تداول المعلومات الخارجية وتشكيل السياسة السلطانية السعدية: مساهمة المترجمين الإسبان في عهد أحمد المنصور الذهبي 1578-1603م
د. رغداء عبد الإمام فايز1 د. أحمد دائيم2
1 جامعة البصرة، العراق. بريد الكتروني: Raghdaa.fayez@uobasrah.edu.iq
جامعة الحسن الثاني – الدار البيضاء، المغرب. بريد الكتروني: Ahmed.daim1@hotmail.com
HNSJ, 2024, 5(9); https://doi.org/10.53796/hnsj59/15
تاريخ النشر: 01/09/2024م تاريخ القبول: 17/08/2024م
Citation Method
المستخلص
طوال فترة حكم أحمد المنصور الذهبي 1578-1603 تم تداول الكثير من الأخبار والمعلومات حول الشؤون السياسية والدينية الأوروبية في المغرب. وقد ظهرت هذه المعلومات في الخطابات والمراسلات التي كانت تُكتب في البلاط السعدي. تم نقل هذه المعلومات جزئيا عبر مجموعة من الوكلاء الأوروبيين من إسبانيا والبرتغال وإنجلترا وفرنسا وهولندا، ولكن إدماجها في نظام المعلومات والتمثيل السلطاني كان يتم بوساطة المترجم الرسمي الإسبانية، الذي كان يعمل بجانب الكاتب الخاص للمنصور الذهبي. تم اعتماد المعلومات الخارجية التي تم نقلها بواسطة المترجمين الإسبان في سلسلة من الخطابات السلطانية المتنوعة. واستفاد المنصور الذهبي من هذه المعلومات الأوروبية، حيث استخدمها كأداة في تنفيذ استراتيجياته السياسية والعسكرية، ولتأكيد شرعيته وتعزيز سلطته.
الهدف من الدراسة: التعمق في فهم الطرق التي استخدم من خلالها السلطان السعدي أحمد المنصور الذهبي المعلومات الخارجية التي جمعها من مصادر أوربية متعددة، كأداة استراتيجية لتعزيز شرعيته وسلطته في مواجهة الأتراك والقوى الأوربية. وقد تم تكييف هذه المعلومات من قبل المترجمين خاصة الإسبان منهم، لتناسب الرؤى السياسية للمنصور. وهو ما يوفر لنا نظرة شاملة وواضحة على الطرق التي يمكن للمعلومات أن تستخدم فيها كأداة للسلطة والتأثير.
الكلمات المفتاحية: الوكلاء، المترجمين الإسبان، الدولة السعدية، المنصور الذهبي، السياسة السلطانية، المغرب.
تبقى الغاية الأساسية من هذه الدراسة هي فهم كيفية ترجمة المعلومات الخارجية ونشرها في بلاط الدولة السعدية([1])، وكيف انعكس استقبال هذه المعلومات واستخدامها في المغرب على أهداف أحمد المنصور الذهبي([2]) السياسية في المراسلات والأسطوغرافية الموجهة إلى المغاربة، وكذلك المراسلات الدبلوماسية مع الملوك الأوروبيين. وعلى الرغم من أن استخدام أحمد المنصور للقب “الخليفة” ([3]) أو “الإمام” جاء لتأكيد شرعيته في الحكم، إلا أن تمثيله لسلطته الخاصة كان جزءا من خطاب مشترك في أوائل العصر الحديث للشرعية السياسية التنافسية التي استخدمها أيضا الحكام في أوروبا والسلطان العثماني. لا سيما وان أحمد المنصور ومستشاروه كانوا مهتمين كثيرا بالشؤون الأوروبية ومطلعين جيدا على أخبارها.
كان التنافس بين الأسر الأوربية الحاكمة ذا أهمية كبيرة، خاصة بين إليزابيث الأولى ملكة إنجلترا وفيليب الثاني ملك إسبانيا. وحافظت إسبانيا والمغرب على تحالف غير مستقر في أفضل الأوقات، مقيدا بالمصلحة المتبادلة والمشتركة لكلا القوتين في تجنب صراع مفتوح. لكن في الوقت نفسه، دعم أحمد المنصور بنشاط حملات إليزابيث الأولى ضد فيليب الثاني، من خلال تزويدها بالمواد الخام للحرب مثل الملح الصخري. فضلا عن انخراطه بالوكالة في الصراعات السياسية بين الحكام الأوروبيين، وكان المخزن([4]) السعدي على دراية تامة بالحروب الدينية بين الكاثوليك والبروتستانت في جميع أنحاء أوروبا، وكانت الاخبار والمعلومات المنقولة حول الانقسامات الطائفية ذات فائدة كبيرة له عند صياغة خطابات الشرعية السياسية والدينية الخاصة به، ليس للأوروبيين فحسب، بل للمغاربة.
لم يكن الاهتمام المغربي بالشؤون الأوروبية جزءا من استراتيجية الاطلاع الجيد على الجغرافيا السياسية المجاورة فحسب. فقد استُخدمت المعلومات التي تم جمعها من أجل تعزيز توجه مغربي نحو استعادة الأندلس، ولتأكيد تمثيل أحمد المنصور في المغرب كخليفة وسلطان. وقد أدرج وزير القلم عبد العزيز الفشتالي (1549 – 1621م)، ومن خلاله أحمد المنصور، معلومات عن الشؤون الأوروبية في المراسلات السلطانية المحلية وفي المشروع التاريخي السلطاني، بطريقة دعمت طموحات المنصور السياسية وتلك المتعلقة بالخلافة أمام رعاياه المغاربة. ولهذا دأب سواء المقربون من السلطان أحمد المنصور الذهبي أو من كان يأتي للمغرب من أجل العمل على نقل المعلومات التي من الممكن أن تكون لها أهمية كبيرة في السياسة السلطانية آنذاك، وكان من أهم هؤلاء الوزير المغربي عبد العزيز الفشتالي، فضلا عن التاجر الإنجليزي جاسبر تومسون، ومجموعة من المترجمين الإسبان الذين كان لهم دور في نقل تلك المعلومات. وسنحاول نبين دور كل شخصية على حدة في نقل وترجمة المعلومات، والاستفادة منها.
أولا: عبد العزيز الفشتالي
في عام 1588م أمر السلطان السعدي أحمد المنصور الذهبي (1578 – 1603م) وزير القلم عبد العزيز الفشتالي (1549 – 1621م)([5]) بصياغة رسالة نيابة عنه إلى أبي عثمان سعيد بن علي الهوزالي (ت 1001هـ/1592م) قاضي الجماعة بتارودانت من بلاد سوس، مُبْلِغا إياه بضرورة إخباره بكل “بشرى ترد علينا وبشارة، ونقاسمكم ما يتصل بمقامنا العلي في كل عهد وأوان من الأنباء السارة”. ووصف فيها الهزيمة النكراء التي تعرض لها الأسطول الإسباني المعروف بـ “الأرمادا” (Spanish Armada) في مواجهة الأسطول الإنجليزي. تضمنت الرسالة معلومات عن قصة العداوة الإسبانية الإنجليزية، والمواجهة بين الملك الإسباني فيليب الثاني (Philippe II) (1527 – 1598م) وملكة إنجلترا إليزابيث الأولى ( (Elizabeth I (1559 – 1603م)، موضحة كيف بدأت العداوة بينهما بعد أن تخلت إليزابيث الأولى “هي وقومها عن دين النصارى وشِرْعَتِهِم، والخروج عن ملتهم” ([6])، أي أنها أعادت ترسيخ المذهب البروتستانتي الذي تبناه والدها هنري الثامن (Henri VIII) (1509 – 1547م) على حساب المذهب الكاثوليكي الذي كانت تدين به أختها الكبرى ماري الأولى (Mary Tudor) زوجة فيليب الثاني بتأثير من والدتها كاثرين الأراغونية (1509 – 1533م) ابنة فرديناند الثاني ملك أراغون (Ferdinand II of Aragon) وإيزابيلا الأولى ملكة قشتالة (Isabella I of Castile)، والتي حاولت مع توليها حكم إنجلترا بسط المذهب الكاثوليكي بالبلاد، والتخلي عن المذهب البروتستانتي، الأمر الذي تسبب في صراع ديني عنيف امتد إلى حين وفاتها سنة 1558م واعتلاء إليزابيث الأولى عرش إنجلترا وإيرلندا رسميا مطلع سنة 1559م([7]). علاوة على ذلك، كان من الأسباب الأخرى المؤدية إلى الحرب الإسبانية – الإنجليزية دعم إليزابيث الأولى للبروتستانت الهولنديين المعارضين لحكم الإسبان الكاثوليكيين، وتشجيعها للعديد من القراصنة الإنجليز وتجار العبيد أمثال فرنسيس دريك (Francis Drake) وجون هوكنز (John Hawkins) على شن هجمات تستهدف السفن والمرافئ الإسبانية ومستعمراتها بالساحل الأمريكي وبالبحر الكاريبي([8]).
بالعودة إلى باقي مضامين الرسالة، نجد أنها تذكر كيف شرع فيليب الثاني في التجهيز للحرب “حتى تجمعت له من الأساطيل عمارة حافلة، مكث في جمعها أربعة أعوام تباعا استفرغ فيها غاية مقدوره وجهده، واستعمل فيها كل طاقته وجهده، وعند ما كملت أجراها إلى البحر، وشحنها بأمم لا تحصى من جموع الشرك وأحزاب الكفر، بحيث لم يبق أحد من أحزابه”([9]). على الرغم من التفوق العسكري الإسباني الواضح أمام القوات الإنجليزية، إلا أن الأسطول الإسباني مُني بهزيمة فادحة في بحر المانش أو القناة الإنجليزية في مواجهة الأسطول الإنجليزي المساند من قبل الهولنديين، بسبب عاصفة قوية واستعداد الإنجليز الجيد والمحكم لهذه المعركة، وهو ما تطرق له الفشتالي في الرسالة، بقوله: “…وقوضت إلى بلاد نكلطيرة تخوض نحوها الأمواج، وتبتغي إليها السمو والمعراج حتى إذا دنوا منها وقد أخذت أساطيلها لحربهم الأهبة والاستعداد، وقعدت لهم بمنتهى جزيرتها وحدود أرضها بالمرصاد، أرسل الله على أساطيل الطاغية من عنده ريحا صرصرا أقحمتهم في بلاد العدو على غير نظام، ونكست لهم الرايات والأعلام، فاغتنمت منهم نكلطيرة الفرصة فابتدروا انتهازها، وهجم أسطولهم على تلك العمارة القوية فَرَدُّوا على صدورها أعجازها، وأقبل تيار الهلكة على جموع قشتالة كافة، واستأصل الله سبحانه لهم الشأفة، فلم ينج منهم من الغرق سوى من استأصله السيف، وعاجله بحمد الله تعالى السيف”([10]).
كانت هزيمة الإنجليز للإسبان حسب ما ورد في الرسالة بشارة بالنصر والفتح، وعلامة على تحقيق أحمد المنصور لوعده المنتظر بالاستيلاء على أراضي فيليب الثاني والأقاليم التابعة له، وفي ذلك يقول الفشتالي: “…والمنة لله لهذا الأمر العزيز عنوان الإقبال والظفر، وعلامة على إنجاز وعده المنتظر، في الاستيلاء بحول الله على بلاده وأقطاره. ومنازلته بجنود الله المظفرة في عقر داره، واستنقاذ النقدة المتغلب عليهم في الأعصر السالفة والدول الماضية من بين أنيابه وأظفاره، وبخاصة بلاد الأندلس التي هي بحول الله على سيوفنا أهون مطلوب، وأيسر موهوب، فهي الوديعة المستردة بحول الله على أيدينا، والقلادة التي خبأتها الأيام لجيدنا. وقد آذن بدنو زمان ذلك إن شاء الله وميقاته، وبلوغ ساعته البادية الأشراط وأوقاته”([11]). بعبارة أخرى، كانت أخبار هزيمة الأسطول الإسباني في مضيق القناة الإنجليزية إشارة إلهية على أن ساعة استعادة أحمد المنصور للأندلس، التي أصبحت الآن مسيحية وتحت حكم فيليب الثاني، قد حانت. وكعلامة أخرى على قدوم الوقت المحدد إلهيًّا للفتح، ذكر أحمد المنصور أنه في الوقت الذي وصلته فيه أخبار هزيمة الأسطول الإسباني، وصلت إليه سفارة من إسطنبول. وكان يأمل في أن تعني هذه السفارة السلام بين السعديين والعثمانيين، مما يسمح لكليهما “صرف العناية بحول الله لمجاهدة عدو الدين، وغزو أحزاب الشرك الملحدين، حتى ينجز الله لهذا الأمر العزيز وعده في الاستيلاء على الأقطار إن شاء الله دانيها وقاصيها، وإخراج أمة الكفر بعون الله من دارها وصياصيها، بعز الله وعنايته”([12]).
تُظهر الرسالة دقة معلومات السلطان أحمد المنصور ووزيره الفشتالي حول الأحداث في إنجلترا وبحر المانش (القناة الإنجليزية)، كما أنهما كانا أيضا على علم بمجريات معركة الأرمادا البحرية بدليل ذكره نجاة قائد الأسطوال الإسباني ألونسو بيريس دي غوزمان (Alonso Pérez de Guzmán) دوق شذونة (Medina Sidonia) وشلوقة (Sanlúcar de Barrameda)، وكيف أن العاصفة دمرت أولا الأسطول الإسباني، ثم هاجمه الإنجليز ودمروه. من الجدير بالملاحظة أيضا في رسالة الفشتالي الموقف الذي عبَّر عنه تجاه الصراع المسيحي، حيث يُعلن أن ملكة إنجلترا حازت المساعدة الإلهية، وهو ما يدل على أن الفشتالي كان يعرف الفرق بين المسيحية البروتستانتية في إنجلترا والمسيحية الكاثوليكية في إسبانيا. كان مهما بالنسبة لأحمد المنصور والفشتالي في خضم هذا الصراع الديني والعسكري الأوروبي أن تكون إليزابيث الأولى على الرغم من أنها مسيحية جديرة بالثناء، لكونها استطاعت الوقوف في وجه سطوة فيليب الثاني، وهذا هو السبب في أن الجيش السعدي كان يعتزم محاربة الإسبان المشركين الملحدين فقط واسترجاع الأندلس، وليس إليزبيث باعتبارها مسيحية موحدة. من الضروري أن نلاحظ العبارة القرآنية التي استخدمها الفشتالي “ريحا صرصرا”([13])، والتي تصف الريح العاتية والشديدة التي أرسلها الله على قوم عاد الآثمين فأهلكتهم. ومن المثير للاهتمام أن قوم عاد كانوا معروفين بأنهم شعب بحري وبناة عظماء مثل الإسبان. وكما عاقب الله قوم عاد، كذلك عاقب الإسبان([14]).
يبدو ان الاختلاف الديني مع إنجلترا كان أقل أهمية بالنسبة للفشتالي من التعاون السياسي والعسكري. وهو يرى من منظور واقعي ان الحرب التي خاضتها إليزابيث الأولى ضد فيليب الثاني وانتصارها بها، كانت نتائجها في المجمل لصالح هدف أحمد المنصور الإسلامي، المتمثل في تحرير الثغور المغربية المحتلة من قبل الإسبان واسترجاع الأندلس منهم. وعليه يجب فهم أن استخدام أحمد المنصور للمعلومات الخارجية في رسالة سلطانية موجهة إلى رعاياه، ليست فقط دليلا على وعيه بالشؤون الأوروبية واطلاعه عليها، بل أيضا على قدرته على تدبير ما يعرفه هو أو مستشاروه عن الخصومات المسيحية من أجل تأكيد شرعيته كخليفة للمسلمين.
إن إرسال هذه الرسالة بما احتوته من أخبار مهمة إلى منطقة سوس له دلالة، من خلال اعتماد جيش أحمد المنصور بقوة على عناصر قبلية من هذه المنطقة([15])، فضلا عن أن العلاقة بين منطقة سوس والمخزن السعدي كانت معقدة منذ مدة طويلة. فعلى الرغم من اعتبارها مهد الدولة السعدية، إلا أنها أصبحت في السنوات الأولى من حكم أحمد المنصور مركزا لعدد من الاضطرابات القبلية والتمردات([16])، مثل تلك التي قادتها زواوة، وهي قبيلة قدمت من ناحية تلمسان إلى المغرب مع الفرقة التركية التي دعمت عودة عبد الملك المعتصم إلى البلاد. ويذكر أنطونيو دي صالدانيا (António de Saldanha) أن أحمد المنصور ذبح ثمانية آلاف رجل من قبيلة زواوة بعد أن علم بتآمرهم للإطاحة به، ومبايعة حفيد أكبر أولاد محمد الشيخ المهدي المعروف بعبد الله برانكينو (Branquinho)، (لقب بذلك لشدة ما كان عليه من البياض)([17]). فضلا عن ذلك، كان على السلطان التعامل مع تمردات عرب المعقل. وقد خصص الفشتالي عدة صفحات للتأريخ لحزم أحمد المنصور في إخماد تمرد عرب المعقل، وهو ما عّده مؤرخ البلاط دليلا على قوة السلطان في ضمان النظام داخل مملكته([18]). وخلال السنوات الأولى من حكمه، نجد أن أحمد المنصور سعى إلى تأسيس إدارة مستقرة في مراكش أيضا.
يشير الفشتالي إلى أن الظروف كانت غير مستقرة في جميع أنحاء البلاد بعد ثلاث سنوات من الحرب الأهلية بين عبد الملك المعتصم وابن أخيه محمد المتوكل بن عبد الله الغالب. ومع ذلك، وعلى مدار سنوات عدة، تمكن أحمد المنصور من إنشاء حكومة مركزية صغيرة ولكن فعالة، عملت من خلال اجتماعات منتظمة بين السلطان وديوانه، وقادة حافظوا على النظام وجمعوا الضرائب في مختلف المناطق بجميع أنحاء البلاد، وجيش فعال فرض سلطة الدولة، ونظام تجسس فعال نبه أحمد المنصور إلى المشاكل المحتملة، قبل أن تخرج عن السيطرة([19]). وبحلول أواخر القرن السادس عشر ميلادي، كانت معظم حركات التمرد قد خمدت وأحكم أحمد المنصور قبضته على السلطة داخل المغرب([20]).
بعد أن تم تهدئة سوس، بدأ أحمد المنصور باستغلال ظروف المنطقة المواتية لزراعة قصب السكر، فأنشأ العديد من المصافي وحوّل زراعة السكر إلى واحدة من أهم الصناعات الإقليمية([21]). وفي أواخر القرن السادس عشر، أصبح أحمد المنصور يعتمد بشكل كبير على سوس في الدعم العسكري([22]).
ومع ذلك، فإن المنفذ الساحلي نفسه الذي جعل سوس جذابة جدا للسعديين جعلها هدفا للأوروبيين، بدءا من البرتغاليين طوال القرن السادس عشر ثم الإنجليز والهولنديين في القرن السابع عشر([23]). ويمكن أن نفسر هذا الاتصال الأوروبي المتكرر بمنطقة سوس، أنها كانت وجهة مهمة للرسائل السلطانية السعدية حول الشرعية السيادية التي صيغت في إطار الهزائم الأوروبية.
استُخدم نشر المعلومات الخارجية وإعادة صياغتها عبر القنوات الرسمية لتعزيز سلطة أحمد المنصور بين رعاياه. والرسالة الموجهة إلى منطقة سوس عام 1588م، هي أحد الأمثلة العديدة على الأحداث الأوروبية التي أُعيد إدراجها في القضايا المحلية المغربية، غالبا من قبل عبد العزيز الفشتالي، الذي كان بالإضافة إلى كونه رئيس ديوان الإنشاء بقصر أحمد المنصور، فقد اشتهر أيضا كمؤرخ للدولة السعدية من خلال كتابه “مناهل الصفا في مآثر موالينا الشرفا”([24])، الذي تطرق فيه إلى حركة الإصلاح الديني في أوربا وانطلاقها على يد مارتن لوثر (Martin Luther)، وما تبع ذلك من حروب دينية واضطهاد لَحِقَ البروتستانتيين من قبل الكاثوليكيين لاسيما في فرنسا التي تم اغتيال ملكها هنري الثالث (Henri III de Valois) عام 1589م في قصر سان كلو (Château de Saint-Cloud) من قبل الراهب الدوميني جاك كليمان (Jacques Clément)، بسبب ميل الملك الفرنسي إلى الانفتاح على البروتستانتيين وسعيه إلى تحقيق التسامح الديني لإنقاذ فرنسا من الانهيار، ودور فيليب الثاني في تأجيج الأوضاع بفرنسا من خلال دعمه للكاثوليكيين الفرنسيين في حربهم ضد الهوغونوت (Huguenot) البروتستانتيين الفرنسيين([25]). كما تطرق إلى اعتلاء ابن عم الملك هنري الثالث عرش فرنسا من بعده وتلقبه بهنري الرابع (Henri IV) (1553 – 1610م)، ويُعرف أيضا بهنري الثالث ملك نبرة (Navarra)([26]).
فضلا عن ذلك، وصف الفشتالي الأسباب والأحداث التي أحاطت بالهجوم الإنجليزي على لشبونة سنة 1589م([27])، وقادس عام 1596م([28]) الذي جاء في سياق ضربة وقائية إنجليزية مدعومة بأسطول هولندي ضد القوة البحرية الإسبانية التي أُعيد بناؤها وتقويتها بعد معركة الأرمادا بأمر من فيليب الثاني، من أجل غزو وإخضاع إنجلترا بعد فشل المحاولة الأولى([29]).
قاد الهجوم الانجليزي على قادس في 21 يونيو 1596م اللورد توماس هوارد (Lord Thomas Howard) والسير والتر رالي (Sir Walter Raleigh) الذي استخدم عشرة آلاف جندي إنجليزي وخمسة آلاف جندي هولندي. انتهى الهجوم بعد ستة عشر يوما من النهب، أحرق فيها الجنود المدينة بما في ذلك كاتدرائيتها. يرى المؤرخ النيوزلندي بول هامر (Paul Hammer) أن الهجوم الإنجليزي – الهولندي الناجح على قادس يمثل واحدا من الانتصارات القليلة التي لا تقبل الشك في حرب إنجلترا ضد إسبانيا أواخر القرن السادس عشر ميلادي. إذ تمكن الأسطول الهولندي – الإنجليزي من تحقيق انتصار بحري ساحق في ميناء قادس، واقتحمت قواته المدينة نفسها مع وقوع أضرار بسيطة فقط. ومع ذلك، يضيف بأنه لم يتم تثبيت هذا النصر لأنه تم التخلي عن قادس بسرعة، وانهاء المعركة بشكل غير فعال([30]).
يُظهر الفشتالي كيف تم إبلاغ المغاربة بالأسباب المذهبية للصراع الديني داخل أوربا، وبالحملات العسكرية البحرية التي شنتها إنجلترا البروتستانتية ضد إسبانيا الكاثوليكية. ومن المحتمل أن تكون تلك المعلومات قد نُقلت إلى أحمد المنصور عن طريق السير إدوارد هوبي (Sir Edward Hoby) الذي قَدِمَ إليه من قادس بعد أن احتل الإنجليز المدينة حتى يؤمن المساعدة في حال حاجتهم إلى القوارب أو الرجال أو المؤن([31]). وبالنسبة للفشتالي، فإن كل ما كان يحدث في إسبانيا وفرنسا وإنجلترا يمهد الطريق لتحقيق هدف أحمد المنصور باسترداد الأندلس. وكان تاريخ البحر الأبيض المتوسط على وشك أن يُعاد تشكيله من جديد تحت قيادة السلطان السعدي بسيوف الأوربيين، وخاصة الإنجليز.
تضمن كتاب “مناهل الصفا في مآثر موالينا الشرفا” العديد من الإشارات المتناثرة حول الأوربيين وقضاياهم، وتعلقت في المقام الأول بالسفارات الأوروبية إلى المغرب وأخبار المُطالب بالعرش البرتغالي الأمير دون أنطونيو وابنه دون كريستوف، والذي استولى عليه فيليب الثاني وضمه بالقوة عام 1580م([32]). كما استخدم الفشتالي كتابه لتقديم معلومات عن الأوروبيين الذين لم تكن لهم علاقة مباشرة بالمغرب. ومن ذلك تطرقه لمسألة الإيقاع بعرب الغرب التي لا علاقة لها للوهلة الأولى بالشؤون الأوروبية. يروي الفشتالي كيف تمردت بعض القبائل العربية في منطقة أزغار على أحمد المنصور وتحالفت مع ابن أخيه الناصر بن الغالب([33])، الذي كان يعيش في البرتغال أولا ثم انتقل إلى إسبانيا، وبالتالي ارتبط بفيليب الثاني. ويضيف معطيات أخرى، وصف من خلالها استعدادات أحمد المنصور لهزيمتهم بقيادة ابنه محمد الشيخ المأمون. وبعد قسم ختامي وصف عقابا إلهيا للمتمردين في شكل حرارة الصيف الشديدة وبوادر الطاعون الأولى، غير النص موضوعه فجأة إلى أوضاع أوربا الغربية في السنوات الأخيرة من القرن السادس عشر([34]).
تغطي الأحداث الموجودة في هذا الفصل من كتاب “مناهل الصفا” للفشتالي، في الغالب الطرق التي دعم بها أحمد المنصور هجمات إليزابيث الأولى على إسبانيا في عامي 1588 و1596م. ويختتم الفصل بسرد مفصل للتحالف الأوروبي الذي هاجم قادس في عام 1596م. وعلى غرار الرسالة الموجهة إلى سوس التي تناولت بالتفصيل هزيمة الأسطول الإسباني عام 1588م، فإن هذا السرد لهجمات الإنجليز والهولنديين على إسبانيا، قد كُتب في إطار جدل أكبر حول كيف أن الصراع بين القوى الأوروبية كان ينذر بدعم تطلعات أحمد المنصور لاستعادة الأندلس. كما أشار الفشتالي في هذا الفصل إلى نجاح أحمد المنصور في مواجهة التمرد في مملكته والقضاء عليه، فضلا عن تخصيصه فقرات عدة بين وصفه للهجومين الإنجليزيين على إسبانيا للتأريخ للأحداث الجارية في فرنسا. حيث أنه في الوقت نفسه الذي كان أحمد المنصور وإليزابيث الأولى يتراسلان بشأن الاستعدادات للهجوم على إسبانيا، بدأ الملك الفرنسي هنري الثالث في مضايقة الإسبان بهجمات من جانبه لدعم ملكة إنجلترا. وكان لفرنسا، كما يقول الفشتالي، مشاكلها الخاصة التي تسببت في إضعافها والسماح لإسبانيا بتحقيق مكاسب جديدة، وتحديدا اعتناق العديد من الرعايا الفرنسيين للبروتستانتية وقرار الملك بالبقاء على كاثوليكيته وحكم شعبه بالقوة. وعزا الفشتالي اغتيال هنري الثالث في نهاية المطاف عام 1589م إلى مؤامرة إسبانية. ثم أوضح أن فيليب الثاني استغل الفرصة للاستيلاء على مساحات واسعة من فرنسا وبعض الأراضي النافارية، قبل أن يصل هنري النافاري إلى باريس ليصبح هنري الرابع. وسيواصل الأخير بمعية إليزابيث الأولى مضايقة فيليب الثاني([35]). وقد أعلن هنري الرابع بالفعل الحرب على فيليب الثاني عام 1595م. ويشير داريو يحيى (Dahiru Yahya)، دون أن يوضح العلاقة بين الحدثين، إلى أن إعلان فرنسا للحرب أعقبه بسرعة قرار فيليب الثاني بالسماح للناصر بالسفر إلى مليلية لبدء ثورته ضد عمه أحمد المنصور. ونظرا لجاهزية الأخبار الفرنسية في المغرب، ربما بدا أن الحدثين المتعلقين بإسبانيا مترابطين. ومن هذا الفاصل الفرنسي، انتقل الفشتالي إلى انضمام الأقاليم المتحدة إلى التحالف المعادي لإسبانيا، والاستعدادات للهجوم على قادس، ثم الهجوم نفسه([36]).
استخدم الفشتالي مسألة اغتيال هنري الثالث ليعزز من شرعية أحمد المنصور كخليفة، وهو بذلك حاول خلق تضامن مع غيره من أعداء إسبانيا. من المؤكد أن رعاية فيليب الثاني المفترضة لقاتل هنري الثالث وغزوه اللاحق لفرنسا وبعض الأراضي النافارية، جعلت منه تهديدا خطيرا للداعمين الفرنسيين لحلفاء المغرب من الإنجليز والهولنديين. وعلى الرغم من مشاركة فيليب الثاني في الرابطة الكاثوليكية التي عارضت انضمام هنري الرابع، فإن كل المكاسب التي حققها الملك الإسباني سرعان ما تبددت، مما يدل على ضعفه الحتمي. لكلا السببين، فإن تصوير الفشتالي لاغتيال هنري الثالث أظهر للمغاربة ضعف فيليب الثاني، وأنه ليس قويا كما يبدو. وفي ذلك تقوية لموقف وشرعية أحمد المنصور السياسية والدينية. ومع ذلك، كان لسرد مشاكل الأسرة الحاكمة في فرنسا ومكائد الإسبان صدى فوري في الشؤون المغربية، كما يتضح في الفصل الخاص بهزيمة أحمد المنصور لعرب الغرب. وقد ورد تفسير محاولة فيليب الثاني لزعزعة عرش فرنسا من خلال رعايته للقس القاتل جاك كليمان الذي لم ينجح في نهاية المطاف. هذا السياق تم تضمينه في الرواية الأطول لهزيمة الناصر، الذي اعتقد أحمد المنصور أن فيليب الثاني كان يرعاه من أجل الإطاحة به. والواضح أن الملك الإسباني لم يقم برعاية الناصر على الرغم من الطلبات المتكررة من الأمير السعدي. وكان أقصى ما فعله فيليب الثاني هو منح الناصر الإذن بالسفر إلى مليلية الخاضعة للسيطرة الإسبانية، حيث قام الناصر بتمرده([37]).
عّد الفشتالي التحالف السعدي الإنجليزي ضد الإسبان كمقدمة لحملة أحمد المنصور على بلاد السودان الغربي، التي كانت بنظره خطوة استراتيجية ومهمة. وهي الحملة التي جعلت إنجلترا أكثر حرصا على إبقاء المغرب كحليف لها([38]). هذه السلسلة من الأحداث سجلت الأحداث الأوروبية في سياق مرتبط بالدولة المغربية. أما خاتمة الفصل فهي معبرة بالقدر نفسه. فبعد سرد الهزائم التي لحقت بالإسبان على يد الإنجليز وحلفائهم، قدم الفشتالي تأملا مطولا عن دور الله الإلهي في نجاح أحمد المنصور، بما في ذلك فتحه للسودان الغربي وسيطرته عليه، وقدره المحتوم بعون الله في استعادة كل الأندلس التي كانت تحت سيطرة فيليب الثاني. وقد ختم الفشتالي الفصل برغبته الخاصة في كتابة مثل هذا التاريخ في حالة وقوع مثل هذه الأحداث، وبتكرار أهم مناقب أحمد المنصور السياسية والدينية، بما في ذلك أنه خليفة المسلمين والإمام المجاهد ذو النسب الشريف([39]). وقد كانت هذه الصفات السيادية، ذات أهمية حاسمة في إبراز أحمد المنصور لسلطته أمام رعاياه، لا سيما فيما يتعلق بمزاعم السلطان العثماني حول تلقبه بالخلافة. كما تم استخدام ألقاب مماثلة في المراسلات الدبلوماسية الموجهة للأوربيين، وأصبحت مهمة فريق المترجمين الإسبان التابعين لأحمد المنصور جعل هذه الألقاب مفهومة ضمن منظور تنافس الأسر الحاكمة بأوربا([40]).
شكلت كل من رسالة الفشتالي إلى أهل سوس والفصل الخاص بالأحداث الأوروبية ضمن كتابه، جزءا مهما من سياسة الحضور على مستوى الداخلي لأحمد المنصور. وقد عززت المصطلحات الإلهية التي وُصفت بها هزيمة الإسبان أمام الإنجليز في عامي 1588 و1596م للمغاربة شرعية أحمد المنصور كسلطان وخليفة. كما ساعد إطلاق الدعاية المتعلقة باستعادة الأندلس وضم السودان الغربي، على تبرير مطالب أحمد المنصور بفرض ضرائب إضافية.
ساهم التطرق إلى المنافسة بين إليزابيث الأولى وفيليب الثاني، في إعطاء أحمد المنصور فرصة لإظهار تفوقه على العثمانيين، أو على الناصر المدعوم من الإسبان، والإصرار على شرعيته السلطانية من خلال ضم السودان الغربي، وقدره كخليفة في مسعاه لاسترجاع الأندلس. ومما لا شك فيه أن الاهتمام بالشؤون الأوروبية والوعي بها كان مدعوما بوجود الأوروبيين في المغرب وشبكات المعلومات المترابطة بين المغرب وأوروبا والدولة العثمانية. وعلى الرغم من أن الفشتالي، بحكم منصبه الرفيع في البلاط السعدي، هو الذي يظهر كمؤلف لهذه الروايات الأوروبية، إلا أنه عمل عن كثب مع مجموعة من المخبرين والمترجمين الذين كانت مهمتهم الأساسية ربط مصادر المعلومات بوسائل معالجتها ونشرها داخل المخزن السعدي وخارجه.
ثانيا: جاسبر تومسون
شكل الاهتمام بالمعلومات حول الشؤون الأوروبية وانتشارها جزءا من نظام أوسع للاتصال المنتظم عبر البحر الأبيض المتوسط في نهاية القرن السادس عشر. وعّد هذا النظام جزءا من سوق أوسع للأخبار والدعاية التي بدأت في القرن السادس عشر تأخذ أبعادا عالمية. وكان أحد محركات هذا التداول بين المغرب وأوروبا والدولة العثمانية هم الرجال الذين سافروا عبر حوض المتوسط في مهمات دبلوماسية أو تجارية، والتي كانت تتداخل أحيانا، بما في ذلك الممثلون المغاربة في أوروبا والممثلون الأوروبيون في المغرب([41]). ومنهم التاجر الإنجليزي جاسبر تومسون (Jasper Tomson) الذي وصل إلى المغرب سنة 1599م، حيث عُرض على أحمد المنصور الذي سمع عنه أنه قضى بعض السنوات في تركيا، وشهد الحملة العثمانية على المجر عام 1596م عن كثب. ووفقا لرسالة جاسبر تومسون إلى قريبه ريتشارد تومسون، وهو تاجر إنجليزي أيضا، فقد أرسل أحمد المنصور كاتبه برفقة القائد عزوز ليأخذوه إلى غرفة داخل جناح السلطان بالقصر، ليطلب منه بعدها القائد عزوز عند مغادرته أن يشرح بالتفصيل الأحداث التي عرفتها تركيا إبان تواجده بها للكاتب الذي سيدونها باللغة العربية. ويضيف بأن القائد قد ترك معهم مترجم السلطان للغتين اللاتينية والإسبانية. حيث سيقضون ست ساعات حتى اقترب الليل، ليعقبها طلب تومسون الإذن بالذهاب إلى غرفته، حتى صباح اليوم التالي حيث سيعود لإكمال الحديث المذكور([42]).
استُدعي جاسبر تومسون عدة مرات أمام أحمد المنصور ومستشاريه ليروي المزيد من تجاربه مع البلاط العثماني وملاحظاته عنه، حتى أنه في إحدى المقابلات روى الأخبار العاجلة عن هزيمة العثمانيين في بودا بالمجر، التي كان قد تلقاها للتو في رسالة من أحد أصدقائه. كما أدلى بمعلومات عن معرفته بخطط إليزابيث الأولى لعقد تحالف مع العثمانيين ضد الإسبان، وعن المساعدات الإنجليزية للفرنسيين. كانت مثل هذه المقابلات، التي لا بد أنها كانت ممارسة شائعة، وسيلة مهمة للحصول على أحدث المعلومات. كان هناك العديد من أنواع المخبرين الذين كان بإمكانهم تقديم هذه المعلومات، مثل التجار والمبشرين والأسرى والجواسيس([43]). لم تكن ممارسة إعادة صياغة الأخبار الأجنبية في سياق مغربي ظاهرة فريدة من نوعها، فقد كانت أخبار النزاعات الدينية والصراعات بين الأسر الحاكمة الأوروبية تنتقل إلى العالم الجديد، حيث أعيد تدوينها في نصوص استعمارية كتبها مؤلفون من السكان الأصليين([44]). وعلى المنوال نفسه، فإن الأخبار الواردة من المغرب أو العالم الجديد التي كانت تصل إلى أوروبا، كان يُعاد توظيفها بانتظام في خطابات أوروبية محددة ([45]).
ساهم مترجمو أحمد المنصور إلى جانب وكلاء آخرين في نقل وتداول جميع المعلومات والأخبار الخارجية. وبهذه الطريقة، دعم هؤلاء المترجمون السياسة السلطانية ومشروع الخلافة للمنصور على المستوى المحلي. وكانت نتيجة إعادة صياغة أخبار أوربا انتشار خطاب شرعية خلافة أحمد المنصور الذي تم تداوله بين البلاط ومختلف جهات المغرب. كما تدخل المترجمون بشكل مباشر في عرض السلطان السعدي لتلك الأفكار خارجيا. وقد عزز هذا المزيج من التمثيلات المحلية والدولية دعائم الأفكار السلطانية في المغرب بحلول نهاية القرن السادس عشر([46]).
في المغرب، تم تحقيق الكثير من هذا التدفق من المعلومات من خلال مجموعة متخصصة من المترجمين الرسميين المرتبطين بالبلاط السلطاني، حيث يعملون لصالح كُتَّاب السلطان مثل الفشتالي، والذين حاز العديد منهم خبرة دبلوماسية وتجارية عبر البحر. كان من المتوقع أن يكون هؤلاء المترجمين على دراية جيدة بالبروتوكولات الدبلوماسية والممارسات التجارية والتاريخ والأحداث الجارية والأعراف القانونية والمعتقدات الدينية لمحاوريهم. هذا النطاق الواسع من الخبرة كان ضروريا للغاية، حتى يتمكن المترجم من المساعدة في توجيه المعلومات الأوروبية المناسبة إلى المكان حيث يُمكن الاستفادة منها على أفضل وجه في المراسلات الرسمية والخطابات التي تُصْدِرُهَا الدولة السعدية. وبالتالي، فإن استقبال وتكييف الأخبار والمعلومات في بلاط أحمد المنصور لم يعتمد فقط على الهياكل الإدارية للدولة، بل أيضا على استراتيجيات هدفت إلى جعل هذه المعلومات مفيدة وذات قيمة، تمثلت في تحليل الأخبار والمعلومات وتحديد ما هو مهم منها، وتقديم توصيات بناء على هذه المعلومات([47]).
مثل جميع الملوك المعاصرين له، لم يكن السلطان السعدي أحمد المنصور يصدر أو يتلقى المراسلات والمعلومات من خارج مملكته دون تدخل العديد من المسؤولين المتخصصين في بلاطه السلطاني. وكان أحد أهم هؤلاء المسؤولين هو المترجم الإسباني، لأن اللغة الإسبانية أصبحت لغة دبلوماسية مشتركة للدبلوماسية الملكية في غرب البحر الأبيض المتوسط بحلول نهاية القرن السادس عشر([48]). لم يكن المترجمون الإسبان مكلفين فقط بإعداد وترجمة المراسلات الدبلوماسية، بل كانوا يرافقون الوزراء عند مقابلتهم للعملاء الأجانب، ويستخدمون خبراتهم الخاصة مع الأوروبيين أو في أوروبا لجمع الأخبار الأجنبية بغرض استخدامها في الديوان السلطاني السعدي. ونظرا لأن معظم المترجمين لم يُوَقّعوا على عملهم، ولم يتم ذكر أسماء معظم المترجمين في السجلات المكتوبة، فمن المحتمل ألا نعرف أبدا هوية جميع الأفراد الذين شغلوا منصب مترجم إسباني رسمي في عهد أحمد المنصور. ومع ذلك، نجد بعض الأدلة الكافية لتكوين فكرة عن قواعد ومعايير الوصول إلى منصب مترجم والمهام المنوطة به.
خلال عهد أحمد المنصور، كانت الترجمة الإسبانية تتم عادة في المغرب لتُحمل مع الأصل العربي للمراسلات الدبلوماسية والاتفاقيات التجارية وخطابات الأمان الموجهة إلى الوكلاء أو الملوك الأوروبيين، حتى وإن لم يكن هؤلاء الأوروبيون بالضرورة من الإسبان. لم يكن هناك نقص في عدد الأوروبيين في المغرب الذين كان بإمكانهم نقل المعلومات من وإلى المغرب ومختلف أنحاء أوروبا، لكن الميزة والسمة المثيرة للاهتمام في تداول هذه المعلومات من خلال الإدارة السعدية هي أن معظمها كان يتم باللغة الإسبانية، وبالتالي كان المترجمون الإسبان في المخزن السعدي هم الذين كانوا يديرون شؤونها. وغالبا ما كان الوكلاء الأوروبيون في المغرب، سواء من إنجلترا أو فرنسا أو المقاطعات الهولندية المتحدة، يستخدمون الإسبانية في مرحلة ما لترجمة المعلومات المرسلة إلى بلدانهم الأصلية. وفي عهد عبد الملك المعتصم شقيق أحمد المنصور وسلفه، استُخدمت اللغة الإيطالية أيضا لأن عبد الملك كان على معرفة عملية بها من بين لغات أخرى. وباستخدام ترادف اللغتين الإسبانية والعربية كلغة دبلوماسية، عمل المحور الغربي للبحر الأبيض المتوسط بعد عام 1578م، كشبكة مترابطة من المصالح التجارية والسياسية المتنافسة والمتكاملة في آن واحد. وهكذا، كان المترجم الإسباني في المغرب شخصية ذات أهمية حاسمة في تداول المعلومات بين المغرب وغرب أوروبا، بدليل أنه كانت لديه القدرة على التحكم في الطريقة التي تم فيها استخدام المعلومات الخارجية، والتي أعيد توظيفها بعد ذلك من قبل المخزن السعدي في وفق طريقة معينة لتعزيز قوته ونفوذه، ودعم سياساته وأهدافه داخليا وخارجيا([49]).
لم يضمن المترجم تداول المعلومات فحسب، بل قدم أيضا مادة لبناء السلطة وتمثيلها. وبقيامه بذلك، جعل المعلومات والمواد والممارسات واضحة ومفهومة بين الأنظمة السياسية والقانونية المتنوعة والمتميزة دينيًا. وكان مفتاح النظام الإداري السعدي للمعلومات والتمثيل هو كاتب السر، وهو المسؤول عن إدارة الكم المتزايد من المراسلات الدبلوماسية المشفرة التي كانت تتدفق عبر البلاط السعدي والأوروبي والعثماني في ذلك الوقت. وقد تولّى هذه المهمة وزير أحمد المنصور ورئيس كُتابه ومؤرخه عبد العزيز الفشتالي، الذي كان يعمل بشكل وثيق مع المترجمين ذوي أصول مختلفة مثل الأندلسيين والعلوج الأوربيين، والأتراك، واليهود، والأوربيين المسيحيين، ومنهم عبد الملك العِلج وعبد الرحمن كاطانيو وأحمد بن قاسم الحجري الأندلسي الذي ألف كتابا تحت عنوان “ناصر الدين على القوم الكافرين” ضَمَّنَهُ الحالة الدينية والثقافية التي كانت عليها أوربا، وهو ما استفاد منه المخزن السعدي في تحديد نوع السياسة الواجب اتباعها نحو الدول الأوربية([50]). وبالنسبة للترجمة الفورية التي تمت خلال الاجتماعات والبعثات، سواء الرسمية أو السرية، فقد كان يختص بها في الغالب اليهود وبعض الأندلسيين والقليل من العلوج. من بين هؤلاء، نعرف فقط اسمين، اليهودي يعقوب الروطى والأندلسي عبد الله دودار الذي كان يتقن اللغتين الإسبانية والإيطالية، نتيجة الفترة التي قضاها كجندي إسباني في إيطاليا. وقد رافق أعضاء السفارة المغربية إلى إنجلترا عام 1600م كمترجم فوري([51]).
اعتمد النظام الإداري السعدي على تقاليد راسخة من البروتوكولات الدبلوماسية والديوانية المتبادلة الفهم. هذا يعني أن المترجمين والمسؤولين كانوا قادرين على فهم هذه البروتوكولات وتطبيقها بطرق تفهمها الأطراف المعنية الأخرى. هذا الفهم المتبادل كان أساسيا لتطبيق النظام الإداري بفعالية. وقد دعم هذا النظام الشبكات الشخصية للمترجمين وغيرهم من المسؤولين، وتم تنفيذه من خلال تدخلاتهم في الوثائق الرسمية. وفي عهد أحمد المنصور، تم توظيف مجموعة متخصصة من المترجمين ضمن المخزن السعدي. وقد تداخلت الشبكات المهنية لهذه المجموعة مع الشبكات الشخصية، مما حد من فرص الحصول على تعيينات سلطانية في الديوان. وبعد معركة وادي المخازن في الرابع من غشت/ اغسطس 1578م، واعتلاء أحمد المنصور عرش السعديين، بقي عدد هائل من الأسرى العسكريين والمدنيين البرتغاليين والإسبان في المغرب، وقد تم دمج الآلاف منهم بطرق مختلفة في الإدارة السعدية والجيش وحتى في البلاط السلطاني مثل الحاجب رضوان العلج والباشا جودر ذو الأصل البرتغالي([52]). ومع ذلك، نرى أن العدد الكبير من الأسرى الأوربيين لا سيما الإسبان منهم، لا يعني بالضرورة أن أي واحد من هؤلاء الأفراد سيصبح أو يمكن أن يصبح مترجما في بلاط أحمد المنصور، وكان على أولئك الذين استطاعوا أن يصبحوا مترجمين الاعتماد على العلاقات الشخصية والسمعة بقدر ما يعتمدون على مهاراتهم اللغوية وخبرتهم.
ثالثا: الأب دييغو مارين
على الرغم من أن الروابط الدبلوماسية بين إسبانيا والبرتغال والمغرب كانت قائمة منذ مدة طويلة، إلا أنه بعد معركة وادي المخازن سنة 1578م تم تأسيس شبكات تعاون جديدة عبر دواوين بلاطات هذه الدول، عبر مجموعة من الموريسكيين الذين لهم علاقات خاصة مع المغرب. وكان من بينهم الطبيب والمترجم الموريسكي الغرناطي ألونسو دي كاستيلو (Alonso del Castillo)، الذي قام بترجمة واحد وخمسون رسالة من أحمد المنصور إلى فيليب الثاني مؤرخة بين عامي 1579 و1587م، مع ترجماتها الكاملة أو المجزأة والمصحوبة بتوضيحات لبعض المصطلحات الصعبة، والتي تضمنت، من بين أمور أخرى، إنقاذ أو على الأقل انتشال جثة دون سيباستيان ملك البرتغال([53]). واشتهر موريسكي آخر بكونه مترجما للسفارات التي يُرسلها فليب الثاني إلى البلاط السعدي، وهو الأب دييغو مارين (Diego Marín) الذي أُسر في الهجوم الذي قاده سعيد بن فرج الدوغالي الموريسكي من أصل غرناطي على قرية كهوف المنصورة (Cuevas del Almanzora) سنة 1573م، واقتيد إلى مدينة تطوان مع مائتين وخمسون شخصا آخرين. حيث سُجن هناك إلى أن أطلق السلطان عبد الملك المعتصم سراحه سنة 1577 م مقابل خدماته. ولعب الأب مارين دور وسيط في إنقاذ الأسرى الإسبان في المغرب، فضلا عن عمله الدبلوماسي كوكيل لفيليب الثاني، مستفيدا من معرفته بعالم الأسر على ضفتي البحر الأبيض المتوسط، الذي كان هو نفسه ضحية له؛ وإجادته التامة للغة العربية وعادات المسلمين والمغاربة، وتدريبه الثقافي ككاهن وقدرته الشخصية على التفاوض. وقد أصبح رجل ثقة من لكل من فيليب الثاني وسلاطين المغرب، أولا من قبل عبد الملك، وبعد وفاته من قبل أخيه أحمد المنصور([54]).
كانت أولى مهام الأب مارين الدبلوماسية الرئيسة هي تدخله كمساعد ومترجم لبيدرو فينيغاس دي قرطبة (Pedro Venegas de Córdoba)، الذي عُيِّن سفيرا لفيليب الثاني لدى السلطان أحمد المنصور سنة 1579م، وكان هدفه تأمين السلام بين المغرب وإسبانيا، وهو جانب مهم في مواجهة التهديد العثماني المتزايد، والحصول قبل كل شيء على مرسى العرائش الذي كان أحد الهواجس الكبرى لفيليب الثاني، حيث كان يُنظر إلى هذا المرسى كمركز استراتيجي للعمليات العسكرية ضد القراصنة الذين كانوا يهاجمون السفن القادمة من المستعمرات الإسبانية. وقد أكدت نتائج السفارة على السلام بين البلدين، على الرغم من أن التنازل عن العرائش لم يتحقق. وفي سنة 1580م عاد الأب مارين إلى إسبانيا، وانتقل بعدها إلى البرتغال لتحديد موقع والعمل كمترجم للأميرين السعديين الناصر بن عبد الله الغالب والشيخ بن محمد المتوكل، اللذين لجأا إلى البرتغال بعد معركة وادي المخازن هاربين من السلطان الجديد أحمد المنصور. تمت عملية البحث بناء على طلب فرناندو ألفاريز دي توليدو دوق ألبا الكبير (el Gran Duque de Alba) (1582-1507م) الذي ساهم في ضم مملكة البرتغال إلى حكم الإسباني، ليتم تعيينه نائبا أولا لملك البرتغال الجديد فيليب الثاني الذي تلقب بفيليب الأول، بالإضافة إلى قائد الجيش في البرتغال([55]). وقد تكللت مهمة الأب مارين كوسيط بالنجاح، من خلال إقناعه للأميرين بالخضوع لنفوذ فيليب الثاني الذي سيستعمل الناصر فيما بعد كورقة ضغط على أحمد المنصور لمنع تحالفه مع العثمانيين ضد الإسبان، ولتحقيق حلمه الكبير بالحصول على مرسى العرائش([56]).
عقب معركة وادي المخازن واعتلاء أحمد المنصور عرش السعديين، اصبح الأب مارين جزءا أساسيا من الدبلوماسية المغربية – الإسبانية. ولم يقتصر دوره كمترجم فوري على تسهيل تلك الدبلوماسية فحسب، بل إن أحمد المنصور وفيليب الثاني كانا يتراسلان كثيرا بشأنه، وما إذا كانت مهمته التالية يجب أن تكون في المغرب أو إسبانيا([57]).
ساهمت شخصيات مثل ألونسو دي كاستيلو والأب مارين وشبكاتهم في توجيه المراسلات الدبلوماسية بين السعديين والإسبان، والتي عرفت طفرة نوعية بعد معركة وادي المخازن سنة 1578م، حيث ارتقت إلى علاقات شخصية وتجارية طويلة الأمد. وبغض النظر عن النوايا الحقيقية لأحمد المنصور من تحالفه مع الإسبان، إلا أنه كان حريصا على الحصول منهم على بعض السلع الثمينة والفاخرة، لعب خلالها المترجمون دورا مهما للغاية في هذه الصفقات. ففي سنة 1579م حمل الأب مارين إلى إسبانيا رسالة بمثابة أمان من أحمد المنصور لصالح فرانسيسكو باريدو (Francisco Barredo)، وهو تاجر موريسكي وصديق مقرب لكل من الأب مارين وألونسو دي كاستليو قام الأخير بترجمتها. وفي سنة 1583م، اشترى أحمد المنصور كمية من الجواهر والأقمشة الثمينة من فرانسيسكو باريدو، وكتب إلى الأب مارين ليقوم بدور وسيط مالي في هذه المعاملة التجارية. في هذه الأثناء، تم تقديم الرسالة إلى ألونسو دي كاستيلو الذي ترجمها بدقة إبان المفاوضات الصعبة والمعقدة بين فيليب الثاني وأحمد المنصور حول مرسى العرائش، مما أدى إلى إدراج مشتريات الأخير الشخصية في المراسلات الدبلوماسية الرسمية بين البلدين([58]).
سيطر المترجمون الإسبان بإحكام على مواقفهم المتبادلة، كونهم خداما لملك إسبانيا وسلطان المغرب. ظهرت الجدية التي تعامل بها المترجمون الرسميون مع مواقفهم في وفاة الأب مارين عام 1585م، عندما تم تسميمه في محاولة ثانية لاغتياله من قبل مترجم منافس هو اليهودي جاكوب روت. بعد أن قُتل روت مارين خلفه في مهامه ابن أخيه الذي يحمل اسم دييغو مارين أيضا، وقد كتب أحمد المنصور رسالة بخصوصه إلى فيليب الثاني يطلب منه توظيفه لخدمتهما بشكل مشترك([59]).
ومع ذلك، في عام 1588م، تسببت الأحداث المرتبطة بإرسال وتدمير الأسطول الإسباني إلى إنجلترا في تغيير جذري في سياسة السعديين وتجارب العملاء الأوروبيين في المغرب. عندما وصلت أخبار الهزيمة الإسبانية إلى مراكش، تجمع التجار الإنجليز في منزل دييغو مارين للسخرية منه، وفي الصراع الذي أعقب ذلك، قتل الشاب مارين أحدهم، مما دفع أحمد المنصور إلى سجنه. هذا الحدث يشير إلى التوترات التي كانت توجد بين الوكلاء الأوروبيين في المغرب، وكيف كانت الأحداث الدولية الكبرى تؤثر على السياسة المحلية والعلاقات الشخصية. فضلا عن الدور الذي كان يلعبه المنصور في التحكم بالوكلاء الأوروبيين والحفاظ على النظام في بلاطه. وقد دفع الإسبان تكاليف هذا السجن لمدة عشرين سنة على الأقل، بينما ظلت المفاوضات المستمرة حول حريته جزءا من المشاورات الدبلوماسية حول العرائش في عهد أحمد المنصور وخلفاء فيليب الثاني([60]).
رابعا: دييغو دي أوريا
ظهرت شخصية جديدة على مسرح الترجمة في إسبانيا تمثلت في دييغو دي أوريا (Diego de Urrea) (1559-1616م)، وهو إيطالي من منطقة كالابريا (Calabria)، كان ابن قبطان يدعى موريتو الكالابري (Moreto il Calabrese). أسره العثمانيون وهو في سن الخامسة أو السادسة، وتلقى تعليمه في تلمسان مع بعض الأمراء السعديين حيث تعلم اللغة العربية وقواعدها، فضلا عن دراسته اللغة التركية والمنطق والفلسفة، مع فهمه الجيد للقرآن الكريم. وقد اعتمد دييغو دي أوريا اسماً تركيا هو موراتو آغا (Morato Aga). سمحت هذه القدرات المعرفية لدييغو أوريا بشغل مناصب عليا في خدمة العديد من الحكام العثمانيين، فقد كان كاتب علج علي باشا وحسن آغا، كما أرسل ذات مرة إلى مراكش كسفير عثماني، حيث التقى بالتأكيد بسلفه الأب مارين([61]). وفي الثلاثين من عمره، تم أسره مرة أخرى، من قبل المسيحيين، في رحلة إلى إسطنبول حيث كان جزءا من الحاشية المرافقة لحسن باشا، حاكم ولاية الجزائر العثمانية. بمجرد أن أصبح أسيراً، تم نقله إلى باليرمو (Palermo)، حيث استقبله دييغو إنريكيز دي غوزمان (Diego Enríquez de Guzmán)، الكونت الخامس لألبا دي ليستي، ومن سنة 1585م إلى 1592م، نائب الملك في صقلية التي كانت تتبع التاج الإسباني آنذاك. تولى دي غوزمان إعادة تعليم دييغو دي أوريا اللغة اللاتينية والتعرف على العقيدة المسيحية. ليتم تعميده من جديد في أكتوبر سنة 1589م، عائدا بذلك إلى حضن الكنيسة الكاثوليكية، وحمل لقب دي أوريا الذي هو لقب عائلة زوجة دييغو إنريكيز دي غوزمان. بعدها توجه دي أوريا إلى إسبانيا وأصبح مترجما للملك فيليب الثالث، وانخراطه في الدائرة الضيقة من حاشية الملك الإسباني، لكونه يحوز معلومات قيمة عن العثمانيين وولاياتهم في شمال إفريقيا، خاصة خططهم لغزو المغرب السعدي. وكانت أهم مهمة دبلوماسية لدييغو دي أوريا تتعلق بوصول محمد الشيخ المأمون بمعية والدته الخيزران وبطانته إلى إسبانيا، طالبا العون العسكري والمالي من ملكها فيليب الثالث، في إطار الحرب الأهلية القاسية حول حكم المغرب التي يخضوها ضد إخوته أبي فارس ومولاي زيدان عقب وفاة أحمد المنصور سنة 1603م([62])، التي دفعت بجميع الأطراف للبحث عن حلفاء سياسيين وعسكريين. وبالتالي، تلقى مولاي زيدان، الذي كان يسيطر على مراكش، مساعدة من العثمانيين، بينما كان محمد الشيخ المأمون، الذي حكم فاس وشمال المغرب، يسعى للتحالف مع الإسبان مقابل التنازل عن مدينة العرائش. في الواقع، كان دييغو دي أوريا الشخص الأمثل للتواصل مع محمد الشيخ المأمون كدبلوماسي بشأن كل ما يتعلق بمفاوضات التنازل عن العرائش، لا سيما في ضوء حقيقة أن دييغو أوريا ومحمد الشيخ المأمون كانا ترعرعا ودرسا معا في تلمسان. وبالتالي، اعتمد أوريا على هذه الصداقة القديمة، بالإضافة إلى معرفته بالسياسة العثمانية وخطط الأتراك لغزو المغرب، لإقناع محمد الشيخ المأمون بضرورة تخليه عن العرائش لصالح الدعم الإسباني الذي سيتلقاه. وقد تكلف دييغو أوريا بترجمة النقاط الستة عشرة من معاهدة التنازل عن مدينة العرائش لمحمد الشيخ المأمون، ورافقه في عودته للمغرب، إلى حجر بادس وطنجة([63]).
خامسا: عبد الرحمن الكتان
بالعودة إلى ما قبل سنة 1588م، نجد أن الأب مارين قد سعى إلى السيطرة على أغلب عمليات الترجمة التي كان يحتاجها المخزن السعدي في إطار علاقاته الخارجية مع محيطه الدولي خاصة الأوربي منه، مستفيدا في ذلك من العلاقات الشخصية القوية التي ربطته مع أغلب أفراده، وعلى رأسهم السلطان أحمد المنصور. وهو ما انعكس على بعض المترجمين المحتملين الذين غالبا ما رُفضت خدماتهم، في ظل غياب علاقات شخصية تضمن لهم النجاح في هذا المجال. على الرغم من أن بعض المترجمين المحتملين كانوا قادرين على تكوين تلك العلاقات مع مرور الوقت. هذا كان الحال مع عبد الرحمن الكتان (Abd el-Rahman el-Catan) الذي لم يُعرف الكثير عن سيرته الذاتية. ووفقا للأسير البرتغالي أنطونيو دي صالدانيا (António de Saldanha)، تم إرسال الكتان من قبل علج علي باشا حاكم الجزائر العثمانية، كسفير إلى مراكش قبل عام 1581م، لأسباب لم يكشف عنها صالدانيا. لم يتم استقبال الكتان في مراكش كسفير عثماني، ولكن تم وضعه في منزل مجاور لمنزل قاضي الجماعة حيث كان تحت المراقبة المستمرة. على الرغم من شكوك العديد من أفراد المخزن السعدي، الذين اعتقدوا أنه من المحتمل أن يكون الكتان جاسوسا عثمانيا، إلا أنه تمكن خلال الأشهر الثمانية من مقامه في مراكش، من أن يدمج نفسه كمترجم، على الرغم من أن وصوله إلى المراسلات السرية والحساسة كان مقيدا. ربما كان يقوم جزئيا بمهام الأب مارين، الذي تم استدعاؤه إلى إسبانيا خلال زيارة الكتان. عندما عاد الأب مارين إلى مراكش، سمح أحمد المنصور الكتان بالانصراف إلى الجزائر محملا بهدية مشرفة إلى العلج علي باشا([64]). ومع ذلك، بحلول عام 1588م، عاد الكتان إلى مراكش وأدخل نفسه مرة أخرى في خدمة المخزن السعدي. في البداية لم تكم مهامه صعبة للغاية، بدليل أن أول ترجمة إسبانية موجودة يمكننا أن ننسبها إلى عبد الرحمان الكتان، هي مرسوم الحماية والمرور الآمن الذي منحه أحمد المنصور للتجار الإنجليز بسائر دولته في مارس من سنة 1588م، بعد خمسة أشهر من هزيمة الأسطول الإسباني ووفاة الأب مارين([65]).
عمل عبد الرحمن الكتان تحت إمرة عبد العزيز الفشتالي، ومعه مترجم آخر كان مسؤولا عن المراسلات الدبلوماسية باللغتين اللاتينية والإسبانية، ربما كان رئيس المترجمين نفسه الذي عمل مع الفشتالي لاستجواب عدد من الوكلاء الأوروبيين، ومنهم التاجر الإنجليزي جاسبر تومسون (Jasper Tomson) سالف الذكر، حول الأحداث التي عرفتها الدولة العثمانية عام 1599م([66]). هذا الانخراط في خدمة المخزن السعدي، سمح للكتان بترجمة المراسلات السلطانية مع الملوك الإسبان والإنجليز، على الرغم من أن الترجمة الأولى الباقية للمراسلات السلطانية التي ترجمها الكتان تعود فقط إلى عام 1598م، في رسالة من أحمد المنصور إلى فيليب الثاني. فضلا عن ذلك، أظهر الكتان معرفة ببعض الصيغ اللاتينية باستخدام عبارة (verbo ad verbum)([67]).
سادسا: أفوقاي الأندلسي
في عام 1599م، وصل مترجم جديد من إسبانيا إلى بلاط أحمد المنصور. كان هذا الشخص هو شهاب الدين أحمد بن قاسم الحجري المعروف بـ “أفوقاي الأندلسي” وباسمه الموريسكي “بيخيرانو” (Bejerano) ([68]). عمل أفوقاي كمترجم خلال حادثة اللوحات الرصاصية في غرناطة، قبل أن يهرب من إسبانيا إلى المغرب حتى يتمكن من العيش كمسلم بشكل طبيعي. حيث أصبح الكاتب والمترجم الرئيسي في بلاط السلطان مولاي زيدان بن أحمد المنصور. في سيرته الذاتية، لم يزودنا أفوقاي سوى بالقليل من المعلومات عن سنواته الأولى في المغرب، والتي عمل خلالها في بلاط أحمد المنصور، ولم يتم حفظ أي من ترجماته المبكرة. وبإمكاننا افتراض أنه أُعطي مهاماً مشابهة لتلك التي كُلّفَ بها عبد الرحمان الكتان، بناء على ترجمته اللاحقة للمراسلات السلطانية مع الإسبان والأقاليم المتحدة (هولندا) خلال حكم مولاي زيدان([69]).
إن قدرة أفوقاي على أداء المهام المطلوبة منه كمترجم لم تعتمد فقط على إتقانه للغتين الإسبانية والعربية، ولكن على قدرته التواصلية عبر الأنظمة القانونية والقواعد الدينية أيضاً. وقد شكلت هذه المهارات والخبرة ميزة خاصة استثمرها بمجرد وصوله إلى المغرب في عام 1599م، على الرغم من أننا لا نملك سوى أدلة لاحقة على كيفية استخدامه لها. على سبيل المثال، في عام 1614م، إبان الصراع المستمر بين ورثة أحمد المنصور للسيطرة على العرش السعدي، دُعي أفوقاي للتدخل في نقطة خلاف قانونية أمام السلطات الإسبانية. وقد تم التدخل في إطار المراسلات الدبلوماسية بين المولى زيدان ودوق مدينة شذونة. حاول عبد الله ابن محمد الشيخ المأمون (شقيق مولاي زيدان ومنافسه السياسي)، وهو حليف الإسبان، المطالبة بجميع ممتلكات والده بعد وفاة الأخير. ووفقا للشريعة الإسلامية، كان ينبغي تقسيم الميراث بين زوجات محمد الشيخ المأمون وجميع أولاده([70]). ومع ذلك، حاول عبد الله تجنب تقسيم هذا الإرث وفقا للشريعة الإسلامية عن طريق اللجوء إلى الإسبان. كانت أغلب ممتلكات محمد الشيخ المأمون متواجدة بشكل رئيسي في مدينة طنجة، التي تسيطر عليها إسبانيا. عندما وافق فيليب الثالث على طلب عبد الله، أمر مولاي زيدان الفشتالي بتأليف رسالة، تم ترجمتها بعد ذلك بواسطة أفوقاي، حيث عرض علماء مراكش رأيهم في القضية. وفقا للرسالة التي ألفها الفشتالي، كان فيليب الثالث ملزماً باحترام المنظومة القانونية الإسلامية التي يُطالب مولاي زيدان بالعودة إليها في قضية تقسيم الإرث([71]).
من خلال ترجمته، حاول أفوقاي تذكير فيليب الثالث ليس فقط بتطبيق وسريان الشريعة الإسلامية بين المسلمين حتى في ظل المسيحيين، بل أيضا بما اقتضاه وضعه كحاكم الزمه الاعتراف بحقوق ورغبات سلطان المغرب. لم يكن هذا التدخل في نزاع الميراث هو الأول الذي قام به أفوقاي أمام سلطة قانونية مسيحية. حيث أنه في عام 1611م، سافر إلى فرنسا لطلب تعويضات من خلال محكمة فرنسية، بسبب السرقة التي تعرض لها العديد من الموريسكيين الذين هاجروا على متن سفن فرنسية([72]). عندما وصل أفوقاي إلى جنوب فرنسا بالقرب من الحدود الإسبانية، بدأ العمل من خلال المحاكم المحلية والملكية للحصول على تعويضات عن المسروقات. وتلقى في نهاية المطاف أمراً ملكيا بأن أي ممتلكات مسروقة من الأندلسيين يمكن العثور عليها يجب أن تعاد إليه، ولكن الأمر استغرق منه سنة ونصف من المفاوضات قبل أن يستعيد بضائع الموريسكيين المنهوبة([73]).
من بين العديد من التفصيلات المثيرة للاهتمام في رحلة أفوقاي إلى فرنسا، رواياته عن التفاعلات مع ممثلي الديانة المسيحية، وتصويره لهذه التفاعلات لجمهوره المسلم بعد عقدين من الزمن. من بين النقاط الجدلية المختلفة التي يرويها أفوقاي، بما في ذلك المناقشات مع الكاثوليك والبروتستانت في فرنسا وهولندا، انتقد أفوقاي أيضا القانون المسيحي. وعند لقائه لأول مرة بالقاضي في مدينة شَان جِوان ذُلُزْ([74]) (Saint-Jean-de-Luz)، الذي كان مسؤولاً عن الفصل في قضيته، دخل الحجري على الفور في جدال معه (ربما كان له تأثير على النتيجة غير الناجحة التي انتهت إليها دعواه فيما بعد). ليحثه القاضي الفرنسي بعدها على اعتناق المسيحية. وأجاب أفوقاي على ذلك بأن الشريعة المسيحية، إلى جانب الدين المسيحي، قد فسدت بشكل ميؤوس منه بسبب أخطاء النقل والترجمة، التي ضاعفت من تدخلات الباباوات وغيرهم([75]).
والملاحظ أنه مهما كان رأي أفوقاي في القانون بالبلدان المسيحية، سواء كان قانونا كنسيا أو قانونا مدنيا، إلا أنه كانت لديه الخبرة الكافية لصياغة قضاياه للجمهور المسيحي. وقد كانت هذه الخبرة والفهم، وفقا لأفوقاي، جزءا من وظيفته كمترجم. فخلال رحلته في عام 1611م، أبلغ مضيفيه الفرنسيين بأنه “ترجمان سلطان مراكش؛ ومن كان في تلك الدرجة يحتاج أن يقرأ في العلوم وكتب المسلمين وكتب النصارى، ليعرف ما يقول وما يترجم بحضرة السلطان. وأما إذا كنت بحضرة علماء ديننا لا أقدر أن أتكلم في العلوم بحضرتهم” ([76]). وبالتالي، فإن منصب المترجم الإسباني في المخزن السعدي لم يكن إلى حد بعيد منصبا تقنيا فحسب، بل كان منصبا مهما وحاسما في نظام إدارة المعلومات بالبلاط السعدي.
من خلال ما تقدم نخلص الى إن دييغو مارين وعبد الرحمن الكتان وأحمد بن قاسم الحجري (أفوقاي)، هم الأفراد القلائل الذين استطعنا تتبع حياتهم العملية داخل المخزن السعدي. وجميعهم كانوا مؤهلين بشكل استثنائي بفضل تجاربهم خارج المغرب، وبالتالي إجادتهم ليس فقط للغات متعددة بل لأنظمة دينية وقانونية مختلفة. ورغم أنه ليست لدينا معلومات كاملة عن كل من هذه الشخصيات، إلا أن أنشطتهم المهنية وسيرهم الذاتية يمكن أن تعطينا فكرة عن نوع العمل الذي قام به المترجمون الإسبان لأحمد المنصور. فقد عملوا جميعا تحت إشراف ومع وزير القلم عبد العزيز الفشتالي، لجمع وتفسير المعلومات والأخبار الخارجية من مصادر عديدة، والتي بمجرد استلامها من قبل ديوان الإنشاء يتم تحويلها إلى معلومات وأخبار رسمية حيث يتم توجيهها إلى أنواع أخرى، بما في ذلك المراسلات السلطانية المحلية والتأريخ الرسمي. ولهذا، فإن العمل الذي كان يضطلع به الفشتالي مهم جدا، حيث أنه عبر أدواره الرسمية العديدة (وزير القلم، وصاحب الترجمة، وكاتب السر) كان قادرا على تحويل المعلومات التي جمعها المترجمون، وإعادة تشكيلها إلى أدوات لأنواع مختلفة جدا من الخطاب السلطاني.
استخدم الفشتالي في إطار عمله كمؤرخ لبلاط أحمد المنصور، مصادر ومعلومات أوروبية لإعادة تمثيل تلك المعلومات في خطابات المخزن السعدي على المستوى المحلي. وبعّده وزير القلم أشرف الفشتالي على تنسيق العلاقات مع الوكلاء والقوى الأوروبية. كما أن أحمد المنصور استطاع تعزيز حكمه وضمان استقراره من خلال تطوير سياسات متميزة ساعدت في تقديم صورة موحدة للحكم ولكن بأساليب تخاطب كل من المغاربة والأوربيين والعثمانيين كل بما يتناسب مع توقعاته وانتصاراته. وعلى الرغم من أن الطرق والأساليب التي استخدمها أحمد المنصور لتمثيل نفسه وسياسته داخليا وخارجيا لم تتداخل أبدا، فإن مصادر المعلومات والرجال الذين جمعوا وأفادوا بهذه المعلومات، غالبا ما كانوا يتداخلون، وبشكل خاص في شخصية مترجم السلطان. وهكذا أتيحت للمترجم فرصة كبيرة لتشكيل صورة متميزة لأحمد المنصور في أذهان الأوربيين، وقد استغل هذه الفرصة في سياق تمثيلات الحكام الآخرين، والتي كانت تتأثر بكيفية إعادة صياغة الأخبار الأوروبية في الخطابات المغربية من خلال التحكم في المعلومات الواردة وطريقة تقديمها.
حافظ أحمد المنصور على مراسلات طويلة الأمد مع كل من فيليب الثاني وإليزابيث الأولى من خلال مسؤولي ديوانه مثل الفشتالي وفريقه من المترجمين الإسبان. يرجع تاريخ بداية المراسلات بين أحمد المنصور وفيليب الثاني إلى عام 1578م، مع اعتلائه عرش السعديين عقب وفاة أخيه عبد الملك المعتصم، وابن أخيهما ومنافسهما محمد المتوكل بن الغالب، وملك البرتغال دون سباستيان الأول (1578-1554م)، في معركة الملوك الثلاثة بوادي المخازن في الرابع من غشت عام 1578م. كما كان أحمد المنصور يتراسل مع إليزابيث الأولى، كما فعل إخوته وأسلافه. ازدادت المراسلات الإنجليزية – السعدية في منتصف عام 1580م عندما بدأت إنجلترا في إرسال وكلاء دائمين إلى المغرب للإشراف على الأنشطة التجارية. وقد كانت المواقف التي عبر عنها السلطان السعدي في مراسلاته مع فيليب الثاني وإليزابيث الأولى، مختلفة تماما عما عبر عنه لرعاياه. ومع ذلك، فإن الأمر الأكثر أهمية لفهم هذا الجزء من طُرُقِ أحمد المنصور في صياغة وتشكيل صورته وسياسته، هو كيفية تصويره لسيادته وشرعية أسرته الحاكمة للأوربيين، وكيف تمت ترجمة هذه التصورات، عادة إلى اللغة الإسبانية، من قبل مترجميه.
على الرغم من إنتاج مترجمي البلاط السعدي باللغة الإسبانية كان غزيرا، وأنهم كانوا موجودين قبل عهد أحمد المنصور، إلا أن الترجمات الموجودة في المغرب قليلة نسبيا. وتلك التي بقيت موجودة في الأرشيفات الأوروبية، نادرا ما تُحفظ مع نصها العربي الأصلي، وأحيانا في نسخة متأخرة فقط. وتكشف عينة من هذه الرسائل عن أن أساليب أحمد المنصور في تقديم صورته وسياسته للأوربيين، كانت تدار بعناية فائقة من قبل مترجميه. وكان أحد أهم أجزاء استراتيجية التي اتبعها أحمد المنصور في تصويره لسيادته وشرعية حكمه داخليا وخارجيا، هو تلقبه بلقب الخليفة أو الإمام. حيث حافظ على استراتيجيات متباينة أمام المغاربة والعثمانيين، من خلال تأكيده على دوره كخليفة للمسلمين وشرعية نسبه الشريف بدرجات متفاوتة، وفق سياسة مرنة ومتكيفة مع السياقات الثقافية والسياسية المختلفة لكل طرف. حيث أنه مواجهة السلطان العثماني مراد الثالث (1595-1546م) وغيره من المسؤولين العثمانيين في شمال أفريقيا، لم يقدم السلطان السعدي سوى ادعاءات غير مباشرة حول صفاته كخليفة، متجنبا أي إشارة إلى لقب الخليفة الذي ادعاه الباب العالي([77]). في حين كان يدعي بشكل أقوى سلطته كخليفة، من خلال الرسائل التي كان يبعثها إلى مناطق مختلفة من مملكته، والتي غالبا ما كانت تحمل في طياتها أخبار انتصاراته، فضلا عن الأخبار المتعلقة بالهزائم الأوربية، والتي استخدمها للتعبير عن شرعيته والتلميح إلى أخلاقياته السياسية أمام رعاياه المغاربة. بخصوص رسائله إلى الأوروبيين، وعلى الرغم من اختلاف غرض ومضمون المراسلات اختلافا كبيرا، إلا أنها كانت لا تزال مجالا أراد أن يعكس فيه شرعية ومصير خلافته. وقد استخدم لكل من فيليب الثاني وإليزابيث الأولى لقبي الإمام والخليفة، على غرار اللغة التي استخدمها مؤرخوه للتأكيد على سلطته الشرعية على جميع المسلمين([78]). في المقابل، لم يستخدم كل من عبد الله الغالب وعبد الملك المعتصم مثل هذه الألقاب، مفضلين لقب أمير المؤمنين أو سلطان المسلمين أو الشريف الحسنى، وهو اللقب الأخير الذي استخدمه أحمد المنصور كما استخدمه جميع السلاطين السعديون([79]).
إن استخدام هذه الألقاب السلطانية ذات الطبيعة الإسلامية كان جزءا من تكثيف المراسم والرموز والطقوس السيادية، التي ارتقت إلى مستويات جديدة من الأهمية في عهد أحمد المنصور([80]). وعلى الرغم من أن المؤرخين قد استكشفوا الأسباب التي دفعت أحمد المنصور إلى استخدام هذه الألقاب عند مراسلته للملوك الأوروبيين، إلا أنه لم يُذكر سوى القليل عن الاستراتيجيات التي تضمن استقبال تمثيلاته السلطانية على النحو المنشود. وقد كانت مهمة المترجم هي جعل هذه الألقاب الخليفية مفهومة وذات مغزى بالنسبة للأوروبيين. نأخذ على سبيل المثال عبد الرحمن الكتان الذي فُقدت العديد من ترجماته، ولم تنج منها إلا أربع ترجمات على الأقل، على الرغم من وجود ترجمتين فقط في نسختها الأصلية وليس في نسخة لاحقة. وتشمل هذه الترجمات ترجمتين إنجليزيتين معاصرتين لترجمات الكتان الإسبانية لرسائل كتبها أحمد المنصور بين سنتي 1588 و1602م، وترجمتين إسبانيتين بين سنتي 1598 و1601م. بالنسبة لهذه الأمثلة الأربعة، لم يتم الاحتفاظ إلا بأصل عربي واحد فقط، وهو رسالة أحمد المنصور إلى إليزابيث الثانية عام 1602م. وكما أسلفنا الذكر، لا بد أن العديد من ترجمات عبد الرحمن الكتان الأخرى قد فُقدت، أو لم يُعثر عليها بعد، حيث كان لا يزال يعمل كمترجم في البلاط مولاي زيدان بمراكش عام 1611م، عندما ظهر بهذا اللقب في دفاتر حسابات المبعوث الهولندي بيتر ميرتنزون كوي (Pieter Maertenszoon Coy)، على الرغم من أنه كان يتقاضى أجره من الهولنديين مقابل خدماته كمخبر وليس كمترجم([81]).
يعّد عبد الرحمن الكتان أبرز مترجمي المخزن السعدي، حيث إنه لم يكتف بالتوقيع على ترجماته بل كان يدرج نصا إضافيا قبل الترجمة، وهو نوع من مقدمات المترجم التي هدف من خلالها إلى تحديد هوية الرسالة ومصدرها السلطاني، موجهة من أحمد المنصور إلى فيليب الثاني أو إليزابيث الأولى كنص مترجم. وحدثت عملية إعادة التموضع هذه بينما كان الكتان يشرح بالتفصيل وضع الحاكمين المعنيين، من حيث ممتلكاتهما الإقليمية وألقابهما الملكية. وتُعد الرسالة التي بعث بها أحمد المنصور إلى إليزابيث الأولى عام 1602م مثالا مناسبا بشكل خاص، حيث تم عبرها تحديد بلاط المنصور كمصدر لها، وفي الآن ذاته نلاحظ أنه لم يُطلق على أحمد المنصور ولا على إليزابيث الأولى تلك الألقاب الإقليمية المحددة في الأصل العربي، بل تم الاكتفاء فقط بالنسبة للمنصور بلقب “المقام العلي المولوي الإمامي السلطاني الأحمدي المنصوري الحسني”، في حين تم الإشارة إلى إليزابيث الأولى بلقب “السلطانة الجليلة الأصيلة المثيلة الأثيلة الأثيرة الخطيرة الشهيرة سلطانة إيزبيل” ([82]).
في الأصل العربي للرسالة، كان موقع كل حاكم في التسلسل الهرمي المادي للسلطة، أحمد المنصور من بلاطه العالي، وإليزابيث الأولى في مملكتها المسيحية. ومع ذلك، فقد رأى عبد الرحمن الكتان في ترجمته أنه من الملائم تضمين مطالب إقليمية أكثر تحديدا. هذه الادعاءات السيادية، التي تظهر فقط باللغة الإسبانية وهي موجودة أيضا في الترجمة الإنجليزية، وليس باللغة العربية في هذه الحالة، سمحت له بإعادة تأكيد المطالب السيادية للمنصور في السودان الغربي، وإظهار الاحترام والتقدير للمزاعم الإقليمية لإليزابيث الأولى في فرنسا. وكمثال سابق ولكن مشابه، ترجم عبد الرحمن الكتان في عام 1598م رسالة من أحمد المنصور إلى فيليب الثاني، يشكره فيها على إعارة أحد رسامي بلاط الملك الإسباني ويدعى بلاس دي برادو (Blas de Prado) (1599-1545م)، الذي كان المنصور قد استعان به في عام 1592م لرسم لوحة صورة له، والتي عبر عن رضاه عنها لكن للأسف لم تصلنا. وقد بقي الرسام الإسباني في البلاط السعدي حتى عام 1598م، عندما عاد إلى مدريد بالرسالة سالفة الذكر. يجب ألا ننسى أن الإسلام يحظر تمثيل الكائنات الحية، وهو ما يُلاحظ بالفعل في كثير من المجتمعات الإسلامية. ومع ذلك، في ثقافات إسلامية أخرى مثل التركية والفارسية والهندية، لعبت الرسوم الشخصية دورا هامًا في بناء صورة السلطان. ففي القرن الخامس عشر، طلب السلطان العثماني محمد الثاني، الذي كان له علاقات وثيقة مع جمهورية البندقية، من الفنان جيوفاني بيليني (Giovanni Bellini) أن يأتي إلى اسطنبول لرسم صورته التي توجد الآن في المعرض الوطني في لندن؛ وبعده جميع السلاطين العثمانيين تقريبا كانت لهم رسوم شخصية. وعندما طلب أحمد المنصور رسم صورة شخصية له، من المحتمل أنه كان يحاكي الممارسة العثمانية ([83]). كما أن اهتمامه بالرسام بلاس دي برادو كان جزءاّ من اهتمامه ومحاكاته لتمثيلات فيليب الثاني للسلطة، بما في ذلك مشروع بناء قصر الإسكوريال الذي كان السلطان السعدي قد صمم قصر البديع على غراره ([84]).
بحلول عام 1598م، وفي اثناء تزايد التوترات بين البلاطين السعدي والإسباني عقب الثورة التي قام بها الناصر في بلاد الريف وتدهور العلاقات الدبلوماسية حول مدينة العرائش، أكد عبد الرحمن الكتان في رسالة موجهة من أحمد المنصور إلى فيليب الثاني على المقام السلطاني العالي للمنصور، واصفا إياه بـ “إمبراطور المغرب ملك فاس وإثيوبيا”، عاكسا بذلك مطالبه السيادية في السودان الغربي. في المقابل وصف الكتان فيليب الثاني بملك إسبانيا فقط لأنه لم يرث اللقب الإمبراطوري من أبيه شارلكان أو كارل الخامس من أسرة هابسبورغ؛ إمبراطور الإمبراطورية الرومانية المقدسة ([85]).
سعى عبد الرحمن الكتان إلى ترجمة الرسائل السلطانية بطريقة تتوافق مع الخطاب الدبلوماسي الأوروبي، وفي الوقت نفسه، أكد على شرعية أحمد المنصور من خلال الترجمة التي اختارها. حيث كان يعطي لكل حاكم مكانته حسب معايير محددة، أبرزها مكانته السيادية وحيازاته الإقليمية وألقاب نسبه وسلطته الدينية، وهو ما يُعزز من شرعية الحاكم ويُبرز دوره كقائد روحي وسياسي. هذه الممارسات تساعد في تحديد مكانة المراسلين في هرمية دبلوماسية، حيث أصبح التفاوض والتواصل مشروطا بالمكانة التي تُمنح لكل طرف. وبالتالي، نلاحظ كيف استخدم الكتان اللغة والترجمة كأدوات للسلطة والتأثير في تشكيل السياسة والدبلوماسية. فمن خلال هذه الممارسات، كان يُعزز من المطالبات السيادية لأحمد المنصور بطريقة تُحافظ على سلطته وشرعيته، مع تقديم عدد من المصطلحات مثل الإمامة بشكل مفهوم ومقبول لدى الجمهور الأوروبي([86]) .
لعبت المعلومات والمخبرون دورا مفصليا في خضم التنافس بين القوى السيادية في البحر الأبيض المتوسط. وعلى الرغم من أن هذه المعلومات تتسم بقدر كبير من الدينامية، إلا أن هذه القوى كانت قادرة على التحكم في الكثير من المعلومات المفيدة لها وتكييفها وفق مصالحها الخاصة. وبطبيعة الحال، دمج أحمد المنصور ومترجموه إلى جانب مستشاريه مثل الفشتالي، بسلاسة ومهارة كمية هائلة من المعلومات التي كانوا يتحصلون عليها حول الشؤون الأوروبية في سياساته التمثيلية المتنوعة والاستراتيجية. هذا الدمج جاء في صيغة ملائمة لنوع الخطابات الموجهة للمغاربة والعثمانيين والأوربيين، والمؤكدة على شرعيته السياسية والدينية. واستخدام المترجمين الإسبان من قبل أحمد المنصور يعد أمرا جديرا بالملاحظة بشكل خاص. حيث يشير ذلك إلى اختيار متعمد للتفاعل بعمق مع الشؤون السياسية والدينية الأوروبية، وذلك على الأرجح لفهم تعقيدات ديناميكيات القوى الأوروبية والصراعات الدينية([87]) .
كان نجاح هذه السياسات مرهونا بقدرة المخزن السعدي على إيجاد المعلومات وتكييفها وإعادة وضعها في سياقها، وقد لعب المترجمون الإسبان العاملون لدى المنصور دورا أساسيا في هذه العملية، حيث عملوا كوسطاء لنقل الفروق الثقافية والمواقف السياسية بمختلف تفاعلاتها، لضمان أن الترجمات والتواصل يعكسان بشكل دقيق وفعّال الرسائل التي يرغب أحمد المنصور في نقلها، مع القدرة على التعامل مع التعقيدات السياسية والدينية والاجتماعية التي قد تواجه عملهم. كما أنهم كانوا جزءا لا يتجزأ من التسلسلات الهرمية والشبكات الاجتماعية والمهنية المعقدة، والذين جلبوا مجموعة من الخبرات والمهارات والاتصالات إلى مهامهم. لقد كان في نهاية المطاف مشروعا تعاونيا إلى حد كبير، حيث تم تكييف نفس أنواع المعلومات، من قبل نفس المسؤولين الذين يؤدون مهام مختلفة، في خطابات مختلفة موجهة للاستهلاك المحلي والخارجي. لم يكن النظام الفعال لجمع المعلومات جديدا في عهد أحمد المنصور، على الرغم من أن كتابه استخدموا تلك المعلومات بطرق جديدة لجماهير مختلفة. كما أن النظام الذي أسسه لم ينتهي مع وفاته سنة 1603م، على الرغم من أنه تعرض لاضطرابات شديدة خلال الحرب الأهلية بين أبنائه. ومع ذلك، استمر لقبه السلطاني والخليفي في أبنائه. حيث قام ابنه أبو فارس عبد الله الواثق بالله (1608-1603م) الذي بويع في مراكش سلطانا على المغرب، بتقليد صيغ ديوان والده وأسلوبه، معتبرا نفسه إماما وخليفة ([88]). غير أن مولاي زيدان المنتصر النهائي في الصراع الداخلي حول السلطة كان أكثر تحفظا في هذا الجانب، مكتفيا بالإشارة إلى نفسه بأنه ابن الإمام أحمد المنصور([89]).
إن نظام المعلومات الخاص بأحمد المنصور، مع ما يتميز به من قدرة على تكييف العديد من المعلومات في مجموعة من الخطابات، قد سمح له بتأكيد مطالبه السيادية وتعزيز شرعيته داخليا وخارجيا. وفي المقابل، شهد مطلع العصر الحديث تحولات كبرى في السياسة الأوروبية، حيث برزت إسبانيا كقوة إمبراطورية عالمية، غير أن صعودها لم يكن دائما، إنما لحقه تراجع فتح المجال أمام قوى أوروبية أخرى للتنافس على الهيمنة. هذا التنافس لم يقتصر على القوى السياسية فحسب، بل شمل أيضا الطوائف الدينية، مما يعكس التعقيدات الدينية والسياسية لتلك الفترة. وقد كان أحمد المنصور شديد الاهتمام بهذا التنافس، خاصة بعد أن سيطرت إسبانيا على البرتغال سنة 1580م في إطار الاتحاد الإيبيري، وبالتالي جميع الممتلكات البرتغالية على الساحل الأطلسي المغربي([90]). وبالمثل، عرف العالم الإسلامي منافسة سيادية تم التعبير عنها من خلال مطالبة السلاطين العثمانيين بلقب الخليفة، في سياق توسع الدول الإسلامية مثل الصفويين في إيران والمغول في الهند، وكذلك المغرب على الرغم من أنه نادرا ما يُدرج في الروايات التقليدية، إلا أنه حاز دورا فعالا في سياق المنافسة على شرعية الخلافة إبان هذه الحقبة، مما يعكس التعقيدات والتحولات في بنية القوى داخل العالم الإسلامي. إن قدرة المخزن السعدي على جمع المعلومات من مصادر متنوعة ودمجها بطرق مختلفة في خطابات سلطانية متميزة، سمح لأحمد المنصور بتأكيد شرعية حكمه وربطه بالخلافة الإسلامية أمام رعاياه المغاربة، فضلا عن تقديمه لهم صورة الحاكم القادر على توحيد العالم الإسلامي وإعادة مجده السابق.
الخاتمة
نافلة القول، اهتم السلطان السعدي أحمد المنصور الذهبي كثيرا بالشؤون الأوروبية، حيث كان يدرس بعناية أحداثها ويحاول استيعاب تأثيرات التنافس بين الأسر الحاكمة في أوروبا، وانعكاس ذلك على المغرب. وفي هذا الصدد، استند أحمد المنصور على مترجمين إسبان لفهم التعقيدات الدينية والسياسية للقوى الأوروبية، ولتوجيه خطابات متنوعة ومتعددة الأغراض في تواصله مع المغاربة والعثمانيين والأوروبيين. كانت هذه الخطابات تعكس شرعيته السياسية والدينية، وكانت تحمل رسائل موجهة للرعايا والحكام الأوروبيين. وقد استخدم أحمد المنصور ومترجموه مجموعة من المصطلحات والألقاب لتعزيز سلطته وتأكيد شرعيته، مثل لقب “الإمام” و”الخليفة” و”أمير المؤمنين” و”الشريف الحسني”، كجزء من استراتيجيته الهادفة إلى تعزيز شرعيته السياسية داخليا وخارجيا، مستفيدا من تراجع استخدام هذا اللقب في القرن السادس عشر، حيث لم ينجح المماليك والعثمانيون في استثماره بشكل فعال، كدليل على التفاهمات التاريخية المتعلقة بهذا اللقب. علاوة على ذلك، كان استقبال وتكييف المعلومات في البلاط السعدي مرتبطا بنظم إدارية دقيقة واستراتيجيات تهدف إلى جعل هذه المعلومات مفيدة وذات قيمة. كان من الأهمية بالنسبة لأحمد المنصور ومترجميه توجيه المعلومات الأوروبية المناسبة إلى المكان الذي يمكن الاستفادة منها بشكل أمثل في الرسائل الرسمية والخطابات التي تصدرها الدولة السعدية. حيث كان يتم تحليل الأخبار والمعلومات بعناية لتحديد الجوانب الهامة، وتقديم توصيات بناء على هذه المعلومات. كانت هذه الاستراتيجيات تهدف إلى تعزيز حكم أحمد المنصور وضمان استقراره من خلال تطوير سياسات متميزة تساعد في تقديم صورة موحدة للسلطان السعدي تتناسب مع توقعات وانتظارات المغاربة والأوروبيين والعثمانيين.
- Margins:
ـ الدولة السعدية: تعرف أيضا بالسلطنة الشريفة، وقد تلقب حكامها بالسعديين كما عرفوا باسم الزيدانيين. كانوا سلالة عربية حكمت المغرب من عام 1549 حتى 1659م. أقاموا في البداية إمارة تشمل سوس وتافيلالت ووادي درعة، وأضافوا مراكش إلى نطاق سلطتهم في عام 1524م، متخذين منها عاصمة لدولتهم. بعد إطاحتهم بالوطاسيين، قاموا بتوسيع نفوذهم حتى تومبوكتو وغاو ببلاد السودان الغربي في أواخر القرن السادس عشر. ومع ذلك، أضعفت الصراعات الأسرية عقب وفاة أحمد المنصور سنة 1603م والثورات سلطتهم في أوائل القرن السابع عشر، وفقدوا في النهاية كل السيطرة السياسية على المغرب في عام 1659. ينظر: شوقي عطا الله الجمل، المغرب العربي الكبير في العصر الحديث (ليبيا – تونس – الجزائر – المغرب)، المكتبة الأنجلو مصرية، القاهرة، 1977، ص 189. عبد الكريم كريم، المغرب في عهد الدولة السعدية، ص. ص. 33-65-145-329. ↑
- ـ أحمد المنصور الذهبي: هو أبو العباس أحمد بن محمد الشيخ بن محمد القائم بأمر الله، وأمه الحرة المسعودة بنت الشيخ الأجل أبي العباس أحمد بن عبد الله الوزكيتي الوارززاتي. ولد بفاس سنة 956هـ / 1549م، ثم هرب سنة 966 هـ/1558م إلى الجزائر رفقة أخيه عبد الملك المعتصم عقب تولي أخيهما عبد الله الغالب السلطة. ليعود سنة 983 هـ / 1576م إلى المغرب رفقة المعتصم حيث سيتمكنان من هزيمة المتوكل قرب فاس. وفي سنة 986 هـ / 1578م سيشارك المنصور رفقة المعتصم في معركة وادي المخازن ضد المتوكل وحليفه ملك البرتغال دون سيباستيان، والتي انتهت بمقتل الملوك الثلاثة واعتلاء المنصور عرش أسلافه السعديين. لقب بالمنصور لتحقيقه النصر في معركة وادي المخازن، والذهبي لكثرة الذهب الذي إمتلئت به خزائنه بعد المعركة مقابل افتداء الأسرى. وقد اهتم المنصور بعد هذا النصر ببناء جهاز إداري وسياسي متماسك وقوي، مكونا بذلك دولة قوية يدعمها جيش قوي تمكن من خلاله من توطيد أركان حكمه والقضاء على التمردات والثورات المناوئة. توفي المنصور سنة 1012هـ / 1603م بمرض الطاعون الذي عصف بالبلاد مدة تسع سنوات (1007 – 1016هـ / 1598 – 1607م). ينظر: ابن القاضي، جذوة الاقتباس، ص 114. ابن القاضي، المنتقى المقصور، ج1، ص 224. الإفراني، نزهة الحادي، ص. ص. 73-74-81-188. الناصري، الاستقصا، ج5، ص. ص. 89-97 ↑
- ـ عرف لقب “الخليفة” تراجعا في استعماله بحلول القرن السادس عشر، حيث لم يبذل المماليك والعثمانيون سوى محاولات ضعيفة لاستخدام هذا اللقب بدلالاته التاريخية قد يكون عدم الحماس هذا نابعا من حقيقة أن أيا من هاتين السلالتين لم يكن بإمكانهما ادعاء النسب القرشي، وبالتالي وجدوا أنه من الأجدى لهم أن يستندوا إلى أسس أخرى. أو قد يكون السبب هو أن واقع المجتمع الإسلامي المجزئ كان يجعل من الصعب استخدام اللقب بشكل فعال. ومهما كان سبب تراجع مكانة الخلافة، حاول أحمد المنصور عكس هذا الاتجاه بقوة خلال النصف الثاني من القرن العاشر/ السادس عشر. للمزيد من حول مسألة تلقب أحمد المنصور بلقب الخليفة، وتضمين ذلك في مراسلات رسمية مثل تلك التي كانت تتم مع بعض الأفراد ممن يعيشون في الدولة العثمانية، ينظر:
Cory (Stephen Charles), Reviving the Islamic Caliphate in Early Modern Morocco, Routledge, 2013, pp. 98-100. ↑
- ـ مصطلح سياسي مغربي ظهر على عهد الموحدين، ويعني الدولة. ↑
- ـ أحمد بن القاضي، المنتقى المقصور على مآثر الخليفة المنصور، تحقيق محمد رزوق، مكتبة المعارف للنشر والتوزيع، الرباط، 1986، ج1، ص 316. ↑
- ـ عبد الله ݣنون، رسائل سعدية، معهد مولاي الحسن، تطوان، 1954، ص 152. ↑
- ـ يان دوبراتشينسكي، أوربا والمسيحية: تمزق الكنيسة، ترجمة كبرو لحدو. ط1، دار الحصاد للنشر والتوزيع، دمشق، 2005، ج3، ص. ص. 322-326. أحمد صالح عبوش، الملكة إليزابيث (1603-1558م)، ط1، المكتب العربي للمعارف، القاهرة، 2015، ص. ص. 13-23.
Guy (John), Tudor England, Oxford University Press, 1990, pp. 111-123. ↑
- ـBicheno (Hugh), Elizabeth’s Sea Dogs: How England’s Mariners Became the Scourge of the Seas, Conway Maritime, London, 2012, p. 133. ↑
- ـ ݣنون، رسائل سعدية، ص 153. ↑
- ـ ݣنون، رسائل سعدية، ص. ص. 153-154. ↑
- ـ المرجع نفسه، ص 155. ↑
- ـ المرجع نفسه، ص. ص. 155-156. ↑
- ـ سورة فصلت، الأية 16. ↑
- ـ عبد الله ݣنون، رسائل سعدية، ص 154.
Matar (Nabil), Europe Through Arab Eyes, 1578-1727, Columbia University Press, New York, 2008, pp. 146-147. ↑
- – Abun-Nasr (Jamil M.), A History of the Maghrib in the Islamic Period, Cambridge University Press, New York, 1987, p. 215. ↑
- ـ أنطونيو دي صالدانيا، أخبار أحمد المنصور سلطان المغرب، تقديم وترجمة وتحقيق إبراهيم بوطالب وعثمان المنصوري ولطفي بوشنتوف، الدمعية المغربية للتأليف والترجمة والنشر، الرباط، 2011، ص 45. ↑
- ـ المصدر نفسه، ص. ص. 52-54.
Smith (Richard Lee), Ahmad Al-mansur : Islamic Visionary, Pearson Longman, New York, 2006, p. 50. Cory (S.Ch.), Reviving the Islamic Caliphate…, Op.cit, pp. 130-133. ↑
- ـ عبد العزيز الفشتالي، مناهل الصفا في مآثر موالينا الشرفا، تحقيق عبد الكريم كريم، وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية والثقافة، الرباط، 1972، ص. ص. 110-112. ↑
- ـ ابن القاضي، المنتقى المقصور على مآثر الخليفة المنصور، ص. ص. 352-353.
Smith (R. L.), Ahmad Al-mansur…, Op.cit, pp. 46-48. ↑
- ـ الفشتالي، مناهل الصفا، ص. ص. 58-94- 178. ابن القاضي المنتقى المقصور، ج1، ص. ص. 184-185. الناصري، الاستقصا، ج5، ص. ص. 94-145. ↑
- ـ الفشتالي، مناهل الصفا، ص. ص. 209-210. سعاد اليمني وبيرنار روزنبيرجي، تاريخ السكر المغربي من خلال مصادر جديدة (قرن 11. قرن 17) من البحر الأبيض المتوسط إلى المحيط الأطلسي، ترجمة أحمد بوشرب، ط1، دار الثقافة، الدار البيضاء، 2023، ص. ص. 68-116-231.
García-Arenal )Mercedes( y Wiegers (Gerard), Un hombre en tres mundos: Samuel Pallache, un judío marroquí en la Europa protestante y en la católica, Siglo XXI, Madrid, 2006, p. 44. ↑
- ـ الفشتالي، مناهل الصفا، ص176. ملين، السلطان الشريف، ص 293. ↑
- – Ibid, pp. 256-261. ↑
- ـ على الرغم من المكانة الهامة التي حازها الفشتالي في بلاط أحمد المنصور، فإن معظم كتاباته غطت فترة تاريخية قصيرة، مقارنة بنصوص بعض معاصريه مثل ابن القاضي. وفي الواقع، اعتُبرت أعماله مفقودة تماما إلى أن تم اكتشاف مخطوطة جزئية من مناهل الصفاء ونشرها عبد الله ڭنون في أوائل الستينيات من القرن الماضي. وحتى بعد هذا الاكتشاف، والإصدار اللاحق لنسخة كاملة من مناهل الصفاء لعبد الكريم كُرَيِّم في عام 1974، يبدو أن معظم الكتاب لا يزال مفقودا. ومن بين المجلدات الثمانية من كتاب مناهل الصفاء التي أشار إليها المقري تم العثور على أقل من مجلد واحد فقط وتم نشره. ويتناول كُرَيّم، في مقدمته لهذا العمل، مسألة سبب بقاء معظم كتابات الفشتالي مفقودة. ويفترض أن جزءا من السبب في ذلك يعود إلى الفوضى التي اندلعت في المغرب بعد وفاة أحمد المنصور مباشرة. فقد ضاعت العديد من الوثائق التاريخية بسبب الحروب الأهلية بين أبناء السلطان والمجاعات والأوبئة، وعدم وجود حكومة مركزية فعالة لتعزيز الاستقرار. في الواقع، لا يزال القرن الحادي عشر هجري / السابع عشر ميلادي فترة صعبة الدراسة من تاريخ المغرب بسبب ندرة الوثائق التاريخية عند مقارنتها بالقرون التي سبقتها أو تلتها مباشرة. ↑
- ـ الفشتالي، مناهل الصفا، ص. ص. 194-195.
Erlanger (Philippe), Les Guerres de religion, Éditions Tallandier, Paris, 1971, p. 242. Minois (Georges), Le Couteau et le poison : L’assassinat politique en Europe (1400-1800), Fayard, Paris, 1997, p. 223. Le Roux (Nicolas), Un régicide au nom de Dieu : L’assassinat d’Henri III, Gallimard, Paris, 2006, p. 18. ↑
- ـ الفشتالي، نفس المصدر، ص 195. ↑
- ـ المصدر نفسه ، ص 194.
Wernham (R. B.), (1988). The Expedition of Sir John Norris and Sir Francis Drake to Spain and Portugal, 1589, Temple Smith for the Navy Records Society. p. 341. Gorrochategui Santos (Luis), The English Armada : The Greatest Naval Disaster in English History, Bloomsbury, Oxford, 2018, p. 245. ↑
- ـ الفشتالي، ء المصدر نفسه ، ص 194. ↑
- ـ الفشتالي، ء المصدر نفسه ، ص 194. ↑
- ـ Matar (Nabil), Europe Through Arab Eyes…, Op.Cit, p. 159. Hammer (Paul), « New Light on the Cadiz Expedition of 1596 », in Historical Research, 1997, p. 182.
الفشتالي، مناهل الصفا، ص 196. ↑
- ـ Wernham (R. B.), The Return of the Armadas : The Last Years of the Elizabethan War against Spain 1595-1603, Clarendon Press, Oxford, 1994, p. 108. ↑
- ـ الفشتالي، المصدر نفسه ، ص 195. دي صالدانيا، أخبار أحمد المنصور سلطان المغرب، ص 120. ↑
- ـ للمزيد حول ثورة الناصر في بلاد الريف ومقتله، ينظر:
أحمد بن خالد الناصري، الاستقصا لأخبار دول المغرب الأقصى، تحقيق جعفر الناصري ومحمد الناصري، دار الكتب، الدار البيضاء، 1997، ج5، ص. ص. 145-146. ↑
- ـ الفشتالي، مناهل الصفا، ص. ص. 191-197. ↑
- ـ Yahya )Darihu(, Morocco in the Sixteenth Century: Problems and Patterns in African Foreign Policy, Humanities Press, 1981, pp. 180-181. ↑
- ـ الفشتالي، مناهل الصفا، ص. ص. 194-195. ↑
- – García-Arenal (M.), Mediano (F.R.), y El-Hour (R.), Cartas marruecas…, Op.cit, p. 64. ↑
- ـ الفشتالي، مناهل الصفا، ص. ص. 193-194. ↑
- ـ المصدر نفسه ، ص 197. ↑
- ـ de Castries (Henry), Les Sources inédites de l’histoire du Maroc, Première série. Dynastie saadienne. Archives et bibliothèques d’Angleterre, Tome II, document LXXIX, pp. 210-215. ↑
- ـ أحمد بن القاضي، المنتقى المقصور، ج1، ص. ص. 251-410. الفشتالي، مناهل الصفا، ص. ص. 229-231. أحمد بن محمد المقري التلمساني، روض الآس العاطرة الأنفاس في ذكر من لقيته من أعلام الحضرتين مراكش وفاس، ط2، المطبعة الملكية، الرباط، 1983، ص. ص. 68-69. عبد الهادي التازي، التاريخ الدبلوماسي للمغرب: السعديين، مطبعة فضالة، المحمدية، 1988، ج8، ص. ص. 146-157. عبد الكريم كريم، المغرب في عهد الدولة السعدية: دراسة تحليلية لأهم التطورات السياسية ومختلف المظاهر الحضارية، ط3، منشورات جمعية المؤرخين المغاربة، الرباط، 2006، ص 280. نبيل ملين، السلطان الشريف: الجذور الدينية والسياسية للدولة المخزنية في المغرب، ترجمة عبد الحق الزموري وعادل بن عبد الله، منشورات المعهد الجامعي للبحث العلمي، جامعة محمد الخامس، الرباط، 2013، ص 60.
Cory (S.Ch.), Reviving the Islamic Caliphate…, Op.cit, pp. 98-100. ↑
- – de Castries (Henry), Les Sources inédites de l’histoire du Maroc, Première série. Dynastie saadienne. Archives et bibliothèques d’Angleterre, Tome II, document XLIX, pp. 143-144. ↑
- – Gilbert (C. M.), In Good Faith…, p. 111. ↑
- – Gruzinski (Serge), Las cuatro partes del mundo. Historia de una mundialización, Fondo de Cultura Económica, México, 2010, pp. 25-27. ↑
- – ملين، السلطان الشريف، ص 79. ↑
- ـ García Arenal (M.), Ahmad al-Manṣūr…, p. 76. Cory (S.Ch.), Reviving the Islamic Caliphate…, Op.cit, pp. 98-100. ↑
- – Gilbert (C. M.), In Good Faith…, pp. 108-117. ↑
- ـ García-Arenal (Mercedes), Mediano (Fernando Rodríguez), y El-Hour (Rachid), Cartas marruecas: Documentos de Marruecos en archivos españoles, CSIC, Madrid, 2002, pp. 19-20. ↑
- – García Arenal (M.), Ahmad al-Manṣūr…, Op.cit, pp. 26-28-68- 89. ↑
- ـ الفشتالي، مناهل الصفا، ص 208. أحمد بن القاضي المكناسي، درة الحجال في أسماء الرجال، تحقيق محمد الأحمدي أبو النور، ط1، مطبعة السنة المحمدية، القاهرة، 1971، ج2، ص 226. ابن القاضي، المنتقى المقصور، ج2، ص 607. مؤلف مجهول، تاريخ الدولة السعدية التكمدارتية، تحقيق عبد الرحيم بنحادة، ط1، عيون المقالات، مراكش، 1994، ص 72. ملين، السلطان الشريف، ص. ص. 244-246. ↑
- ـ المرجع نفسه، ص 246.
García Arenal (M.), Ahmad al-Manṣūr…, Op.cit, pp. 68- 89. ↑
- ـ García Arenal (Mercedes), Ahmad al-Manṣūr : The Beginnings of Modern Morocco, Oneworld, Oxford, 2009, pp. 59-62. ↑
- – Cabanelas (Darío), « El morisco granadino Alonso del Castillo, intérprete de Felipe II », en Miscelánea de estudios árabes y hebraicos. Sección Árabe-Islam, Vol. 5, 1956, pp. 20 y 24, nota 11. ↑
- – Muñoz Buendía (Antonio), « Diego Marín, clérigo y agente diplomático de Felipe II », y « Diego Marín, diplomático y militar », en Diccionario Biográfico de Almería, Instituto de Estudios Almerienses- Fundación Cajamar, Almería, 2006, pp. 235-238.
مرثيديس غارثيا أرينال، شتات أهل الاندلس (المهاجرون الأندلسيون)، ترجمة محمد فكري عبد السميع، ط1، المجلس الأعلى للثقافة، القاهرة، 2006، ص. ص. 161-162. ↑
- – Elliott (John Huxtable), España en Europa: Estudios de historia comparada, Universitat de València. 2002, pp. 79-80.
الناصري، الاستقصا، ج5، ص 145. ↑
- ـ de la Véronne (Chantal), « Séjour en Andalousie de deux princes sa‘diens après la bataille d’el-Qçar el-Kebir [1589-1595] », REMM, nº 7, 1970, pp. 187-194.
ملين، السلطان الشريف، ص 205. ↑
- – Cabanelas (Darío), « Diego Marín, agente de Felipe II en Marruecos», en Miscelánea de estudios árabes y hebraicos. Sección Árabe-Islam, Vol. 21, 1972, pp. 10-12. García-Arenal (Mercedes) and Mediano (Fernando Rodríguez), The Orient in Spain : Converted Muslims, the Forged Lead Books of Granada, and the Rise of Orientalism, Brill, Leiden, 2013, pp. 133-136. ↑
- – Cabanelas (D.), Diego Marín, agente de Felipe II…, Op.cit, pp. 15-16-23. ↑
- ـ خدم اليهود الناطقون بالإسبانية في بلاطات الأسر التي حكمت المغرب، كمترجمين ووسطاء لأجيال، وسيستمرون في ذلك خلال عهد أحمد المنصور وسلالته. ومع ذلك، يبدو أن الأدلة على وجود مترجمين يهود بارزين في بلاط المنصور نفسه قليلة نسبيا. وبخصوص هذا المترجم اليهودي جاكوب روت المنافس لدييغو مارين وخصومتهما، ينظر:
García-Arenal (M.), Mediano (F.R.), y El-Hour (R.), Cartas marruecas…, Op.cit, pp. 20-22. Cabanelas (D.), Diego Marín, agente de Felipe II…, Op.cit, pp. 26-27. ↑
- – García-Arenal (M.), Mediano (F.R.), y El-Hour (R.), Cartas marruecas…, Op.cit, pp. 65-67. ↑
- – García-Arenal (M.) and Mediano (F. R.), The Orient in Spain…, Op.cit, pp. 225-226. ↑
- ـ محمد الصغير الإفراني، نزهة الحادي بأخبار ملوك القرن الحادي، تحقيق عبد اللطيف الشاذلي، ط1، مطبعة النجاح الجديدة، الدار البيضاء، 1998، ص. ص. 282-288. ↑
- – الإفراني، نزهة الحادي بأخبار ملوك القرن الحادي، ص 291.
García-Arenal (M.) and Mediano (F. R.), The Orient in Spain…, Op.cit, pp. 235-236. ↑
- ـ دي صالدانيا، أخبار أحمد المنصور سلطان المغرب، ص. ص. 68-71-81. ↑
- – de Castries (Henry), Les Sources inédites de l’histoire du Maroc, Première série. Dynastie saadienne. Archives et bibliothèques d’Angleterre, Tome I, document CLXXX, pp. 490-491. ↑
- – de Castries (Henry), Les Sources inédites de l’histoire du Maroc, Première série. Dynastie saadienne. Archives et bibliothèques d’Angleterre, Tome II, document XLIX, pp. 143-146. ↑
- – Gilbert (Claire M.), In Good Faith : Arabic Translation and Translators in Early Modern Spain, University of Pennsylvania Press, philadelphia, 2020, pp. 118-119. ↑
- ـ عبد الوهاب بنمنصور، أحمد بن قاسم الفقاي الحجري، آخر موريسكي يؤلف بالعربية ويدافع عن جهرة عن الإسلام، المطبعة الملكية، الرباط، 1996، ص 6. رشا الخطيب، أحمد بن قاسم الحجري “أفوقاي” المترجم والرحالة والسفير، ط1، المؤسسة العربية للدراسات والنشر – دار السويدي للنشر والتوزيع، بيروت – أبو ظبي، 2018، ص. ص. 14-15. ↑
- – de Castries (Henry), Les Sources inédites de l’histoire du Maroc, Première série. Dynastie saadienne. Archives et bibliothèques Des Pays-Bas, Tome III, document XXXI, pp. 105-108. ↑
- – García-Arenal (M.), Mediano (F.R.), y El-Hour (R.), Cartas marruecas…, Op.cit, pp. 337-339. ↑
- – García-Arenal (M.), Mediano (F.R.), y El-Hour (R.), Cartas marruecas…, Op.cit, pp. 367-372. ↑
- ـ أحمد بن قاسم الحجري، ناصر الدين على القوم الكافرين، تحقيق وتقديم وترجمة شورد فان كوننكزفلد وقاسم السامرائي وخيرارد فيخرز، المجلس الأعلى للأبحاث العلمية، مدريد، 1997، ص 45. ↑
- ـ المصدر نفسه، ص 134. ↑
- ـ تقع في أقصى جنوب غربي فرنسا بالقرب من الحدود الإسبانية التي تبعد عنها بحوالي 32.7 كلم. ↑
- ـ الحجري، المصدر نفسه، ص. ص. 61-65. ↑
- ـ الحجري، ناصر الدين على القوم الكافرين، ص 74. ↑
- – Cory (S.Ch.), Reviving the Islamic Caliphate…, Op.cit, pp. 87-89. ↑
- – de Castries (Henry), Les Sources inédites de l’histoire du Maroc, Première série. Dynastie saadienne. Archives et bibliothèques d’Angleterre, Tome II, document VII, pp. 18-20. ↑
- – Ibid, pp. 18-19-210. de Castries (Henry), Les Sources inédites de l’histoire du Maroc, Première série. Dynastie saadienne. Archives et bibliothèques de France, Tome I, document XXXI, pp. 170-173.
ملين، السلطان الشريف، ص 23. ↑
- – García-Arenal )Mercedes(, Messianism and Puritanical Reform: Mahdīs of the Muslim West, Brill, Leiden, 2006, pp. 274-275. ↑
- – de Castries (Henry), Les Sources inédites de l’histoire du Maroc, Première série. Dynastie saadienne. Archives et bibliothèques Pays-bas, Tome I, document CCXIII, p. 644. ↑
- – de Castries (Henry), Les Sources inédites de l’histoire du Maroc, Première série. Dynastie saadienne. Archives et bibliothèques d’Angleterre, Tome II, document LXXIX, pp. 210-215. ↑
- – García Arenal (M.), Ahmad al-Manṣūr…, Op.cit, pp. 34-35. ↑
- – García-Arenal )M.( y Wiegers (G.), Un hombre en tres mundos…, Op.cit, pp. 43-44. ↑
- – Gilbert (C..M.), In Good Faith…, Op.cit, p. 118. ↑
- – de Castries (Henry), Les Sources inédites de l’histoire du Maroc, Première série. Dynastie saadienne. Archives et bibliothèques d’Angleterre, Tome II, document XXXVIII, pp. 117-118. ↑
- ـ Cory (S.Ch.), Reviving the Islamic Caliphate…, Op.cit, pp. 98-100.
ملين، السلطان الشريف، ص. ص. 58-72. ↑
- – de Castries (Henry), Les Sources inédites de l’histoire du Maroc, Première série. Dynastie saadienne. Archives et bibliothèques Des Pays-Bas, Tome I, document XXXII, pp. 121-123. ↑
- – de Castries (H.), Les Sources inédites…, Op.cit, Tome I, document XCIX, pp. 340-341. ↑
-
– Hess (Andrew C.), The Forgotten Frontier: A History of the Sixteenth-Century Ibero-African Frontier, pp. ↑