليه وسلم « على رسلكما، إنما هي صفية بنت حيي » فقالا: سبحان الله يا رسول الله. وكبر عليهما، فقال النبي صلى الله عليه وسلم «إن الشيطان يبلغ من الإنسان مبلغ الدم، وإني خشيت أن يقذف في قلوبكما شيئاً»[22]
وكذلك عندما مر رسول الله صلى الله عليه وسلم على صبرة طعام، فأدخل يده فيها، فنالت أصابعه بللاً، فقال ما هذا يا صاحب الطعام قال: أصابته السماء يا رسول الله. قال «أفلا جعلته فوق الطعام، كي يراه الناس، من غش فليس مني»[23]
3. مبدأ المساءلة: فينص هذا المبدأ على أن جميع متخذي القرار معرضين للمساءلة والمحاسبة من قبل أفراد المجتمع وأصحاب المصلحة.
وهذا مبدأ أساسي في الشريعة الإسلامية، فجميع الخلق مساءلون أما الله عز وجل يوم القيامة، فيقول تعالى: ﴿وَلَتُسْأَلُنَّ عَمَّا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ﴾[24] ويقول سبحانه: ﴿وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ ۖ وَسَتُرَدُّونَ إِلَىٰ عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ﴾[25]
وروي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال «ألا كلكم راع، وكلكم مسؤول عن رعيته، فالإمام الذي على الناس راع، وهو مسئول: وروي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال عن رعيته، والرجل راع على أهل بيته، وهو مسئول عن رعيته، والمرأة راعية على أهل بيت زوجها وولده، وهي مسئولة عنهم، وعبد الرجل راع على مال سيده، وهو مسئول عنه، ألا فكلكم راع، وكلكم مسئول عن رعيته»[26]
4. الثقافة المؤسسية (مبدأ المساواة والعدالة، والحرية): ينص هذا المبدأ على أن الجميع سواسية على اختلاف أجناسهم ومناصبهم رجال أم نساء لديهم الفرصة للتطوير والتحسين والتعبير بكل حرية والمحافظة على راحتهم وسعادتهم.
وهذا ما جاءت به الشريعة الإسلامية فلا فرق بين الناس إلا بالتقوى، فيقول الله سبحانه وتعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ ﴾[27] ويقول تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ﴾[28]. ويقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: « يا أيها الناس، ألا إن ربكم واحد، وإن أباكم واحد، ألا لا فضل لعربي على عجمي، ولا لعجمي على عربي، ولا أحمر على أسود، ولا أسود على أحمر إلا بالتقوى»[29]
5. مبدأ الرؤية الاستراتيجية: فينص هذا المبدأ على أن القادة وأفراد المجتمع يجب أن يكون لهم تصور شامل وطويل المدى للحوكمة والتنمية وما هو مطلوب لهذه التنمية كتعزيز الحوكمة الإلكترونية وتطوير القدرات الرقمية.
لقد ضرب لنا القرآن الكريم مثلاً في ذلك من خلال قصة يوسف عليه السلام، فيقول الله سبحانه وتعالى: ﴿قَالَ تَزْرَعُونَ سَبْعَ سِنِينَ دَأَبًا فَمَا حَصَدتُّمْ فَذَرُوهُ فِى سُنۢبُلِهِۦٓ إِلَّا قَلِيلًا مِّمَّا تَأْكُلُونَ* ثُمَّ يَأْتِي مِن بَعْدِ ذَٰلِكَ سَبْعٌ شِدَادٌ يَأْكُلْنَ مَا قَدَّمْتُمْ لَهُنَّ إِلَّا قَلِيلًا مِّمَّا تُحْصِنُونَ * ثُمَّ يَأْتِي مِن بَعْدِ ذَٰلِكَ عَامٌ فِيهِ يُغَاثُ النَّاسُ وَفِيهِ يَعْصِرُونَ﴾[30]
وكذلك فقد أمرنا الله سبحانه وتعالى بالتخطيط والإعداد مع استخدام الوسائل المتاحة، فيقول تعالى: ﴿وَأَعِدُّوا لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِن دُونِهِمْ لَا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ ۚ وَمَا تُنفِقُوا مِن شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنتُمْ لَا تُظْلَمُونَ﴾[31]وفي السنة كذلك شواهد على التخطيط والرؤية الاستراتيجية، فمن ذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم لسعد بن أبي وقاص رضي الله عنه: « إنك أن تذر ورثتك أغنياء خير من تذرهم عالة يتكففون الناس»[32]
الخلاصة، إن الكثير من المفاهيم والنظريات والمبادئ المتعارف عليها حديثاً في مجال الحوكمة لها جذورها وأصولها في الشريعة الإسلامية أو التراث الإسلامي، بل إن الكثير منها قد طبق من خلال أجهزة الدولة الإسلامية المتعاقبة، وأن أهم ما يميز هذه المفاهيم والنظريات الإسلامية أنها كانت ينظر إليها وفق الاعتبار للعوامل السلوكية والروحية التي توجد في داخل الإنسان، من خلال افتراض إدراك الفرد لرقابة الله عز وجل وكذلك رقابته الذاتية لنفسه. وهذا ينطبق على الكثير من النظريات الحديثة للحوكمة، حيث أنها تتداول بين الأوساط العلمية على أنها اكتشافات حديثة نسبياً، ولكن عند النظر في الشريعة الإسلامية والتراث الإسلامي نجد الكثير من الإشارات والتطبيقات لهذه النظريات والمفاهيم[33].
المطلب الثاني: واقع التجربة البحرينية في ظل المقارنة ببعض التجارب الدولية وتصورات التطوير
لقد حظـي مفهـوم الحوكمـة باهتمـام بـالغ علـى المسـتوى الـوطني أو الإقليمـي أو المحلـي، وتطـورت عـدة آليـات وتـدابير لتعزيـز نظـم الحوكمـة في الإدارة العموميـة والجماعـات المحليـة، واقترحـت عـدة مؤشـرات ومعـايير لقيـاس الحوكمـة الرشـيدة والجيـدة، ومـع تنامي مقتضيات اللامركزية واتساع مبادئ استقلالية وصـلاحيات اتخاذ القرارات بأغلـب الـدول أصـبحت الحوكمـة أكثر اقترانا بتكـريس التنميـة وبالأخص المستدامة، وأضـحى الحكـم الراشـد ترجمـة لتنميـة فعالـة داخل تلك الدول[34].
الفرع الأول: الحوكمة وفق التجارب الدولية المقارنة مبادرات التطبيق الحكومي
لقد كان العام 2000 مرحلة انطلاق أول تجربة ناجحة لتطبيق الحوكمة في القطاع العام، وكانت التجربة الهولندية هي أساس ذلك التطبيق للمفهوم في وزارة المالية ، حيث عقدت العديد من الاجتماعات وورش العمل بهدف تفعيل وتطبيق دور حوكمة القطاع العام[35]، وتعد منظمة التعاون الاقتصادي من أول المنظمات التي أهتمت بموضوع الحوكمة في القطاع العام حيث أصدرت في عام 1999 مبادئ التحكم المؤسسي، حيث أكدت هذه المنظمة على أهمية الحوكمة، وقامت في العام 2004 بتطوير مجموعة من المبادئ المتعلقة بموضوع الحوكمة ، والتي أخذت بها أغلب الدول في العالم بما فيها الدول النامية.
إلا أنه وفي الحقيقة قدمت العديد من الدول أفكار ومحاولات تتعلق بالحوكمة في المؤسسات العمومية، حيث عملت دول الاتحاد الأوربي على تطبيق نظام الحوكمة في مؤسسات القطاع العام وعلى الرغم من اختلافها في أساليب وأليات التطبيق إلا أنها تقف على مبادئ حاسمة تتعلق باستقلالية المؤسسات وتمتعها بالحرية، وزيادة مشاركة أصحاب المصلحة في صنع القرارات وتفعيل مبادئ النزاهة والشفافية ومساءلة والتطوير، وكتطبيق عملي تأتي إنجلترا في طليعة الدول التي تطبق الحوكمة المؤسسية في القطاع العام.
والحقيقة أن هناك محاولات لتجارب دولية اهتمت بفكرة إرساء نشر قيم الثقافة التنظيمية المرتبطة بحوكمة المؤسسات العمومية.
حيث عملت التجربة الأسترالية في العام 1980، على أرساء ونشر قيم الثقافة التنظيمية بالحوكمة، وأتبعت منهج الشفافية في اتخاذ القرارات في إدارة المخاطر، بالإضافة إلى توفير القدرات المادية والمالية الازمة لتطبيق مبادئ وأبعاد الحوكمة، إلى جانب المشاركة والمساءلة والمحاسبة.
وفرضت لتحقيق تلك الأبعاد مجموعة من التدابير كإلزامية الجهات القانونية بوضع قوانين تعزز ذلك التوجه والدور، وقامت بتطبيق المعايير بشكل مرحلي حتى اكتملت التجربة بإعداد الأدلة والإجراءات المنظمة لتطبيق أبعاد الحوكمة.
في السياق ذاته اعتمدت التجربة السنغافورية في مطلع العام 1996 على وضع جملة من الأبعاد للحوكمة لتحقيقها مثل (الجدارة، سيادة القانون، الشمولية، الاستثمار في رأس المال وفق الفعالية والكفاءة، والتطور التنظيمي)، وركزت على وجه الخصوص وأساسي على بعد الاستثمار في رأس المال البشري.
ونفس النهج اعتمدت التجربة الماليزية على أبعاد لتطبيق الحوكمة في العام 1996 ومن أبرز تلك الابعاد (القيادة، العلاقة مع الأطراف الفاعلة، المحاسبة والمساءلة، إدارة المخاطر، إدارة الازمات والكوارث، التخطيط الاستراتيجي، الرقابة والتوجيه)[36].
وفي سياق التجربة الأفريقية برزت جنوب أفريقيا في العام 1994حيث وضعت صوب عملها الاعتماد على أبعاد الكفاءة والفعالية وسيادة القانون والمحاسبة والمساءلة والعدالة والمساوة كأهم مبادئ تعزز دور المؤسسات العمومية في تطوير أعمالها.
وتجسدت التجربة المغربية رغم حداثتها في التوجه نحو اعتماد حوكمة المؤسسات العمومية في العام 2008 وقدمت نموذجا متميزا، كونها اعتمدت تلك الأبعاد في السياسات والاستراتيجيات والواقع العملي، ومن أبرز الأبعاد التي اعتمدتها مملكة المغرب المحاسبة والمساءلة والشفافية وجودة الأداء وتعزيز الدور الاقتصادي.
الفرع الثاني: منجزات البحرين في سياق تطبيق الحوكمة وتطلعات المستقبل
تعد تجربة مملكة البحرين من التجارب الجادة في هذا التوجه الحديث عبر تطبيق الأسس والمبادئ الإدارية الحديثة بشكل عملي وتوجهات جادة، حيث لاقى الاهتمام بالحوكمة من طرف ولي العهد صاحب السمو رئيس مجلس الوزراء بالعمل بنشر وتعزيز مفاهيم الحوكمة لدورها الرائد في زيادة فاعلية الأداء الحكومي، والحفاظ على الصالح العام، من خلال قرار مجلس الوزراء الصادر في سبتمبر 2011م والمعني “بالزام الهيئات والشركات الحكومية بتطبيق أنظمة وإجراءات الحوكمة”، تبع ذلك إصدار دليل “حوكمة المؤسسات الحكومية” في مايو 2013[37] ، والذي يعد مرجعا لتطبيق مبادئ وأسس الحوكمة لجميع المؤسسات الحكومية.
وقد حرصت المملكة على تطبيق الحوكمة في القطاع العام من خلال مهام الإدارة ومسؤولية الأشراف والرقابة لتعزيز دور تلك الجهات الحكومية من جهة، ومواجهة المخاطر من جهة أخرى، وفي مختلف جوانب العمل الحكومي، وتحقيق الأهداف الاستراتيجية.
ومن ضمن أوليات التطبيق بشكل عملي للحوكمة إصدار التشريعات، واعادة هيكلة بعض الجهات التابعة للقطاع العام، وتحديد المسئولية، وتفعيل الرقابة الداخلية والخارجية، وتطبيق مبدأ الإفصاح والشفافية، والمساءلة.
اعتمدت مملكة البحرين أسلوب المتابعة المستمرة على تطبيق تلك الأبعاد وأعدت التقارير عنها ومستوى أنجازها وتقديمها لمجلس الوزراء وفقا لدليل كل جهة حكومية.
وعليه، وبسبب هذه الإجراءات التي اتخذتها حكومة مملكة البحرين، فإن المؤسسات والهيئات الحكومية وضعت الأحكام الخاصة بالحكومة وهي ملتزمة بتطبيقها والسير على نهجها بما فيه مصلحتها ومصلحة كل المجتمع البحريني.
وكنتيجة للتأكيد على ما تقدم بخصوص تطبيق الحوكمة فإن حكومة البحرين خطت خطوات إضافية في مجال الحوكمة بإصدارها التعليمات الخاصة بحوكمة كل الجهات الإدارية بالوزارات والهيئات الحكومية العامة كما أشرنا سابقاً، وهذا الوضع يضع البحرين في مرتبة مقبولة وفق لمقاربات التجارب الدولية التي تسير على نهج حوكمة المؤسسات والمرافق الإدارية التابعة للحكومة.
الخاتمة:
لعل، الدمج بين متطلبات النجاح في المؤسسات الحكومية يعتمد على مدى تحقيق تلك المؤسسات لمتطلبات وتطلعات المجتمع ورفاهيته والأدوات التدبيرية التي تعتمد عليها في تسيير مهامها وأنشطتها، ولن يتحقق هذا إلا عن طريق ممارسات تدبيرية حكيمة وذات طابع حكامي سواء في التخطيط السليم، وذلك لضمان الاستدامة والمشاركة في اتخاذ القرارات السليمة، وإدارة مواردها المالية والبشرية بكفاءة وفعالية، وقدرتها على إدارة التغيير، والسعي نحو التكامل الحقيقي على توفر روح المسؤولية والشفافية ووضوح الصالحيات.
والحقيقة أن مملكة البحرين قد قطعت شوطا كبيرا في هذا السياق المرتبط بحوكمة المؤسسات الحكومية، في الوقت الذي يتطلب بذل المزيد من الجهود لتحقيق ما هو أفضل بالمقاربة مع التجارب الدولية، ومن خلال ذلك لا بد أن تعتمد تلك المؤسسات على توفير مجموعة من المقومات أبرزها:
- تمكين القوى البشرية المحلية وتنمية قدراتهم.
- تبني أساليب جديدة في تطوير البناء المؤسسي
- انتهاج مبدا ربط المحاسبة بالمسؤولية في مختلف المستويات الإدارية دون تمييز.
- شفافية توفير البيانات والمعلومات للمجتمع هو السبيل الوحيد لخلق رأي مجتمعي يتسم بفكرة الحوار الشمولي للتخطيط والرقابة.
- العريني، منال (2014) واقع تطبيق الحوكمة من وجهة نظر أعضاء الهيئتين الإدارية والأكاديمية العاملين في جامعة الأمام محمد بن سعود الإسلامية، المجلة الدولية التربوية المتخصصة، 3، (12) 148-114
- حريم، حسين (2006) مبادئ الإدارة الحديثة: النظريات، والعمليات الإدارية ووظائف المنظمة، عمان، الأردن، دار الحامد للنشر والتوزيع
- منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية بالإنجليزية “Organization for Economic Co-operation and Development” واختصارها “OECD” هي منظمة دولية مكونه من مجموعه من البلدان المتقدمة التي تقبل مبادئ الديمقراطية التمثيلية واقتصاد السوق الحر. نشأت في عام 1948 م للمساعدة على إدارة خطة مارشال لإعادة أعمار أوروبا بعد الحرب العالمية الثانية. بعد فتره تم توسيعها لتشمل عضويتها بلدان غير أوروبية.
- جيمس ولفنسون: محامي أمريكي أسترالي ومصرفي استثماري، وخبير اقتصادي، يُنسب إليه الفضل في الإجراءات التي أعادت شركة السيارات “Chrysler Corporation” من حافة الإفلاس، وكذلك تحسين الموارد المالية للمؤسسات الثقافية الكبرى في الولايات المتحدة.
- طالب، علاء فرحان، إيمان شيحان المشهداني (2011) الحوكمة المؤسسية والأداء المالي الاستراتيجي للمصارف، الطبعة الأولي، داء ثفاء للطباعة والنشر والتوزيع، عمًان، المملكة الأردنية الهاشمية، الصفحة 25.
- كافي، مصطفي يوسف (2019) الإصلاح والتطوير الإداري بين النظرية والتطبيق، دار ومؤسسة رسلان للطباعة والنشر والتوزيع، دمشق، الجمهورية العربية السورية، الصفحة 144.
- الشراري، عواطف، حابس حتاملة (2022) درجة تطبيق الحوكمة الإدارية في المدارس الثانوية في محافظة جرش من وجهة نظر المعلمين، المجلة الأردنية في العلوم التربوية، المجلد 18، عدد 1، دراسة منشورة، عمّان، المملكة الأردنية الهاشمية، دراسة منشورة، الصفحة 2.
- Muhammad, Madiha. (2011). An analytical study of the concept of good governance and the requirements of its application in Egyptian universities. Future of Arab Education Magazine, No. (72), September 2011, Helwan University, Egypt. P82
- Farouk, Amen (2010) The boards of trustees and parents and confronting them using the school method in light of experiences in some countries. Master Thesis, College of Education, Banha University, Egypt. P12
- Graham,jone& Tim Plumptre “principles for Good Governance in the 21st century “2003 5- Wheelen Thomas and David Hunger ,”Strategic Mannagement ” ,9th edition ,Prentice_ Hall ,New JERSEY,2004. P25
- -Golapsamy,N.,”Corporate Governance :The New Paradigm “,Wheeler Publishing ,New Delhi,1998. P3
- الغالبي، طاهر محسن منصور، صالح مهدي العامري (2016) المسؤولية الاجتماعية وأخلاقيات الأعمال – الأعمال والمجتمع ، دار وائل / المريخ للنشر والتوزيع، الطبعة الخامسة، عمّان، المملكة الأردنية الهاشمية، صفحة 449.
- Spanoos , L. , (2005) , Corporate Governance In Greece Developments And Policy Implications , Corporate Governance : International Journal Of Business In Society , Vol:5 No:1.p23
- يشير مصطلح الاقتصاد السياسي باختصار إلى النصيحة التي يقدمها الاقتصاديون إلى الحكومة أو الشعب فيما يخص السياسة الاقتصادية العامة للدولة وكيفية إدارة ثرواتها أو على مقترحات اقتصادية محددة طورها علماء سياسيون.
- حركات، محمد (2010) الاقتصاد السياسي والحاكمة الشاملة، مطبعة المعارف الجديدة، الرباط، المملكة المغربية، الصفحات 133-163.
- عنفليص، حسناء، وفرقد سلمان (2023) دور حوكمة الشركات في علاقة نظام الرقابة الداخلية بجودة القوائم المالية، المجلة العربية للعلوم الإنسانية والاجتماعية، دراسة منشورة رقم (2709)، الصفحة رقم 12
- القرآن الكريم، سورة الشورى، الآية سورة 38.
- القرآن الكريم، سورة آل عمران، الآية سورة 159.
- الترمذي، محمد بن عيسى (1998) الجامع الكبير “سنن الترمذي” باب ماجا في المشنورة، الجزء 3، رقم الحديث 1714.
- القرآن الكريم، سورة البقرة، الآية 42.
- القرآن الكريم، سورة البقرة، الآية 283.
- البخاري، محمد بن إسماعيل، صحيح البخاري، باب الاعتكاف، الجزء 3، الصفحة49، رقم الحديث2035.
- النيسابوري، مسلم بن حجاج، كتاب الإيمان، الجزء الأول، الصفحة 99، رقم الحديث102.
- القرآن الكريم، سورة النحل، الآية 93.
- القرآن الكريم، سورة التوبة، الآية 102.
- البخاري، محمد بن إسماعيل، صحيح البخاري، كتاب الأحكام، الجزء 9، رقم الحديث7138، الصفحة 62.
- القرآن الكريم، سورة النساء، الآية 01.
- القرآن الكريم، سورة الحجرات، الآية 13.
- الشيباني، أحمد بن حنبل، مسند الإمام أحمد بن حنبل، مسند الأنصار، رقم الحديث 23489.
- القرآن الكريم، سورة يوسف، الآية 47 – 49.
- القرآن الكريم، سورة الأنفال، الآية 60.
- البخاري، محمد بن إسماعيل، صحيح البخاري، كتاب الجنائز، الجزء 2، رقم الحديث1628، الصفحة 1250.
- الناهض، عبد العزيز، يونس صوالحي (2018) مبادئ ونظريات الحوكمة من منظور الشريعة الإسلامية، مجلة الرسالة، الجزء 2 العدد 2، رسالة منشورة، القاهرة، جمهورية مصر العربية، الصفحة 82.
- عادل رزق ،”الحوكمة والإصلاح المالي والإداري مع عرض للتجربة المصرية”، ملتقى “الحوكمة والإصلاح الإداري في المؤسسات الحكومية” ،القاهرة ،منشورات المنظمة العربية 14 للتنمية الإدارية أعمال المؤتمرات،مصر2009، ،ص 45 ..
Al- Manaseer, M; AL- Hindawi, R.; Dahiyat, M. and Sartawi, I, (2013): “The Impact of Corporate Governance on the Performance of Jordanian Banks, European Jornal of Scientific Research, VOL. 67. No.3.
(Bargh, Governing Universities.Changing the Culture, 1996)
- القرار الوزاري رقم (13) لسنه 2013، لرئيس مجلس الوزراء البحريني.