ملامح التنمية الرشيدة في ضوء القرآن الكريم وقصصه
د. غسان المعلم1
1 دكتوراه في التفسير وعلوم القرآن الكريم. كلية الدعوة الجامعية. بيروت، لبنان.
Email: Ghassanm22@gmail.com
HNSJ, 2024, 5(9); https://doi.org/10.53796/hnsj59/22
تاريخ النشر: 01/09/2024م تاريخ القبول: 17/08/2024م
Citation Method
د. غسان المعلم1
1 دكتوراه في التفسير وعلوم القرآن الكريم. كلية الدعوة الجامعية. بيروت، لبنان.
Email: Ghassanm22@gmail.com
HNSJ, 2024, 5(9); https://doi.org/10.53796/hnsj59/22
تاريخ النشر: 01/09/2024م تاريخ القبول: 17/08/2024م
المستخلص
يهدف البحث إلى معرفة التنمية الرشيدة، والمسائل المتعلقة بها، ليؤصل القواعد ويحدد المجالات. والنظر للعملية الإنمائية من خلال بناء الرؤية الإنسانية العامة لمفهوم الإنماء وجعله رشيداً بربطه بمصدر الرشد وهو القرآن الكريم: ﴿ قُلۡ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ ٱسۡتَمَعَ نَفَرٞ مِّنَ ٱلۡجِنِّ فَقَالُوٓاْ إِنَّا سَمِعۡنَا قُرۡءَانًا عَجَبٗا ١ يَهۡدِيٓ إِلَى ٱلرُّشۡدِ فَـَٔامَنَّا بِهِۦۖ وَلَن نُّشۡرِكَ بِرَبِّنَآ أَحَدٗا ٢﴾ [الجن: 1-2]
ويبرز البحث توجيهات القرآن حيال التنمية الرشيدة التي تجعل حركة الإنسان تصدر في إطار إيماني صوب مصلحته وإصلاحه وإصلاح دنياه دون الاضرار بالبيئة والمجتمع، كما يظهر أهم جوانب التنمية الرشيدة ويضرب أمثلة من قصص القرآن للتنمية الرشيدة.
الكلمات المفتاحية: الإسلام والتنمية |الرشد | حماية البيئة | قصص القرآن الكريم.
Features of rational development in light of the Holy Quran and its stories.
Dr. Ghassan Al-Muallem1
1 PhD in Quranic Sciences, University College of Da’wah
E-mail: Ghassanm22@gmail.com
HNSJ, 2024, 5(9); https://doi.org/10.53796/hnsj59/22
Published at 01/09/2024 Accepted at 17/08/2024
Abstract
The research aims to understand rational development and related issues, to establish the rules and define the areas. And looking at the development process through building the general human vision of the concept of development and making it rational by linking it to the source of rationality, which is the Holy Quran: “Say, ‘It has been revealed to me that a group of jinn listened and said, “Indeed, we have heard an amazing Quran. 1 It guides to the right path, so we have believed in it, and we will never associate with our Lord anyone. 2” [Al-Jinn: 1-2] The research highlights the Quran’s directives regarding rational development that make human movement proceed within a framework of faith toward his interest, reform, and reform of his worldly life without harming the environment and society. It also shows the most important aspects of development. Rational and gives examples from the stories of the Qur’an for rational development.
Key Words: Islam and Development | maturity| Environmental Protection | Stories of the Holy Quran
المقدمة:
يهدف البحث إلى:
- تبيين الأصل القرآني للتنمية الرشيدة.
- إبراز القصص القرآنية الشارحة للتنمية الرشيدة في جوانبها المتعددة.
- إظهار الرابط بين العلم بمفهومه الشامل كما ورد في القرآن الكريم وبين التنمية الرشيدة.
منهج البحث: اقتضى البحث اتباع المنهج (الوصفي التَّحليلي) الذي يعد ملائماً لطبيعة الدراسة الحالية، كما اتبع الباحث المنهج الاستقرائي الناقص الذي يقوم على تتبُّع الآيات المتعلقة بالموضوع من مظانِّها في القرآن الكريم وتصنيفها وتحليلها مع الاختصار.
مشكلة البحث:
أدى تخلف بعض المجتمعات واستمرار التدهور البيئي وما رافقه من انعكاسات سلبية الطبيعة والإنسان والمجتمع إلى بروز قصور مفهوم التنمية وبروز الحاجة لترشيد المفهوم وفق ما يصلح الحال. والمسلم يعتقد أن القرآن الكريم بمفاهيمه وتأثيره على معتنقيه قادر على ضبط المفهوم ومن ثم الدفع باتجاه تحقيق التنمية الرشيدة التي لا تضر الأنظمة البيئية، وتحقق النمو والرفاه للإنسان في حاله ومآله.
يمكن تلخيص فرضيات البحث ضمن هذه الأسئلة:
- ما جوانب التنمية الرشيدة في القرآن الكريم وقصصه؟
- ما علاقة الإنسان ونظرته الكونية ومعتقداته وقيمه بالتنمية الرشيدة؟
- ما مخاطر التنمية دون رشد؟
بسم الله الرحمن الرحيم
قارئ القرآن يجد أنه أُنزل للإنسان لهدايته ورشاده إلى ما فيه صلاحه وفلاحه كما قال تعالى: ﴿وَأَنزَلۡنَآ إِلَيۡكَ ٱلذِّكۡرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيۡهِمۡ وَلَعَلَّهُمۡ يَتَفَكَّرُونَ﴾ [النحل: 44] وقال تعالى: ﴿ٱلرَّحۡمَٰنُ عَلَّمَ ٱلۡقُرۡءَانَ خَلَقَ ٱلۡإِنسَٰنَ عَلَّمَهُ ٱلۡبَيَانَ ٤﴾ [الرحمن: 1-4] ولذا نجد هديه يرشد الإنسان لما فيه صلاحه وتطوره ونماؤه في جوانب حياته كلها وهو ما يسمى بالتنمية، فالتنمية في القرآن الكريم شمولية متكاملة، لا تنحصر في مجال التنمية الاقتصادية (رغم أهميتها) بل تتعداها لكافة الجوانب. والقرآن الكريم في عرضه لمختلف مجالات التنمية وأنواعها يهدف إلى تحسين حياة الإنسان من مختلف النواحي، الخاصة والعامة والمادية والروحية والخلقية، والاقتصادية والاجتماعية والسياسية والبيئية وفق تشريع إلهي محكم مع توجيه صريح بالحفاظ على الموارد التي خلقها للإنسان من الفساد أو الضياع أو الهدر بالإسراف والتبذير. ([1])
والإنسان له حاجات يعمل لتلبيتها سواء حاجاته الروحية أم البدنية أم القلبية، وفي خضم تلبيته لتلك الحاجات لا يغفل الآخرة ولا يترك الدنيا فهو يحقق التنمية المتوازنة الرشيدة في نفسه كما قال تعالى: ﴿وَٱبۡتَغِ فِيمَآ ءَاتَىٰكَ ٱللَّهُ ٱلدَّارَ ٱلۡأٓخِرَةَۖ وَلَا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ ٱلدُّنۡيَاۖ وَأَحۡسِن كَمَآ أَحۡسَنَ ٱللَّهُ إِلَيۡكَۖ وَلَا تَبۡغِ ٱلۡفَسَادَ فِي ٱلۡأَرۡضِۖ إِنَّ ٱللَّهَ لَا يُحِبُّ ٱلۡمُفۡسِدِينَ ﴾ [القصص: 77] وقال سبحانه: ﴿وَمِنۡهُم مَّن يَقُولُ رَبَّنَآ ءَاتِنَا فِي ٱلدُّنۡيَا حَسَنَةٗ وَفِي ٱلۡأٓخِرَةِ حَسَنَةٗ وَقِنَا عَذَابَ ٱلنَّارِ أُوْلَٰٓئِكَ لَهُمۡ نَصِيبٞ مِّمَّا كَسَبُواْۚ وَٱللَّهُ سَرِيعُ ٱلۡحِسَابِ ٢٠٢﴾ [البقرة: 201-202] فالإنسان المسلم منضبط في عمله الدنيوي بما لا يتعارض مع حياته الآخروية.
من خلال هذا التوازن وهذا التصور يظهر القرآن الكريم مفاهيم التنافس والتفوق والتقدم في المجتمع لتنسجم مع عقائد الإسلام وأسسه الأخلاقية التي لا تضر المخلوقات ولا تهمل الإيمان ولا تتجرد عن الأخلاق في خضم التنمية والتطور والتنافس الدنيوي على تحسين حياة الإنسان بخلاف ما شاهدناه من الحضارة الغربية التي استهلكت الحرث والموارد والكوكب وأضرت به في سبيل تطورها ورفاهها -بما انعكس سلباً على ما أرادته- فهي محرومة من التعليمات الإلهية التي تنظم حياة الناس بما يصلح حالهم ومآلهم وتخضع لقيمها الدنيوية السائلة المتغيرة وفق معتقداتهم وتصوراتهم ولذا نجد تنميتهم يعتريها القصور في جوانب أغفلتها، بينما مسار المسلم في التنمية الرشيدة واضح المنطلق والغاية والضوابط فهو ينطلق من هدف ديني يعلم أن سعيه لعمارة الأرض نوع من العبادة يجد ثوابها في صحيفته وأنه إن تخلى عن أخلاقه في سعيه الدنيوي سيجد عاقبة ذلك في صحيفته؛ فغايته رضا الله وتطبيق هديه في كتابه وهذا أكبر دافع للتنمية يمكن أن يوجد ولذا نجد المسلم يستسهل الصعاب في عمله لارتباطه بعقيدة القرآن التي توجهه أن التعب والضنك والكبد من طبيعة الحياة الدنيا وبقدر صبره يكون أجره، وأن الدنيا مزرعة الآخرة فالدنيا موصولة بالآخرة وليست منفكة عنها وهي جزء من ابتلاء المؤمن ليرى الله حسن عمل الإنسان كما قال تعالى: ﴿ٱلَّذِي خَلَقَ ٱلۡمَوۡتَ وَٱلۡحَيَوٰةَ لِيَبۡلُوَكُمۡ أَيُّكُمۡ أَحۡسَنُ عَمَلٗاۚ وَهُوَ ٱلۡعَزِيزُ ٱلۡغَفُورُ﴾ [الملك: 2].
والمسلم وهو يسعى بوعي في الأرض لتنمية حياته وتطويرها ينطلق من تصور قرآني أن كل مافي الكون قد خلقه الله تعالى وسخره للإنسان وخدمته، يجد ذلك في الآيات الكثيرة التي تتحدث عن “التسخير” والآيات تدل بوضوح أن ذلك كله مخلوق للإنسان وذلك باستخدام القرآن لفظ لكم صريحة الدلالة، ويرى حث الآيات الإنسان لاستغلال المواردِ الطبيعية التي توجَدُ في البيئة التي يعيش فيها كقوله تعالى: ﴿ٱللَّهُ ٱلَّذِي سَخَّرَ لَكُمُ ٱلۡبَحۡرَ لِتَجۡرِيَ ٱلۡفُلۡكُ فِيهِ بِأَمۡرِهِۦ وَلِتَبۡتَغُواْ مِن فَضۡلِهِۦ وَلَعَلَّكُمۡ تَشۡكُرُونَ وَسَخَّرَ لَكُم مَّا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَا فِي ٱلۡأَرۡضِ جَمِيعٗا مِّنۡهُۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَأٓيَٰتٖ لِّقَوۡمٖ يَتَفَكَّرُونَ﴾ [الجاثية: 12-13]، وكقوله: ﴿ٱللَّهُ ٱلَّذِي خَلَقَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضَ وَأَنزَلَ مِنَ ٱلسَّمَآءِ مَآءٗ فَأَخۡرَجَ بِهِۦ مِنَ ٱلثَّمَرَٰتِ رِزۡقٗا لَّكُمۡۖ وَسَخَّرَ لَكُمُ ٱلۡفُلۡكَ لِتَجۡرِيَ فِي ٱلۡبَحۡرِ بِأَمۡرِهِۦۖ وَسَخَّرَ لَكُمُ ٱلۡأَنۡهَٰرَ وَسَخَّرَ لَكُمُ ٱلشَّمۡسَ وَٱلۡقَمَرَ دَآئِبَيۡنِۖ وَسَخَّرَ لَكُمُ ٱلَّيۡلَ وَٱلنَّهَارَ﴾ [إبراهيم: 32-33].
من جوانب التنمية الرشيدة
حدّد القرآن الكريم جوانب التنمية الرشيدة فكانت متوازنة متكاملة في نواحيها المختلفة ومحورها الإنسان الذي تتم التنمية به وله ومن أجل تحقيق سعادته وكرامته ورفاهيته في الدنيا والآخرة على حد سواء، مع المحافظة على بيئته وموارده لتبقى للأجيال القادمة. وهذه بعض الآيات التي تشير إلى التنمية في بعض جوانبها ([2]):
.1 جانب العمل والزراعة ومحاربة الجوع وتوفير الغذاء والماء الصحي للناس أجمعين:
هناك آيات عديدة تشير إلى تسخير الله تعالى الأرض للإنسان وجعلها صالحة للحياة والزراعة وإنبات الأطعمة وإنزال الماء لسد حاجة الإنسان، من هذه الآيات قوله تعالى: ﴿…هُوَ أَنشَأَكُم مِّنَ ٱلۡأَرۡضِ وَٱسۡتَعۡمَرَكُمۡ فِيهَا فَٱسۡتَغۡفِرُوهُ ثُمَّ تُوبُوٓاْ إِلَيۡهِۚ إِنَّ رَبِّي قَرِيبٞ مُّجِيبٞ﴾ [هود: 61] .
«﴿هُوَ أَنشَأَكم مِّنَ الأَرْضِ﴾ أي خلقكم من الطين، ﴿واسْتَعْمَرَكمْ فِيهَا﴾ أي جعلكم تعمرونها فتنشئون فيها المباني والحدائق الغناء، والسين والتاء في كلمة ﴿اسْتَعْمَرَكمْ﴾ معناهما التكليف لعباده أن يعمروها فهو سبحانه مظهرهم على ما جعلهم يسخرون السماوات والأرض بما قدره تعالى لهم».([3])
وقوله تعالى: ﴿أَوَلَمۡ يَسِيرُواْ فِي ٱلۡأَرۡضِ فَيَنظُرُواْ كَيۡفَ كَانَ عَٰقِبَةُ ٱلَّذِينَ مِن قَبۡلِهِمۡۚ كَانُوٓاْ أَشَدَّ مِنۡهُمۡ قُوَّةٗ وَأَثَارُواْ ٱلۡأَرۡضَ وَعَمَرُوهَآ أَكۡثَرَ مِمَّا عَمَرُوهَا …﴾ [الروم: 9].
«﴿وَعَمَرُوها﴾: مِنَ الْعِمَارَةِ، أَيْ بَقَاؤُهُمْ فِيهَا أَكْثَرَ مِنْ بَقَاءِ هَؤُلَاءِ، أَوْ مِنَ الْعُمْرَانِ: أَيْ سَكَنُوا فِيهَا، أَوْ مِنَ الْعِمَارَةِ. قَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ([4]): أَكْثَرَ مِمَّا عَمَرُوها: مِنْ عِمَارَةِ أَهْلِ مَكَّةَ، وَأَهْلُ مَكَّةَ أَهْلُ وَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ، مَا لَهُمْ إِثَارَةُ الْأَرْضِ أَصْلًا، وَلَا عِمَارَةَ لَهُمْ رَأْسًا، فَمَا هُوَ إِلَّا تَهَكُّمٌ بِهِمْ وَتَضْعِيفُ حَالِهِمْ فِي دُنْيَاهُمْ، لِأَنَّ مُعْظَمَ مَا يَسْتَظْهِرُ بِهِ أَهْلُ الدُّنْيَا وَيَتَبَاهَوْنَ بِهِ أَمْرُ الدَّهْقَنَةِ، وَهُمْ أَيْضًا ضِعَافُ الْقُوَى»([5]).
فالأرض مهيئة ليعمل الإنسان فيها مذللة له والمسلم مدعو للعمل وتوفير قوت عياله بحراثتها وعمارتها واستصلاح أراضيها وتسبيل مائها وتجويد معيشته فيها وغير ذلك من السبل([6]) قال تعالى ممتناً على عباده بنعمة تذليل الأرض وإنزال الماء الطاهر النظيف: ﴿ٱلَّذِي جَعَلَ لَكُمُ ٱلۡأَرۡضَ مَهۡدٗا وَسَلَكَ لَكُمۡ فِيهَا سُبُلٗا وَأَنزَلَ مِنَ ٱلسَّمَآءِ مَآءٗ فَأَخۡرَجۡنَا بِهِۦٓ أَزۡوَٰجٗا مِّن نَّبَاتٖ شَتَّىٰ كُلُواْ وَٱرۡعَوۡاْ أَنۡعَٰمَكُمۡۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَأٓيَٰتٖ لِّأُوْلِي ٱلنُّهَىٰ﴾ [طه: 53-54] وقال سبحانه: ﴿هُوَ ٱلَّذِي جَعَلَ لَكُمُ ٱلۡأَرۡضَ ذَلُولٗا فَٱمۡشُواْ فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُواْ مِن رِّزۡقِهِۦۖ وَإِلَيۡهِ ٱلنُّشُورُ﴾ [الملك: 15] .
«الْمِنَّة: بِأَنَّهُ خَلَقَهَا هَيِّنَةً لَهُمْ صَالِحَةً لِلسَّيْرِ فِيهَا مُخْرِجَةً لِأَرْزَاقِهِمْ، وَذَيَّلَ ذَلِكَ بِأَنَّ النُّشُورَ مِنْهَا وَأَنَّ النُّشُورَ إِلَيْهِ لَا إِلَى غَيْرِهِ. وَالذَّلُولُ مِنَ الدَّوَابِّ الْمُنْقَادَةُ الْمُطَاوِعَةُ، مُشْتَقٌّ مِنَ الذُّلِّ وَهُوَ الْهَوَانُ وَالْانْقِيَادُ. وَالْمَنَاكِبُ: تَخْيِيلٌ لِلْاسْتِعَارَةِ لِزِيَادَةِ بَيَانِ تَسْخِيرِ الْأَرْضِ لِلنَّاسِ فَإِنَّ الْمَنْكَبَ هُوَ مُلْتَقَى الْكَتِفِ مَعَ الْعَضُدِ، جَعَلَ الْمَنَاكِبَ اسْتِعَارَةً لِأَطْرَافِ الْأَرْضِ أَوْ لِسَعَتِهَا.وَفُرِّعَ عَلَى هَذِهِ الْاسْتِعَارَةِ الْأَمْرُ فِي فَامْشُوا فِي مَناكِبِها فَصِيغَةُ الْأَمْرِ مُسْتَعْمَلَةٌ فِي مَعْنَى الْإِدَامَةِ تَذْكِيرًا بِمَا سَخَّرَ اللَّهُ لَهُم من الْمَشْيِ فِي الْأَرْضِ امْتِنَانًا بِذَلِكَ.وَمُنَاسَبَةُ وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ أَنَّ الرِّزْقَ مِنَ الْأَرْضِ. وَالْأَمْرُ مُسْتَعْمَلٌ فِي الْإِدَامَةِ أَيْضًا لِلْامْتِنَانِ، وَبِذَلِكَ تَمَّتِ اسْتِعَارَةُ الذَّلُولَ لِلْأَرْضِ لِأَنَّ فَائِدَةَ تَذْلِيلِ الذَّلُولِ رُكُوبُهَا وَالْأَكْلُ مِنْهَا.فَالْمَشْيُ عَلَى الْأَرْضِ شَبِيهٌ بِرُكُوبِ الذَّلُولِ، وَالْأَكْلُ مِمَّا تُنْبِتُهُ الْأَرْضُ شَبِيهٌ بِأَكْلِ الْأَلْبَانِ وَالسَّمْنِ وَأَكْلِ الْعُجُولِ وَالْخِرْفَانِ وَنَحْوِ ذَلِكَ. وَجَمْعُ الْمَنَاكِبِ تَجْرِيدٌ لِلْاسْتِعَارَةِ لِأَنَّ الذَّلُولَ لَهَا مِنْكِبَانِ وَالْأَرْضُ ذَاتُ مُتَّسَعَاتٍ كَثِيرَةٍ .وَكُلُّ هَذَا تَذْكِيرٌ بِشَوَاهِدِ الرُّبُوبِيَّةِ وَالْإِنْعَامِ لِيَتَدَبَّرُوا فَيَتْرُكُوا الْعِنَادَ، قَالَ تَعَالَى: ﴿كَذلِكَ يُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْلِمُونَ﴾ [النَّحْل: 81]»([7]).
وقال عز من قائل: ﴿أَفَرَءَيۡتُم مَّا تَحۡرُثُونَ ءَأَنتُمۡ تَزۡرَعُونَهُۥٓ أَمۡ نَحۡنُ ٱلزَّٰرِعُونَ لَوۡ نَشَآءُ لَجَعَلۡنَٰهُ حُطَٰمٗا فَظَلۡتُمۡ تَفَكَّهُونَ إِنَّا لَمُغۡرَمُونَ بَلۡ نَحۡنُ مَحۡرُومُونَ أَفَرَءَيۡتُمُ ٱلۡمَآءَ ٱلَّذِي تَشۡرَبُونَ ءَأَنتُمۡ أَنزَلۡتُمُوهُ مِنَ ٱلۡمُزۡنِ أَمۡ نَحۡنُ ٱلۡمُنزِلُونَ لَوۡ نَشَآءُ جَعَلۡنَٰهُ أُجَاجٗا فَلَوۡلَا تَشۡكُرُونَ﴾ [الواقعة: 63-70] .
وقال عز وجل: ﴿وَهُوَ ٱلَّذِيٓ أَنشَأَ جَنَّٰتٖ مَّعۡرُوشَٰتٖ وَغَيۡرَ مَعۡرُوشَٰتٖ وَٱلنَّخۡلَ وَٱلزَّرۡعَ مُخۡتَلِفًا أُكُلُهُۥ وَٱلزَّيۡتُونَ وَٱلرُّمَّانَ مُتَشَٰبِهٗا وَغَيۡرَ مُتَشَٰبِهٖۚ كُلُواْ مِن ثَمَرِهِۦٓ إِذَآ أَثۡمَرَ وَءَاتُواْ حَقَّهُۥ يَوۡمَ حَصَادِهِۦۖ وَلَا تُسۡرِفُوٓاْۚ إِنَّهُۥ لَا يُحِبُّ ٱلۡمُسۡرِفِينَ وَمِنَ ٱلۡأَنۡعَٰمِ حَمُولَةٗ وَفَرۡشٗاۚ كُلُواْ مِمَّا رَزَقَكُمُ ٱللَّهُ وَلَا تَتَّبِعُواْ خُطُوَٰتِ ٱلشَّيۡطَٰنِۚ إِنَّهُۥ لَكُمۡ عَدُوّٞ مُّبِينٞ﴾ [الأنعام: 141-142] .
وامتن على عباده بأنواع الطعام والأرزاق منه فقال: ﴿…وَنَزَّلۡنَا عَلَيۡكُمُ ٱلۡمَنَّ وَٱلسَّلۡوَىٰ كُلُواْ مِن طَيِّبَٰتِ مَا رَزَقۡنَٰكُمۡ وَلَا تَطۡغَوۡاْ فِيهِ فَيَحِلَّ عَلَيۡكُمۡ غَضَبِيۖ وَمَن يَحۡلِلۡ عَلَيۡهِ غَضَبِي فَقَدۡ هَوَىٰ﴾ [طه: 80-81] .
وأمر الله عباده بالتنعم والاستفادة مما خلقه الله لهم باعتدال فقال: ﴿يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ لَا تُحَرِّمُواْ طَيِّبَٰتِ مَآ أَحَلَّ ٱللَّهُ لَكُمۡ وَلَا تَعۡتَدُوٓاْۚ إِنَّ ٱللَّهَ لَا يُحِبُّ ٱلۡمُعۡتَدِينَ وَكُلُواْ مِمَّا رَزَقَكُمُ ٱللَّهُ حَلَٰلٗا طَيِّبٗاۚ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ ٱلَّذِيٓ أَنتُم بِهِۦ مُؤۡمِنُونَ ٨٨﴾ [المائدة: 87-89].
وجعل الله الماء سر الحياة فقال: ﴿أَوَلَمۡ يَرَ ٱلَّذِينَ كَفَرُوٓاْ أَنَّ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضَ كَانَتَا رَتۡقٗا فَفَتَقۡنَٰهُمَاۖ وَجَعَلۡنَا مِنَ ٱلۡمَآءِ كُلَّ شَيۡءٍ حَيٍّۚ أَفَلَا يُؤۡمِنُونَ﴾ [الأنبياء: 30].
وأخرج أنواع المحاصيل والزروع لأجل الإنسان والأنعام فقال عز وجل: ﴿فَلۡيَنظُرِ ٱلۡإِنسَٰنُ إِلَىٰ طَعَامِهِۦٓ أَنَّا صَبَبۡنَا ٱلۡمَآءَ صَبّٗا ثُمَّ شَقَقۡنَا ٱلۡأَرۡضَ شَقّٗا فَأَنۢبَتۡنَا فِيهَا حَبّٗا وَعِنَبٗا وَقَضۡبٗا وَزَيۡتُونٗا وَنَخۡلٗا وَحَدَآئِقَ غُلۡبٗا وَفَٰكِهَةٗ وَأَبّٗا مَّتَٰعٗا لَّكُمۡ وَلِأَنۡعَٰمِكُمۡ ﴾ [عبس: 24-32].
.2 توزيع الثروات على الجميع ومحاربة الفقر ومساعدة الفقراء.
الفقر أول الأسباب التي تمنع التنمية وتعيق العمران، وتعرقل بناء الإنسان، والقرآن الكريم حدد طرقاً لعلاج مشكلة الفقر ووجهنا إلى أفضل الحلول، وهو ابتداءً لا يريد تكديس الأموال في يد طبقة واحدة تدور المكاسب بينها فيزداد الغني غناً والفقير فقراً بل وجه القرآن للتوزيع الأمثل للثروة المتحصلة من الإرث أو المغانم أو الفيء لتكون عادلة وليست في يد فئة على حساب آخرين، ففي الفيء قال تعالى: ﴿مَّآ أَفَآءَ ٱللَّهُ عَلَىٰ رَسُولِهِۦ مِنۡ أَهۡلِ ٱلۡقُرَىٰ فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي ٱلۡقُرۡبَىٰ وَٱلۡيَتَٰمَىٰ وَٱلۡمَسَٰكِينِ وَٱبۡنِ ٱلسَّبِيلِ كَيۡ لَا يَكُونَ دُولَةَۢ بَيۡنَ ٱلۡأَغۡنِيَآءِ مِنكُمۡۚ وَمَآ ءَاتَىٰكُمُ ٱلرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَىٰكُمۡ عَنۡهُ فَٱنتَهُواْۚ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَۖ إِنَّ ٱللَّهَ شَدِيدُ ٱلۡعِقَابِ ٧ لِلۡفُقَرَآءِ ٱلۡمُهَٰجِرِينَ ٱلَّذِينَ أُخۡرِجُواْ مِن دِيَٰرِهِمۡ وَأَمۡوَٰلِهِمۡ يَبۡتَغُونَ فَضۡلٗا مِّنَ ٱللَّهِ وَرِضۡوَٰنٗا وَيَنصُرُونَ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُۥٓۚ أُوْلَٰٓئِكَ هُمُ ٱلصَّٰدِقُونَ ٨﴾ [الحشر: 7-8] .
«والدولة والدولة- بالفتح والضم- وقد قرئ بهما: ما يدول للإنسان، أى يدور من الجد.يقال: دالت له الدولة. وأديل لفلان. ومعنى قوله تعالى: ﴿كَيْ لا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِياءِ مِنْكُمْ﴾: كيلا يكون الفيء الذي حقه أن يعطى الفقراء ليكون لهم بلغة يعيشون بها جِداً بين الأغنياء يتكاثرون به. أو كيلا يكون دولة جاهلية بينهم» ([8]).
ومن طرق علاج الفقر الذي يقف عائقًا أمام تطور الإنسان وبناءه، الإنفاق على المستحقين وهي طريقة مثلى في المعالجة: ﴿إِنَّمَا ٱلصَّدَقَٰتُ لِلۡفُقَرَآءِ وَٱلۡمَسَٰكِينِ وَٱلۡعَٰمِلِينَ عَلَيۡهَا وَٱلۡمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمۡ وَفِي ٱلرِّقَابِ وَٱلۡغَٰرِمِينَ وَفِي سَبِيلِ ٱللَّهِ وَٱبۡنِ ٱلسَّبِيلِۖ فَرِيضَةٗ مِّنَ ٱللَّهِۗ وَٱللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ﴾ [التوبة: 60] .
والله يحث عباده على الكرم والإنفاق ويعيب على البخلاء المتكبرين: ﴿وَٱعۡبُدُواْ ٱللَّهَ وَلَا تُشۡرِكُواْ بِهِۦ شَيۡـٔٗاۖ وَبِٱلۡوَٰلِدَيۡنِ إِحۡسَٰنٗا وَبِذِي ٱلۡقُرۡبَىٰ وَٱلۡيَتَٰمَىٰ وَٱلۡمَسَٰكِينِ وَٱلۡجَارِ ذِي ٱلۡقُرۡبَىٰ وَٱلۡجَارِ ٱلۡجُنُبِ وَٱلصَّاحِبِ بِٱلۡجَنۢبِ وَٱبۡنِ ٱلسَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتۡ أَيۡمَٰنُكُمۡۗ إِنَّ ٱللَّهَ لَا يُحِبُّ مَن كَانَ مُخۡتَالٗا فَخُورًا ٱلَّذِينَ يَبۡخَلُونَ وَيَأۡمُرُونَ ٱلنَّاسَ بِٱلۡبُخۡلِ وَيَكۡتُمُونَ مَآ ءَاتَىٰهُمُ ٱللَّهُ مِن فَضۡلِهِۦۗ وَأَعۡتَدۡنَا لِلۡكَٰفِرِينَ عَذَابٗا مُّهِينٗا﴾ [النساء: 36-37] .
وآيات الكتاب توضح مفهوم التقوى والبر بأنه الإيمان المقرون بالإنفاق على عدة أصناف مستحقة:﴿لَّيۡسَ ٱلۡبِرَّ أَن تُوَلُّواْ وُجُوهَكُمۡ قِبَلَ ٱلۡمَشۡرِقِ وَٱلۡمَغۡرِبِ وَلَٰكِنَّ ٱلۡبِرَّ مَنۡ ءَامَنَ بِٱللَّهِ وَٱلۡيَوۡمِ ٱلۡأٓخِرِ وَٱلۡمَلَٰٓئِكَةِ وَٱلۡكِتَٰبِ وَٱلنَّبِيِّـۧنَ وَءَاتَى ٱلۡمَالَ عَلَىٰ حُبِّهِۦ ذَوِي ٱلۡقُرۡبَىٰ وَٱلۡيَتَٰمَىٰ وَٱلۡمَسَٰكِينَ وَٱبۡنَ ٱلسَّبِيلِ وَٱلسَّآئِلِينَ وَفِي ٱلرِّقَابِ وَأَقَامَ ٱلصَّلَوٰةَ وَءَاتَى ٱلزَّكَوٰةَ وَٱلۡمُوفُونَ بِعَهۡدِهِمۡ إِذَا عَٰهَدُواْۖ وَٱلصَّٰبِرِينَ فِي ٱلۡبَأۡسَآءِ وَٱلضَّرَّآءِ وَحِينَ ٱلۡبَأۡسِۗ أُوْلَٰٓئِكَ ٱلَّذِينَ صَدَقُواْۖ وَأُوْلَٰٓئِكَ هُمُ ٱلۡمُتَّقُونَ﴾ [البقرة: 177] . الإنفاق سراً وعلانية لمحاربة الفقر وتخفيف معاناتهم سبب لتكفير ذنوب المنفقين ﴿وَمَآ أَنفَقۡتُم مِّن نَّفَقَةٍ أَوۡ نَذَرۡتُم مِّن نَّذۡرٖ فَإِنَّ ٱللَّهَ يَعۡلَمُهُۥۗ وَمَا لِلظَّٰلِمِينَ مِنۡ أَنصَارٍ إِن تُبۡدُواْ ٱلصَّدَقَٰتِ فَنِعِمَّا هِيَۖ وَإِن تُخۡفُوهَا وَتُؤۡتُوهَا ٱلۡفُقَرَآءَ فَهُوَ خَيۡرٞ لَّكُمۡۚ وَيُكَفِّرُ عَنكُم مِّن سَيِّـَٔاتِكُمۡۗ وَٱللَّهُ بِمَا تَعۡمَلُونَ خَبِيرٌ﴾ [البقرة: 270-271] .
فالتنمية الرشيدة وفق القرآن الكريم تقتضي السعي لمواجهة الفقر ومساعدة الفقراء وتوزيع المال والثروة بالطريقة الأنسب لتتحقق الغايات والأهداف وتحسين حياة الناس إلى الأفضل وتحقيق الكرامة الإنسانية للجميع.
3. الحفاظ على الصحة و السعي لرفاه للناس.
التنمية المتوازنة الرشيدة تتطلب الحفاظ على صحة الناس والسعي لرفاههم، وقد جاء الهدي الرباني بأفضل ما يحافظ على صحة الإنسان مع الحفاظ على التمتع والترفه المباح، ومن هذا الهدي أمره سبحانه: ﴿يَٰبَنِيٓ ءَادَمَ خُذُواْ زِينَتَكُمۡ عِندَ كُلِّ مَسۡجِدٖ وَكُلُواْ وَٱشۡرَبُواْ وَلَا تُسۡرِفُوٓاْۚ إِنَّهُۥ لَا يُحِبُّ ٱلۡمُسۡرِفِينَ قُلۡ مَنۡ حَرَّمَ زِينَةَ ٱللَّهِ ٱلَّتِيٓ أَخۡرَجَ لِعِبَادِهِۦ وَٱلطَّيِّبَٰتِ مِنَ ٱلرِّزۡقِۚ قُلۡ هِيَ لِلَّذِينَ ءَامَنُواْ فِي ٱلۡحَيَوٰةِ ٱلدُّنۡيَا خَالِصَةٗ يَوۡمَ ٱلۡقِيَٰمَةِۗ كَذَٰلِكَ نُفَصِّلُ ٱلۡأٓيَٰتِ لِقَوۡمٖ يَعۡلَمُونَ﴾ [الأعراف: 31-32].
«وَقَوْلُهُ: ﴿وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ﴾ فِيهِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ: (تَقْدِيرُ الْأَوَّلِ): كُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللهُ وَلَا تُسْرِفُوا فِي الْأَكْلِ.. فَالْإِسْرَافُ مُجَاوَزَةُ الْحَدِّ وَالِاعْتِدَاءُ كَذَلِكَ، وَالْحَدُّ الَّذِي يُنْهَى عَنْ تَجَاوُزِهِ إِمَّا شَرْعِيٌّ كَتَجَاوُزِ الْحَلَالِ مِنَ الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهِمَا إِلَى الْحَرَامِ، وَإِمَّا فِطْرِيٌّ طَبْعِيٌّ وَهُوَ تَجَاوُزُ حَدِّ الشِّبَعِ إِلَى الْبِطْنَةِ الضَّارَّةِ.
(الْوَجْهُ الثَّانِي) لَا تُسْرِفُوا فِي الصَّدَقَةِ أَيْ فِي أَمْرِهَا …أَيْ لَا تُعْطُوا أَمْوَالَكُمْ وَتَقْعُدُوا فُقَرَاءَ.
(الْوَجْهُ الثَّالِثُ) أَنَّ النَّهْيَ عَامٌّ يَشْمَلُ الْإِسْرَافَ فِي أَكْلِ الْإِنْسَانِ مِنْ مَالِهِ بِغَيْرِ سَرَفٍ، وَفِي إِنْفَاقِهِ عَلَى غَيْرِهِ مِنْ صَدَقَةٍ وَغَيْرِهَا، فَالْإِسْرَافُ مَذْمُومٌ فِي كُلِّ شَيْءٍ…وَنَاهِيكَ بِتَعْلِيلِ النَّهْيِ بِكَوْنِهِ تَعَالَى لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ. وَقَدْ وَصَفَ اللهُ عِبَادَهُ الصَّالِحِينَ بِقَوْلِهِ: ﴿وَٱلَّذِينَ إِذَآ أَنفَقُواْ لَمۡ يُسۡرِفُواْ وَلَمۡ يَقۡتُرُواْ وَكَانَ بَيۡنَ ذَٰلِكَ قَوَامٗا ﴾ [الفرقان: 67] وَقَالَ: ﴿وَءَاتِ ذَا ٱلۡقُرۡبَىٰ حَقَّهُۥ وَٱلۡمِسۡكِينَ وَٱبۡنَ ٱلسَّبِيلِ وَلَا تُبَذِّرۡ تَبۡذِيرًا ﴾ [الإسراء: 26] وَقَالَ: ﴿وَلَا تَجۡعَلۡ يَدَكَ مَغۡلُولَةً إِلَىٰ عُنُقِكَ وَلَا تَبۡسُطۡهَا كُلَّ ٱلۡبَسۡطِ فَتَقۡعُدَ مَلُومٗا مَّحۡسُورًا ﴾ [الإسراء: 29]».([9])
ومن الحفاظ على الصحة الحفاظ على النفس البشرية من الهلاك حساً ومعنى، قال تعالى: ﴿وَلَا تُلۡقُواْ بِأَيۡدِيكُمۡ إِلَى ٱلتَّهۡلُكَةِ وَأَحۡسِنُوٓاْۚ إِنَّ ٱللَّهَ يُحِبُّ ٱلۡمُحۡسِنِينَ﴾ [البقرة: 195].
«﴿وَلَا تُلْقُواْ بِأَيْدِيكُم إِلى التَّهْلُكَةِ﴾ وفي الباء قولان: أحدهما: أنها زائدة، وتقديره ولا تلقوا أيديكم إلى التهلكة. والقول الثاني: أنها غير زائدة أي ولا تلقوا أنفسكم بأيديكم إلى التهلكة، والتهلكة والهلاك واحد. وفي: ﴿وَلَا تُلْقُواْ بِأَيْدِيكُم إِلى التَّهْلُكَةِ﴾ ستة تأويلات: أحدها: أن تتركوا النفقة في سبيل الله تعالى فتهلكوا بالإثم .. والثاني: أي لا تخرجوا بغير زاد فتهلكوا بالضعف .. والثالث: أي تيأسوا من المغفرة عند ارتكاب المعاصي فلا تتوبوا.. والرابع: أن تتركوا الجهاد في سبيل الله فتهلكوا … والخامس: أنها التقحم في القتال من غير نكاية في العدو … والسادس: أنه عام محمول على جميع ذلك كله… ثم قال تعالى: ﴿وَأَحْسِنُواْ إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ﴾ فيه ثلاثة تأويلات: أحدها: أنه عنى به الإحسان في آداء الفرائض …والثاني: وأحسنوا الظن بالقَدَرِ… والثالث: عُودُوا بالإحسان على مَنْ ليس بيده شيء»([10]).
وقال تعالى حاثاً على الحفاظ على الحياة ناهياً عن قتل النفس: ﴿يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ لَا تَأۡكُلُوٓاْ أَمۡوَٰلَكُم بَيۡنَكُم بِٱلۡبَٰطِلِ إِلَّآ أَن تَكُونَ تِجَٰرَةً عَن تَرَاضٖ مِّنكُمۡۚ وَلَا تَقۡتُلُوٓاْ أَنفُسَكُمۡۚ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ بِكُمۡ رَحِيمٗا وَمَن يَفۡعَلۡ ذَٰلِكَ عُدۡوَٰنٗا وَظُلۡمٗا فَسَوۡفَ نُصۡلِيهِ نَارٗاۚ وَكَانَ ذَٰلِكَ عَلَى ٱللَّهِ يَسِيرًا﴾ [النساء: 29-30] فالإنسان مكرم عند الله تعالى: ﴿وَلَقَدۡ كَرَّمۡنَا بَنِيٓ ءَادَمَ وَحَمَلۡنَٰهُمۡ فِي ٱلۡبَرِّ وَٱلۡبَحۡرِ وَرَزَقۡنَٰهُم مِّنَ ٱلطَّيِّبَٰتِ وَفَضَّلۡنَٰهُمۡ عَلَىٰ كَثِيرٖ مِّمَّنۡ خَلَقۡنَا تَفۡضِيلٗا﴾ [الإسراء: 70] .
4. الحث على العلم والتعلم.
أول آية أنزلت على النبي صلى الله عليه وآله وسلم جاءت بصيغة الأمر اقرأ وهذا يدل بوضوح جلي على أهمية العلم والتعلم قال تعالى: ﴿ٱقۡرَأۡ بِٱسۡمِ رَبِّكَ ٱلَّذِي خَلَقَ خَلَقَ ٱلۡإِنسَٰنَ مِنۡ عَلَقٍ ٱقۡرَأۡ وَرَبُّكَ ٱلۡأَكۡرَمُ ٱلَّذِي عَلَّمَ بِٱلۡقَلَمِ عَلَّمَ ٱلۡإِنسَٰنَ مَا لَمۡ يَعۡلَم﴾ [العلق: 1-5].
وقال تعالى: ﴿..قُلۡ هَلۡ يَسۡتَوِي ٱلَّذِينَ يَعۡلَمُونَ وَٱلَّذِينَ لَا يَعۡلَمُونَۗ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُواْ ٱلۡأَلۡبَٰبِ﴾ [الزمر: 9].
«﴿قل هَل يَسْتَوِي الَّذين يعلمُونَ وَالَّذين لَا يعلمُونَ﴾ بِمَعْنى: لَا يستوون، وَيُقَال: الَّذين يعلمُونَ هم الْمُؤْمِنُونَ، وَالَّذين لَا يعلمُونَ هم الْكفَّار، وَيُقَال: الَّذين يعلمُونَ الْعلمَاء، وَالَّذين لَا يعلمُونَ الْجُهَّال»([11]).
﴿..يَرۡفَعِ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ مِنكُمۡ وَٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلۡعِلۡمَ دَرَجَٰتٖۚ وَٱللَّهُ بِمَا تَعۡمَلُونَ خَبِيرٞ﴾ [المجادلة: 11] «أخبر أنه يرفع اللَّه الذين آمنوا، وأخبر أنه يرفع اللَّه الذين أوتوا العلم من المؤمنين على الذين لم يؤتوا العلم درجات؛ لفضل العلم على سائر العبادات من الجهاد وغيره؛ ألا ترى أنه قال في آية الجهاد: ﴿فَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ عَلَى الْقَاعِدِينَ دَرَجَةً﴾ [النساء: 96] جعل للمجاهدين على القاعدين فضل درجة، وللذين أوتوا العلم على الذين لم يؤتوا درجات؛ ليعلم فضيلة العلم على غيره، وكذلك قوله – تعالى -: ﴿فَلَوْلَا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ﴾ [التوبة: 122]» ([12]).
5. الأمن والحماية.
ورد في القرآن الكريم لفظ (أمن) ومشتقاته في ثمانيةٍ وأربعين موضعًا موزعة على ثلاث وأربعين آية، تسع وعشرون منها مكية في واحد وثلاثين موضعًا، وأربع عشرة آية منها مدنية في سبعة عشر موضعًا، وذلك في أربع وعشرين سورة، سبع منها مدنية، وسبع عشرة سورة مكية، ولفظ )الأمن) مصدرًا جاء في خمسة مواضع([13]).
ولا تنمية ولا نهوض دون الأمن، وحين يضطرب الأمن في بلدٍ ما؛ فإن الجوع والخوف سيسودان قال تعالى: ﴿وَضَرَبَ ٱللَّهُ مَثَلٗا قَرۡيَةٗ كَانَتۡ ءَامِنَةٗ مُّطۡمَئِنَّةٗ يَأۡتِيهَا رِزۡقُهَا رَغَدٗا مِّن كُلِّ مَكَانٖ فَكَفَرَتۡ بِأَنۡعُمِ ٱللَّهِ فَأَذَٰقَهَا ٱللَّهُ لِبَاسَ ٱلۡجُوعِ وَٱلۡخَوۡفِ بِمَا كَانُواْ يَصۡنَعُونَ ﴾ [النحل: 112] كما أن تضييع الموارد وعدم استغلالها بطريقة صحيحة يؤدي للتخلف؛ فالعمران والتنمية يقتضي بناء دفاعات للمدن والقرى، والاستفادة من الموارد لأجل ذلك فإن قصر الإنسان كان عاقبة ذلك معيشة ضنك قوامها الفقر الجسدي والنفسي بالجوع والخوف.
وقال تعالى: ﴿لَقَدۡ كَانَ لِسَبَإٖ فِي مَسۡكَنِهِمۡ ءَايَةٞۖ جَنَّتَانِ عَن يَمِينٖ وَشِمَالٖۖ كُلُواْ مِن رِّزۡقِ رَبِّكُمۡ وَٱشۡكُرُواْ لَهُۥۚ بَلۡدَةٞ طَيِّبَةٞ وَرَبٌّ غَفُورٞ فَأَعۡرَضُواْ فَأَرۡسَلۡنَا عَلَيۡهِمۡ سَيۡلَ ٱلۡعَرِمِ وَبَدَّلۡنَٰهُم بِجَنَّتَيۡهِمۡ جَنَّتَيۡنِ ذَوَاتَيۡ أُكُلٍ خَمۡطٖ وَأَثۡلٖ وَشَيۡءٖ مِّن سِدۡرٖ قَلِيلٖ ذَٰلِكَ جَزَيۡنَٰهُم بِمَا كَفَرُواْۖ وَهَلۡ نُجَٰزِيٓ إِلَّا ٱلۡكَفُورَ وَجَعَلۡنَا بَيۡنَهُمۡ وَبَيۡنَ ٱلۡقُرَى ٱلَّتِي بَٰرَكۡنَا فِيهَا قُرٗى ظَٰهِرَةٗ وَقَدَّرۡنَا فِيهَا ٱلسَّيۡرَۖ سِيرُواْ فِيهَا لَيَالِيَ وَأَيَّامًا ءَامِنِينَ فَقَالُواْ رَبَّنَا بَٰعِدۡ بَيۡنَ أَسۡفَارِنَا وَظَلَمُوٓاْ أَنفُسَهُمۡ فَجَعَلۡنَٰهُمۡ أَحَادِيثَ وَمَزَّقۡنَٰهُمۡ كُلَّ مُمَزَّقٍۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَأٓيَٰتٖ لِّكُلِّ صَبَّارٖ شَكُورٖ﴾ [سبأ: 15- 19].
«وَفِي الْآيَةِ دَلَالَةٌ وَاضِحَةٌ عَلَى أَنَّ تَأْمِينَ الطَّرِيقِ وَتَيْسِيرَ الْمُوَاصَلَاتِ وَتَقْرِيبَ الْبُلْدَانِ لِتَيْسِيرِ تَبَادُلِ الْمَنَافِعِ وَاجْتِلَابِ الْأَرْزَاقِ مِنْ هُنَا وَمِنْ هُنَاكَ نِعْمَةٌ إِلَهِيَّةٌ وَمَقْصِدٌ شَرْعِيٌّ يُحِبُّهُ اللَّهُ لِمَنْ يُحِبُّ أَنْ يَرْحَمَهُ مِنْ عِبَادِهِ كَمَا قَالَ تَعَالَى: ﴿وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثابَةً لِلنَّاسِ وَأَمْناً﴾ [الْبَقَرَة: 125] وَقَالَ: ﴿وَإِذْ قالَ إِبْراهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا بَلَداً آمِناً وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَراتِ﴾ [الْبَقَرَة: 126] وَقَالَ: ﴿وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ﴾ [قُرَيْش: 4] فَلِذَلِكَ قَالَ هُنَا: ﴿وَجَعَلْنا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْقُرَى الَّتِي بارَكْنا فِيها قُرىً ظاهِرَةً وَقَدَّرْنا فِيهَا السَّيْرَ سِيرُوا فِيها لَيالِيَ وَأَيَّاماً آمِنِينَ﴾ [سبأ:18 ]. وَعَلَى أَنَّ الْإِجْحَافَ فِي إِيفَاءِ النِّعْمَةِ حَقَّهَا مِنَ الشُّكْرِ يُعَرِّضُ بِهَا لِلزَّوَالِ وَانْقِلَابِ الْأَحْوَالِ قَالَ تَعَالَى: ﴿ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا قَرْيَةً كانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيها رِزْقُها رَغَداً مِنْ كُلِّ مَكانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذاقَهَا اللَّهُ لِباسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِما كانُوا يَصْنَعُونَ﴾ [النَّحْل:112] .
مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كُلِّهِ كَانَ حَقًّا عَلَى وُلَاةِ أُمُورِ الْأُمَّةِ أَنْ يَسْعَوْا جُهْدَهُمْ فِي تَأْمِينِ الْبِلَادِ وَحِرَاسَةِ السُّبُلِ وَتَيْسِيرِ الْأَسْفَارِ وَتَقْرِيرِ الْأَمْنِ فِي سَائِرِ نَوَاحِي الْبِلَادِ جَلِيلِهَا وَصَغِيرِهَا بِمُخْتَلِفِ الْوَسَائِلِ، وَكَانَ ذَلِكَ مِنْ أَهَمِّ مَا تُنْفَقُ فِيهِ أَمْوَالُ الْمُسْلِمِينَ وَمَا يَبْذُلُ فِيهِ أَهْلُ الْخَيْرِ مِنَ الْمُوسِرِينَ أَمْوَالَهُمْ عَوْنًا عَلَى ذَلِكَ»([14]).
6. حفظ الأموال وترشيد الإنفاق والبعد عن الاسراف.
شبّه الله تعالى المال لحياة الناس بالعمود الفقري الذي لايقوم الجسم إلا به، وأمر عز وجل بحفظ الأموال من الضياع، وحذر من الإنفاق في غير مصلحة، ونهى عن البخل والتقتير كما نهى عن الاسراف والتبذير، وخط للناس نهجاً رشيداً للتعامل مع الأموال، فمن ذلك قول الله تعالى:
﴿وَلَا تُؤۡتُواْ ٱلسُّفَهَآءَ أَمۡوَٰلَكُمُ ٱلَّتِي جَعَلَ ٱللَّهُ لَكُمۡ قِيَٰمٗا وَٱرۡزُقُوهُمۡ فِيهَا وَٱكۡسُوهُمۡ وَقُولُواْ لَهُمۡ قَوۡلٗا مَّعۡرُوفٗا وَٱبۡتَلُواْ ٱلۡيَتَٰمَىٰ حَتَّىٰٓ إِذَا بَلَغُواْ ٱلنِّكَاحَ فَإِنۡ ءَانَسۡتُم مِّنۡهُمۡ رُشۡدٗا فَٱدۡفَعُوٓاْ إِلَيۡهِمۡ أَمۡوَٰلَهُمۡۖ وَلَا تَأۡكُلُوهَآ إِسۡرَافٗا وَبِدَارًا أَن يَكۡبَرُواْۚ وَمَن كَانَ غَنِيّٗا فَلۡيَسۡتَعۡفِفۡۖ وَمَن كَانَ فَقِيرٗا فَلۡيَأۡكُلۡ بِٱلۡمَعۡرُوفِۚ فَإِذَا دَفَعۡتُمۡ إِلَيۡهِمۡ أَمۡوَٰلَهُمۡ فَأَشۡهِدُواْ عَلَيۡهِمۡۚ وَكَفَىٰ بِٱللَّهِ حَسِيبٗا﴾ [النساء: 5-6].
«الْخِطَابُ فِي قَوْلِهِ: وَلا تُؤْتُوا السُّفَهاءَ كَمِثْلِ الْخِطَابِ فِي ﴿وَآتُوا الْيَتامى﴾ ﴿وَآتُوا النِّساءَ﴾ هُوَ لِعُمُومِ النَّاسِ الْمُخَاطَبِينَ ..لِيَأْخُذَ كُلُّ مَنْ يَصْلُحُ لِهَذَا الْحُكْمِ حَظَّهُ مِنَ الِامْتِثَالِ. والسفهاء يَجُوزُ أَنْ يُرَادَ بِهِ الْيَتَامَى، لِأَنَّ الصِّغَرَ هُوَ حَالَةُ السَّفَهِ الْغَالِبَةِ، … وَيَجُوزُ أَنْ يُرَادَ بِهِ مُطْلَقُ مَنْ ثَبَتَ لَهُ السَّفَهُ، سَوَاءً كَانَ عَنْ صِغَرٍ أَمْ عَنِ اخْتِلَالِ تَصَرُّفٍ، .. وَهَذَا هُوَ الْأَظْهَرُ لِأَنَّهُ أَوْفَرُ مَعْنًى وَأَوْسَعُ تَشْرِيعًا… وَأُضِيفَتِ الْأَمْوَالُ إِلَى ضَمِيرِ الْمُخَاطَبِينَ بِـ ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ﴾ إِشَارَةً بَدِيعَةً إِلَى أَنَّ الْمَالَ الرَّائِجَ بَيْنَ النَّاسِ هُوَ حَقٌّ لِمَالِكِيهِ الْمُخْتَصِّينَ بِهِ فِي ظَاهِرِ الْأَمْرِ، وَلَكِنَّهُ عِنْدَ التَّأَمُّلِ تَلُوحُ فِيهِ حُقُوق الْأمة جَمْعَاءَ لِأَنَّ فِي حُصُولِهِ مَنْفَعَةً لِلْأُمَّةِ كُلِّهَا، لِأَنَّ مَا فِي أَيْدِي بَعْضِ أَفْرَادِهَا مِنَ الثَّرْوَةِ يَعُودُ إِلَى الْجَمِيعِ بِالصَّالِحَةِ، فَمِنْ تِلْكَ الْأَمْوَالِ يُنْفِقُ أَرْبَابُهَا وَيَسْتَأْجِرُونَ وَيَشْتَرُونَ وَيَتَصَدَّقُونَ ثُمَّ تُورَثُ عَنْهُمْ إِذَا مَاتُوا فَيَنْتَقِلُ الْمَالُ بِذَلِكَ مِنْ يَدٍ إِلَى غَيْرِهَا فَيَنْتَفِعُ الْعَاجِزُ وَالْعَامِلُ وَالتَّاجِرُ وَالْفَقِيرُ وَذُو الْكَفَافِ، وَمَتَى قَلَّتِ مِنْ أَيْدِي النَّاسِ تَقَارَبُوا فِي الْحَاجَةِ وَالْخَصَاصَةِ، فَأَصْبَحُوا فِي ضَنْكٍ وَبُؤْسٍ، وَاحْتَاجُوا إِلَى قَبِيلَةٍ أَوْ أُمَّةٍ أُخْرَى وَذَلِكَ مِنْ أَسْبَابِ ابْتِزَازِ عِزِّهِمْ، وَامْتِلَاكِ بِلَادِهِمْ، وَتَصْيِيرِ مَنَافِعِهِمْ لِخِدْمَةِ غَيْرِهِمْ، فَلِأَجْلِ هَاتِهِ الْحِكْمَةِ أَضَافَ اللَّهُ تَعَالَى الْأَمْوَالَ إِلَى جَمِيعِ الْمُخَاطَبِينَ لِيَكُونَ لَهُمُ الْحَقُّ فِي إِقَامَةِ الْأَحْكَامِ الَّتِي تَحْفَظُ الْأَمْوَالَ وَالثَّرْوَةَ الْعَامَّةَ، وَهَذِهِ إِشَارَةٌ لَا أَحْسَبُ أَنَّ حَكِيمًا مِنْ حُكَمَاءِ الِاقْتِصَادِ سَبَقَ الْقُرْآنَ إِلَى بَيَانِهَا.. وَأُجْرِيَ عَلَى الْأَمْوَالِ صِفَةٌ تَزِيدُ إِضَافَتُهَا إِلَى الْمُخَاطَبِينَ وُضُوحًا وَهِيَ قَوْلُهُ: الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِياماً فَجَاءَ فِي الصِّفَةِ بِمَوْصُولٍ إِيمَاءً إِلَى تَعْلِيلِ النَّهْيِ، وَإِيضَاحًا لِمَعْنَى الْإِضَافَة، فإنّ ﴿قِياماً﴾ مَصْدَرٌ عَلَى وَزْنِ فِعَلٍ بِمَعْنَى فِعَالٍ: .. وَالْقِيَامُ مَا بِهِ يُتَقَوَّمُ الْمَعَاشُ..وَالْمَعْنَى أَنَّهَا تَقْوِيمٌ عَظِيمٌ لِأَحْوَالِ النَّاسِ»([15]).
فالآيات القرآنية تؤكد على حفظ الأموال من تصرف السفهاء، وعدم التجاوز على أموال اليتامى، وفي آيات أخرى يؤكد سبحانه وتعالى على الإحسان إلى أصناف مستحقة، وذم البخل والإسراف فقال سبحانه: ﴿يَسۡـَٔلُونَكَ مَاذَا يُنفِقُونَۖ قُلۡ مَآ أَنفَقۡتُم مِّنۡ خَيۡرٖ فَلِلۡوَٰلِدَيۡنِ وَٱلۡأَقۡرَبِينَ وَٱلۡيَتَٰمَىٰ وَٱلۡمَسَٰكِينِ وَٱبۡنِ ٱلسَّبِيلِۗ وَمَا تَفۡعَلُواْ مِنۡ خَيۡرٖ فَإِنَّ ٱللَّهَ بِهِۦ عَلِيمٞ﴾ [البقرة: 215].
على أن إنفاق الأموال يكون باعتدال وتوازن لا إسراف ولا تبذير ولا تقتير قال تعالى: ﴿وَلَا تَجۡعَلۡ يَدَكَ مَغۡلُولَةً إِلَىٰ عُنُقِكَ وَلَا تَبۡسُطۡهَا كُلَّ ٱلۡبَسۡطِ فَتَقۡعُدَ مَلُومٗا مَّحۡسُورًا﴾ [الإسراء: 29].
«وهذا مثلٌ ضربه الله تبارك وتعالى للممتنع من الإنفاق في الحقوق التي أوجبها في أموال ذوي الأموال، فجعله كالمشدودة يده إلى عنقه، الذي لا يقدر على الأخذ بها والإعطاء.
وإنما معنى الكلام: ولا تمسك يا محمد يدك بخلاً عن النفقة في حقوق الله، فلا تنفق فيها شيئاً إمساك المغلولة يده إلى عنقه، الذي لا يستطيع بسطها ﴿وَلا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ﴾ يقول: ولا تبسطها بالعطية كلّ البسط، فتَبقى لا شيء عندك، ولا تجد إذا سئلت شيئاً تعطيه سائلك ﴿فَتَقْعُدَ مَلُومًا مَحْسُورًا﴾ يقول: فتقعد يلومك سائلوك إذا لم تعطهم حين سألوك، وتلومك نفسك على الإسراع في مالك وذهابه، محسوراً: يقول: مَعِيباً، قد انقُطِع بك، لا شيء عندك تنفقه، وأصله من قولهم للدابة التي قد سير عليها حتى انقَطَع سيرها، وكلَّت ورَزحت من السير، بأنه حَسِير. يقال منه: حَسَرْت الدابة فأنا أحسِرُها، وأحسُرها حَسْراً، وذلك إذا أنضيته بالسير، وحَسَرته بالمسألة إذا سألته فألحفت، وحَسَرَ البصرُ فهو يَحْسِر، وذلك إذا بلغ أقصى المنظر فكَلّ»([16]).
وقال سبحانه: ﴿وَءَاتِ ذَا ٱلۡقُرۡبَىٰ حَقَّهُۥ وَٱلۡمِسۡكِينَ وَٱبۡنَ ٱلسَّبِيلِ وَلَا تُبَذِّرۡ تَبۡذِيرًا إِنَّ ٱلۡمُبَذِّرِينَ كَانُوٓاْ إِخۡوَٰنَ ٱلشَّيَٰطِينِۖ وَكَانَ ٱلشَّيۡطَٰنُ لِرَبِّهِۦ كَفُورٗا ﴾ [الإسراء: 26-27].
«وَلا تُبَذِّرْ تَبْذِيراً في التبذير قولان: أحدهما: أنه إِنفاق المال في غير حق.. وقال.. التبذير: النفقة في غير طاعة الله، وكانت الجاهلية تنحر الإِبل وتبذِّر الأموال تطلب بذلك الفخر والسّمعة، فأمر الله عزّ وجلّ بالنفقة في وجهها فيما يقرِّب منه.والثاني: أنه الإِسراف المتلفِ للمال.. والمبذِّر: هو المُسرف المفسد العائث. قوله تعالى: ﴿إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كانُوا إِخْوانَ الشَّياطِينِ﴾ لأنهم يوافقونهم فيما يدعونهم إِليه، ويشاكلونهم في معصية الله تعالى: وَكانَ الشَّيْطانُ لِرَبِّهِ كَفُوراً أي: جاحداً لنِعَمه. وهذا يتضمن أن المسرف كفور للنِّعم»([17]).
والله يمتن على عباده بتسخير الأرض وإخراج الطيبات من الزروع والثمار وتسخير الأنعام، ويأمر الله الإنسان بالإنفاق مما رزقه وجعل ذلك حقاً وواجباً، ثم أرشد إلى ألّا يسرف الإنسان في الإنفاق وأن يحذر من غواية الشيطان فقال تعالى: ﴿وَهُوَ ٱلَّذِيٓ أَنشَأَ جَنَّٰتٖ مَّعۡرُوشَٰتٖ وَغَيۡرَ مَعۡرُوشَٰتٖ وَٱلنَّخۡلَ وَٱلزَّرۡعَ مُخۡتَلِفًا أُكُلُهُۥ وَٱلزَّيۡتُونَ وَٱلرُّمَّانَ مُتَشَٰبِهٗا وَغَيۡرَ مُتَشَٰبِهٖۚ كُلُواْ مِن ثَمَرِهِۦٓ إِذَآ أَثۡمَرَ وَءَاتُواْ حَقَّهُۥ يَوۡمَ حَصَادِهِۦۖ وَلَا تُسۡرِفُوٓاْۚ إِنَّهُۥ لَا يُحِبُّ ٱلۡمُسۡرِفِينَ وَمِنَ ٱلۡأَنۡعَٰمِ حَمُولَةٗ وَفَرۡشٗاۚ كُلُواْ مِمَّا رَزَقَكُمُ ٱللَّهُ وَلَا تَتَّبِعُواْ خُطُوَٰتِ ٱلشَّيۡطَٰنِۚ إِنَّهُۥ لَكُمۡ عَدُوّٞ مُّبِينٞ﴾ [الأنعام: 141-142].
وقال عز من قائل معلماً ومرشداً: ﴿يَٰبَنِيٓ ءَادَمَ خُذُواْ زِينَتَكُمۡ عِندَ كُلِّ مَسۡجِدٖ وَكُلُواْ وَٱشۡرَبُواْ وَلَا تُسۡرِفُوٓاْۚ إِنَّهُۥ لَا يُحِبُّ ٱلۡمُسۡرِفِينَ﴾ [الأعراف: 31].
7. التنمية الرشيدة المستدامة([18]) ومحاربة المفسدين في الأرض.
التنمية لا تكون راشدة ناجحة إلا إن كانت مستدامة؛ وذلك بالحفاظ على الثروات الطبيعية والموارد الحياتية التي خلقها الله للإنسان على مر العصور وتوالي الدهور إلى يوم النشور([19])، والله سخر لنا كل مافي هذا الكون -والتسخير هو تمكين الإنسان من الانتفاع بالموارد بأن جعلها الله سبحانه فى تناول يد الإنسان ونطاق عقله وقدرته- قال تعالى: ﴿هُوَ ٱلَّذِيٓ أَنزَلَ مِنَ ٱلسَّمَآءِ مَآءٗۖ لَّكُم مِّنۡهُ شَرَابٞ وَمِنۡهُ شَجَرٞ فِيهِ تُسِيمُونَ يُنۢبِتُ لَكُم بِهِ ٱلزَّرۡعَ وَٱلزَّيۡتُونَ وَٱلنَّخِيلَ وَٱلۡأَعۡنَٰبَ وَمِن كُلِّ ٱلثَّمَرَٰتِۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَأٓيَةٗ لِّقَوۡمٖ يَتَفَكَّرُونَ وَسَخَّرَ لَكُمُ ٱلَّيۡلَ وَٱلنَّهَارَ وَٱلشَّمۡسَ وَٱلۡقَمَرَۖ وَٱلنُّجُومُ مُسَخَّرَٰتُۢ بِأَمۡرِهِۦٓۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَأٓيَٰتٖ لِّقَوۡمٖ يَعۡقِلُونَ وَمَا ذَرَأَ لَكُمۡ فِي ٱلۡأَرۡضِ مُخۡتَلِفًا أَلۡوَٰنُهُۥٓۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَأٓيَةٗ لِّقَوۡمٖ يَذَّكَّرُونَ وَهُوَ ٱلَّذِي سَخَّرَ ٱلۡبَحۡرَ لِتَأۡكُلُواْ مِنۡهُ لَحۡمٗا طَرِيّٗا وَتَسۡتَخۡرِجُواْ مِنۡهُ حِلۡيَةٗ تَلۡبَسُونَهَاۖ وَتَرَى ٱلۡفُلۡكَ مَوَاخِرَ فِيهِ وَلِتَبۡتَغُواْ مِن فَضۡلِهِۦ وَلَعَلَّكُمۡ تَشۡكُرُونَ ﴾ [النحل: 10-14].
كما حث القرآن على الاستفادة من خيرات الأرض، وقد جاء ذلك في آيات عديدة من القرآن الكريم تقرر أن الله عز وجل خلق الموارد وسخرها لخلقه جميعاً وتدعوا للاستفادة منها وشكر الله عليها، قال تعالى: ﴿وَمَا يَسۡتَوِي ٱلۡبَحۡرَانِ هَٰذَا عَذۡبٞ فُرَاتٞ سَآئِغٞ شَرَابُهُۥ وَهَٰذَا مِلۡحٌ أُجَاجٞۖ وَمِن كُلّٖ تَأۡكُلُونَ لَحۡمٗا طَرِيّٗا وَتَسۡتَخۡرِجُونَ حِلۡيَةٗ تَلۡبَسُونَهَاۖ وَتَرَى ٱلۡفُلۡكَ فِيهِ مَوَاخِرَ لِتَبۡتَغُواْ مِن فَضۡلِهِۦ وَلَعَلَّكُمۡ تَشۡكُرُونَ﴾ [فاطر: 12].
وقال تعالى: ﴿يَٰٓأَيُّهَا ٱلنَّاسُ كُلُواْ مِمَّا فِي ٱلۡأَرۡضِ حَلَٰلٗا طَيِّبٗا وَلَا تَتَّبِعُواْ خُطُوَٰتِ ٱلشَّيۡطَٰنِۚ إِنَّهُۥ لَكُمۡ عَدُوّٞ مُّبِينٌ إِنَّمَا يَأۡمُرُكُم بِٱلسُّوٓءِ وَٱلۡفَحۡشَآءِ وَأَن تَقُولُواْ عَلَى ٱللَّهِ مَا لَا تَعۡلَمُونَ﴾ [البقرة: 168-169].
وصون حياة الإنسان حاضراً ومستقبلاً مقصد قرآني، والحفاظ على الموارد منهج رباني، لتبقى للأجيال عبر الأعصار؛ ولذلك أمر الله بالإنفاق باعتدال ونهى عن إضاعة الموارد في غير محلها، فحرم الإسراف والتبذير الذى يؤدي إلى استنزاف الموارد فى غير فائدة، فالمسلم يتعامل بميزان واعتدال كما قال تعالى: ﴿وَٱلسَّمَآءَ رَفَعَهَا وَوَضَعَ ٱلۡمِيزَانَ أَلَّا تَطۡغَوۡاْ فِي ٱلۡمِيزَانِ وَأَقِيمُواْ ٱلۡوَزۡنَ بِٱلۡقِسۡطِ وَلَا تُخۡسِرُواْ ٱلۡمِيزَانَ وَٱلۡأَرۡضَ وَضَعَهَا لِلۡأَنَامِ فِيهَا فَٰكِهَةٞ وَٱلنَّخۡلُ ذَاتُ ٱلۡأَكۡمَامِ وَٱلۡحَبُّ ذُو ٱلۡعَصۡفِ وَٱلرَّيۡحَانُ فَبِأَيِّ ءَالَآءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ ﴾ [الرحمن:7-13].
والميزان العدل يقتضي العدالة بين الأجيال المتعاقبة، كما قال العلماء: «لولا أن الثاني – الجيل التالي – يرتفق – ينتفع- بما أنشأه الأول حتى يصير مستغنياً لافتقر أهل كل عصر إلى إنشاء ما يحتاجونه من منازل السكنى وأراضي الحرث، وفي ذلك من الإعواز وتعذر الإمكان ما لا خفاء فيه، فلذلك ما أرفق اللَّهَ تعالى خلقه باتساع الآمال إلا حتى عمر به الدنيا فعمّ صلاحها وصارت تنتقل بعمرانها إلى قرن بعد قرن، فيُتِمُّ الثاني ما أبقاه الأول من عمارتها، ويرمّم الثالث ما أحدثه الثاني من شعثها لتكون أحوالها على الأعصار ملتئمة، وأمورها على ممر الدهور منتظمة»([20]).
وكذلك نجد القرآن ليحافظ على تنمية مستدامة يدعو لحماية البيئة وعدم الإضرار بها وينهى عن الفساد والإفساد ويوجّه الناس ليقفوا في وجه المفسدين من ذلك قوله تعالى: ﴿وَلَا تُفۡسِدُواْ فِي ٱلۡأَرۡضِ بَعۡدَ إِصۡلَٰحِهَا وَٱدۡعُوهُ خَوۡفٗا وَطَمَعًاۚ إِنَّ رَحۡمَتَ ٱللَّهِ قَرِيبٞ مِّنَ ٱلۡمُحۡسِنِينَ وَهُوَ ٱلَّذِي يُرۡسِلُ ٱلرِّيَٰحَ بُشۡرَۢا بَيۡنَ يَدَيۡ رَحۡمَتِهِۦۖ حَتَّىٰٓ إِذَآ أَقَلَّتۡ سَحَابٗا ثِقَالٗا سُقۡنَٰهُ لِبَلَدٖ مَّيِّتٖ فَأَنزَلۡنَا بِهِ ٱلۡمَآءَ فَأَخۡرَجۡنَا بِهِۦ مِن كُلِّ ٱلثَّمَرَٰتِۚ كَذَٰلِكَ نُخۡرِجُ ٱلۡمَوۡتَىٰ لَعَلَّكُمۡ تَذَكَّرُونَ ﴾ [الأعراف: 56-57].
«وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا أي: بعد أن جعلها لكم صالحة لمعاشكم ومقامكم فيها، أو بعد ما أمر وبين لكم ما به صلاحكم وصلاح دينكم، أو بعد ما أرسل من الرسل ما بهم صلاح الأرض وأهلها»([21]) ومخالفة أمر الله طريق للفساد ﴿وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا﴾ أي لا تعملوا فيها بالمعاصي وَبخِس الناس بعد أنْ أصلحها الله بالأمر بالعدل وإرسال الرسل»([22]).
﴿وَٱذۡكُرُوٓاْ إِذۡ جَعَلَكُمۡ خُلَفَآءَ مِنۢ بَعۡدِ عَادٖ وَبَوَّأَكُمۡ فِي ٱلۡأَرۡضِ تَتَّخِذُونَ مِن سُهُولِهَا قُصُورٗا وَتَنۡحِتُونَ ٱلۡجِبَالَ بُيُوتٗاۖ فَٱذۡكُرُوٓاْ ءَالَآءَ ٱللَّهِ وَلَا تَعۡثَوۡاْ فِي ٱلۡأَرۡضِ مُفۡسِدِينَ﴾ [الأعراف: 74].
﴿وَلا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ﴾ مَعْنَاهُ: وَلَا تَسْعَوْا فِي إِفْسَادِ مَصَالِحِ الْغَيْرِ فَإِنَّ ذَلِكَ فِي الْحَقِيقَةِ سَعْيٌ مِنْكُمْ فِي إِفْسَادِ مَصَالِحِ أَنْفُسِكُمْ..وَلا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ مَصَالِحَ دُنْيَاكُمْ وَآخِرَتِكُمْ.. وَلَا تَعْثَوْا فِي الأرض مفسدين مصالح الأديان»([23]).
﴿وَمِنَ ٱلنَّاسِ مَن يُعۡجِبُكَ قَوۡلُهُۥ فِي ٱلۡحَيَوٰةِ ٱلدُّنۡيَا وَيُشۡهِدُ ٱللَّهَ عَلَىٰ مَا فِي قَلۡبِهِۦ وَهُوَ أَلَدُّ ٱلۡخِصَامِ وَإِذَا تَوَلَّىٰ سَعَىٰ فِي ٱلۡأَرۡضِ لِيُفۡسِدَ فِيهَا وَيُهۡلِكَ ٱلۡحَرۡثَ وَٱلنَّسۡلَۚ وَٱللَّهُ لَا يُحِبُّ ٱلۡفَسَادَ وَإِذَا قِيلَ لَهُ ٱتَّقِ ٱللَّهَ أَخَذَتۡهُ ٱلۡعِزَّةُ بِٱلۡإِثۡمِۚ فَحَسۡبُهُۥ جَهَنَّمُۖ وَلَبِئۡسَ ٱلۡمِهَادُ وَمِنَ ٱلنَّاسِ مَن يَشۡرِي نَفۡسَهُ ٱبۡتِغَآءَ مَرۡضَاتِ ٱللَّهِۚ وَٱللَّهُ رَءُوفُۢ بِٱلۡعِبَادِ ﴾ [البقرة: 204-207].
«هَذَا الْفَسَادُ يَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا: مَا كَانَ مِنْ إِتْلَافِ الْأَمْوَالِ بِالتَّخْرِيبِ وَالتَّحْرِيقِ وَالنَّهْبِ. وَالْوَجْهُ الثَّانِي فِي تَفْسِيرِ الْفَسَادِ: أَنَّهُ كَانَ بَعْدَ الِانْصِرَافِ مِنْ حَضْرَةِ النَّبِيِّ عَلَيْهِ السَّلَامُ يَشْتَغِلُ بِإِدْخَالِ الشُّبَهِ فِي قُلُوبِ الْمُسْلِمِينَ، وَبِاسْتِخْرَاجِ الْحِيَلِ فِي تَقْوِيَةِ الْكُفْرِ، وَهَذَا الْمَعْنَى يُسَمَّى فَسَادًا، قَالَ تَعَالَى: حِكَايَةً عَنْ قَوْمِ فِرْعَوْنَ حَيْثُ قَالُوا لَهُ: ﴿أَتَذَرُ مُوسى وَقَوْمَهُ لِيُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ﴾ [الْأَعْرَافِ: 127] أَيْ يَرُدُّوا قَوْمَكَ عَنْ دِينِهِمْ، وَيُفْسِدُوا عَلَيْهِمْ شَرِيعَتَهُمْ، وَقَالَ أَيْضًا: ﴿إِنِّي أَخافُ أَنْ يُبَدِّلَ دِينَكُمْ أَوْ أَنْ يُظْهِرَ فِي الْأَرْضِ الْفَسادَ﴾ [غَافِرٍ: 26] ([24]).
﴿أَتُتۡرَكُونَ فِي مَا هَٰهُنَآ ءَامِنِينَ ١٤٦ فِي جَنَّٰتٖ وَعُيُونٖ ١٤٧ وَزُرُوعٖ وَنَخۡلٖ طَلۡعُهَا هَضِيمٞ ١٤٨ وَتَنۡحِتُونَ مِنَ ٱلۡجِبَالِ بُيُوتٗا فَٰرِهِينَ ١٤٩ فَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَأَطِيعُونِ ١٥٠ وَلَا تُطِيعُوٓاْ أَمۡرَ ٱلۡمُسۡرِفِينَ ١٥١ ٱلَّذِينَ يُفۡسِدُونَ فِي ٱلۡأَرۡضِ وَلَا يُصۡلِحُونَ﴾ [الشعراء: 146-152].
«﴿وَلَا تُطِيعُوا أَمْرَ الْمُسْرِفِينَ﴾ يقول -واللَّه أعلم -: اتقوا نقمة اللَّه في مخالفتكم أمره، وأطيعون ولا تطيعوا أمر المسرفين، أي: لا تطيعوا أمر من ظهر لكم منه الإسراف والفساد، ولكن أطيعوا أمري؛ إذا لم يظهر لكم مني إسراف ولا فساد، ولا تطيعوا الذين تعلمون أنهم يفسدون في الأرض ولا يصلحون»([25]).
«وآمِنِينَ حَال مبينَة لِبَعْضِ مَا أجمله قَوْله: فِي مَا هاهُنا.وَذَلِكَ تَنْبِيهٌ عَلَى نِعْمَةٍ عَظِيمَةٍ لَا يَدُلُّ عَلَيْهَا اسْمُ الْإِشَارَةِ لِأَنَّهَا لَا يُشَارُ إِلَيْهَا وَهِيَ نِعْمَةُ الْأَمْنِ الَّتِي هِيَ مِنْ أَعْظَمِ النِّعَمِ وَلَا يُتَذَوَّقُ طَعْمُ النِّعَمِ الْأُخْرَى إِلَّا بِهَا. وَقَوْلُهُ: فِي جَنَّاتٍ يَنْبَغِي أَنْ يُعَلَّقَ بِ آمِنِينَ لِيَكُونَ مَجْمُوعُ ذَلِكَ تَفْصِيلًا لِإِجْمَالِ اسْمِ الْإِشَارَةِ، أَيِ اجْتَمَعَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَرَفَاهِيَةُ الْعَيْشِ»([26]).
ولتحقيق الاستدامة والوقوف أمام المفسدين لا بد من نظام وتشريع ومؤسسات وحكومة تضمن ذلك كله، وهو ما يأمر به سبحانه كما يفهم من الآية الكريمة: ﴿إِنَّ ٱللَّهَ يَأۡمُرُكُمۡ أَن تُؤَدُّواْ ٱلۡأَمَٰنَٰتِ إِلَىٰٓ أَهۡلِهَا وَإِذَا حَكَمۡتُم بَيۡنَ ٱلنَّاسِ أَن تَحۡكُمُواْ بِٱلۡعَدۡلِۚ إِنَّ ٱللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُم بِهِۦٓۗ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ سَمِيعَۢا بَصِيرٗا ٥٨ يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ أَطِيعُواْ ٱللَّهَ وَأَطِيعُواْ ٱلرَّسُولَ وَأُوْلِي ٱلۡأَمۡرِ مِنكُمۡۖ فَإِن تَنَٰزَعۡتُمۡ فِي شَيۡءٖ فَرُدُّوهُ إِلَى ٱللَّهِ وَٱلرَّسُولِ إِن كُنتُمۡ تُؤۡمِنُونَ بِٱللَّهِ وَٱلۡيَوۡمِ ٱلۡأٓخِرِۚ ذَٰلِكَ خَيۡرٞ وَأَحۡسَنُ تَأۡوِيلًا ٥٩﴾ [النساء: 58-59].
نماذج عملية في تحقيق التنمية الرشيدة كما في قصص القرآن الكريم:
القرآن الكريم أعطى نماذج توضح التنمية الرشيدة وأثرها في تحسين حياة الناس ونهوض حالهم سواء في تنمية الموارد ورأس المال البشري أو المادي أو استخدام التقانات الحديثة في كل عصر أو الاستفادة من الثروات الطبيعية التي خلقها الله للإنسان هذه النماذج جميعاً مؤسسة على محورية الإنسان ودوره في الاستفادة من الموارد المسخرة له لتحسين حياته والوصول للحياة الطيبة وبتعبير ابن خلدون للوصول إلى “الرفاه” وهذه بعض النماذج القرآنية:
قصة “ذو القرنين”:
جاءت قصة ذي القرنين في أواخر سورة الكهف مفصلة وفيها شرح واضح للتنمية ودورها في تحسين حياة الناس والاقتراب من الرفاه، والتنمية المقصودة تبدأ من الإنسان وتنتهي إليه وتمر بالنواحي الاقتصادية والتعليمية؛ ونشير إشارات لما سبق:
قوله: «﴿إِنَّا مَكَنَّا لَهُ فِي الأَرْضِ﴾ يحتمل وجهين: أحدهما: باستيلائه على ملكها. الثاني: بقيامه بمصالحها. ﴿وَأَتَيْنَاهُ مِن كُلِّ شَيْءٍ سَبَباً﴾ فيه وجهان: أحدهما: من كل شيء علماً ينتسب به إلى إرادته … الثاني: ما يستعين به على لقاء الملوك وقتل الأعداء وفتح البلاد. ويحتمل وجهاً ثالثاً: وجعلنا له من كل أرض وليها سلطاناً وهيبة»([27]).
فالله تعالى جعل “ذو القرنين” صاحب علم ونفوذ وسلطان، ويسر له أسباب الملك، فما من سبب يقوي ملكه إلا أعطاه إياه، كآلات السير، وكثرة الجند، وأسباب العمران، والعلم المفضي للرفاه، فأتبع طريقاً وأسلوباً من شأنه إنجاح غزوه ومساره في الأرض؛ جاء في تفسير تأويلات أهل السنة: «﴿وَآتَيْنَاهُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ سَبَبًا﴾ اختلف في ذلك: قَالَ بَعْضُهُمْ: علم المنازل: أي: منازل الأرض ومعالمها وآثارها.وقَالَ بَعْضُهُمْ: العلم والقوة. وقَالَ بَعْضُهُمْ: أعطاه السبب الذي به صلاح ما مكن له، وملك له مما يقع له الحاجة إليه…وأصله: أنه ذكر أنه أتاه السبب الذي به صلاح ما مكن له وملك عليه، ولم يبين ما ذلك السبب»([28]).
وهذه الأسباب التي كان يأخذ بها للوصول لأهدافه تعلمنا أن الإنسان لا يصل لنهوض حضاري بالقعود والكسل بل بالعمل واتخاذ الأسباب وفق سنن الله في أرضه ومنها العلم والتنمية الراشدة واستخدام التقانات الأفضل في زمانها ومكانها.
ولما وصل ذو القرنين إلى أهل القرية الذين لا يكادون يفقهون قولاً أقام لهم بنياناً يساهم في عمران بلدهم وتنميتهم قال تعالى: ﴿حَتَّىٰٓ إِذَا بَلَغَ بَيۡنَ ٱلسَّدَّيۡنِ وَجَدَ مِن دُونِهِمَا قَوۡمٗا لَّا يَكَادُونَ يَفۡقَهُونَ قَوۡلٗا﴾ [الكهف: 93] (لا يكادون يفقهون قولاً) لضعف تعليمهم وضعف حالهم وتخلفهم ووهنهم فليس فيهم من يتقن اللغات أو من يبين ويفصح عن الحاجات إلا بشق الأنفس حتى يكادون لا يبينون كما قال المفسرون، وكأنهم أهل بداوة لا عمران، أيضاً هم لا يستطيعون دفع من تسلط عليهم من قوم يأجوج ومأجوج الذين أفسدوا عليهم حياتهم، بمقابل ذي القرنين الذي علمه الله وآتاه من فضله فكان يتبع الأسباب بتمكين الله تعالى له وإيتاءه من كل شيء سببا؛ فذو القرنين قد بلغ من العلم والمعرفة والتقدم والتنمية الرشيدة مبلغاً وصلت سمعته الآفاق فمكن الله تعالى له في الأرض، وآتاه من كل شيء سببا، ويسر له أسباب الحكم والفتح، والعمران والحضارة (ثم أتبع سببا) أي سخر ما وهب الله له من النعم في تحقيق غايته وهدفه، ولم يضيع ذلك هباء.
واختلف المفسرون هل كان هؤلاء القوم يملكون مالاً أم لا، قال صاحب تفسير النكت والعيون «﴿خَرَاجاً﴾ و﴿خَرْجاً﴾ وفي اختلاف القراءتين ثلاثة أوجه: أحدها: أن الخراج الغلة والخرج الأجرة. الثاني: أن الخراج اسم لما يخرج من الأرض، والخرج ما يؤخذ عن الرقاب … الثالث: أن الخرج ما يؤخذ دفعة، والخراج ثابت مأخوذ في كل سنة … وقوله عز وجل: ﴿قَالَ مَا مَكَّنِّي فِيهِ رَبِّي خَيْرٌ﴾ يعني خير من الأجر الذي تبذلونه لي. ﴿فَأَعِينُونِي بِقُوَّةٍ﴾ فيه وجهان: أحدهما: بآلة .. الثاني: برجال»([29]).
والراجح أن لديهم موارد مالية ولذلك عرضوا على ذي القرنين أن يجعلو له خرجاً أو خراجاً، وهم أيضاً يملكون القوة العاملة البشرية ويملكون الموارد الطبيعية من القطع الحديد وخلافه، لكنهم لا يملكون العلم والمعرفة، فهم مفتقرون إلى العلم والتكنولوجيا والتخطيط وإلى وضوح الأهداف وطريقة التخطيط والتنفيذ، وفي التنمية وإدارة المشاريع نجد أن التخطيط السليم وفق الأهداف ثم استثمار الموارد المتاحة بفعالية والتنفيذ وفق أحسن طرق العلم من أهم عناصر التنمية.
ونرى ارتباط التنمية بالعدل في قصة ذي القرنين جلية واضحة فلا تنمية رشيدة دون عدل وإقامة الشريعة ودعم الصالحين والأخذ على يد المفسدين الظالمين؛ وهذه هي صفات الحاكم الصالح يأخذ على أيدي العاصين والمفسدين حتى يرجعوا إلى الشريعة والجادة القويمة، ويأخذ بأيدي المصلحين ويهيء لهم المناخ الصالح الذي يعينهم على الاستمرار في صلاحهم، وهذه الآيات الحكيمة: ﴿وَيَسۡـَٔلُونَكَ عَن ذِي ٱلۡقَرۡنَيۡنِۖ قُلۡ سَأَتۡلُواْ عَلَيۡكُم مِّنۡهُ ذِكۡرًا ٨٣ إِنَّا مَكَّنَّا لَهُۥ فِي ٱلۡأَرۡضِ وَءَاتَيۡنَٰهُ مِن كُلِّ شَيۡءٖ سَبَبٗا ٨٤ فَأَتۡبَعَ سَبَبًا ٨٥ حَتَّىٰٓ إِذَا بَلَغَ مَغۡرِبَ ٱلشَّمۡسِ وَجَدَهَا تَغۡرُبُ فِي عَيۡنٍ حَمِئَةٖ وَوَجَدَ عِندَهَا قَوۡمٗاۖ قُلۡنَا يَٰذَا ٱلۡقَرۡنَيۡنِ إِمَّآ أَن تُعَذِّبَ وَإِمَّآ أَن تَتَّخِذَ فِيهِمۡ حُسۡنٗا ٨٦ قَالَ أَمَّا مَن ظَلَمَ فَسَوۡفَ نُعَذِّبُهُۥ ثُمَّ يُرَدُّ إِلَىٰ رَبِّهِۦ فَيُعَذِّبُهُۥ عَذَابٗا نُّكۡرٗا ٨٧ وَأَمَّا مَنۡ ءَامَنَ وَعَمِلَ صَٰلِحٗا فَلَهُۥ جَزَآءً ٱلۡحُسۡنَىٰۖ وَسَنَقُولُ لَهُۥ مِنۡ أَمۡرِنَا يُسۡرٗا ٨٨﴾ [الكهف: 84-88].
إن جواب ذي القرنين على تخييره بين تعذيب القوم أو اتخاذ الحسنى فيهم ليدل على سلامة تفكيره وحكمته ورشاده في قيادته وحكومته، حيث لما خير في أمر هؤلاء القوم قال: أما من ظلم نفسه بإصراره على كفره وفسوقه وعصيانه فسوف نعذبه في هذه الدنيا ليرتدع ويكف عن ظلمه وبغيه، وأما في الآخرة فيعذبه ربه عذاباً فظيعاً منكراً وهو عذاب جهنم، وأما من اختار طريق الإيمان بالله وعمل العمل الصالح الذي يأمره به ربه فله جزاء الحسنى في الدنيا والآخرة، وسنقول لمن آمن وعمل صالحاً بما نأمره به قولاً سهلاً ميسوراً لا مشق فيه ولا تعب.
ويرى بعض المفسرين أن «قوله تعالى: ﴿قُلْنَا يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِمَّا أَنْ تُعَذِّبَ وَإِمَّا أَنْ تَتَّخِذَ فِيهِمْ حُسْنًا﴾ لا يحتمل التخيير، ولكنه على بيان الحكم لكل في نفسه؛ لأن سبب وجوبه مختلف، فتأويله: إما أن تعذب من ظلم، وتتخذ الحسن فيمن آمن باللَّه؛ ألا ترى أنه قال: ﴿أَمَّا مَنْ ظَلَمَ فَسَوْفَ نُعَذِّبُهُ﴾ ﴿وَأَمَّا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُ جَزَاءً الْحُسْنَى﴾»([30]).
قصة يوسف عليه السلام.
لا تنمية دون إدارة سليمة والإدارة تقتضي التخطيط والتشغيل والتقويم مع إدارة للمخاطر المحتملة، ونرى في القرآن الكريم وخصوصاً في قصة يوسف عليه السلام ماسبق واضحاً جلياً، نرى الاستعداد في الحاضر لما يواجه الإنسان في المستقبل، لتلافي مجاعة محتملة تهدد الناس كلهم. قال تعالى: ﴿ يُوسُفُ أَيُّهَا ٱلصِّدِّيقُ أَفۡتِنَا فِي سَبۡعِ بَقَرَٰتٖ سِمَانٖ يَأۡكُلُهُنَّ سَبۡعٌ عِجَافٞ وَسَبۡعِ سُنۢبُلَٰتٍ خُضۡرٖ وَأُخَرَ يَابِسَٰتٖ لَّعَلِّيٓ أَرۡجِعُ إِلَى ٱلنَّاسِ لَعَلَّهُمۡ يَعۡلَمُونَ ٤٦ قَالَ تَزۡرَعُونَ سَبۡعَ سِنِينَ دَأَبٗا فَمَا حَصَدتُّمۡ فَذَرُوهُ فِي سُنۢبُلِهِۦٓ إِلَّا قَلِيلٗا مِّمَّا تَأۡكُلُونَ ٤٧ ثُمَّ يَأۡتِي مِنۢ بَعۡدِ ذَٰلِكَ سَبۡعٞ شِدَادٞ يَأۡكُلۡنَ مَا قَدَّمۡتُمۡ لَهُنَّ إِلَّا قَلِيلٗا مِّمَّا تُحۡصِنُونَ ٤٨ ثُمَّ يَأۡتِي مِنۢ بَعۡدِ ذَٰلِكَ عَامٞ فِيهِ يُغَاثُ ٱلنَّاسُ وَفِيهِ يَعۡصِرُونَ﴾ [يوسف: 46-49].
في قصة يوسف عليه السلام عليه الصلاة والسلام نرى التخطيط الزراعي والاقتصادي بأوضح صورة وذلك لتحقيق الاكتفاء الذاتي من الغذاء ودرء المجاعة، والآيات تذكر عن يوسف عليه السلام كيف خطط للملك فقال له يوسف في تعبير الرؤيا: «أما السبع بقرات السمان فإنهم سبع سنين مخصبات وذوات نعمة، وأنتم تزرعون فيها، وهو قوله: قَالَ ﴿تَزْرَعُونَ﴾ أي: فازرعوا ﴿سَبْعَ سِنِينَ دَأَبًا﴾ أي: متوالية. والدأب: استمرار الشيء على عادة، وهو دائب يفعل كذا، أي: استمر في فعله، وقد دأب يدأب دأبا ودأبا، والمعنى: زراعة متوالية في هذه السنين على عادتكم ﴿فَمَا حَصَدْتُمْ﴾ مما زرعتم ﴿فَذَرُوهُ فِي سُنْبُلِهِ إِلا قَلِيلا مِمَّا تَأْكُلُونَ﴾ يعني: ما أردتم أكله فدوسوه، ودعوا الباقي في السنبل، لأنه أبقى له وأبعد عن الفساد ﴿ثُمَّ يَأْتِي مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ سَبْعٌ شِدَادٌ﴾ يعني: سبع سنين مجدبات، والشداد: الصعاب التي تشتد على الناس يَأْكُلْنَ يذهبن ويفنين ﴿مَا قَدَّمْتُمْ لَهُنَّ﴾ في السنين المخصبة ﴿إِلا قَلِيلا مِمَّا تُحْصِنُونَ﴾ تحرزون وتدخرون، والإحصان: إحراز الشيء، قوله: ﴿ثُمَّ يَأْتِي مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ عَامٌ فِيهِ يُغَاثُ النَّاسُ﴾ يقال: غاث الله البلاد يغيثها غيثاً إذا أنزل بها الغيث، ومعنى يغاث الناس: يمطرون ويسقون الغيث ﴿وَفِيهِ يَعْصِرُونَ ﴾ من السمسم دهناً، ومن العنب عصيراً، ومن الزيتون زيتاً للخصب الذي آتاهم كما كانوا يعصرون أيام الخصب»([31]).
يوسف عليه السلام فسَّر رؤيا الملك وزاد عليها بأن قدم خطة عملية تستغرق البلد كله والشعب كله، أي أن خطته اعتمدت على التشغيل الكامل للأمة والبرمجة الكاملة، ثم التشغيل الكامل لطاقة كل فرد في الأمة، وهذا الذي أراده يوسف عليه السلام وعبر عنه بقوله: ﴿تَزْرَعُونَ﴾، إن الذي يخطط له يوسف عليه السلام هو مضاعفة الإنتاج وتقليل الاستهلاك، لأن الأزمات والظروف الاستثنائية تحتاج إلى سلوك استثنائي، ولأن سلوك الناس في الأزمات غير سلوكهم في الظروف العادية ـ استرخاء وبطالة فإن هذه الأمة تكون في حالة خلل خطير يحتاج إلى علاج ومعالج خبير([32])، وإضاعة الموارد بعدم استغلالها أو بالإسراف في إنفاقها لا يصب في صالح التنمية والنهوض الحضاري، بل يكرس الفقر والتخلف.
وإدارة يوسف الحكيمة برزت في حسن التخطيط ووضع الأهداف ثم التنفيذ -ولا تخطيط دون تنبأ وأهداف- حيث نلاحظ أنه استشرف المستقبل ووضع أهدافاً له، فقد تنبأ بدورتين اقتصاديتين: دورة رواج تتبعها دروة ركود، ووضع أهدافاً لكل دورة من: استثمار، وتوفير، وإنفاق، ثم نفذ خطته مستعيناً بعناصر التخطيط وهي: السياسات، والوسائل والأدوات، والموارد المادية والبشرية، والإجراءات والبرامج الزمنية، والموازنة التخطيطية التقديرية، فجاءت الخطة لتوازن بين ثلاث أدوار هامة للنجاة الأول: الإنتاج، والثاني: الاستهلاك، والثالث: الادخار، وأن يعيد استثمار المدخرات، وعليه فقد أعلن خطته الثلاثية بمراحلها:
المرحلة الأولى: ﴿تَزْرَعُونَ سَبْعَ سِنِينَ دَأَبًا﴾ الطابع الغالب على المرحلة الأولى هو الإنتاج والادخار مع استهلاك محدود، فيوسف عليه السلام حدد خطط الإنتاج بالزراعة وحدد استمرار الإنتاج الزراعي سبع سنين العمل فيها دائب لا ينقطع، ومع هذا الجهد الكبير في الإنتاج المستمر كان هناك تحديد واضح للاستهلاك يبدو في قوله: ﴿إِلاَّ قَلِيلاً مِّمَّا تَأْكُلُونَ﴾ وأمر يوسف بحفظ السنابل المخزونة من الغلال كاملة كما هي ﴿فَذَرُوهُ فِي سُنبُلِهِ﴾.
المرحلة الثانية: ﴿ثُمَّ يَأْتِي مِن بَعْدِ ذَلِكَ سَبْعٌ شِدَادٌ﴾ فإذا ما انتهت سنوات الإنتاج السبع، بما فيها من جهد متصل دائب، واستهلاك محدود كان على الخطة أن تقابل تحدياً ضخماً هو توفير الأقوات سبع سنين عجاف وبعبارة أخرى؛ بعد الإنتاج والجهد الدائب في المرحلة الأولى سيأتي تحمل أيضاً في المرحلة الثانية وهو تحمل يحتاج إلى تنظيم دقيق يصل فيه الطعام إلى كل فم.
المرحلة الثالثة: ﴿ثُمَّ يَأْتِي مِن بَعْدِ ذَلِكَ عَامٌ فِيهِ يُغَاثُ النَّاسُ﴾ مع التحمل والتنظيم الدقيق ينبغي ألا تأتي السنوات العجاف على كل المدخرات، وإنما كان يوسف عليه السلام واضحاً في قوله: ﴿إِلاَّ قَلِيلاً مِّمَّا تُحْصِنُونَ﴾ فكان هذا الجزء المدخر هو “الخميرة “التي تستطيع بها الأمة أن تقابل متطلبات البذر الجديد بعد السنوات العجاف، أي إعادة استثمارات المدخرات([33]).
إن إدارة يوسف المعتمدة على التنمية الرشيدة حين صار على خزائن الأرض جعلت مخزون البلاد يفيض ويكفي بلده والبلاد المجاورة فصار يبيع الفائض من المخزون للأقوام المجاورين قال تعالى: ﴿وَقَالَ ٱلۡمَلِكُ ٱئۡتُونِي بِهِۦٓ أَسۡتَخۡلِصۡهُ لِنَفۡسِيۖ فَلَمَّا كَلَّمَهُۥ قَالَ إِنَّكَ ٱلۡيَوۡمَ لَدَيۡنَا مَكِينٌ أَمِينٞ ٥٤ قَالَ ٱجۡعَلۡنِي عَلَىٰ خَزَآئِنِ ٱلۡأَرۡضِۖ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٞ ٥٥ وَكَذَٰلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي ٱلۡأَرۡضِ يَتَبَوَّأُ مِنۡهَا حَيۡثُ يَشَآءُۚ نُصِيبُ بِرَحۡمَتِنَا مَن نَّشَآءُۖ وَلَا نُضِيعُ أَجۡرَ ٱلۡمُحۡسِنِينَ ٥٦ ﴾ [يوسف: 54-56] وقال تعالى: ﴿وَلَمَّا فَتَحُواْ مَتَٰعَهُمۡ وَجَدُواْ بِضَٰعَتَهُمۡ رُدَّتۡ إِلَيۡهِمۡۖ قَالُواْ يَٰٓأَبَانَا مَا نَبۡغِيۖ هَٰذِهِۦ بِضَٰعَتُنَا رُدَّتۡ إِلَيۡنَاۖ وَنَمِيرُ أَهۡلَنَا وَنَحۡفَظُ أَخَانَا وَنَزۡدَادُ كَيۡلَ بَعِيرٖۖ ذَٰلِكَ كَيۡلٞ يَسِيرٞ ٦٥﴾ [يوسف: 65].
نتائج البحث
من أهم النتائج:
- للتنمية الرشيدة أصل قرآني ظاهر.
- جاءت القصص القرآنية شارحة ومبينة للتنمية الرشيدة في جوانبها المتعددة.
- التنمية دون رشد قد تؤول إلى وبال على البشر وهي مفسدة للأرض وهي آفة من آفات الحضارة الغربية المعاصرة.
- يبين القرآن الكريم أن جميع جوانب التنمية الرشيدة، بما في ذلك الإنسان ونظرته الكونية ومعتقداته وقيمه، وكلها تؤدي دوراً متكاملاً ومترابطا ًفي عمارة الأرض ويؤثر بعضها في بعض.
- التركيز على بناء الإنسان بناء علمياً وعملياً وروحياً باعتبار دوره الأهم في التنمية الرشيدة.
- العناية بالعلم بمفهومه الشامل كما ورد في القرآن الكريم كعامل أساس في التنمية الرشيدة.
فهرس المصادر والمراجع
- أدب الدنيا والدين أدب الدنيا والدين المؤلف: أبو الحسن علي بن محمد بن محمد بن حبيب البصري البغدادي، الشهير بالماوردي (ت ٤٥٠هـ) دار مكتبة الحياة الطبعة: بدون طبعة، ١٩٨٦م
- إشكالية التنمية ووسائل النهوض.. رؤية في الإصلاح، إعداد مركز البحوث والدراسات التابع لوزارة الأوقاف القطرية الطبعة الأولى سنة 2008 عدة باحثين.
- أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن: محمد الأمين بن محمد المختار بن عبد القادر الجكني الشنقيطي (المتوفى: ١٣٩٣هـ) دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع بيروت– لبنان عام النشر: ١٤١٥ هـ – ١٩٩٥ (٤/ ٢٣٦)، التفسير الوسيط للقرآن الكريم: محمد سيد طنطاوي دار نهضة مصر للطباعة والنشر والتوزيع، الفجالة – القاهرة، الطبعة: الأولى
- أنوار التنزيل وأسرار التأويل: ناصر الدين أبو سعيد عبد الله بن عمر بن محمد الشيرازي البيضاوي (ت ٦٨٥هـ) المحقق: محمد عبد الرحمن المرعشلي دار إحياء التراث العربي – بيروت الطبعة: الأولى – ١٤١٨ هـ
- البحر المحيط في التفسير، أبو حيان محمد بن يوسف بن علي بن يوسف بن حيان أثير الدين الأندلسي (ت ٧٤٥هـ) المحقق: صدقي محمد جميل دار الفكر– بيروت، الطبعة: ١٤٢٠ هـ.
- التحرير والتنوير «تحرير المعنى السديد وتنوير العقل الجديد من تفسير الكتاب المجيد»: محمد الطاهر بن محمد بن محمد الطاهر بن عاشور التونسي (المتوفى: ١٣٩٣هـ) الدار التونسية للنشر – تونس سنة النشر: ١٩٨٤ه.
- التربية الأمنية في ضوء القرآن الكريم – دراسة موضوعية، للدكتور عبد السلام حمدان اللوح، والدكتور محمود هاشم عنبر، بحث منشور في مجلة الجامعة الإسلامية، المجلد الرابع عشر، العدد الأول، يناير، 2006م.
- تفسير الرازي +مفاتيح الغيب = التفسير الكبير، أبو عبد الله محمد بن عمر بن الحسن بن الحسين التيمي الرازي الملقب بفخر الدين الرازي خطيب الري (ت ٦٠٦هـ)، دار إحياء التراث العربي – بيروت الطبعة: الثالثة – ١٤٢٠ هـ.
- تفسير الزمخشري = الكشاف عن حقائق غوامض التنزيل، المؤلف: أبو القاسم محمود بن عمرو بن أحمد، الزمخشري جار الله (ت ٥٣٨هـ) دار الكتاب العربي – بيروت الطبعة: الثالثة – ١٤٠٧ هـ(مع الكتاب حاشية (الانتصاف فيما تضمنه الكشاف) لابن المنير الإسكندري (ت ٦٨٣)، وتخريج أحاديث الكشاف للإمام الزيلعى،(4/ 502) .
- تفسير السمعاني= تفسير القرآن المؤلف: أبو المظفر، منصور بن محمد بن عبد الجبار ابن أحمد المروزى السمعاني التميمي الحنفي ثم الشافعي (ت ٤٨٩هـ) المحقق: ياسر بن إبراهيم وغنيم بن عباس بن غنيم دار الوطن، الرياض– السعودية الطبعة: الأولى، ١٤١٨هـ- ١٩٩٧م.
- تفسير الطبري= جامع البيان عن تأويل آي القرآن، أبو جعفر، محمد بن جرير الطبري (٢٢٤ – ٣١٠هـ)، دار التربية والتراث – مكة المكرمة.
- تفسير الماتريدي = تأويلات أهل السنة تفسير الماتريدي = تأويلات أهل السنة محمد بن محمد بن محمود، أبو منصور الماتريدي (ت ٣٣٣هـ) المحقق: د.مجدي باسلوم دار الكتب العلمية -بيروت، لبنان الطبعة: الأولى، ١٤٢٦هـ – ٢٠٠٥م.
- تفسير الماوردي= النكت والعيون أبو الحسن علي بن محمد بن محمد بن حبيب البصري البغدادي، الشهير بالماوردي (ت ٤٥٠هـ(المحقق: السيد ابن عبد المقصود بن عبد الرحيم، ، دار الكتب العلمية – بيروت / لبنان.
- تفسير المنار =تفسير القرآن الحكيم: محمد رشيد بن علي رضا بن محمد شمس الدين بن محمد بهاء الدين بن منلا علي خليفة القلموني الحسيني (ت ١٣٥٤هـ)،الهيئة المصرية العامة للكتاب١٩٩٠ م.
- التنمية المستدامة عبدالرحيم محمد علي البركي.مجلة الإقتصاد والتجارة جامعة الزيتونة – كلية الإقتصاد والعلوم السياسية.
- زاد المسير في علم التفسير جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن محمد الجوزي (ت ٥٩٧هـ)،المحقق: عبد الرزاق المهدي، دار الكتاب العربي – بيروت.
- زهرة التفاسير، محمد بن أحمد بن مصطفى بن أحمد المعروف بأبي زهرة (ت ١٣٩٤هـ)، دار الفكر العربي، (7/ ٣٧٢٣).
- سورة يوسف، دراسة تحليلة، د.أحمد نوفل، دار الفرقان، عمان الأردن، ط 1989 .
- لطائف الإشارات = تفسير القشيري عبد الكريم بن هوازن بن عبد الملك القشيري (ت ٤٦٥هـ)المحقق: إبراهيم البسيوني الهيئة المصرية العامة للكتاب – مصر الطبعة: الثالثة .
- معاني القرآن وإعرابه للزجاج ، إبراهيم بن السري بن سهل، أبو إسحاق الزجاج (ت ٣١١هـ)، المحقق: عبد الجليل عبده شلبي ، عالم الكتب – بيروت، الطبعة: الأولى ١٤٠٨ هـ – ١٩٨٨ م.
- معجم مفردات ألفاظ القرآن الكريم، الراغب الأصفهاني، ، تحقيق، إبراهيم شمس الدين. دار الكتب العلمية.
- الهداية الهداية إلى بلوغ النهاية في علم معاني القرآن وتفسيره، وأحكامه، وجمل من فنون علومه: أبو محمد مكي بن أبي طالب حَمّوش بن محمد بن مختار القيسي القيرواني ثم الأندلسي القرطبي المالكي (ت ٤٣٧هـ) المحقق: مجموعة رسائل جامعية بكلية الدراسات العليا والبحث العلمي – جامعة الشارقة، بإشراف أ.د: الشاهد البوشيخي مجموعة بحوث الكتاب والسنة – كلية الشريعة والدراسات الإسلامية – جامعة الشارقة الطبعة: الأولى، ١٤٢٩ هـ -٢٠٠٨ م .
- الوسيط في تفسير القرآن المجيد، أبو الحسن علي بن أحمد بن محمد بن علي الواحدي، النيسابوري، الشافعي (ت ٤٦٨هـ) تحقيق وتعليق: الشيخ عادل أحمد عبد الموجود، الشيخ علي محمد معوض، الدكتور أحمد محمد صيرة، الدكتور أحمد عبد الغني الجمل، الدكتور عبد الرحمن عويس قدمه وقرظه: الأستاذ الدكتور عبد الحي الفرماوي، دار الكتب العلمية، بيروت – لبنان الطبعة: الأولى، ١٤١٥هـ – ١٩٩٤م.
Margins:
- () يمكننا اعتبار المصطلح القرآني (عمارة الأرض) المقابل أو الرديف للتنمية من الجانب المادي؛ لأن دلالات هذا المصطلح تتضمن معاني الوسيلة التي تتحقق بها التنمية، قال تعالى: ﴿وإلى ثمود أخاهم صالحا قال يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره هو أنشأكم من الأرض واستعمركم فيها فاستغفروه ثم توبوا إليه إنّ ربي قريب مجيب﴾ [هود: 61] قال الراغب الأصفهاني: ﴿واستعمركم فيها﴾ أي: “فوض إليكم أن تعمروها”. معجم مفردات ألفاظ القرآن الكريم، الراغب الأصفهاني، ، تحقيق، إبراهيم شمس الدين. دار الكتب العلمية (ص 388). ↑
- () لم يقصد البحث الاستقصاء عن جوانب التنمية أو الآيات الواردة بل إلقاء الضوء على أهمها والربط مع القصص القرآني. والدراسات في هذا الباب كثيرة منها على سبيل المثال: التنمية المستدامة عبدالرحيم محمد علي البركي.مجلة الاقتصاد والتجارة جامعة الزيتونة – كلية الاقتصاد والعلوم السياسية، وكتاب إشكالية التنمية ووسائل النهوض..رؤية في الإصلاح، إعداد مركز البحوث والدراسات التابع لوزارة الأوقاف القطرية الطبعة الأولى سنة 2008 عدة باحثين. ↑
- () زهرة التفاسير، محمد بن أحمد بن مصطفى بن أحمد المعروف بأبي زهرة (ت ١٣٩٤هـ)، دار الفكر العربي، (7/ ٣٧٢٣). ↑
- () أبو القاسم جار الله محمود بن عمر الزمخشري (467 – 538 هـ 1075 – 1144 م) النحوي، اللغوي، المتكلم، المعتزلي، المفسر وتفسيره” الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل في وجوه التأويل”. ينظر: سير أعلام النبلاء – ط الرسالة(20/136) ، وطبقات المفسرين (ص120) و الأعلام للزركلي: (7/ 178). ↑
- () البحر المحيط في التفسير، أبو حيان محمد بن يوسف بن علي بن يوسف بن حيان أثير الدين الأندلسي (ت ٧٤٥هـ) المحقق: صدقي محمد جميل دار الفكر– بيروت، الطبعة: ١٤٢٠ هـ (8/378). ↑
- () في القرآن آيات كثيرة عن العمل وعمارة الأرض وتوفير الغذاء، وفي السنة النبوية تصريح بالحث على العمل وترك البطالة كقوله صلى الله عليه وآله وسلم: «مَا أَكَلَ أَحَدٌ طَعَامًا قَطُّ، خَيْرًا مِنْ أَنْ يَأْكُلَ مِنْ عَمَلِ يَدِهِ، وَإِنَّ نَبِيَّ اللَّهِ دَاوُدَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ، كَانَ يَأْكُلُ مِنْ عَمَلِ يَدِهِ» صحيح البخاري – ط السلطانية صحيح البخاري المؤلف: أبو عبد الله، محمد بن إسماعيل بن إبراهيم بن المغيرة ابن بردزبه البخاري الجعفي، تحقيق: جماعة من العلماء، الطبعة: السلطانية، بالمطبعة الكبرى الأميرية، ببولاق مصر، ١٣١١ هـ، بأمر السلطان عبد الحميد الثاني، ثم صَوّرها بعنايته: د.محمد زهير الناصر، وطبعها الطبعة الأولى عام ١٤٢٢ هـ لدى دار طوق النجاة – بيروت، مع إثراء الهوامش بترقيم الأحاديث لمحمد فؤاد عبد الباقي، والإحالة لبعض المراجع المهمة:رقم الحديث 2072 (3/ 57). وكقوله صلى الله عليه وسلم: «وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لَأَنْ يَأْخُذَ أَحَدُكُمْ حَبْلَهُ، فَيَحْتَطِبَ عَلَى ظَهْرِهِ، خَيْرٌ لَهُ مِنْ أَنْ يَأْتِيَ رَجُلًا فَيَسْأَلَهُ، أَعْطَاهُ أَوْ مَنَعَهُ». صحيح البخاري – ط السلطانية رقم الحديث 1470 (2/ 123) . ↑
- () التحرير والتنوير «تحرير المعنى السديد وتنوير العقل الجديد من تفسير الكتاب المجيد»: محمد الطاهر بن محمد بن محمد الطاهر بن عاشور التونسي (المتوفى: ١٣٩٣هـ) الدار التونسية للنشر – تونس سنة النشر: ١٩٨٤ه : (29/ 31). ↑
- () تفسير الزمخشري = الكشاف عن حقائق غوامض التنزيل، المؤلف: أبو القاسم محمود بن عمرو بن أحمد، الزمخشري جار الله (ت ٥٣٨هـ) دار الكتاب العربي – بيروت الطبعة: الثالثة – ١٤٠٧ هـ(مع الكتاب حاشية (الانتصاف فيما تضمنه الكشاف) لابن المنير الإسكندري (ت ٦٨٣)، وتخريج أحاديث الكشاف للإمام الزيلعى،(4/ 502) ↑
- () تفسير المنار(8/ 121) :. ↑
- () تفسير الماوردي (1/ 253). ↑
- () تفسير السمعاني= تفسير القرآن المؤلف: أبو المظفر، منصور بن محمد بن عبد الجبار ابن أحمد المروزى السمعاني التميمي الحنفي ثم الشافعي (ت ٤٨٩هـ) المحقق: ياسر بن إبراهيم وغنيم بن عباس بن غنيم دار الوطن، الرياض– السعودية الطبعة: الأولى، ١٤١٨هـ- ١٩٩٧م (4/ 461). ↑
- () تفسير الماتريدي = تأويلات أهل السنة تفسير الماتريدي = تأويلات أهل السنة محمد بن محمد بن محمود، أبو منصور الماتريدي (ت ٣٣٣هـ) المحقق: د.مجدي باسلوم دار الكتب العلمية -بيروت، لبنان الطبعة: الأولى، ١٤٢٦هـ – ٢٠٠٥م (9/ 572) . ↑
- () ينظر: التربية الأمنية في ضوء القرآن الكريم – دراسة موضوعية، للدكتور عبد السلام حمدان اللوح، والدكتور محمود هاشم عنبر، بحث منشور في مجلة الجامعة الإسلامية، المجلد الرابع عشر، العدد الأول، يناير، 2006م: 232. ↑
- () التحرير والتنوير للطاهر بن عاشور (22/ 181). ↑
- () التحرير والتنوير(4/ 234) . ↑
- () جامع البيان، ط: دار التربية والتراث (17/ 433). ↑
- () زاد المسير في علم التفسير (3/ 20). ↑
- () يقصد بمفهوم التنمية المستدامة أو الرشيدة: توفير حاجيات الأجيال الحالية وتحقيق رفاههم دون المساس بقدرة الأجيال القادمة على تحقيق حاجياتهم وتحقيق رفاههم، وذلك بحفظ الثروات واستثمارها بأعلى مستوى من المسؤولية والعقلانية. ↑
- () أمر الإسلام بالمحافظة على المياه والنظافة، ورعاية الحيوان، والحفاظ على التنوع البيئي والغطاء النباتي، واعتبر كل عمل مهما كان بسيطاً في حماية البيئة عملاً مأجوراً مبروراً ويدخل في شُعب الإيمان كما جاء فى قوله صلى الله عليه وسلم «الْإِيمَانُ بِضْعٌ وَسَبْعُونَ بَابًا، فَأَدْنَاهُ إِمَاطَةُ الْأَذَى عَنِ الطَّرِيقِ، وَأَرْفَعُهَا قَوْلُ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ» مسند أحمد (15/ 466 ط الرسالة) برقم 9748. ↑
- () أدب الدنيا والدين أدب الدنيا والدين المؤلف: أبو الحسن علي بن محمد بن محمد بن حبيب البصري البغدادي، الشهير بالماوردي (ت ٤٥٠هـ) دار مكتبة الحياة الطبعة: بدون طبعة، ١٩٨٦م (ص144). ↑
- () تفسير الماتريدي (4/ 496). ↑
- () معاني القرآن وإعرابه للزجاج (2/ 354). ↑
- () تفسير الرازي (18/ 386) :. ↑
- () تفسير الرازي (5/ 346). ↑
- () تفسير الماتريدي (8/ 78). ↑
- () التحرير والتنوير (19/ 175). ↑
- () تفسير الماوردي= النكت والعيون أبو الحسن علي بن محمد بن محمد بن حبيب البصري البغدادي، الشهير بالماوردي (ت ٤٥٠هـ( المحقق: السيد ابن عبد المقصود بن عبد الرحيم، دار الكتب العلمية – بيروت / لبنان (3/ 338). ↑
- () تفسير الماتريدي (7/ 205). ويدعم هذا المعنى ما نقله ابن كثير: وفِي “الْمُخْتَارَةِ” لِلْحَافِظِ الضِّيَاءِ الْمُقَدِّسِيِّ.. قَالَ: كُنْتُ عِنْدَ عَلِيٍّ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، وَسَأَلَهُ رَجُلٌ عَنْ ذِي الْقَرْنَيْنِ: كَيْفَ بَلَغَ الْمَشَارِقَ وَالْمَغَارِبَ؟ فَقَالَ سُبْحَانَ اللَّهِ سَخَّرَ لَهُ السَّحَابَ، وقَدَّر لَهُ الْأَسْبَابَ، وَبَسَطَ له اليد.ينظر: تفسير ابن كثير – ت السلامة (5/ 190). ↑
- () تفسير الماوردي (3/ 342). ↑
- () تفسير الماتريدي (3/ 507). ↑
- () الوسيط في تفسير القرآن المجيد، أبو الحسن علي بن أحمد بن محمد بن علي الواحدي، النيسابوري، الشافعي (ت ٤٦٨هـ) تحقيق وتعليق: الشيخ عادل أحمد عبد الموجود، الشيخ علي محمد معوض، الدكتور أحمد محمد صيرة، الدكتور أحمد عبد الغني الجمل، الدكتور عبد الرحمن عويس قدمه وقرظه: الأستاذ الدكتور عبد الحي الفرماوي، دار الكتب العلمية، بيروت – لبنان الطبعة: الأولى، ١٤١٥هـ – ١٩٩٤م (2/ 616). ↑
- () ينظر: سورة يوسف، دراسة تحليلة، د.أحمد نوفل، دار الفرقان، عمان الأردن، ط 1989 ص: 409. ↑
-
() ينظر: سورة يوسف، دراسة تحليلة، ص: 415، 416. ↑